رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

وظاهرهم الاتفاق على (تيمّم المحدث) بالأصغر ، لظاهر أكثر الروايات المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه وإن اختلفت في تعيينه ، كاختلافهم فيه (و) أنه (هل يخص به الميّت أو الجنب؟ فيه روايتان) مختلفتان (أشهرهما) وأظهرهما (أنه يخص به الجنب) وهي كثيرة :

منها : الصحيح : عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن الميت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمم للآخر جائز » (١).

ونحو الخبران المتضمنان للحكم مع التعليل (٢) المترجحان هما ـ كالصحيح ـ به وبالكثرة والشهرة على غيره ، مع قصور سنده ، وهو روايتان ، في إحداهما : « يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء » (٣).

وفي الثانية : يتيمم الجنب مع المحدثين ويتوضئون هم (٤).

وترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع اعتضادها بما مرّ كما ترى ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٢ ، التهذيب ١ : ١٠٩ / ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٢٩ ، الوسائل ٣ : ٣٧٥ أبواب التيمم ب ١٨ ح ١.

(٢) الأول :

التهذيب ١ : ١٠٩ / ٢٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٠١ / ٣٣٠ ، الوسائل ٣ : ٣٧٦ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٣.

الثاني :

التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣١ ، علل الشرائع : ٣٠٥ / ١ ، العيون ٢ : ٨١ / ١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٧٦ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١١٠ / ٢٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧٦ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٧٥ أبواب التيمم ب ١٨ ح ٢.

٦١

والاستناد فيه إلى وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى.

فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب ، مع عدم معروفية قائله ، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب. كضعف القول بالتخيير المطلق المبني على عدم المرجح ، لظهوره بما مرّ.

ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ المحدث ، وجمع مستعملة واغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة به ، ثمَّ تغسيل الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته. وإذا أمكن تعيّن ، ووجهه واضح.

(الثامن :)

(روي) صحيحا (فيمن صلّى بتيمم فأحدث في) أثناء (الصلاة ثمَّ وجد الماء قطع) الصلاة وخرج منها (وتطهّر وأتم) الصلاة من موضع القطع (١).

(و) حيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد والنسيان المخالف للإجماع القطعي(نزّلها الشيخان (٢) على النسيان) وعملا بها حينئذ ، وتبعهما المصنف في غير الكتاب (٣).

وظاهره هنا التردد ، لصحة الرواية وعمل الشيخين بها ، وللأدلة الدالة بالعموم والخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الأمالي والناصرية والتذكرة (٤). وهو‌

__________________

(١) راجع ص : ٥٢.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦١ ، الطوسي في التهذيب ١ : ٤٠٣.

(٣) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٣ ، المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، التذكرة ١ : ٦٧ ، ١٣٠.

٦٢

الأقوى ، لقصور الرواية ولو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة ، مع احتمالها التقية وقصورها عن وضوح الدلالة.

ولتحقيق المسألة محلّ آخر.

ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها ووقف في غيره ـ وهو ما إذا دخل الصلاة متطهرا بالمائية ، أو الترابية مع عدم الماء بعد الحدث ـ على محلّ الشهرة.

٦٣

(الركن الرابع)

(في) بيان (النجاسات)

(والنظر في أعدادها وأحكامها ، وهي) ‌أي جنسها (عشرة :).

الأول والثاني : (البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه) شرعا ذي النفس والدم القوي الذي يخرج بقوة من العرق عند قطعه ، بإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر والمنتهى والغنية (١).

وهو الحجة فيه ، دون النصوص المستفيضة الآمرة بغسل الثوب أو الجسد أو إعادة الصلاة ، من البول مرّتين أو مرّة ، كما في الصحاح والحسان وغيرها (٢) في التطهير عنه المارّة بك في محلّه (٣) ، ومن العذرة كالصحاح وغيرها المستفيضة (٤) ، لعدم الملازمة بين شي‌ء من ذلك وبين النجاسة ، لعدم انحصار وجهه فيها.

مضافا إلى أخصيتها من المدّعى ، إذ غايتها الإطلاق في البول والعذرة المنصرف إلى المتبادر منهما ، وهو من الإنسان خاصة.

نعم : في الصحيح : عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (٥).

وهو بمفهومه دالّ على الإعادة. والعذرة فيه وإن عمّت عذرة الإنسان‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤١٠ ، المنتهى ١ : ١٥٩ ، ١٦٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

(٢) الوسائل ٣ : أبواب النجاسات ب ١ ، ٢ ، ١٩ ، ٤٢.

(٣) انظر ص : ١٠٣.

(٤) الوسائل ١ : أبواب نواقض الوضوء ب ١٠ ، وج ٣ : أبواب النجاسات ب ٣٧ ، ٤٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥.

٦٤

وغيرها إلّا أنها اختصت به وبالسنور والكلب خاصة. ومع ذلك فليس الإعادة نصا في النجاسة ، لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل لحمه الموجب لها ولو كانت طاهرة.

فلا يتم الاستناد إليها في إثبات النجاسة إلّا بعد ضمّ الإجماع وجعله قرينة للدلالة والتعدية ، لكنه حينئذ هو الحجّة لا مجرّد المستفيضة.

ومنه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة حيث لم يكن إجماع ولا رواية.

ثمَّ إنّ الأشهر الأظهر نجاسة ذرق الطيور الغير المأكولة اللحم وأبوالها مطلقا ، لعموم الإجماعين المحكيين عن الكتابين الأوّلين مع عدم القدح فيهما بخروج معلومي النسب عندنا.

ولعموم الحسن : « اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه » (١) المؤيّد بإطلاق ما مرّ ، للإجماع على كون الأمر بالغسل فيهما للنجاسة ، وعلى عدم الفرق بين موردهما وهو البول وغيره وهو الرجيع ، وحكي عليه صريحا في الناصريات (٢).

خلافا للعماني والفقيه والجعفي (٣) فالطهارة مطلقا ، تمسّكا بالأصل ، وعموم : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (٤) وخصوص الحسن : « كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (٥) المؤيد بالصحيح : عن الرجل في ثوبه خرء الطير‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٠.

(٣) نقله عن العماني في المختلف : ٥٦ ، الفقيه ١ : ٤١ ، نقله عن الجعفي في الذكرى : ١٣.

(٤) الكافي ٣ : ١ / ٢ ، ٣ ، الفقيه ١ : ٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦١٩ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٥ وفي الجميع بتفاوت.

(٥) الكافي ٣ : ٥٨ / ٩ ، التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

٦٥

وغيره هل يحكّه وهو في صلاته؟ قال : « لا بأس » (١).

وللمبسوط ففرّق بين الخشّاف فالأوّل وغيره فالثاني (٢) ، استنادا فيه إلى ما مرّ ، وفي الأوّل إلى الخبر الذي سيذكر ، ولا إشكال فيه وإنما الإشكال في غيره.

وفي جميع ما ذكر أدلّة له أو مطلقا نظر ، لتخصيص الأوّلين بما مرّ كالثالث ، وإن كان التعارض بينه وبينه عموما وخصوصا من وجه ، لكن الرجحان مع الأوّل ، للشهرة العظيمة التي هي أقوى المرجحات النصيّة والاعتبارية.

وليس في الصحيح تأييد ، بناء على وقوع السؤال والجواب فيه عن الحك في الصلاة لا الطهارة والنجاسة. مضافا إلى عدم الملازمة بينها وبين نفي البأس عنه ، لعدم السراية مع اليبوسة كما هي ظاهر الحك في الرواية ، وليس نصا في صحة الصلاة. مضافا إلى أنّ إطلاق الطير فيه ينصرف إلى المتبادر الغالب وهو مأكول اللحم ، وغيره نادر.

ومع ذلك معارض بمؤيّد في طرف الأول ، وهو موثقة عمّار ، المروية في المختلف عن كتابه ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : « خرء الخطّاف لا بأس به ، هو ممّا يؤكل لحمه ، ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك » (٣).

وهي كالصريحة في أن المعيار في الطهارة والنجاسة في الطيور هو حلّ الأكل لا الطيران ، وإلّا لعلّل به دونه.

والقدح في الحسن السابق : باختصاصه بالبول مع عدم معلومية حصوله للطير ، مدفوع بالإجماع على عدم الفرق ظاهرا ومحكيا ، ودلالة المعارض‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، قرب الإسناد : ١٩٢ / ٧٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٩.

(٣) المختلف : ٦٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢٠.

٦٦

بالحصول صريحا.

هذا مع أنّ عموم الحسن الثاني مخصّص بالخشّاف إجماعا كما في المختلف (١) ، ولا يضره خروج معلوم النسب ، مع احتمال إرادته من إطلاق عبارته ما عداه. مضافا إلى الخبر : عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « أغسل ثوبك » (٢). والمعارض (٣) ـ مع ضعف سنده ـ غير مكافئ له محمول على التقية.

فإذا ثبت التخصيص حصل المرجوحية بالإضافة إلى عموم الحسنة السابقة التي ليست بمخصّصة. وخلاف الإسكافي في نجاسة بول الرضيع قبل أكله الطعام (٤) شاذّ ، على خلافه الإجماع عن المرتضى (٥) ، ومستنده قاصر سندا ودلالة (٦) ، معارض بأقوى منه كالحسن : عن بول الصبي ، قال : « يصبّ عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله » (٧).

(و) الثالث : (المني) ممّا له نفس سائلة ، بإجماع الطائفة كما عن ظاهر المنتهى وصريح التذكرة وغيرهما من كتب الجماعة (٨).

وهو الحجّة فيه ، دون المستفيضة ، لما مرّ سابقا ، ولاختصاصها بحكم‌

__________________

(١) المختلف : ٥٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٣ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٣ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٥.

(٤) كما نقله عنه في المختلف : ٥٦.

(٥) راجع الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨١.

(٦) وهي رواية السكوني ، انظر الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

(٧) الكافي ٣ : ٥٦ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٨) المنتهى ١ : ١٦١ ، التذكرة ١ : ٦ ، وانظر المدارك ٢ : ٢٦٥ ، والذخيرة : ١٤٦.

٦٧

التبادر بالإنسان دون مطلق الحيوان.

نعم : في الصحيح : ذكر المني فشدّده وجعله أشد من البول (١).

وهو دالّ بفحواه على تبعية نجاسة المني للبول. ولكن ثبوت نجاسة المتبوع مطلقا إنما هو بمعونة الإجماع أيضا ، فيكون هو الحجّة فيه أيضا جدا.

والتقييد بما ذكرنا ـ وهو ظاهر المتن ـ هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً.

فالحكم في غير محل القيد الطهارة.

خلافا للمحكي عن المعتبر والمنتهى فتردّدا فيها (٢). ويدفعه الأصل ، مع اختصاص الأخبار ـ كما مرّ ـ بالإنسان ، وعدم إجماع على النجاسة هنا ، هذا.

وأما الصحيحان المشعران بطهارة المني مطلقا كما في أحدهما (٣) ، أو إذا كان جافا كما في الثاني (٤) ، فشاذان محمولان على التقية ، لكون الأوّل مذهب جماعة من العامة (٥) ، والثاني مذهب شرذمة منهم (٦) كما حكاه بعض الأجلة (٧) ، فلا يرفع اليد بهما عن الإجماع القطعي والنصوص الصريحة الجليّة.

(و) الرابع : (الميتة ممّا له نفس سائلة) آدميا كان أو غيره ، إجماعا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٣ / ٨٨٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ٤١٥ ، المنتهى ١ : ١٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢ / ٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٥ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤٤٦ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٧.

(٥) منهم الشافعي في الأم ١ : ٥٥ ، ونقله عن الشافعي وأحمد وداود في بداية المجتهد ١ : ٨٢.

(٦) كابن قدامة في المغني ١ : ٣٤١.

(٧) نقله عن البهائي في الحدائق ٥ : ٣٤.

٦٨

كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيدين وابن زهرة (١). وهو الحجّة فيه والمتمّم لدلالة المستفيضة بل المتواترة في مواضع متفرقة على النجاسة ، كالصحاح وغيرها الواردة الآمرة بإلقاء الفأرة ونحوها وما يليها الميتة في الأشياء الرطبة الجامدة ، والاستصباح بها إذا كانت أدهانا مائعة (٢) ، وليس للأمر بذلك وجه سوى النجاسة بإجماع الطائفة.

ونحوها في وجه الدلالة على النجاسة المعتبرة الناهية عن الأكل من آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة (٣).

والنصوص الواردة بنجاسة القليل بوقوع الجيفة ، كالصحيح : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شي‌ء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسخ ، إلّا أن يجي‌ء له ريح يغلب على ريح الماء » (٤).

وفي آخر : « كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب ، وإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب » (٥).

ونحوه الصحيحان ، في أحدهما : عن غدير أتوه فيه جيفة ، فقال : إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضأ » (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠ ، المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٤ ، التذكرة ١ : ٧ ، الشهيد الأول في الذكرى : ١٣ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٤٣.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٢١٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٢ / ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٦ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤٠ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤ / ٣ وفيه مرسلا ، التهذيب ١ : ٢١٦ / ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢ / ١٩ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤١ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١١.

٦٩

وفي الثاني : يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة الجيفة ، فقال مولانا الصادق عليه‌السلام : « إن كان الماء قد تغير ريحه فلا تشرب ولا تتوضأ منه » الخبر (١).

والموثق : عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت ، قال : « إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب » (٢).

ونحوه آخر : في الفأرة التي يجدها في إنائه وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا ، وغسل ثيابه واغتسل ، وقد كانت الفأرة منسلخة ، فقال : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة » الخبر (٣).

مضافا إلى المروي عن الدعائم ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الميتة نجس ولو دبغت » (٤).

والرضوي : « وإن مسست ميتة فاغسل يدك » (٥).

وفي الموثق : عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : « كلّ ما ليس له دم فلا بأس » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٩ / ١٠ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٦ / ٦٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢ / ١٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢ / ٨٦ ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٢٦ ، المستدرك ٢ : ٥٩٢ أبواب النجاسات ب ٣٩ ح ٦.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٤ ، المستدرك ٢ : ٥٧٩ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٧.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٦ ، الوسائل ١ : ٢٤١ أبواب الأسئار ب ١٠ ح ١.

٧٠

وفي الخبر : « لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة » (١).

وبهما مع الأصل يستدل على طهارة ميتة غير ذي النفس ، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى صريحا (٢). وخلاف الشيخ وابن حمزة في العقرب والوزغة شاذ (٣) ، ومستنده قاصر (٤). فالقول بالطهارة متعيّن.

ثمَّ ما تقدّم من الأخبار وما ضاهاها مختصة بغير الإنسان ، وأمّا الأخبار فيه فالحسن : عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، قال : « يغسل ما أصاب الثوب » (٥).

قيل : ولا دلالة فيه ، لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب ممّا على الميت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه ، يدل على ذلك ما في الرواية الأخرى : « إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٦) فإنه إن كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل (٧).

وفيه نظر ؛ لمخالفة الاحتمال المذكور للظاهر أوّلا ، وظهور الدلالة معه ثانيا ، بناء على استلزام نجاسة الرطوبة نجاسة الجسد لتفرعها عليها وصدورها منها.

وتقييدها بالرطوبة النجسة ( بالذات ) (٨) ينافي عطف القذر عليها المقتضى‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٧ ، الوسائل ١ : ٢٤١ أبواب الأسئار ب ١٠ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ١٠١ ، المنتهى ١ : ٢٨.

(٣) الشيخ في النهاية : ٥٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٧٨.

(٤) الوسائل ١ : ٢٤٠ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٥ ، ٦ ؛ وص ١٨٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٦١ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٠ أبواب غسل المس ب ٦ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٦١ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١.

(٧) انظر المفاتيح ١ : ٦٦.

(٨) ليست في « ش ».

٧١

للتغاير والقسيمية ، والحال أنه على التقييد نوع منه أو عينه.

وتقييد القذر بالنجس العيني وحمل الرطوبة على النجس العارضي بدون (١) الموت وإن أمكن إلّا أن ارتكاب مثله في النص بعيد جدا ، مع أن ظاهره وجوب غسل جميع ما لاقى من جسده الشامل للرطوبة الغير الملاقية للنجاسة الخارجية ، وذلك مستلزم للنجاسة كما مرّ ، والتخصيص لا بدّ له من دليل ، ولم يظهر.

ودعوى الملازمة بين النجاسة العينية وعدم حصول التطهير بالطهارة المائية ممنوعة ، كيف لا؟! والطهارة والنجاسة من الأمور التعبدية ، فلا بعد في حصول الطهارة لها بها بعد ثبوتها من الشريعة ، كحصول الطهارة بالإسلام للكافر بالضرورة.

ثمَّ ليس في الخبرين دلالة على تعدي النجاسة مع اليبوسة ، بل ظاهرهما ـ كما ترى ـ اختصاصه بالرطوبة.

نعم : هو ظاهر إطلاق الرضوي : « وإن مسّ ثوبك ميّت فاغسل ما أصاب » (٢) فتأمل.

وأظهر منه المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه‌السلام : « ليس على من مسّه ـ أي الميّت ـ إلّا غسل اليد » (٣).

وهو ـ مع قصور السند والمخالفة للأصل المعتمد ـ معارض بالموثق : « كلّ يابس زكي » (٤).

__________________

(١) في « ش » : دون.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٩ ، المستدرك ٢ : ٥٧٩ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٧.

(٣) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٧ ، الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥.

٧٢

والتعارض بينهما وإن كان عموما من وجه لا بدّ من ترجيح أحدهما عليه ، إلّا أن المرجح من الأصل وغيره مع الثاني ، مع قوة عمومه ، واعتضاده بفحوى الصحيح : « وقع ثوبه على كلب ميت ، قال : ينضحه ويصلّي فيه ، ولا بأس به » (١).

وبه وبالسابق يستدل على عدم تعدي نجاسة الميتة غير الآدمي مع اليبوسة ، مضافا إلى عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال : « وقع ثوبه على حمار ميت ، قال : ليس عليه غسله ، وليصلّ فيه ، ولا بأس » (٢).

وأمّا ما ورد من الأمر بغسل ما لاقى الثعلب وغيره من السباع حيا أو ميتا (٣) فهو محمول على الاستحباب قطعا ، إذ لم يقل أحد بثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا جدّاً.

فالقول بتعدي النجاسة مع اليبوسة هنا وفي السابق ـ كما عن الروض والمعالم والعلّامة (٤) ـ محل مناقشة. كالقول بعدم تعدي نجاستها مطلقا مع وجوب غسل الملاقي لها خاصة تعبدا كما عن الحلّي. وعبارته المحكية لا تساعد الحكاية (٥). وعلى تقدير الصحة فهو ضعيف جدّا ، للإجماع ظاهرا على نجاسة ملاقي الملاقي للميتة رطبا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص وكلام الأصحاب النجاسة بمجرّد الموت‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٧ / ٨١٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١٣ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٦٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٢ / ٧٦٣ ، الوسائل ٣ : ٤٦٢ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٣.

(٤) روض الجنان : ١٦٨ ، معالم الفقه : ٢٧٨ ، العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٢٨٠.

(٥) انظر السرائر ١ : ١٦٣.

٧٣

وإن لم يبرد ، مضافا إلى صريح المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه‌السلام : « إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلّا غسل يده » (١) بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة : إجماع الطائفة عليه (٢).

خلافا لبعض المتأخرين ، فخصّها ببعد البرد (٣) ، لظاهر إطلاق الصحيح : « مسّ الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس » (٤).

وهو ضعيف ، لعدم مقاومته لما مرّ. فيحمل نفي البأس على نفيه بالإضافة إلى لزوم الاغتسال بمسّه لا الغسل.

(وكذا الدم) نجس إذا كان ممّا له نفس سائلة ، وهو الخامس. وعليه الإجماع عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (٥) ، وهو الحجة فيه مع النصوص بضميمته ، ففي الصحيح في نقط الدم إذا كانت أقلّ من درهم : « يغسله ولا يعيد الصلاة » (٦).

وفي الصحاح المستفيضة وغيرها الأمر بإعادة الصلاة منه مطلقا مع الأمر بغسله في بعضها بعده ، كالصحيح : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك ، قال : « تعيد الصلاة وتغسله » (٧).

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٥.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠١ ، المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٤ ، التذكرة ١ : ٥٧.

(٣) كصاحبي المدارك ٢ : ٢٧١ ، والذخيرة : ٩١.

(٤) الفقيه ١ : ٨٧ / ٤٠٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب غسل المس ب ٣ ح ١.

(٥) المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، التذكرة ١ : ٧.

(٦) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات

٧٤

وقد استدل بها لنجاسته مطلقا حتى في الناقص عن سعة الدرهم أو قدر الحمصة ، ردّا على الإسكافي والصدوق ، حيث إنّ ظاهر الأول الحكم بطهارة الأول ، والثاني الحكم بطهارة الثاني (١) ، لإطلاقها أو عمومها.

وليس في محله ، إذ الأمر بإعادة الصلاة قرينة على زيادته على المقدارين ، ولا كلام لهما في نجاسته. وكيف كان فقولهما شاذّ ، ومستندهما قاصر (٢) معارض بالإجماعات وخصوص المتقدم على الصحاح.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل واختصاص الأخبار بدم ذي النفس بحكم التبادر يوجب المصير إلى تقييد الحكم به والقول بالطهارة في غيره ، مضافا إلى الإجماع عليها في السمك المحكي عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى والغنية والسرائر (٣).

وفي الخبر : « إنّ عليا عليه‌السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذكر يكون في الثوب ، فيصلي فيه يعني دم السمك » (٤).

وعن الأربعة الأول الإجماع عليها في غيره من مطلق غير ذي النفس ، والمستند فيه الصحيح : ما تقول في دم البراغيث؟ قال : « ليس به بأس » قال ، قلت : إنه يكثر ويتفاحش ، قال : « وإن كثر » (٥).

__________________

ب ٤٢ ح ٢.

(١) نقله عن الإسكافي في المعتبر ١ : ٤٢٠ ، الصدوق في الفقيه ١ : ٤٢.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٥ ، ٧.

(٣) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، المعتبر ١ : ٤٢١ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، الذكرى : ١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٩ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٠ / ٧٥٥ ، مستطرفات السرائر : ١٠٦ / ٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ١.

٧٥

ونحوه الخبر فيه : هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال : « لا وإن كثر » (١).

ونحوهما الخبر في دم البقّ (٢).

وجمعهما آخر : « لا بأس بدم البراغيث والبقّ » الخبر (٣).

ولا قائل بالفرق ، وقصور الأسانيد منجبر بالعمل والأصل.

وفي حكمه عند أصحابنا الدم المتخلف في الذبيحة المأكولة اللحم بعد القذف المعتاد ، لتخصيص الحرمة في الآية بالمسفوح (٤) الظاهر في الحلّ في غيره المستلزم للطهارة ، مع استلزام الحكم بالنجاسة عدم جواز حلّ الذبيحة ، لعدم انفكاكها عن الدم ولو غسل اللحم مائة مرّة ، مضافا إلى عمل المسلمين في الأعصار والأمصار بالضرورة ، وأيّ دليل أقوى من هذه الأدلة؟ فلا وجه للمناقشة معهم في الحكم بالطهارة بشبهة عدم الدلالة.

(و) السادس والسابع : (الكلب والخنزير) البرّيان بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر من خالفنا ، واستفاض حكايته في كلام جماعة من أصحابنا كالخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها (٥).

وقد استفاض بالأوّل صحاح أخبارنا ، بل قد صرّح بلفظ النجاسة في بعضها كالصحيح : « إنه رجس نجس » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ / ٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٩ / ٧٥٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦٠ / ٩ ، التهذيب ١ : ٢٦٠ / ٧٥٤ ، الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣٧ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٥.

(٤) الأنعام : ١٤٥.

(٥) الخلاف ١ : ١٨٦ ، المعتبر ١ : ٤٣٩ ، التذكرة ١ : ٧ ، المنتهى ١ : ١٦٦ ، وانظر الذكرى : ١٣.

(٦) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٥ أبواب النجاسات ب

٧٦

وفي الخبر : أليس هو بسبع؟ قال : « لا والله إنه نجس ، لا والله إنه نجس » (١).

والمراد منه المعنى المصطلح قطعا بالإجماع وشهادة السياق.

وبنجاسة الثاني نطق القرآن الكريم (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (٢) وهو هنا النجس بلا خلاف كما في التهذيب (٣) ، مضافا إلى النصوص كالصحيح : عن خنزير شرب ماء من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات » (٤).

والنصوص الواردة بخلافها في المقامين (٥) شاذة مطروحة ، أو مؤوّلة ، أو محمولة على التقية ، فتأمل.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل واختصاص ما مرّ من النص ـ بحكم التبادر والغلبة ـ بالبري : الطهارة في البحري إن قلنا بكون اللفظ حقيقة في جنسه كما هو الأشهر. وإلّا فالإشكال مرتفع من أصله إلّا على القول بجواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في إطلاق واحد إن كان المقام منه كما عن التحرير ونهاية الإحكام (٦) ، أو معنييه المشترك بينهما لفظا إن كان منه كما عن المنتهى (٧).

وكلاهما غير مرضي عند المحقّقين ، ومع ذلك يتوقف على وجود القرينة الصارفة أو المعيّنة ، وكلّ منهما مفقود في مفروض المسألة.

__________________

١٢ ح ٢.

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤١ ، الوسائل ٣ : ٤١٥ أبواب النجاسات ب ١٢ ح ٦.

(٢) الأنعام : ١٤٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٥) الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق ب ١٤ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ١٦ ، وأبواب الأسآر ب ٢ ح ٦.

(٦) التحرير ١ : ٢٤ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٢.

(٧) المنتهى ١ : ١٦٦.

٧٧

فالقول بنجاسة البحري كما عن الحلّي تبعا للاسم (١) ضعيف غايته.

كالقول بطهارة ما لا تحلّه الحياة منهما ومن الكافر كما عن المرتضى (٢) ، بناء منه على الأصل ، لوجوب تخصيصه بما مرّ لعمومه ، بل كون ذلك أغلب أفراده. ودعواه الإجماع ممنوعة ، كيف؟! وهو منفرد من بين الطائفة بالقول بالطهارة.

نعم : في الخبرين أحدهما الصحيح : عن الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر التي يشرب منها ، أيتوضأ من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس » (٣).

وربما أشعر بالطهارة ، إلّا أنه مبني على رجوع الإشارة إلى الماء المستقى دون ماء البئر ، ومع ذلك يتوقف على قلّته ، وليس بمتعيّن ، فيحتمل الرجوع إلى الثاني ، أو الأوّل بشرط كثرته ، ويتصور في الدلاء العظيمة المحتملة لمقدار الكرّ. ولا ريب في نفي البأس عنه على الاحتمال الثاني ، وكذا على الأوّل بناء على المختار من عدم الانفعال.

وعلى تقدير التسليم فحملهما على التقية لازم ، لحكاية القائل به منّا ذلك عن أبي حنيفة المشتهر رأيه في زمان صدورهما.

هذا مع معارضتهما بالمستفيضة الصريحة بالنجاسة ، منها : عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : « لا بأس ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي » (٤).

ومنها : « خذوه ـ أي شعر الخنزير ـ فاغسلوه ، فما له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه » (٥).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٢٠.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

الخبر الثاني : الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤١٨ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ٣.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٢٠ / ١٠١٩ ، التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٤.

٧٨

ومنها فيمن يعمل الحبائل بشعر الخنزير ، قال : « إذا فرغ فليغسل يده » (١).

ومنها : « فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة » قلت : ووضوء؟ قال : « لا ، اغسل يدك كما تمس الكلب » (٢).

وهي ـ مع استفاضتها واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالغة حدّ الإجماع ـ ظاهرة الدلالة من جهة الأمر بغسل الملاقي الظاهر هنا في النجاسة بإجماع الطائفة ، مع كونه عند الخصم من الأمور المسلّمة. فرجحانها على الخبرين ليس محل ريبة بالضرورة.

(و) الثامن : (الكافر) أصليا ومرتدّا وإن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته ، وضابطه من أنكر الإلهية أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورة.

والحجة في الحكم بعد الإجماعات المستفيضة المحكية عن الناصريات والانتصار والسرائر والغنية والمنتهى وظاهر نهاية الإحكام والتذكرة (٣) : الآية الكريمة (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٤) المتمم دلالتها ـ حيث اختصت بالمشرك ، وتضمنت لفظ « النجس » الغير المعلوم إرادة المعنى الاصطلاحي منه ـ بعدم القائل بالتخصيص ، وظهور المعنى المصطلح هنا بقرينة (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) مع أن بيان النجاسة اللغوية خاصة ليس من وظيفة الحكمة الربانية.

فإرادة ما ذكرنا متعيّنة ، لا الخباثة الباطنية كما اختارها بعض الأجلّة (٥) ،

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٣٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٢.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٠ ، الانتصار : ١٠ ، السرائر ١ : ٧٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٨ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٣ ، التذكرة ١ : ٨.

(٤) التوبة : ٢٨.

(٥) انظر مجمع الفائدة ١ : ٣١٩ ، والمدارك ٢ : ٢٩٤.

٧٩

إذ ليست من المعاني المعهودة المعروفة للفظ النجاسة حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية.

والنصوص المعتبرة بنجاسة أهل الكتاب مستفيضة (١) ، وبفحواها يستدل على نجاسة غيرهم من أصناف الكفّار.

إلّا أنها معارضة بروايات أخر معتبرة الأسانيد (٢). لكنها موافقة للتقية ، مخالفة للإجماعات المحكية والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل إجماع البتّة ، كيف لا؟! ويعدّ نجاستهم عوام العامة والخاصة ـ فضلا من فضلائهم ـ من خصائص الإمامية.

فحملها على التقية متعين البتة ، مع إشعار بعض أخبار الطهارة بها ، ففي الحسن : « أمّا أنا فلا أدعوه ولا أؤاكله ، وإني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » (٣) ويؤيده مصير الإسكافي إليها (٤).

ومخالفة المفيد لنا في العزّية (٥) غير معلومة ، لذكره الكراهة ، وظهورها في المعنى المصطلح في زمانه غير معلوم ، فيحتمل الحرمة.

وكذا مخالفة العماني (٦) ، لتصريحه بطهارة أسآرهم ، ويحتمل إرادته الماء القليل من السؤر (٧) ، كما قيل : إنه المصطلح بين الفقهاء من لفظ السؤر حيثما ذكروه (٨) فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ، وج ٢٤ : ٢١٠ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣ ، وج ٣ ص ٤٢٢ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١١ ، وج ٢٤ ص ٢٠٨ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٣ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، وب ٥٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٣ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٢.

(٤) نقله عنه في المعالم : ٢٤٩.

(٥) كما نقله عنه في المعتبر ١ : ٩٦.

(٦) على ما حكى عنه في المدارك ٢ : ٢٩٥ ، والذخيرة : ١٥٠.

(٧) وهو قائل بعدم تنجّس الماء القليل بالملاقاة ، كما حكي عنه في المعتبر ١ : ٤٨.

(٨) حاشية المدارك للوحيد البهبهاني. المدارك ( الطبع الحجري ) : ٢٣.

٨٠