رحلة الهولندي الدكتور ليونهارت راوولف

رحلة الهولندي الدكتور ليونهارت راوولف

المؤلف:


المترجم: د. سليم أحمد خالد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٢

يسمى بأثل المن (Tamarix mannifera). أي (الطرفاء) يجني منها مادة سكرية غذائية تسببها حشرة غشائية الأجنحة توخز الزهر وجرادة الأملوج فتعسل المن المعروف بالطرفة.

وتحدث عن نبات يبدو على ما يظهر أنه يشاهده لأول مرة عند ما قال : «... كما وجدت بعض الأشجار الأخرى التي يسمونها بالعاقول».

والعاقول (حاج ـ اسمه العلمي ـ Alhagi manniferum , (Amaurorum والإنكليزي (Camal thorn ,Hebrew manna plant) ولم يكن العاقول أشجارا بل شجيرات عشبية ليفية مخشوشبة معمرة من فصيلة القرنيات ساقه شائكة فرعاء تصل في الارتفاع إلى أكثر من ١٠٠ سم. الفروع نحيلة الشوك ، أوراقه بسيطة كاملة مستطيلة.

وفي مكان آخر تناول راوولف جانبا آخر من دراسته للنباتات التي بذل من أجلها الغالي والثمين للظفر بمعلومات كافية عنها ، قال : «وهناك أنواع أخرى لأعشاب لطيفة وغريبة تنمو بكثرة في الرمال. ولكل واحدة من هذه النباتات ما بين خمس وثمان سيقان يدخل أحدها في الآخر ولها مفاصل كثيرة ولذلك تنمو وهي تزحف فوق الأرض أكثر مما تنمو قائمة. وتنبثق من كل واحدة ثلاث أو أربع أوراق مدورة تشبه أوراق شجر السماق والزعتر وتظهر فوق كل نبتة من هذه نجمة تشبه الزهرة البيضاء ذات ست أوراق مدببة وهي بهذا تكون شبيهة بنبتة (ورنبثو غالوم) المعروفة عندنا ، وكل واحدة منها ذات سوق خاصة ، ولم أر فيها أية حبوب وكانت جذورها صغيرة ونسيجية وهي مشابهة في شكلها للنبتة المتعددة الأوراق التي ذكرها ديسقوريدس».

وجاء ذكر السماق في رحلة راوولف وهو يقصد ذاك النوع المسمى (سماق الدباغين ، تمتم. الاسم العلمي (Rhus coriaria) والإنكليزي (Sumach ,Tanners sumach). وهو النوع المعروف المبذول في لبنان وسوريا ، شجيرة تصل في الارتفاع من ١٠٠ ـ ٤٠٠ سم ، لها أزهار خضراء

٢١

اللون ، البذور شديدة الصلابة مصقولة ، أوراقه دباغية ، (ثماره من التوابل الحامضة العافصية).

وأما الزعتر الذي ذكره راوولف فهو نبات (Origanum) طبي بري عطري. ويسمى أيضا صعتر أو سعتر.

وكان وصف راوولف لنبات شبيه بنبات (الأورنبثو غالوم) إنما هو في الحقيقة لنبات يعرف في علم النبات العربي باشراس صوصلاء أو صاصل أو لبن الطير من فصيلة الزنبقيات.

وهو بالذات (الأشراس الخنثى ـ Omithogalum Stachyoides, (Omithogalum arabicum والإنكليزي (Star of Bethlehem). كبير الأزهار الخضراء اللون ينبت بريّا في بعض المناطق من سوريا وفلسطين. ويستخرج من بصله نوع من الشراس الجيد.

وعند وصول راوولف إلى مدينة (عنه) عن طريق نهر الفرات وصفها وصفا موضوعيّا قائلا : تشتهر هذه المدينة بجمالها وذلك لكثرة الأشجار المثمرة فيها من أمثال الزيتون والليمون والبرتقال والرمان والليمون الحامض وكذلك أشجار النخيل التي لم أر لها شبيها بما شاهدته من أمثالها في سفراتي.

فقد كانت هذه النخيل سميكة وصلبة للغاية وحين ذهبت مع بعض رفاقنا إلى المدينة وجدنا كميات كبيرة من الفواكه لم تعجبهم إطلاقا وقد رأينا بينها نوعين من الفواكه التي اعتادوا جلبها إلى بلادنا أحدهما أحمر اللون والآخر أصفر أطلق عليهما «سيرابيو» اسم «هيرون» وذلك في الفصل التاسع والستين من كتابه ، ومع أنهما أقل حجما مما هو لدينا إلا أنهما من نوع جيد وذي طعم لذيذ».

وهذه الفاكهة التي ذكرها راوولف هي بالأحرى ثمار نبات النبق (السدر) الذي يبدأ باللون الأخضر وبعد ذلك يصفر ويحمر. والنبق

٢٢

أشجار كبيرة ولأوراقها وأثمارها فوائد طبية. ويستمر راوولف في وصف نباتات منطقة الأنبار الحالية وهو متجه إلى بغداد ، يقول : «ولم أر في الطريق من النباتات الغريبة سوى ما شاهدته في حقول القمح من نبات (الماش) العربي الذي أشرت إليه قبلا والذي يظن عنه أنه هو نبات (كوركورم) الذي ذكره (بليني) وكوركوروم Corchorum ، نبات متسلق ذو أزهار صفراء اللون. كذلك رأيت نبتة أخرى تشبه السمسم إلّا أن ساقها أطول وأمتن ، وهي تحمل أزهارا صفرا ذات عروق حمر أو بنية اللون تنتهي بعقد طول الواحد منها بقدر الإصبع وبمقدار سمكه ومدببة عند الرأس ، ولها خمسة أصناف تحوي البذور التي تشبه نوعا من الخباز الذي يسمى (أبو تيلون).

ولقد استفسرنا كثيرا عن هذه النبتة فلم نجد لها اسما آخر غير الاسم الذي يطلق عليها وهو (اللوبيا الهندية) ، ولكن طبقا لمعلوماتي أعتبر هذه النبتة هي (النفل) التي أشار إليها (ثيوفراستس) في أماكن عديدة من كتابه».

ونبات أبو تيلون الذي ذكره راوولف هو أعشاب مخشوشبة الساق من فصيلة الخبازيات. أنواعه عديدة تنتشر في جميع أنحاء البيئات الحارة والمعتدلة. وهذه النباتات لها ثمار دولابية النفاج عند النضج ويستفاد من أوراقه اللعابية اللزجة كملين ومن بذورها كمدر للبول ومن سوقها وألياف قشورها للغزل والنسيج.

واللوبيا الهندية الذي قال عنها راوولف هي نفس اللوبيا أو اللوبياء في بلادنا اليوم وتسمى علميّا (Dolichos unguiculatus) والإنكليزي (Black eyed dolichos ,Asparagus bean. وهي نباتات عشبية زراعية من فصيلة القرنيات الفراشية. أنواعها عديدة تزرع لقرونها الخضر البقلية أو لبزورها الجافة. وهي تنمو في جميع الأتربة القليلة الاندماج الممكن ريها.

٢٣

وقد أخطأ راوولف عند ما اعتبر اللوبيا هي نفسها نبات النفل. فنبات النفل (الاسم العلمي (Trifolium والإنكليزي (Clover) هو البرسيم نفسه وهي نباتات عشبية من فصيلة القرنيات الفراشية أنواعه المعروفة حوالي (١٥٠ نوعا) أكثرها بري مرعوي وبعضها زراعي علفي ومنها الحولي والمعمر. جذورها تغور في التربة. أوراقها مركبة ثلاثية الوريقات. أزهارها مختلفة الألوان ، البذور كلوية الشكل صغيرة الحجم ، سمراء اللون. وأوضح راوولف أهمية بعض النباتات العراقية في بعض الصناعات العسكرية ، قال :

«وبارود المدافع هذا لا يصنع من ملح البارود مثلما يجري ذلك عندنا في أوروبا وإنما يستخرج من عصير شجرة من نوع الصفصاف يسميه الفرس (فير) بينما يدعوه العرب باسم «الغرب» كما أشرنا إلى ذلك قبلا. فهم يقطعون الأغصان الصغيرة من هذه الأشجار وأوراقها فيحرقونها ويحولونها إلى مسحوق يلقون به في الماء إلى أن تنفصل ذرات الملح عنه وإذ ذاك يصنعون منه بارود المدافع ، ومع ذلك فهذا البارود ليس قويّا كالذي نصنعه نحن في بلادنا. ولقد أكد ذلك المؤرخ «بليني» في الفصل العاشر من الجزء الحادي والثلاثين من كتابه إذ قال : «إن الناس في الأيام السالفة كانوا يستخلصون «النيتر» من أشجار البلوط».

وقد وصف راوولف نبات الحنظل السام قائلا : كذلك شاهدت على ضفاف النهر العالية كثيرا من نبات (الحنظل) لم أستطع أن أتحقق منه عن بعد ، إلّا أنه لا يزال حتى الآن معروفا لدى السكان باسمه العربي القديم وهو «الحنظل». والحنظل أو الحدج أو مرارة الصحارى أيضا ـ اسمه العلمي (Citrullus Colocynthis ,Cucumis colocynthis) والإنكليزي (Colocynth ,Bitter apple) نبات حولي من فصيلة القرعيات يمد ويسير في الأرض عند نموه له أنواع كثيرة برية وزراعية. أزهارها صفر وثمارها صغيرة الحجم ومختلفة الأشكال فمنها القرعي والبرتقالي والإجاصي

٢٤

والبطيخي. القشر رقيق جامد ، لبها اسفنجي التركيب ، أبيض اللون ، شديد المرارة والحرافة ، وهو من أشد المسهلات القوية المفعول وهو كان ولا يزال من النباتات الطبية العامة. وأوضح راوولف عند مكوثه في بغداد أنه وجد أن أهالي بغداد يستخرجون الزيوت من الجوز ولنستمع ما يقوله : «كذلك استقطرت الزيوت من الجوز ، وهو نوع جيد ومتوفر بكثرة ، ومن الفستق الذي يحتفظ به السكان ويأكلونه مثلما نأكل نحن الأنواع الصغيرة من الجوز في بلادنا. ولقد تناولت هذا الفستق فوجدته جافّا غير مستساغ. وهذا النوع يسميه العرب باسم «بطم». ولقد شاهدت نوعين منه بحجم كبير وآخر صغير ، والكبير منه يشبه جوزة الفستق لكنه أقل استدارة وأقصر طولا. أما النوع الصغير فهو ذو قشرة صلبة تشبه حبة الحمص الكبيرة وهذه تماثل في شكلها النبتة المعروفة باسم (قرن الغزال) أو الذرة الهندية. وينمو الكثير من هذه في ايجنيا وفي فارس وبلاد ما بين النهرين وأرمينيا وغيرها. فهي بأوراقها الطويلة تشبه تلك الأشجار حيث يمكن تمييزها بيسر عن شجرة الفستق ذات الأوراق المدورة ، وهي من النوع الذي قال عنه كل من الرازي وابن سينا إنه ينمو في الهند».

وقد خلط راوولف بين أشجار الفستق وأشجار البطم حيث اعتبرها شجرة واحدة في حين أن الفستق أشجار زراعية معمرة تعيش أكثر من ٣٠٠ سنة. وهي من فصيلة البطميات. أنواعها عديدة منبتها منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط من أشهرها الفستق الحلبي والتونسي والإيراني والصقلي والمغربي والقبرصي ، وهي أشجار جبلية تتحمل درجات البرودة العالية وتساقط الثلوج. وأشجار الفستق تصل في الارتفاع إلى حوالي عشرة أمتار ثمارها زيتونية الشكل تتكون عند اكتمال نضجها من غلاف خارجي هش النسيج. ومن غلاف داخلي خشبي المادة مؤلف من مصراعين ينشقان عن صلام أصفر اللون مأكول تلفه قشرة رقيقة لونها إلى الحمرة. الاسم العلمي للفستق (Pistacia vera) والإنكليزي (Pistachio tree).

٢٥

أما البطم (ضراوة) فهي شجيرة فرعاء تعلو من ٣ ـ ٥ أمتار الثمر كروية الشكل. يستخرج من لحاء سوقها مادة راتنجية فواحة كثيرة الاستعمال ، ثمرته تدعى (الحبة الخضراء). قال ابن سينا : «إنه يجلو الجرب والقوباء» وقال الأنطاكي : «أوراقها تسود الشعر طلاء. والحب يسخن الصدر والمعدة ويقطع البلغم ويزيد القوة الجنسية ويسمن عن تجربة. ودهنه يحلل أوجاع العصب وحصر البول شربا ويصلحه العسل. وشربته إلى عشرة». الاسم العلمي للبطم (Pistacia terebinthus P.cabulica) والإنكليزي (Turpentine tree ,Terebinth tree).

والبطم من فصيلة البطميات. وأشهر أنواعه البطم الأخضر ، برزق (الاسم العلمي (Pistacia khinjuk والإنكليزي (East Indian mastiche) وهذا النوع ينتشر في الهند ومناطق الشرق الأوسط ومن ضمنها العراق. وهناك نوع آخر المسمى بالبطم الشرقي أو بطم مستكي (Pistacia Ientiscus) وثمرة الأخير أكبر من البطم الأخضر وهذا ما جعل راوولف يذكر هذين النوعين.

وذكر راوولف نباتا آخر شاهده أثناء رحلته قادما إلى بغداد قال : «لقد أشار «سرابيو» في الفصل الخامس والعشرين من كتابه إلى ثمر آخر دعاه باسم «العنصل» وقد شاهدته أنا وهو بقدر جوزة الفستق لين القشر ، ولم أعثر عليه لدى أصحاب الحوانيت في هذه الأنحاء».

والعنصل الذي جاء في وصف الدكتور راوولف هو إشقيل الخريف أو بصل الفأر أو بصل الحية ، اسمه العلمي (Scilla autumnalis) والإنكليزي (Autum nal squill ,Winter hyacinth). نباتات بصلية معمرة من فصيلة الزنبقيات. والثمرة بصلة غليظة إجاصية الشكل ، بيضاء اللون ، أوراقها قرصية مستطيلة ضيقة شديدة الخضار لامعة المواج. أزهارها صغيرة لبدة وردية اللون. وهو طبي ويدخل في تركيب عدة مستحضرات وعقاقير وهو يدر البول وينعش الصدر. وينتشر على سفوح التلال والمرتفعات في المناطق الشرقية من العراق.

٢٦

وأطلق راوولف على شجرة مجهولة اسم شجرة الموز وقال : «وعن شجرة الموز التي تنمو في الجزيرة العربية وتحمل ثمرا حلوا طيب المذاق يسمونه (واك ـ (Wac وهو مدور الشكل أحمر اللون بحجم البطيخ الهندي.

ترى هل كان هذا هو ثمر (المانغا) الذي أشار إليه كلوفيوس في تاريخه عن النباتات الهندية ، والذي كان ينقل بسبب جودته إلى فارس بحرا؟ فقد تركت ذلك لألم به فيما بعد».

والشجرة التي اعتبرها راوولف مرة موز ومرة أخرى مانغا (العنبة الهندية) هي في الأحرى الخوخ البري أو الإجاص البري وهي شجيرات وجنبات حرجية زراعية من فصيلة الراتنجيات ، أنواعه كثيرة. مواطنها البلاد الحارة. أوراقها صغيرة بارزة العروق. ثمارها مأكولة. الاسم العلمي (Spondias) والإنكليزي (Spondias ,mombin ,Hog plum tree) ومن أهم أنواعها خوخ البر الأحمر وخوخ البر الحلو والخوخ الشائك.

وأضاف معقبا بهذا الوصف (أما الموز الذي قيل عنه إنه معروف في سوريا أيضا ، فهو شجر يحمل ثمرا صغير الحجم مقوسا ورقيقا أصفر اللون يشبه البطيخ في شكله وهو حلو المذاق شهي الطعم ، لكنه مضر بالصحة ولهذا السبب منع الإسكندر الكبير جنوده من تناوله». وأثناء توجهه إلى كركوك عن طريق نهر دجلة وصف راوولف بعض النباتات التي شاهدها قائلا : «ورحت في أثناء مكوثي في ذلك المكان أبحث عن النباتات فيه لكنني لم أعثر على شيء منها لأنها في ذلك الوقت كانت قد بدأت تبرز من باطن الأرض. على أنني عثرت على أنواع من الخلنجان البري ذي جذور كبيرة ومدورة يسميه السكان (السرو) ويطلق عليه اليونانيون واللاتينيون اسم (سبيروس)».

وهنا وقع راوولف في خطأ كبير عندما اعتبر الخلنجان البري هو السرو. في حين أن الخلنجان (الاسم العلمي (Erica والإنكليزي (Heath ,

٢٧

Heather). ـ شجيرات صغيرة برية وزراعية من فصيلة الخلنجيات أنواعه كثيرة تبلغ حوالي ٤٠٠ نوع ـ أوراقه هدبية الشكل قصيرة.

أما السر و (الاسم العلمي (Cupressus والإنكليزي (Cypress tree) فهي أشجار حرجية كبيرة من فصيلة الصنوبريات لها أنواع عديدة أهمها ١٥ نوعا. أوراقها دائمة الخضرة ، أوراقها عروة ، فلسية ، متقابلة الثمار اكراز كروية الشكل. بزورها صغيرة مجنحة. والجذور التي شاهدها راوولف هي حسب اعتقادي جذور أشجار السرو لأنها تتناسب وحجوم وضخامة هذه الأشجار الخشبية التزينية.

وعند وصوله إلى مدينة الموصل وصف بعض الأنواع من الفاكهة ، قال : «ولقد شاهدت نوعين من هذه الفواكه من جنس الجوز بأحجام كبيرة وصغيرة يسميه السكان باسم (البندق) كما شاهدت نوعا من البطيخ كبير الحجم بقدر قبضتي اليد كثير الانتشار هنا قيل لي عنه إنه يؤتى به من أرمينيا ، وهو صلب أسمر اللون ليس حلو المذاق وهو كاليقطين ومع ذلك فهو حسن صالح للأكل ويحتوي على بذور صغيرة حمراء لا يشاهد المر ، حين تناوله وهو يحل الجسم لكن ليس بالشكل المعروف عندنا من هذا الثمر.

وقد اعتاد السكان أن يتناولوه بكميات كبيرة عند الصباح مثلما يفعل ذلك سكان جبل لبنان بالنسبة إلى الجبنة. ولكن هل كان هذا هو (المن الحجازي) الذي أشار العرب إليه ، أم هو النوع الذي أشار إليه (ابن سينا) في الجزء الثاني ، المقالة الثانية من الفصل الخامس والسبعين ، فذلك أمر لم أتحقق منه».

لقد خلط راوولف في وصفه هذا النوع بين فواكه المكسرات فهو يعتبر الجوز والبندق نوعا واحدا كبيرا صغيرا ولكن لكل من هذين النباتين مميزات خاصة به ويختلف بعضها عن بعض في أمور علمية كثيرة.

٢٨

فالجوز أشجار كبيرة من فصيلة الجوزيات ، اسمه العلمي (Juglans regia) والإنكليزي (Wainut tree). أنواعه كثيرة ، تصل الأشجار إلى ٢٤ مترا ارتفاعا. ثماره لذيذة اللباب المستحب الطعم ، قشورها الخشبية غليظة سميكة. ملساء البشرة ، سريعة التفكيك ولون الثمر جوزية اللون ، أول تكوين الثمرة تكون بجلد أخضر لين وشيئا فشيئا يصلب وييبس فيتغير لونه. وينتشر الجوز في شمال قطرنا العراق وبالأخص المناطق المرتفعة.

أما البندق فهو أشجار وشجيرات برية وزراعية من فصيلة التبوليات السومليات أنواعه قليلة. والنوع الذي شاهده راوولف في مناطق الموصل وما يحيط بها أو قريب منها هو البندق البري ، الاسم العلمي (Corylus Sytvestris) والإنكليزي (Wild filbert). تعلو هذه الأشجار إلى حوالي ٦ ـ ١٠ أمتار.

مواطنها تركية ومنطقه البلقان وشمال العراق وشمال غربي إيران ، ساقها ملساء. ثمارها صغيرة خملية القشرة مستطيلة الشكل.

وشاهد راوولف ما أسماه بطيخا أسود اللون وله بذور حمراء. وهو بالحقيقة الرقي كما يسمى في العراق وسوريا نسبة إلى مدينة الرقة السورية. وفي بعض الأقطار العربية يسمى بطيخ أو بطيخ أحمر أو دلاع كما في المغرب أو بطيخ هندي او فريز ، اسمه العلمي (Citrullusvulgari s, Cucumis Citrullus, Cucurbita citrullus) والإنكليزي (Water ـ melon).

والرقي نبات عشبي حولي بري وزراعي من فصيلة القرعيات يزرع لثماره المأكولة. له أنواع عديدة منها الصغير والكبير وبأشكال مختلفة وألوان مميزة كالأخضر الباهت والمقلم بالأخضر الباهت والغامق والأخضر المسود.

ولون البذور وأشكالها مختلفة أيضا فمنها الأسود والأصفر الباهت الأحمر. ومن المعروف أن أحسن أنواع الرقي في العراق ما يزرع في

٢٩

محافظة نينوى بثماره وبزوره الحمر الكبيرة الحجم المرغوبة المأكل.

والرقي من الثمار المنعشة التي تروي الغليل وتدر البول وتفيد المصابين بالإمساك والبواسير. وتبلغ نسبة الماء نحو ٩١% في الرقي و ٨% من المواد السكرية.

وهو ليس المن الحجازي أو أي نوع من أنواع المن الذي توهمه راوولف وتساءل عنه.

٣٠

بداية

رحلة الدكتور ليونهارت راوولف

٣١
٣٢

الفصل الأول (١)

مدينة طرابلس

ضواحيها الخصبة. عظم التجارة فيها. فخامة الحمامات والأبنية

المهمة الأخرى التي تشاهد هناهك (٢)

شاهدنا على شاطىء البحر ، قبل أن نهبط طرابلس ، خمس قلاع أشبه بالأبراج الشامخة تبلغ المسافة بين الواحدة والأخرى مدى إطلاقة بندقية حيث يوجد بعض الجنود الإنكشاريين في حامية هناك لمراقبة السفن في الميناء (وكانت محاطة بالصخور إلى حد ما) وكذلك لغرض حماية دائرة الكمرك وجملة من المخازن (حيث يمكن رؤية كل أنواع السلع التي يؤتى بها من معظم أنحاء العالم) من أية محاولة أو هجوم معاد. على أنه ما أن غربت الشمس وبدأ الظلام يرخي سدوله حتى بذلنا

__________________

* يتضمن الفصل الأول من الرحلة وصفا لخروج راوولف من هولندا ووصوله إلى طرابلس حيث غادر هو وصديقه «فردريك رنتزن» مدينة أو غسبرغ في اليوم الثامن عشر من أيار سنة ١٥٧٣ م فاجتازوا هولندا إلى فرنسا وبلغا مدينة مارسيليا في اليوم الخامس من حزيران ثم أبحرا منها في اليوم الثاني من أيلول وقد وصلت السفينة جزيرة قبرص في الخامس والعشرين من ذلك الشهر ثم أقلعت منها لتصل إلى ميناء طرابلس في الثلاثين من أيلول ذاته.

** سبقت الإشارة إلى أن راوولف كان يركز اهتمامه في الدرجة الأولى على أسماء النباتات في أي مكان يصل إليه ، ويحتفظ بنماذج منها معه ولذلك فهو يسهب كثيرا في الحديث عن هذه النباتات وعما ورد لها من ذكر في كتب بعض العلماء التي اطلع عليها قبل رحلته إلى بلاد المشرق.

٣٣

كل ما استطعنا بذله للإسراع في الوصول إلى المدينة التي كانت تبعد عنا مسيرة ساعة واحدة ، وقد صحبنا بعض الجنود الأتراك المسلحين بنبابيت قوية حسنة الصنع قيل لي عنها إنها تستعمل بصفة عامة لمطاردة الذئاب التي يسمونها «بنات آوى» حيث يوجد عدد كبير منها في هذه البلدان وتستخدم لتعقب الفرائس ومطاردتها والبحث عنها ليلا.

وفي الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن هذه الحيوانات اقترب عدد منها قريبا منا لكنها ما إن رأتنا حتى استدارت وولت هاربة ، وحين بلغنا بوابة المدينة وجدناها مغلقة وإذ ذاك استدعى أحد أصدقائنا ، وكان ينتظر قدومنا للترحيب بنا ، بعض الفرنسيين الذين كانوا ينزلون في نزل يسمونه «فندقا» (١) بلغتهم ، وهو يقع على مقربة من بوابة المدينة ويمتد إلى سورها تماما ، وطلبت إلى واحد منهم بأن ينهض بأعباء الذهاب إلى آمر المدينة (٢) ويسأله أن يسمح بفتح البوابة ويدعنا ندخل منها ، وذاك أمر كان هؤلاء الفرنسيون جد راغبين في حدوثه. على أنه في الوقت الذي كنا واقفين فيه أمام البوابة ، أسرع شخص آخر معاد لصديقنا ذاك فحرض بعض الأتراك والعرب بالإطباق علينا ، وهذا ما كانوا يرغبون فيه ، وعندئذ أقبل هؤلاء علينا مسرعين من بوابة أخرى قريبة من السور ليست مغلقة فهاجمونا وانهالوا علينا ضربا ثم أمسكوا بنا ، ولا سيما بصديقنا الطيب الذي فعلوا كل ذلك بسببه ، كما وجه آخرون منهم بنادقهم نحونا إلى درجة خيل لنا فيها أنهم سيقطعوننا إربا.

وفي الوقت الذي كان يجري فيه كل هذا ، فتحت البوابة وأقبل

__________________

(١) كتب الرحالة كلمة فندق بلفظها العربي وبالحروف الإفرنجيةFondique والمقصود بكلمة (بلغتهم) ، هو لغة أهل الشام وليس لغة الفرنسيين كما قد يتوهم القارىء ذلك.

(٢) آمر المدينة يقصد به الحاكم العسكري فيها وقد ذكره المؤلف باسم «سنجق» أي حامل رتبة لواء في الجيش.

٣٤

علينا بعض الفرنسيين ومعهم قنصلهم نفسه لمساعدتنا ، فتحدثوا إلى أولئك الرجال ، وحثوهم بلطف على إطلاق سراحنا ، وأن تودع القضية إلى الآمر والقاضي للبت فيها ، وهذا ما وافقوا عليه في النهاية. وهكذا قدمنا بعد ذلك الاستقبال المعادي ، إلى فندق الفرنسيين فبتنا الليلة فيه. لقد كان موقف القنصل عظيما في هذه الحادثة. ذلك لأنه اعتبر مثل هذه الإجراءات مسيئة جدّا إلى أبناء قومه ، ولهذا تقدم بشكاوى وأجرى تحريات كثيرة إلى أن عثر في الأخير على الشخص الذي سبب تلك الحادثة.

مضينا صباح اليوم التالي إلى منزل أصدقائنا للمكوث فيه فترة من الزمن معهم. وفي ذات الوقت بدأنا نتجول في المدينة ـ ونحن نرتدي نفس ملابسنا الأوروبية ـ لمشاهدة ما فيها وهذه المدينة تقع في سوريا المسماة «فينيقيا» التي تمتد أراضيها إلى شاطىء البحر بما في ذلك بيروت ، وصيدا ، وصور ، وعكا حتى جبل الكرمل.

ومدينة طرابلس واسعة نوعا ما ، غاصة بالناس ، وذات ثراء حسن وذلك بسبب وجود كميات كبيرة من السلع التي تجلب إليها كل يوم بطريق البر والبحر. كما أن المدينة تقع في أرض منبسطة تجاور أحد سفوح جبال لبنان ، يتصل بها سهل واسع يمتد إلى شاطىء البحر ، حيث تستطيع أن تشاهد مزارع الكروم الوفيرة والبساتين الجميلة التي تحاط من كل أطرافها تقريبا بسياج ، وهي تتألف في الدرجة الأولى من أشجار الرمان والبرتقال والليمون والتفاح وغيرها ، كما توجد بعض أشجار النخيل وتكون هذه واطئة وهي تنمو وتتكاثر بنفسها. وحين دخلنا هذه البساتين وجدنا فيها كل أنواع الأشجار ومختلف الأزهار ، فضلا عن أشجار الزيتون واللوز والجوز وما شاكلها.

أما عند شاطىء البحر وعلى مقربة من مدينة طرابلس القديمة (التي دمرتها الزلازل مع مدن أنطاكية وغيرها سنة ١١٨٣ م ، ولم تبق منها سوى

٣٥

آثار قليلة) فلا يوجد شيء سوى ينابيع تسقي البساتين ، وذلك ما كان بعض التجار في المدينة يتذكرونه. غير أن هذه البساتين قد طغت عليها مياه البحر فأتلفتها وغطتها بالرمال ، فلا ترى الآن في مواضعها سوى أراض رملية أشبه بالصحارى العربية. ومع ذلك فأهل طرابلس لا يحتاجون إلى المياه بسبب وجود عدد من الأنهار التي تنحدر مياهها من الجبال ، وتجري بعض هذه الأنهار عبر المدينة بينما تروي الأخرى الحقول والبساتين ، وعلى هذا فأهل طرابلس ليسوا في حاجة إلى الماء سواء لاستعماله في منازلهم أو لإرواء بساتينهم وحدائقهم.

أما المدينة الجديدة فهي غير محصنة تحصينا قويّا ذلك لأن الأسوار التي تحيط بها ضعيفة ، وأن في مستطاع أي امرىء أن يدخل المدينة ويخرج منها ، أثناء الليل ، من أماكن عديدة. على أنه توجد داخل المدينة قلعة تقبع على مرتفع قريب من الساحل وتقيم فيها حامية قليلة من الجند الإنكشاريين. ويعيش أهل المدينة في منازل واطئة واهنة البناء ذات سطوح منبسطة على غرار ما هو شائع منها في الشرق ، ذلك لأن القوم هناك يجعلون سطوح منازلهم مستوية بحيث تستطيع أن تمشي فوقها على امتداد المنزل كله ، كما يستطيع أصحاب المنازل المجاورة أن يسيروا على سطوح منازلهم لزيارة جيرانهم ، فضلا عن أنهم ينامون فوق هذه السطوح أيام الصيف أحيانا. وعلى هذا فإن من المصيب حقا ، ما قرأناه في إنجيل مرقس (الفصل الثاني) وإنجيل لوقا (الفصل الخامس) عن الرجال الأربعة الذين حملوا الرجل الأعمى إلى المسيح ، فلما لم يستطيعوا الوصول إليه ، بسبب شدة الزحام ، نقلوه من فوق سطوح المنازل ، ثم أنزلوه إلى أرضية الغرفة التي كان فيها السيد المسيح.

وليست لهذه المنازل أبواب أو مداخل كبيرة من الشارع مثلما هو عليه الأمر في بلادنا الأوروبية (عدا منازل قلة من التجار) ذلك لأنهم لا

٣٦

يستعملون عربات الركوب أو الأثقال ، وإنما يقتصر كل بيت على باب صغيرة واطئة لا يزيد ارتفاعها عن ثلاثة أقدام أحيانا. وعلى هذا فليس في مستطاعك أن تدخل مثل هذه البيوت دون أن تحني رأسك. وفي كثير من البيوت الواسعة تكون هذه المداخل مظلمة إلى درجة يخيل فيها للمرء أنه داخل إلى كهف أو زنزانة. ولكن حين تمشي في هذا المدخل إلى البيت تجد فيه باحات واسعة يغتسل فيها أهل البيت ، كما تجد صالات كبيرة مبلطة بالإضافة إلى السلالم التي ترتفع بمقدار درجتين أو ثلاث ، وهي مبلطة تبليطا حسنا ومتينا بالرخام الذي يحافظون على نظافته ويغطونه بالسجاد الذي يجلسون عليه. ويقوم فوق هذه السلالم طاق يظل مفتوحا من جانب واحد حيث يجلس الأتراك تحته لينتعشوا بالهواء البارد ، وهذا ما يحدث أيام الصيف بصفة رئيسية.

وتغلق أبواب المنازل عادة بمغاليق مصنوعة من الخشب مجوفة من الداخل ، يغلقونها بمفاتيح خشبية أيضا يبلغ طولها طول الكف. وتدق في هذه المفاتيح خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة مسامير أو أسلاك قوية على انتظام وتناسق في مسافات محدودة بحيث تتلاءم هذه مع المسامير الأخرى المثبتة داخل القفل فيدفعون بهذه المفاتيح إلى أمام أو يغلقونها من الخلف حسبما يشاؤون.

وشوارع المدينة ضيقة لكنها مبلطة بأحجار كبيرة وتقوم في وسطها قنوات يبلغ عرض الواحدة منها عشر بوصات وهكذا يستطيع البعير الموسق بالأحمال أن يسير فيها بأمان ، كما يستطيع المرء أن يخطو من فوقها أيضا. ويقول أهل المدينة إن هذه القنوات قد صنعت على هذه الشاكلة لكي ترغم الإبل والحمير وغيرها من الدواب الأخرى التي تصل المدينة في قوافل كبيرة كل يوم ، على السير فيها واحدا إثر الآخر وبانتظام ، في حين يستطيع الناس أن يسيروا في الشوارع دون أن تعيقهم تلك الدواب.

٣٧

وكثيرا ما تكون هذه القنوات نظيفة وجافة وذلك لوجود مجار خفية مغطاة بأحجار واسعة. هذا بالإضافة إلى أن مياه الأمطار وكذلك مياه الآبار تنساب في هذه القنوات.

وليس لدى سكان طرابلس من الأبنية الجميلة القائمة ما يفاخرون به سوى المساجد التي لا يسمح لغير المسلم بالدخول إليها إلا إذا فكر في أن يتخلى عن دينه.

وهناك بعض المساكن الواسعة التي يسميها المواطنون المحليون «كروان صاري» (١) وهذه توجد فيها حوانيت أو مخازن كبيرة وعديدة ، تجاورها غرف منظمة في حين تقوم في الوسط باحة واسعة ، ويستطيع التجار الأجانب الذين يجلبون بضائعهم في قوافل كل يوم أن ينزلوا في هذه المساكن على اعتبار أن الأتراك لا يملكون فنادق أخرى غيرها.

وكل هذه المساكن أو الفنادق ملك خاص للسلطان أو للباشا الذي يتبعه ، وهي موجودة في عدد من المدن ، ويحصل القوم من ورائها على إيرادات سنوية مثلما يفعل ذلك البنادقة في مدينة البندقية خارج البيت الألماني منها.

وما خلا هذه المباني هناك الحمامات الفخمة التي تفوق المباني الأخرى بجمالها وتستحق المشاهدة فعلا.

ولما كان الأتراك والمسلمون والعرب وغيرهم ملزمين ، حسب الشريعة الإسلامية ، بالوضوء دوما لتنقية أنفسهم مما يقترفونه من الذنوب اليومية (٢) ، بل بالأحرى للذهاب إلى المسجد ، فإنهم لذلك يحتفظون

__________________

(١) كروان صاري عبارة تركية تعني المكان أو النزل الذي تقصده قوافل المسافرين وهو ما يعرف عندنا في العراق بالخان.

(٢) يحاول الرحالة أن يفصل الأتراك عن المسلمين ، وهذه هي النزعة الاستعمارية التي ما تزال تسعى إلى تفريق الشعوب وتمزيق وحدتها ، وتتجاهل هذه النزعة عمدا أن

٣٨

بهذه الحمامات أو البيوت الساخنة التي تظل دافئة وفي درجة معتدلة من الحرارة والتي لا يستوفى عنها سوى رسوم بسيطة ولا تحتاج إلا إلى أقل ما يتصوره الإنسان من الوقود وتكون جاهزة للاستعمال ليل نهار.

في هذه الحمامات أقباء كبيرة وعميقة تحت الأرض أشبه بالزنزانات الكبيرة يلتصق الواحد منها بالآخر وليس فيه سوى كوتين أحدهما في أعلاه لا يزيد قطرها عن ثلاث أو أربع بوصات ، والثانية تحتها أكثر منها سعة ، يودعون فيها الحطب أو بعر الإبل أو ثفالة العنب المعصور ، وتكون هذه المواد جافة وتبعث حرارة شديدة كالحرارة التي يبعثها الفحم البحري أو الطحلب الذي يستعمله سكان البلاد الواطئة أو الأقطار الأخرى التي لا تتوفر فيها كميات كافية من الأخشاب. وعند إشعال هذه المواد تبعث حرارة قوية داخل القبو كله. ومع ذلك يكون هذا القبو مغلقا لا نرى أثرا للدخان أو البخار فيه ، ولو أنه في بعض الأحيان يكون شديد الحرارة. ولا تخمد النار في هذه الحمامات لأن هناك من يعنى بها ويوفر لها الوقود اللازم بصفة متواصلة. ولكل حمام من هذه الحمامات التي شيدت بفخامة طبقا لعادات الإغريق والرومان ، صالة جميلة على مقربة من مدخله مبلطة تبليطا عجيبا مثل بقية أرض الحمام ذاته وتكون مكفتة بالرخام المنقوش بمختلف الألوان نقشا فنيّا بديعا وفي أعلاها قبة يغطيها طاق في شكل كرة.

وتقوم حول جدران الحمام مقاعد يخلع الناس عليها ملابسهم وهذا هو القسم الأول من الحمام. (وكان القدماء يستعملون خمسة من هذه

__________________

المسلمين أمة واحدة ، مهما اختلفت قومياتهم وأجناسهم وأقطارهم ، ولذلك كانت البلاد الإسلامية كلها تعرف بدار الإسلام.

أما ما ذكره عن الوضوء فإن القصد من الوضوء هو تعويد المسلم على النظافة دائما بحيث عند ما يؤم المسجد أو غيره للصلاة يكون بدنه وثيابه نقية من أي درن بالإضافة إلى نقاوة نفسه وذهنه.

٣٩

المقاعد يسمونها منزع الحمام). وتشاهد في وسط الحمام نافورات بديعة تتدفق مياهها باستمرار ويستطيع كل فرد يخرج من الحمام أن يتناول منها المياه العذبة وأن يغسل المآزر التي استعملها أثناء الاغتسال في الحمام. وتصف هذه المآزر على شكل صفوف معلقة على القبو وعلى ارتفاع قامتين أو ثلاث قامات وبانتظام يثير الإعجاب ، وذلك أنهم يعلقونها هناك بعصي طويلة كيما تجف وتصبح مستوية وكأنها قد بسطت وسويت باليد وذلك عمل يستحق الإعجاب ، إذا إنهم يستأنفون استعمالها مرة أخرى ولهذا ينزلونها من أماكنها بذات العصي التي رفعوها بها ثم يجمعونها على مقربة من النافورة.

وهذه المآزر ذات ألوان متباينة ، وتعطى قطعتان منها لكل مستحم يدخل إلى الحمام واثنتان أخريان حين يخرج منه ، واحدة يلف بها رأسه والثانية يأتزر بها.

وحين تتوجه إلى مكان الاغتسال لا بد لك أن تمر بغرفتين أو ثلاث غرف كل واحدة منها أكثر دفئا من الأخرى ، ويعلو كل واحدة رواق مدور إلى أن تبلغ الغرفة الكبيرة ، وتكون هذه الأروقة ذات فتحات متقاربة منتظمة مغطاة بالزجاج العجيب الذي يجعلها مضيئة ويضفي عليها زخرفة جميلة أيضا.

وفي هذه الغرف جملة من الأواني المصنوعة من المرمر يوضع فيها الماء وتنتشر حول أركان الغرفة الكبرى. وهناك ثلاث أو أربع غرف صغرى تحتجز لبعض القوم الذين يفضلون الاغتسال في معزل عن بقية الآخرين ومن دون أدنى مضايقة ، وما خلا ذلك توجد غرفة أخرى يقوم في وسطها خزان كبير من المرمر يستطيع المرء أن يغتسل فيه إذا ما أصابه العرق ، وفي هذا الخزان عدد من الحنفيات تستطيع أن تحصل بواسطتها على الكمية التي تحتاج إليها من الماء من ذلك الخزان.

ويجري تسخين كل هذه الغرف بذات الحرارة. ويقبل الأتراك

٤٠