التّفسير الكاشف - ج ٤

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٤

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٧٥

من قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، وأخذ قوله : تكلموا تعرفوا من قوله سبحانه : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ).

(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقوم نوح وعاد وثمود ، وغيرهم ممن كذبوا رسلهم قبل أن يدركوا حقيقة ما جاؤوهم به من الخير والرشاد (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) من الهلاك والوبال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٤٥ الأنعام».

ومنهم من يؤمن به الآية ٤٠ ـ ٤٤ :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤))

المعنى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ). ضمير منهم يعود الى المشركين ، وضمير به يعود الى القرآن ، والمعنى ان المشركين بالنظر الى القرآن على قسمين : قسم ترك الشرك وآمن بكتاب الله مخلصا ، وبديهة ان الايمان بكتاب

١٦١

الله ايمان بالله وبمحمد (ص). وقسم أصر على الشرك عنادا وحرصا على منافعه ، وهؤلاء هم الذين هددهم الله بقوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) وهذا يومئ الى أن كلمة مفسد لا تختص بمن يفتن بين الناس أو يعتدي عليهم ، بل تعم كل من عرف الحق ، ولم يعمل به.

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ). سألني كثير من المؤمنين عن واجبهم الشرعي تجاه أبنائهم الذين جرفتهم تيارات التمدين ، وتهاونوا في الدين وأحكامه .. فأجبتهم بأن على الوالد أن يربي أولاده الصغار على الدين ، وينشئهم على مبادئه الضرورية ، فيلقّنهم أصول العقيدة ، ويمرنهم على العبادة الواجبة كالصلاة والصيام ، ومعرفة الحرام كالكذب والغيبة وتعاطي المسكرات وما اليها الى ان يبلغوا راشدين ، فإن قصّر في هذا الدور كان مسؤولا أمام الله .. وبعد الرشد يقف معهم موقف البشير النذير ، فإن لم يستجيبوا فهو معذور عند الله ، ثم اتلوا هذه الآية ، أو ما في معناها من الآيات والأحاديث ، كقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ـ ٢٩ الكهف» ، وقول الرسول الأعظم (ص) : «الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين ، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة والا فاضرب على جنبه ، فقد أعذرت الى الله تعالى». أي يترك الولد في السبع الأولى لصغر سنه ، ويؤدب في السبع الثانية كمن لا ارادة له ، ويوجه في السبع الثالثة كمستقل ، وقوله : فاضرب على جنبه كناية عن اليأس منه ، وان الوالد غير مسؤول عن سيئات ولده.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أي ان من المشركين أو المكذبين من يستمعون الى النبي (ص) بآذانهم فقط ، أما قلوبهم وعقولهم فهي غائبة عنه ، تماما كمن لا سمع له (أفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) كلام الله وكلامك أيها الرسول .. نزّل الله سبحانه من سمع ولم يفهم ، أو فهم ولم يعمل ـ نزّله منزلة من لا سمع له ، لأن الغاية من حاسة السمع الاستفادة منها ، والانتفاع بها ، فإذا لم تتحقق هذه الغاية كان وجود الحاسة وعدمها سواء.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) بأبصارهم ، ولكنهم لا يعرفون قدرك ومقامك

١٦٢

أيها الرسول ، حتى كأنهم بلا أبصار (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) أي كما انك لا تقدر ان تجعل الأصم سميعا ، والأعمى بصيرا كذلك لا تستطيع ان تهدي بالقرآن من يستمع وينظر اليه واليك من خلال أهوائه وأغراضه .. وقديما قيل : الهوى يعمي ويصم.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). ما في ذلك ريب ، لأن الله أعطاهم القدرة والإدراك ، وبيّن لهم طريق الخير والشر ، فنهاهم عن هذا ، وأمرهم بذاك ، وجعل الخيار بأيديهم ، فمن أطاع فقد اختار لنفسه النجاة ، ومن عصى فقد اختار لها الهلاك .. وغريب ان تخفى هذه الحقيقة الواضحة على الأشاعرة ، ويدركها إبليس اللعين ، حيث يقول لأتباعه يوم لا كذب ولا خداع : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢٢ ابراهيم».

ويوم يحشرهم الآية ٤٥ ـ ٤٧ :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧))

الإعراب :

يوم مفعول لفعل محذوف أي أنذرهم يوم نحشرهم. وكأن مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف أي كأنهم. وساعة ظرف متعلق بيلبثوا. ومن النهار متعلق بمحذوف

١٦٣

صفة لساعة ، وجملة كأنهم وما بعدها حال من ضمير يحشرهم ، أي مشبهين من لم يلبث إلا ساعة. وإنما مركبة من كلمتين ان الشرطية وما الزائدة ، وجواب الشرط فإلينا مرجعهم. وثم هنا للترتيب لفظا ، لا معنى.

المعنى :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ). قوله : ساعة من النهار كناية عن ان الحياة وان طالت وطابت فهي قصيرة الأمد ، لأنها إلى فناء .. وأقوال الناس في ذم الدنيا نثرا وشعرا تستغرق مجلدات .. وغريبة الغرائب انهم يجمعون قولا على ذمها ، وعملا على حبها ، فيجمعون بين الذم وحب المذموم. بل لو ردوا الى الدنيا بعد الموت وأهواله لعادوا لما نهوا عنه ، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان الرجال لا تعرف بالأقوال.

(يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ). ظاهر اللفظ يدل على ان المجرمين يعرف بعضهم بعضا يوم الحشر ، وبالأولى الطيبون.

وتسأل : ألا يتنافى هذا بظاهره ، مع قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) ـ ٢ الحج»؟.

الجواب : فرق بين يوم النشر والحشر ، وبين يوم القيامة الذي هو عبارة عن خراب الكون ودماره ، وآية الحج تحكي حال الناس يوم القيامة ، وقوله تعالى : (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يحكي حالهم يوم الحشر .. هذا ، إلى أن مواقف الحشر كثيرة يملك الناس ادراكهم في موقف بخاصة عند الحساب ، ويفقدونه في مواقف ، كما لو عرضوا على النار (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ). كل من عمل لشيء لا وجود له ، أو أهمل ولم يعمل للشيء الموجود الذي يرتبط بكيانه ومصيره ـ فهو من الضالين الخاسرين. وهذه حال من عمل للدنيا دون الآخرة ، سواء أكذّب بها ، أم صدق ولم يعمل لها.

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ). الخطاب في نرينك ونتوفينك للنبي (ص) ، وضمير نعدهم ومرجعهم للذين كذّبوا بنبوته ،

١٦٤

والمعنى ان الله سبحانه هدد وتوعد المكذبين بالخزي والذل على تكذيبهم ، وهذا الخزي واقع بهم لا محالة في حياة الرسول أو بعد وفاته ، وفي سائر الأحوال فان مصيرهم اليه تعالى ، فيعذبهم العذاب الأكبر (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ).أي مطلع على جميع أفعالهم ، لا يغيب شيء منها عن علمه : وسيجازيهم عليها بما يستحقون.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) يبشرها وينذرها ، وبعد الانذار والاعذار يكون الحساب والعقاب ، إذ لا عقوبة من غير نص (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) وبلغهم ما تجب معرفته عليهم من أمور الدين ، ولم يبق من عذر لمعتذر (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) فيحكم لمن استجاب لله ورسوله بالفوز والثواب ، وعلى من أعرض ونأى بالخذلان والعقاب (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) فلا نقصان من ثواب من أطاع ، وقد يزداد ، ولا زيادة في عقاب من عصى ، وقد تشمله الرحمة ، وهذا المعنى يدل عليه قوله تعالى : (بِالْقِسْطِ) ولكن من عادة القرآن أن يؤكد كل ما يتصل بالآخرة وثوابها وعقابها.

متى هذا الوعد الآية ٤٨ ـ ٥٦ :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أحَقٌّ

١٦٥

هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦))

الإعراب :

متى هذا الوعد ، هذا مبتدأ مؤخر ، ومتى خبر مقدم ، والوعد عطف بيان. وما شاء الله (ما) مصدرية والمصدر المنسبك مجرور بباء محذوفة ، أي بمشيئة الله. وبياتا ظرف زمان أي ليلا والعامل فيه أتاكم. وما ذا يستعجل مبتدأ وخبر أي ما الذي ، ويجوز أن تكون ما ذا كلمة واحدة بمعنى أي شيء : وعليه يكون محلها النصب بيستعجل. وثم حرف عطف وتقدمت همزة الاستفهام كما تقدم على الواو والفاء بقصد التقرير والتقريع. والآن كلمتان همزة الاستفهام والآن ظرف زمان متعلق بآمنتم محذوفة أي آلآن آمنتم ، ولا تتعلق بآمنتم المتقدمة على همزة الاستفهام لأن النحاة قالوا : الاستفهام يمنع الفعل من العمل فيما بعده. وهو مبتدأ مؤخر ، وحق خبر مقدم. وإي حرف جواب بمعنى نعم في القسم خاصة. وانه لحق جواب القسم. والمصدر المنسبك من ان لكل نفس فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت. وألا ان (ألا) أداة تنبيه.

المعنى :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). في الآية السابقة ٤٥ هدد سبحانه المكذبين بلقائه ، هددهم بأنه سيحييهم بعد الموت ، ويعاقبهم على تكذيبهم.

١٦٦

وفي هذه الآية ٤٨ أشار تعالى الى انهم أجابوا عن هذا التهديد بقولهم استخفافا واستهزاء : متى يكون ذلك؟. (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي انكم تسألونني عن شيء لا املك من أمره شيئا ، بل ولا من أمر نفسي ، فبالأولى غيرها. وتقدم نظيره في سورة الأعراف الآية ١٨٧.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). تقدم مثله في سورة الأعراف الآية ٣٣ ، وتكلمنا عن الأجل مفصلا في ج ٢ ص ١٧١ فقرة «الأجل محتوم» عند تفسير الآية ١٤٥ من سورة آل عمران.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ). أرأيتم معناها اخبروني .. كذب المشركون بعذاب الآخرة ، واستعجلوه مستهزئين ، فأمر الله نبيه ان يقول لهم : اخبروني ما أنتم صانعون إذا نزل بكم العذاب ، وأنتم إيقاظ او نيام ، ثم اي عذاب تستعجلون ايها الحمقى؟ هل تستعجلون عذاب الدنيا ، او عذاب الآخرة؟ وأيا كان هل تقدرون على دفعه والخلاص منه؟ وهل من احد يستطيع الفرار من الله الا اليه؟.

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ). لقد شاهدنا كثيرا من الحمقى يحاولون الاقدام على الأخطار والمهالك ، او يحجمون عما فيه خيرهم وصلاحهم ، فينصحهم العقلاء المشفقون ، ويحذرونهم سوء العواقب ، فيصمون آذانهم ، ويركبون عنادهم ، فيفعلون الشر ، او يتركون الخير مستخفين بالعاقبة ومن حذّر منها ، حتى إذا وقعت الواقعة قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا في نصح الناصحين .. وهذا هو بالذات حال المكذبين باليوم الآخر ، كذبوا به ، حيث ينفعهم التصديق والعمل ، وصدقوا به ، حيث لا عمل ولا جدوى من الاعتراف والتصديق.

(آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) آلآن وأنتم في يوم الحساب والعقاب الذي لا ايمان فيه ولا عمل تعترفون وتؤمنون ، وفي يوم الايمان والعمل أنكرتم وأعرضتم؟. ان الايمان بالله واليوم الآخر هو الاعتراف بهما في علم الغيب ، اما الاعتراف بهما بعد الرؤية وجها لوجه فما هو من الايمان المطلوب في شيء ، وان استحال الفرض بالنسبة الى رؤيته تعالى.

(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ). السجن المؤبد في الحياة الدنيا

١٦٧

ينتهي بالموت ، اما من سجن في جهنم فلا يقضى عليه فيموت ، ولا يخفف عنه من عذابها (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ). ولو عوقبوا بما لم يكسبوا لكان الله ظالما .. حاشا من لا يشغله غضبه عن عدله.

بالله عليك يا محمد أنت نبي؟

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) العذاب الذي وعدتنا به (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ). ذكر القرآن الكثير من الآيات والبينات على نبوة محمد وصدقه في جميع أقواله وأفعاله ، منها آية التحدي بالقرآن ، ومنها آية المباهلة ، ومنها الآية ١٦ من هذه السورة : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). ووجه الدلالة فيها أن من عرفه الناس بالأمانة والصدق والاستقامة أربعين عاما فعليهم أن يصدقوه في جميع أقواله ، حتى يثبت العكس .. وقد اشتهر النبي (ص) قبل البعثة بالصادق الأمين فعلى من عرفه بهذا الوصف ان يصدقه في دعوى النبوة انسجاما مع علمه بأمانة محمد (ص) .. ولكن الأهواء والمآرب تحول بين المرء وقلبه وعقله .. أما الذين تجردوا عن الغايات والشهوات ، وطلبوا الحق لوجه الحق فقد آمنوا به منذ البداية ، ومن هؤلاء من اكتفى بمجرد قوله : أنا رسول الله ، ولم يطلب بينة ولا يمينا معتمدا على السوابق كعلي بن أبي طالب ، ومنهم من طلب البينة ، ومنهم من اكتفى باليمين كضمام بن ثعلبة : قال الرواة : وفيهم الإمام ابن حنبل والبخاري ومسلم :

بينما رسول الله في المسجد إذ دخل رجل ، وقال : أيكم محمد؟. فأرشد اليه.

قال الرجل لمحمد (ص) : اني أسألك فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد علي في نفسك.

النبي : سل ما بدا لك.

الرجل : أسألك بربك ورب من قبلك : هل أرسلك الله الى الناس كلهم؟

النبي : اللهم نعم.

١٦٨

الرجل : أنشدك الله : هل أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟

النبي : اللهم نعم.

الرجل : أنشدك الله : هل أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟.

النبي : اللهم نعم.

الرجل : أنشدك الله : هل أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟.

النبي : اللهم نعم.

الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي .. أنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. ثم خرج الرجل من المسجد ، وكان أشعر ذا عقيصتين ـ العقيصة من الشعر المفتول والمجدول ـ فقال النبي (ص) : ان صدق الرجل يدخل الجنة.

ولما أقدم على قومه اجتمعوا اليه : فكان أول كلامه ان قال : بئست اللات والعزى. فقالوا : صه يا ضمام ، اتق البرص والجذام. قال : ويلكم انهما ما يضران ولا ينفعان ، ان الله قد بعث إليكم رسولا ، وأنزل كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، واني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.

وكما آمن هو بمحمد من أيسر الطرق وأبسطها كذلك أسلم قومه رجالا ونساء من هذا الطريق بالذات. وهكذا كل من كان الحق بغيته وأمنيته يؤمن به بمجرد أن تلوح دلائله ، من أي نحو أتت ، تماما كصاحب الحاجة يعمى عن كل شيء الا عنها .. وقديما قيل : الحكمة ضالة المؤمن يأخذها انّى وجدها. والمراد بالمؤمن كل من يؤمن بالحق بمجرد ظهوره من غير كلفة ومشقة : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) ـ ٥٧ الأعراف».

(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) من هول العذاب وشدته ، ولا ينفعها الفداء شيئا. والغرض من هذا الفرض التأكيد على انه لا يجدي في ذاك اليوم شيء الا الايمان والعمل الصالح : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا

١٦٩

تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ـ ١٢٣ البقرة» (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) ولكن حيث لا ينفع الندم أسرّوه ، أم أعلنوه (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) تقدم هذا بنصه الحرفي في الآية ٤٧ من هذه السورة ، وذكر هناك لمناسبة تحذير الرسول للمكذبين ، وأعيد هنا لمناسبة عدم الجدوى من الفداء لو أمكن.

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يحكم ويفعل ما يشاء ، ولا رادّ لمشيئته (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) في مجيء اليوم الآخر وثوابه وعقابه ، وفي كل ما وعد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور .. وأكثر الذين يعلمون ويؤمنون بهذا البعث لا يعملون له. وإذا كانت الأكثرية على وجه العموم لا تعلم ، وأكثرية «الأقلية» التي تعلم لا تعمل فالنتيجة الحتمية ان العالم العامل أندر من الذهب الأحمر.

(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). فيعاقب من علم ولم يعمل بعذاب أشد وأعظم من عذاب من أهمل وقصّر في طلب المعرفة من أجل العمل .. ان هذا مسؤول ما في ذلك ريب ، ولكن مسؤولية من ترك العمل بعلمه أعظم بكثير .. ان السعي لوفاء الدين واجب ومن تركه فهو آثم ، ولكن إثم من ترك ، وهو يملك المال بالفعل ، أشد وأعظم.

لقد جائكم موعظة الآية ٥٧ ـ ٦٠ :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)

١٧٠

وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))

الإعراب :

شفاء هنا مصدر بمعنى الفاعل أي شاف ، مثل رجل عدل بمعنى عادل. وبفضل الله وبرحمته متعلق بفعل محذوف دل عليه الموجود ، أي قل : ليفرحوا بفضل الله وبرحمته. وفبذلك اشارة الى فضل الله ورحمته ، وتتعلق بفليفرحوا ، والغرض من هذا التأكيد الإيماء الى ان الإنسان لا ينبغي له ان يفرح بشيء الا بفضل الله ورحمته. وما في قوله تعالى : ما أنزل الله للاستفهام الانكاري ، وموضعها النصب بأنزل. وآلله مركب من كلمتين : همزة الاستفهام ، ولفظ الجلالة ، أي أالله. وما ظن الذين (ما) مبتدأ ، وظن خبر.

المعنى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). هذه الأوصاف الأربعة : الموعظة والشفاء والهدى والرحمة هي أوصاف القرآن الكريم ، والغرض من ذكرها الرد على المشركين ، وعلى كل من يرتاب في كتاب الله ، ويرفض الاعتراف به ، ووجه الرد ان القرآن يعظ الناس بالموعظة الحسنة ، ويشفي القلوب من الأهواء والرذائل ، ويهدي للتي هي أقوم ، وهو رحمة تنجي من يؤمن به ويعمل من الهلاك والعذاب ، وعلى هذا فمن رفضه فقد رفض هذه المبادئ التي هي دعائم الحق والخير ، وسبل النجاة والأمان.

(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). أي ان العاقل لا يفرح بالمال وأسباب الملذات في هذه الحياة ، وانما يفرح ويغتبط بفضل الله ورحمته .. وقد أطال المفسرون الكلام حول معنى فضل الله ورحمته ، وبيان

١٧١

الفرق بينهما .. وسياق الآية يدل على ان المراد بهما هنا الهداية الى طريق الخير والنجاة ، تماما كالفضل والرحمة في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ـ ١١٢ النساء». فقوله : (أَنْ يُضِلُّوكَ) يدل على ان المراد بفضله ورحمته تعالى الهداية أو التثبيت عليها ، لأنها ضد الضلال ، ومثلها الآية ٦٤ من سورة البقرة : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً). هذه الآية قريبة المعنى من الآية ١٠٣ من سورة المائدة التي مر تفسيرها في ج ٣ ص ١٣٧ ، ومحصل المعنى ان الله أمر نبيه أن يقول لمشركي مكة الذين جعلوا في الأنعام بحيرة وسائبة ، وما اليهما ، أمره أن يقول لهم : اخبروني أي شيء وهب الله لكم من الرزق الذي جعل فيه حلالا وحراما ، حتى قسمتم هذا التقسيم ، والاستفهام هنا للإنكار ، أي انه تعالى ما جعل شيئا من هذا ، بل هو من عندياتكم فأنتم وحدكم حرّمتم ما حرمتم (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، ولا يمكنهم الادعاء بأن الله أذن لهم فتعين انهم مفترون.

(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ). أي هل يتصور الذين يحللون ويحرمون من تلقائهم ان الله يتركهم غدا بلا عقاب على كذبهم وافترائهم؟ اذن لا فرق عنده بين من اتقى ومن عصى .. كيف؟ وهو القائل : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ـ ٢٨ ص». وهذا التوبيخ والتقريع من أبلغ أساليب التهديد والوعيد.

(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بما أنعم عليهم من العقل والشرع الذي أمرهم بالخير ، ونهاهم عن الشر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) اي لا يعملون بوحي العقل ، ولا بحكم الشرع.

١٧٢

وما تكون في شأن الآية ٦١ ـ ٦٤ :

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))

اللغة :

الشأن والبال والحال بمعنى واحد ، تقول : ما شأنك؟ وما بالك؟ وما حالك. تفيضون فيه تدخلون فيه. ويعزب يغيب. والذرة النملة الصغيرة ، وتطلق أيضا على الدقيقة من الغبار. والمراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ. والبشرى والبشارة بمعنى واحد ، وهي الخبر السار.

الإعراب :

ألا أداة تنبيه. والذين آمنوا مبتدأ ، ولهم البشرى خبر. وفي الحياة الدنيا وفي الآخرة متعلق بالبشرى. ولا تبديل (لا) نافية للجنس تعمل عمل ان ، وتبديل اسمها ولكلمات الله خبرها.

١٧٣

المعنى :

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ). الخطاب في تكون للنبي (ص) ، والضمير في منه للشأن ، وضمير تعملون للنبي وأمته ، وضمير فيه للعمل ، وتفيضون فيه أي تدخلون فيه ، والمعنى الجملي أن ما من حال يكون عليها النبي وأمته إلا وهي في علم الله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). معنى يعزب يغيب ، والكتاب المبين اللوح المحفوظ ، ويتلخص مجموع الآية بأن الله واسع عليم بكل شيء دون استثناء ، والمراد بعلمه هنا جزاؤه على أقوال الناس وأفعالهم خيرا كانت أو شرا ، كبيرة كانت أو صغيرة ، واطلاق علمه على جزائه تعالى من باب اطلاق السبب وارادة المسبب ، لأن علمه بما يصدر من الإنسان سبب للجزاء عليه ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر.

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ووصف الإمام علي (ع) أولياء الله بقوله : «هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها ، فأماتوا ما خشوا أن يميتهم ـ أي الهوى ـ وتركوا منها ما علموا انه سيتركهم». وقال : «ان أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، وان ولي محمد من أطاع الله وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته». ومعنى هذا ان مجرد التصديق بلا تقوى وعمل لا يجدي نفعا ، واليه يشير قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ). وتكلمنا عن ذلك في ج ١ ص ٣١٤ فقرة : «لا ايمان بلا تقوى» عند تفسير الآية ٢١٢ من سورة البقرة ، وفي ج ٢ ص ٢٣٧ فقرة «التقوى» في آخر سورة آل عمران.

(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). ضمير لهم يعود الى المتقين ، وبشارتهم في الدنيا من الله تعالى انهم على حق في عقيدتهم وعملهم .. وليس من شك ان النفس تطمئن وتستشعر الغبطة والسعادة إذا كانت على ثقة من دينها

١٧٤

وأعمالها ، أما بشارة المتقين في الآخرة فهي فرحتهم بنعمة الله وفضله : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٧١ آل عمران».

(لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لأن الله لا يخلف وعده ، وإذا أراد شيئا فلا راد لمشيئته : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) ـ ١٠٧ يونس» (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي ليس وراءه فوز ، وكل فوز يأتي نتيجة للايمان بالحق والجهاد في سبيله فهو عظيم.

ان العزة لله جميعا الآية ٦٥ ـ ٧٠ :

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))

١٧٥

اللغة :

العزة الغلبة والقوة ، ويعز بفتح العين إذا اشتد وبكسرها إذا صار نادرا. والخرص الحدس والقول بلا علم. ومبصرا على سبيل المجاز أي مبصرا فيه ، مثل ليل نائم أي فيه. والسلطان الحجة والبرهان.

الإعراب :

ان العزة لله جملة مستأنفة ، وليست مفعولا للقول لأن النبي (ص) لا يحزنه قولهم : العزة لله. وما يتبع (ما) نافية ، ومفعول يتبع محذوف أي ما يتبعون شريك الله حقيقة ، لأن الله لا شريك له. إن يتبعون (ان) نافية. وان هم مثلها. والمصدر المنسبك من لتسكنوا متعلق بمحذوف مفعولا لجعل أي جعل الليل مظلما لسكنكم فيه. وان عندكم من سلطان (ان) نافية ، وعندكم خبر مقدم ، ومن زائدة اعرابا ، وسلطان مبتدأ مؤخر ، وبهذا متعلق بسلطان. ومتاع في الدنيا خبر مبتدأ محذوف أي ذلك متاع.

المعنى :

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً). جن جنون المرابين وأرباب الامتيازات من دعوة محمد (ص) الى العدل والمساواة ، وتحريم الظلم والاستغلال ، جن جنونهم من هذه الدعوة التي تؤدي بعزهم وثرائهم ، وهم يملكون السطوة وخزائن الأرض .. فقاوموا النبي (ص) أول ما قاوموه بالافتراءات والاشاعات ، وقالوا : هو مجنون. فما صدقهم أحد ، فقالوا : هو ساحر. فكذبتهم الوقائع ، فصمموا على اغتياله ، وتشاوروا في طريق الاغتيال ، فقال الله لنبيه الأكرم : لا تبال بما يقولون عنك ، وما يدبرونه لك ، فإن القوة والعزة جميعا لله ، لا للمال ، ولا للجاه ، فهو الذي يعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، وسينتقم من الذين كذبوك ، وقالوا عنك ما قالوا .. ولا يجدون وليا ولا نصيرا يدرأ عنهم

١٧٦

نقمة الله وغضبه (هُوَ السَّمِيعُ) لافترائهم عليك (الْعَلِيمُ) بما يدبرونه لك من الكيد .. وانه لهم لبالمرصاد.

وتسأل : لقد دلت هذه الآية على ان العزة بكاملها لله وحده ، لا يشاركها فيها أحد ، مع ان الآية ٨ من سورة «المنافقون» تقول : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»؟.

الجواب : ان عزة الرسول والمؤمنين هي لله ، ومن الله ، فبه يعتزون ، ومنه يستمدون.

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ومن كان له هذا الملك فهو قادر على نصرة نبيه ، وإعزازه والانتقام من أعدائه. وقال تعالى (من) ولم يقل (ما) لأن الكلام عن المشركين الذين افتروا الكذب على الله ونبيه (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ). إذا اتبعت إنسانا معتقدا بصلاحه ، وهو ضال في الواقع فأنت لا تتبع صالحا ، بل ضالا ، وهذه هي حال من يعبد الأصنام معتقدا بأنها شريكة لله .. انه لا يعبد شركاء الله لسبب واضح وبسيط ، وهو انه ليس لله شركاء ، ويوضح ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). وقوله : ان هم الا يخرصون تأكيد لقوله : ان يتبعون الا الظن ، والجملتان تفسير وتوضيح لقوله : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء. وسبق نظير هذه الآية مع البيان في الآية ٢٨ من هذه السورة.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ). مبصرا أي نبصر فيه للكد والكدح ، أما الليل فظلام لأنه للسكن من متاعب النهار ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) ـ أي جعلناها مظلمة ـ (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ـ ١٢ الاسراء».

(قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). سبق مثله مع ذكر الأدلة على نفي الولد عنه تعالى في سورة البقرة الآية ١١٧ ج ١ ص ١٨٦ ، وتكلمنا عن الأقانيم الثلاثة : الأب والابن وروح القدس في ج ٢ ص ٣٤٤.

١٧٧

(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) في الآخرة التي هي خير وأبقى من حياتنا هذه. ويكون عذابهم أشد ، وحسرتهم أعظم إذا كان افتراؤهم قولا في ذات الله وصفاته ، ونسبة الشريك له والصاحبة والولد.

(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) أي ان ما فيه المشركون من نعم هو متاع حقير ، وان كثر ما لهم ، واتسع جاههم ، لأنه قصير الأمد ، ومشوب بالمنغصات ، وما هو بشيء إذا قيس بنعيم الآخرة (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) بالله ونعمه وتكذيب رسله.

نبأ نوح الآية ٧١ ـ ٧٣ :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣))

اللغة :

النبأ الخبر الذي له شأن. واجمع الأمر عزم عليه من غير تردد. والغمة

١٧٨

ضيق الأمر الذي يوجب الحزن ، وضده الفرجة ، وتستعمل في الستر ، يقال : غم الهلال إذا حال الغيم دون رؤيته. وخلائف أي يخلفون من مضى.

الإعراب :

إذ ظرف في محل نصب بنبإ. وشركاءكم بالنصب عطفا على أمركم بتقدير وأمر شركاءكم. وان اجري (ان) نافية. والمصدر المنسبك من أن أكون مجرور بالباء المحذوفة أي بكوني. وكيف في محل نصب خبرا لكان ، وعاقبة اسمها.

المعنى :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) الخطاب في اتل لمحمد (ص) ، وضمير عليهم لمشركي مكة (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ). ذكّر محمد (ص) المشركين من قومه ، وأنذرهم بالعذاب الأليم ، فثقل عليهم تذكيره وإنذاره ، ولكنه أصر على دعوته ، فثقل عليهم مقامه ، وحاولوا اغتياله ، فأمره الله أن يتلو عليهم خبر نوح الذي ذكّر قومه وأنذرهم ، فكبر عليهم تذكيره ومقامه ، تماما كما كبر تذكير محمد ومقامه على مشركي مكة.

ويتلخص نبأ نوح الذي تلاه محمد (ص) هنا على مشركي مكة بأن نوحا تحدى المكذبين له ، وقال لهم : اني متوكل على الله واثق بالنصر عليكم ، وان كنتم أكثر عددا ، وأقوى عدة ، لأن الله وعدني بنصره ، وهو لا يخلف الميعاد ، أما تهديدكم اياي فإنه لا يثنيني عن المضي في الدعوة الى الله ، وما عليكم الا ان تجمعوا كل ما تقدرون عليه ، وتضموا إليكم من تعبدون من دون الله ، وتبلغوا كل غاية في الجهر بالعداء ، ومواجهتي بالشر والإيذاء ، وتعجلوا ذلك ، ولا تنتظروا.

١٧٩

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي فإن أعرضتم عن دعوتي فلست مباليا باعراضكم ، لأنه لا يجلب لي ضرا ولا يفوّت عليّ نفعا (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) لا عليكم ، لأني عامل له ، لا لكم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وقد أطعت وأديت رسالة الله على وجهها ، ولا شيء بعد هذا أسلمتم أو كفرتم.

(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا). وهكذا ينتهي كل شيء .. هلاك المكذبين ، ونجاة المؤمنين ، واستخلافهم مكان المكذبين الهالكين (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ). الخطاب للنبي (ص) ، والغرض منه أن يحذر مشركو مكة من ان يصيبهم مثل ما أصاب قوم نوح ، وسبق نظير هذه الآية في سورة الأعراف الآية ٧٢.

ثم بعثنا من بعده رسلاً الآية ٧٤ ـ ٨٢ :

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ

١٨٠