التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

حلا سلميا أي على أساس انصاف الحلول التي يحصل عن طريقها المعتدي على شروط ومكاسب تشجعه على العدوان كلما سنحت الفرصة ، ثم يتعود انصاف الحلول ، ويحصل بها على ما يبتغي ، وهكذا دواليك ، حتى تتم له السيطرة على الجميع .. والسبيل الوحيد لاستئصال الداء من جذوره هو ما رسمه الله لنا بقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) الذين تحرروا من الأحقاد والمطامع ، ووحدوا صفوفهم كافة لقتال عدوهم وعدو الله والانسانية.

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً). النسيء مصدر بمعنى الانساء أي التأخير ، والمراد به هنا ان المشركين كانوا يؤخرون حرمة شهر كالمحرم إلى شهر آخر لا حرمة له كصفر ، فإذا كان من مصلحتهم أن يقاتلوا في الشهر الحرام قاتلوا فيه ولم يبالوا ، ولكنهم يحرمون بدلا عنه شهرا آخر من أشهر الحلال لتكون الأشهر المحرمة أربعة من كل عام (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ). وأوضح تفسير لهذا ما نقل عن ابن عباس : انهم ما أحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال ، وما حرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام ، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرام أربعة مطابقة لما ذكره الله ، وهذا هو المراد من المواطأة.

(زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ). الأهواء والاغراض هي التي تعمي صاحبها عن سوء عمله فتريه الشر خيرا ، والحسن قبيحا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ). أي تركهم لما هم فيه بعد اليأس من هدايتهم. انظر ج ٢ ص ٣٩٩. الإضلال من الله سلبي. لا ايجابي.

ما لكم اذا قيل لكم الآية ٣٨ ـ ٤٠ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ

٤١

إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))

اللغة :

النفر من الشيء الفرار منه ، وإلى الشيء الاقدام عليه ، وهذا المعنى هو المراد هنا. والتثاقل التباطؤ ضد التسرع. والاستبدال جعل أحد الشيئين بدلا من الآخر مع طلبه. والسكينة سكون النفس واطمئنانها.

الإعراب :

اثاقلتم أصلها تثاقلتم ، ثم أدغمت التاء في الثاء ، وجيء بألف الوصل ليمكن الابتداء بها. وإلا تنفروا (إلا) مركبة من كلمتين : إن ولا ، ومثلها إلا تنصروه. وإذ أخرجه (إذ) ظرف متعلق بنصره ، وإذ الثانية بدل من إذ الأولى ، وإذ الثالثة بدل ثان. وثاني اثنين حال من الهاء في أخرجه. وكلمة الذين كفروا بالنصب مفعولا لجعل. وكلمة الله بالرفع على الابتداء ، والجملة مستأنفة ، لأن كلمة الله لا تعطف على كلمة الذين كفروا ، ولأنها عليا بذاتها ، لا بجعل جاعل.

٤٢

غزوة تبوك :

هذه الآيات إلى القريب من آخر السورة نزلت في غزوة تبوك ، وما لابسها من الأحداث ، وتتلخص بأن الروم كانوا يملكون الشام ، وهي على حدود الجزيرة وقد سمعوا بقوة الإسلام ونموه ، فخاف هرقل ملك الروم على دولته من المسلمين ، وقال : لئن تركتهم حتى يقبلوا فلن تقوم لدولتي في الشرق قائمة ، وعزم أن يكون هو البادئ.

ورأى النبي (ص) أن لا ينتظر حتى يأتي هرقل بجنوده إلى المدينة ، فاستنفر الناس إلى قتال الروم ، وكان الحرّ في الجزيرة آنذاك على أشده ، فوجد المنافقون الفرصة للتخذيل ، وخوّفوا المسلمين من بعد السفر ، وقسوة القيظ ، وكثرة العدو ، ولاقت دعوتهم هوى في نفوس ضعاف الايمان ، فاعتذروا وتعللوا .. ولكن النبي (ص) أعلن الجهاد والنفير العام ، ولم يأذن بالتخلف إلا للمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وتثبيطهم فقد تطوع لقتال الروم حوالى ٣٠ ألفا .. وقبل أن يخرج النبي (ص) بجيشه إلى الروم خلّف على أهله وعياله عليّ ابن أبي طالب ، قال مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١٠٨ طبعة ١٣٤٨ ه‍ : «فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟. فقال رسول الله (ص) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟».

ومضى جيش المسلمين ، وانطلقوا جميعا يخوضون الصحارى في لهيب يشوي الوجوه والأبدان .. وعلى الطريق لحق بهم الصحابي الجليل أبو ذر ماشيا ، إذ لم يجد ما يركبه. بينما انسحب رأس النفاق ابن أبيّ بجزء من الجيش ، وعادوا إلى المدينة ، فاستقبلتهم النساء بالعويل ، وحثون في وجوههم التراب.

وبعد سبعة أيام من السير المضني بلغ جيش الإسلام حدود الدولة الرومانية ، وتقدم أمير المنطقة يعرض على النبي (ص) الصلح على أن يدفع الجزية ، فقبل النبي ، وتقدم بجيشه ، حتى بلغ مدينة تبوك ، وتقع في منتصف الطريق بين المدينة المنورة ودمشق ، وكان ذلك في رجب سنة تسع للهجرة ، وصادف أن حاكم تبوك كان خارجا للصيد ، فأسره المسلمون ، واستسلمت المدينة ، وانتقل

٤٣

الرسول (ص) من موقعة إلى موقعة ، حتى قهر حاميات الحدود الرومانية ، وحرر القبائل العربية هناك من حكم الروم .. حدث هذا كله في ٢٠ يوما.

وعاد المسلمون إلى المدينة محملين بالغنائم ، وقرر النبي (ص) مقاطعة من تخلف عن جيش الإسلام ، وحرم على الناس أن يكلموهم أو يعاملوهم ، حتى الزوجات والأبناء ، والتفصيل في الآيات الآتية بخاصة عند تفسير الآية ١١٧ و ١١٨.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ). ولما استنفر النبي (ص) المسلمين لغزوة تبوك شق ذلك على البعض منهم ، وآثروا الميل إلى الخلود والإقامة في أرضهم وبيوتهم ، وكان من عادة النبي إذا خرج إلى غزوة أن يوهم الناس انه خارج إلى غيرها لمصلحة الحرب التي تستدعي الكتمان .. ولكنه صرح بهذه الغزوة ليكون الناس على بصيرة مما يلاقيه فيها من المشاق والمصاعب ، واعتذر بعض المفسرين عمن تباطأ وتثاقل بأن الوقت كان شديد الحرارة ، والناس في ضيق من قلة الطعام ، وبأن ثمار المدينة كان قد تم صلاحها ، وآن وقت قطافها .. ومهما يكن ، فإن الخطاب ـ بطبيعة الحال ـ موجه إلى المتثاقلين عن الجهاد ، وقد عاتبهم الله بقوله : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ). أي هل يليق بإيمانكم وعقولكم أن تؤثروا نعيم الدنيا الحقير الزائل على نعيم الآخرة العظيم الدائم؟.

(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً). (الا) مركبة من ان الشرطية ، ولا النافية. والمعنى ان لم تستجيبوا لدعوة النبي والخروج معه إلى قتال الروم فإن الله ينزل بكم العذاب الأليم أيها المتثاقلون والمنافقون ، وينصر نبيه بأيدي غيركم ، ولا يضر الله ورسوله تباطؤ المتثاقلين ولا نفاق المنافقين (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه عقابكم ، ولا نصرة دينه ونبيه بأصحاب خير منكم.

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا). يشير إلى حادثة

٤٤

المكر والمؤامرة التي دبرها كفار قريش لقتل النبي (ص) ، وهو نائم في فراشه ، وإلى نجاته منهم بمبيت عليّ في مكانه ، وهجرته من مكة إلى المدينة بعد أن أطلعه الله على كيدهم ومكرهم .. وتكلمنا عن ذلك عند تفسير الآية ٣٠ من سورة الأنفال. (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا). المراد بثاني اثنين والصاحب ، أبو بكر ، لأنه كان مع النبي في هجرته ، وقد اختبآ معا من المشركين في غار جبل ثور. قال الرازي : «لما طلب المشركون الأثر وقربوا من الغار بكى أبو بكر خوفا على النبي ، فقال له : لا تحزن إن الله معنا. فقال أبو بكر : إن الله معنا. فقال الرسول : نعم».

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها). قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره (النهر المارد من البحر) : «قال ابن عباس : السكينة الرحمة والوقار. والضمير في عليه عائد على رسول الله (ص) ، إذ هو المحدث عنه» ويتفق هذا مع قول شيخ الأزهر المراغي ، حيث قال في تفسيره ما نصه بالحرف : «أي فأنزل الله طمأنينته التي يسكن عندها القلب على رسوله ، وقوّاه بجنود من عنده وهم الملائكة». وأيضا يتفق مع سياق الآية لأن الضمائر في نصره وأخرجه وأيده كلها تعود إلى النبي (ص). (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ، وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا). كلمة الله هي التوحيد ، وكلمة الذين كفروا هي الشرك والكفر.(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقد اقتضت حكمته أن ينصر نبيه بعزته ، ويظهر دينه على جميع الأديان.

انفروا خفافا وثقالا الآية ٤١ ـ ٤٣ :

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا

٤٥

لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣))

اللغة :

الخفة هنا استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة ، والثقل لمن يمكنه بصعوبة ، والمراد بهما النفر على كل حال. والعرض ما يعرض للإنسان من متاع غير دائم. السفر القاصد الهين : من القصد وهو الاعتدال. والشقة الطريق التي يشق سلوكها.

الإعراب :

خفافا وثقالا حال من الواو في انفروا. ولو كان عرضا اسم كان محذوف أي لو كان ما دعوا اليه. ولم متعلق بأذنت ومثلها لهم. ويتبين منصوب بأن مضمرة بعد حتى ، والمصدر المنسبك مجرور بحتى متعلقا بمحذوف أي هلا اخرتهم إلى أن يتبين لك.

النفير العام :

(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ). الخفاف جمع خفيف ، والمراد به هنا من يستطيع الجهاد بيسر ، والثقال جمع ثقيل ، وهو من يستطيع الجهاد بشيء من المشقة. والآية تدل على وجوب النفير العام ، واليك البيان.

إذا حاول العدو أن يعتدي على دين الإسلام بتحريف كتاب الله وما ثبت من سنة نبيه ، أو بصد المسلمين ومنعهم عن اقامة الفرائض والشعائر الدينية ، أو حاول الاستيلاء على بلد من بلادهم ـ إذا كان الأمر كذلك وجب على المسلمين

٤٦

أن يجاهدوا هذا العدو ، ويردعوه عن غيه وضلاله ، فإن أمكن ردعه بجهاد بعض المسلمين وجب الجهاد به كفاية إذا قام البعض سقط عن الكل ، وإذا أهملوا جميعا فهم مسؤولون ومستحقون للعقاب بلا استثناء ، وإذا توقف الردع على النفير العام كان الجهاد عينا على الشبان والشيوخ والنساء والمرضى ، من كل حسب قدرته.

قال صاحب الجواهر : «إذا داهم المسلمين عدو من الكفار يخشى منه على بيضة الإسلام ، أو يريد الكافر الاستيلاء على بلاد المسلمين وأسرهم وسبيهم وأخذ أموالهم ، إذا كان كذلك وجب الدفاع على الحر والعبد والذكر والأنثى والسليم والمريض والأعمى والأعرج وغيرهم إن احتيج اليهم ، ولا يتوقف على حضور الإمام ولا اذنه ، ولا يختص بالمعتدى عليهم والمقصودين بالخصوص ، بل يجب النهوض على كل من علم بالحال ، وإن لم يكن الاعتداء موجها اليه .. هذا إذا لم يعلم بأن من يراد الاعتداء عليهم قادرون على صد العدو ومقاومته».

هذا هو عهد الله أخذه على كل مسلم باتفاق جميع المذاهب ، تماما كاتفاقهم على وجوب الصوم والصلاة ، والحج والزكاة .. وقد ابتلي المسلمون والعرب الآن بعصابة صهيونية استعمارية اعتدت على دينهم وبلادهم ، وقتلت وشردت وسجنت الألوف .. فعلى كل عربي ومسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن يجاهد بكل طاقاته ضد هذه العصابة المسماة بدولة إسرائيل. أي النفير خير للمسلمين في دينهم ودنياهم. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). أجل ، نحن نعلم بأن النفير لجهاد إسرائيل واجب على كل مسلم ، ولكن الذي يمنعنا عن جهاد إسرائيل هم القادة الخائنون ، فعلينا أن نجاهد هؤلاء قبل كل شيء لأنهم علة العلل ، ولولا خيانتهم لدينهم وأمتهم ، وطاعتهم العمياء للصهيونية والاستعمار ما كان لاسرائيل عين ولا أثر.

(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) ضمير اتبعوك يعود إلى من تخلّف عن الخروج مع النبي (ص) في غزوة تبوك ، والعرض القريب الغنيمة الباردة ، والسفر القاصد هو السهل القريب ، والمعنى لو دعوتهم يا محمد إلى المنفعة العاجلة لأسرعوا إلى تلبيتك (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ). فالسفر إلى الشام ، ودونها الصحراء بعواصفها الرملية ، وهجيرها اللاهب ، والعدو ودولة الروم أقوى دول

٤٧

الأرض آنذاك .. فكيف يستجيبون لدعوتك ، والحال هذه؟ ولا يختص هذا الوصف بمن تخلّف عن غزوة تبوك ، فإن النفس تميل بطبعها إلى الراحة والمنفعة ، ولكن أهل الايمان يروضون أنفسهم بالتقوى ، فتستهين بكل شيء يرضي الله ورسوله. قال الإمام علي (ع) : أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. وتقدم ما يتصل بذلك في ج ٢ ص ٣٢٣ عند تفسير الآية ٣٧ من سورة النساء.

(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ). هذا إخبار من الله لنبيه بأن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قد أعدوا له عند رجوعه الأعذار والأيمان الكاذبة .. وبديهة ان صفة الكذب لا تنفك عن المنافق وإلا لم يكن منافقا (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) لأنهم أهلكوا دينهم بالكذب والنفاق (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في أعذارهم وايمانهم .. وقيل : لا يكذب إلا جبان ، ونعطف على الجبان من أهلكته المطامع.

(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ). حين دعا النبي (ص) الناس إلى الجهاد استأذن بعضهم بالتخلف ، وتعللوا بالمعاذير ، فأذن النبي لهم قبل أن يعلم صدقهم من كذبهم فيما اعتذروا به ، فعاتبه الله سبحانه على ذلك ، وقال له : كان الأولى أن تتريث في الاذن لهم حتى تنكشف حقيقتهم هذا ما يعطيه ظاهر الآية.

وتسأل : ان النبي (ص) معصوم عن الخطأ ، وقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) يستدعي وجود الذنب ، وكذلك الإنكار في قوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟.

الجواب : ان العفو من الله لا يستدعي وجوب الذنب ، فكثيرا ما يكون تعبيرا عن ثوابه ورحمته ، وقد كان جميع الأنبياء يطلبون العفو منه تعالى .. أما الاستفهام الانكاري فالأمر فيه سهل ، حيث يصح في العمل المباح وغيره ، فتقول لصاحبك : لم فعلت هذا؟ وأنت لا تريه انه ارتكب منكرا ، وإنما تريد شيئا آخر ، والغرض هنا من عتاب الله لنبيه هو بيان كذب المنافقين في اعتذارهم ، وانه كان لمجرد الفرار من الجهاد ، وهذا الأسلوب أبلغ في الدلالة على نفي العذر من كل أسلوب .. هذا ، إلى أن سبحانه قال في الآية ١١٧ من هذه السورة : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ). وإذا كانت التوبة لا تدل وجود الذنب فبالأولى العفو والاستفهام.

٤٨

لا يستأذنك الذين يؤمنون الآية ٤٤ ـ ٤٨ :

(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨))

اللغة :

العدة الأهبة. وانبعاثهم خروجهم. فثبطهم أوهن عزمهم. والخبال الاضطراب في الرأي. وخلالكم بينكم. والمراد بالفتنة هنا التشكيك في الدين والتخويف من الأعداء. وقلبوا لك الأمور أي دبروا لك المكايد من كل وجه.

المعنى :

(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ). وما هو السبب المبرر للاستئذان ما دام الجهاد واجبا؟. وهل يستأذن المؤمن حقا بأن يصلي ويصوم وان يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله؟.

٤٩

(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ان كلا من هذه الآية والتي قبلها تدل بالمفهوم على معنى الأخرى ، لأن معنى : المؤمن لا يستأذن في التخلف عن الجهاد أن غير المؤمن يستأذن ، ومعنى غير المؤمن يستأذن ان المؤمن لا يستأذن .. وجمع الله بين الآيتين لتأكيد المعنى وتقريره.

(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ). أي انهم يتظاهرون بالإسلام ، أما في الواقع فهم مشككون لا يجزمون بصدقه ولا بكذبه ، وهذا هو النفاق لأن الصادق المخلص يتصرف بما يمليه عليه عقله ، ويعلنه على الملأ شكا كان أو يقينا.

(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) مع رسول الله إلى غزوة تبوك (لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) من الزاد والراحلة. وقد كانوا قادرين على ذلك (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) مع المؤمنين ، لأنهم لا يخرجون إلا للفساد والفتنة ، كما فعلوا في غزوة حنين ، حيث خرج أبو سفيان ومن لف لفه مع الرسول ، ولما حمي الوطيس ولوا الأدبار وتضعضع جيش المسلمين (فَثَبَّطَهُمْ) ان الله سبحانه أمرهم بالخروج لأجل الجهاد ، فعزموا على الخروج للفساد واشاعة الذعر والاضطراب في جيش المسلمين ، كما قال في الآية التالية : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) فثبطهم الله عن هذا الخروج الذي أرادوا به الفتنة والفساد ، ولم يثبطهم عن الخروج للجهاد والقتال ، كيف وقد أمرهم به (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) أي مع النسوة والأطفال والعجزة. ولم يبين سبحانه من الذي قال لهم هذا ، هل هي أنفسهم الأمارة ، أو لسان الحال ، أو بعضهم لبعض؟. الله العالم.

وتسأل : قال تعالى لنبيه في الآية ٤٣ : «لم أذنت لهم». وفي هذه الآية قال : «كره الله انبعاثهم فثبطهم» فكيف تجمع بين الآيتين؟.

وتعرف الجواب مما قلناه في تفسير قوله تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وانه ليس عتابا واستفهاما حقيقيا ، وإنما الغرض منه بيان كذب المنافقين في معاذيرهم.

(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ). هذا بيان للحكمة في كراهيته تعالى خروج المنافقين في جيش المسلمين ، وانهم يندسون بينهم للكيد وبث التفرقة والفوضى بين الصفوف .. وهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان ، ويعرفون اليوم بالطابور الخامس (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) وهم

٥٠

السذج البسطاء الذين يؤخذون بالكواذب ، وينعقون مع كل ناعق (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ). يشير سبحانه إلى مكرهم وكيدهم للرسول قبل تبوك ، ومنه فرار أبي سفيان في غزوة حنين ، واعتزال ابن أبيّ بثلث الجيش في غزوة أحد.

(حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) كل ما أراده الله فهو حق ، وكل ما عداه فهو باطل ، وقد أراد سبحانه النصر للإسلام ونبيه ، فتم ما أراد وهيأ له الأسباب بفتح مكة ، والظفر في حنين ، وتبوك ، وبتطهير الجزيرة من اليهود الغدرة الفجرة ، والمراد بقوله : (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) ان هذا النصر قد شهده الناس ، كل الناس .. وما زال حتى اليوم وإلى آخر يوم يقترن اسم محمد ابن عبد الله باسم الله في مشارق الأرض ومغاربها.

ومنهم من يقول ائذن لي الآية ٤٩ ـ ٥٢ :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢))

٥١

الإعراب :

ألا في الفتنة (ألا) أداة تنبيه. وتربصون أصلها تتربصون. والمصدر المنسبك من أن يصيبكم مفعول نتربص.

المعنى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) أجمع المفسرون على أن رسول الله (ص) لما دعا إلى غزوة تبوك قال له جد بن قيس ـ وكان من شيوخ المنافقين ـ : ائذن لي يا رسول الله في القعود ، فإني رجل أحب النساء وأخشى إن أنا رأيت الروميات أن أفتتن بهن .. فنزلت الآية .. زعم هذا المنافق أنه يخاف الإثم بالتعرض للنساء إذا غزا مع النبي (ص) ولم يتأثم من التعرض لغضب الله ورسوله (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي زعموا الفرار من الإثم فوقعوا فيما فروا منه ، أو أشد (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) من جميع الجهات ، ولا يجدون عنها محيصا .. لقد دعاهم الرسول إلى الخلاص بالتوبة من ذنوبهم التي أحاطت بهم من كل جهة ، فرفضوا دعوته ، فأحاط بهم العذاب من كل جانب.

(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) كما هو شأن الخبيث اللئيم يموت بغيظه إذا أصاب الطيبون الأبرار ما يحبون ، ويطير فرحا إذا نالهم ما يكرهون (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) ويدل السياق أن المراد بالمصيبة هنا انكسار جيش المسلمين ، لأن قولهم : (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) معناه ان المنافقين كانوا يتحدثون فيما بينهم فرحين مستبشرين بما حل بالمسلمين من مكروه ويقول بعضهم لبعض : لقد أخذنا حذرنا وتيقظنا إلى ما صار اليه جيش محمد .. وتقدم نظيره في الآية ١٢٠ من سورة آل عمران : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها). وفي قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) ـ ٤٩ الأنفال».

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) معناه قل أيها الرسول لأولئك المنافقين : نحن الذين تيقظوا وأخذوا حذرهم ، لا أنتم ، لأنكم قعدتم مع القاعدين ، أما نحن

٥٢

فجاهدنا في سبيل الله بعد أن أعددنا للجهاد عدته .. وقد جرى صراعنا مع أعداء الحق على سنة الله في المعارك ، يوم لنا ، ويوم علينا ، والحرب بيننا وبينهم ما زالت قائمة ، والأمور بخواتيمها ، والنصر لنا في النهاية ، وكل آت قريب (هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) الذين يعدون العدة ، ثم يسيرون على اسم الله ، فان أصابتهم حسنة قالوا : هذه من فضل الله ورحمته ، وان أصابتهم مصيبة قالوا : انها بقضاء الله وقدره ، وهم في الحالين على إخلاصهم ، وعلى يقين من دينهم ، وان الله مظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ). وهما النصر أو الشهادة ، وفي النصر إذلال الكافرين والمنافقين ، وفي الشهادة الثواب العظيم ، وكلاهما عزة وكرامة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) ان عاقبة المؤمنين المجاهدين إحدى الحسنيين على سبيل مانعة الخلو : اما النصر والغلبة ، واما الفوز بالشهادة في سبيل الله ، وعاقبة المنافقين والكافرين احدى السوءيين : اما العذاب من الله ، واما التنكيل بأيدي المؤمنين حين يأذن الله لهم في ذلك.

صدقات المنافقين الآية ٥٣ ـ ٥٧ :

(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ

٥٣

وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))

اللغة :

الطوع الانقياد بالارادة والاختيار. والزهق الخروج بصعوبة ، وكل هالك زاهق. والفرق بفتح الراء الخوف. والملجأ المكان الذي يتحصن فيه ، ومثله المعقل والموئل والمعتصم والمعتمد. ومغارات جمع مغارة ، من غار الشيء في الشيء. والمدّخل بتشديد الدال السرب في الأرض يدخله الإنسان بمشقة. والجماح السرعة التي تتعذر مقاومتها.

الإعراب :

أنفقوا لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر ، وطوعا أو كرها قائم مقام الحال ، أي سواء أنففتم طائعين أم كارهين فلن يقبل منكم. وتسبك ان تقبل بمصدر على انه مجرور بمن محذوفة. ونفقاتهم نائب فاعل. والمصدر المنسبك من انهم كفروا فاعل منعهم أي ما منعهم من تقبل نفقاتهم الا كفرهم.

المعنى :

(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) بعد أن تجهز النبي (ص) لغزوة تبوك طلب منه بعض المنافقين ان يعفيه من الجهاد. وعرض عليه شيئا من ماله ، فأمر الله رسوله الكريم ان يقول لهذا المنافق وأمثاله : لا حاجة لله في أموالكم ، وانها مردودة عليكم ، سواء أبذلتموها عن رضا ، ام عن كره.

وتسأل : لقد عرفنا وجه الرد ، مع البذل عن كره ، فما هو الوجه لردها.

٥٤

مع البذل عن رضا؟.

الجواب : لأنهم ما أرادوا بالبذل عن رضا وجه الله ، وانما أرادوا الشهرة والجاه ، ولا فرق بين البذل عن رضا لهذه الغاية ، وبين البذل عن كره خوفا ان ينكشفوا على حقيقتهم ، لأن كلا منهما لغير الله ، ومن أجل هذا خاطبهم الله بقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ). ووصفهم بالفسق يشير الى ان الفسق هو العلة لعدم القبول ، ويعبّر الأصوليون عن هذا وأمثاله بمناسبة الحكم للموضوع.

(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) لقد بذل المنافقون أموالهم لا لشيء الا ليقال : انهم بذلوا لله ، وهم به كافرون .. وهذا النفاق والرياء هو السبب في عدم قبول ما يبذلون ، ولو أنفقوا لوجه الانسانية فقط ، كالملحد يطعم جائعا بدافع الشفقة والرحمة لأمكن القول : هل جزاء الإحسان الا الإحسان ، أما النفاق فهو سوء ، ومن يعمل سوءا يجز به .. راجع ج ٢ ص ٢١١ فقرة «الكافر وعمل الخير».

(وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) وهذه الحال نتيجة حتمية للكفر ، لأن الصلاة لله والإنفاق في سبيله فرع عن الايمان به.

(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). وتسأل : ان الأموال والأولاد قد تكون سببا لعذاب الآخرة ، فقد اشتهر أناس بالوداعة والصلاح ايام بؤسهم ، حتى إذا آتاهم الله من فضله طغوا وبغوا .. قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ ٦ العلق» ، وقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ ٢٨ الأنفال» .. أما ان تكون الأموال والأولاد سببا لعذاب الدنيا فالأمر على العكس عند الناس بخاصة المال الذي بحثوا عنه تحت الأرض وفي اعماق البحار ، وحين تقدم العلم أخذوا يبحثون عنه في كوكب القمر وغيره .. هذا ، الى ان قوله : (لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لا يتفق مع قوله (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ ٤٦ الكهف). وعلى افتراض ان الأموال والأولاد سبب العذاب في هذه الحياة فإن هذا العذاب لا يختص بالمنافقين وحدهم ، بل يعم الناس أجمعين بطبيعة الحال؟.

٥٥

الجواب : أجل ، ان هذا السؤال او الإشكال محكم ، ولا مفر منه لو أريد بالآية العموم والشمول ، اما لو أريد بها واقع معين فلا يتجه الإشكال من الأساس ، وسياق الكلام الذي قبل الآية وبعدها يدل بوضوح على ان الضمير في ليعذبهم عائد الى خصوص المنافقين الذين كانوا في عهد رسول الله (ص) ، وبصورة أخص المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ـ كما قيل ـ وفيهم من له الكثير من الأموال ، والعديد من الأولاد .. وكيلا يقول قائل : كيف يكون هؤلاء من القوم الفاسقين وقد أنعم الله عليهم بالمال والبنين ، كيلا يقال هذا قال سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). وقد عذب الله أولئك المنافقين بأولادهم ، لأن أبناءهم اعتنقوا الإسلام وأخلصوا له على العكس من آبائهم ، ولا شيء أشد حسرة على الوالد من أن يكون ولده على غير دينه وعقيدته .. فلقد أسلم ابن عبد الله بن أبي ، وعرض على النبي (ص) أن يقتل أباه عبد الله كبير المنافقين فرفض النبي (ص).

وأيضا عذبهم الله بأموالهم ، لأنهم كانوا على يقين انها ستئول من بعدهم الى الذين هم على غير دينهم وطريقهم .. فالآية مختصة بالمنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (ص) ولا تتعدى الى غيرهم ، وبهذا يتبين انه لا وجه لما ذكره المفسرون من أن الله عذبهم بالأموال لأنهم قد تعبوا في جمعها ، وعذبهم بالأولاد لأنهم يتألمون لمرضهم وفقدهم .. وبديهة ان هذا الألم ، وذاك التعب لا يختصان بالمنافقين ، بل يشملان كل ذي مال وأهل.

(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) أي يموتون على الكفر ، فيعذبهم الله بكفرهم في الآخرة ، كما عذبهم بأموالهم في الدنيا على النحو الذي ذكرنا. قال الطبرسي في مجمع البيان : ان ارادة الله تعلقت بزهوق أنفسهم ، لا بكفرهم ، وهذا كما تقول : أريد أن اضربه ، وهو عاص ، فالارادة تعلقت بالضرب ، لا بالعصيان.

(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ). وأية جدوى لهم في هذا الحلف ، وقد شهد الله بأنهم أسلموا خوفا ، لا اقتناعا (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) والفرق الخوف والرعب ، وقد امتلأت به قلوب المنافقين من قوة المسلمين (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ). أي يسرعون لا يرد

٥٦

وجوههم شيء .. لم يستطع المنافقون الخروج من المدينة ، وأيضا لم يجرءوا على الجهر بالكفر ، لأن الإسلام قد دخل في كل دار من دور الأوس والخزرج ، فاضطروا الى أن يسلموا بأطراف ألسنتهم ، وهم كافرون في أعماق قلوبهم يتحينون الفرص للكيد بالإسلام ، والغدر بالمسلمين.

فان اعطوا منها رضوا الآة ٥٨ ـ ٥٩ :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩))

اللغة :

اللمز العيب والطعن في الوجه.

الإعراب :

إذا هم يسخطون (إذا) حرف مفاجأة ، وتختص بالجملة الاسمية ، ولا تحتاج الى جواب ، وما بعدها مبتدأ وخبر ، والجملة جواب ان لم يعطوا ، وقد وقعت إذا في جواب الشرط كالفاء. وجواب لو محذوف أي لكان خيرا لهم.

المعنى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ). ضمير منهم يعود الى المنافقين ، والمعنى

٥٧

ان بعض المنافقين يعيب النبي (ص) ويطعن عليه في قسمة الزكاة ، ويزعم انه يحابي فيها ، وجاء في تفسير الطبري عن أبي سعيد الخدري قال : بينما رسول الله (ص) يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله. فقال له : ويلك ومن يعدل ان لم أعدل. فقال عمر : ائذن لي يا رسول الله بضرب عنقه. قال الرسول (ص) : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .. آيتهم رجل اسود احدى يديه مثل ثدي المرأة ، يخرجون على حين فترة من الناس فنزل قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ). قال ابو سعيد : أشهد اني سمعت هذا من رسول الله (ص) ، واشهد ان عليا رحمة الله عليه حين قتلهم جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله (ص)» ..

(فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ). كان النبي (ص) يوزع الصدقات كما بينها الله في الآية التالية ، فيرضى المؤمنون ، ويسخط المنافقون ، ويلمزونه في قسمته .. والحق ان أكثر الناس على حق ، والآية تشمل كل من لا يرضى بنصيبه ، ولو رضي كل انسان بما يستحق لعاش الجميع في أمن ورخاء.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) في أن يغنينا عن الصدقات وغيرها من صلات الناس والحاجة اليهم .. وهذه الآية تحث الإنسان على ان يعف عما في أيدي الناس ، ويتكل على الله ، وكدّ اليمين وعرق الجبين. قال الإمام علي (ع) : الغنى الأكبر اليأس مما في أيدي الناس .. ولا أعرف أحدا يستحق الازدراء والاحتقار أكثر ممن يرجو الناس ، وهو قادر أن يستغني عنهم ولو بالصبر.

مستحقو الزكاة الآية ٦٠ :

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

٥٨

وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))

الإعراب :

للفقراء اللام للتمليك أو الاختصاص ، أي ان الله سبحانه ملّك او خصّ قسما من الزكاة للفقراء. وفي الرقاب (في) ظرفية اي ان قسما من الزكاة ينفق في فك العبيد من الرق. وفريضة حال من الصدقات أي مفروضة ، ويجوز أن تكون مفعولا مطلقا ، أي فرض الله الصدقات فريضة.

المعنى :

المراد بالصدقات هنا الزكاة المفروضة ، وتكلم الفقهاء عن حكمها وشروطها والأعيان التي تجب فيها والمستحقين لها ، وعرضنا ذلك مفصلا في الجزء الثاني من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق. وفي ج ١ من التفسير الكاشف ص ٤٢٨ تكلمنا عن الزكاة كمبدأ أقره الإسلام ، ونتكلم هنا تبعا للآية الكريمة عن أصناف المستحقين لها ، وهم ثمانية :

١ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ). قال الإمامية : الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له ولعياله. وقال الحنفية : من يملك أقل من نصاب الزكاة. وقال الشافعية والحنابلة : من وجد نصف كفايته لا يعد فقيرا. وقال الإمامية والشافعية والحنابلة : من قدر على الاكتساب لا تحل له الزكاة. وقال الحنفية والمالكية : بل تحل.

٢ ـ (وَالْمَساكِينِ). قال جماعة : ان كلمة فقير وكلمة مسكين إذا اجتمعتا عبّرت كل منهما عن معنى غير معنى الأخرى ، وإذا افترقتا عبّرتا عن معنى واحد ، وقالوا : ان الفرق عند الاجتماع هو ان الفقير لا يسأل ، والمسكين يسأل ،

٥٩

ومهما يكن ، فإن العبرة بالحاجة ، وكل منهما محتاج.

٣ ـ (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها). وهم الجباة الذين يعينهم الإمام أو نائبه للقيام بتحصيل الزكاة وحفظها ، ثم تأديتها الى من يقسمها على المستحقين ، وما يأخذه الجباة يعتبر أجرا لهم على عملهم لا صدقة ، ولذا تعطى لهم ، وان كانوا أغنياء.

٤ ـ (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ). وهم قوم يراد استمالتهم الى الإسلام ، أو ليستعين بهم المسلمون فيما يعود بالنفع على الإسلام.

٥ ـ (وَفِي الرِّقابِ). أي تبذل الزكاة لفك العبيد وتحريرهم من الرق. ولا موضوع اليوم لهذا الصنف.

٦ ـ (وَالْغارِمِينَ). وهم الذين تحملوا ديونا عجزوا عن وفائها ، فتؤدي عنهم من الزكاة ، على شريطة أن لا يكونوا قد صرفوها في الإثم والمعصية.

٧ ـ (وَفِي سَبِيلِ اللهِ). وسبيل الله كل ما يرضيه ، يتقرب به اليه كائنا ما كان ، كشق طريق أو بناء مصح أو معهد ، وأفضله الدفاع عن الدين والوطن.

٨ ـ (وَابْنِ السَّبِيلِ). وهو المنقطع في سفره عن بلده ، فيعطى ما يستعين به على العودة الى وطنه ، وان كان غنيا فيه ، على شريطة أن لا يكون سفره في معصية.

ويقولون هو اذن الآية ٦١ ـ ٦٣ :

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ

٦٠