رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

عليه ، كما في السرائر (١) ، وعن النهاية والمهذب (٢) ، وعزا في المدارك وغيره إلى الشيخ وأتباعه واختاره أيضا (٣) ، كالفاضلين والشهيدين وغيرهم من المتأخّرين (٤) ، من غير خلاف بينهم أجده.

للموثق : « للرجل أن يصلي من نوافل الزوال [ ما بين زوال الشمس ] إلى أن يمضي قدمان ، فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى ولم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّ النوافل ، وإن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى يفرغ منها ثمَّ يصلّي العصر » (٥) الخبر.

وهو نص في نافلة العصر. وفيه نوع إجمال في نافلة الظهر ، لكن يدفع بعدم القائل بالفرق ، وبظهور قوله عليه‌السلام : « فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى » فيه.

ولعل معنى قوله عليه‌السلام : « فإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان » أنه إن بقي من وقت الزوال أي ما قبل فرض الظهر من النوافل قدر ركعة ، أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين. وعلى التقديرين قوله : « أو قبل أن يمضي قدمان » تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح ، أو الترديد من‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٠٢.

(٢) النهاية : ٦٠ ، المهذّب ١ : ٧١.

(٣) المدارك ٣ : ٧١ ، وانظر الذخيرة : ١٩٨.

(٤) المحقق في الشرائع ١ : ٤٨ ، العلامة في التبصرة : ٢٠ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ١٤٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠ ، وانظر مجمع الفائدة ٢ : ١٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٣ / ١٠٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١. وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٢١

الراوي.

ومن الجائز أن يكون فيه سهو من الأقلام وتكون العبارة « قد صلى » مكان « قد بقي » ويكون « أو » سهوا ، كذا ذكره بعض الأفاضل (١). وفيه اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه ، وبه صرح في الذخيرة (٢).

ومن هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر في الحكمين (٣).

ولعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية التي دلت عليه ولم يذكر الشرطية الأخرى وهي قوله : « فإن كان قد بقي » إلى آخره. والإجمال إنما نشأ منها.

وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة ، إلّا أن في السرائر وعن المعتبر وجماعة اشتراطه (٤). والنص كما ترى مطلق ، لكن في ذيله اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر وبعد الأربعة أقدام قدم في العصر ، فإن صحّ مستندا لهم ، وإلّا فلا أعرف مستندهم عدا ما قيل (٥) من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب (٦).

وهو حسن إن كان اشتراط التخفيف لمجرد الفضل. وإن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على السنن ، إذ غايتها إثبات‌

__________________

(١) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٨.

(٢) الذخيرة : ١٩٨ ، فقال : والحكم الذي ذكروه في العصر مصرح في الخبر ، وأما الظهر فلا ، لأن مفهومي الشرطين المذكورين في حكمهما متعارضان إلّا أن يثبت عدم القائل بالفصل. منه رحمه الله.

(٣) المدارك ٣ : ٧١.

(٤) السرائر ١ : ٢٠٢ ، المعتبر ٢ : ٥٩ ، وانظر النهاية : ٦٠ ، والشرائع ١ : ٤٨ ، والمسالك ١ : ٢٠.

(٥) كما في المدارك ٣ : ٧١.

(٦) ربما يتطرق إليه النظر بأنه كما يوجب المسارعة إلى فضيلة فعل الواجب في وقته ، لكنه يوجب فوات فضيلة التطويل المندوب إليه في الصلاة مطلقا ولو نافلة. إلّا أن يقال : إنّ فضيلة الفريضة أولى من فضيلة النافلة. منه رحمه الله.

٢٢٢

الفضل بناء على جواز تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا ، كما هو الأشهر الأقوى. نعم ، لو قلنا بالمنع عنه ـ كما هو مذهب الشيخين وغيرهما (١) ـ اتجه ذلك.

كما لو قلنا بحرمة النافلة في وقت الفريضة وعدم حجية الموثقة ، فإنه حينئذ يجب الاقتصار ـ في المزاحمة المزبورة المخالفة للأصل على هذا التقدير ـ على القدر المجمع عليه.

وإطلاق الموثق لا عبرة به ، لعدم حجيته ، مع عدم معارضته لإطلاق خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد خروج وقتهما ، وفيها الصحيح وغيره (٢) ، خرج منها القدر المتفق عليه ، وهو المزاحمة مع التخفيف ، وبقي الباقي.

ومن هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناء على الأصل المتقدم ولو قلنا بحجية الموثق ، إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عددا وسندا واعتضادا بالأصول ، فتأمّل جدّا (٣).

وكيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط وأولى.

والمراد به ـ كما ذكروه ـ الاقتصار على أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها ، وتسبيحة واحدة في محلها. بل عن بعض المتأخرين أنه لو تأدّى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام ، قال : لإطلاق الأمر بالتخفيف (٤).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الطوسي في النهاية : ٥٨ ، وانظر الوسيلة : ٨١ ، والمهذّب ١ : ٧١ ، والكافي في الفقه : ١٣٨.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ١٤١ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١ إلى ٤ ، وح ٣٥ ، وص ٢٢٦ ب ٣٥ من تلك الأبواب.

(٣) وجهه : أنّ المعارض هنا من قبيل المطلقات والموثقة من قبيل المقيّد ، ولا يشترط في مثلهما التكافؤ العددي والسندي ونحوهما. منه رحمه الله.

(٤) نقله في المدارك ٣ : ٧١ ـ أيضا ـ عن بعض المتأخرين.

٢٢٣

وهل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا يوم الجمعة ، أو صلاتها ، أو يعمّهما أيضا؟ أوجه ، إطلاق النص والفتوى يقتضي الأخير. واختصاصه بما عدا صلاة الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها ، سيّما مع كثرة الأخبار بضيقها (١) ، وهذا أحوط وأولى.

وهل هي أداء؟ قيل : الأقرب ذلك (٢) ، تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة منها.

ولا يبعد هذا إن اشترطنا قصد الأداء ، وإلّا ـ كما هو الأقوى ـ فيكفي قصد القربة مطلقا.

ولو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة فتبين السعة : قيل : يصلّيها بعدها أداء لبقاء وقتها (٣).

وفيه نظر. ويأتي على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضا ، إن لم يحصل الإشكال في أصل فعلها ، كما إذا كانت نافلة العصر وصليت في وقتها بعد فريضتها. ويشكل فيما لو كانت نافلة الظهر ، إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت فريضة لم يعلم استثناؤه ، لاختصاص المستثنى لها من النص والفتوى بحكم التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها لا مطلقا ، وهذا هو وجه النظر الذي قدّمناه ، فتأمّل جدّاً.

(و) اعلم أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين (أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة) المغربية التي هي آخر وقتها كما مضى (٤) (ولم يكملها‌

__________________

(١) انظر : الوسائل ٧ : ٣١٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٨.

(٢) قال به الشهيد في الدروس ١ : ١٤١.

(٣) كما قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٤١ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨١.

(٤) في ص : ١٨٤.

٢٢٤

بدأ بالعشاء) إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت الفريضة ، كما هو الأشهر الأقوى ، بل نفي الحلي عنه الخلاف في نوافل الظهرين (١) ، ولا قائل بالفرق جدّا ، للأصل من غير معارض ، لاختصاصه بنوافلهما ، والتعدّي قياس لا يجوز عندنا.

فقول الحلي هنا بإتمام الأربع بالشروع في ركعة منها (٢) ـ كما في الظهرين ـ لا وجه له ظاهرا إلّا أن يكون إجماعاً. وهو ضعيف جدّا ، لاشتهار خلافه بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في الذخيرة (٣) ، وإن اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا وفي القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى (٤) ، أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها ، وإلّا فيكمّلهما خاصّة ، أوليين كانتا أم أخيرتين ، كما ذكره الشهيدان وغيرهما (٥) ، قالوا : للنهي عن إبطال العمل.

وهو حسن إن قلنا بتحريمه مطقا. وإن خصّصناه بالفريضة وقلنا بكراهته في النافلة كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (٦) ، أو مطلقا كما عليه بعض هؤلاء الجماعة ، أشكل الاستثناء ، لعموم أدلّة تحريم النافلة في وقت الفريضة ، والإبطال لا يستلزم غير الكراهة ، وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منتفية ، لاختصاصها بما إذا لم تعارضها حرمة ، وقد عارضتها في المسألة ، لعموم الأدلّة على الحرمة.

إلّا أن يمنع ويدّعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة ، لا عدم وقوعها فيه مطلقا ولو بجزء منها. وهو غير بعيد ، فما قالوه‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٩٩.

(٢) السرائر ١ : ٢٠٢.

(٣) الذخيرة : ١٩٩.

(٤) القواعد ١ : ٢٥ ، الإرشاد ١ : ٢٤٣ ، التحرير ١ : ٢٨ ، المنتهى ١ : ٢١٤.

(٥) الشهيد الأول في الذكرى : ١٢٤ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨١ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٢١ ، والمدارك ٣ : ٧٥.

(٦) روض الجنان : ١٨٢.

٢٢٥

حسن ، سيّما على المختار من عموم تحريم الإبطال للنوافل أيضا.

وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء ، لقوة احتمال شمول أدلّة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا ، مع احتمال منعه أيضا‌ً

(الخامسة :)

(إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت) وقت (النافلة) الليلية (عدا ركعتي الفجر) فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على المشهور ، والشيخ ـ كما عرفت ـ لم يستثنهما بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت بطلوع الفجر الثاني (١).

بلا خلاف إلّا منه في كتاب الحديث ، فجوّز فعلها بعده مزاحما بها الفريضة (٢) ، وتبعه الماتن في المعتبر وصاحبا المدارك والذخيرة (٣) ، للنصوص المستفيضة الدالة عليه ، وفيها الصحيحان وما يقرب منهما سندا وغيرهما (٤) ، ولعله ظاهر الصدوق أيضا حيث قال : وقد رويت رخصة في أن يصلي الرجل صلاة الليل بعد طلوع الفجر المرّة بعد المرّة ، ولا يتخذ ذلك عادة (٥).

لكنه كما ترى اشترط في ذلك عدم الاعتياد ، كما هو ظاهر جملة منها ، وإلى هذا يميل في المنتهى (٦) ، وبه جمع بين هذه الأخبار والأخبار الآتية الناهية عن الإيتار في وقت الفريضة (٧) ، فقال : لا منافاة بينهما ، فإنّ ما دل على جواز إيقاع صلاة الليل والوتر بعد الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة ،

__________________

(١) راجع ص : ١٩٥.

(٢) انظر التهذيب ٢ : ١٢٦ ، ٣٤٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧ ، المدارك ٣ : ٨٤ ، الذخيرة : ٢٠١.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٦١ أبواب المواقيت ب ٤٨.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠٨ / ذيل حديث ١٤٠٤ ، الوسائل ٤ : ٢٦٢ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٧.

(٦) منتقى الجمان ١ : ٤٤٩.

(٧) في ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

٢٢٦

والنهي متوجه إلى من يتّخذه عادة.

وهو حسن مع حصول التكافؤ بينهما ، وليس ، لضعف سند أكثر الأخبار المرخّصة ، وعدم مقاومة صحيحها ـ كالباقية ـ للأخبار المقابلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، وبالاستفاضة التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلها متواترة ، في أنّ آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني (١) ، وإن اختلف في المنع عن فعلها بعده ظهورا وصراحة.

فمن الأوّل : كلّ ما دلّ منها على أنّه آخرها ، إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان آخر لها. مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت الفريضة ، وقد منعت عنه النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، ومنها خصوص الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر ، المانعة عن فعلهما بعد الفجر ، معلّلا بقوله : « أتريد أن تقايس » إلى آخره (٢) ، الصريح في كون النهي على جهة الحرمة كما عرفته.

ومن الثاني : الصحيح : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : « لا » (٣).

والمنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بطريق أولى. ومنع الأولوية ـ كما في الذخيرة (٤) ـ لا أعرف له وجها ، مع أنه لا قائل بالفرق جدّاً.

وأظهر منه الصحيح : عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي ، وهو يرى أنّ عليه ليلا ، ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب ، فقال : قد أصبحت ، هل يصلّي‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٥٧ أبواب المواقيت ب ٤٦.

(٢) راجع ص : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٦ / ٤٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢١ ، الوسائل ٤ : ٢٥٩ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦.

(٤) الذخيرة : ٢٠٠.

٢٢٧

الوتر أم لا ، أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال : « يعيد أن صلّاها مصبحا » (١).

والخبر : « إذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصلّ غيرها ، فإذا فرغت فاقض ما فاتك » (٢) الحديث.

وقريب منه الرواية الآتية من حيث دلالتها على المنع بالمفهوم إذا لم يصلّ أربع ركعات (٣) ، هذا.

مع أنّ النصوص السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت الفريضة مطلقا كما ذكره الشيخ ومن تبعه ، أو مع عدم الاعتياد كما ذكره الصدوق ومن بعده (٤) ، بل مطلقة أو ظاهرة ، يحتمل تقييدها بما إذا أدرك أربعا في الليل ، للاتفاق على الجواز حينئذ ، كما سيأتي إليه الإشارة ، أو حمل الفجر فيها على الأوّل.

وهما وإن بعد إلّا أنّهما أولى من الجمع الذي ذكروه جدّا ، فإنّ فيه إيثارا للأخبار المرجوحة ، وطرحا للأخبار المشهورة ، ولا كذلك الجمع الذي ذكرناه ، وهو مع ذلك أوفق للنصوص المستفيضة المانعة عن النافلة في وقت الفريضة (٥) ، وأنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة في نحو العبادات التوقيفية ، فلا معدل عما ذكره الأصحاب ولا مندوحة ، سيّما مع احتمال الأخبار المرخّصة للتقية.

(ولو تلبس من صلاة الليل بأربع) ركعات (زاحم بها) صلاة (الصبح‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٢ / ١٠٧٠ ، الوسائل ٤ : ٢٥٩ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠٢ ، الوسائل ٤ : ٢٦٢ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٤.

(٣) انظر ص : ٢٢٣.

(٤) راجع ص : ٢٢٠.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥.

٢٢٨

ما لم يخش فوات الفرض) عن وقت فضيلته ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (١) ، بل وادعى عليه الشهرة جماعة (٢).

للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب ـ كما في المنتهى والذخيرة (٣) ـ وفيه : « إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة طلع أم لم يطلع » (٤). ونحوه الرضوي (٥).

وعليه يحمل إطلاق ما مرّ وخبر آخر : قلت له عليه‌السلام : أقوم وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : « صلّ على شكك ، فإذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين » (٦) الخبر.

وأمّا ما في آخر : قلت له : أقوم قبل الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر ، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال : « لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار » (٧).

فمع قصور سنده بالضعف والإضمار ، غير معلوم المنافاة لما سبق ، فإنّ مورده من صلّى أربعا وطلع الفجر ، ومورد هذا من صلّاها وخشي طلوعه.

وإنما أمره بالإيتار حينئذ ليدرك الوتر في الليل ، لتظافر الأخبار بفضل الإيتار في الليل ، منها : عن الرجل يقوم آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح‌

__________________

(١) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٦.

(٢) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٠٠.

(٣) المنتهى ١ : ٢١٤ ، الذخيرة : ٢٠٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ / ١٠٢٥ ، الوسائل ٤ : ٢٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٣٩ ، المستدرك ٣ : ١٥٤ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠٢ ، الوسائل ٤ : ٢٦٢ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٤ : ٢٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ٢.

٢٢٩

أيبدأ بالوتر ، أو يصلي الصلاة (١) على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : « بل يبدأ بالوتر » (٢).

وفي الصحيح : « أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟! » (٣).

وبما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من المحققين جماعة (٤) ولكن ظاهر الشيخ والفاضل في المنتهى وغيرهما فهم المنافاة (٥) ، ولذا حملوه على الفضيلة ، والرواية السابقة على مطلق الجواز.

وقد ذكر جماعة هنا التخفيف أيضا (٦). والكلام فيه كما في التخفيف في نافلة الظهرين. وربما يعضد ثبوته هنا الخبر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : « اقرأ الحمد واعجل واعجل » (٧).

وفيه دلالة أيضا على المنع عن نافلة الليل بعد الفجر كما مر ، وإلّا لما أمر بالإعجال.

(و) عليه فـ (لو تلبس (٨) بما دون الأربع ثمَّ طلع الفجر ، بدأ بالفريضة وقضى نافلة الليل) اقتصارا في محل الرخصة على مورد الرواية المقبولة ، مع‌

__________________

(١) في « م » : صلاة الليل ، وفي « ح » : النافلة.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٩ / ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٢٥ / ٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨١ / ١٠٢٠ ، الوسائل ٤ : ٢٥٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩١ ، الوسائل ٤ : ٢٥٨ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٣ : ٨٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٢٠٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٩ ، وصاحب الحدائق ٦ : ٢٣٤.

(٥) الشيخ في التهذيب ٢ : ١٢٥ ، المنتهى ١ : ٢١٤ ، وانظر الوسائل ٤ : ٢٦٠.

(٦) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٦٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢١٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٤٩ / ٢٧ ، التهذيب ٢ : ١٢٤ / ٤٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ / ١٠١٩ ، الوسائل ٤ : ٢٥٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ١.

(٨) في المختصر المطبوع : ولو كان التلبس.

٢٣٠

أنها على المنع هنا بالمفهوم المعتبر دالة.

هذا إذا لم يشرع في ركعتين ، وإلّا يتمّهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب (١) ، فإنه بحسب الدليل لا فرق بينهما.

(السادسة :)

يجوز أن (تصلّى الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيّق وقت (٢) الحاضرة) فتقدّم إجماعا في المقامين ، على الظاهر ، المصرح به في جملة من العبائر (٣) ، وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة عن المعارض ، وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات الآتية مثل الكسوف والزلزلة.

(و) كذا تصلى (النوافل) مطلقا (ما لم يدخل وقت الفريضة) فتقدّم عليها ، إلّا إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها ، وإلّا فتقدم عليها أيضا وجوبا.

وفاقا للمبسوط والمقنعة والنهاية والاقتصاد والجمل والعقود والسرائر والوسيلة والإصباح والجامع (٤) ، وكتب الماتن (٥) ، ومحتمل المهذب فيما حكي (٦) ، والفاضل في القواعد والإرشاد (٧) ، وبالجملة المشهور ، على الظاهر ،

__________________

(١) راجع ص : ١٨٤.

(٢) في المختصر المطبوع زيادة : الفريضة.

(٣) المدارك ٣ : ٨٧ ، كشف اللثام ١ : ١٦١.

(٤) المبسوط ١ : ٧٦ ، المقنعة : ٢١٢ ، النهاية : ١٢٧. الاقتصاد : ٢٥٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٥ ، السرائر ١ : ٢٠٣ ، الوسيلة : ٨٤ ، الجامع للشرائع : ٦١.

(٥) الشرائع ١ : ٤٩ ، المعتبر ٢ : ٦٠.

(٦) المهذب ١ : ١٢٧ ، قال فيه : وكذلك يقضي النافلة المنسية أيّ وقت ذكرها ، إلّا أن يكون قد حضر وقت فريضة ، فينبغي أن يصلّي الفريضة ثمَّ يقضي النافلة بعد ذلك إن أراد.

(٧) القواعد ١ : ٢٤ ، الإرشاد ١ : ٢٤٤.

٢٣١

المصرح به في روض الجنان وغيره (١) ، بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا (٢) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة.

مضافا إلى الصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.

منها ـ زيادة على النصوص المتقدمة في تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع والذراعين ، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (٣) ، والمتقدمة في آخر ركعتي الفجر (٤) ، وفي عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر الثاني (٥) ـ الصحيح : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » (٦).

والصحيح المروي في كلام جماعة : « لا تصلّي نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه؟ » قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني (٧).

ونحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر ، الناهية عن فعلهما بعده (٨).

والصحيح المروي في مستطرفات السرائر : « لا تصلّ من النافلة شيئا في‌

__________________

(١) روض الجنان : ١٨٣ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٢٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٠.

(٣) راجع ص : ١٨١.

(٤) في ص : ١٩٦.

(٥) في ص : ٢٢١.

(٦) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٧) روض الجنان : ١٨٤ ، المدارك ٣ : ٨٨ ، الحبل المتين : ١٥٠ ، الوافي ٧ : ٣٦٥ ، المستدرك ٣ : ١٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

(٨) في ص : ١٩٦.

٢٣٢

وقت فريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها » (١).

وفي الموثق : قيل لأبي جعفر عليه‌السلام : مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس ، فقال : « إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع » (٢).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة والنهي عن النافلة ، أو النفي لها الراجع إليهما في إفادة التحريم ، والمفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.

ويعضد وجوه الدلالة المقايسة والتنظير في الصحيحين بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة الممنوع عنه منع تحريم اتفاقا ، فيكون المنع هناك كذلك بحكم السياق كما لا يخفى.

ومنه يظهر عدم إمكان حمل نحوهما على الكرهة ، كما زعمه الشهيدان وجماعة (٣) ، جامعين بها بين النصوص المتقدمة والنصوص الأخر المرخّصة لفعلها ، وهي مستفيضة ، مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن : قلت له عليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال : « الفضل أن تبدأ بالفريضة ، إنما أخرت الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين » (٤).

وفيه ـ زيادة على ما عرفته من عدم قبول نحو الصحيحين المانعين الحمل‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٧٣ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٧ / ٦٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ / ٩٠٦ ، الوسائل ٤ : ٢٢٧ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ١ : ١٤٢ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨٤ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٢٤ ، مجمع الفائدة ٢ : ٤٤ ، والمدارك ٣ : ٨٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٩ / ٦ ، الوسائل ٤ : ٢٣٠ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٣.

٢٣٣

على الفضيلة ـ أن الجمع فرع المكافأة. وهي في المقام مفقودة ، لصحة كثير من الأخبار ، واستفاضتها القريبة من التواتر ، واعتضادها بالشهرة العظيمة والتعليلات الواردة فيها ، منها ـ زيادة على ما مر في الصحيحين ـ التعليل الوارد في تحديد نوافل الظهرين بالذراع والذراعين بقولهم عليهم‌السلام : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع » إلى آخر ما عرفت (١).

ومفهومه أنه بعد مضيّ الذراع ليس لك أن تنفّل ، وهو كالنص في التحريم ، ومع ذلك مؤكّد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة وترك النافلة (٢) ولا كذلك أخبارهم ، فإنها ـ مع مخالفتها الشهرة بل الإجماع إذ لم نجد قائلا بها عدا الشهيد رحمه‌الله ومن تبعه ، وإلّا فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة ، ولعله لذا ادّعى الماتن عليه إجماع الطائفة (٣) ـ كثير منها (٤) قاصرة الأسانيد ، غير صريحة الدلالة ، بل ولا ظاهرة ، كالصحيح منها أيضا : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاة فإن كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين ، وإن كانت العصر فليجعل الركعتين الأوليين نافلة والأخيرتين فريضة » (٥).

وذلك فإن النافلة فيه إن أريد بها الفريضة المعادة لم يرتبط بموضع المسألة. كما لا ربط به للصحيح : عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن مؤذّن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَّ‌

__________________

(١) راجع ص : ١٨١.

(٢) راجع ص : ٢٢٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠.

(٤) في « م » : مع أنّ كثيرا منها.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٥٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٤ وفيهما بتفاوت يسير.

٢٣٤

ليستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتكن الركعتان تطوعا » (١).

لكون هذه النافلة مستثناة إجماعا ، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

وكذلك النصوص الدالة على خصوص بعض النوافل في بعض أوقات الفرائض ـ كالغفيلة ـ لا ربط لها بالمقام ، لأنه ارتضاها الأصحاب واستثنوها بالخصوص.

وإن أريد بها النافلة الحقيقية لدلّت حينئذ على جواز الجماعة في النافلة ، وهو خلاف الإجماع ، كما ستعرفه في بحثها إن شاء الله تعالى ، فتكون الرواية لذلك شاذة ، فتأمّل.

كالصحيح الآخر : عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا قام المقيم وقد شرع في الإقامة » فقال له : الناس يختلفون في الإقامة ، قال : « المقيم الذي تصلي معه » (٢).

وذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده ، وإن احتمله بعضهم (٣) في مقام الجمع بين الأخبار المختلفة ، لكن فتواه القول بإطلاق الكراهة.

وأما النصوص الدالّة على شرعيّة النوافل مطلقا وقضاء الرواتب منها متى شاء (٤) ، فهي وإن كانت كثيرة قريبة من التواتر ، وفيها الصحاح وغيرها ، إلّا أنّ دلالتها بالعموم ، وما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها ، كما هو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٩ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ / ٧٩٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٦ ( وفيه بتفاوت يسير ) ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤١ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٩.

(٣) انظر المدارك ٣ : ٨٩ ، والذخيرة : ٢٠٣.

(٤) الوسائل ٤ : ٤٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٢ ، وص ٢٣١ أبواب المواقيت ب ٣٧ ، ٣٩.

٢٣٥

القاعدة المقررة المسلمة.

فليت شعري كيف يمكن الاستناد بمثل هذه الأخبار في ردّ تلك الأخبار الواضحة الدلالة والإسناد ، المعتضدة بعمل الأصحاب ، المخالفة للعامة على ما يستفاد من الموثقة السابقة (١) لقوله : « كما يصنع الناس » والمراد بهم العامة كما لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة عليهم‌السلام ، ثمَّ قوله عليه‌السلام : إنا إذا أردنا » إلى آخره ، حيث جعل عليه‌السلام ذلك من خواصهم.

وربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان المتضمنان لقياس الصلاة بالصيام (٢) ، فإنّ الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء العبدة للأصنام ، جدلا معهم بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.

وبذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة ـ على تقدير تسليم دلالتها ـ على التقية.

وكذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور دلالة أو صراحة ، ومنها : الحسنة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه‌السلام : « الفضل أن تبدأ بالفريضة » (٣) مع أنه تأمّل في دلالتها أيضا جماعة (٤) ، بناء على أن الفضل غير الأفضلية ، وهو يحصل في الواجب أيضا ، فتأمّل جدا.

ومنها : الصحيحان : عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال : « متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (٥).

__________________

(١) في ص ٢٢٧.

(٢) راجع ص : ٢٢٦.

(٣) راجع ص : ٢٢٧.

(٤) منهم صاحب الحدائق ٦ : ٢٦٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٢ / ٦ ، ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٣٩ ، ٦٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦ ، ٧.

٢٣٦

والموثق : « إن فاتك شي‌ء من تطوّع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس ، وبعد الظهر عند العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العتمة ، ومن آخر السحر » (١) ، ونحوه المروي عن قرب الإسناد (٢).

وإن أبيت عن الحمل على التقية لأجبنا عن الأخبار السابقة بما عرفته ، وعن هذه :

أوّلا : بقصورها جملة من المقاومة لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة ، كما عرفته.

وثانيا : بقصور سند الأخيرين منها ـ وإن كانا صريحين ـ مع عدم جابر لهما في مقابلة ما قدمناه ولا سيّما الصحيحين الصريحين. وأمّا الصحيحان الأوّلان فليس نصّين في قضاء النوافل ، فيحتمل الفرائض خاصة. وترك الاستفصال وإن اقتضى عمومهما لهما ، لكن العموم غايته الظهور ويصرف عنه بما قدمناه من أدلّة المشهور فيخصّصان بها.

لكن على هذا ينافيان المشهور القائلين بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة ، ولزوم تقديمها على الحاضرة ، لدلالتهما على هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة ، ولم يقولوا به.

لكن فيما ذكرناه أوّلا من الأجوبة كفاية إن وافقنا المشهور على القول بالمضايقة كما هو الأقرب ، وإلّا فلا يرد علينا الإشكال المزبور بالمرة.

واعلم أن ظاهر العبارة ـ كغيرها من عبائر الجماعة ـ عدم البأس بفعل النافلة لمن عليه فريضة ، مع أنّ الأشهر الأظهر عدم الفرق وحرمتها عليه أيضا.

وسيأتي في بحث القضاء من الماتن وغيره ممن ضاهى عبارته هنا عبارته ما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٤٢ ، الوسائل ٤ : ٢٧٧ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٠.

(٢) قرب الإسناد : ٢٠٢ / ٧٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٦٣ أبواب المواقيت ب ٤٩ ح ١.

٢٣٧

يعرب عن الموافقة ، وقولهم أيضا بالحرمة ، ويمكن استنباطه من العبارة بتعميم وقت الفريضة فيها لوقتي الحاضرة والفائتة ، وخالف فيه أيضا كل من قال هنا بالكراهة.

وبالجملة لم أعرف قائلا بالفرق بين المسألتين فيما أجده ، وبه صرّح شيخنا في روض الجنان في هذه المسألة (١).

وتحقيق القول في المسألة الثانية يأتي في بحث القضاء إن شاء الله سبحانه.

(السابعة :)

(يكره ابتداء النوافل) في خمسة مواطن ، ثلاثة تعلق النهي فيها بالزمان ، وهي (عند طلوع الشمس) حتى ترتفع وتذهب الحمرة ويستوي سلطانها بظهور أشعّتها ، فإنه في ابتداء طلوعها ضعيف.

(و) عند (غروبها) أي ميلها إلى الغروب ، وهو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.

(و) عند (قيامها) في وسط النهار ، ووصولها إلى دائرة (نصف النهار) المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.

(و) وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل (بعد) صلاتي (الصبح) حتى تطلع الشمس (والعصر) حتى تغرب.

كل ذلك على المشهور بين الأصحاب ـ بل لعله عليه عامة متأخّريهم على الظاهر ـ المصرّح به في عبائر جماعة (٢) ، وعن الغنية الإجماع عليها (٣) ،

__________________

(١) روض الجنان : ١٨٤.

(٢) انظر مجمع الفائدة ٢ : ٤٦ ، والمفاتيح ١ : ٩٨ ، والكفاية : ١٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

٢٣٨

وهو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « يصلّى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود ، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (١).

وفيه : « لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة » (٢).

وفي الموثق : « لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الشمس » وذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة ، وقال : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلّي المغرب » (٣) ونحوه الموثق الآخر (٤) لكن من دون ذكر التعليل.

وظاهرهما ـ كالعبارة ـ تعلق النهي بالنوافل بعد زماني الفجر والعصر ، لا بعد صلاتيهما كما قلناه وفاقا للمشهور ، بل قيل : إنّ الأصحاب قاطعون به (٥) ، مؤذنا بنقل الإجماع ، وهو ظاهر الشهيد رحمه‌الله حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة (٦).

وفي الخبرين : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة بعد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٠ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٢ / ٤٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ / ١٨١٤ ، الوسائل ٣ : ١٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣ / ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ / ١٥٧٦ ، الوسائل ٧ : ٣١٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٥ ، الوسائل ٤ : ٢٣٤ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٤ / ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ / ١٠٦٦ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٢.

(٥) كشف اللثام ١ : ١٥٦.

(٦) انظر الذكرى : ١٢٦.

٢٣٩

طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها » (١) وزيد في أحدهما التعليل بما مرّ (٢) ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

وظاهر أكثرها التحريم ، كما عليه المرتضى في الثلاثة الأول ، مدّعيا على الأوّل منها الإجماع في صريح الانتصار وظاهر الناصرية (٣) ، وزاد فيها الخامس (٤) ، وقال فيهما (٥) بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال ، ويوافقه ظاهر العماني فيه كذلك ، وفي الخامس (٦) ، وظاهر الإسكافي (٧) في الثلاثة الأول كما في العبارة (٨). لكن كلامهما ليس نصا في التحريم ، وكذا كلام السيد ، لاحتمال نفي الجواز الذي لا كراهة فيه ، كما يستعمل كثيرا في عبارات القدماء ، وإلّا فهو شاذ ، بل على خلافه الإجماع في المختلف (٩).

وهو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا أوجبا صرف النهي وما في معناه في النصوص إلى الكراهة. مضافا إلى التعبير بها عن المنع في الصحيحة الاولى (١٠) ، وب‍ « لا ينبغي » في المروي عن العلل (١١) ، هذا.

وتوقف الصدوق رحمه‌الله في أصل الحكم ، قال في الفقيه ـ بعد نقل‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، أمالي الصدوق : ٣٤٤ / ١ ، الوسائل ٤ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٥ / ١٤٣٠ ، الوسائل ٤ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٧.

(٣) الانتصار : ٥٠ ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٤) أي التنفّل بعد صلاة العصر.

(٥) أي في الانتصار والناصرية.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٧٦.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٧٦.

(٨) أي من دون القول بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال كما عليه المرتضى والعماني. منه رحمه الله.

(٩) المختلف : ٧٦.

(١٠) راجع ص : ٢٣٣.

(١١) علل الشرائع : ٣٤٣ / ١ ، الوسائل ٤ : ٢٣٧ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٩.

٢٤٠