التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

والشفعاء ، ومنها التحليل والتحريم بلا دليل من كتاب أو سنة ، ومنها السلب والنهب باسم الحرية والديمقراطية.

(أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ). أولئك إشارة إلى المفترين ، وانهم سيقفون غدا للحساب ، وتعرض أقوالهم وأفعالهم على الله (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). ان الله سبحانه لا يحتاج الى شهود لأنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، يحكم بعلمه وعدله ، وينفذ بكلمة «كن». أما شهادة الملائكة والأنبياء ، وشهادة ألسن المكذبين والضالين وأيديهم وأرجلهم ، أما هذه الشهادة فالمقصود منها أن يزداد المجرمون حسرة ، وان يكونوا على يقين بأنه لا حجة لهم ولا عذر يلجئون اليه ، ولا مفر لهم من لعنة الله وعذابه.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ). هذه الآية بيان وتفسير للظالمين الذين لعنهم الله ، وانهم يمنعون الناس عن التوحيد والإيمان بالبعث ، ويغرونهم بالشرك ، والكفر باليوم الآخر (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) كيف ولو شاء الله ما ترك على ظهرها من دابة (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) حتى الأصنام التي كانوا يؤلهونها ويعبدونها ، والأحبار والرهبان الذين اتخذوهم أربابا.

(يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ). هذا جواب عن سؤال مقدر ، فكأنّ سائلا يسأل : ما هو حكم الذين افتروا على الله ، وصدوا عن سبيله ، وكفروا باليوم الآخر؟. فأجاب سبحانه : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) ومضاعفة العذاب هنا كناية عن هوله وشدته ، لأن الأسباب كثيرا ما تتداخل إذا كان أثرها واحدا ، وقيل : لا تداخل في الأسباب ، حتى ولو كان المسبب واحدا ، فيعذبون مرة على الافتراء ، ومرة على الصد ، ومرة على الجحود بالبعث (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ). هذا تعليل لمضاعفة العذاب ، وان الله انما يضاعفه لهم ، لأنهم كانوا في الحياة الدنيا لا يطيقون سماع الحق ، ولا النظر اليه لإغراقهم في الكفر والعناد.

(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) وأخسر الناس صفقة من خسر نفسه بعذاب لا يقضي عليها ، ولا يخفّف عنها (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من خلق الشركاء

٢٢١

لله ، والشفعاء لديه ، ونسبة التحليل والتحريم اليه كذبا وافتراء (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ). بعد أن قال سبحانه : انهم خسروا أنفسهم أكد هذا الخسر بأنه واقع لا محالة ، ولا مفر لهم منه بحال.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). لما ذكر سبحانه الكافرين وعقوبتهم ثنى بذكر المؤمنين ومثوبتهم على عادة القرآن من المقارنة بين الأضداد. والإخبات الخشوع والطمأنينة ، قال الطبرسي : «أصل الإخبات الاستواء من الخبت ، وهو الأرض المستوية الواسعة ، فكأنّ الإخبات خشوع مستمر على استواء فيه» .. ويقال : خبت ذكره ، أي خفي.

(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ). الفريقان هما الكافر والمؤمن ، فالأول لا ينتفع بحواسه ، كما لا ينتفع الأعمى بعينيه ، والأصم بأذنيه ، والثاني ينتفع بهما ، قال الإمام علي (ع) : من اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم. ونفس الشيء يقال عن السميع (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي صفة وحالا ومآلا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وتتفكرون فيما بينهما من التفاوت.

رسالة نوح الآية ٢٥ ـ ٢٦ :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦))

الإعراب :

ولقد الواو ابتدائية أي واقعة في ابتداء الكلام ، واللام جواب قسم محذوف. وإني لكم بكسر همزة إني على تقدير فقال : إني ، وبفتحها على تقدير بأني أي

٢٢٢

أرسلناه بالإنذار ، ويكون هذا من باب الالتفات من الغيبة الى الحضور ووضع اني مكان انه. وان لا تعبدوا (ان) مفسرة ، ولا ناهية.

المعنى :

يتلخص معنى الآيتين بأن قوم نوح كانوا يعبدون الأوثان ، وقيل : انهم أول من أشرك بالله ، واتخذ له أندادا ، فأرسله الله اليهم بشيرا ونذيرا ، فأدى رسالته بهذه الكلمات القصار : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، وأظهر الرفق بهم ، والإشفاق عليهم من عذاب الله إن أصروا على الشرك. وهذه هي الركيزة الأولى لرسالة جميع الأنبياء

بين نوح وقومه الآية ٢٧ ـ ٣١ :

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ

٢٢٣

وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١))

اللغة :

الرذل الحقير ، وجمعه أرذل ، مثل كلب وأكلب ، وأراذل جمع الجمع مثل أكالب جمع لأكلب. وبادي الرأي أوله أي قبل التأمل .. وأرأيتم أي أخبروني. وعميت خفيت. وأ نلزمكموها أي أنكرهكم عليها.

الإعراب :

بشرا مفعول ثان لنراك ان كانت الرؤية قلبية ، وحال من كاف نراك ان كانت بصرية. ومثلنا صفة للبشر. وهم أراذلنا مبتدأ وخبر. وبادي الرأي ظرف زمان أي وقت حدوث أول الرأي ، وهو منصوب باتبعك. وآتاني تحتاج الى مفعولين لأنها بمعنى أعطاني ، وياء المتكلم مفعول أول ، ورحمة مفعول ثان. وأ نلزمكموها تتعدى أيضا الى مفعولين والأول هنا كاف الخطاب ، والثاني ضمير الغائب ، وكلاهما متصلان ، ويجوز فصل الثاني ، فتقول ، أنلزمكم إياها. وقد اجتمع في أنلزمكموها ثلاثة ضمائر : ضمير المتكلم والمخاطب والغائب. تذكرون وأصلها تتذكرون.

المعنى :

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا). لما دعا نوح قومه الى التوحيد ردوا عليه دعوته قبل أن يدرسوها ، ويتدبروا حقيقتها .. وتذرعوا بشبهتين : الأولى كيف يتبعونه ، وهو واحد منهم؟. فكثير عليه أن

٢٢٤

يتحدث باسم الله من دونهم .. انهم نظروا الى القائل ، ولم ينظروا الى القول ، وقاسوا الحق بالرجال ، ولم يقيسوا الرجال بالحق.

وتسأل : ان هذا لا يختص بقوم نوح (ع) ، فلقد رأينا أكثر الناس ينقادون الى الغريب ، دون القريب ، حتى اشتهر في الأمثال : بنت الدار عوراء.

الجواب : أجل ، ان هذا الخلق لا يختص بقوم نوح ، والآية لا تنفيه عن غيرهم ، وانما تذمهم من أجله ، وهذا لا ينفي الذم عن أمثالهم وأشباههم.

الشبهة الثانية التي تذرع بها المترفون قولهم : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) والأراذل في مفهومهم الفقراء والمساكين الذين لا جاه لهم ولا مال ، والمترفون أجل وأعظم من أن يؤمنوا بمن آمن به الأراذل (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) الخطاب في (لكم) لنوح ومن آمن معه ، والمعنى قال المترفون الطغاة لنوح والمؤمنين : كيف نتبعكم ولا تمتازون علينا بجاه ولا مال ، تماما كما قال مشركو قريش لمحمد (ص) : «لولا أنزل عليه كنز» .. (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ـ ٣١ الزخرف» (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لأنكم فقراء مساكين .. هذا هو منطق الأثرياء الضالين ، التعصب للجاه والمال .. أما النوايا الخيرية ، والأعمال الصالحة فكلام فارغ.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ). هذا جواب قولهم : كيف نؤمن لك ، وأنت بشر مثلنا؟. ومعنى الجواب اخبروني ما أصنع إذا اختارني الله لرسالته ، وخصني من دونكم برحمته ، وزودني ببينة منه على هذه الرسالة؟. ما رأيكم؟. هل أرفضها ، وأقول لله ، لا أريد النبوة منك ، ولا أحمل رسالتك إلى عبادك ، لأنكم لا تعقلون؟ (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي خفيت الرسالة عليكم ، وعجزتم عن فهمها (أَنُلْزِمُكُمُوها) أي أتريدون مني ان أكرهكم على الإيمان برسالتي (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)؟. وإذا كره القلب عمي عن رؤية الحق.

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) ـ أي على الانذار ـ (مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ). لأن من يتكلم باسم الله لا يطلب الأجر من سواه ان كان صادقا في كلامه ، والمرتزقة باسم الدين هم الذين يسألون الناس أموالهم وصدقاتهم ، وما أكثرهم في هذا العصر.

٢٢٥

(وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ). وما هو المبرر لطردهم؟. ألأنهم فقراء؟. وليس الفقر ذنبا عند الله. أو لأن إيمانهم زائف وغير صحيح فهم ذاهبون إلى ربهم، وهو أعلم بمقاصدهم وضمائرهم؟. (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) والناس أعداء ما جهلوا.

(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) هل تدفعون عني أنتم أو غيركم عذابه ان فعلت ذلك (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وكيف يتذكر من لا يخشى العواقب؟. (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ). هذا القول من نوح (ع) شرح وتفسير لقوله أولا : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وليس من شرط النذير ان يملك الأموال والأرزاق ، حتى يكذّب الفقير إذا ادعى الانذار باسم الله ، ولا من شرطه أيضا ان يعلم الغيب لترد دعواه النبوة إذا لم يخبر بالمغيبات ، ولا أن يكون ملكا من الملائكة كي يقال له : ما أنت إلا بشر.

(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ). من الطبيعي أن يكون الترف هو مقياس الحق والخير عند المترفين ، بل وعند الجهلاء والسفهاء .. أما عند الله وأهل الله فمقياس الخير التقوى والعمل الصالح ، ونوح (ع) يقيس بمقياس الله ، فكيف يقول للمؤمنين : لن يؤتيكم الله خيرا؟ تماما كما قال لهم المترفون الطغاة .. اللهم الا إذا صار طاغية مثلهم (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) كالذين أشركوا بالله ، وكفروا بكتبه ورسله.

قالوا يا نوح قد جادلتنا الآية ٣٢ ـ ٣٥ :

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ

٢٢٦

يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))

اللغة :

الجدال مأخوذ من جدل الحبل أي فتله ، لأن كل واحد من المتخاصمين يفتل صاحبه عن مذهبه وحجته.

الإعراب :

ولا ينفعكم نصحي قرينة دالة على جوابين محذوفين لشرطين موجودين : الأول إن أردت ، والثاني إن كان الله. وقوله هو ربكم كلام مستأنف ، ولا يجوز أن يكون جوابا للشرط.

المعنى :

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). لما أفحم نوح قومه بالحجة والبرهان ضاقوا به ، ولم يجدوا أية وسيلة يتذرعون بها لجحودهم وانكارهم إلا أن يتحدّوا نوحا بأن ينزل عليهم ما خوّفهم به من العذاب ، ولما سألوه ذلك (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ). أي أنتم أهون على الله من أن تعجزوه ، لأنه على كل شيء قدير وله وحده الخلق والأمر .. وقال مشركو مكة لرسول الله مثلما قال قوم نوح لنبيهم. أنظر تفسير الآية ٣٢ من سورة الأنفال ج ٣ ص ٤٧٣.

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ). لقد أراد لهم النصح ، بل وأكثر من نصحهم ، ولكن ما الفائدة إذا قست القلوب ولم تمل لهداية (إِنْ

٢٢٧

كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ). ان الله لا يخلق الغواية في الإنسان ، ولو فعل لسلبه انسانيته ، ولكن قضت سنة الله في خلقه ان من سلك بإرادته طريق الغواية كان حتما من الغاوين ، تماما كما قضت بهلاك من ينتحر مختارا .. وبهذا الاعتبار صحت نسبة الغواية إليه تعالى. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٧٤ من سورة يونس ، فقرة : «حول الهداية والضلال» (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ولا مفر من لقائه وحسابه وجزائه.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ). ظاهر السياق يدل على ضمير يقولون عائد الى قوم نوح ، وهاء افتراه الى الوحي الذي بلغهم إياه ، والمعنى قل يا نوح لقومك : ان كنت كاذبا فيما أقول كما تزعمون فأنا وحدي المسئول عن ذلك ، وعلي إثمه وعقابه ، وان كنت صادقا فأنتم المسئولون ، وعليكم وحدكم يقع عقاب التكذيب ، وأنا بريء من أعمالكم وجرائمكم.

وقيل : ان هذه الآية جاءت معترضة في قصة نوح ، وانها نزلت في مشركي قريش ، لأنهم ارتابوا في صدق محمد (ص) حين تلا عليهم هذه القصة ، فأمره الله أن يقول لهم : لا عليكم ان كنت مفتريا ، فعليّ وحدي تبعة ما أفتري .. وهذا المعنى جائز في نفسه ، ولكنه بعيد عن ظاهر السياق.

وأوحي الى نوح الآية ٣٦ ـ ٣٩ :

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))

٢٢٨

اللغة :

الابتئاس الحزن. والفلك السفينة ، ويستوي فيه الواحد والجمع. والمقيم الدائم.

الإعراب :

المصدر المنسبك من انه نائب فاعل لأوحي. والا من قد آمن (من) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع لأن الكفر غير الايمان. وكلما (ما) مصدرية ظرفية أي مدة مرور الملأ عليه ، والظرف متعلق بسخروا منه. وتعلمون هنا تتعدى الى مفعول واحد لأنها بمعنى تعرفون. ومن يأتيه مفعول لتعلمون ، وهي اسم موصول ، وقيل : استفهام بمعنى أينا.

المعنى :

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ). أنبأ الله نوحا (ع) بأن مهمته قد انتهت بعد أن أدى الرسالة على وجهها ، وألقى الحجة على من أعرض وتولى ، وانه لن يستجيب له أحد بعد الآن ، وعزّاه الله سبحانه عن ذلك ، لأن نوحا قد تألم وحزن لاصرارهم على الشرك.

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ). بأعيننا كناية عن حفظه تعالى ورعايته ، والمراد بوحينا أمره وتعاليمه ، بعد أن أمره الله بصنع الفلك نهاه عن التوسل اليه في شأن الذين ظلموا أنفسهم ، لأن كلمة العذاب قد حقت عليهم أجمعين.

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) لأنه صنعها في فلاة من الأرض بعيدا عن الماء .. سخروا وضحكوا لأنهم أيقنوا بأنه لا شيء وراء ما يبصرون ، وهذا هو شأن الجاهل يركن الى الظاهر ، ولا يدخل في حسابه ما وراءه من تقدير وتدبير. وقيل : ان قوم نوح ما رأوا سفينة قبل

٢٢٩

ذلك ، ولا عرفوا كيفية الانتفاع بها ، ولذلك سخروا وتعجبوا .. والمعروف ان الفينيقيين من أوائل من صنع السفن وركب البحار ، ونقل أبو حيان الأندلسي في تفسيره «البحر المحيط» عن ابن عباس ان نوحا قطع خشب السفينة من غابات جبال لبنان .. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان جبال لبنان كانت معروفة بالغابات منذ القديم .. وكذا الفينيقيون قطعوا أخشاب سفنهم من هذه الغابات.

المؤمنون والمستهزءون :

(قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ). جهلوا حقيقة السفينة والغرض منها ، ولم يحسبوا لمخبآت الدهر وملماته ، فاسترسلوا مع أهوائهم يهزءون ويسخرون ، أما نوح فقد كان على ثقة من أمره وانه يصنع ما يصنع بعين الله ورعايته ، وانه ومن معه بمنجاة من الهلاك ، وان مصير الساخرين الى الغرق لا محالة ، وهذا المصير هو الذي سخر منهم ، أما نوح فبيان الواقع وترجمانه.

وما أشبه المستهترين بالدين من شباب هذا العصر بالذين كفروا من قوم نوح. سخر هؤلاء من سفينة النجاة ، وسخر الشباب المستهتر من المؤمنين ، وقالوا : أصلاة وصيام في القرن العشرين؟. تماما كما قال الذين كفروا : أسفينة في اليابسة ، حيث لا بحر ولا ماء؟. جهلوا حقيقة السفينة وأسرارها ، فسخروا من نوح ، وجهل الشباب أسرار الصوم والصلاة ، فسخروا من الصائمين المصلين ، أفأمن الشباب المستهتر الهازئ بالدين وأهله ان يصيبهم ما أصاب الذين سخروا من نوح وسفينته؟.

وفار التنور الآية ٤٠ ـ ٤٤ :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ

٢٣٠

اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤))

اللغة :

مجراها من الجري ، وهو السير ، ومرساها من الارساء ، وهو الثبوت ، أي بسم الله سيرها وثبوتها. ومعزل أي مكان عزلة وانفراد. وأقلعي أي امسكي عن المطر. وغيض الماء غار في الأرض. والجودي جبل في الموصل كما قيل.

الإعراب :

نقل ابن هشام في كتاب المغني عن الجمهور ان حتى إذا دخلت على إذا تكون حرف ابتداء ، وإذا ظرفية في محل نصب بشرطها أو جوابها. من كل زوجين اثنين قرئ بتنوين كل ، أي من كل نوع ، وعلى هذا يكون زوجين مفعولا لا حمل واثنين توكيدا له ، وقرئ بإضافة كل الى زوجين ، وعليه يكون اثنين مفعولا لا حمل ، ومن كل زوجين متعلق بمحذوف حالا من اثنين. وأهلك معطوف

٢٣١

على مفعول احمل ، ومثله ومن آمن. بسم الله متعلق بمحذوف حالا من واو اركبوا أي متبركين باسم الله ، ومجراها ومرساها ظرفا زمان على حذف مضاف أي وقت جريها وارسائها. ويجوز أن يكونا مبتدأ والخبر بسم الله .. ولا عاصم (لا) نافية للجنس وعاصم اسمها ، واليوم متعلق بمحذوف خبرها ، وإلا من رحم الله (من) في محل نصب على الاستثناء المنقطع أي لكن من رحمه الله معصوم. وبعدا مصدر مؤكد أي بعد بعدا.

المعنى :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ). الفوران الارتفاع ، وللتنور معان في اللغة ، منها وجه الأرض ، وهو المراد هنا ، ونظيره «وفجرنا الأرض عيونا» والمعنى حين أتى أمر الله ، وأخذ الماء ينبع من الأرض (قُلْنَا) ـ لنوح ـ (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى ، وكلمة كلّ تدل على عموم ما تضاف اليه ، ويختلف هذا العموم سعة وضيقا باختلاف موارده ، فكلمة شيء في قوله تعالى : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) تعم جميع الكائنات دون استثناء ، وهي في قوله عن بلقيس : «وأوتيت من كل شيء» تختص بأشياء زمانها أو بلدها ، وعلى هذا يكون المراد من كل زوجين في الآية ما يستطيع نوح (ع) أن يحمله معه في السفينة من أنواع الأحياء أو المخلوقات ، لا من جميع أنواعها ، والا كان طول السفينة وعرضها مئات الأميال.

(وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي واحمل أهلك في السفينة ولا تحمل منهم من ننهاك عن حمله. وتجدر الاشارة الى ان الله سبحانه لم يقل لنوح : لا تحمل ولدا مع العلم بأن الله قد أغرقه مع الكافرين. وقال المفسرون : ان أبناء نوح الثلاثة الذين حملهم معه حام وسام ويافث ، أما من كتب عليه الهلاك من أهله فهو أحد أبنائه الذي أشار اليه سبحانه بقوله : «فكان من المغرقين» وقيل : اسمه كنعان ، وامرأة نوح أيضا كانت من الهالكين لقوله تعالى في الآية ١٠ من سورة التحريم : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) ..(وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) ، أي واحمل العصبة القليلة التي آمنت معك.

٢٣٢

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وامتثل نوح (ع) أمر الله ، ودعا المؤمنين من أهله وأصحابه أن يركبوا معه السفينة ، وهو ومن معه يسمون عليها في الجريان والرسو .. ورأيت تفسيرا لبعض الصوفية يقول : المراد بسفينة النجاة هنا الشريعة ، وبالأمواج أهواء النفس وشهواتها .. فتساءلت ، وأنا أقرأ هذا التفسير : هل يا ترى استوحى بعض الشيوخ من هذا التفسير تسمية كتابه أو رسالته بسفينة النجاة؟.

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ). وفي هذه الحال التي هي أشبه بسكرات الموت ينظر نوح الى ولده بحسرة ، ويدعوه الى الايمان وسبيل النجاة قبل أن يلفظ النفس الأخير (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ). مسكين الأب .. ما مسّ الأذى طرفا من جسم ولده الا ومسه في روحه وقلبه .. لقد أيقن نوح بأن ابنه هالك لا محالة ان أصر على الشرك ، فهتف بلهفة الأبوة : يا بني آمن بالله واركب معنا .. ولكن لا حياة لمن تنادي ، فإن رعونة الفتوة قد أعمته عن سوء العاقبة (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ). لقد صوّر له الجهل والغرور ان المشكلة مشكلة ماء ، وانه يحلها بالصعود الى الجبل ، ولم يدر انها مشيئة الله وغضبه على المشركين والمتمردين.

(قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ). فأجابه نوح ليست المشكلة مشكلة ماء كما تظن ، وانما هي مشيئة الله التي لا مفر منها الى غيره .. فمن رحم الله نجا ، ومن غضب عليه هلك (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) وفي أثناء الحديث بين الوالد وولده ارتفع الموج ، وغاب الولد عن عيني والده .. والذي حدث لنوح (ع) مع ولده يحدث لكثير من الآباء مع أبنائهم الذين يسيئون تقدير الأمور وعواقبها ، ويكون مصيرهم تماما كمصير ابن نوح.

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ). أمر الله الأرض أن تبتلع الماء ، وأمر السماء أن تكف عن الصب ، فكفت هذه ، وابتلعت تلك ، وانتهى الأمر بنجاة المؤمنين ، وهلاك المشركين ، وإذا بالسفينة تستقر على الجودي ، وهو جبل بالموصل كما قيل (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين كذبوا بالحق. وبعدا كلمة دعاء أي أبعدهم الله عن رحمته ، مثل سحقا في قوله تعالى : (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ١١ الملك».

٢٣٣

ونادى نوح ربه الآية ٤٥ ـ ٤٩ :

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))

الإعراب :

ربّ منادى ، وأصلها ربي ، وحذفت الياء للتخفيف. وعمل غير صالح على حذف مضاف أي ذو عمل. وبه متعلق بعلم. والمصدر المنسبك من أسألك مجرور بمن محذوفة أي أعوذ بك من سؤالك. والا كلمتان ان الشرطية ولا النافية وأدغمت النون باللام ، وتغفر فعل الشرط ، وأكن جوابه. وأمم الأولى عطف على الضمير في أهبط أي اهبط انت وأمم ممن معك. وأمم الثانية مبتدأ وسنمتعهم خبر والجملة مستأنفة. وتلك مبتدأ ومن أنباء الغيب خبر ، وجملة نوحيها حال من أنباء الغيب.

٢٣٤

المعنى :

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) في الآية السابقة ٤٠ أمر الله نوحا أن يحمل أهله في السفينة إلا من ينهاه عن حمله منهم ، ولم ينه الله نوحا عن حمل ابنه ، كما لم يأمره بحمله ، بل سكت عن ذلك لحكمة هناك .. فظن نوح ان الله سبحانه قد كتب النجاة الى جميع أهله ، سواء منهم الطائع والعاصي ، ومن أجل هذا نادى ربه مستنجزا وعده في ابنه بحسب ظنه ، لأنه من أهله.

وتسأل : ان نوحا نبي ، والنبي معصوم ، فكيف يجوز عليه أن يظن خلاف الواقع؟.

الجواب : ان الظن المخالف للواقع لا يضر بالعصمة إذا كان مجردا عن العمل ، ولم يترتب عليه أي اثر في الخارج ، لأنه يكون ، والحال هذه ، أشبه بالخيال يمر بالذهن ثم يزول ، كأن لم يكن .. وعلى فرض ان المعصوم أراد العمل بظنه المخالف للواقع فان الله سبحانه يكشف له عنه ، ويعصمه عن الوقوع في الخطأ. وأوضحنا ذلك عند تفسير الآية ١٠٥ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٣٠.

(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي ذو عمل غير صالح .. يقول الله جلت عظمته لنوح جوابا له عن سؤاله في شأن ولده ، يقول له : لقد أمرتك أن تحمل أهلك في السفينة إلا من أنهاك عن حمله ، وما نهيتك عن حمل أحد منهم لحكمة اقتضت ذلك ، ولكن سبقت مشيئتي أن يكون ابنك من المغرقين ، لأنه ليس من أهلك بسبب عمله غير الصالح ، فإن أهل الأنبياء هم المتقون الصالحون ، وان بعد النسب ، وان أعداءهم العاصون ، وان قرب النسب .. ويؤكد ارادة هذا المعنى قوله تعالى في الآية ٦٨ من سورة آل عمران : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ومنه أخذ الإمام علي قوله : «ان ولي محمد من أطاع الله ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله ، وان قربت قرابته». وقال الشاعر :

كانت مودة سلمان لهم رحما

ولم تكن بين نوح وابنه رحم

٢٣٥

(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ). ان الشيء الذي لم يكن يعلمه نوح (ع) هو ما كتب الله لابنه من الغرق ، لأن الله سبحانه قد طوى العلم بغرقه عن أبيه أول الأمر لمصلحة اقتضت ذلك ، ولما سأل نوح ربه عن ابنه قال له : لا تسألني عما طويت علمه عنك قبل الغرق ، ولا تطالبني بابنك اني أعظك أن تكون من الجاهلين ، أي ان طالبت به فأنت من الجاهلين (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ). أي لا اسألك عن ابني ولا أطالبك به بعد ان اعلمتني الحقيقة ، بل أرضى (١) بحكمك وقضائك (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ). هذا مجرد خشوع من نوح لله تعالى ، وليس استغفارا من ذنب وقع ، كما هو شأن الأنبياء والصلحاء ، وتكلمنا عن ذلك في ج ٢ ص ٢٧٧.

(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ). لما انتهى الطوفان ، وأغرق الله المشركين أمر الله نوحا ان يهبط الى الأرض هو ومن معه بسلام وبركات في المعايش والأرزاق ، ينتشرون هنا وهناك أمما مستقلا بعضها عن بعض ، ثم يتناسل منهم أمم آخرون كقوم عاد وثمود يمتعهم قليلا في الدنيا ، ثم يمسهم العذاب بكفرهم وعصيانهم.

أسطورة حول العاشر من المحرم :

تقول الاسطورة : ان نوحا هبط بسفينته الى الأرض يوم عاشوراء ، فصام شكرا لله ، وكان قد فرغ منه الزاد ، فجمع كفا من حمص ومثله من عدس ، ومثله من حنطة حتى صارت سبعة حبوب ، فطبخها نوح وأكلوا منها جميعا حتى شبعوا ، فشاعت هذه الأسطورة واتخذها الناس في بعض البلاد سنّة يوم عاشوراء.

__________________

(١). اضطربت اقوال كثير من المفسرين هنا حيث فهموا من الآية ان الله يقول لنوح : لا تسألني ، ونوح يقول له: انا ما سألتك فكيف تقول لي : لا تسألني؟. ثم أخذوا يؤولون بالوهم والخيال ، ومما ذكرناه يتبين ان الآية واضحة لا تحتاج الى التأويل.

٢٣٦

(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ). الخطاب في اليك وما بعده لمحمد (ص) .. بعد ان أنبأ الله سبحانه رسوله الأكرم محمدا (ص) بقصة نوح قال له : ان هذه القصة هي وحي منا اليك ، وما كنت تعلمها من قبل انت ولا قريش ، وعليك أن تصبر على ما تلاقيه من قومك في سبيل دعوتك ، كما صبر نوح على قومه ، وكما كانت العاقبة له ولمن آمن معه فستكون العاقبة لك وللمسلمين ، لأنها دائما تكون للصابرين المتقين.

الطوفان ثابت عند الأمم :

وحكاية الطوفان لا تختص بكتب الأديان ، فقد جاء ذكر الطوفان في ألواح بابل وأشور ، وقد عثر الباحثون على لوح يشير الى هذه القصة ، ويرجع تاريخه الى ٢١٠٠ سنة قبل الميلاد ، وأكد العارفون الذين لا تربطهم بالدين أية صلة ان قصة الطوفان تعرفها الأمم القديمة في الهند واليونان واليابان والصين والبرازيل والمكسيك وغيرها ، وإذا اختلفت قصة الطوفان عند الأمم في التفاصيل فإنها تتفق في الجوهر ، وان السبب هو عقاب البشر على كفرهم وظلمهم.

هود الآة ٥٠ ـ ٥٦ :

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ

٢٣٧

وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦))

اللغة :

فطر الشيء فطرا أي شقه ، فظهر ما فيه. ومدرار مبالغة في الدر ، وهو القطر المتتابع غير المفسد. واعتراك أصابك. والناصية قصاص الشعر ، والمراد بأخذها هنا ملك الأمر كله.

الإعراب :

والى عاد أخاهم هودا ، أخاهم مفعول لفعل محذوف أي وأرسلنا الى عاد أخاهم. وهودا بدل من الأخ. ويا قوم على حذف ياء المتكلم أي يا قومي. وما لكم (ما) نافية ولكم خبر مقدم ، ومن زائدة إعرابا ، وإله مبتدأ مؤخر. ومدرارا حال من السماء ، ولم يقل مدرارة لأن مفعالا للمبالغة يستوي فيه المذكر والمؤنث. وقوة مفعول ليزدكم لأنها بمعنى يعطكم. ومجرمين حال من فاعل تتولوا. ان نقول الا اعتراك (ان) نافية ، وجملة اعتراك محكية لنقول ، ولا داعي للحذف والتقدير كما فعل صاحب مجمع البيان.

٢٣٨

المعنى :

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) بعبادة الأوثان .. وهود من عاد نسبا ووطنا ، ولذا وصفه سبحانه بأخيهم ، ورسالته هذه الى قومه هي رسالة جميع الأنبياء ، وسبق نظيرها من نوح في الآية ٢٦ من هذه السورة ، ومن هود نفسه في الآية ٦٥ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٧ ، وذكرنا مكان قبره ، وانه أول من تكلم بالعربية ، وانه أبو اليمن ومضر. فراجع.

(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) ان من يعمل لله لا يطلب الرزق من غيره ، وان الله وحده هو الذي ينفع ويضر ، ومر تفسيره في الآية ٢٩ من هذه السورة.

(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ). والفرق بين الاستغفار والتوبة ان الاستغفار طلب العفو عن الماضي مع صرف النظر عن الآتي ، اما التوبة فطلب العفو عما مضى مع التعهد بترك المعصية فيما يأتي (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ). يظهر من هذا انهم كانوا اصحاب زرع وضرع ، حيث رغّبهم سبحانه في كثرة المطر ، كما ان قوله : (يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) يدل على انهم كانوا على شيء من القوة المادية والمعنوية ، ويومئ الى ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) ـ ٧ الفجر».

وتسأل : لقد ربط الله في هذه الآية بين الايمان ، وبين انزال المطر ، فكيف تجمع بينها وبين قولك عند تفسير الآية ٢ من سورة الأنفال وغيرها : ان الايمان لا ينبت قمحا ، لأن الله يجري الأمور على سنن الكون؟.

الجواب : أجل ، ان الله يجري الأمور على سننها الكونية ، ما في ذلك ريب .. ولكن هذا لا يمنع من وجود المعجزات ، وخوارق سنن الكون لحكمة تستدعي ذلك .. ان جميع الأسباب الطبيعية وغيرها تنتهي الى مشيئته تعالى ، فهي وحدها سبب الأسباب ، وقد تتعلق هذه المشيئة القدسية بوجود شيء ما مباشرة وبلا واسطة

٢٣٩

خارقا لجميع الأسباب المألوفة ، فيوجد بلا سببه المألوف كطوفان نوح ، وما اليه من المعجزات .. وقد شاء الله تعالى ألا تظهر هذه المعجزات الخارقة للنواميس الا بوجود نبي من الأنبياء اثباتا لنبوته ، أو استجابة لدعوته ، أو انتقاما من أعدائه .. ومن أجل ذلك كانت نادرة الوقوع. وبكلمة ان جريان الأشياء في هذه الحياة على أسبابها شيء ، والمعجزة التي تستند الى مشيئة الله مباشرة شيء آخر.

(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ). هذا كذب منهم وبهتان ، لأن الله سبحانه ما أرسل رسولا إلا وزوده بالحجة الكافية الوافية على رسالته ، ولكن قوم هود أبوا الاستجابة له ولحججه وبيناته لأنها تخالف أهواءهم ، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من أقوام الأنبياء والرسل: (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ـ ٧١ المائدة».

(وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) قال صاحب المغني : (عن) هنا للتعليل ، والمعنى لا نترك الشرك لمجرد قولك اتركوه بلا بينة ودليل (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) هذا توضيح وتأكيد لقولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا). وعلى هؤلاء وأمثالهم يصدق قول من قال : الإنسان هو الذي خلق الآلهة ، وليست الآلهة هي التي خلقت الإنسان.

(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ). ان قولهم هذا يصور مدى جهلهم وإيمانهم بالخرافات والأساطير .. أحجار صماء يعتقدون انها تضر من ينهى عن عبادتها! .. ومتى بلغ الإنسان هذا الحد من الجهل فلا يجدي معه شيء ، ولذا وصفه الله في العديد من آياته بالأعمى والأصم.

(قالَ) ـ لهم هود ـ (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ). لما قالوا لهود (ع) : ان بعض آلهتنا أصابك بسوء تحداهم بأن يجتمعوا هم وآلهتهم ، ويبذلوا كل جهد لايذائه ، وهو على استعداد لتحمل النتائج ، ويتضمن تحديه هذا التنبيه الى انهم مغفلون ومخدوعون. (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) هذا تعليل لعجزهم عن إيذائه واستخفافه بهم وبأصنامهم (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) فالكل في قبضته تعالى ، ولا يملك أحد معه لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

٢٤٠