مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٤٠
تحيىٰ بهم كُلُّ أرضٍ ينزلون بها |
|
كأنّهم لبقاع الأرض أمطارُ |
فوالله قسَماً بارّاً إنّهم كانوا منات الوافد ، وملاذ الجانِي ، وعزّ الجار ، لم تخط أقدامهم لريبة ، ولم تنطق ألسنتهم بغِيبة ، ولم ترمق أعينهم لدنسٍ ومعيبة ، لم أدرِ لأيّ فضائلهم أذكر ، لتلك المضائف المعهودة ، أم لتلك المباني المشيودة ، أم لتلك الموائد المورودة . . . (١) .
وفي الجملة فإنّ الأدب الشيعي قد بلغ في الحويزة ذروته في القرون الأربعة الماضية بفضل إرشاد العلماء واهتمام الحكّام الموالي أُمراء الحويزة ، وقد ذكرتُ في كتابي « الياقوت الأزرق في أعلام الحويزة والدورق » من علماء الحويزة وأُدبائها وشعرائها والمفسّرين والمحدِّثين فيها أكثر من مائة وأحدَ عشر رجلاً ، ترجمتُ لهم بها وَصل إليَّ من حياتهم العلميّة والأدبيّة وذكر نماذج من أدب كلٍّ منهم ، نشرت « مجلّة الموسم » (٢) اللبنانية فهرساً لأسمائهم حسب حروف الهجاء مع ذكر تاريخ وفياتهم .
أمّا الدورق : فإنّه ثالث المدارس الأدبيّة بعد الكوفة والبصرة ، ولأهله انطباع ، وتأثّر بالأدب البصري ، وهو أقدم حضارةً من الحويزة ومن البصرة أيضاً ، إذ أنّ البصرة مُصِّرَت على عهد الخليفة الثاني ، بينما كان الدورق بلداً حافلاً بمعالم الحضارة قبل الإِسلام ، وفتحته الجيوش الإِسلاميّة سنة ١٦ هجرية بقيادة أبي موسىٰ الأشعري ، وارتفع عدد سُكّانه لخصبه وقربه من الحدودِ الشرقيّة للعراق .
وقد طبعت الحوادث التاريخيّة مدىٰ القرون طابعاً شيعيّاً على أهل الدورق بعد أن كانوا شيعة في العقيدة منذ القدم ، فنشأ فيها رجال كبار في عالم التشيّع ، عاصر بعضهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام ورووا عنهم ، وخدموا المذهب والعلم والأدب بما لا مزيد عليه ، كالثقة الجليل علي بن مهزيار الدورقي ، الذي كان حيّاً سنة ٢٢٩ هـ
__________________(١) الرحلة المكّيّة ، مخطوط : صفحة ٢٢١ .
(٢) مجلّة الموسم ، العدد الأول ، السنة الْأُولى ١٤٠٩ هـ ، صفحة ٢٧٦ .
وله ثلاثة وثلاثون كتاباً ، روىٰ عن الأئمّة أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد وأبي الحسن عليّ الهادي عليهم السلام .
وأبي يوسف يعقوب بن إسحاق ، المعروف بٱبن السكِّيت الدورقي ، وهو من خواصّ الإِمامين النقيّين عليهما السلام وكان حامل لواء علم العربيّة والأدب والشعر والنحو واللغة ، وله تصانيف كثيرة ، قتله المتوكّل العبّاسي سنة ٢٤٤ هـ .
وكان لأهل الدورق ثبات في العقيدة ممّا جعلهم يتحدّون كثيراً من التيّارات العقائدية والحركات السياسية المشوبة بالمذاهب المختلفة ، كفتن الخوارج والزنوج والقرامطة واصطدامات العبّاسيّين بالعلويّين ، وفي أكثر هٰذه الحوادث كان الدورق عرضة للفتن والغارات .
وبالرغم من قرب الدورق إلى مدينة جُبّى بلد أئمّة المعتزلة ، ووقوعه عُرضةً لجميع تلك الحوادث ، لا يجد المنقّب في عقائد سُكّانِه خارجيّاً أو منحرفاً عن ولاء أهل البيت عليهم السلام .
وبالرغم ـ أيضاً ـ من اضطهاد بني العبّاس للموالين لأهل البيت وتتبُّعهم في أقصى البلاد وأدناها ، فإنّ بذرة التشيّع كانت محفوظةً في هذا البلد ، تنتظر المناخ الملائم والظروف المناسبة لتنشَأَ وتعطي ثمرتها كما ينبغي ، حتّى ظهرت الإِمارة المشعشعيّة في مطلع القرن التاسع ، فكانت الدورق إحدىٰ الحاضرتين لهذه الإِمارة ، إحداهما الحويزة والْأُخرىٰ هي الدورق ، وربّما فضّلها المشعشعيّون لخصوبة أرضها ونقاء هوائها بالنسبة للحويزة ، فاختاروها وطناً لهم .
وكان أُمراؤها قبل ذلك طائفة من بني تميم ، نزحوا إليها من نجد في أواخر القرن التاسع رغبة في جوار المشعشعيّين لأنّهم كانوا من الشيعة أيضاً ، وكان بنو تميم أُمراء الدورق يُجِلّون العلماء والْأُدباء والشعراء ويصلونهم ، وفي ذلك يقول أبو البحر الخطّي في قصيدة يمدح بها المولى خلف بن السيّد عبد المطّلب المشعشعي ، يتطرّق فيها لبني تميم أُمراء الدورق ويذكر إحسانهم للسادة الموالي ، لأنّهم أخوال المولىٰ المذكور ، وقد نظم قصيدته هذه سنة ١٠١٦ هـ :
سقىٰ الله حيّاً من تميم بقدر ما |
|
شربنا بأيديهم من النائل الغمرِ |
هُمُ أوْطَأُونا ساحة العسرِ بعدما |
|
أَذَلّتْ خُطىٰ أقدامِنا عثرةُ العُسْرِ |
فلم تبلغ الْأُمُّ الرؤوم ببرّها |
|
بنيها مدىٰ ما أسلفونا مِن البرّ |
وفي سنة ٩٧٠ هـ عادَ الحكم في الدورق إلى السادة الموالي أُمراء المشعشعيّين ، وأصبح السيّد عبد المطّلب بن حيدر المشعشِعي والياً على الدورق ، وكان عالماً فاضلاً جليل القدر فقصده العلماء والْأُدباء ولجأ إليه المطارَدون مِن قبل حُكّام الظلم والجور .
ومن جملة اللاجئين إليه الشيخ عليّ بن أحمد ابن أبي جامع العاملي ، فإنّه فرَّ بأهله وعياله من بلاده جبل عامل بعد مقتل الشهيد الثاني رحمه الله خوفاً من الظالمين ، فأقام بكربلاء مدّة فوُشِيَ به ، فأمر السلطان العثماني بالقبض عليه وتسييره إليه ، فخرج الشيخ المذكور بأهله وعياله إلىٰ بلاد إيران ، وحينما وَصل الدورق رَحّب به المولىٰ عبد المطّلب والي البلد وأحسَن وفادته وأكرمه وصَرف رأيه عن بلاد العجم ، وحسَّن له الإِقامة في الدورق والإِفادة والتدريس وخدمة العلم ونشر مذهب أهل البيت عليهم السلام ، فقبل الشيخ وقام هو مع بقيّة أهل العلم وبمساندة الوالي بالإِرشاد والتدريس ، فكان حصيلة ذلك أن تخرّج على أيديهم نخبة صالحة من العلماء والْأُدباء ، أحدهم العلّامة الجليل المولى خلف بن والي الدورق ، صاحب التأليفات النفيسة في الحديث والأدب والمنطق وسائر الفنون العلميّة .
وأخذ العلماء والْأُدباء يتوافدون على الدورق فيحظون بالترحيب والإِكرام من قبل الولاة ممّا يحبّب لهم السُّكنىٰ فيها ، حتّى أصبحَ البلد حافلاً بالعلماء والْأُدباء والشعراء ، وظهر الإِنتاج العلمي والأدبي ، وكثرت التصانيف ، وازداد عدد المجالس العلميّة والأدبيّة من بداية القرن الحادي عشر فما بعد ، وتد ظهرت في تلك الفترة شخصيات علميّة كثيرة ، كما عُرفت عدّة بيوتات بالعلم والفضيلة من السادة المشعشعيّين ، ومن غيرهم من العلويّين والطريحيّين والكعبيّين ، وغيرهم ؛ ذكرتُ جُملةً منهم في كتابي « الياقوت الأزرق في أعلام الحويزة والدورق » .
وقد أُسِّست في الدورق عدّة مدارس ، أشار السيّد عبد الله الجزائري إلى بعضها في كتابه « الإِجازة الكبيرة » وأشار في الضمن إلى بعض أساتذتها ومدرّسيها ، وذكر أنه تلقّى بعض العلوم فيها ، ومن جملة تلك المدارس ( المدرسة الإِبراهيميّة ) في القرن الثاني عشر ، التي لا تزال بعض مخطوطاتها موجودة في المكتبات الكبيرة كما في المكتبة المركزيّة لجامعة طهران .
وبفضل تلك الحركة العلميّة والأدبية خلّد علماء الدورق وأُدباؤها آثاراً قيّمة في شتّى مجالات العلم والأدب ، وأفاضوا على الأدب العربي فضلاً بطابعٍ شيعيٍّ يستحقُّ المزيد من العناية والتقدير ، فلو لاحظنا ( البند ) وهو نموذج من الأدب العربي الشيعي ، لوجدنا أنّ أكبر شعرائه وأجودهم وأكثرهم نظماً فيه هو العلّامة الأديب السيّد علي ابن باليل الدورقي ، المتوفّى حدود سنة ١١٠٠ هـ ، وقد بلغ الذروة في هذا النوع من الأدب الذي ولد ونشأ في الأوساط الأدبية الشيعيّة ، كما أنّ تصنيفه الموسوم بـ « المستطاب » في شرح كتاب النحو لسيبويه المعروف بـ « الكتاب » يبيّن لنا مدىٰ اهتمام علماء هذا البلد باللغة العربيّة وحرصهم على كشف غوامضها ومعرفة أسرارها ، وكذلك كتابه الموسوم بـ « قلائد الغيد » له مرتبة سامية في الأدب العرفاني الرفيع .
كما أنّ للشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي ، المتوفّى سنة ١١٣٠ هـ عدّة آثارٍ أدبيّة هي خير شاهد على مستوى الأدب في هذا البلد .
وقد اعترف المستشرق الألماني بروكلمان في كتاب « تاريخ الأدب العربي » بحقّه واعتبره من روّاد الأدب العربي ، وأشار إلى آثار الأدبيّة الممتعة في مكتبات الغرب .
كما أنّ شرح الشيخ جمال الدين بن إسكندر الدورقي ، المتوفّى حدود سنة ١١٥٠ هـ ، على نهج البلاغة للإِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيه دلالة واضحة على مكانة الأدب العربي ومِقامه ، ومدىٰ اهتمام علماء الدورق به آنذاك .
وهذه
الآثار الأدبيّة وغيرها ، التي لا تزال مبعثرةً في شتّى أنحاء العالم ، ما هي إلّا شيءٌ يسير من تُراث أدبيّ كثير خلَّفه لنا علماء الدورق ، وقد لعبت به أيدي
الزمان ، وجارت على بعضه يدُ الإِنسان .
قال العلّامة السيّد نعمة الله الجزائري ـ رحمه الله ـ في كتابه « مسكّن الشجون في جواز الفرار من الطاعون » : في سنة ١١٠٢ أصابَ الطاعون مدينة الدورق ، فأهلك عدداً كبيراً من العلماء والْأُدباء والصالحين والأتقياء ، فعطّلت المدارس وخلت المساجد فسمِّيت تلك السنة بعام الحُزن .
وطبيعيٌّ أنّ نكبة كهذه التي يذكرها السيّد الجزائري تترك الآثار النفيسة ضائعةً ، إذ لا يعرف قدرَ العلم إلّا العالم ، ولا يقيم وزناً للأديب إلّا الأديب .
ثُمّ جرت بعد تلك النكبة حوادث لا طائل من ذكرها ، كانت سبباً لضياع معظم ذلك التراث القيّم ، إلى أن انتقل الناس من الدورق القديمة إلى مدينة الفلاحيّة حدود سنة ١١٦٠ هـ ، وذلك إبّان ظهور الإِمارة الكعبيّة في الدورق ؛ وكان الكعبيّون شيعةً اثنا عَشريّين ، يوقَّرون العلماء ويعظّمونهم ويعطفون على الشعراء والْأُدباء .
ولهذا ، فقد أخذت الحركة العلميّة والأدبيّة تستعيد نشاطها في الفلاحيّة من الدورق بعد أن أُصيبت بالتفكّكِ والخمول في الدورق القديمة .
ونظراً لِما كان يولونه حُكّام كعب من إكرام وحفاوةٍ بأهل العلم والفضيلة ، وما يبدون من ودٍّ واحترامٍ للمنتسبين لأهل البيت عليهم السلام ، فقد ظهرت بيوتات علميّة جديدة في الفلاحيّة ، وقصدها العلماء والْأُدباء والشعراء ، وكان البلد كثير الخيرات وافر الأرزاق فانجذبت نحوه نفوس الشيعة .
ويُذكر أنّ أُمراء الكعبيّين راسلوا جماعة من علماء النجف الأشرف ، وطلبوا منهم القدوم إلى الفلاحيّة بأهليهم وعيالهم وضمنوا لهم القيام بكلّ متطلّباتهم وشؤون حياتهم ، خدمةً للدين وحُبّاً لنشر العلم ، وكان لأحدِ أُمرائهم ـ وهو الشيخ بركات بن عثمان بن سلطان بن ناصر الكعبي الدورقي ، المتوفّى سنة ١١٩٧ هـ ـ خزانة كتب كبيرة في الفلاحيّة تضُمُّ أُمّهات الكتب وفي الفقه والحديث والتفسير والأدب والتاريخ وغيرها ، وقد فوّضَ أمرها إلى العلّامة الشيخ خلف العصفوري ، المتوفّى سنة ١٢٠٨ هـ .
وكان
الشيخ خَلف هذا من كبار علماء الشيعة ، وهو ابن أخ العلّامة المحدّث
الجليل الشيخ يوسف البحراني ، صاحب الموسوعة الفقهيّة الموسومة بـ « الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة » فدعىٰ الشيخ خلف جماعةً من علماء البلد للتحقيق والتنقيح ومقابلة تلك الكتب والاستنساخ ، ومن جملة من آزره في هذا العمل الشيخ محمّد بن شمس الدين الطريحي ، ولا تزال بعض نسخ هذه المكتبة موجودة في المكتبات العامّة والخاصّة وعليها ختم مكتبة ( الشيخ بركات ) وعلى صفحاتها حواشٍ وتعليقات لهذين العالمين الجليلين .
وفي هذه الفترة من تاريخ الدورق ( في نهاية القرن الثاني عشر ) ظهرت معالم الأدب الشيعي في أعلى المستويات كما تشهد مخطوطات وآثارُ تلك الفترة على هذا ، ففي نسخةٍ من ديوان المتنبّي أورد المستنسِخُ هذه الأبيات في قافية اللام :
وقيل له وهو بالكوفة : لِم لا تقول في أهل البيت رضوان الله عليهم شيئاً ؟ فقال :
وتركتُ مدحي للوصيِّ تعمّداً |
|
إذ كان نوراً مستضيئاً شاملا |
وإذا استقامَ الشيءُ قامَ بِذاتِهِ |
|
وكَذاك وصفُ الشمس يذهبُ باطلا |
وهذه النسخة من الديوان كُتبت سنة ١١٩٦ هـ في مدينة الفلاحيّة ، وكاتبها الشيخ عبّاس بن الشيخ عيسىٰ بن الشيخ إسكندر الفلاحِي الأسدي ، من البيوتات العلميّة في الفلاحيّة ، ترجم العلّامة الطهراني لجماعة مِن رجال هذه الْأُسرة في « الكرام البررة » ومن جملتهم الشيخ إسكندر بن عيسى الفلاحي أخ كاتب نسخة الديوان ، وابنه الشيخ عبد عليّ بن إسكندر الفلاحي ، وللشيخ عبد عليّ هذا تملّك على ظهر النسخة بخطّه ؛ وكان السيّد عبد اللطيف الجزائري صاحب كتاب « تحفة العالِم » قد ورد الفلاحيّة سنة ١٢٠٠ هـ في سفره إلى العتبات المقدّسات ، فزار الشيخ إسكندر ـ الآنف الذكر ـ ووصفه بأنّه كان عالماً أديباً . . .
وهذا يعني أنّ الأديب الشيعي في الدورق كان واعياً لا تخفىٰ عليه التمويهات والتضليلات .
أمّا
ديوان الحاج هاشم بن حردان الكعبي الدورقي ، فإنّه نار على علم ، إذ ما
سبقه فني الماضين ولا لحقه في المتأخّرين شاعر عبّر عن ولائه وتفانيه في حبّ أهل البيت كما عبّر هو بذلك السبك الأدبي الرائع .
ولو فتّش المحقّق في أحوال علماء الدورق ، لَما وجد عالماً ينتسب إلى هذا البلد إلّا وله يد في الأدب بغضّ النظر عن مستواه في سائر الفنونِ العلميّة .
فمن يتصفّح كتب التراجم يرىٰ شخصيّاتٍ كبيرة منسوبة إلى هذا البلد قد امتزجت حياتهم بالأدب ، مثل العلّامة الكبير الشيخ محمد تقي الدورقي ، المتوفّى حدود سنة ١١٨٦ هـ ، فإنّه مع مستواه العلمي الرفيع ، ومرجعيّتِه العامّة آنذاك ، وكونه من أساتذة العلّامة السيّد بحر العلوم رحمه الله ، فإنّه كان يحضر الندوات الأدبيّة في النجف الأشرف ويُساهم في معركة الخميس الشعريّة ويُحكّم فيها .
ويظهر لي أنّ هناك روحاً أدبيّة شبه وراثيّة في بعض البيوتات العلميّة ، يتوارثها الأحفاد عن الآباء عن الأجداد إلى عدّة ظهور حتّى ينقرض المتّصفون بالعلم من تلك الْأُسرة ، كما كانت أُسرةُ العلّامة الجليل الشيخ أحمد المحسني الفلاحي ، المتوفّى سنة ١٢٤٧ هـ ، فإنّ هذا العالم الفقيه مع إحاطته وتبحّره في الفقه وسائر العلوم الإِسلاميّة ، له ديوان شعر حسن طافح بحبّ أهل البيت وولائهم ، وكذلك ابنه العلّامة الشيخ حسن الفلاحي ، المتوفّى سنة ١٢٧٢ هـ ، فإنّه من كبار أُدباء زمانه وله ديوان شعر جلّه في أهل البيت عليهم السلام .
وقد سَرَت هذه الروح الأدبيّة إلى ولديه الشيخ موسىٰ والشيخ محمّد ابنَي الشيخ حسن ، ففاقا أباهُما وجدّهما في المجال الأدبي ، ولكلٍّ منهما ديوان شعر يفوح منه شذا التشيّع الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا تمويه .
وعلى هذا نشأ وشبّ خَلُفهم العالم الجليل الشاعر الأديب الشيخ سلمان بن محمّد بن حسن بن أحمد المحسني الفلاحي ، المتوفّى سنة ١٣٤٠ هـ ، ففي شعره ومخطوطاته الأدبيّة دلالة جليّة على مقامه الأدبي الرفيع هذا .
وقد
كان الجدّ الأعلى لهذه الْأُسرة ، أي الشيخ أحمد المحسني ، من أهل الأحساء فخرج بأهله وعياله فارّاً من الأحساء على أثر ظلمِ الوهّابيّين ومطاردتهم
لعلماء الشيعة ، فوجد في الفلاحيّة ( الدورق ) مأمناً له ، فحطّ رحل سيره فيها سنة ١٢١٣ هـ .
وجدير بأن يستهويه ذلك البلد الذي وُلِدَ ونَشَأ وترعرع على تربته ثُلّة من كبار شعراء الشيعة ، مثل ناعية الحسين الحاج هاشم بن حردان الكعبي الدورقي وأمثاله من مُحبّي أهل البيت عليهم السلام .
* * *
الباقيات الصالحاتُ
في أُصول الدين الإِسلاميّ
على مذهب الشيعة الإِماميّة الاثني عشريّة
تأليف
آية الله العظمى
السيّد محمّد هادي الخُراساني الحائري
( ١٢٩٧ ـ ١٣٦٨ هـ )
تقديم
السيّد محمّد رضا الحُسَينيّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد الرسول الكريم ، وعلى آله الأئمّة الطاهرين .
وبعد :
فالحملاتُ الطائشةُ تُشَنُّ ـ هذه الأيام ـ على الْأُمّة الإِسلامية من قِبَلِ الأجهزة الحاقدة على الإِسلام والمسلمين ، بأشكال مختلفة ـ إعلاميّةً ، واقتصاديّةً ، وعسكريةً ، ونفسيّةً ـ وخاصّةً من قِبَلِ الدول الْأُوربيّة الصليبيّة ، وعميلتها الصهيونيّة العالميّة ، مركّزين حربهم على المسلمين الواعين ، الّذين تيقّظوا بأثر الضغوظ السياسية الظالمة ، وأدركوا عمق ما حلّ بالْأُمّة من هوانٍ ودمارٍ ، بأثر الهيمنة الغربيّة على البلدان الإِسلاميّة .
وركّز
الاستعمارُ حملاته على الشعب المسلم في إيران باعتباره الطليعة المؤمنة التي أثبتت قدرة الإِسلام والْأُمّة الإِسلاميّة على التحرّك نحو تحقيق الأهداف
السامية ، وتحطيم الهيمنة الاستعمارية على العباد والبلاد ، من خلال تشكيل الدولة الإِسلاميّة
على أنقاض حكومة العملاء .
ولقد أقضّ هذا الحدثُ مضاجعَ المستعمرين ، فكان صاعقةً على الغرب ، وزلزالاً تحت عملائهم في الشرق .
والشعوبُ الإِسلاميّة ـ وخاصةً في البلدان العربيّة ـ قد استيقظوا كذلك ، ووجدوا في الشعب الإِيرانيّ المسلم مثالاً في العزم والتصميم والجدّ ، والاعتقاد بالإِسلام ، وبالسعي في إحياء الإِسلام وتحكيمه ، وتطبيقه .
وبعد أن كانت على جهلٍ كامل بحقيقة هذا الشعب وبانتمائه المذهبي ، حيث يعتنق مذهب التشيّع والولاء لأهل بيت النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم ، أصحبت الشعوبُ أمام حقيقة غير قابلة للإِنكار والتشكيك ، وهي أنّ الشيعة هم موالون للإِسلام بأعمق ما يكون الولاء ، مناصرون للقرآن بأقوى ما يكون النصر ، محبّون للنبيّ وأهل البيت والصحابة بأشدّ ما يكون الحبّ ، عارفون بأحكام الإِسلام بأوسع ما تكون المعرفة .
فكان ـ عند ذلك ـ أن تبخّرت كلّ الدعايات المضلِّلة التي كان دعاة التفرقة بين المسلمين ، يبثّونها ، وٱنقشعت السُحُبُ السوداء من التهم التي كانوا يكيلونها ضدّ شيعة أهل البيت ، واندحرتْ مساعي الْأُمويّين وذيولهم الناصبين العداء لعليٍّ عليه السلام وآل عليّ .
وكان قبل هذا ، قد اشترك شيوخٌ أجلّة من علماء المسلمين ، في الدفاع عن حقّ الشيعة . وإبطال الطعن عليهم ، وفي مقدّمتهم الإِمام الأكبر الشيخُ محمود شلتوت ، شيخ الجامع الأزهر ، حيث أعلن عن حجّيّة مذهب الشيعة ، في فتواه التاريخيّة الهامّة الصادرة في ( ٧ ـ تموز ـ ١٩٥٩ ) ونصّها :
|
إنّ مذهب الجعفريّة ، المعروف بمذهب « الشيعة الإِماميّة الاثنا عشرية » مذهب يجوز التعبّد به شرعاً ، كسائر مذاهب أهل السُنّة . |
ونصح المسلمين بقوله :
|
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن
يتخلّصوا من العصبيّة بغير |
|
الحقّ لمذاهب معيّنة ، فها كان دين الله ، وما كانت شريعته بتابعة لمذهب ، أو مقصورة على مذهب . |
فكان في هذه الدعوة الإِصلاحية المباركة ، وَأْدُ كلّ دعوات التفرقة ، ونداءات الشقاق الشيطانيّة التي كانت تصدر من حناجر النواصب ، العملاء لصالح الاستعمار من وراء الستار .
لكنّ هذه المرّة ، أسفر الاستعمارُ عن وجهه القبيح وكشّر عن أنيابه ، ودخَلَ معركة التفرقة بين المسلمين بكلّ ثقله ، ورَجْله ، وعملائه ، فأطلق عفاريت النفاق من جحورهم ، فطلعوا من حيث يطلع قرن الشيطان من « نجد » (١) حيث يملك الأعرابُ الجهلةُ أزمّة الحكم وألسنة الإِفتاء ، فأخذوا يُسَعِّرون نيران فتنة التفرقة ويؤجّجونها من جديد ، لصالح الأجانب الكفرة ، طمعاً في أنْ يوقفوا السيل الإِسلامي الهادر ، ويصدّوا الوعيَ الإِسلاميَّ الجارف ، الذي دخل ديار المسلمين وأيقظهم من السُبات العميق .
فراح عملاءُ الغرب ، يستعملون نفس الطريقة البائدة ، يعلنون عن « تكفير » هذه الفرقة وتلك ، طمعاً في أن يجدوا لفتاواهم أُذناً صاغيةً .
جهلاً منهم بأنّ المسلمين يعلمون أنّ تلك الفتاوى إنّما هي صادرة ممّن ينتمون إلى الفرقة الوهّابيّة التي نبذها علماءُ المسلمين أجمعون ، وحكموا بضلالها وجهل المنتمين إليها بقواعد الدين أُصولاً وفروعاً ، وبالمعارف الإِسلاميّة وبالمصطلحات العرفية عموماً ، حتى مداليل الألفاظ ، ومفاهيم الجُمل ، ومعاريض الكلام .
والطائفةُ الإِسلاميّةُ الشيعيّةُ ليست هي الوحيدة المستهدَفة لهذه الحملات من قبل الوهّابيّين ، بل كلّ المسلمين الّذين يقدّسون النبيّ وأهل البيت والأولياء والصالحين ، ويُعظمون أسماءهم ، ويكرمون مقاماتهم وقبورهم ، ويُحيون ذكرياتهم ، كلّ أُولئك مستهدَفون من الوهّابيّة بالتكفير والتفسيق ، لإِنكارها كلّ كرامة للنبيّ وأهل البيت وكلّ وليّ كريم .
__________________(١) أُنظر صحيح البخاري .
ومن سخافاتهم أنّهم يعتبرون دعاء النبيّ والتوسّل به إلى الله كفراً ، ومنافياً للتوحيد ، وكذلك دعاء أهل البيت وسائر الأولياء الصالحين .
جهلاً منهم بأنّ الدعاء غير العبادة ، والتوسُّل والاستشفاع غير العبودية ، فإنّ العبادة إنّما تبتني على قصد التعبّد والعبودية ، وإنّما تحرم لمن يدّعي الألوهيّة من دون الله ، والمسلمون ـ سُنّة وشيعة ـ يعبدون الله ، ولا يقصدون غيره بذلك .
وأمّا الدعاء فهو نداءٌ وطلبٌ يُقصد به التوسّط بمنزلة النبيّ وآله والصالحين من أوليائه ، لأنّهم مكرّمون عند الله ، ويشفعون لمن ارتضى ، وليسوا معبودين ولا مقصودين بالعبادة ، وإنّما المعبود هو الله وحده .
ثمّ إنّ المسلمين ـ سُنّة وشيعة ـ إنّما يتّبعون في دعاء النبيّ وآله ، سُنّة رسول الله وتعليماته ، فقد جاء في الحديث الصحيح أنّه علّم رجلاً ضريراً أن يقول :
|
« اللّهمَّ إنّي أسألك . وأتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة . يا محمّد : إنّي توجّهتُ بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتُقضى لي . اللّهمَّ : فشفّعه فيّ » . |
رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج ٥ ص ٥٦٩ كتاب الدعوات ، باب ١١٩ ح ٣٥٧٨ وقال : حسن صحيح غريب .
ورواه الحاكم النيسابوريّ في المستدرك على الصحيحين ١ / ٥٢٨ ، وقال : على شرط الشيخين البخاريّ ومسلم ، ووافقه الذهبيّ أنّه على شرط البخاري .
ونقله السيوطيّ عنهما في الجامع الصغير وصحّحه .
ولنا في رسول الله أُسوة حسنة .
والوهّابيّون
بإعراضهم عن سُنّة النبيّ هذه ، والاعتراض على المسلمين في
ذلك ، يبتعدون عن سُنّة النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وهذا واحد من أدلّة جهلهم ، ومخالفتهم لنصوص القرآن والسُنّة .
وقد ألّف علماءُ المسلمين من الفرق الإِسلاميّة كافّة ، شافعية ، وحنفيّة ، ومالكيّة ، وحنبليّة ، سُنّة وشيعة ، ردوداً حاسمة على مزاعم الوهّابيّة ومفترياتهم ، في كتب ورسائل ، شعراً ونثراً ، بما تمّت الحجّة على كلّ الناس (١) .
وواحدٌ من مظاهر جهلهم أنّهم ، في نفس الوقت الذي يعارضون تمجيد أهل بيت النبيّ وتقديسهم وتعظيمهم ، يحاولون التمجيد بِحُثالات التاريخ الإِسلاميّ ممّن ملأوه بالجرائم والفضائح والآثام ، مثل : يزيد الخمور ، وحجّاج الدماء ، والوليد الكفور ، وسائر بني أُميّة وآل مروان وآل زياد ، الّذين حاربوا عليّاً أمير المؤمنين ، وسفكوا دماء المسلمين ، وقتلوا عمّاراً ، وقتلوا حجر بن عديّ صحابيّ رسول الله ، وقتلوا الحسين سبط رسول الله ، وسَبَوا زينب عقيلة بني هاشم ، وعليّاً السجّاد زين العابدين ، وهدموا الكعبة ، واستباحوا المدينة حرم رسول الله ، وقتلوا العلويّ المجاهد زيد الإِمام الشهيد وصلبوه ، وتتبّعوا أهل البيت قتلاً وتشريداً حتى أوغلوا في سفك دماء آل محمّد وظلمهم .
وهذا التاريخ قد ملئت صحائفُه وٱسودّ وجهُه ممّا جناه أُولئك على الْأُمّة الإِسلاميّة .
فاقرأ عنه كتاب « مقاتل الطالبيّين » لتقف على بعض الحقيقة ، فما لم يكتب منها أكثر وأكثر .
كما شوّه أُولئك سُمعةَ الإِسلام وحرّفوا تعاليمه وموازينه بما ارتكبه أشياخهم ، وأُمراؤهم ، وخلفاؤهم ، ونساؤهم ، بفجورهم ، ولهوهم وبذخهم ، فليقرأ المسلم عن ذلك كتاب « الأغاني » ليقف على بعض المخازي والإِجرام والتعدّي على حقوق الله وحدوده
__________________(١) وقد أعددنا قائمة بمؤلّفات المسلمين في الردّ على الوهّابيّة نشرت في مجلّتنا هذه « تراثنا » العدد ١٧ ، السنة ٤ ، ١٤٠٩ هـ .
وحرماته ، والعبث بكرامة الْأُمّة وأعرافها وموازينها .
هؤلاء هم القدّيسون عند الوهّابيّة ! !
أمّا أهل البيت النبويّ الطاهر ، الّذين لم يعهد التاريخ ـ بطوله وعرضه ـ منهم سوى التقى والورع والعبادة والعلم والخير والفضيلة والزهد والجهاد في سبيل الله ، لإِحياء الإِسلام ، وبسط العدل والحقّ ، ومقاومة الظلم والفساد ، طالبين للإِصلاح ، آمرين بالمعروف ، ناهين عن المنكر .
أمّا أهل البيت : فحبّهم عند الوهّابيّة ـ فسقٌ ، ودعاؤهم كفر ، وتعظيمهم رفض ، واتّباعهم جريمة !
لماذا ؟ ! !
وأمّا المسلمون المخلصون ، والشيعة المؤمنون فهم من أهل البيت ومعهم ، لا يحيدون عن تعاليم القرآن ، وسُنّة النبيّ ، وسيرة أهل البيت قيد شعرة ، فهم يحبّونهم لحبّ الله ورسوله ، ويلتزمون فيهم بوصيّة جدّهم رسول الله ، ويعظِّمونهم لعلمهم ومعرفتهم ولجهادهم في سبيل الله حقّ الجهاد ، ويشايعونهم ويوالونهم لأنّهم الأحقّون بالولاء والولاية ، ولأنّهم أثبتوا جدارتهم للقيام بالأمر بالعلم والعمل والزهد والفضيلة .
وإذا كانت الأشياء تعرف بأضدادها :
فانظر إلى تاريخ أهل البيت الأبلج ، المليء بالمفاخر والمكارم ، والخير والرحمة ، والعلم ، والبركة ، وزُر مشاهدهم الشريفة تجدها مليئة بالعبادة ، عبقة بالروح ، مُضيئة بنور المعرفة والتوحيد ، عطرة بأريج الرسالة والنبوّة ، زاهية بأمجاد الإِمامة والعدل ، يتصاعد فيها نَغَمُ القرآن والذكر ، تقف فيها على كرامة النسب وعظمة المقام ، ومحبّة الله ، وتنشدّ إلى العقيدة الراسخة ، وتمتلئ بالعزم والجدّ .
ولكن انظر إلى تاريخ أعدائهم الْأُمويّين والمروانيّين وسائر الخلفاء والملوك والْأُمراء ، فلا تجد إلّا الدماء ، والفجور بالنساء ، واللعب بالكلاب والحمام ، والقمار والخمور ، والملاهي ، والمغنّيات والمغنّين ، ولا ترى فيمن حولهم إلّا الابتعاد عن الفضيلة والانعطاف على الرذيلة .
وأمّا قبورهم ، فأفضلها « الذُبابُ فيه يعربدُ » .
وقد انمحت آثارهم وما شيّدوه من قصور وسجون ومظالم .
نعم ، قد بقي من آثارهم هذه الفئةُ الباغيةُ تتطاول على المسلمين بألسنة حِداد ، وقلوب مليئة بالأحقاد ، وعقائد سخيفة أساسها الجَبْرُ والقَدَرُ ، وأفضل إبداعهم هو في تبديع المسلمين وتكفيرهم وتفسيقهم ! وأهمّ فضيلة لهم هو ممالأة أُمراء الفجور ، وملوك الخمور ، وتأييد ظلمهم ، والتذلّل للكفّار الأجانب ، ومطاوعة أفكارهم في إصدار الفتاوى الباطلة بتكفير المؤمنين بالله وبالرسول .
أمّا المسلمون ، فقد أصبحوا اليوم ـ والحمد لله ـ يعلمون أنّ وراء هذه النعرات الطائفيّة أيد أُخرى .
وخاصّة في هذه الفترة الزمنيّة الحسّاسة التي تمرّ بالأُمّة ، حيث هي في أسوأ الظروف ، وعلى أضعف الحالات ، وفي أضنك الأيّام ، وفي أكثر ما يتوقّع من التشتّت والتفكّك والافتراق ، والهجمة الاستعماريّة في أقسى حالاتها ، وعلى أرفع مستويات السلطة ، والرِجْلُ الأمريكيّة تدنَّسُ أرض المقدّسات في الجزيرة ، أرض الحجاز ! والهيمنة الأمريكيّة تخيّم على كلّ العواصم العربيّة ، والعتوّ والتمرّد الصهيونيّ في أوج درجاته .
إنّ صدور فتاوى تكفير المسلمين له مدلول آخر ، أكبر من مجرّد مسألة شرعيّة فرعيّة !؟
ونحن واثقون بالْأُمّة الإِسلاميّة الرشيدة ، ووعيها المتكامل في هذا العصر ، أنّها لا تغترّ بأراجيف هذه الزمرة الوهّابيّة ، المدعومة بالسلطة الحاكمة ، والدولار الأمريكيّ ، والمتخلّية عن كلّ معاني الحياء والتقوى والشعور .
فلو كانوا يتمتّعون بأدنى شيء من ذلك لَما سكتوا عن ملوكهم وأُمرائهم وخلفائهم وسلاطينهم ، الّذين ملأوا الدنيا بفجورهم وفسقهم ، عاراً على المسلمين وإهانة للإِسلام ، بتصرّفاتهم الهوجاء الجنونيّة ، وتبذيرهم الأموال الطائلة في أندية القمار والخمور ، في سبيل شهواتهم ورغباتهم التافهة ، ممّا لا يمكن ستره عن أحد من العالمين .
ولَمنعوهم
من التعدّي على كرامة الشعوب الإِسلاميّة بالقتل والاغتيال ،
والعدوان ، تلبية لأوامر الدول المسيحيّة واليهوديّة .
فتلك الحرب الاستنزافية المدمّرة التي موّلوها ، وأجّجوا نيرانها ، ضدّ دولة الإِسلام في إيران .
وهذه حرب الخليج التي خرّبوا فيها بيوتهم بأيديهم وأموالهم .
وهذا الدمار الواسع والقتل الذريع والإِبادة الشاملة بأبناء العراق .
واليوم يقفون وراء فتاوى مزيّفة بغرض التفرقة بين الأُمّة ، وإغراء طائفة منهم بطائفة أُخرى !
ألا يفتح « أعضاء مجلس الإِفتاء الأعلى السعوديّ » عيونهم على كلّ هذه الجرائم التي يرتكبها ملوكهم وأُمراؤهم وسلاطينهم وخلفاؤهم ، ليمنعوه أو يحرّموه أو يستنكروه أو يقبّحوه .
إنْ كانت لهم كلمة مسموعة ؟ !
وإلّا ، فمن خوّلهم حقّ التكفير والتفسيق والتبديع ، للمسلمين ؟ !
إنّ بالإِمكان إصدار أكثر من منشور وفتوى ضدّ هؤلاء وفتاواهم الباطلة ، لكنّا ندعو المسلمين إلى ضبط النفس والتزوّد بالتقوى ، وحماية وحدة المسلمين ، والمحافظة على جماعتهم ، والإِعداد للمعركة الكبرى الفاصلة ضدّ الاستعمار والصهيونيّة .
فإنّ هؤلاء الذيول لا تبقى لهم قائمة بعد أُولئك .
ولنتمثّل بقول الشاعر :
وما كلّ كلبٍ نابحٍ يستفزّني |
|
ولا كلّما طنّ الذُبابُ أُراعُ |
هذا الكتاب وعملنا فيه :
وعلى
أساس من هذا المبدأ ، رأينا الإِحجام عن الردّ على تلك الفتاوى الهزيلة ، وصمّمنا على تقديم هذه الرسالة : « الباقيات الصالحات » للتعريف بعقائد الشيعة الإِماميّة ، بصورة موجزة ، مع الاحتواء على كلّ ما هو أساسيّ من الأدلّة
والبراهين في ملتزمات هذه الطائفة الإِسلاميّة في مجال التوحيد وما يتعلّق بصفات الله جلّ وعزّ
،