رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

القواعد (١).

وظاهر الأصحاب فيما أعلم ـ وبه صرّح بعض (٢) ـ إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب الإعادة. ولا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماع.

(و) كذا (لا) تجوز الصلاة ولا تصح (فيما يستر ظهر القدم ، ما لم يكن له ساق) بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئا من الساق ، كالشمشك (٣) ـ بضم الأوّلين أو ضم الأول وكسر تاليه ، على الاختلاف في الضبط ـ والنعل السندي وشبههما ، كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد في الدروس وغيره (٤) ، بل نسبوه إلى النهاية والمقنعة والقاضي والديلمي وغيرهم من القدماء (٥) ، بل ادعى شيخنا في الروضة وروض الجنان كونه مشهورا (٦).

وفيه نظر ، فإن المحكي عن الشيخين وأضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي والشمشك خاصة ، وهو أخصّ من المدعى ، فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم كما ظنه الفاضلان وغيرهما ، بل لورود خبر بهما ، كما صرّح به ابن حمزة في الوسيلة (٧) ، ولعله الحجّة لهم دون ما قرّره الفاضلان‌

__________________

(١) الدروس ١ : ١٥١ ، الذكرى : ١٤٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٧.

(٢) البيان : ١٥١ ، روض الجنان : ٢٠٥.

(٣) الشمشك بضم الشين وكسر الميم. وقيل : إنّه المشاية البغدادية ، وليس فيه نص من أهل اللغة. مجمع البحرين ٥ : ٢٧٧.

(٤) الشرائع ١ : ٦٩ ، الإرشاد ١ : ٢٤٧ ، القواعد ١ : ٢٨ ، الدروس ١ : ١٥١ ، الذكرى : ١٤٦ اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٧. البيان : ١٥١.

(٥) النهاية : ٩٨ ، المقنعة : ١٥٣ ، القاضي في المهذّب ١ : ٧٥ ، الديلمي في المراسم : ٦٥ ، وانظر السرائر ١ : ٢٦٣.

(٦) الروضة ١ : ٢٠٧ ، روض الجنان : ٢١٤.

(٧) الوسيلة : ٨٨. قال : « وروي أن الصلاة محظورة في النعل السنديّة والشمشك ». وانظر الوسائل ٤ : ٤٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٧.

٣٤١

من حجج ضعيفة غير صالحة للحجية أصلا ، حتى على إثبات الكراهة ، فكيف تثبت بها الحرمة؟

ولذا أعرض عن القول بها المتأخّرون أو أكثرهم كما في المدارك والذخيرة وغيرهما (١) ، ولكن قالوا بالكراهة ، وفاقا للمبسوط والإصباح والوسيلة (٢) في الشمشك والنعل السندي خاصة ، وللتحرير وظاهر المنتهى (٣) في كل ما يستر ظهر القدم ، كما في عنوان العبارة.

لا لما مر من الحجج الضعيفة ، بل تفصّيا عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية مسامحة في أدلّة السنن والكراهة. والمراد بالرواية ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة ، لكنها ـ كما عرفت ـ غير عامة لكل ما يستر ظهر القدم ، بل في خصوص ما مرّ من الأمرين.

وفي الاحتجاج وعن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة فيما ورد من التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام إلى الحميري فيما كتب إليه يسأله : هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط ولا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟ فوقّع عليه‌السلام : « جائز » (٤).

والبطيط كما في القاموس : رأس الخف بلا ساق (٥) ، كأنه سمي به تشبيها له بالبطّ.

قيل : وفيه تأييد القول بالمنع.

وفيه نظر ، بل هو لتأييد القول الآخر أظهر ، كما صرّح به بعض من‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٨٤ ، الذخيرة : ٢٣٥ ، وانظر كفاية الأحكام : ١٦ ، والحدائق ٧ : ١٦٠.

(٢) المبسوط ١ : ٨٣ ، وحكاه عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ١٩١ ، الوسيلة : ٨٨.

(٣) التحرير ١ : ٣٠ ، المنتهى ١ : ٢٣٠.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٤ ، كتاب الغيبة : ٢٣٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٤.

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٣٦٣.

٣٤٢

تأخّر (١).

وكيف كان ، فالأحوط الترك مطلقا ، سيّما فيما ورد به المنع في خصوص النص ، وإن كان من المرسل ، لكفايته في الاحتياط. بل لو لا الشهرة المتأخّرة المحققة والمحكية ورجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة (٢) لكان القول بها للرواية لا يخلو عن قوة ولو كانت مرسلة ، لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة على ما حكاه شيخنا في كتابيه المتقدم إليهما الإشارة (٣).

واحترز بقوله : ما لم يكن .. إلى آخره ، عما لو كان له ساق يغطّي ولو شيئا من الساق (كالخف) والجرموق (٤) ، فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في التحرير والتذكرة وغيرهما (٥).

وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل ، والإطلاقات السليمة هنا عن المعارض ولو على الكراهة بالكلية.

(ويستحب) الصلاة (في النعل العربية) عند علمائنا أجمع ، كما صرّح به جماعة (٦) حد الاستفاضة ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.

وهو الحجة ، مضافا إلى الصحاح المستفيضة المرغّبة إليه أمرا ، كالصحيح : « إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإن ذلك من السنة » (٧).

__________________

(١) كصاحب الحدائق ٧ : ١٦١.

(٢) المبسوط ١ : ٨٣.

(٣) في ص : ٣٣٦.

(٤) الجرموق كعصفور : الذي يلبس فوق الخف. القاموس المحيط ٣ : ٢٢٤.

(٥) التحرير ١ : ٣٠ ، التذكرة ١ : ٩٨ ، وانظر نهاية الإحكام ١ : ٣٨٩ ، وكشف اللثام ١ : ١٩١.

(٦) كالفاضلين في المعتبر ٢ : ٩٣ ، والمنتهى ١ : ٢٣٠ ، والمحقق الثاني في شرح القواعد ( جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ) ، وصاحب الذخيرة : ٢٣٥ ، وغيرهم من المتأخرين ( كالشهيد الثاني في الروض : ٢١٤ ). منه رحمه الله.

(٧) الفقيه ١ : ٣٥٨ / ١٥٧٣ ، الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ١.

٣٤٣

ونحوه آخر ، إلّا أن فيه بدل « إن ذلك من السنة » : « يقال ذلك من السنة » (١).

وفعلا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصادقين عليهم‌السلام ، كما في الصحاح (٢).

وفي الخبر : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : « أفضل موضع القدمين في الصلاة النعلان » (٣).

ومقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل مطلقا. وربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك الزمان ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، لكن قالوا : ولعلّ الإطلاق أولى (٤).

ولعل وجهه ـ مع الاعتراف بصحة الحمل ـ كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح ( والاحتياط ) (٥) فاندفع عنهم الاعتراض : بأنه محل تأمّل ، لما ذكروه ، لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وليس هنا عموم لغوي ينفع (٦).

(ويكره) الصلاة (في الثياب السود عدا العمامة والخفّ) والكساء ، لإطلاق المستفيضة بكراهة لبسها عدا المستثنيات الثلاثة (٧) ، مع تصريح جملة من النصوص بكراهة الصلاة في خصوص القلنسوة ، معلّلة بأنها لباس أهل النار (٨) ، والتعليل عام لا يخصّ المورد ، كما يستفاد من النصوص ، ففي الخبر :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٣ / ٩١٩ ، الوسائل ٤ : ٤٢٥ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ٥.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٨٩ / ١٣ ، الوسائل ٤ : ٤٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ٩.

(٤) منهم صاحب المدارك ٣ : ١٨٥ ، وانظر البحار ٨٠ : ٢٧٥.

(٥) ليست في « ل ».

(٦) حاشية المدارك للبهبهاني ( المدارك بالطبع الحجري : ١٤٠ ).

(٧) الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلي ب ١٩.

(٨) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٣٠ ، الفقيه ١ : ١٦٢ / ٧٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ / ٨٣٦. علل الشرائع : ٣٤٦ / ١ ، الوسائل ٤ : ٣٨٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٠ ح ١ ، ٣.

٣٤٤

« كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بالحيرة ، فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه ، فدعا بممطر (١) أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ، ثمَّ قال : « أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار » (٢).

مضافا إلى عموم المرسل : « لا تصلّ في ثوب أسود ، فأما الخفّ والكساء والعمامة فلا بأس » (٣).

فلا إشكال في كل من حكمي المستثنى والمستثنى منه ، إلّا في استثناء الكساء ، لعدم وقوعه في العبارة ونحوها من عبائر كثير من الجماعة كالحلي في السرائر والماتن في ( الشرائع ) (٤) والفاضل في الإرشاد والقواعد (٥) وكذا المفيد والديلمي وابن حمزة فيما حكي عنهم (٦) ، بل قيل (٧) : إنهم لم يستثنوا غير العمامة.

وبالجملة أكثر الأصحاب على عدم استثناء الكساء ، بل قيل (٨) : كلهم لم يستثنوه إلّا ابن سعيد في الجامع (٩).

وفيه نظر ، فقد استثناه جماعة ممن تأخّر (١٠) تبعا للمستفيضة ، ولا يخلو عن قوّة وإن كان عدم الاستثناء أيضا لا بأس به ، مسامحة في أدلّة الكراهة بناء على‌

__________________

(١) الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر. القاموس المحيط ٢ : ١٤٠.

(٢) الكافي ٦ : ٤٤٩ / ٢ ، الفقيه ١ : ١٦٣ / ٧٧٠ ، علل الشرائع : ٣٤٧ / ٤ ، الوسائل ٤ : ٣٨٤ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ٢٤ ، الوسائل ٤ : ٣٨٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٠ ح ٢.

(٤) في « م » : المعتبر ( ٢ : ٩٤ ).

(٥) السرائر ١ : ٢٦٨ ، الشرائع ١ : ٧٠ ، الإرشاد ١ : ٢٤٦ ، القواعد ١ : ٢٨.

(٦) المفيد في المقنعة : ١٥٠ ، الديلمي في المراسم : ٦٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٧.

(٧) كشف اللثام ١ : ١٩١.

(٨) كشف اللثام ١ : ١٩١.

(٩) الجامع للشرائع : ٦٥.

(١٠) منهم : الشهيد الأول في البيان : ١٢٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٠٨.

٣٤٥

حصول الشبهة ، لعدم استثناء الأكثر واقتصارهم على ما في العبارة ، ومنهم الفاضل في المنتهى مدعيا عليه إجماع الإمامية (١) ، مع عموم بعض النصوص (٢) ككلام الصدوق (٣) بكراهة مطلق السود ، خرج المجمع على استثنائه ويبقى الباقي.

وظاهر العبارة ـ كغيرها من عبائر الجماعة ـ اختصاص الكراهة بالسود وعدم كراهة غيرها ، مع أن في الموثق : « يكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم » (٤).

وفي الخبر : « يكره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرّج (٥) بالزعفران » (٦).

وبهما أفتى الفاضلان في المعتبر والتحرير والمنتهى (٧) ، وغيرهما (٨). بل عن الشيخ وجماعة ـ ومنهم الحلي والإسكافي ـ كراهية الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان (٩) ، ولعل مستندهم الموثق المتقدم ، بناء على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول مطلق من دون تقييد بالحمرة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٨٣ ، ٣٨٥ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ٥ ، ٨.

(٣) المقنع : ٢٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٤٩ ، الوسائل ٤ : ٤٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٢. ثوب مفدم ـ ساكنة الفاء ـ : إذا كان مصبوغا بحمرة مشبعا. الصحاح ٥ : ٢٠٠١.

(٥) العصفر : نبت معروف يصبغ به. مجمع البحرين ٣ : ٤٠٨. ثوب مضرّج : مصبوغ بالحمرة أو الصفرة. لسان العرب ٢ : ٣١٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٠ ، الوسائل ٤ : ٤٦١ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٩٤ ، التحرير ١ : ٣٠ ، المنتهى ١ : ٢٣٢.

(٨) كالشهيد في الذكرى : ١٤٧ ، وحكي أيضا عن موجز ابن فهد في مفتاح الكرامة ٢ : ١٨٣.

(٩) الشيخ في المبسوط ١ : ٩٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٦٣ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٨٠.

٣٤٦

وأما على التفسير الآخر المقيد بها فلا يعم كل لون ، بل يخصّ المشبع بالحمرة خاصة ، ولذا اقتصر الفاضلان على كراهيته للموثقة ، وكراهة المضرج بالزعفران والمعصفر أيضا لما بعدها. والتعميم أولى بالمسامحة في نحو محل البحث ، كما مر.

(و) كذا تكره الصلاة (في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب والثعالب أو فوقه) وفاقا للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في النهاية والصدوق ، فقالا بالحرمة (١). والأول قد رجع عنها إلى الكراهة في المبسوط (٢) ، فانحصر المانع في الثاني ، وهو شاذّ على الظاهر ، المصرّح به فيما يحكى من كلام الماتن (٣) ، مشعرا بدعوى الإجماع على الجواز. فإن تمَّ ، وإلّا فالمنع لا يخلو عن قوة ، لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الثعالب يصلّى فيها؟

قال : « لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة » قلت : أصلي في الثوب الذي يليه؟ قال : « لا » (٤).

وفيه : عن رجل سأل الماضي عليه‌السلام عن الصلاة في جلود الثعالب ، فنهى عن الصلاة فيها ، وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدر أيّ الثوبين ، الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع عليه‌السلام بخطه : « الثوب الذي يلصق بالجلد » (٥) الحديث.

__________________

(١) النهاية : ٩٨ ، الصدوق في المقنع : ٢٤.

(٢) المبسوط ١ : ٨٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٧ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٦ وفيهما : عن رجل سأل الرضا عليه‌السلام ، الوسائل ٤ : ٣٥٧ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٨.

٣٤٧

وفي الرضوي : « وإيّاك أن تصلّي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب » (١).

وقريب منها المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أنه كتب إليه الحميري : قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه‌السلام : « لا تصلّ في الثعلب ولا في الأرنب ولا في الثوب الذي يليه » فقال عليه‌السلام : « إنما عنى الجلود دون غيرها » (٢).

وهي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند بالصحة والقوة ، فلا وجه لحمل النهي فيها على الكراهة ، عدا ما يتخيّل من عدم وجه للمنع عدا تخيّل نجاسة الجلود الملاقية بالرطوبة ، وهو خلاف الأظهر الأشهر : من قبولها التذكية فحينئذ لا وجه للمنع بالمرّة ، فينبغي الحمل على الكراهة.

وفيه نظر ، لاحتمال التعبد ، أو كونه باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له ، تحت الوبر كان أو فوقه ، كذا قيل (٣).

وفيه نظر ، لظهور سياق الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض في كون المنع متوجّها إلى الثوب الذي يلي الجلد لا الوبر ، بل صرّح بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر ، فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر ، بل من حيث الملاصقة للجلد ، ولا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه ، ويتوجه حينئذ حمل المنع فيها على الكراهة كما قرروه ، بناء على بعد احتمال تعبدية المنع ، فلا يخرج بمجرده عن الأصل المعتضد بالشهرة ، بل الإجماع المنقول كما عرفته.

ولكن المسألة بعد مشكلة ، لعدم ظهور نقل الإجماع من لفظ الشذوذ‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ٢٠١ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ١.

(٢) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٨ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ١٢.

(٣) قال به صاحب الحدائق ٧ : ٨٢.

٣٤٨

بحيث يطمئن به ، والشهرة والاعتماد عليها لعلّه لا يخلو عن إشكال ، بناء على ظهور كلمة جملة منهم بانحصار مستند المنع في الصحيحة الثانية ومع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة.

وهما كما ترى ، لتعدّد روايات المنع واستفاضتها ، وعدم إرسال فيما أجابوا به عنه ، وإن كان فيه : عن رجل ، إذ هو ليس راويا ، بل الراوي له هو الراوي عنه ، وليس روايته عنه بطريق الإرسال بحيث يسند الخبر إليه ، بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي ، فكأنه المخبر عن السؤال والجواب ، فتأمل جدّاً.

مع أنّ في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة الثقة له وسؤاله عن ذلك فأجابه بالمنع أيضا ، حيث قال : وذكر علي بن مهزيار ـ وهو الراوي عن الرجل ـ أنه سأله عن هذه المسألة ، فقال : « لا تصلّ في الذي فوقه ولا في الذي تحته ».

فالخبر على أيّ تقدير مسند ، لكن اختلف الجوابان فيه ففي الأوّل : خص المنع بالذي يلصق الجلد ، وفي الثاني : عمّم له ولما يلصق الوبر ، وهو الأوفق لما ذكروه : من تعميم المنع كراهة أو تحريما.

وبالجملة : المسألة محل إشكال ، ولا ريب أنّ التنزه عنه أفضل إن لم نقل بكونه المتعيّن.

(و) كذا تكره (في ثوب واحد) رقيق لم يحك ما تحته من العورة (للرجل) خاصة ، بلا خلاف أجده ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : يصلّي الرجل في قميص واحد؟ فقال : « إذا كان كثيفا فلا بأس » (١).

وفي آخر بعد السؤال عن نحو ذلك : « إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٨٧ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٣ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلي ب

٣٤٩

ومقتضاهما ـ ككلام أكثر الأصحاب ، بل عامتهم كما يفهم من الذكرى وروض الجنان (١) ـ عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا ، وهو أيضا ظاهر جملة من الصحاح ، منها : « لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إنّ دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حنيف » (٢). ونحوه غيره (٣).

خلافا لبعض أصحابنا ، كما حكاه في المنتهى (٤) ولعله الماتن هنا ، حيث لم يقيّد كراهة الثوب الواحد بما إذا كان رقيقا كما عليه باقي أصحابنا مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقا.

وتبعه الشهيد في الذكرى (٥) ، قال : لعموم (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٦) ودلالة الأخبار على أن الله تعالى أحقّ أن يتزيّن له (٧) ، والاتفاق على أنّ الإمام يكره له ترك الرداء ، وما روي عنه عليه‌السلام من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما » (٨).

قال : والظاهر أنّ القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ، ويريد به أيضا على البدن ، وإلّا فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل ، وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول (٩).

__________________

٢٢ ح ٢.

(١) الذكرى : ١٤٦ ، روض الجنان : ٢٠٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٥ / ٨ ، الفقيه ١ : ١٧٤ / ٨٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٥٧ / ١٤٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥٠ ، الوسائل ٤ : ٣٩٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٣ ح ١.

(٤) لم نعثر عليه في المنتهى.

(٥) الذكرى : ١٤٦.

(٦) الأعراف : ٣١.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٢٣٦.

(٨) سنن أبي داود ١ : ١٧٢ / ٦٣٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٣٦.

(٩) مكارم الأخلاق : ١١٩ ، الذكرى : ١٤٧ ، الوسائل ٤ : ٤٦٤ أبواب لباس المصلي ب ٦٤ ح

٣٥٠

وفي جميع ما ذكره نظر ، فإن غايته ـ عدا كراهية ترك الإمام الرداء ـ الدلالة على استحباب التعدد ، وهو غير كراهية الوحدة ، إلّا أن يريد بها ترك الأولى ، ولعله غير المتنازع فيه.

نعم في قرب الإسناد للحميري ، عن عبد الله بن الحسن ، عن جده ، عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه‌السلام : عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سروال واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال : « لا يصلح » (١).

(و) احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما (لو حكى ما تحته) فإنه (لم يجز) قولا واحدا إذا كان لبشرة العورة ولونها حاكيا ، للزوم سترها كما يأتي (٢) إجماعاً. وكذا لو حكي حجمها وخلقتها على الأحوط ، بل قيل بتعينه (٣) ، لرواية قاصرة السند ضعيفة الدلالة (٤).

ولذا اختار الأكثر الإجزاء هنا. ولعله الأقوى ، للأصل ، وصدق الستر عرفا ، مع إطلاق ما مرّ : من النص الصحيح بعدم البأس بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا ، إذ قد لا يفيد إلّا ستر البشرة دون الحجم.

مضافا إلى التأيّد بأخبار : « أنّ النورة سترة » (٥) وأنّ جسد المرأة عورة ، ولو وجب ستر الحجم وجب فيه. وإن كان في الاستدلال بهما نظر.

__________________

١ ، ٢ ، ٣.

(١) قرب الإسناد : ١٩١ / ٧١٧ ، الوسائل ٤ : ٤٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٧.

(٢) في ص : ٣٦٩.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٩٥.

(٤) وهي مرفوعة أحمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تصلّ فيما شفّ أو صف يعني الثوب المصقل ». الوسائل ٤ : ٣٨٨ أبواب لباس المصلّي ب ٢١ ح ٤. وذكر هذه الرواية الشهيد في الذكرى : ١٤٦ ، ثمَّ قال : معنى شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف ـ بواوين ـ : حكي الحجم ، وفي خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب : أوصف بواو واحدة ، والمعروف بواوين ، من الوصف.

(٥) الوسائل ٢ : ٥٣ أبواب آداب الحمام ب ١٨.

٣٥١

(و) يكره (أن يتّزر فوق القميص) على المشهور ، للصحيح الصريح فيه المروي في الكافي : « لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلّي ، ولا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت ، فإنه من زيّ الجاهلية » (١).

خلافا للفاضلين في المعتبر والمنتهى (٢) وكثير ممن تبعهما (٣) ، فلا يكره ، للصحيحين النافيين للبأس عنه ، فعلا في أحدهما (٤) ، وقولا في الآخر (٥).

وفيه نظر ، بل حمل نفي البأس فيهما على نفي التحريم طريق الجمع ، سيّما مع اشتهار الكراهة وجواز المسامحة في أدلّتها كما عرفت غير مرة.

وما تضمنته الصحيحة من كراهة التوشح فوق القميص قد أفتى بها جماعة (٦) ، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة ، وهي ما بين ناهية عنه ب‍ « لا » كما في بعضها ، وب‍ « لا يجوز » كما في آخر ، وب‍ « يكره » في جملة منها (٧). وحملت على الكراهة الاصطلاحية جمعا بينها وبين الحسن : هل يصلّي الرجل وعليه إزار يتوشح به فوق القميص؟ فكتب : « نعم » (٨).

وقيل : لا يكره (٩) ، ولا وجه له.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٥ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٣٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٦ ، المنتهى ١ : ٢٣٣.

(٣) كصاحب المدارك ٣ : ٢٠٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٢٩ ، والمجلسي في البحار ٨٠ : ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٦ ، الوسائل ٤ : ٣٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٤ / ٨٤٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٥ ، الوسائل ٤ : ٣٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٥.

(٦) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٩٦ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٠٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ١٢٠.

(٧) الوسائل ٤ : ٣٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٧ ، الوسائل ٤ : ٣٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٧.

(٩) نفى عنه البعد في المدارك ٣ : ٢٠٤.

٣٥٢

واختلف أهل اللغة في معنى التوشّح ، ففي القاموس : توشّح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلّد بهما (١).

وفي المصباح المنير : توشّح به أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم (٢) ، ونحوه عن المغرب (٣).

وفي مجمع البحرين : وفيه « كان يتوشّح بثوبه » أي يتغشى به ، والأصل في ذلك كله من الوشاح ككتاب ، وهو شي‌ء ينسج من أديم عريضا ويرصّع بالجواهر ويوضع شبه قلادة تلبسها النساء ، يقال : توشّح الرجل بثوبه أو بإزاره ، وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى ويكون اليمنى مكشوفة (٤).

وكلماتهم وإن كانت مختلفة في ذلك إلّا أنّ ظاهرها الاتفاق على أنه غير الاتّزار فوق القميص ، فلا وجه للاستدلال بأخبار كراهة التوشّح على كراهته.

لكن في بعض النصوص إشعار باتحادهما ، كالخبر : في الذي يتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار ، قال : « هذا عمل قوم لوط » قلت : فإنه يتوشّح فوق القميص ، قال : « هذا من التجبّر » (٥).

ولكنه معارض بظاهر الصحيحة الأولى (٦) ، حيث عطفت الاتّزار فوق‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٦٤.

(٢) المصباح المنير : ٦٦١.

(٣) المغرب ٢ : ٢٥٠.

(٤) مجمع البحرين ٢ : ٤٢٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٦ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٤.

(٦) المتقدمة في ص : ٣٤٧.

٣٥٣

القميص على التوشح فوقه ، مؤذنة بتغايرهما. ومع ذلك الخبر ضعيف السند متضمن صدره لما لم يقل به أحد ، وهو كراهة جعل المئزر تحت القميص ، بل نفي الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى (١) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، كما حكي عن صريح المعتبر (٢).

(وأن يشتمل الصماء) إجماعا ، كما في التحرير والمنتهى والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني وروض الجنان والمدارك (٣) ، وفي غيرها نفي الخلاف فيه بين علمائنا (٤) ، للصحيح : « إيّاك والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » (٥).

وبه فسر في معاني الأخبار والنهاية والمبسوط والوسيلة (٦) ، وفيها أنه فعل اليهود ، وتبعهم المتأخّرون ، ونسبه في الروضة وروض الجنان إلى المشهور (٧) ، مشعرا بوقوع الخلاف فيه ، ولم أجده بيننا (٨) ، ولعلّه لأهل اللغة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٣٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٦.

(٣) التحرير ١ : ٣١ ، المنتهى ١ : ٢٣٣ ، الذكرى : ١٤٧ ، جامع المقاصد ٢ : ١٠٨ ، روض الجنان : ٢٠٩ ، المدارك ٣ : ٢٠٤.

(٤) انظر الذخيرة : ٢٢٩ ، والحدائق ٧ : ١٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٤ ، الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ / ٨٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٤ ، معاني الأخبار : ٣٩٠ / ٣٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٥ ح ١.

(٦) معاني الأخبار : ٣٩٠ / ٣٢ ، النهاية : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٨٣ ، الوسيلة : ٨٧.

(٧) الروضة ١ : ٢٠٨ ، روض الجنان : ٢٠٩.

(٨) نعم حكاه الحلي ( السرائر ١ : ٢٦١ ) من المرتضى ، حيث قال : ويكره السدل في الصلاة كما يفعله اليهود ، وهو أن يتلفّف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء ، وهو اختيار السيد المرتضى. منه رحمه الله.

٣٥٤

وفقهاء العامة ، ولا عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة ، المعتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكية ، وخصوص المروي في معاني الأخبار : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لبستين : اشتمال الصماء ، وأن يلتحف (١) الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شي‌ء قال ، وقال الصادق عليه‌السلام : « التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطيه (٢) ، ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد » (٣).

لكن ظاهره كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجانبين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد. وهذا وإن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس ، إلّا أنه خلاف الظاهر المتبادر منها ، وهو كون المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثمَّ وضعه على منكب واحد ، ويتبادر هذا المعنى من الصحيحة صرح المحقق الثاني في شرح القواعد وغيره (٤) ، ولكن التنزّه عن كلا المعنيين المحتملين لعله أحوط.

(و) أن يصلّي (في عمامة لا حنك لها) باتفاق علمائنا ، كما في المعتبر والمنتهى (٥) ، وهو الحجة.

مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن الغوالي وغيره ، وفيه : « من صلى مقتعطا (٦) فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه » (٧).

__________________

(١) في المصدر : يحتبي.

(٢) في المصدر و « ش » و « م » : إبطه.

(٣) معاني الأخبار : ٢٨١ ، ٢٨٢ ، الوسائل ٤ : ٤٠٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٥ ح ٥ ، ٦.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ١٠٨ ، وانظر الحدائق ٧ : ١٢٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٧ ، المنتهى ١ : ٢٣٣.

(٦) قعط عمامته واقتعطها : أدارها على رأسه ولم يتلحّ بها .. لسان العرب ٧ : ٣٨٤.

(٧) عوالي اللئالي ٢ : ٢١٤ / ٦ ، المستدرك ٣ : ٢١٥ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ذيل حديث ٢.

٣٥٥

وإطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون تحنك ، ففي المرسل كالصحيح : « من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه » (١).

ونحوه غيره من كثير من النصوص (٢) ، مبدّلا في بعضها « لم يتحنك » ب‍ : « لم يدر العمامة تحت حنكه » وفي آخرين : « الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم » كما في أحدهما ، ونحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخلّ بالمقصود.

ولما كان التحنّك والتلحّي في اللغة والعرف إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك بغيرها ، وفاقا للشهيد الثاني وسبطه وغيرهما (٣).

خلافا للمحقق الثاني ، فاحتمل تأدّي السنة به أيضا ، لكن متردّدا بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى (٤) ، وتبعهما في الاحتمال بعض الفضلاء (٥) ، ولم أعرف له وجها.

ثمَّ إن ظاهر النصوص والفتاوي ـ ولا سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة ـ استحباب دوامه وعدم الاكتفاء به عند التعمم خاصة ، وعليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من النص والفتوى ، وبين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٦٠ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٦ ، الوسائل ٤ : ٤٠١ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٤٠١ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ٢ ، ٥ ، ٨ ، ١٠.

(٣) الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٠ ، المدارك ٣ : ٢٠٧ ، وانظر المسالك ١ : ٢٤ ، وكشف اللثام ١ : ١٩٢.

(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١١٠ ، الذكرى : ١٤٠.

(٥) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٢.

٣٥٦

العمامة على الصدر أو القفاء (١) ، ولذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما :

فبين من جمع بينهما تارة بحمل الأولة على إرادة التحنك حين التعمم والأخيرة على الإسدال بعده (٢) ، واخرى بتخصيص السدل بحال الحرب ونحوه مما يراد فيه الترفّع والاختيال والتحنك بما يراد فيه التخشّع والسكينة (٣).

وبين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى الإسدال بضرب من التوجيه ، بل ادعى اتحادهما معنى لغة (٤). وهو مشكل جدّاً.

ويحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو تخصيص استحباب السدل بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ، واستحباب التحنك بنا.

ولا بعد فيه إلّا من حيث عموم أخبار التحنك ، وإلّا فأخبار الإسدال لا عموم فيها ، فإنّ منها : « اعتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسدلها من بين يديه ومن خلفه ، واعتمّ جبرئيل عليه‌السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه » (٥).

ومنها : « عمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام ، فسدلها من بين يديه وقصّرها من خلفه قدر أربع أصابع ، ثمَّ قال : أدبر ، فأدبر ، ثمَّ قال : أقبل ، فأقبل ، ثمَّ قال : هكذا تيجان الملائكة » (٦).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر اختصاص موردها بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ، فلا غرو إن جمعنا بينها وبين‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٥ أبواب أحكام الملابس ب ٣٠.

(٢) كما في الحدائق ٧ : ١٣٥.

(٣) كما في كشف اللثام ١ : ١٩٢.

(٤) كما في البحار ٨٠ : ١٩٩.

(٥) الكافي ٦ : ٤٦٠ / ٢ ، الوسائل ٥ : ٥٥ أبواب أحكام الملابس ب ٣٠ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٤٦١ / ٤ ، الوسائل ٥ : ٥٥ أبواب أحكام الملابس ب ٣٠ ح ٣.

٣٥٧

النصوص الماضية بذلك ، وقيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم عليهم‌السلام ، بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.

ويحتمل آخر ضعيفا ، وهو التخيير بينهما ، ويكون المقصود من استحبابهما كراهة الاقتعاط المقابل لهما.

واعلم أنّ جمعا من الأصحاب حكوا المنع هنا ـ الظاهر في التحريم ـ عن الصدوق (١) ، ولم أقف على تصريحه به. نعم ، في الفقيه : سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة في طابقيّة ، ولا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلّا وهو متحنّك (٢).

وهو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك ، فيبعد مخالفته لهم ، بل الظاهر موافقته لهم ، ولعله لذا نسبوه إليه ، أو وجدوا التصريح منه به في محل آخر.

وكيف كان ، فالمنع تحريما ـ كما هو ظاهرهم ـ ضعيف جدّا ، للأصل ، مع عدم دليل صالح على ما ذكروه ، فإن غاية النصوص ـ حتى النبوي الوارد في الصلاة (٣) ـ إفادة الكراهة لا التحريم ، فإثباته مشكل ، سيّما مع إطباق المتأخّرين واختيارهم خلافه ، مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه كما عرفته (٤).

ويحتمل إرادة المشايخ من « لا يجوز » الكراهة ، لاستعماله كثيرا فيها في الأخبار وكلام قدماء الطائفة.

(وأن يؤمّ بغير رداء) على المشهور ، على الظاهر ، المصرح به في‌

__________________

(١) حكاه عنه العلامة في المختلف : ٨٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١١٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٢.

(٣) راجع ص : ٣٥٠.

(٤) في ص : ٣٥٠.

٣٥٨

المدارك وغيره (١) ، بل عليه الاتّفاق في الذكرى (٢) ، وهو الحجة.

مضافا إلى الصحيح : عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء ، فقال : « لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » (٣).

وأخصّيته من المدعى ـ بدلالته على كراهة الإمامة من دون رداء في القميص وحده لا مطلقا ـ مجبورة بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا ، وإن توهّمه شاذّ من متأخّري متأخرينا (٤) ، مع أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في دليله بما لا يتسامح في غيره ، فيكتفي في إثباتها بفتوى فقيه واحد ، فما ظنك بفتاوى جمهور أصحابنا؟! وأما قول أبي جعفر عليه‌السلام لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء : « إن قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء » (٥).

فليس فيه تأييد لما توهّمه الشاذ المتقدم : من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة ، لاحتمال الإجزاء في هذه الرواية الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة ، لا الإجزاء عن الاستحباب ، وإلّا لنافي إطلاق الصحيحة المتقدمة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف أم رقيق؟

فحكمه حينئذ ب‍ « لا ينبغي » يعم الصورتين.

مع أنّ الرواية السابقة على التقدير الثاني قد نفت استحباب الرداء في الصورة الاولى ، وهذا الشاذّ لا يقول به ، فكيف يجعل قوله عليه‌السلام في هذه‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٠٨ ، وانظر الحدائق الناضرة ٧ : ١٣٥.

(٢) الذكرى : ١٤٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ / ١٥٢١ ، الوسائل ٤ : ٤٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ١.

(٤) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٣٩١ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٧.

٣٥٩

الرواية مؤيّدا؟! وإن هو إلّا غفلة واضحة.

وظاهر الشهيدين وغيرهما (١) استحباب الرداء لمطلق المصلي ولو لم يكن إماما ، للصحاح الدال بعضها على أنّ أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف (٢) ، والباقي على استحباب ستر المنكبين لمن يصلّي في إزار أو سراويل (٣).

ولا ذكر للرداء في الرواية الاولى ، والبواقي خارجة عما نحن فيه جدّا ، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه أصلا.

ولا بأس بالقول باستحباب ما فيها ، وفي الخبر : « عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد أو قباء واحد؟ قال : ليطرح على ظهره شيئا » (٤).

وعن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر وحده أو جبّة وحدها؟ قال : « إذا كان تحته قميص فلا بأس » (٥).

وعن الرجل يؤم في قباء وقميص ، قال : « إذا كان ثوبين فلا بأس » (٦).

والمعتبر في الرداء ما يصدق عليه الاسم عرفا ، قيل : ويقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة (٧). ولم أقف على ما دلّ على إقامتها مقامه ، حيث يكون هو المعتبر ، كما في أصل البحث.

نعم ، النصوص المتقدمة في المصلّي في الإزار والسراويل (٨) دلّت على‌

__________________

(١) الدروس : ١ : ١٤٧ ، الروضة ١ : ٢٠٩ ، وانظر البحار ٨٠ : ١٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٨٣ ، الوسائل ٤ : ٤٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٦.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٤٥٢ أبواب لباس المصلّي ب ٥٣ ح ٣ ، ٤.

(٤) مسائل على بن جعفر : ١١٨ / ٥٧ ، الوسائل ٤ : ٣٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ١١.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١١٨ / ٥٨ ، الوسائل ٤ : ٣٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ١٢.

(٦) مسائل على بن جعفر : ١١٩ / ٦٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ١٣.

(٧) كما قال به صاحب المدارك ٣ : ٢١٠.

(٨) راجع الرقم (٣) من نفس الصفحة.

٣٦٠