رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

وقوله عليه‌السلام : « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون » (١).

وخصوص المستفيضة ، وفيها الموثقات وغيرها ، منها : « لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلّا في الحرب » (٢).

ونحوه آخر ، لكن بدل « لا يلبس » « لا يصلح للرجل » (٣) وهو وإن أشعر بالكراهة ـ ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها ـ لكنها محمولة على الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.

ومنها : عن لباس الحرير والديباج ، فقال : « أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل » (٤).

ومنها المروي عن قرب الإسناد : « أن عليا عليه‌السلام كان لا يرى بلبس الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا » (٥).

وفي الفقيه : « لم يطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبس الحرير إلّا لعبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنه كان رجلا قملا » (٦).

واحترز بالمحض عن الممتزج بما يصح الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه الخليط ، لجواز لبسه حينئذ ولو في الصلاة إجماعا ، على الظاهر ، المصرّح به‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ١ ، الوسائل ٤ : ٣٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ٤ ، الوسائل ٤ : ٣٧١ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٤ : ٣٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٣.

(٥) قرب الإسناد : ١٠٣ / ٣٤٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٥.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٤ / ذيل حديث ٧٧٤ ، الوسائل ٤ : ٣٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٤.

٣٢١

في الخلاف وشرح القواعد للمحقق الثاني (١) وغيرهما (٢).

والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّا ، ففي الصحيح : عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف ، أيصلّى فيه؟ « لا بأس » (٣).

وفي المرسل كالموثق : في الثوب يكون فيه الحرير ، فقال : « إن كان فيه خلط فلا بأس » (٤).

وفي الخبر : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال وللنساء ، إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان ، وإنما يكره المحض للرجال والنساء (٥).

هذا ، مضافا إلى الأصل ، واختصاص النصوص المانعة والإجماعات المحكية ـ بحكم التبادر ، بل والتقييد بالمحض والمبهم في جملة منها ـ به خاصة.

وظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية مطلق الخليط ولو كان أقل من الحرير ، وبه صرّح جماعة ، قالوا : سواء كان الخليط أقل أو أكثر ولو كان عشرا ، ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض (٦).

وهو حسن ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني ـ بعد ذكر ذلك وأنه يشترط في الخليط أن يكون محللا ـ وعلى ذلك كلّه إجماع الأصحاب نقله في‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٠٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٣.

(٢) انظر المنتهى ١ : ٢٢٩ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٥ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ١١٠.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١١ ، الوسائل ٤ : ٣٧٣ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١٤ ، الوسائل ٤ : ٣٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٥.

(٦) كما في المعتبر ٢ : ٩٠ ، وجامع المقاصد ٢ : ٨٣ ، والحدائق ٧ : ٩٣.

٣٢٢

المعتبر والمنتهى (١).

واعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة ـ من نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال ـ مخالف لإجماع علماء الإسلام ، لإطباقهم على الجواز في غير الصلاة ، كما في المعتبر والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى وروض الجنان (٢) وغيرها (٣) ، ويعضده الأصل ، واختصاص الأدلّة المانعة ـ نصّا وفتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بالرجال خاصّة ، فالرواية شاذّة من هذه الجهة ، مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية ، ومعارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ

الحرير مطلقا ، كما في جملة منها (٤) ، أو في غير الإحرام كما في بعضها (٥) ، أو غير الصلاة أيضا كما في آخر منها (٦).

ومن هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى والصبيان. قطعا في الأخير ، وفاقا لجماعة (٧) ، للأصل ، وعدم صدق الرجال عليهم ، مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم ، وتوجّهه إلى أوليائهم لا دليل عليه ، فيندفع بالأصل.

وعلى الظاهر في الأول ، لما مرّ. ويحتمل المنع فيهم احتياطا ، لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكورا فيتوجّه إليهم النهي أيضا.

(وهل يجوز للنساء) الصلاة فيه (من غير ضرورة؟ فيه قولان ، أظهرهما

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ٨٣ ، المعتبر ٢ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٩ ، المنتهى ١ : ٢٢٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٤ ، الذكرى : ١٤٥ ، روض الجنان : ٢٠٨.

(٣) راجع الدروس ١ : ١٥٠ ، التحرير ١ : ٣٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٣ ، ٤.

(٦) الخصال : ٥٨٥ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٦.

(٧) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٩١ ، العلامة في المنتهى ١ : ٢٢٩ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٨٧.

٣٢٣

الجواز) وهو أشهرهما ، بل لا خلاف فيه ظاهرا إلّا من الصدوق في الفقيه حيث قال بالمنع (١) ، والفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما (٢).

وهما شاذّان ، بل على خلافهما إطباق باقي الأصحاب ، كما صرح به في المختلف (٣) ويفهم أيضا من الشهيدين في الذكرى وروض الجنان (٤) وغيرهما (٥).

ولعلّه كذلك ، سيّما بملاحظة حال المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم منعهم النساء عن الصلاة فيه كما لا يمنعونهنّ عن لبسه في غيرها ، وهو إجماع قطعيّ لا يكاد ينكر ، ومع ذلك معاضد بالأصل السليم عن المعارض ، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة وحلّها فيه بقول مطلق ، كالصحيحين في أحدهما : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض » (٦) ونحوه الثاني لكن بزيادة السؤال فيه عن الصلاة في تكة حرير (٧).

والموثق : عن الثوب يكون علمه ديباجا ، قال : « لا يصلّى فيه » (٨).

ونحوه الرواية السابقة (٩) المسوّية بين الرجل والمرأة في كراهة الحرير‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٢٩.

(٣) المختلف : ٨٠.

(٤) الذكرى : ١٤٥ ، روض الجنان : ٢٠٨.

(٥) راجع كشف اللثام ١ : ١٨٥ ، والتنقيح الرائع ١ : ١٨٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ١٠ ، الوسائل ٤ : ٣٧٦ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٧٧ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٣٦٩ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٨.

(٩) في ص : ٣١٧.

٣٢٤

لهما ، بناء على عدم إمكان حملها على مطلق اللبس لمخالفة النص والإجماع ، كما مر ، فينبغي التقييد بحال الصلاة.

وخصوص المروي في الخصال : « يجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام ، وحرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد » (١).

وشي‌ء من ذلك لا يصلح دليلا لإثبات المنع ، لمعارضة الإطلاق ـ بعد تسليمه ـ بإطلاق النصوص المتقدمة (٢) المرخّصة لهنّ في لبسه الشاملة لحال الصلاة وغيرها ، بل عموم بعضها لهما ، كالمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه : « النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام » (٣) وقضيّة الاستثناء جواز لبسهن في الصلاة.

وقريب منه الموثق : « لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس » (٤).

وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل العلماء كافّة كما مضى (٥).

والتعارض بين الإطلاقين وإن كان من قبيل تعارض العمومين من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر ، إلّا أن تقييد الإطلاق الأوّل بهذا ـ بأن يراد منه المنع وعدم الحلّ لخصوص الرجال ، كما ربما يشعر به سياق الصحيحة الأولى ـ أولى من العكس ، بأن يقيّد الإطلاق الأخير بحلّ اللبس في غير الصلاة ، وذلك لرجحان هذا الإطلاق بالأصل والشهرة العظيمة المحققة والمحكية في كلام جماعة حد الاستفاضة ، بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعاً.

__________________

(١) الخصال : ٥٨٥ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٦.

(٢) في ص ٣١٨.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٤ / ٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٤٥٥ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٤.

(٥) راجع ص : ٣١٨.

٣٢٥

والرواية السابقة ـ مع ضعف دلالتها ومخالفة إطلاقها إجماع العلماء ـ قد عرفت أنها ضعيفة سندا (١) ، وكذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدّة من المجاهيل ، فلا حجّة فيهما من أصلهما وإن اتضح دلالتهما ، فكيف تقاومان أدلّة المشهور وتخصّصانها؟! بل ينبغي طرحهما ، أو حملهما على الأفضليّة كما عن المبسوط والجامع وفي السرائر (٢) ، أو الكراهة كما عن الوسيلة والنزهة (٣).

ولا بأس بهما ، خروجا عن الشبهة ، ومسامحة في أدلّة السنن والكراهة.

(وفي) جواز الصلاة في نحو (التكة والقلنسوة) مما لا تتم فيه (من الحرير) للرجال (تردّد) واختلاف بين الأصحاب :

فبين مانع عنه ، كالمفيد والديلمي والصدوق والإسكافي وابن حمزة (٤) ، وغيرهم من القدماء (٥) ، والفاضل في المختلف والقواعد والمنتهى والشهيد في اللمعة (٦) ، وكثير من متأخّري المتأخّرين (٧).

ومجوّز ، كالنهاية والمبسوط والسرائر ، والحلبي ، والفاضلين في المعتبر والإرشاد والتلخيص والتذكرة ، والشهيدين في صريح الدروس وروض الجنان‌

__________________

(١) راجع ص : ٣١٧.

(٢) المبسوط ١ : ٨٣ ، الجامع للشرائع : ٦٥ ، السرائر ١ : ٢٦٣.

(٣) الوسيلة : ٨٧ ، نزهة الناظر : ٢٤.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٥٠ ، الديلمي في المراسم : ٦٤ ، الصدوق في الفقيه ١ : ١٧٢ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٨٨.

(٥) كالسيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٢٨ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥.

(٦) المختلف : ٨٠ ، القواعد ١ : ٢٨ ، المنتهى ١ : ٢٢٩ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٢٠٦.

(٧) كصاحبي المدارك ٣ : ١٧٩ ، والذخيرة : ٢٢٧ ، والكفاية : ١٦ ، وخالي المجلسي ( في البحار ٨٠ : ٢٤١ ) ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح ١ : ١١٠ ، وغيرهم ، ولعلّه الأقرب. منه رحمه الله.

٣٢٦

وظاهر الروضة والذكرى (١) أو محتملهما ، ونسبه في الذخيرة وغيرها إلى المشهور (٢) ، وفي المفاتيح وغيره إلى المتأخّرين (٣) ، وهو كما ترى.

ومتردّد فيه ، كالفاضل في التحرير (٤) والصيمري ، وغيرهما (٥) ، والماتن في الشرائع (٦) وهنا ، لكن قال (أظهره الجواز مع الكراهة) استنادا فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وفي الجواز إلى الأصل ، وخصوص الخبر : « كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل » (٧).

مع سلامتهما عن المعارض ، عدا إطلاقات الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقا أو عمومها ، وهي تقبل التقييد بالرواية الصريحة.

ويضعف الأصل : بمعارضته بالاحتياط اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

والرواية : بضعف سندها ، فإن فيه أحمد بن هلال ، وهو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّا وإن روى عن ابن أبي عمير كما هنا ، فإن ذلك لا يفيد توثيقا وإن أفاد اعتبارا ما عند بعض علماء الرجال (٨) أو جملة منهم ، فإن الاعتماد على مثل‌

__________________

(١) النهاية : ٩٨ ، المبسوط ١ : ٨٤ ، السرائر ١ : ٢٦٣ ، الحلبي في الكافي : ١٤٠ ، المعتبر ٢ : ٨٩ ، الإرشاد ١ : ٢٤٦ ، التذكرة ١ : ٩٥ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، الروضة البهية ١ : ٢٠٦ ، الذكرى : ١٤٥.

(٢) راجع الذخيرة : ٢٢٧ ، والحدائق ٧ : ٩٧ ، وبحار الأنوار ٨٠ : ٢٤١.

(٣) المفاتيح ١ : ١١٠.

(٤) التحرير ١ : ٣٠.

(٥) راجع نهاية الإحكام ١ : ٣٧٦ ، والمقتصر : ٧١ ، ومنتقى الجمان ١ : ٤٧٨.

(٦) الشرائع ١ : ٦٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٥٧ / ١٤٧٨ ، الوسائل ٤ : ٣٧٦ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٢.

(٨) قال العلامة الحلّي في رجاله ( ص ٢٠٢ ) : توقّف ابن الغضائري في حديثه ـ أي أحمد بن هلال ـ إلّا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، ومحمد بن أبي عمير

٣٢٧

ذلك هنا مع إطراح جملة من القدماء والمتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك والخروج بها عن الإطلاقات والعمومات القطعية ، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة ، من حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في المعمول منه من نحو التكة والقلنسوة (١) ، وذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا ، كما ذكره جماعة (٢) ، وهي أكثر وأصحّ ، فلتكن بالتقديم أرجح.

ولا يقدح كونها مكاتبة ، لكونها ـ على الأصح ـ حجّة ، سيّما مع اتفاق الأصحاب على العمل عليها ولو في غير المسألة ، ومخالفتها العامة ، لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية وليس إلّا من حيث بطلانها به ، وهو من خصائص الإماميّة كما عرفته ، فكيف يمكن تصور حملها على التقية كما قيل؟! بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة ، كما ذكره في الوسائل فقال : وذهب جماعة إلى المنع وحملوا الجواز على التقية ، وهو الأحوط (٣).

ولا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من حمل الصحاح عليها ، لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية ، فإنها تنطبق على مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها : من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه ، المخالف للعامة ، إلّا أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف ، فلعلّ العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.

هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض المعتبرة كالرضوي : « لا تصلّ في ديباج ولا في حرير » إلى أن قال : « ولا في ثوب إبريسم محض ولا في تكة‌

__________________

من نوادره ، وقد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما.

(١) راجع ص : ٣١٩.

(٢) انظر المدارك ٣ : ١٧٩ ، والذخيرة : ٢٢٨.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٧٧.

٣٢٨

إبريسم ، وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه » (١).

ويستفاد منه ـ زيادة على ذلك ـ إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة ، ونحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير (٢).

والإطلاق وإن كان أعم من الحقيقة ، إلّا أن أمارتها فيه هنا موجودة ، لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا شبهة.

وحيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه مما لا تتم فيه الصلاة ، ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا وفي الصلاة له جدّا ، فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا ، فإذا المنع أقوى.

(وهل يجوز الركوب عليه والافتراش به؟) فيه تردد (المروي : نعم) ففي الصحيح : عن الفراش الحرير ومثله من الديباج ، والمصلّى الحرير ومثله من الديباج ، يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال : « يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » (٣).

وفي الخبر : « لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه » (٤).

وهو المعروف بين الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (٥) ، مؤذنين‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ٢٠٦ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١ ، وص ٢٠٧ ب ١٣ ح ١.

(٢) راجع ص : ٣١٩.

(٣) الكافي ٦ : ٤٧٧ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣ ، قرب الاسناد : ١٨٥ / ٦٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٨ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨٠٩ ، الوسائل ٤ : ٣٧٨ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ٢.

(٥) المدارك ٣ : ١٧٩ ، الذخيرة : ٢٢٨.

٣٢٩

بدعوى الإجماع عليه. ولعله كذلك ، وإن أشعرت العبارة بالتردّد ، كما هو ظاهر الصيمري وصريح المعتبر (١) ، لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.

نعم ، حكي المنع عن المبسوط والوسيلة (٢) ، ونسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين (٣).

ولكنه شاذّ غير معروف المستند ، عدا عموم بعض النصوص بالمنع ، كخبر : « هذان محرّمان على ذكور أمّتي » (٤).

وهو ـ على تقدير تسليم سنده وعمومه لما نحن فيه ـ مخصّص بما مرّ ، لكونه خاصّا فليكن مقدّما.

والجمع بينهما بحمل الحرير والديباج فيه على الممتزج ، وإن أمكن ، لكنّه مجاز وما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم ، كما هو الأشهر الأقوى ، وبيّن وجهه في الأصول مستقصى ، مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل جدّاً.

ولكن الأحوط ترك الصلاة عليه ، للرضوي : « ولا تصلّ على شي‌ء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه » (٥) وأشار بالأشياء إلى نحو الحرير والذهب وغيرهما.

وذكر جماعة (٦) أن في حكم الافتراش التوسّد عليه والالتحاف به.

وهو حسن ، لا للإلحاق بالنص ، لكونه قياسا ، بل للأصل ، وعدم دليل‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٩.

(٢) المبسوط ١ : ٨٢ ، الوسيلة : ٨٨ ، وحكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٣) المختلف : ٨٠.

(٤) عوالي اللئالي ٢ : ٣٠ / ٧٤ ، المستدرك ٣ : ٢٠٩ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ١ ، سنن أبي داود ٤ : ٥٠ / ٤٠٥٧ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١١٩٠ / ٣٥٩٧ وفيهما بتفاوت يسير.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٨ ، المستدرك ٣ : ٢١٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٢ وفيهما : « إلّا ما لا يصلح .. ».

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣ ، صاحب المدارك ٣ : ١٨٠.

٣٣٠

يعتد به إلّا على تحريم اللبس لا مطلق الاستعمال ، وهو غير صادق في محل البحث.

وزاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك جواز التدثّر به (١). ومنعه سبطه (٢) ، زعما منه صدق اللبس عليه.

وفيه نظر. ولو سلّم ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك ، فيندفع بالأصل. فتأمّل.

(ولا بأس بثوب مكفوف به) أي بالحرير ، أن يلبس ويصلّى فيه ، على الأشهر بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من نادر سيذكر ، ونسب في الذكرى إلى الأصحاب (٣) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وفي المدارك : أنه مقطوع به بين المتأخّرين (٤) ، مشعرا بدعواه ، كجملة ممن لم ينقلوا الخلاف فيه مع كون ديدنهم نقله حيث كان.

واستدل عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى والمحقق الثاني والشهيد في الذكرى (٥) بالنبوي العامي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (٦).

والخبر : كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ، ويكره لباس الحرير (٧) الحديث.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٣.

(٢) المدارك ٣ : ١٨٠.

(٣) الذكرى : ١٤٥.

(٤) المدارك ٣ : ١٨٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٢٩ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٦ ، الذكرى : ١٤٥.

(٦) درر اللئالي ١ : ١١٧ ، المستدرك ٣ : ٢٠٩ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٣ / ١٥ ، سنن أبي داود ٤ : ٤٧ / ٤٠٤٢ ، سنن النسائي ٨ : ٢٠٢.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٣ / ٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ / ١٥١٠ ، الوسائل ٤ : ٣٧٠ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٩.

٣٣١

وفي الاستدلال بهما ـ لو لا الشهرة بل الإجماع ـ نظر ، لضعف سندهما ، وضعف دلالة الأخير جدّا ، إذ الكراهة أعم منها بالمعنى المصطلح ومن الحرمة ، مع ظهور السياق فيه وفي كثير من النصوص المعبّرة عن حرمة الحرير بلفظ الكراهة ، في إرادة الأخير خاصّة ، فالخروج بهما عما دلّ على حرمة لبس الحرير والصلاة فيه مشكل ، لو لا الشهرة الجابرة لضعف السند والدلالة.

وربما أيّد الجواز بالأصل ، والخبر : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا » (١).

وفيهما نظر ، لمعارضة الأوّل بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية.

وضعف الثاني سندا. بل ودلالة كالخبرين السابقين ، لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه ، وإن أمكن الذبّ عن هذا بكفاية الشمول إطلاقا مع عدم القائل بالفرق أصلا.

لكن في الموثق : عن الثوب يكون علمه ديباجا ، قال : « لا تصلّ فيه » (٢).

وهو بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه خاص وتلك الأخبار باللبس مطلقة تصلح أن تكون به مقيّدة ، ولعله لذا منع عنه القاضي (٣) والمرتضى في بعض مسائله فيما حكي عنه (٤). وهو أحوط ، وإن كان في تعينه نظر ، لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.

وأما ما عليه الصدوق : من المنع عن الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (٥) ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٥ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٣٦٩ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٨.

(٣) المهذّب ١ : ٧٥.

(٤) حكى عنه صاحب المدارك ٣ : ١٨١.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٢.

٣٣٢

فلم يقم عليه دليل صالح إلّا عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في الحرير.

وهو غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط الإبريسم ، إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس ، أو لعدم صدق الحرير عليه لغة ولا عرفا ، لاختصاصه فيهما بالمنسوج منه لا مطلقا.

ولو سلّم الصدق عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند الإطلاق جدّا ، وعليه فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل. مع كون قوله شاذّا لم أعرف به قائلا حتى القاضي والمرتضى ، لمنعهما عن الكفّ به خاصة.

والمراد به أن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق (١).

وقدّر عند جماعة (٢) بما مر في النبوي من الأربع الأصابع ، وتوقف فيه نادر (٣).

ولا وجه له إلّا ضعف السند ، وقد انجبر بالعمل كما مر. مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من الرخصة فتوى ورواية ، وليس إلّا قدر الأصابع الأربع مطلقاً بل مضمومة. ولا ينافيه إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ، لورودها مورد الغلبة ، وليس إلّا الأربع الأصابع مضمومة أو غايتها منفرجة ، فالزيادة تعدية تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

والحق بالكف اللبنة أي الجيب ، للنبوي الآخر : كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله جبة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج (٤).

(ولا تجوز) الصلاة ولا تصح (في ثوب مغصوب مع العلم) بالغصبية ،

__________________

(١) زيق القميص ـ بالكسر ـ : ما أحاط بالعنق منه. القاموس ٣ : ٢٥١.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٠٦ ، والمسالك ١ : ٢٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ١٨٠.

(٣) الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٠٨.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤١ / ١٠.

٣٣٣

بلا خلاف أجده فيما لو كان ساترا إلّا من نادر لا يعبأ به (١) ، مع دعوى الإجماع على خلافه في كلام كثير ، كالسيدين في الناصريات والغنية ، والفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التحرير ونهاية الإحكام والتذكرة ، والمحقق الثاني في شرح القواعد والشهيدين في الذكرى وروض الجنان (٢).

وهو الحجة ، مضافا إلى الأصول الآتية.

ومقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ـ ومنهم كثير من نقلة الإجماع ـ عدم الفرق بين كونه ساترا أو غيره ، وبه صرّح جماعة (٣) ومنهم الشهيد رحمه‌الله في جملة من كتبه (٤) ، بل زاد فقال : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا ، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب.

وهو حسن ، لما ذكره جماعة (٥) : من أن الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها ، لأنها تصرّف في المغصوب ، والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود والركوع والسجود ، وكل منها جزء للصلاة فتفسد ؛ لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّا للصلاة ، والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده (٦) بالتقريب الآتي‌

__________________

(١) نقله في الكافي ٦ : ٩٤ عن الفضل بن شاذان.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المنتهى ١ : ٢٢٩ ، التحرير ١ : ٣٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨ ، التذكرة ١ : ٩٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٨٧ ، الذكرى : ١٤٦ ، روض الجنان : ٢٠٤.

(٣) منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٣٧٨ ، والتحرير ١ : ٣٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٧٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٤) انظر البيان : ١٢١ ، والدروس ١ : ١٥١.

(٥) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٩٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٩٦ ، والمنتهى ١ : ٢٢٩.

(٦) في « م » زيادة : الخاص.

٣٣٤

فيفسد (١).

وأما ما يقال (٢) في الجواب عن الأوّل : بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه ، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة ، فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا ولا شرطا ، فلا يتطرق إليه الفساد ، بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا ، لفوات بعض الشروط أو بعض الأجزاء.

وعن الثاني : بمنع اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وإنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.

فضعيف ، أما الأوّل فلما ذكره بعض الأفاضل : من أنّ الإنسان إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة ، لكونها محرّكة للشي‌ء المغصوب ، فيكون تصرّفا في مال الغير محرّما ، فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء الصلاة ، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلّا مع اختلاف المتعلقين لا مطلقا ، وبالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن الشي‌ء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب والحرمة معا مطلقا ، وإنما يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة .. إلى آخر ما ذكره (٣).

ولنعم ما أفاده وإجادة ، شكر الله سعيه.

هذا ، مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم صحة الصلاة فيه ولو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي ، ولا يقول به ، لما عرفت من تصريحه بالفساد لو كان‌

__________________

(١) انظر ص ٣٣٢.

(٢) روض الجنان : ٢٠٤.

(٣) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٢٤.

٣٣٥

ساترا ، لفوات الشرط. هذا.

ودعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة ، بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة ، فإنّ تعلق النهي به يستلزم فساده ويترتب عليه فساد مشروطه. وأما إذا لم يكن عبادة فلا وجه لذلك فيه ، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط ، وإنما يقتضي حرمته ، ولا تلازم بينها وبين حرمة المشروط ، كما لو أوقع إزالة الخبث المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي ، فإن ذلك لا يؤثّر في بطلان مشروطها ، والستر من قبيلها ليست بعبادة جدّا ، وإلّا لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد القربة بناء على اشتراطه في مطلق العبادة ، وأنها به تفترق عما ليس بعبادة.

ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة ، حيث قال ـ بعد نقل كلام الماتن في المعتبر : اعلم أني لم أقف على نصّ من أهل البيت بإبطال الصلاة وإنما هو شي‌ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة وأتباعهم. والأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة ، لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما لو لم يكن كذلك لم تبطل كلبس خاتم من ذهب (١) ـ ما صورته :

يعني جزأها وما جرى مجرى الجزء من الشرط المقارن ، يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة ، فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيّا عنه ، فإن الاستتار به عين لبسه والتصرف فيه ، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة ، فقد صلّى صلاة خالية عن شرطه الذي هو الاستتار المأمور به ، وليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب ، فإنه وإن نهي عنه لكن يحصّل‌

__________________

(١) في المعتبر ٢ : ٩٢ : وكان كلبس خاتم مغصوب.

٣٣٦

الطهارة ، وشرط الصلاة إنما هو الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه .. إلى آخر ما ذكره (١).

ومحصل كلامه ـ كما ترى ـ في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقة ، إذ به تتمّ الخصوصية للستر ، وقد عرفت ما فيه.

وليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة؟ ولم أر له أثرا عدا تعلّق الأمر بالستر ، وأن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة على قصد القربة ، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.

فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم اعتبار قصد القربة فيه.

قلنا له : كذلك الأمر في محل النزاع ، وإلّا لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلّا بقصد القربة ، وهو خلاف الإجماع ، بل البديهة.

ومن هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه الإشارة : من كون الحركات الأجزائية منهيّا عنها باعتبار كونها تصرّفا فيه ، وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر وغيره. فالقول بالفرق ـ كما عليه الماتن في المعتبر وشيخنا في روض الجنان وسبطه في المدارك وقواه في الذكرى (٢) ـ ضعيف ، سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم إليهما الإشارة (٣) ، لضعف ما يرد عليهما :

أما الأوّل : فلما مر.

وأما الثاني : فلأن الأمر بالشي‌ء وإن كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا ولا معنى ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ إلّا أنه يستلزم عدم اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقا والآخر موسّعا كما فيما نحن فيه ، فإن الأمر‌

__________________

(١) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٢ ، روض الجنان : ٢٠٤ ، المدارك ٣ : ١٨٢ ، الذكرى : ١٤٦.

(٣) في ص : ٣٢٩.

٣٣٧

بالإبانة فوريّ إجماعا والفرض سعة وقت الصلاة ، وإلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات ، وحيث استلزم عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر ، وهو عين معنى الفساد ، إذ الصحة في العبادة عبارة عن موافقة الأمر ، وحيث لا أمر فلا موافقة ، فجاء الفساد من هذه الجهة لا استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده (١) وإن أوهمه ما سبق في الدليل من العبارة ، لكن المراد ما عرفت ، وإنما وقع التعبير بذلك مسامحة.

وبهذا الوجه يصح المنع عن الصلاة وبطلانها في خاتم الذهب والثوب المموّه به ( إذا استلزم نزعهما ما ينافي الصلاة ، لتحريم لبسه ووجوب نزعه إجماعا ، فتوى ونصا ، وبه صرّح الفاضل في المنتهى والتحرير والتذكرة ، والشهيد في الدروس والبيان والذكرى وعن الصدوق والإسكافي (٢) ، ونسب إلى الأكثر (٣).

ولعله كذلك ، بل لا خلاف فيه مطلقا يظهر إلّا من الماتن في المعتبر ، في خصوص الخاتم كما مر (٤) ، وتوقف فيه خاصّة في الذكرى بعد أن حكم ببطلان الصلاة في الثوب المموّه منه (٥) ) (٦). ويظهر من المنتهى التردد فيه وفي المنطقة أيضا ، لكن اختار المنع في الأوّل قال : لأن النهي في العبادة يدل على الفساد(٧).

__________________

(١) في « م » زيادة : الخاص.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣٠ ، التحرير ١ : ٣٠ ، التذكرة ١ : ٩٥ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، البيان : ١٢١ ، الذكرى : ١٤٦ ، الصدوق في العلل : ٣٤٨ باب ٥٧ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٨٠.

(٣) الحدائق ٧ : ١٠١.

(٤) في ص ٣٣١ ، وانظر المعتبر ٢ : ٩٢.

(٥) الذكرى : ١٤٦.

(٦) ما بين القوسين ليست في « ح ».

(٧) المنتهى ١ : ٢٣٠.

٣٣٨

وفيه نظر ، لمنع توجه النهي هنا إلى العبادة ، بل إلى اللبس خاصة ، وهو ليس جزءا من العبادة ، فالأولى الاستدلال عليه بما قدمنا إليه الإشارة ، لكنه في الجملة ، ويتم بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة : ففي الموثق المروي في الكافي والتهذيب والعلل : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه ، لأنه من لباس أهل الجنة » (١).

وفي الرضوي : « ولا تصلي في جلد الميتة ولا في خاتم الذهب » (٢) الخبر.

وفي المروي عن الخصال : « يجوز للمرأة لبس الديباج » إلى أن قال : « ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه ، وحرّم ذلك على الرجال » (٣).

وفي آخر : « جعله الله تعالى حلية أهل الجنة ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (٤).

وقصور الأسانيد منجبر بالفتاوى ، وبالقاعدة. ولكن مقتضاها بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة ، كالخاتم والثوب المموّه به وكذا المنطقة ، لصدق اللبس عليها عادة ، دون ما يستصحبه المصلّي من نحو الدنانير مما لا يصدق اللبس عليه عادة ، إذ لا نهي فيه عموما ولا خصوصا ، بل ظاهر جملة من النصوص جواز شدّ السنّ الثنيّة بالذهب مطلقا من دون تقييد له بغير حال الصلاة (٥) ، مع أن الظاهر من حال الشد دوامه ولو حال الصلاة.

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكافي وهو موجود في التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، علل الشرائع : ٣٤٨ / ١ ، الوسائل ٤ : ٤١٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ٢١٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الخصال : ٥٨٥ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٣٨٠ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٥.

(٥) الوسائل ٤ : ٤١٦ أبواب لباس المصلي ب ٣١.

٣٣٩

فالظاهر عدم البأس به ، وإن كان الأحوط تركه ما لم يخف ضياعه ، أو تدعوه ضرورة أخرى إلى استصحابه فلا بأس به ، بل ينبغي القطع بجوازه حينئذ ولو كان مثل خاتم أو ثوب مموّه ، فإن الضرورات تبيح المحظورات.

واحترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل بها ، لصحة الصلاة هنا قطعا ، إذ لا نهي معه إجماعا ، والفساد إنما ينشأ من جهته لا من حيث كون الثوب مغصوبا ، إذ لا دليل عليه جدّاً.

ومنه يظهر وجه الصحة لو صلّى فيه ناسيا للغصبية ، وبه صرّح جماعة (١) ، مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الأمّة (٢) ، وفيه مناقشة.

خلافا للفاضل في القواعد والمختلف (٣) ، فيعيد مطلقا كما في الأوّل ، أو في الوقت خاصة كما في الثاني. وربما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة فالإعادة ، والناسي له عند اللبس خاصة فالعدم (٤).

ولم أجد لشي‌ء من هذه الأقوال دلالة عدا وجوه اعتبارية هي ـ مع معارضتها بعضا مع بعض ـ لا تصلح حجّة في مقابلة الأصل المعتضد بما قدّمناه من الحجّة.

وفي إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد وجهان ، بل قولان ، أحدهما : نعم ، وفاقا للتحرير والمنتهى (٥) ، قال : لأن التكليف لا يتوقف على العلم به ، وإلّا لزم الدور ، وعليه الشهيد في الدروس والذكرى والمحقق الثاني في شرح‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٣٠ ، والشهيد الأول في البيان : ١٢١ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٨٧.

(٢) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، الخصال ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

(٣) القواعد ١ : ٢٧ ، المختلف : ٨٢.

(٤) كشف اللثام ١ : ١٨٦.

(٥) التحرير ١ : ٣٠ ، المنتهى ١ : ٢٢٩.

٣٤٠