التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

سورة هود

٢٠١
٢٠٢

سورة هود

مكية ، وآياتها ١٢٣ ، ونزلت بعد سورة يونس.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب احكمت آياته الأية ١ ـ ٤ :

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤))

اللغة :

أحكمت آياته أي أتقنت. وفصّلت أي جعلت واضحة مبينة. والمتاع الشيء الذي ينتفع به. والأجل المسمى العمر المقدر.

الإعراب :

كتاب خبر لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب. ولدن ظرف زمان أو مكان بمعنى عند ، ولكنه مبني ، لأنه لا يفارق الظرفية ، فلا يقع خبرا ولا حالا أو صفة أو صلة لموصول ، ويضاف دائما إلى ما بعده إلا في غدوة ، فيجوز فيها الجر والنصب ، تقول : لقيته لدن غدوة بالجر ، وغدوة بالنصب على التمييز. وألّا تعبدوا (ألا) مركبة من كلمتين : ان ولا و (ان) بمعنى أي مفسرة لفصلّت لأن هذا الفعل فيه معنى القول دون حروفه ، فهي هنا مثل كتبت اليه ألّا يفعل

٢٠٣

كذا. وان استغفروا عطف على ألّا تعبدوا. ولا في ألّا تعبدوا للنهي ، ولذا جزم الفعل المضارع.

المعنى :

(الر) مثل ألم في أول سورة البقرة ، فراجع. (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ). المراد بالكتاب القرآن ، والمعنى ان هذا القرآن واضح المعاني محكم النظم ، لا نقص فيه ولا خلل ، لأنه ممن يقدّر الأمور ويدبرها على أساس العلم والحكمة ، قال بعض العارفين : ان لله كتابين : واحد تكويني ، وهو هذا الكون ، والآخر تدويني ، وهو القرآن ، وكل منهما محكم من جميع جهاته على أتم الوجوه وأكملها .. وتكلم العلماء من أديان شتى عن عظمة القرآن ، نقلت طرفا من أقوالهم في كتاب «الإسلام والعقل» فصل «النبوة».

ومن الصدف اني قرأت ـ وأنا أفسر هذه الآية ـ مقالا عن كتاب «محمد» للمستشرق الفرنسي مكسيم رودينسون ، نشرته مجلة المصور المصرية في عدد ٢٢ تشرين الثاني سنة ١٩٦٨ ، وفيه : «يؤكد المؤلف ان القرآن نقل إلى الأجيال التالية رسالة الإنسان المقهور المستغل ، ذلك الإنسان الثائر على الظلم والقهر ، وزوده بحافز التسلح بالقوة لكي يقهر المستبدين والظالمين والمنافقين ـ ثم قال المؤلف ـ ان الإسلام نظام وعقيدة وأسلوب حياة ، ونظرة شاملة الى الكون والإنسان».

(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ). ياء انني لمحمد (ص) ، وهاء منه لله تعالى ، ونذير بالعقاب على المعصية ، وبشير بالثواب على الطاعة .. بعد أن ذكر سبحانه ان آيات القرآن محكمة ومفصلة قال : من هذه الآيات التوحيد والإخلاص في العبادة لله وحده ، والاعتراف بأن محمدا (ص) ينذر ويبشر بلسان الله تعالى.

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ). أي ان تعبدوا الله وحده ، وتؤمنوا بنبوة محمد ، وتطلبوا المغفرة من الله ، وتتوبوا اليه ، والفرق بين الاستغفار والتوبة ان الاستغفار طلب العفو عما مضى بصرف النظر عما يأتي ، أما التوبة فهي طلب الغفران عن الماضي ، مع العهد على ترك المعاصي في المستقبل.

(يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ). بعد أن

٢٠٤

أمر سبحانه بالإخلاص لله في العبادة ، والاعتراف لمحمد (ص) بالرسالة ، وبالاستغفار والتوبة ، بعد هذا ذكر سبحانه ان جزاء التائبين المطيعين في الدنيا ان لا يستأصلهم كما استأصل الكافرين من قبلهم ، بل يبقيهم الى ان يستوفوا آجالهم ، أما جزاؤهم في الآخرة فلكل من الثواب حسب عمله قلة وكثرة.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) بكثرة أهواله وشدتها ، وهي جزاء من تولّى وأعرض عن الحق (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وبقدرته يحيي الموتى ، ويجمع للحساب ، ويجزي كلا بما يستحق ، وهو القاهر فوق عباده.

يثنون صدورهم الآية ٥

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))

اللغة :

ثنى الشيء عطف بعضه على بعض فطواه. والاستخفاء طلب خفاء الشيء. واستغشى الثوب تغطى به ، وهو كناية عن أخفى الحالات ، أي ان الله يعلم نواياهم ، ويعلم أيضا أخفى محاولاتهم لخفائها.

الإعراب :

الا أداة تنبيه. والمصدر المنسبك من ليستخفوا مجرور باللام ، والعامل فيه يثنون. وحين ظرف زمان متعلق بيعلم.

المعنى :

ضمير انهم للمشركين والمنافقين ، وضمير منه للنبي ، ومعنى الآية بمجموعها ان قوما كانت تنطوي قلوبهم على العداوة والبغضاء لرسول الله (ص) ، وكانوا يخفون ذلك عنه ، فأخبره الله بحقيقتهم ، وانه تعالى يعلم بخطرات قلوبهم ، وجميع حالاتهم ، وانه يعاقبهم عليها بما هم أهل له.

٢٠٥
٢٠٦

الجزء الثّاني عشر

٢٠٧
٢٠٨

وما من دابة في الأرض الآية ٦ ـ ٨ :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))

اللغة :

الدابة لغة لكل حي يدب على الأرض ، وعرفا لما يركب كالخيل والبغال والحمير. ومستقر الشيء موضع قراره ، ومستودعه .. الموضع الذي كان فيه قبل استقراره من صلب أو رحم أو بيضة. والأمة تطلق على الجماعة وعلى المدة من الزمن ، وهي المرادة هنا. وحاق بهم أي نزل وأحاط.

الإعراب :

وما من دابة : (من) زائدة اعرابا ، ودابة مبتدأ ، ورزقها مبتدأ ثان وعلى الله خبره ، والجملة خبر الأول ، وفي الأرض متعلق بمحذوف صفة لدابة. والمصدر المنسبك من ليبلوكم متعلق بخلق السموات. ويوم يأتيهم ليس مصروفا ، يوم متعلق بمصروف ، وجملة يأتيهم مجرور بإضافة يوم ، واسم ليس مستتر يعود إلى العذاب ، ومصروفا خبرها.

٢٠٩

المعنى :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها). خلق سبحانه الأرض ، وأودع فيها ما يحتاجه كل حي يدب عليها من الذرّة والبعوضة إلى الفيل والإنسان ، وايضا أودع في كل من دبّ القدرة على السعي لتحصيل رزقه من الأرض ، وعلى هذا يكون معنى الآية ان الله قد جعل لكل حي رزقا مدخورا في الأرض ، وليس معناها ان الله قدّر لكل حي رزقه الخاص به الذي لا يزيد بالسعي ، ولا ينقص بتركه ، كما توهم البعض ، قال صاحب «تفسير المنار» : «لقد زعم بعض العباد والشعراء ان الكسب وعدمه سواء ، كقول بعض الجاهلين المتواكلين غير المتوكلين :

جرى قلم القضاء بما يكون

فسيان التحرك والسكون

جنون منك ان تسعى لرزق

ويرزق في غشاوته الجنين

ان هذا الشاعر «أحق بالجنون ممن يسعى لرزقه». وتراجع فقرة : «الله أصلح الأرض والإنسان أفسدها» ج ٣ من هذا التفسير ص ٣٤٠ ، وفقرة : «هل الرزق صدفة أو قدر ص ١٣١» ، وفقرة : «الرزق وفساد الأوضاع ص ٩٤».

(وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ). المستودع المكان الذي كانت فيه قبل ان تدب على الأرض ، والمستقر الذي قرت فيه بعد الدبيب ، والكتاب المبين كناية عن ان الله قد أحاط بكل شيء علما ، والمعنى ان الله يوجد أسباب العيش والحياة لكل دابة ، حيث كانت وتكون لأنه قادر على كل شيء ، عالم بكل شيء.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). تقدم مثله مع التفسير في سورة الأعراف الآية ٥٤ ج ٣ ص ٣٣٨.

(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) المراد بعرش الله ملكه واستيلاؤه ، والماء معروف ، وتدل الآية على ان الماء كان موجودا قبل خلق السموات والأرض ، أما من أين

٢١٠

جاء؟ وهل كان قائما على قرار؟ فلا نص على شيء من ذلك في آية ، أو رواية متواترة ، والعقل وحده لا يملك العلم به ، لذا نترك البحث عنه ، وكل ما قرأنا في هذا الباب لا يعدو الحدس والتخمين ، أما المادة الأولى التي وجد منها الكون فلا تفسير لها عندنا إلا قوله تعالى : كوني فكانت ، ومن أنكر هذا علينا تلونا قوله سبحانه : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي ان الله أودع فينا وفي الأرض ما أودع من الطاقات ليميز بين الذين يعيشون بكدّ اليمين ، والذين يعيشون على حساب المستضعفين ، فيعاقب هؤلاء على عصيانهم ويثيب أولئك على طاعتهم.

(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). هذه الآيات كغيرها من الآيات الكثيرة التي أخبرت عن المكذبين بالبعث ، مع فارق واحد ، وهو الاخبار عنهم هنا بأنهم شبهوا الحديث عن البعث بالسحر في التمويه على الناس وخداعهم ، لينقادوا الى طاعة النبي ، ويضمن لنفسه الرئاسة عليهم.

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) ـ أي مدة مقدرة ـ (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ)؟ وما الذي منع من وقوع العذاب علينا الآن ان كان حقا (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ـ العذاب ـ (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) لأن بأسه تعالى لا يرد عن القوم المجرمين (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي ينزل بهم العذاب جزاء استخفافهم به ، وعدم خوفهم من الله وغضبه .. وأشد الذنوب ما استخف به صاحبه ، كما قال الامام علي (ع). ومن أقواله: ان احسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا منه.

حول الانسان الآية ٩ ـ ١١ :

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ

٢١١

لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١))

اللغة :

ذاق الشيء اختبر طعمه ، وأذاقه جعله يذوقه ، والمراد بالاذاقة هنا الإعطاء. ونزع الشيء من مكانه قلعه. ويئوس مبالغة في اليائس. وقال الطبرسي : النعماء النعمة تظهر على صاحبها ، والضراء المضرة كذلك أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة مثل حمراء.

الإعراب :

ولئن أذقنا اللام جواب قسم محذوف. وجملة انه ليؤوس سادة مسد جواب القسم والشرط المستفاد من (ان). والا الذين صبروا في محل نصب على الاستثناء المتصل من الإنسان.

المعنى :

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ). إذا رزق الإنسان البسطة في الصحة ، والسعة في المال ، والبر في الأهل ، ثم أصيب بشيء بها أو بشيء منها بسبب من الأسباب الجارية ـ إذا كان كذلك قطع الرجاء من رحمة الله ، وكفر بنعمه ، حتى ما تبقّى له من نعم (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). وإذا خرج من عسر إلى يسر ، ومن خوف إلى أمن أخذته النشوة وتعاظم على الناس ، ونسي ما كان فيه بالأمس. وقدمنا مرارا ان الله يسند الأحداث كلها اليه من باب اسناد الشيء إلى

٢١٢

سببه الأول ، وخالق الكون بما فيه.

ولا بد من الاشارة إلى ان القرآن ينظر إلى الإنسان من خلال عقيدته وسلوكه ، بماذا يؤمن؟ وما ذا يعمل؟. وهذه النظرة نتيجة لازمة لطبيعة القرآن من حيث انه كتاب دين وهداية. وعلى هذا الأساس يحكم على الإنسان بأنه صالح أو طالح طيب أو خبيث. ومعلوم ان العقيدة التي دعا اليها هي الايمان بالله ورسله واليوم الآخر ، وان العمل الذي امر به هو العمل الصالح : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ ٧ البينة» .. وبكلمة ان الإسلام يوجه الإنسان إلى الغاية التي يجب أن يكرس حياته من أجلها ، فإن انحرف عنها نعته القرآن بأقبح الأوصاف كالظالم والخاسر والكافر والجاهل والطاغي والكنود ، وما إلى ذلك من الرذائل.

ان هذه الأوصاف ليست تحديدا لطبيعة الإنسان وماهيته ، وانما هي تفسير لسلوكه في بعض مواقفه ، ويدلنا على ذلك ان كل صفة ذكرها القرآن مقرونة بحادثة من الحوادث ، فلقد وصف الإنسان باليأس إذا نزلت به نازلة ، وبالفرح والبطر إذا استغنى ، وبالجزع والهلع إذا مسه الضر ، ونحو ذلك. وقد خفيت هذه الحقيقة على كثيرين ، وظنوا ان هذه الأوصاف وردت في القرآن تحديدا لحقيقة الإنسان وماهيته وأخذوا ينعتونه بها في غير المناسبات التي جاءت في كتاب الله .. ولو صدق ظنهم لما جاز أن يؤاخذ الله على الكفر والطغيان ، وكان قوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) تكريما للكفر والظلم .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وعلى هذا يكون المراد بالإنسان في قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) من لا يؤمن بالله ، أو آمن به نظريا لا عمليا ، لأن من آمن به حقا فإنه يتوكل عليه وحده في جميع حالاته ، ويشكره في السراء والضراء ، ويخشى ويتواضع إذا استغنى ، ويصبر ويرجو إذا افتقر ، فإن الايمان نصفان : نصف خوف ، ونصف رجاء.

والذي يؤكد ان المراد بالإنسان من ذكرنا ، وليس مطلق الإنسان قوله تعالى بلا فاصل: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).

٢١٣

صبروا على ما أصابهم من الضراء ايمانا بالله وطمعا بثوابه ورضوانه ، وعملوا الصالحات في الشدة والرخاء ، وهذه هي سمة أرباب العقائد والمبادئ ، لأن العقيدة متى استقرت في القلب تصبح كالروح في الجسم لا تفارقه إلا بالموت.

لولا انزل عليه كنز الآية ١٢ ـ ١٤ :

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))

اللغة :

ضيق الصدر كناية عن الغم والحزن. والكنز ما يدخر من المال. وفي مجمع البيان اختلق واخترق وخرق وخرص وخلق إذا كذب.

الإعراب :

لعلّ تعمل عمل ان ، ومعناها هنا الاستفهام على رأي الكوفيين كما في مغني اللبيب. وضائق به صدرك ، ضائق مبتدأ وضمير به يعود الى بعض ما يوحى ،

٢١٤

وصدرك فاعل ضائق سادّ مسد الخبر. والمصدر المنسبك من ان يقولوا مفعول لأجله لتارك أي مخافة قولهم. ولولا بمعنى هلا. أم يقولون افتراه / (ام) بمعنى بل ، وضمير افتراه لبعض ما يوحى ، أو لما يوحى. ومثله صفة لسور ، ومفتريات صفة ثانية. وما في انما انزل كافة لأن عن العمل. وان لا إله إلا هو ، والجملة من لا واسمها وخبرها خبر ان.

المعنى :

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ). كان النبي (ص) يتلو على المشركين آيات من القرآن داعيا الى الايمان بالوحدانية والبعث ، وكانوا يهزءون حينا ، وحينا يقترحون عليه معجزات تعنتا ، لا استرشادا ، وكان موقفهم هذا من دعوة النبي (ص) يحزنه ويؤلمه ، فقال له المولى جل ثناؤه مخففا عنه : امض في دعوتك ، ولا تبال بما يقولون ويقترحون .. وما ذا تصنع لتتقي أقوالهم وتعنتهم؟ هل تترك بعض ما يوحى اليك ، وتحذف من القرآن ما لا يعجبهم من آياته؟. كلا ، انك لن تفعل. اذن ، لما ذا الحزن وضيق الصدر؟. هذا هو المعنى المراد من قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) لأن النبي (ص) معصوم ، لا يترك شيئا مما يوحى اليه ، ومحال ان يترك ، فالآية أشبه بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ـ ٤٢ المائدة».

(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) اقترح المشركون على النبي فيما اقترحوا ان تمطر السماء ذهبا وفضة ، أو يأتي ملك من الملائكة يشهد بنبوته .. هكذا يفكر أصحاب الأموال والثروات قديما وحديثا ، ويؤمنون بأن المناصب الشريفة يجب أن تكون وقفا على الأغنياء ، أما الفقراء فيجب ان يكونوا بمعزل عن القيادات والمناصب .. وكان تعنتهم هذا يسبب للنبي الهمّ والكرب ، فقال له المولى : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) عليك ان تبلغ ما أوحي اليك ، ولا تكترث بسفاهة السفهاء ، وجهل الجهلاء (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). فالأقوال لديه محفوظة ، والسرائر مبلوّة ، وكل نفس بما كسبت رهينة .. ويتصل بهذه الآية ما ذكرناه في ج ٣ ص ٢٤٨ بعنوان : «طراز من الناس».

٢١٥

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). سبق نظير هذه الآية مع الكلام مفصلا عن اعجاز القرآن في ج ١ ص ٦٤ عند تفسير الآية ٢٣ من سورة البقرة.

(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). ضمير لم يستجيبوا للمكذبين بالقرآن ، وخطاب (لكم) للنبي وكل داعية الى الإسلام ، وخطاب فاعلموا لكل من كذب بالقرآن في كل عصر ومصر ، والمعنى فليعلم المكذبون الذين عجزوا عن معارضة القرآن انه نزل على محمد (ص) من عند الله الذي لا إله سواه (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) حيث لا سبيل لكم بعد العجز عن المعارضة إلا التسليم والإذعان.

وكفى القرآن اعجازا انه باق على قيمته وعظمته رغم القرون الطوال ، وسيبقى كذلك يجذب اليه كل قارئ وسامع الى آخر يوم ، وما ذاك إلا لأن حقائقه انسانية وجدانية يعترف بها كل ذي لبّ أيا كان مذهبه ومشربه.

من كان يريد الحياة الدنيا الآية ١٥ ـ ١٧ :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))

٢١٦

اللغة :

التوفية تأدية الحق كاملا ، والبخس تأديته ناقصا. وحبط الشيء فساده وبطلانه. والبينة ما يتبين به الحق من الباطل. والمرية الشك.

الإعراب :

نوفّ مضارع مجزوم جوابا لمن كان. وباطل مبتدأ ، وما كانوا فاعل لباطل ساد مسد الخبر ، ويجوز ان تكون (ما) مبتدأ مؤخر ، وباطل خبر مقدم. أفمن كان على بينة (من) مبتدأ ، وخبره محذوف ، تقديره كمن لا بينة له. والهاء في يتلوه تعود إلى البينة لأنها بمعنى البرهان. ومن قبله كتاب موسى عطف على شاهد. واماما حال.

المعنى :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ).

من يزرع يحصد ، ومن يتاجر متقنا فن التجارة يربح ، ومن يجتهد في مدرسته ينجح ، ومن يقم المصانع ، ويحفر المناجم ، ويحتكر المعادن تكدس الأموال في خزائنه .. وهكذا كل من سعى لشيء يلقى ثمرة سعيه مؤمنا كان أو كافرا ، فالأرزاق تأتي نتيجة للأعمال لا ينقصها كفر ، ولا يزيدها ايمان ، وهذا هو الذي اراده الله من قوله : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ). أجل للأوضاع الفاسدة تأثيرها كما ذكرنا في ج ٣ ص ٩٤.

ونعيم الحياة في الآخرة يناط بالعمل في الدنيا تماما كالزينة في هذه الحياة ، سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ـ ١٤٢ آل عمران». وقال : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) ـ ١٩ الاسراء». ومن سعى لرزقه الحلال الطيب فقد سعى للدنيا والآخرة معا.

٢١٧

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ). أولئك اشارة الى الذين انغمسوا في الدنيا وانصرفوا عن غيرها ، ولا جزاء لهم عند الله إلا عذاب الحريق (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). ضمير فيها يعود إلى الحياة الدنيا ، والمعنى ان جميع أعمالهم ليست بشيء عند الله ، حتى لو انتفع بها الناس ما دام القصد منها غير وجه الخير والانسانية.

والخلاصة ان من سلك سبيلا أدت به إلى غاياتها ونتائجها ، والعاقل من يختار لنفسه سبيل النجاة ، ولا تخدعه المغريات.

وبعد ان ذكر سبحانه من يعمل لحياة الدنيا منصرفا عما سواها ذكر من يعمل لله ، ويدعو اليه ، وهو على بينة من أمره ، وفيما يلي التفصيل :

١ ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ). المراد به محمد (ص) ، وبينته من الله القرآن.

٢ ـ (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ). قال الطبري والرازي وأبو حيان الأندلسي وغيرهم من المفسرين : «اختلفوا في المراد من هذا الشاهد الذي يشهد لمحمد بالرسالة ، قيل : انه جبريل ، وقيل : لسان محمد ، وقيل : انه علي بن أبي طالب». والذين قالوا هذا استدلوا بحديث رواه البخاري في الجزء الخامس من صحيحه ، وهذا نصه بالحرف : «قال النبي (ص) لعلي : أنت مني وأنا منك ، وقال عمر توفي رسول الله (ص) ، وهو عنه راض».

٣ ـ (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً). لقد بشرت التوراة بمحمد ونبوته قبل ان يشهد له القرآن ، والتوراة كتاب الله أنزله على موسى ، وإمام يقتدى به في الأمور الدينية ، ورحمة لمن عمل بها قبل التحريف.

(أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ). ضمير به عائد الى محمد (ص) وأولئك اشارة الى الذين يتبعون دلائل الحق وبيناته ، كالقرآن وكتاب موسى كما نزل عليه ، وهؤلاء المشار اليهم لم يذكروا صراحة في الآية ، ولكنهم مذكورون فيها بأوصافهم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ). المراد بالأحزاب من أجمعوا على عداوة رسول الله وحربه ، قال صاحب تفسير المنار والشيخ المراغي : «قال مقاتل : هم بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي وآل طلحة بن عبد الله ، ومن اليهم من اليهود والنصارى».

٢١٨

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ). المرية الشك والريب ، وضمير منه وانه يعودان الى محمد أو القرآن ، والخطاب في لا تك موجه لكل من سمع برسالة محمد ، والمعنى لا ينبغي لعاقل أن يشك في أن محمدا رسول الله ، وان القرآن وحي من الله بعد أن قامت الدلائل والبينات على ذلك.

وإذا ساغ لإنسان أن يشك بأن التوراة والإنجيل قد بشّرا بنبوة محمد فهل يسوغ له أن يشك في أن محمدا قد منح الناس أسباب الحياة ، وانه قد أتى بما لم يأت به نبي ولا مصلح. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بالحق ، لأنه عدو ألد لبغيهم وفسادهم في الأرض ، أو لأنهم لا يهتمون بالدين حقا كان أو باطلا ، ما دامت معايشهم لا تعتمد عليه .. ونحن ندع هؤلاء وما يختارون على أن يتركوا غيرهم وما يختار ، ولا يطعنوا في دين لا يعرفون منه الا الاسم.

اولئك يعرضون على ربهم الآية ١٨ ـ ٢٤ :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ

٢١٩

الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))

اللغة :

الأشهاد جمع شاهد. والعوج بكسر العين الالتواء عن الحق ، وبفتحها الالتواء في الأشياء المادية كالعصا ونحوها ، وأخبتوا الى ربهم أي خضعوا واطمأنوا.

الإعراب :

كذبا مفعول مطلق لافترى ، لأنه مثل جلست قعودا. والذين يصدون عن سبيل الله عطف بيان من الظالمين. وعوجا حال من واو يبغونها منحرفين أو ضالين. وهم بالآخرة هم كافرون. (هم) الثانية تأكيد ل (هم) الأولى. ومن أولياء (من) زائدة اعرابا. وأولياء اسم ما كان لهم. ويضاعف لهم العذاب جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. وما كانوا يستطيعون (ما) نافية. ولا جرم بمعنى لا محالة ، فلا نافية للجنس ، ومحالة اسمها مبني على الفتح ، لأنه مركب مع لا تركيب خمسة عشر على حد تعبير النحاة ، والمصدر المنسبك من انهم وخبرها مجرور بمن محذوفة خبرا للا. وعن الفرّاء ان لا جرم كانت بمعنى لا محالة ، ثم تحولت الى معنى القسم وصارت كلمة واحدة بمعنى حقا. ومثلا تمييز من فاعل يستويان ، والأصل هل يستوي مثلهما.

المعنى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً). وإذا كان شر القول الكذب على المخلوق فكيف إذا كان على الخالق؟! وللافتراء على الله مظاهر ، منها خلق الشركاء

٢٢٠