التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

هنا خدمته. وجاء في اكثر التفاسير ، ومنها تفسير الطبري والرازي والنيسابوري والسيوطي :

«ان العباس بن عبد المطلب كان يسقي الناس في الحجّ ، وان طلحة بن شيبة من بني عبد الدار كان يحمل مفتاح الكعبة ، فقال طلحة : انا صاحب البيت معي مفتاحه ، وقال العباس : انا صاحب السقاية ، فقال علي بن أبي طالب : لا ادري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وانا صاحب الجهاد. فأنزل الله أجعلتم سقاية الحاج الخ».

فعلي هو المقصود بقوله تعالى : (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا هو ميزان الفضل عند الله : الايمان به والجهاد في سبيله ، اما الوظائف والمناصب فكثيرا ما قادت أصحابها إلى المفاسد والمهالك (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) في الجزاء والثواب (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بعد ان دعاهم إلى الهدى ، فرفضوا بسوء اختيارهم.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ). واين تقع سقاية الحاج وعمارة المسجد من الايمان والهجرة والجهاد ، ومرّ نظير هذه الآية في سورة الأنفال الآية ٧٢. وكلمة أعظم هنا لا تعني المفاضلة ، وإنما تعني مجرد ثبوت الفضل للمؤمنين ، لأن الكافرين لا شيء لهم عند الله من الدرجات.

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). قال صاحب (البحر المحيط) : «اتصف المؤمنون بصفات ثلاث : الايمان والهجرة والجهاد فقابلهم الله بثلاث : الرحمة والرضوان والجنان.» وأطال الرازي الكلام في بيان الفرق بين هذه الأوصاف .. اما نحن فنرى انها هي والفوز والأجر تعبّر عن معنى واحد ، وهو ان المؤمنين العاملين هم في رعاية الله وامانه ، وكلمة رضوان الله تغني عن الجميع: «ورضوان من الله اكبر» ولكنه جل شأنه أراد التعظيم من شأنهم ، وترغيب عباده في الايمان والعمل الصالح.

٢١

لا تتخذوا آباءكم واخوانكم اولياء الآية ٢٣ ـ ٢٤ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))

اللغة :

استحب وأحب بمعنى واحد ، مثل استجاب وأجاب. والاقتراف هنا الاكتساب. والتربص الانتظار. والمراد بأمر الله هنا عقوبته.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ). المراد بالولاية هنا النصرة. لقد امر الإسلام بصلة الرحم ، وحث عليها ، واعتبر عقوق الوالدين من الكبائر ، واوصى بالجار ، وبالوفاء للأصدقاء وبكل عقد وعهد ، وأباح للمسلمين ان يبروا ويقسطوا إلى المشركين ، كل أولاء جائز على شريطة ان لا تحرّم حلالا ، او تحلل حراما ، فإذا وقف الأب في جانب الباطل ـ مثلا ـ فلا يجوز للابن ان يناصره في موقفه هذا ، بل عليه أن يقاومه ويردعه ان استطاع ، فقوله تعالى : (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى

٢٢

الْإِيمانِ). يشمل كل معصية بطبيعة الحال ، فإذا كان أبوك او أخوك مسلما ، وظلم سواه فعليك ان تنصر المظلوم على الظالم ، وان كان أباك او أخاك (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). جاء في الحديث : «العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء». وبكلمة ان الحق فوق القرابة والصداقة.

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ). قيل : نزلت هذه الآية في حادثة خاصة ، وقد يكون هذا حقا ، ولكن لفظها عام ، وكذلك حكمها ، فهي تحدد المؤمن بحد واضح ودقيق ، فمن آثر الحق على مصلحته الخاصة عند صراعهما واصطدامهما فهو مؤمن وطيب ، ومن آثر مصلحته على الحق فهو منافق وخبيث .. هذا هو مفترق الطريق بين المؤمن وغير المؤمن ، كما حددته الآية ، وما جاء فيها من ذكر الأرحام والأموال والمساكن انما ذكر على سبيل المثال لمن قدم منفعته على الحق الذي عبر عنه تعالى بحب الله ورسوله ، وإلا فإن هناك منافع اخرى كالحرص على الحياة ، وحب الجاه والسلطان ، وما اليهما.

والإنسان بفطرته يحب نفسه واهله وأمواله ، والدين لا يأبى ذلك ، ولا يحجر على احد ان يستمتع بما يشاء ، ويحب من يريد ، شريطة أن يتقي الله في هذا الاستمتاع والحب ، وان يكون على حساب جهوده ، لا على حساب الآخرين .. فعن البخاري ان عمر بن الخطاب قال للنبي (ص) : «لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي ، فقال النبي (ص) : لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب اليك من نفسك التي بين جنبيك». ولا معنى لحب النبي (ص) الا طاعته والعمل بشريعته. وتكلمنا عن هذا الموضوع في ج ٢ ص ٤٥٧ عند تفسير الآية ١٣٥ من سورة النساء.

لقد نصركم الله الآية ٢٥ ـ ٢٧ :

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ

٢٣

فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))

اللغة :

مواطن جمع موطن ، وهو مقر الإنسان ومحل إقامته ، واستوطن بالمكان اتخذه موطنا. وحنين واد بين مكة والطائف. والرحبة السعة. والسكينة الطمأنينة.

الإعراب :

مواطن ممنوع من الصرف لأنه على وزن مفاعل. ويوم معطوف على محل مواطن ، لأن كل مجرور لفظا فهو منصوب محلا ، أي ونصركم يوم حنين. وإذ بدل من يوم. بما رحبت ما مصدرية ، والمصدر المنسبك مجرور بالباء متعلقا بمحذوف حالا من الأرض ، والباء هنا بمعنى مع. ومدبرين حال من الضمير في وليتم.

قصة حنين :

حنين واد بين مكة والطائف ، وتسمى غزوته بغزوة حنين ، وغزوة أو طاس وغزوة هوازن ، وكانت في شوال سنة ثمان للهجرة.

لما فتح النبي (ص) مكة خافته هوازن وثقيف ، فجمعوا لحربه الألوف ، وبلغ رسول الله ما أجمعوا عليه ، فتهيأ للقائهم باثني عشر ألف رجل ، عشرة من

٢٤

أصحابه الذين فتح بهم مكة ، وألفان من الطلقاء ، ومنهم ابو سفيان وابنه معاوية. وتوجه النبي (ص) إلى هوازن ، وكان طريقه على وادي حنين ، وكان ضيقا منحدرا ، وكان جيش العدو قد سبقهم إلى احتلال مضايقه ، وكمن فيها ، وما ان وصل المسلمون الى قلب الوادي ، حتى أمطرهم العدو بوابل من سهامه ، فانهزم الناس ، وأولهم ابو سفيان. قال الشيخ الغزالي في فقه السيرة : «وعاد إلى بعضهم كفره بالله ورسوله ، فقال ابو سفيان : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، ولا عجب فإن الأزلام التي كان يستقسم بها في جاهليته لا تزال في كنانته».

وثبت مع رسول الله علي شاهرا سيفه بين يدي رسول الله (ص) والعباس آخذا بلجام بغلته ، والفضل بن العباس عن يمين النبي ، والمغيرة بن الحارث بن عبد المطلب وزيد بن أسامة ، وأيمن بن ام أيمن ، وقتل بين يدي الرسول (ص). وحين رأى المشركون انهزام المسلمين خرجوا من شعاب الوادي ، وقصدوا رسول الله ، فقال لعمه العباس ، وكان جهوري الصوت : ناد القوم ، وذكرهم العهد ، فنادى بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة اين تفرون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله ، فلما سمع الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم ، وهم يقولون : لبيك ، لبيك فاستقبل بهم النبي الاعداء واقتتل الفريقان قتالا شديدا.

وكان حامل راية المشركين وطليعتهم رجل يدعى أبا جرول ، فكان يكر على المسلمين وينال منهم ، فبرز له علي بن أبي طالب وقتله ، وبقتله تفرقت جموع المشركين ، وتم النصر للنبي والمؤمنين ، ولما علم الطلقاء بانتصار المسلمين وكثرة الغنائم رجعوا إلى رسول الله. وفي تفسير البحر المحيط ان الطلقاء فروا وقصدوا بذلك إلقاء الهزيمة في المؤمنين. وقال الشرقاوي في كتاب (محمد رسول الحرية) : «إن ألفين من قريش ، على رأسهم ابو سفيان أسلموا خوفا أو طمعا قد جاءوا اليوم لا لينصروا الإسلام ، بل ليخذلوه ، وليشيعوا الانهزام بين المجاهدين القدماء!!».

وهكذا المنافقون والانتهازيون يتظاهرون بالإخلاص ، ويندسون في صفوف الأحرار يدبرون المؤامرات ، فان نجحت بلغوا ما يريدون ، وان نجح الأحرار

٢٥

قالوا لهم : نحن وأنتم شركاء. وتقدم الكلام عن هؤلاء في ج ٢ ص ٤٦٦.

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) منها وقعة بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) قال الرازي : «ان رجلا من المسلمين قال : لن نغلب اليوم من قلة ، فساء ذلك رسول الله (ص) ، وقيل : انه هو قالها ، وقيل : قالها أبو بكر ، واسناد هذه الكلمة إلى الرسول بعيد».

(فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ). فمن الاعجاب بالكثرة إلى ابشع الهزائم التي لم يجدوا معها في الأرض مكانا ينجيهم من عدوهم ، وهذه نهاية كل من تاه بغروره ، واستهان بعدوه.

(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) السكينة الثقة والاطمئنان ، ومعنى إنزالها على النبي (ص) بقاؤه ثابتا في قلب المعركة ساكن الجأش ، شديد البأس يدبر الأمر ويحكمه على الرغم من فرار جيشه الذي بلغ ١٢ ألفا إلا نفرا لا يتجاوزون العشرة ، وجيش العدو يعد بالألوف .. قال الرواة : كان النبي يدفع ببغلته نحو العدو ولا يبالي ، وهو ينادي المنهزمين ، ويقول : إلي عباد الله أنا رسول الله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .. والمؤمنون الذين أنزل الله سكينته عليهم هم الذين ثبتوا مع رسول الله ولم يفروا عنه ، والذين عادوا إلى المعركة بعد الهزيمة ، واستجابوا لنداء النبي مخلصين ، ومعنى إنزال السكينة عليهم تسكين قلوبهم ، وإزالة الخوف والرعب منها.

(وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) قال الرازي : «لا خلاف ان المراد إنزال الملائكة». أما نحن فنعتقد ان لله جنودا من الملائكة وغير الملائكة لا تحصى أنواعها فكيف أفرادها!. ومن تلك الأنواع قوى النفس وغرائزها ، ومنها قوى خارجية ، والآية لم تبين نوع هذه الجنود التي أنزلها الله يوم حنين ، لذلك نترك علمها لله الذي قال : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) ـ ٣١ المدثر». (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) عذبهم في الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة وأخذ الأموال ، وعذبهم في الآخرة بنار جهنم وسوء المصير.

(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ان الله كريم

٢٦

لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم ، وبابه مفتوح لكل طارق ، فمن فر عن رسول الله من المسلمين ، ثم تاب فان الله يحب التوابين ، ومن كفر وحارب الله ورسوله ، ثم تاب وآمن وعمل صالحا فهو من المفلحين. قال المؤرخون : بعد ان انتهت المعركة ، ووزعت الغنائم جاء وفد من هوازن مسلما ، وقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّهم ، وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. فقبل إسلامهم ، ورد عليهم النساء والعيال.

المشركون نجس الآية ٢٢ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨))

اللغة :

النجس القذر ، وهو مصدر يطلق بلفظ واحد على المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. والعيلة الفقر يقال عال الرجل إذا افتقر.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا). أي العام التاسع للهجرة ، وهو العام الذي قرأ فيه علي (ع) على الناس آيات البراءة. وكلمة المشركين يستعملها القرآن ـ غالبا ـ في عبدة الأوثان بخاصة مشركي العرب ، ويستعمل كلمة أهل الكتاب في اليهود والنصارى ، وقد

٢٧

عطف المشركين على أهل الكتاب في الآية ١٠٥ من سورة البقرة : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ). والآية ١ من البينة : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ) والعطف يشعر بأن المعطوف غير المعطوف عليه ، مع العلم بأن كلا من عطف التفسير ، وعطف الخاص على العام ، والعام على الخاص جائز ، ولكن مع القرينة.

واختلف الفقهاء في منع الكفار من المساجد. قال الشافعي : يمنعون من المسجد الحرام دون غيره. وقال مالك : يمنعون من كل مسجد. وقال أبو حنيفة : لا يمنعون إطلاقا ، لا من المسجد الحرام ولا من غيره (الرازي عند تفسير هذه الآية).

والذي نراه ان النجس يجب منعه من كل مسجد ، وان كان فيه وجب إخراجه منه ، سواء أكان النجس إنسانا ، أم حيوانا ، أم غيرهما ، وسواء أكانت النجاسة متعدية تستلزم تلويث المسجد وهتكه ، ام لم تكن ، والدليل على ذلك ان الآية أطلقت حكم التحريم ، ولم تقيده بشيء.

ونريد بالإنسان النجس الجاحد وعابد الأوثان ، أما اهل الكتاب فقد أثبتنا طهارتهم عند تفسير الآية ٥ من سورة المائدة.

وتسأل : ان قوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ). يدل على صحة قول الشافعي من ان المنع خاص بالمسجد الحرام ، دون غيره ، لأنه لم يقل : فلا يقربوا كل مسجد.

الجواب : ان مجموع الآية يدل على العموم ، لا على الخصوص ، لأن المتبادر إلى الأذهان من الآية بمجموعها ان علة المنع من الدخول هي النجاسة واحترام المسجد عند الله ، وليس من شك ان كل مسجد هو محترم عند الله لأنه منسوب اليه جلّت عظمته .. والحكم يدور مع علته اثباتا ونفيا. ولذا أجمع الفقهاء على تحريم الوسكي ، مع أنه لا نص عليها بالخصوص اكتفاء بالنص على علة التحريم ، وهو الإسكار.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). كان المشركون في جميع أنحاء الجزيرة العربية يقصدون مكة للحج والتجارة ،

٢٨

وكان أهل مكة ينتفعون بذلك ، فيبيعونهم ويشترون منهم ، ويؤجرون لهم المساكن ، ومكة تقع في واد غير ذي زرع ، ولما منع الله المشركين منها خاف بعض أهلها الفقر ، فقال لهم سبحانه : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) أي ان خفتم الفقر بسبب انقطاع المشركين عن مكة فإن الله يعوض عليكم بوجه آخر ، لأن أسباب الرزق عنده بعدد قطرات المطر ، كما في الحديث ، وصدق الله العظيم ، فقد فتح على المسلمين البلاد والغنائم ، ودخل الناس في دينه أفواجا ، وتوجهوا بقلوبهم وأموالهم إلى مكة بالملايين ، ورأى أهلها من الغنى ما لم يحلموا به من قبل.

وتسأل : ما هو الغرض من قوله تعالى : (إِنْ شاءَ) مع العلم بأنه قد شاء؟.

الجواب : قد يكون القصد الاشارة إلى انه يجري المسببات على أسبابها ، وقد يكون المراد مجرد تعليم عباده ان يتّكلوا في جميع أعمالهم على الله ، ويعلقوا تحقيق أهدافهم على مشيئته مع السعي : كما في قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ـ ٢٣ الكهف».

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية ٢٩ ـ ٣٣ :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا

٢٩

إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣))

اللغة :

الجزية الضريبة على الرؤوس والأشخاص ، لا على الأرض أو التجارة أو الماشية. والصّغار الذل. ويضاهئون يشابهون ويحاكون. ويؤفكون يصرفون عن الحق إلى الباطل. والأحبار جمع حبر بفتح الحاء وكسرها ، وهو العالم. والرهبان جمع راهب وهو المنقطع للعبادة.

الإعراب :

عن يد قائم مقام الحال أي نقدا ، وصاحب الحال الواو في يعطوا. وأنّى في محل نصب على الحال. وعما يشركون (ما) مصدرية ، والمصدر المنسبك مجرور بعن متعلقا بسبحانه ، والمصدر المنسبك من ان يتم نوره منصوب بيأبى لأنها بمعنى لا يريد اي لا يريد الله إلا إتمام نوره بإعلاء كلمة التوحيد.

المعنى :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ). بعد ان أمر سبحانه بقتال المشركين إذا لم يسلموا ولم يخرجوا من

٣٠

الجزيرة العربية ـ أمر في هذه الآية بقتال أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية ويخضعوا لحكم الإسلام. وقد وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ولا يحرمون حرام الله ، ولا يدينون بالحق.

وتجدر الإشارة الى أن (من) في قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) هي لبيان الجنس ، تماما كما في قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ). وقيل : هي للتبعيض مثل منهم كذا ، ومنهم كذا.

وهنا سؤالان : الأول ان الآية نفت عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر ، مع العلم بأنهم يؤمنون بوجود الله ، لأن كلمة أهل الكتاب تدل بذاتها على ايمانهم بالله الذي أنزل التوراة والإنجيل ، وكذلك يؤمنون باليوم الآخر بنص الآية ٨٠ من سورة البقرة : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) .. اجل ، انهم لا يدينون دين الحق ، فاليهود يعبدون المال ، والكنيسة تبيع صكوك الغفران ، وتقول بالحلول والاتحاد.

ونجد الجواب في الآية التي بعد هذه الآية بلا فاصل ، وهي قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ). ووجه الجواب ان اليهود والنصارى جعلوا لله ولدا ، ومعنى هذا انهم يؤمنون بإله لا وجود له إلا في أوهامهم ، أما الإله الموجود حقا وواقعا فإنهم لا يؤمنون به .. فلقد تصوروا من عندياتهم إلها موصوفا بأنه يلد أولادا ، ونظّموا علاقاتهم معه وفقا لهذا التصور الخاطئ ، أما الإله الحقيقي ، وهو الذي لم يلد ولم يولد ، فإنهم لا يؤمنون به ، ولا تربطهم به أية رابطة قريبة أو بعيدة. وبكلمة أخصر وأوضح ان الإله الموجود لا يؤمنون به ، والإله الذي يؤمنون به لا وجود له.

والنتيجة الحتمية لذلك انهم لا يؤمنون بالله ، وبديهة ان من لا يؤمن بالله لا يؤمن بالآخرة إيمانا صحيحا ، ولا يدين دين الحق ، وان خيل اليه انه من المؤمنين بالآخرة ، والمتدينين بالحق ، لأن الإيمان بالله هو الأصل ، وما عداه فرع ، أي انه يؤمن بالآخرة والدين اللذين لا عين لهما ولا أثر إلا في خيالهم ، كقولهم : لا تمسنا النار إلا أياما معدودة .. وهذا هو الدين الذي يصدق فيه قول من قال : ان الدين من صنع الوهم والخيال ، وانه يبتعد بصاحبه عن حقيقته وواقعه.

٣١

السؤال الثاني : ان الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه بدليل قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ). وقوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). فكيف أمر بقتال أهل الكتاب حتى يؤمنوا أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون؟.

وقد ذكرنا هذا السؤال عند تفسير الآية ٢ من هذه السورة التي أمرت بقتال المشركين ، وأجبنا عنه بأن الأمر بقتالهم كان حكما خاصا آنذاك لسبب خاص ، وهو ان المجتمع الاسلامي كان في بدء تكوينه ، وان المشركين كانوا طابورا خامسا يكيدون للإسلام وأهله ، فاقتضت المصلحة إخراجهم من الجزيرة أو قتلهم .. والأمر هنا بقتال اهل الكتاب أمر خاص بالذين كانوا في الجزيرة لسبب خاص ايضا ، وهو ان اهل الكتاب كانوا يتحالفون مع المشركين على محاربة المسلمين ، كما فعل يهود المدينة وما حولها بعد تأمين النبي لهم ، وجعلهم حلفاء له.

وفوق ذلك فإن محور هذه السورة يقوم على غزوة تبوك ، كما يأتي في الآية ٣٨ وما بعدها ، وقد بلغ النبيّ (ص) ان الروم ، وهم في الشام على أطراف الجزيرة ، يجمعون الجيوش للانقضاض على الإسلام وأهله ، وكانت كل القرائن والدلائل تؤكد ان أهل الكتاب في الجزيرة كانوا عينا وعونا للروم النصارى على المسلمين ، وانهم يتآمرون معهم على النبي ومن اتبعه من المؤمنين. ومن أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو إلقاء السلاح والخضوع لحكم الإسلام ، مع إعطاء الجزية التي تعبّر عن مسالمتهم والوفاء بعهدهم ، فان اختاروا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم والدفاع عنهم واعطاؤهم الحرية في دينهم ومعاملاتهم ، وإذا اسلموا كان لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم ، وإلا فالقتل اتقاء لشرهم.

وأطال المفسرون والفقهاء الكلام عن محل الجزية وتقديرها وشروطها ، وكان حديثهم عنها فيما مضى مجديا حيث كان للإسلام دولته وقوته ، أما اليوم فالحديث عن الجزية تكثير كلام.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) .. أما قول النصارى بأن المسيح ابن الله فمعروف ، وتكلمنا عنه عند تفسير الآية ١٧ من سورة المائدة ، أما قول اليهود عزير ابن الله فقد نقل صاحب تفسير المنار ان اسم عزير جاء في اسفار اليهود المقدسة ، وأيضا نقل عن دائرة المعارف اليهودية

٣٢

ان عصر عزرا هو ربيع التاريخ الملي لليهودية. وفي تفسير الطبري والرازي والطبرسي ان جماعة من اليهود قالوا للنبي (ص) : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم ان عزيرا ابن الله. فنزلت الآية.

وعلى أية حال ، فان النبي (ص) قد جابه يهود عصره بهذه الآية ، وما نقل أحد انهم كذبوا وأنكروا مع شدة حرصهم على تكذيب النبي ، فدل ذلك على انهم كانوا يؤمنون بذلك آنذاك.

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). يضاهئون يشابهون ، وقاتلهم الله انّى يؤفكون اي لعنهم الله كيف يصرفون عن الصدق إلى الافك ، والمعنى ان قول اليهود والنصارى يشبه قول المشركين العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله وقول الوثنيين من قدامى الرومان واليونان والبوذيين وغيرهم.

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ). هذا دليل آخر بأنهم لا يؤمنون بالله ، بل بما يقول رجال دينهم وعقيدتهم. قال الإمام جعفر الصادق (ع) : انهم ما صاموا ولا صلوا لهم ، ولكنهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم ، وعبدوهم من حيث لا يشعرون. وهذا عين ما جاء في الحديث من ان عدي بن حاتم قال لرسول الله (ص) : لسنا نعبدهم. فقال له النبي : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم فتستحلونه؟ قال عدي : بلى. قال النبي فتلك عبادتهم. وقال «فولتر» : لا يعلم قسيسونا شيئا سوى اننا سريعو التصديق لما يقولون.

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) قال الرازي في تفسيره : المعنى ظاهر. ولكن مفسرا آخر أبى إلا ان يقول : اي يعبدون إلها عظيم الشأن.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) المراد بنور الله هنا الإسلام ، والمعنى ان أهل الكتاب حاولوا القضاء على الإسلام بالدسائس والأكاذيب فكان مثلهم في ذلك مثل من يحاول إطفاء النور الذي عم الكون بنفخة من عنده (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) هذا وعد من الله على لسان نبيه بأن ينصر

٣٣

الإسلام ، ويظهره في مشارق الأرض ومغاربها ، وصدق الله ورسوله ، وتحقق الوعد الذي دل على نبوة محمد (ص) وصدقه في كل ما اخبر به.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). هذه الآية بيان وتفصيل للآية التي قبلها ، وقد أظهر الله المسلمين على المشركين في البلاد العربية ، وعلى اليهود حيث أخرجهم المسلمون منها ، وعلى النصارى في الشام والمغرب ، وعلى المجوس في فارس. قال الإمام علي (ع) : ان هذا الإسلام أذل الأديان بعزته ، ووضع الملل برفعته ، وأهان أعداءه بكرامته.

والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ٣٤ ـ ٣٥ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥))

الإعراب :

والذين يكنزون مبتدأ ، والخبر فبشرهم ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، ويوم ظرف والعامل فيه أليم ، وعليها قائم مقام نائب الفاعل ، وضمير عليها وبها عائد إلى المكنوزات. وهذا اشارة الى الكيّ ، وهو مصدر مفهوم من فتكوى ، ومحله الرفع بالابتداء ، وما كنزتم خبر ، والجملة مفعول لقول محذوف أي فيقال لهم : هذا ما كنزتم الخ.

٣٤

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ). في الآية السابقة وصف سبحانه اليهود والنصارى بأنهم يتخذون رؤساءهم الدينيين أربابا من دون الله ، وفي هذه الآية وصف أولئك الرؤساء بأكل المال بالباطل ، والصد عن سبيل الله ، والمراد بأكل المال بالباطل أخذه بغير وجه شرعي ، كالرشوة على الحكم بغير الحق ، والربا الذي فشا بين اليهود ، وبيع صكوك الغفران عند الكاثوليك ، وما إلى ذلك. قال المؤرخون : مر على رجال الكنيسة عهد كانوا فيه من أغنى الفئات.

والمراد بصدهم عن سبيل الله تحجيرهم على العقول ، ومنع الناس من اعتناق الإسلام ، بل وحملهم على الطعن فيه وفي نبيه .. لقد ثار فولتر على الكنيسة ، ونعى على رجالها تكالبهم على المال ، وطعن في التوراة لما فيها من التناقض والاحالة والقحة على حد تعبيره ، فحرمته الكنيسة ، وطالب بعض رجالها بسجنه مدى الحياة (١) فانهارت أعصاب الأديب الفرنسي من الخوف ، ولم يجد وسيلة للخلاص إلا أن يستشفع لدى البابا بنوا الرابع عشر بكتاب يؤلفه في سب محمد (ص) ، ففعل وعفت عنه الكنيسة ، وباركت الكتاب والكاتب.

أبو ذر والاشتراكية :

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). لقد كثر الكلام حول هذه الآية ، حتى ان بعضهم استدل بها على ثبوت الاشتراكية في الإسلام ، وشطح آخرون في زعمهم ان أبا ذر كان اشتراكيا ، لأنه كان يهدد بهذه الآية الذين استأثروا بمال الله دون عياله .. وفيما يلي نعرض معنى الآية ، وكل ما يتصل به من قريب أو بعيد ، وفي ضوئه نحاكم قول من استدل بالآية على اشتراكية أبي ذر.

__________________

(١). كتاب فولتر لجوستاف لانسون ترجمة محمد غنيمي هلال.

٣٥

١ ـ قال معاوية بن أبي سفيان : هذه الآية نزلت في اهل الكتاب ، ولا تشمل المسلمين ، اي ان للمسلمين في نظره ان يكنزوا من المال ما يشاءون ولا ينفقوا منه شيئا في سبيل الله ، ونقل هذا القول عن عثمان بن عفان .. فعن «الدرّ المنثور» للسيوطي ان عثمان لما كتب المصاحف أرادوا ان يحذفوا الواو من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) ليكون الكانزون صفة للأحبار والرهبان ، فعارض بعض الصحابة ، وقال : لتلحقن الواو ، او لأضعن سيفي على عاتقي فألحقوها.

والصحيح ان الآية تشمل كل من يكنز المال ولا ينفقه في سبيل الله مسلما كان او غير مسلم عملا بعموم اللفظ ، فقد روي عن زيد بن وهب انه مر بالربذة ، فرأى أبا ذر ، قال له : ما أنزلك هنا؟ قال : كنت بالشام ، فقرأت والذين يكنزون الذهب والفضة ، فقال معاوية : ليست هذه الآية فينا ، انها في اهل الكتاب ، فقلت : انها فينا وفيهم ، فشكاني إلى عثمان ، فأبعدني إلى حيث ترى.

٢ ـ الكنز في اللغة الجمع ، يقال : كنز المال إذا جمعه ، ولفظ الذهب والفضة خاص ، ولكن الحكم عام يشمل المال بشتى اصنافه ، حتى الأرض والمعادن والشجر والبناء والماشية والمعامل والمراكب ، لأن الذين هددهم الله بعذاب أليم هم الأثرياء الأشحاء ، وليس خصوص مالكي الذهب والفضة المضروبين نقدا .. والا كان ملوك النفط ومن اليهم اسعد الناس وأكرمهم عند الله دنيا وآخرة ، والذي يدلنا على ارادة العموم انه لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين ، لأنهم فهموا منها جميع الأموال ، ولما سألوا النبي (ص) أقرهم على فهمهم ، وقال لهم : ان الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث عن أموال تبقى بعدكم.

٣ ـ الإنفاق في سبيل الله يشمل الجهاد للدفاع عن الدين والوطن ، وبناء المدارس والمصحات ودور الأيتام ، والصدقات على الفقراء ، والإنفاق على الأهل والعيال ، وأفضل موارد الإنفاق ما فيه إعزاز الحق واهله.

٤ ـ أجمعت المذاهب الأربعة على انه ليس في المال حق غير الزكاة.

٣٦

(احكام القرآن لأبي بكر المعافري الأندلسي). وقال اكثر فقهاء الشيعة الإمامية : ليس في المال حق غير الخمس والزكاة. وقال الشيخ الطوسي : ان فيه حقا آخر ، وهو ما أشار اليه الإمام جعفر الصادق بقوله : ان الله فرض في اموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة ، لأنه قال : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ـ ١٩ الذاريات». والحق المعلوم هو شيء يفرضه الرجل على نفسه بقدر طاقته وسعته ، فيؤدي الذي فرض ، ان شاء في كل يوم ، أو في كل جمعة ، او في كل شهر ، قلّ او كثر غير انه يداوم عليه .. ولكن قول الإمام : (يفرضه الرجل على نفسه) يشعر بالاستحباب ، لا بالوجوب لأن الواجب فرض من الله لا من سواه.

والذي نراه ـ بعد ان تتبعنا آي الذكر الحكيم ـ ان على الأغنياء وجوبا لا استحبابا ان يبذلوا من أموالهم ـ غير الخمس والزكاة ـ للدفاع عن الدين والوطن عند الاقتضاء ، وعلى ولي المسلمين ان يجبرهم على ذلك ، بل وعلى الجهاد بالنفس إذا اقتضت الحال. وآيات هذا الباب تعد بالعشرات.

٥ ـ (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ). هذا كناية عن شدة العذاب وهوله ، وهو نظير الآية ١٨٠ من سورة آل عمران : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).

٦ ـ تبين مما قدمنا ان الآية تدل نصا وفحوى على ان الأغنياء يجب عليهم أن ينفقوا جزءا من أموالهم في سبيل الله ، وان من أمسك يده عن الإنفاق عاقبه الله بالعذاب الأليم ، أما مقدار هذا الجزء ، وهل هو الخمس أو العشر ، أر أقل أو اكثر ، أو هو من الزكاة او من غيرها ، اما هذا فلا تدل عليه الآية بالعبارة ولا بالاشارة ، فأين ـ إذن ـ مكان الدلالة فيها على الاشتراكية؟. ان الاشتراكية نظام اقتصادي ينظر قبل كل شيء إلى وسائل الانتاج كالأرض وما اليها ، ويحدد مالكها ، ثم ينظر إلى الانتاج نفسه وطرق نموه وزيادته وكيفية توزيعه .. وهذا شيء. وحث الأغنياء على البذل شيء آخر.

وبهذا يتبين ان قول من قال : ان أبا ذر كان اشتراكيا لأنه هدد الأغنياء بهذه

٣٧

الآية ، يتبين ان هذا القول خطأ واشتباه .. ان أبا ذر لا يعرف الاشتراكية ، ولا شيء إلا الإسلام ، مثله في ذلك مثل اي مسلم ، ولكنه كان مخلصا لدينه ، أخلص للإسلام ، ونبذ الأطماع والأغراض. وهذا التجرد والإخلاص هو الذي جرأه على ان يتحدى قريشا ، ويسخر من آلهتهم يوم أسلم ، حيث وقف في الكعبة مناديا بأعلى صوته : لا إله إلا الله محمد رسول الله .. نادى بكلمة الإسلام على رؤوس قريش يوم لا حول ولا قوة للمسلمين ، ولا يجرأ احد منهم على النطق باسم الله الواحد ومحمد إلا في الخفاء .. وتكرر منه هذا الموقف ، وأعاد نفسه مع عثمان ومعاوية ، وكما لاقى من المشركين الضرب الدامي ، فقد لاقى من عثمان الطرد والنفي .. ولكنه لم يأبه ، لأنه ما غضب في حياته كلها إلا لله وحده.

والخلاصة ان كل ما فعله ابو ذر انه طالب الفئة الحاكمة بالعدل وانصاف المحكومين ، وخوّفها من العذاب الأليم ، وحث المظلومين على مقاومة الظالمين ، واسترداد حقوقهم ممن ظلمهم .. فأين هذا من الاشتراكية؟. وتكلمنا عن نسبة الاشتراكية لأبي ذر في كتاب «مع الشيعة الإمامية» بعنوان «هل ابو ذر اشتراكي»؟ وفي كتاب «مع علماء النجف الأشرف» بعنوان «ابو ذر».

ان عدة الشهور الآية ٣٦ ـ ٣٧ :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧))

٣٨

اللغة :

القيم المستقيم. والنسيء التأخير. ويواطئوا يوافقوا.

الإعراب :

عند الله متعلق بعدة. واثنا عشر في محل رفع خبرا لأن. وفي كتاب الله متعلق بمحذوف صفة لاثناعشر. ويوم خلق متعلق بكتاب على أن يكون بمعنى الكتابة. وكافة حال من فاعل قاتلوا لأنها بمعنى جميعا. وعاما مفعول فيه. والمصدر المنسبك من ليواطئوا مجرور باللام ، والعامل في الجار والمجرور يحرمونه.

الأشهر القمرية هي الأشهر الطبيعية :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ). المراد بعند الله وفي كتاب الله ان للاثني عشر شهرا وجودا حقيقيا في عالم الطبيعة ، تماما كالأرض والسماء ، لا في عالم الاعتبار والتشريع كالحلال والحرام ، والمراد بيوم خلق السموات والأرض انه تعالى خلق الكون على حال تكون فيه عدة الشهور اثني عشر شهرا منذ اللحظة الأولى لوجود السموات والأرض أي ان عدة الشهور هذه ليست من وضع الإنسان ، ومن مواليد أفكاره ومخترعاته وإنما هي نتيجة حتمية لسنن الكون ونظام الخلق.

هذا هو معنى الآية. وبديهة ان الإنسان يقيس الوقت ويحدده بما يراه حسا وعيانا .. وإذا نظرنا إلى الكائنات الطبيعية التي تهدينا إلى معرفة الوقت لم نجد إلا الشمس والقمر ، والشمس تجري دائما وفي كل يوم على وتسيرة واحدة شروقا وغروبا ، لا فرق بين يوم ويوم ، وكل ما نعرفه بواسطتها هو وقت الصباح والمساء والظهيرة ، ولا يتصل هذا بمعرفة الشهر من قريب أو بعيد. بخلاف كوكب القمر فانه يظهر للعيان على شكل خاص في اليوم الأول من كل شهر ، وبهذا اليوم

٣٩

نحدد الشهر ، ومتى عرفنا الشهر عرفنا السنة.

وعلى هذا تكون الأشهر القمرية هي الأشهر الجارية على سنن الطبيعة دون غيرها ، ومن أجل هذا وقّت الله بها الحج والصيام وعدة المطلّقات والرضاع ، كما وقّت الصلاة اليومية بالشمس لأنها السبيل لمعرفة أجزاء اليوم. وبكلمة ان الشمس لمعرفة الساعات ، والقمر لمعرفة الأشهر. وعلى هذا الأساس كان الإنسان الأول يحسب أوقاته. قال الرازي : «ان مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية ، لا شمسية ، وهذا حكم ورثوه عن إبراهيم واسمعيل».

وفي بعض التفاسير ان الحكمة من جعل الحج والصيام في الشهر القمري هي أن يدورا في جميع فصول السنة وأجزائها ، يسهلان تارة ويشقان أخرى .. ولا يستند هذا الاجتهاد إلى أصل ، ولكن لا مانع منه ، حيث لم يقصد به إثبات حكم شرعي : وإنما هو لبيان مصلحة الحكم الثابت شرعا.

(مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) من هذه الأربعة ثلاثة متتابعة : ذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم ، وشهر واحد فرد ، وهو رجب ، وسميت حرما لتحريم القتال فيها في الجاهلية والإسلام ، وسبق الكلام عن ذلك أكثر من مرة. (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي ان تقسيم الأشهر إلى اثني عشر شهرا على الحساب القمري هو التقسيم الصحيح ، ولا يجوز التحريف فيها ولا في الأشهر الحرم بالهوى والغرض (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) باستحلال القتال في الأشهر الحرم ، ولا باعتداء بعضكم على بعض في أي وقت من الأوقات ، وكل من عصى الله في كبيرة أو صغيرة فقد ظلم نفسه بتعرضها لعذاب الله وغضبه.

(وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). هذا هو الداء الشافي والعلاج السليم .. النفير العام ، والجهاد الشامل سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، أما أنصاف الحلول فخضوع واستسلام للظلم والعدوان .. لقد تظاهر الصهاينة والمستعمرون كافة على العرب والمسلمين كافة بلا استثناء ، وأقاموا على أرض العرب قاعدة عسكرية عدوانية ، أطلقوا عليها اسم دولة إسرائيل ، لينطلقوا منها للاعتداء على البلاد العربية والاسلامية .. نحن الآن في شهر تشرين الأول من سنة ١٩٦٨ ، والاتصالات مستمرة داخل الأمم المتحدة وخارجها لحل مشكلة الشرق الأوسط

٤٠