رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

مرّ ، والبعديّة تستمرّ إلى ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة ، إلّا أنّ جملة من النصوص دلّت على انتهاء الوقت بهما ، ففي الصحيح : عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما؟

قال : « يؤخّرهما » (١).

خلافا لظاهر الإسكافي والشيخ في التهذيبين (٢) ، فوقتهما إلى الفجر الثاني ، عملا بما مرّ من النصوص من أنّهما من صلاة الليل ، وحملا لهذه الصحاح تارة على التقيّة لما مرّ إليه الإشارة ، واخرى على أوّل ما يبدو الفجر استظهارا ليتبيّن الوقت يقينا ، للمرسل : « صلّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر » (٣).

والخبر : عن الرجل يقوم وقد نوّر بالغداة ، قال : « فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ثمَّ ليصلّ الغداة » (٤).

وهما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه الأكثر. وحمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم الذي لأجله حملت عليها ، وليس ، فإنّ مذهبهم تحتّم الركعتين بعد الفجر ، وعدم جواز فعلهما قبله ولا معه ، والنصوص أباحت جميع ذلك. إلّا أن يقال : إن مراده تقيّة السائل في فعلهما بعده ، ولكن فيه بعد.

ولعلّ الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار الدالة على أنّهما من صلاة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٠ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٤ : ٢٦٦ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧١ ، التهذيب ٢ : ١٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٤١ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٢ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٤.

٢٠١

الليل عددا ، واعتضادا بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة ، وظهور جملة منها دلالة بل بعضها كالصريح في ذلك ، وهو الصحيح : عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر ، إنّهما من صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (١).

وهو كالصريح في أنّ الصلاة كالصوم الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة ، فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدّاً. ومنه يظهر ما في حمله على الاستحباب والفضيلة.

فقولهما لا يخلو من قوّة لو لا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مع بعد حمل أخبارهم على التقية كما عرفته ، كحمل الفجر فيها على الفجر الأوّل ، مع عدم نفع في هذا الحمل إلّا بعد ارتكاب مخالفة أخرى للظاهر هي تقييد البعدية بالمستمرّة إلى الفجر الثاني خاصة.

ومع ذلك فالأحوط تركهما بعد الفجر وقضاؤهما بعد الفريضة.

وما أبعد ما بين هذا وبين القول بامتدادهما بامتداد الفريضة ، كما مال إليه الشهيد في الذكرى ، للصحيح : عن الركعتين قبل الفجر؟ قال : « يتركهما » ـ وفي خطّ الشيخ ـ : « يركعهما حين يترك الغداة ، إنّهما قبل الغداة » (٢).

قال : وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها وليس ببعيد ، وقد تقدم رواية فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهما قبل الغداة في قضاء الغداة ، فالأداء أولى ، والأمر بتأخيرهما عن الإقامة أو عن الإسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة لا توقيتا ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣١ ، الوسائل ٤ : ٢٦٤ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٤ ، الوسائل ٤ : ٢٦٦ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٢.

٢٠٢

انتهى (١).

ويضعّف : بأنّه لا جهة للأولوية ، واستظهاره من خبر سليمان على لفظ يتركهما ظاهر ، فإنّ ظاهر معناه أنّه إنّما يتركهما حين يترك الفرض ، أي إنّما يصيران قضاء إذا صارت الفرض قضاء ، وإنّما يتركهما إذا أدّى فعلهما إلى ترك الفرض ، أمّا على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم على الفجر الثاني ، سيّما وأنّه روى في رواية أخرى بدل « حين يترك الغداة » « حين ينوّر الغداة » (٢) فتدبّر.

وبالجملة : الاستناد إلى مثل هذه الرواية المختلفة النسخ والأولوية المزبورة لا وجه له ، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

__________________

(١) الذكرى : ١٢٦.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٢ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٣.

٢٠٣

(وأمّا اللواحق)

(فمسائل) تسع :

(الاولى : يعلم الزوال) الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار (بزيادة الظل بعد نقصه) كما في النصوص (١) المنجبرة بالاعتبار وفتوى الأصحاب. أو حدوثه بعد عدمه ، كما في مكة وصنعاء في بعض الأزمنة.

(وبميل الشمس إلى الحاجب (٢) الأيمن لمن يستقبل القبلة) لأطراف العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب ، كما ذكره جماعة من الأصحاب (٣) ، ومنهم الشيخ في المبسوط كما حكي عنه ، فقال : وقد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت (٤).

ويعلم منه أنّ هذا الاعتبار موجود في الروايات ، ولم نقف عليها كما ذكره.

نعم : في الوسائل روي عن مجالسة في حديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أتاني جبرئيل عليه‌السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس ، فكانت على حاجبه الأيمن » (٥).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٦٢ أبواب المواقيت ب ١١.

(٢) في « ش » : الجانب.

(٣) منهم الشهيد في البيان : ١٠٨ ، والذكرى : ١١٧ ، صاحب المدارك ٣ : ٦٦.

(٤) المبسوط ١ : ٧٣.

(٥) أمالي الطوسي : ٢٩ ( وفيه : فأراني وقت الصلاة .. ) ، الوسائل ٤ : ١٦٤ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٥.

٢٠٤

وليس فيه التقييد بمتوجّه الركن العراقي ، كما قيّده هو والفاضل في المنتهى (١). وقيّده آخرون (٢) بمكان قبلته نقطة الجنوب ، أو قريبة منها ، أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرنا ، ووجه التقييدات واضح ، فإنّ المقصود العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار ، وهو لا يحصل بهذه العلامة كليا ، بل ربما يحصل القطع بعدمه معها ، فينبغي أن يدار في تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.

ولمعرفته طرق أخر ذكرها جملة من الأصحاب (٣) ، وورد ببعضها بعض الروايات (٤) ، ولا بأس بها ، بل وبغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال ولو ظنّا إن قلنا باعتباره ، وإلّا فلا بد من القطع كيف اتفق.

(ويعرف الغروب) الذي هو وقت للمغرب اتفاقا فتوى ونصّا (بذهاب الحمرة المشرقية) على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر (٥) ، لتوقيفية العبادة ، ولزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن ثبوته من الشريعة فتوى ورواية ، وليس إلّا بعد ذهاب الحمرة.

وللأخبار المستفيضة ، وإن اختلفت ظهورا وصراحة ، منها الموثق : عن الإفاضة من عرفات ، قال : « إذا ذهبت الحمرة من ها هنا » وأشار بيده إلى‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٩٩.

(٢) كالشهيد ، وصاحب المدارك ( راجع ص ١٩٨ ) ، والحرّ العاملي في الوسائل ٤ : ١٦٤ أبواب المواقيت ب ١١ ذيل الحديث ٥.

(٣) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٩٢ ، والشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٣٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٩٤.

(٤) انظر الوسائل ٤ : ١٦٣ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٣.

(٥) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٢٢ ، والشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٤٢ ، فقد مالا إلى القول الآخر وهو غيبوبة الشمس عن الحسّ ، وقوّاه صاحب المدارك ٣ : ٥٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٩٤.

٢٠٥

المشرق وإلى مطلع الشمس (١).

ومنها : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق » قال : « لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا » ورفع يمينه فوق يساره » فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » (٢).

ومنها : « وإنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب » (٣).

ومنها : عن وقت المغرب ، قال : « إذا تغيّرت الحمرة في الأفق ، وذهبت الصفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم » (٤).

وفي عدّة منها : « إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » (٥). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وقصور أسانيدها أو ضعفها منجبر بفتوى الفقهاء وعملهم كافة ، كما ذكره الماتن في المعتبر ، قال : وعليه ـ يعني ذهاب الحمرة ـ عمل الأصحاب (٦).

وذهاب الحمرة المشرقية في العبارة وما ضاهاها والروايات وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد ذهابها من الأفق إلى أن تجاوز سمت الرأس ، كما صرح به في الكافي ، وشيخنا الشهيد الثاني في كتبه الثلاثة وغيرهما (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٨ / ١ ، ٢ لتهذيب ٢ : ٢٩ / ٨٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ / ٩٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٧٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ / ٩٦٠ ، الوسائل ٤ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٧ / ١٠٢٤ ، الوسائل ٤ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٢.

(٥) الوسائل ٤ : ١٧٢ ، ١٧٥ أبواب المواقيت ب ١٦ الأحاديث ١ ، ٧ ، ١١.

(٦) المعتبر ٢ : ٥١.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠ ، وروض الجنان : ١٧٩ ، والروضة ١ :

٢٠٦

ودلّ عليه جملة من النصوص منها المرسل : « وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترفع من المشرق إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » (١).

ومنها الرضوي : « وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص ، والعمل في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس » (٢).

ومنها : أيّ ساعة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوتر؟ فقال : « على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب » (٣).

خلافا للإسكافي والصدوق في العلل والمبسوط ، فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب (٤).

قيل : ويحتمله كلام الديلمي ، والمرتضى والقاضي في بعض كتبهما ، لجعلهم الوقت سقوط القرص ، وليس نصّا فيه (٥).

وربما نسب إلى الاستبصار والفقيه ، لذكره بعض الأخبار الآتية (٦).

وفيه نظر ، لأنّ الأول كلامه صريح في موافقة المشهور ، حيث قال ـ بعد ذكر جملة من الأخبار الدالّة على الأمر بالصبر إلى ذهاب الحمرة ـ : فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين ، أحدهما : أن يكون إنّما أمرهم أن يمسّوا قليلا أو يحتاطوا ليتيقن بذلك سقوط الشمس ، لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة من ناحية‌

__________________

١٧٨ ، وانظر كشف اللثام ١ : ١٥٦.

(١) الكافي ٣ : ٢٧٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ / ٥١٦ ، الوسائل ٤ : ١٧٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٤ وفي الجميع بتفاوت يسير.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٤ ، المستدرك ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٣ ذيل حديث ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٤ ، الوسائل ٤ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٥.

(٤) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٧٢ ، علل الشرائع : ٣٥٠ ، المبسوط ١ : ٧٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ١٥٧ ، وانظر المراسم : ٦٢ ، ورسائل السيد ١ : ٢٧٤ ، والمهذّب ١ : ٦٩.

(٦) نسبه إليهما في المختلف : ٧٢ ، والذخيرة ١٩١ ، والحدائق ٦ : ١٦٣.

٢٠٧

المشرق لا غيبوبتها عن العين. ثمَّ استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة ، ثمَّ نقل ما ظاهره المنافاة لها مما يأتي ، وقال بعده : فلا تنافي بين هذين الخبرين وبين ما اعتبرناه في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق ، لأنّه لا يمتنع (١) .. إلى آخر ما ذكره.

وأمّا الفقيه فلم نجد فيه ما يدل على صحة النسبة عدا ذكره بعض الأخبار الآتية (٢) ، بناء على ما قدّمه في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلّا ما يفتي به ويحكم بصحته (٣).

وهو ـ بعد تسليمه ـ معارض بروايته فيه ما ينافي القول المزبور أيضا ، فقال : وروى بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : « إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه‌السلام (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (٤) فهذا أوّل الوقت ، وآخر الوقت غيبوبة الشفق » (٥) الخبر.

وهو ـ كما ترى ـ كالصريح بل صريح في عدم الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر ، واشتراط شي‌ء زائد من ظهور كوكب ، بل جعله بعض المحققين من أدلّة الأكثر ، قال : لأنّ ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب غالبا (٦).

ولنعم ما ذكره.

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٢٦٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٢ / ٦٥٦ ، ٦٦١.

(٣) الفقيه ١ : ٣.

(٤) الأنعام : ٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٤١ / ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ / ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٣ ، الوسائل ٤ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦ بتفاوت يسير.

(٦) كما نقله الحرّ العاملي أيضا عن بعض المحققين. انظر الوسائل ذيل الحديث.

٢٠٨

ونسب أيضا إلى المرتضى ، وفيه ما عرفته (١). بل يمكن التأمّل في مصير المبسوط إليه أيضا ، وإن حكم أوّلا بما حكي عنه ، إلّا أنّه بعد نقله المشهور حكم بأنّه الأحوط (٢). والاحتياط في كلامه ليس نصّا في الاستحباب ، فيحتمل الوجوب ، بناء على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في العبادة لإيجاب كثير من الأمور التي يدّعي وجوبها فيها.

وكيف كان ، فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن استدلّ عليه بالنصوص الكثيرة المتواترة معنى ، الدالة على أنّ أوّل المغرب سقوط القرص ، أو استتاره ، أو غيبوبة الشمس (٣) ، بناء على أنّ المفهوم منها لغة وعرفا هو الغيبوبة عن النظر.

لضعفه أوّلا : بأنّ المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس سقوطه عن الأفق المغربي ، لا خفاؤها عن أعيننا قطعا ، وعليه نبّه شيخنا في روض الجنان ، قال : لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والماء ونحوهما ، فإنّ الأفق الحقيقي غير مرئي (٤).

وأمّا ما يقال عليه من أن غيبوبة الشمس عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسّا إنّما تتحقق بعد غيبوبتها عن الحسّ بمقدار دقيقة تقريبا ، وهذا أقلّ من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير (٥).

فمنظور فيه أوّلا : بأنّ فيه اعترافا برفع اليد عن المفهوم اللغوي والعرفي ، واعتبار شي‌ء زائد عليه ولو دقيقة ، ومعه لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب المتقدم.

__________________

(١) راجع ص : ٢٠١.

(٢) المبسوط ١ : ٧٤.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٦ إلى ٣٠ ، وب ١٧ من تلك الأبواب.

(٤) روض الجنان : ١٧٩.

(٥) قال به السبزواري في الذخيرة : ١٩٣.

٢٠٩

وثانيا : بأنّ كون غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة أقلّ من ذهاب الحمرة وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لمّا كان مجهولا غير مضبوط لا يمكن إحالة عامة المكلّفين ولا سيّما العوام منهم عليه ، لا جرم وجب إحالته على أمر منضبط وهو ذهاب الحمرة من أفق المشرق ، أو بدوّ النجم ، ونحو ذلك ، وعلى هذا فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقّن الغروب ، كما صرّحت به جملة من النصوص ، لا أنّه نفس الغروب.

وبه يندفع ما يقال على المشهور من أنّه لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس وغروبها ، فلو كان وجود الحمرة المشرقية دليلا على عدم غروب الشمس وبقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا ، لكان وجود الحمرة المغربية دليلا على طلوع الشمس ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت.

ووجه دفعه : أنّا لا نقول : إنّ وجود الحمرة دليل على بقاء الشمس في الأفق المغربي للمصلّي ، بل نقول : إنّ معه لا يحصل القطع بالغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة ، وقطع استصحاب عدم الغروب به ، فلا يرد النقض بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب ، لأنّ مقتضى ذلك حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على الأفق المشرقي ، ولا يقطع به يقين بقاء الوقت ، بل بظهور الشمس الحسّي ، فينعكس الأمر.

وثانيا : بعد تسليم دلالتها فغايتها أنّها من قبيل المجمل ، أو المطلق ، وأخبارنا من قبيل المفسّر ، أو المقيّد ، فيجب حملها عليها قطعا ، ولا استبعاد فيه بعد ورودها قطعا ، كما هو الحال في حمل المطلقات وإن كثرت وتواترت على المقيدات وإن قلّت. ولو أثّر الاستبعاد في منعه لما استقام لنا أكثر الأحكام ، لكونها من الجمع بين نحو المطلقات والمقيدات.

ودعوى عدم قوة أخبارنا وعدم بلوغها حدّ المكافأة للأخبار المعارضة ، لاستفاضتها بل وتواترها وصحّة أكثرها دون أخبارنا ، فاسدة.

٢١٠

كدعوى أنّ الجمع بالتقييد إنّما يتعيّن إذا انحصر طريق الجمع فيه ، ولم يكن في المقام حمل أقرب منه ، مع أنّ الجمع بحمل أخبار المشهور على الفضل ممكن ، بل وأقرب.

وذلك لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة من التواتر أيضا ، وانجبارها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلّها من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، وقد عرفت استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر (١). ومع ذلك كثير منها في المدعى صريحة ، ولا سيّما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة.

ومع ذلك مخالفة لما عليه الجمهور كافّة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى والتذكرة (٢) ، فقال ـ مشيرا إلى قول المبسوط وهو قول الجمهور ـ : ويستفاد ذلك من كثير من النصوص ، منها ـ زيادة على ما يأتي ـ رواية أبان بن تغلب وربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم ، قالوا : أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بواد الأخضر ، إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ، حتى صلّى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول : هذا من شباب المدينة ، فلمّا أتينا إذا هو أبو عبد الله عليه‌السلام ، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟ فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (٣).

وذلك فإنّ صدره ـ كما ترى ـ يدل على أنّه كان مقرّرا عند الشيعة أنّه‌

__________________

(١) راجع ص ٢٠٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢٠٣ ، التذكرة ١ : ٧٦.

(٣) أمالي الصدوق : ٧٥ / ١٦ وفيه : الأجفر بدل : الأخضر ، الوسائل ٤ : ١٨٠ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٣.

٢١١

لا يدخل الوقت قبل مغيب الحمرة المشرقية ، ولذا كانوا يدعون على المصلّي قبله وزعموه من شباب المدينة ، أي من شباب العامة.

ومنها : رواية جارود ، قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشي‌ء نادوا به ، أو حدّثوا بشي‌ء أذاعوه ، قلت لهم : مسّوا بالمغرب قليلا ، فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص » (١).

وذلك لدلالة الأمر بالإمساء قليلا على مذهب المشهور ، ولما رأى عليه‌السلام أنّهم نادوا به وأذاعوه قال : أنا أفعل الآن ، إلى آخره. وهو كالصريح في أنّ فعله عليه‌السلام ذلك للتقية.

ومنها : كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام : يتوارى القرص ويقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا ، وتستر عنا الشمس ، وترتفع فوق الليل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، أفأصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائما ، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟ فكتب إليّ : « أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (٢).

وهو صريح في أنّ المؤذّنين يومئذ كانوا يؤذّنون قبل ذهاب الحمرة ، ولا ريب أنّهم كانوا من العامّة.

وهذه الرواية كسابقتها دليل على المختار أيضا ، وإن استدل بالأولى وهذه على خلافه ، لفعله عليه‌السلام في الاولى ، وتخصيصه لراوي هذه بقوله : « أرى لك .. » الظاهر في الاستحباب ، وإلّا لعمّم وما عبّر بلفظ الاحتياط.

وقد عرفت ما في فعله عليه‌السلام ، من كونه للتقية. وتخصيص الراوي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣٢ ، الوسائل ٤ : ١٧٧ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٢ بتفاوت يسير فيهما ، الوسائل ٤ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٤.

٢١٢

لعلّه بل الظاهر أنّه من جهة علمه عليه‌السلام بعدم ابتلائه بالتقية ، أو بمعرفته سبيل الخلاص عنها ، ولفظ الاحتياط ليس نصّا بل ولا ظاهرا في الاستحباب ، لأنّ ذلك إنّما هو بالاصطلاح المتأخّر بين الأصحاب ، وإلّا فالاحتياط هو الاستظهار والأخذ بالأوثق لغة ، بل وفي كلمة متقدّمي الأصحاب أيضا ، كما مضى (١) ، ولا ريب أنّ مثله في أمثال العبادات واجب ، للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.

وبالجملة لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار ، وأنّ خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجّار.

وبه يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار ، وهو حملها على التقيّة.

ونحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة الإطلاق ، كالخبر : عن وقت المغرب ، فقال : إذا غاب « كرسيّها » قلت : وما كرسيّها؟ قال : « قرصها » قلت : ومتى يغيب قرصها؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » (٢).

ومنها : « إنّا ربما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل ، وقد سترنا منها الجبل ، قال ، فقال : « ليس عليك صعود الجبل » (٣).

ونحوه آخر : « إنّما تصلّيها إذا لم تر خلف الجبل غارت أو غابت ، ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها ، فإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على‌

__________________

(١) راجع ص ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧ / ٧٩ ، علل الشرائع : ٣٥٠ / ٤ ، أمالي الصدوق : ٧٤ / ١٠ ، الوسائل ٤ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٤١ / ٦٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٩ / ٨٧ ، ٢٦٤ / ١٠٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ / ٩٦٢ ، الوسائل ٤ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

٢١٣

الناس أن يبحثوا » (١).

وفي صدره أيضا إشعار بوروده تقيّة ، فإنّ فيه : قال ـ يعني الراوي ـ : صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله فأخبرته بذلك ، فقال : « ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت ».

مع أنّها قاصرة الأسانيد ، وإن قيل : روي الأوّل في مجالس الصدوق بسند صحيح (٢). مع أنّ ظاهرها ولا سيّما الأخير عدم البأس بوجود الضوء والشعاع على نحو التلال والجبال ، وأنّ المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر المصلّي وهو على الأرض ، وهو مما قطع جماعة من أرباب هذا القول بفساده ، ومنهم صاحبا المدارك والذخيرة ، حيث قالا ـ بعد أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول في العمران بأن لا يبقى شي‌ء من الشعاع على رؤوس الجدران وقلل الجبال ـ ما لفظه : وهو حسن (٣).

وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار ، فكيف يستدلّون بها؟

مع أنّ الذي يظهر من المبسوط كون ما دلّت عليه مما يتفرع على هذا القول حيث قال بعد نقل القولين : فأمّا على القول الأول ـ وأشار به إلى هذا ـ إذا غابت الشمس عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها أو على مكان عال مثل منارة الإسكندرية وشبهها فإنّه يصلّي ولا يلزم حكم طلوعها ـ إلى أن قال ـ : وعلى الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع تراه وهو الأحوط (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٢ / ٦٦١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ / ١٠٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٦ / ٩٦١ ، أمالي الصدوق : ٧٤ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ١٩٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٧٤ / ١٠.

(٣) المدارك ٣ : ٥٣ ، الذخيرة : ١٩٣.

(٤) المبسوط ١ : ٧٤.

٢١٤

ومنه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول الغروب بالاستتار من الإطلاقات ، لعدم صدقه قطعا بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية شعاعها على قلل الجبال.

والعجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول المبسوط هذا ، وزعمهم موافقتهم له ، وتفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه (١) ، مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في خلاف ما زعموه ، ولعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن : وإن أمكن المنازعة فيه ، وليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة؟ ومع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما هو ظهور عبارة المبسوط والنصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه ، وهو الاكتفاء بالغيبة عن النظر ، وعدم البأس برؤية الشعاع على الجبل ، وهذا كيف يمكن احتماله فضلا عن المصير إليه ، مع ضعف النصوص الدالّة عليه ، وعدم جابر لها بالكليّة ، ومخالفته الأصول والأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه (٢) ، لما عرفت من عدم صدق الغيبة والاستتار‌

__________________

(١) راجع ص ٢٠٥.

(٢) في حاشية « ش » و « ح » : منها الصحيح : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ، ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » الوسائل ٤ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧.

وقد حمله الأصحاب على ما حملوا عليه سائر الأخبار التي بمضمونها من أنّ المراد بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة كما فسّرت به بعض المعتبرة.

ولكن ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين إباء هذا الصحيح عن ذلك الحمل ، ولعلّه لقوله : « فإن رأيته بعد ذلك » وذلك فإنّ المراد لو كان بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة لما أمكن رؤيتها بعد ذلك ، فكيف يقول بعد ذلك : « فإن رأيته ».

وفيه نظر ، لأنّ ذلك إنّما يتوجّه لو اختصّت الرواية بصورة الصحو وخلوّ السماء عن الغيم ، وليست مختصّة بها ، بل هي مطلقة يمكن تقييدها بصورة الغيم ، ويكون محصّله : إنّ علامة الغروب غيبوبة الحمرة المشرقية ، فإذا اشتبهت عليك كالغيم أو حجاب فظننت أنّها قد ذهبت ثمَّ ظهر خلافه برؤيته صحّ صومك ، وبهذا صرّح في الوافي ، مع أنّه من أهل هذا القول ، أي القول الثاني فيه وفي المفاتيح ، فمع هذا الاحتمال كيف تكون الرواية تأبى عن هذا الحمل ولم تقبله.

٢١٥

الواردين فيها مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا لغة وعرفا ، فليس بعد ذلك إلّا طرحها.

وبالجملة فقول المبسوط حينئذ على تقديره ضعيف جدّا يستحيل المصير إليه قطعاً.

وأمّا ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر أنّه قول محدث ، إذ ليس إلّا قول المشهور وما في المبسوط الذي يرجع إليه قول الإسكافي ، والمرتضى على تقدير ثبوته (١) ، وقول العماني الآتي وغيره ، وهو لا يوافق شيئا منها ، فيندفع زيادة على ما مرّ بالندرة والشذوذ ، ومخالفته الإجماع ، فتأمّل جدّاً.

وهنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق من المشرق كما عن العماني (٢) ، للخبرين (٣) ، ويبدو ثلاثة أنجم كما عن الصدوقين في المقنع‌

__________________

واعلم أنّ الفاضل في المنتهى اعترض على العاملين بهذه الصحيحة وظاهرها ، بأنّه لو كان الوقت قد دخل بالاستتار لما أمرنا بالإعادة عند الظهور إذ هي صلاة قد فعلت في وقتها ، فلا يستتبع وجوب الإعادة. واعترضه في الذخيرة بأنّ وجوب الإعادة مبني على ظهور الخطأ في الظن ، ونظيره في الأحكام غير عزيز. وهذا الاعتراض غريب ، فإنّ الخطأ في الظن إنّما يصحّ حيث يحصل الوقت بأمارات ظنية من دون مشاهدة لحصول غيم وما ضارعه يوجب عدم حصول العلم الواقعي بالوقت والمعرفة ، ومورد الصحيحة ـ لو بني على ظاهرها ـ وكلام الفاضل في المنتهى إنّما هو صورة العلم بالوقت الذي هو غيبوبة الشمس عن النظر ، والقطع به من دون خطأ وحصول شبهة ، فأين هذا من حصول الخطأ في الوقت ، بل لا يكون ذلك إلّا من جهة أنّ مجرّد الغيبة عن النظر ليس بوقت ، وأنّه هو خصوص ذهاب الحمرة ، وبموجب ذلك يجب رفع اليد عن ظاهر الرواية ، وحمله على ذهاب الحمرة وحصول الاشتباه بغيم ونحوه ، وبالجملة : ذلك واضح كما لا يخفى على من تدبّر ( منه عفى عنه وعن والديه ).

(١) تقدم ذكرهما في ص : ٢٠١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٦٩.

(٣) الأول : التهذيب ٢ : ٢٩ / ٨٦ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ / ٩٥٨ ، الوسائل ٤ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٨.

الثاني : فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٤ ، المستدرك ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٣ ذيل الحديث ٣.

٢١٦

والرسالة (١) ، للصحيح (٢).

وهما شاذّان ، ومستنداهما لا يقاومان شيئا مما قدّمناه من وجوه شتّى ، مع ضعف دلالتهما ، واحتمالهما ككلامهم الرجوع إلى ما عليه القوم ، بل أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره ولا جدوى.

وإنّما طوّلنا الكلام في المسألة لأنّها من المهمّات ، وذيل الكلام فيها أطول من ذلك ، تركناه خوفا من زيادة التطويل الذي لا يناسب هذا التعليق.

(الثانية :)

(قيل) والقائل الشيخان وجماعة (٣) : إنه (لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ولا) يجوز أن (تصلى قبله إلّا مع العذر) فيجوز حينئذ كما هو ظاهر بعضهم ، وأطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء.

وقد مرّ في أواخر مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا (٤) (و) أنّ الأشهر (الأظهر)جواز التقديم مطلقا ولو اختيارا لكن مع (الكراهة) خروجا عن الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وإن كان الأظهر حمل المانعة منها على التقيّة ، لكونه مذهب الجمهور كافّة كما عرفته.

(الثالثة :)

(لا) يجوز أن (تقدم صلاة الليل على الانتصاف) لما مر في توقيتها به (٥).

__________________

(١) المقنع : ٦٥ ، نقله عن والده في الفقيه ٢ : ٨١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٦٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٢ ح ٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٧٥ ، والخلاف ١ : ٢٦٢ ، وانظر المراسم : ٦٢.

(٤) راجع ص ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٥) في ص : ١٨٦.

٢١٧

(إلّا لشابّ تمنعه) من فعلها في وقتها (رطوبة رأسه) ودماغه (أو مسافر) أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة منعها لهم عن فعلها في الوقت ، فيجوز لهم حينئذ تقديمها عليه على الأظهر الأشهر ، بل في الخلاف الإجماع عليه (١) ، بل عليه عامّة من تأخّر ، عدا الفاضل في المختلف والتحرير (٢) ، لكنّه فيه توقّف ، وفي الأوّل صرّح بالمنع وفاقا للحلي (٣) ، وزرارة من القدماء (٤).

لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته. وفيه منع على إطلاقه.

ولظاهر الصحيح : قلت له : إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم ، وقال : إني أريد القيام بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح ، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله ، فقال : « قرّة عين له والله ، قرة عين والله » ولم يرخّص في النوافل أوّل الليل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » (٥).

وهو معارض بالصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة المرخّصة للتقديم مطلقا كما في بعضها ، وقد مضى (٦) ، أو في السفر خاصة كما في كثير منها ، وفيها الصحيح وغيره (٧) ، أو مطلق العذر كما في أكثرها ، وفيها الصحاح وغيرها (٨). وهي أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة ، ومنها صراحة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٣٧.

(٢) المختلف : ٧٤ ، التحرير ١ : ٢٨.

(٣) السرائر ١ : ٣٠٧.

(٤) حكى عنه في ذيل خبر محمد بن مسلم ، انظر الوسائل ٤ : ٢٥٦ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٧ / ٢٠ ، الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٨١ ، التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩ / ١٠١٥ ، الوسائل ٤ : ٢٥٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ١.

(٦) في ص : ١٧٩ ، وانظر الوسائل ٤ : ٢٥٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٣ ، ١٤.

(٧) الوسائل ٤ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ١٠ ، ١١ ، ١٩.

(٨) الوسائل ٤ : أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٢ ، ١٢.

٢١٨

الدلالة ، والاعتضاد بالشهرة العظيمة ، فلتحمل على الكراهة لا الحرمة ، ويشير إليه ما في آخرها برواية الكليني والشيخ : قلت : فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحبّ الخير وأهله ، وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم ، حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه ، وهي تقوى عليه أوّل الليل ، فرخّص لهنّ الصلاة في أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء.

وهو ـ كما ترى ـ صريح في الترخيص لغلبة النوم. لكن ظاهره اختصاصه بصورة خوف فوت القضاء ، كما حكي عن التذكرة (١) ، وربما يفهم من المختلف والمنتهى (٢). ولا ريب أنّه أحوط ، وإن كان جواز التقديم مع العذر مطلقا أقوى.

(و) مع ذلك فـ (قضاؤها أفضل) من تقديمها اتفاقا فتوى ونصّا. ومنه ـ زيادة على ما تقدم ـ الصحيح : الرجل من أمره القيام بالليل ، تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم ، فيقضي أحبّ إليك ، أم يعجل الوتر أوّل الليل؟ قال : « لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة » (٣).

ونحوه الخبر : « يقضي أحب إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقا » (٤).

وفي آخر عن قرب الإسناد : عن الرجل يتخوّف أن لا يقوم من الليل ، أيصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة فهل (٥) يجزيه ذلك ، أم عليه قضاء؟ قال : « لا صلاة. حتى يذهب الثلث الأول من الليل ، والقضاء بالنهار‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٨٥.

(٢) المختلف : ٧٤ ، المنتهى ١ : ٢١٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٨ / ١٢٩٥ ، الوسائل ٤ : ٢٥٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٩ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٠ / ١٠١٦ ، الوسائل ٤ : ٢٥٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٧.

(٥) في المصدر : وهل.

٢١٩

أفضل » (١).

وحيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب : لتصريح النص والفتوى بأوّل الليل ، بل ظاهر الخبر الأخير اعتبار مضيّ ثلثه الأوّل ، وضعف سنده يمنع عن تقييد النص والفتوى به. وإطلاقهما بجواز التقديم أوّل الليل ظاهره بحكم التبادر كونه بعد العشاءين ، ولعلّه متعيّن ، قصرا للضرورة على محلها ، والتفاتا إلى عموم ما دلّ على المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة إلّا في المواضع المستثناة (٢) ، ولم يعلم كون هذا منها.

والمراد بصلاة الليل المقدّمة مجموع الثلاث عشرة ركعة ، لإطلاقها عليها إطلاقا شائعا ، مع التصريح بتقديم الوتر في جملة من النصوص ، ومرّ في كثير من النصوص أن ركعتي الفجر من صلاة الليل (٣) ، وتسمى الدساستين لدسّهما فيها ، فما في روض الجنان من استثنائهما من الحكم (٤) غير ظاهر الوجه.

وهل ينوي مع التقديم الأداء؟ الأقوى لا ، بل ينوي التعجيل.

ولو أنبته في الوقت بعد أن قدّمها عليه فهل يسوغ الإتيان بها ثانيا؟

وجهان.

(الرابعة :)

(إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة على الظهر (٥) ، وكذا) لو تلبس بنافلة (العصر) ولو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٨ / ٧٥٩ ، الوسائل ٤ : ٢٥٧ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٨ بتفاوت فيهما.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٦٣ أبواب المواقيت ب ٥٠.

(٤) روض الجنان : ١٨٣.

(٥) في المختصر المطبوع : الفريضة.

٢٢٠