رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

للمسافر وغيره من ذوي الحاجة.

وفيه : أنّه إطراح للنصوص السابقة في صدر المسألة بأنّ وقت العشاءين إلى نصف الليل ، عموما في بعضها ، وصريحا في آخر. وهي أرجح من تلك بجميعها ، للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، بل مطلقا ، كما في السرائر وعن الغنية (١) ، فتكون بالترجيح أولى ، سيّما مع اختلاف مقابلتها في التقدير بربع وبثلث وبخمسة أميال وستة ، وفي التخصيص بالسفر ، والتعميم له ولكل علّة مع الإطلاق في مدة التأخير.

وكل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات على اختلاف مراتب الفضيلة.

ولجماعة من القدماء أيضا في أول وقت العشاء ، فجعلوه غيبوبة الشفق (٢) ، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح وغيره (٣).

وهي محمولة إمّا على التقية فقد حكاه في المنتهى (٤) عن الجمهور (٥) كافّة.

أو على الفضيلة ، جمعا بينها وبين المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل لعلّها متواترة ، ومنها ـ زيادة على ما مرّ في صدر المسألة ـ المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على الشفق إمّا مطلقا كما في جملة ، منها الموثق : « صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة ، ليتّسع الوقت على أمّته » (٦).

__________________

(١) السرائر ١ : ١٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الصدوق في الهداية : ٣٠ ، الطوسي في الخلاف ١ : ٢٦٣ ، سلّار في المراسم : ٦٢.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٠٤ أبواب المواقيت ب ٢٣ ح ١ ، ٣ ؛ وص ١٧٤ ب ١٦ ح ٦.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٥.

(٥) في « ح » ( خ ل ) : وفي الخلاف ( ج ١ ص ٢٦٣ ) نفي الخلاف عنه بين فقهائهم.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٦ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧١ / ٩٨١ ، الوسائل ٤ :

١٨١

والموثق : عن الجمع بين العشاءين في الحضر قبل أن يغيب الشفق؟

قال : « لا بأس » (١).

ونحوهما الموثقان الآخران : عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال : « لا بأس به » (٢).

وفي الخبر : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق (٣).

أو في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق » (٤).

أو في المطر كما في آخر (٥).

واحتمال اختصاص الرخصة في التقديم بهما أو مطلق العلّة ـ كما عن بعض هؤلاء الجماعة (٦) ـ يدفعه تصريح الموثقين السابقين ولا سيّما الأوّل بجوازه مطلقا من غير علّة ، هذا.

وفي المختلف : لا قائل بالفرق بين الظهرين والعشاءين ، فمن قال‌

__________________

٢٠٢ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٢.

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٣ / ١٠٤٧ ( وفيه : الشمس بدل الشفق ) ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٢ ، الوسائل ٤ : ٢٠٤ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٧١ / ٩٧٨ ، ٩٧٩ الوسائل ٤ : ٢٠٣ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٥ ، ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤ / ١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧١ / ٩٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٠٤ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٤ ، الوسائل ٤ : ٢٠٢ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٥ ، الوسائل ٤ : ٢٠٣ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٣.

(٦) كالمفيد في المقنعة : ٩٥.

١٨٢

بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب (١).

ولجماعة منهم أيضا في آخره ، فجعلوه ثلث الليل ، إمّا مطلقا كما عن بعضهم (٢) ، للخبرين : « وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل » كما في أحدهما (٣) ، وفي الآخر : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (٤).

أو مقيّدا بكونه للمختار ، وللمضطر إلى النصف ، كما عن غيره (٥) ، للموثق : « العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل ، وذلك التضييع » (٦).

وهذه النصوص مع معارضتها بعضا مع بعض ، معارضة بالنصوص المستفيضة زيادة على ما مر في صدر المسألة ، ففي الخبرين : « آخر وقت العتمة نصف الليل » (٧).

وفي آخر مروي في العلل : « لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » (٨).

وفي الموثق : « وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل » (٩).

__________________

(١) المختلف : ٦٩.

(٢) كالصدوق في الهداية : ٣٠ ، والمفيد في المقنعة : ٩٣ ، والطوسي في الخلاف ١ : ٢٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٩ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١ / ٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٧٦ / ٩٦٥ ، الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ / ٩٧٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٣.

(٥) كالطوسي في المبسوط ١ : ٧٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٣ / ٩٨٨ ، الوسائل ٤ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٩.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٧٤ ، المستدرك ٣ : ١٣٣ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٣.

(٨) علل الشرائع : ٣٤٠ / ١ ، الوسائل ٤ : ٢٠١ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٥.

(٩) التهذيب ٢ : ٢٦١ / ١٠٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ / ٩٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

١٨٣

وهما كالنص في جواز التأخير من غير عذر ، بل ظاهر أوّلهما استحباب التأخير إلى النصف.

لكن في كثير من النصوص : « لو لا أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (١).

وعليه فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة جمعا.

وقيل : يمتدّ وقت العشاءين إلى طلوع الفجر (٢) ، للخبر : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر » (٣).

وحمله الشيخ في كتابي الحديث والماتن في المعتبر وبعض من تأخّر على وقت المضطر (٤) ، كما في الصحيحين : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (٥).

وفي الأوّل قصور من حيث السند ، وفي الثاني من حيث المتن ، لتضمّنه تقديم الحاضرة على الفائتة ، وهو خلاف الأظهر الأشهر فتوى ورواية. ومع ذلك قاصران عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة ، وموافقان للعامة ، كما صرّح به شيخنا في الروض ، قال : وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالّة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢ ، ٦.

(٢) حكاه عن بعض الأصحاب في المبسوط ١ : ٧٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٥ / ١٠١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٩ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٣ ، المعتبر ٢ : ٤٣ ، وانظر المدارك ٣ : ٦٠ ، والذخيرة : ١٩٤ ، ١٩٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦ ، ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٣ ، ١٠٥٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣ ، ٤ ، بتفاوت.

١٨٤

على امتداد الوقت إلى الفجر على التقية ، لإطباق الفقهاء الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (١).

أقول : وحكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (٢).

(ووقت نافلة الظهر حين الزوال) في ظاهر النصوص (٣) وكلمة الأصحاب. ولكن في جملة من النصوص جواز التقديم إمّا مطلقا ، كما في كثير منها ، معلّلة بأنّ النافلة بمنزلة الهدية متى اتي بها قبلت (٤) ، أو بشرط خوف فواتها في وقتها ، كما في بعضها : عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار؟ قال : « نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلها » (٥).

ولم أر عاملا بها عدا الشيخ في كتابي الحديث ، فاحتمل الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم ، لما دلّ عليه ، حاملا للنصوص المطلقة عليه (٦).

وتبعه الشهيد وغيره (٧) ، بل زادوا فاستوجهوا التقديم مطلقا ، لظاهر الخبر : « صلاة النهار ستّ عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّها ، إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل » (٨).

وفيه ـ كأكثر ما تقدم ـ قصور سندا ومكافاة لما تقدم من وجوه شتى ،

__________________

(١) روض الجنان : ١٨٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢٠٥.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٢٩ أبواب المواقيت ب ٣٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٤ / ١٤ ، الوسائل ٤ : ٢٣٢ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٠ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ / ١٠٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠١١ ، الوسائل ٤ : ٢٣١ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨.

(٧) الشهيد في الذكرى : ١٢٣ ، وانظر مجمع الفائدة ٢ : ١٦ ، المدارك ٣ : ٧٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ / ١٠٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٣٣ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٥.

١٨٥

فليحمل في صورة التقديم على أنّ المراد جواز فعلها لا بقصد نافلة الزوال بل نافلة مبتدأة ويعتدّ بها مكانها ، كما هو ظاهر بعضها ، وهو الصحيح : « إنّي أشتغل ، قال : فاصنع كما نصنع ، صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر ـ يعني ارتفاع الضحى الأكبر ـ واعتدّ بها من الزوال » (١).

وفي صورة التأخير على فعلها بنيّة القضاء ، كما هو ظاهر بعضها أيضا ، وهو الحسن : عن نافلة النهار ، قال : « ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ علي ابن الحسين عليه‌السلام كان له ساعات من النهار يصلي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهدية ، متى ما اتي بها قبلت » (٢).

وفي الخبر : « فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين واقض بعدهما النوافل » (٣).

ويمتد وقتها (حتى يصير الفي‌ء على قدمين) أي سبعي الشاخص.

(و) وقت (نافلة العصر) مما بعد الظهر (إلى) أن يزيد الفي‌ء (أربعة أقدام) على الأشهر ، كما صرّح به جمع ممن تأخّر (٤) ، للمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح : « إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٧٧ / ١٠٠٦ ، الوسائل ٤ : ٢٣٢ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٧ / ١٠٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٧٨ / ١٠٠٩ ، الوسائل ٤ : ٢٣٣ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٠ / ٩٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٥ / ٩١٤ ، الوسائل ٤ : ١٤٨ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣١.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٦٢ ، ونسبه الشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٨١ والسبزواري في الذخيرة : ١٩٩ إلى المشهور.

١٨٦

فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمَّ قال : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (١).

وصدره قد تضمن القدمين والأربعة أقدام وأنّهما والذراع والذراعين بمعنى واحد ، كما صرّح به الأصحاب ، وجملة من النصوص (٢) ، ولذا جمع الإسكافي بينهما (٣).

خلافا للحلي وجماعة (٤) ، فقالوا بالامتداد إلى المثل في الاولى والمثلين في الثانية ، إمّا مطلقا ، أو مستثنى منهما مقدار الفرضين.

واستدل عليه تارة : بالصحيحة المتقدمة بناء على أن حائط المسجد كان ذراعا ، لتفسير القامة به في النصوص (٥).

وفيها ضعف سندا بل ودلالة ، لعدم تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك ، بل مطلق القامة ، وعليه نبّه الشهيد رحمه‌الله في الذكرى (٦).

ويحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسّرة به القامة التي وردت وقتا للظهر والعصر في نحو الصحيح : عن وقت الظهر والعصر؟ فكتب : « قامة للظهر وقامة للعصر » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٥٣ ، التهذيب ٢ : ١٩ / ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٩ ، الوسائل ٤ : ١٤١ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣ ، ٤.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ١٥٢ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٢ ، ٣.

(٣) كما حكاه عنه في الذكرى : ١٢٣.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ١٩٩ ، وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٤ ، التذكرة ١ : ٧٧ ، الروضة ١ : ١٨١.

(٥) الوسائل ٤ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٤ ، ١٥.

(٦) الذكرى : ١٢٣.

(٧) التهذيب ٢ : ٢١ / ٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩٠ ، الوسائل ٤ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ٨

١٨٧

ويكون محصّله التنبيه على أنّ وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن يرجع الفي‌ء ذراعا ، أي سبعي الشاخص ، كما عليه المفيد (١).

وبالجملة : ليس في تلك النصوص أنّ قامة حائط المسجد كان ذراعا ، بل يحتمل أنّ القامة التي وردت أنّها من في‌ء الزوال للظهر وضعفها للعصر كان ذراعا ، وإذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال.

وينبغي الرجوع في تفسير القامة المطلقة إلى ما هو المتبادر منها عند الإطلاق عرفا وعادة من قامة الشاخص الإنساني ، وبه صرّح أيضا في الرضوي ، وفيه : « إنّما سمّي ظل القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قامة إنسان » (٢).

وهو معارض صريح لتلك الأخبار وأقوى منها سندا ، فيتعين حمل الصحيح السابق عليه ، سيّما مع شهادة سياقه عليه ، وتأيّده بظاهر الموثق : عن صلاة الظهر ، قال : « إذا كان الفي‌ء ذراعا » قلت : ذراعا من أيّ شي‌ء؟ قال : « ذراعا من فيئك » الخبر (٣).

واخرى : بالمعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّ لكلّ من الصلاتين سبحة بين يديها طولت أو قصرت (٤) ، من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام ، بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه المقادير أصلا ، ففي الصحيح : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام :

__________________

ح ١٢.

(١) المقنعة : ٩٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٧٦ ، المستدرك ٣ : ١٠٩ أبواب المواقيت ب ٦ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥١ / ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٧ / ٨٨٦ وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٤ : ١٤٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٨.

(٤) الوسائل ٤ : ١٣١ أبواب المواقيت ب ٥.

١٨٨

روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين ، وظل مثلك ، والذراع والذراعين ، فكتب عليه‌السلام : « لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات ، إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمَّ صل الظهر ، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة ، وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمَّ صلّ العصر » (١).

وقريب منه الصحيح الآخر (٢).

وفيه نظر ، لعدم إشعار فيها بالتحديد بالمثل والمثلين كما هو المدّعى ، بل ظاهرها ( سيما الصحيح الأول ) (٣) تجويز فعل نافلة الفريضتين ولو بعدهما ، ولم يقل به أحد إلّا النادر وهو الحلبي فيما حكي عنه ، حيث قال بامتداد وقت نوافل كل فريضة بامتداد وقتها (٤).

ومع ذلك فهي قاصرة عن المقاومة للنصوص المستفيضة القريبة من التواتر ، المانعة من النافلة عموما في جملة منها وافرة (٥) ، وخصوصا في أخرى كذلك (٦) ، ومنها الصحيحة المتقدمة المتضمنة لقوله عليه‌السلام : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » (٧). ونحوها أخبار كثيرة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٩ / ٩٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥٤ / ٩١٣ ، الوسائل ٤ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٢ / ٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٨ ، الوسائل ٤ : ١٣١ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليست في « م ».

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٨.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥.

(٦) الوسائل ٤ : ١٤٦ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٢٠ ، ٢١.

(٧) راجع ص : ١٨٠ ـ ١٨١.

١٨٩

فإذا : مختار الأكثر أظهر ، ومع ذلك فهو أحوط ، وإن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد ، لظاهر الموثق : « إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر » (١) بناء على أنّ الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل والمثلين ليس إلّا لأجل نافلتهما. فتأمّل جدّاً.

(و) وقت (نافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية) وفاقا للشيخ والجماعة ، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني (٢) ، وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا (٣) ، وفي المنتهى وعن المعتبر دعوى الاتّفاق عليه (٤) ، وهو الحجّة.

مضافا إلى النصوص المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة (٥) ، خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة ، وكذا نافلتها إلى ذهاب الحمرة المغربية بالإجماع فتوى ورواية ، ويبقى ما عداها ومنه نافلة المغرب بعدها تحتها داخلة.

والنصوص الدالّة على استحباب نافلة المغرب بعدها وإن كانت معتبرة مستفيضة شاملة لما بعد الحمرة ، إلّا أنّ شمولها بالإطلاق ، وهو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها لإثبات أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمرة ، وإن هي حينئذ إلّا كالنصوص الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة ، من دون تقييد فيها بوقت بالمرّة مع أنّها مقيدة بأوقات خاصة اتّفاقا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢ / ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ / ٨٩١ ، الوسائل ٤ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٣.

(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٠. النهاية : ٦٠.

(٣) المدارك ٣ : ٧٣.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٧ ، المعتبر ٢ : ٥٣.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥.

١٩٠

فتوى ورواية.

ومن هنا يظهر مؤيّد آخر لما عليه الأصحاب من توقيت نافلة المغرب بذهاب الحمرة لا بقائها ما دام وقت الفريضة ، لبعد اختصاصها من بين الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة.

مع أنّ عموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين بوقت ـ وهو أنّه لا تزاحم الفريضة ـ يقتضي التحديد هنا أيضا ، ولا حدّ لها إلّا ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.

وأمّا الصحيح : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلّى العشاء الآخرة (١).

فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين العشاءين إذا جمع بينهما في المزدلفة ، ففي الصحيح : عن صلاة المغرب والعشاء بجمع ، فقال : « بأذان وإقامتين ، لا تصلّ بينهما شيئا » (٢) فتأمّل جدّاً.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ميل الشهيد في الذكرى والدروس (٣) إلى احتمال بقائها ببقاء الفريضة ، وإن تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة (٤) ونقله بعضهم عن الحلبي (٥) لقوله المتقدم (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٧ / ١ ، الوسائل ٤ : ٢٢٤ أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ١ وفيهما بتفاوت.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٤ / ٦١٥ ، الوسائل ٤ : ٢٢٥ أبواب المواقيت ب ٣٤ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٢٤ ، الدروس : ١ : ١٤١.

(٤) منهم صاحب المدارك ٣ : ٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٠.

(٥) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦٠.

(٦) في ص : ١٨٣.

١٩١

(وركعتا الوتيرة يمتد) وقتهما (بامتداد) وقت (العشاء) بلا خلاف أجده ، بل عليه الاتّفاق في صريح المنتهى وعن ظاهر المعتبر (١) ، وهو الحجّة بعد الأصل المؤيّد بإطلاقات ما دلّ على استحبابهما بعدها مطلقا ، مع سلامتهما هنا عن المعارض بالكلية.

(و) وقت (صلاة الليل بعد انتصافه) عندنا ، بل عليه إجماعنا عن الخلاف والمعتبر (٢) ، وفي كلام المرتضى والسرائر والمنتهى وغيرها (٣) ، وهو الحجة.

مضافا إلى أنها عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من الشريعة ، وهو فعلها بعد الانتصاف ، ففي المعتبرة المستفيضة ـ وفيها الصحاح وغيرها ـ : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأمير عليه‌السلام ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل (٤).

وفي بعضها : « ثمَّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر » (٥).

وفي آخر : « فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات » (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٠٨ ، المعتبر ٢ : ٥٤.

(٢) الخلاف ١ : ٥٣٣ ، المعتبر ٢ : ٥٤.

(٣) المرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، السرائر ١ : ١٩٦ ، المنتهى ١ : ٢٠٨ ، وانظر الحبل المتين : ١٤٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٥ ، ٢٦٦ / ١٠٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ / ٩٧٣ ، ٢٦٩ / ١٠٠٥ ، الوسائل ٤ : ٢٣١ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٦ ، ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٢ / ١٠٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ / ٩٧٣ ، الوسائل ٤ : ١٥٦ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٨ ، الوسائل ٤ : ٦١ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٦.

١٩٢

هذا مضافا إلى خصوص المعتبرة الموقّتة لها بذلك ، صريحا في بعضها ، كالمرسل : « وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره » (١).

وظاهرا في جملة منها ، ومنها الأخبار الآتية المجوّزة لفعلها قبل الانتصاف لعلّة (٢) ، فإنّها ظاهرة بل كالصريحة في أنّ ذلك رخصة في التقديم لأجلها ، لا أنّه لكونه فعلا في وقتها كما يتوهم من الموثقين : « لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره ، إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل » (٣) كما في أحدهما ، وفي الثاني : عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : « من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح » (٤).

وهما وإن أوهما ذلك إلّا أنّهما مع قصور سندهما وعدم معارضتهما لشي‌ء مما قدمناه (٥) ليسا نصّين فيه ، فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم رخصة للضرورة ، لا لكون أوّل الليل وقتا حقيقة.

وإليه أشار في الفقيه ، فقال : وكل ما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر ، لأنّ المفسّر من الأخبار [ يحكم ] (٦) على المجمل (٧). وكذا قال في التهذيبين ، وزاد : وفي وقت أيضا يغلب على ظنّ الإنسان أنّه إن لم يصلّها فاتته أو شقّ عليه القيام في آخر الليل ولا يتمكّن من القضاء ، فحينئذ يجوز له تقديمها (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٢ / ١٣٧٩ ، الوسائل ٤ : ٢٥٩ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ١٠.

(٢) انظر ص ٢١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٤ ، الوسائل ٤ : ٢٥٢ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٧ / ٥٧٧ ، الوسائل ٤ : ٢٥١ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٥.

(٥) في « ح » زيادة : وموافقتهما لما عليه العامة العمياء.

(٦) في النسخ : يحمل ، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) الفقيه ١ : ٣٠٣.

(٨) التهذيب ٢ : ١١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٧٩.

١٩٣

أقول : ويرشد إلى هذا التوجيه الخبر : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : « عند الزوال ـ وهو نصفه ـ أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز » (١) لتضمنه التوقيت بالزوال بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة « فات » الصريحة (٢) في التوقيت. ومع ذلك صرّح بالأفضليّة الظاهرة في اشتراك ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة الوقت ، لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على التوقيت منها على الاشتراك فيها فلتحمل عليه ، فتأمّل.

فما يقال من احتمال حمل أخبار التنصيف على الفضيلة ، والموثقين وما بعدهما على كون الليل بتمامه وقتا ، ضعيف غايته ، سيّما مع مخالفته الإجماع على الظاهر ، المصرّح به فيما مرّ من عبائر الجماعة حدّ الاستفاضة.

(وكلّما قرب من الفجر كان أفضل) بلا خلاف أجده ، بل عليه في الكتب المتقدمة والناصريات إجماع الإماميّة (٣) ، وهو الحجّة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : سمعته عليه‌السلام يقول ـ في قول الله عزّ وجلّ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٤) ـ : في الوتر في آخر الليل سبعين مرّة » (٥) والسحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة (٦).

والصحيح : عن ساعات الوتر ، فقال : « أحبّها إليّ الفجر الأوّل » وعن أفضل ساعات الليل ، قال : « الثلث الباقي » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٧ / ١٣٩٢ ، الوسائل ٤ : ٢٥٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٣.

(٢) في « ح » و « ل » : الصريحين.

(٣) الخلاف ١ : ٥٣٣ ، السرائر ١ : ١٩٦ ، المعتبر ٢ : ٥٤ ، الناصريّات ( الجوامع الفقهيّة ) : ٢٣٠.

(٤) الذاريات : ١٨.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٠ / ٤٩٨ ، الوسائل ٦ : ٢٨٠ أبواب القنوت ب ١٠ ح ٧.

(٦) انظر الصحاح ٢ : ٦٧٨ ، والقاموس المحيط ٢ : ٤٦ ، ومجمع البحرين ٣ : ٣٢٥ ، ولسان العرب ٤ : ٣٥٠. وفي جميعها : السحر : قبيل الصبح.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٣٩ / ١٤٠١ ، الوسائل ٤ : ٢٧٢ أبواب المواقيت ب ٥٤ ح ٤.

١٩٤

والخبر : متى أصلّي صلاة الليل؟ فقال : « صلّها آخر الليل » (١).

وضعف سنده كاختصاص الأوّلين بالوتر مجبور بالفتاوى وعدم فارق أصلا ، مع تصريح الصحيح الثاني بأنّ أفضل ساعات الليل الثلث الباقي.

هذا مضافا إلى جملة من المعتبرة الواردة في تعداد النوافل اليومية أنّ في السحر ثماني ركعات ثمَّ يوتر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل ، كما في الصحيح (٢).

وفي الموثق القريب منه : عمّا جرت به السنة في الصلاة ، فقال : « ثماني ركعات الزوال » إلى أن قال : « ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل » (٣) ونحوه في مثله سندا (٤).

وعن العلل بطريق صحيح : عن مولانا الباقر عليه‌السلام ـ في قوله تعالى (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) (٥) الآية ـ : « نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأتباعه من شعيتنا ، ينامون في أوّل الليل فإذا ذهب ثلثا الأوّل أو ما شاء الله فزعوا إلى ربهم » (٦) الحديث.

وعن كتاب الخصال في الخصال التي سأل عنها أبو ذر رضي‌الله‌عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سأله : أيّ ساعات الليل أفضل؟ قال : « جوف الليل الغابر » (٧) أي الباقي.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٥ / ١٣٨٢ ، الوسائل ٤ : ٢٥٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٦ / ١١ ، الاستبصار ١ : ٢١٩ / ٧٧٧ ، الوسائل ٤ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٧ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٥٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٥ / ٨ ، الوسائل ٤ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ١٦.

(٥) السجدة : ١٦.

(٦) علل الشرائع : ٣٦٥ / ٤ ، الوسائل ٨ : ١٥٤ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٣٩ ح ٢٦.

وفيهما : ثلثا الليل‌

(٧) الخصال : ٥٢٣ / ١٣.

١٩٥

هذا مضافا إلى النصوص في فضل الثلث الأخير واستجابة الدعاء فيه (١) ويعضدها الكتاب (٢) والسنة (٣) باستحباب الاستغفار في الأسحار.

لكن المستفاد من الصحيحين (٤) توزيع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لها على تمام الوقت ، وتوسيط النومتين ، والإيتار بين الفجرين ، كما عليه الإسكافي (٥).

ويمكن الجمع بينهما وما سبق بتخصيصهما بمريد التفريق وما سبق بمريد الجمع كما قيل (٦) ، لكن فتوى الأصحاب وأدلّتهم من الإجماعات والروايات مطلقة ، ولا يكافئها الصحيحان ، مع أنّ الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه ، وليس ، هذا.

ويحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر الليل ، إذ ليس فيهما الدلالة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله متى كان يقوم ، بل صرّح في الثاني أنّه كان يقوم بعد ثلث الليل. لكن قال الكليني : وفي حديث آخر : بعد نصف الليل (٧) ، ومع ذلك أفضليّة التوزيع من أوّل الثلث تنافي كليّة أفضليّة ما قرب منه إلى الفجر ، فتدبّر.

ومن هنا يظهر وجه النظر في بعض ما مرّ من النصوص الدالة على كون أفضل ساعات الليل الثلث الآخر (٨) ، فإنّ غايته أفضليّته خاصّة ، لا كونه أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٦٩ أبواب الدعاء ب ٢٦.

(٢) آل عمران : ١٧ ، الذاريات : ١٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٢٧٧ أبواب القنوت ب ٩ ، وج ٧ ص ٦٧ أبواب الدعاء ب ٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٥ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣٤ / ١٣٧٧ ، الوسائل ٤ : ٢٦٩ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١ ، ٢.

(٥) حكاه عنه في الحبل المتين : ١٤٨ ـ ١٤٩ ، وصاحب الحدائق ٦ : ٢٢٧.

(٦) قال به صاحب الحدائق ٦ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٧) الكافي ٣ : ٤٤٥ / ذيل الحديث ١٣ ، الوسائل ٤ : ٢٧٠ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ٣.

(٨) راجع ص : ١٨٨ ـ ١٨٩.

١٩٦

متفاوت الأجزاء بحسب الفضيلة ، كما هو ظاهر الكليّة في العبارة وعبائر الجماعة. فإذا العمدة هو إجماع الإمامية على هذه الكلية.

والمراد بالفجر هو الثاني ، كما هو ظاهر النصوص وأكثر الفتاوي ، وصريح جملة منهما (١).

خلافا للمرتضى ، فقيّده بالأوّل (٢) ، قال في الذكرى : ولعلّه نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ ، والغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى (٣). ودفعه بأنّهما من صلاة الليل ، كما في الأخبار الآتية ، وظاهر أنّ ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل. مضافا إلى ما سيأتي من أنّ محل ركعتي الفجر قبله ومعه وبعده.

ثمَّ إنّ المتبادر من الانتصاف هو منتصف ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر.

إلّا أنّه صرّح بعض الأصحاب بأنّ المعتبر تنصيف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، قال : ويعرف بانحدار النجوم الطالعة مع غروب الشمس (٤).

ولعلّه لمروي الفقيه بسنده عن عمر بن حنظلة : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل؟ فقال : « للّيل زوال كزوال الشمس » قال فبأيّ شي‌ء نعرفه؟ قال : « بالنجوم إذا انحدرت » (٥).

وقريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر ، نقلا عن كتاب محمد بن‌

__________________

(١) منهم العلامة في المختلف : ٧١ ، المحقق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٢ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨٢ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧١ ، وجامع المقاصد ٢ : ٢٢.

(٣) الذكرى : ١٢٥.

(٤) كفاية الأحكام : ١٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧ ، الوسائل ٤ : ٢٧٣ أبواب المواقيت ب ٥٥ ح ١.

١٩٧

علي بن محبوب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار » (١).

وفيهما قصور من حيث السند ، لكنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها ، مع أنّ ذلك أحوط جدّا ، سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مرّ من الأخبار بزوال الليل (٢) كما في الخبرين ، وإن شاركهما في قصور السند ، لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد ، فتأمّل.

(وركعتا الفجر) وقتهما (بعد الفراغ من الوتر) على الأشهر ، سيّما بين من تأخّر ، بل عليه عامّتهم إلّا من ندر ، بل في ظاهر الغنية والسرائر الإجماع عليه (٣) ، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، الدالة جملة منها وافرة على أنّهما من صلاة الليل ، وتضمّن اخرى كذلك ، للأمر بحشوهما في صلاة الليل (٤) ، وقريب منها المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها ، المرخّصة لفعلهما قبل الفجر ومعه وبعده (٥) خلافا للمرتضى والمبسوط (٦) ، فوقّتاهما بالفجر الأوّل ، للصحيح وغيره : « صلّهما بعد ما يطلع الفجر » (٧) بحمل الفجر فيهما على الفجر الأوّل ، ليناسب‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٩٤ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٣ أبواب ب ٥٥ ح ٢.

(٢) راجع ص ١٨٦ ـ ١٨٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، السرائر ١ : ١٩٦.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٦٣ أبواب المواقيت ب ٥٠.

(٥) الوسائل ٤ : ٢٦٨ أبواب المواقيت ب ٥٢.

(٦) حكاه عن المرتضى في المختلف : ٧١ ، المبسوط ١ : ٧٦.

(٧) الأول :

التهذيب ٢ : ١٣٤ / ٥٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٥.

الثاني :

التهذيب ٢ : ٣٤ / ٥٢١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ / ١٠٣٨ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٦.

١٩٨

الأخبار السابقة.

وفيهما ـ مع ضعف الثاني سندا ، وعدم مقاومتهما لما مرّ جدّا ـ ضعف دلالة ، لإجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة ويراد بالفجر هو الثاني ، كما هو المتبادر منه عند الإطلاق.

ولو سلّم كونه الركعتين فضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأوّل والثاني على تقدير التنزّل ، وإلّا فقد مرّ أنّه ظاهر في الثاني ، ويكون سبيلهما حينئذ سبيل

النصوص المرخّصة لفعلهما بعد الفجر ومعه وقبله ، إن حمل الأمر فيهما على الرخصة ، وإلّا فالمتعيّن حملهما على التقية ، لأنّه مذهب كثير من العامة كما صرّح به جماعة (١) ، ويفهم من بعض النصوص : متى أصلّي ركعتي الفجر؟ قال ، فقال لي : « بعد طلوع الفجر » قلت له : إنّ أبا جعفر عليه‌السلام أمرني أن أصلّيهما قبل. طلوع الفجر ، فقال : « يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق ، وأتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة » (٢).

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ، وإن مال إليه الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد (٣) ، لكن جوّزا تقديمهما على الأوّل كتقديم باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.

(و) لا ريب أنّ (تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل) خروجا عن شبهة الخلاف ، وأخذا بفحوى ما دلّ على استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل لو صلّيتا قبله ، ففي الصحيح : قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ربما‌

__________________

(١) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ١٢٦ ، والمجلسي في البحار ٨٠ : ٧٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٤ : ٢٦٤ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٢.

(٣) الشرائع ١ : ٦٣ ، الإرشاد ١ : ٢٤٣ ، القواعد ١ : ٢٤.

١٩٩

صلّيتهما وعليّ ليل فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما » (١).

وفي الموثق : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إنّي لا صلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله تعالى قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما » (٢).

وهما وإن لم يقع التصريح فيهما بكون الفجر الأوّل وقت الإعادة ، لكنّه ظاهرهما ، سيّما الثاني ، لظهوره في وقوع الإعادة عند الفجر الذي هو الثاني بحكم التبادر ، وعنده القريب منه وهو الفجر الأوّل.

وللإسكافي هنا قول آخر ، فقال : لا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل من آخره (٣) ، ولعلّه للخبر : عن أوّل ركعتي الفجر ، فقال : « سدس الليل الباقي » (٤).

ولضعفه يحمل على الفضل ، وربما يومئ إليه أيضا عبارة الإسكافي.

فتدبّر.

(ويمتد) وقتهما (حتى تطلع الحمرة) المشرقية على الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية والسرائر (٥) ، للصحاح وغيرها : « صلّهما قبل الفجر ومعه وبعده » (٦) بناء على أنّ المراد من الفجر هو الثاني ، لما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٤ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٥ / ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ / ١٠٤٥ ، الوسائل ٤ : ٢٦٧ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٧١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٣ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ / ١٠٣٣ ، الوسائل ٤ : ٢٦٥ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٥.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، السرائر ١ : ١٩٦.

(٦) الوسائل ٤ : ٢٦٨ أبواب المواقيت ب ٥٢.

٢٠٠