رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-090-0
الصفحات: ٤١٠

عليه » (١).

خلافا للمبسوط فأوجب الإعادة (٢) ، ولا مستند له من الرواية وغيرها ، عدا وجه اعتباري لا يعترض به الأخبار المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة والشهرة العظيمة ، وتخص بها الأصالة المتقدمة لو تمسّك بها ، مع أنّ مقتضاها إطلاق لزوم الإعادة ولو خارج الوقت. وتخصيصه إياها بالإضافة إليه خاصة بإجماع الطائفة والأخذ فيما عداه بمقتضاها حسن إن صحّ الإجماع عنده وليس ، كيف لا؟! وهو قد حكى الخلاف من الأصحاب في الخارج (٣) مؤذنا بعدم الإجماع عليه ، هذا.

ولو سلّم يقال : فكما تخصّص الأصالة في الخارج بإجماع الطائفة تخصّص في الوقت بما مرّ من المستفيضة التي لا وجه لردّها.

نعم : استدل له (٤) بالخبرين ، أحدهما الصحيح : في الجنابة تصيب الثوب ولم يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمَّ يعلم بعد (٥) ، قال : « يعيد إذا لم يكن علم » (٦).

والثاني الخبر : عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم » (٧).

وهما ـ مع قصور سند الثاني منهما ، وقرب احتمال سقوط حرف النفي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨.

(٣) وهو في الخلاف ١ : ٤٧٨.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٤١.

(٥) في « ح » : بعدها ، وفي المصادر : بعد ذلك.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩١ ، الاستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٥ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٢ / ٧٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٩.

١٢١

عن أوّلهما بملاحظة الشرط في ذيله ـ لا يعارضان ما سلف من الأخبار. مع أنه لم يقل بإطلاقهما الشامل لصورة القضاء. والجمع بينهما وما سبق بالتفصيل ـ كما قال به ـ فرع التكافؤ أوّلا ، ثمَّ وجود الشاهد عليه ثانيا ، وليس هنا قطعا ، فطرحهما أو حملهما على الاستحباب أو غيره متعيّن جدا.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق أكثر النصوص وكلمات أكثر الأصحاب : انسحاب الحكم في صور الجهل بالنجاسة قبل الصلاة من دون مظنة بها أو معها مطلقا ، اجتهد في الفحص عنها حينئذ أم لا. وهو الأقوى.

خلافا لشيخنا في الذكرى (١) ـ تبعا للمحكي عن جماعة من أصحابنا كالصدوق والشيخين (٢) ـ فخصّ الحكم بالجهل الساذج أو الظن مع الاجتهاد ، وأوجب فيما عداهما الإعادة مطلقا ، عملا بظاهر بعض الأخبار ، كالصحيح : « إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذا البول » (٣) الدالّ بمفهومه المعتبر على الإعادة مع عدم الاجتهاد والنظر.

ونحوه المرسل (٤).

وأظهر منهما الخبر : عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلّى ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : « الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلّا وقد جعل له حدّا ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان [ حين ] قام لم ينظر فعليه الإعادة » (٥).

ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ، لقصور الجميع عن المقاومة لما مرّ ، مع قصور سند ما عدا الأوّل ، ومخالفتها لما وقع النهي فيه عن الفحص والسؤال وجواز الاتكال على أصالة الطهارة إلى أن يعلم الحال ، بناء على‌

__________________

(١) الذكرى : ١٧.

(٢) الصدوق في الفقيه ١ : ٤٢ ، المفيد في المقنعة : ١٤٩ ، الطوسي في التهذيب ٢ : ٢٠٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٣.

١٢٢

ظهورها في مطلوبية السؤال. فتأمل.

(ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة) مع عدم العلم بها قبلها أعادها مع العلم بسبقها مطلقا ، أمكنه إزالتها أم لا ، وفاقا لجماعة من أصحابنا (١) ، للصحاح ، منها : إن رأيته ـ أي المني ـ في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : « تنقض الصلاة » (٢).

ومنها : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة » (٣).

ومنها : في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به ، قال : « عليه أن يبتدئ الصلاة » الخبر (٤).

ولا يعارضها الحسن : « إن رأيته ـ أي الدم ـ وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك » (٥).

لقصور سنده عن المقاومة لما مرّ أوّلا. وعدم وضوح دلالته ثانيا ، أمّا أوّلا فلعدم التصريح فيه بالعلم بالسبق فيحتمل اختصاص الحكم بغيره ، ووجوب الاستئناف فيه ، كما يعرب عن الأمرين الصحيح الأول حيث قال فيه بعد ما مرّ : « وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمَّ رأيته ، وإن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمَّ بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعلّه شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ».

وأمّا ثانيا فلتضمنه ما لا يقول به أحد ، من حيث الحكم بعدم الإعادة مع‌

__________________

(١) منهم الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٠٦ ، وجعلها في المدارك ٢ : ٣٥٢ أولى.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٢ أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٩ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

١٢٣

عدم إمكان تبديل الساتر على الإطلاق الشامل لما إذا كان له ساتر آخر أم لا لكن هذا على النسخة المزبورة المروية في التهذيب.

وأمّا على الأخرى المروية في الكافي والفقيه المتضمنة ـ زيادة على ما مرّ ـ لقوله : « ما لم يزد على مقدار الدرهم ، فإن كان أقلّ من درهم فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره » (١) فهو بمفهومه ظاهر الدلالة على الإعادة فيما زاد على الدرهم البتة.

وعلى هذه النسخة لا دلالة في الرواية على ما يتوهم منها من جواز المضي في الصلاة مع عدم إمكان ساتر آخر ، وعدم لزوم الإعادة ، فأخذها حجة على ذلك ليس في محلّه. كأخذ الصحيح له مطلقا ولو مع إمكان الساتر : عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال : « إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه ، إلّا أن يكون أثر فيه فيغسله » (٢).

لاحتماله ـ مع عدم القائل بإطلاقه ـ اختصاص الحكم بالمضي فيه بموجب النضح خاصة الذي ليس بنجاسة ، وقد صرّح به بل وظهوره من سياق الرواية جماعة (٣).

كلّ ذا مع العلم بالسبق. وأما مع العدم واحتمال الحدوث في الأثناء (أزالها وأتم) الصلاة (أو طرح عنه ما هي فيه ، إلّا أن يفتقر ذلك) أي كلّ من الإزالة والطرح (إلى ما ينافي الصلاة) من فعل كثير أو استدبار قبلة أو تكلّم أو نحو ذلك (فيبطلها) حينئذ ، بلا خلاف أجده فيهما ، وإن حكي القول بلزوم‌

__________________

(١) لا يخفى أنّ هذه الزيادة موجودة في الاستبصار المطبوع أيضا ، وأما في التهذيب المطبوع فقد وردت هكذا : « وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره ».

(٢) الكافي ٣ : ٦١ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٣) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٨٤ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٢ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٣١.

١٢٤

الإعادة على الإطلاق عن المعتبر (١) ، بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل بالنجاسة ، لكن المحكي عنه في المبسوط والنهاية (٢) هو التفصيل الذي تضمنته العبارة ، مع أنه ناقش في البناء جماعة (٣).

وكيف كان فالتفصيل أقرب ، استنادا في المضي مع إمكان الإزالة بدون مبطل بالصحيح الأول المتقدم في الصورة السابقة ، كالحسنة المتقدمة ثمة ، وإطلاقها مقيد بما مضى من الأدلة ، والصحيح : عن الرجل يأخذه الرعاف والقي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال : « ينتقل فيغسل أنفه ويعود في صلاته ، وإن تكلّم فليعد صلاته وليس عليه وضوء » (٤).

ونحوه الصحيح الآخر (٥).

وهما وإن أطلقا البناء مع عدم الكلام ، إلّا أنه خرج منهما ما إذا استلزم الإزالة الفعل الكثير ونحوه من المبطلات بالإجماع ، وبقي الباقي ، وهو الحجّة في الاستئناف مع توقف الإزالة أو الطرح على المنافي كمفهوم الصحيح في الجملة ، وفيه : « لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها » (٦).

ثمَّ المستفاد من إطلاق العبارة ـ وعليه حكي الشهرة (٧) ـ انسحاب التفصيل في الصورة السابقة وهي العلم بتقدم النجاسة.

ولعلّ المستند فيه : إطلاق الحسنة ، وفحوى النصوص المتقدمة الحاكمة بعدم الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها بعد الفراغ من الصلاة ، لأولوية‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٤٣.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨ ، ٩٠ ، النهاية : ٩٦.

(٣) كصاحب المدارك ٢ : ٣٥١ ، والسبزواري في الذخيرة : ١٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ / ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠٣ / ١٥٣٦ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٨ / ١٣٠٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٩.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٧ / ١٣٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١١.

(٧) الحدائق ٥ : ٤٢٦.

١٢٥

المعذورية في البعض مع إمكان تدارك الباقي بالطهارة من المعذورية في مجموع العبادة.

وهو حسن لو لا ما قدّمناه من الصحاح الآمرة بالإعادة في الصورة السابقة ، سيّما الأول منها ، لصراحتها ـ كما مضى ـ في الفرق بين الصورتين ، ولزوم الإعادة في الأولى دون الثانية ، وبها يعدل عن الأولوية ، ويصرف إطلاق الحسنة إلى هذه الصورة وهي عدم العلم بسبق النجاسة ، وبما ذكرنا تجتمع أخبار المسألة.

بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة والاستئناف. فإطلاق النصوص بالأمرين ـ كإطلاق العبارة وكلام جماعة ـ يشمل هذه الصورة ، كما ذكره بعض الأجلّة (١).

وللفقير فيه مناقشة ، لكونها من الأفراد النادرة الغير المنصرف إليها الإطلاقات البتة ، فلا يمكن اتخاذ الإطلاق (٢) حجة لإطلاق الإعادة ولو في هذه الصورة.

مع أن الأدلة على وجوب الصلاة في أوقاتها المعيّنة قطعية ، واشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم البتة ، بل الظاهر من الاستقراء ووجدان العفو عن كثير من الواجبات الركنية وغيرها لأجل تحصيل العبادة في وقتها عدم الاشتراط بهذا الوجه بالضرورة.

فعدم الإعادة في هذه الصورة لازم البتة ، وفاقا لجماعة (٣).

وعليها يحمل إطلاق بعض المعتبرة كالخبرين ، في أحدهما : في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما ، قال : « يتم » (٤).

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٥٤.

(٢) في « ح » : الإطلاقات.

(٣) منهم الشهيد الأول في البيان : ٩٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٤٨ ، وانظر الحدائق ٥ : ٤٣٥.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٣ / ١٣٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٣ أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ٢.

١٢٦

وفي الثاني المروي في مستطرفات السرائر ، عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ، عن ابن سنان ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : « إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله » قال : « وإن رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك » (١) فتأمل.

ويستفاد منه وجوب الإعادة مطلقا إذا رآها في الأثناء (٢) في صورة النسيان ، وعليه تدل جملة من الأخبار ، كالصحيح : عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة » الخبر (٣).

وفي الموثق : عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلّي ، قال : « يعيد الصلاة كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في الثوب عقوبة لنسيانه » (٤).

ولعموم التعليل فيه يتعدى إلى ما نحن فيه.

وليس في النصوص السابقة ما ينافي الحكم في هذه الصورة ، لظهورها في صورة الجهل بالنجاسة والعلم بها في الأثناء خاصة ، بل وربما دلّت الأخبار بالإعادة في صورة الجهل بالنجاسة مع العلم بسبقها بعد المعرفة بها في الأثناء على الحكم هنا بالعموم أو الفحوى ، كما لا يخفى.

(الثامن :)

(المربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد اجتزأت بغسله في اليوم والليلة مرة) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، لرواية قصور سندها منجبر بالشهرة ، وفيها : عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٨١ / ١٣ ، الوسائل ٣ : ٤٨٣ أبواب النجاسات ب ٤٤ ح ٣.

(٢) في « ل » و « ح » زيادة : مطلقا.

(٣) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦١ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

١٢٧

كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في اليوم مرة » (١).

وبها يخص الأصل والقاعدة.

إلّا أن اللازم الاقتصار على المتيقن من موردها ، وهو الصبي خاصة ، للشك في إرادة الصبية من المولود وإن كان مطلقا ، لعدم التبادر ، مع حصول الفرق بين بوليهما فيكتفي بالصب في بوله دونها. ولعلّه لذا اقتصر عليه في العبارة وكلام جماعة (٢) ، بل حكى عليه الأكثرية بعض الأجلّة (٣).

وأظهر منه الاقتصار على البول خاصة ، كيف لا؟! وهو عين مورد الرواية ، لا يحتمل الغائط بحسب الحقيقة. واحتمال الإرادة مجازا محتاج إلى القرينة الصارفة ، وليست. وعدم تعقل الفرق مدفوع بوجوده في الشريعة ، للاكتفاء بالصبّ في البول خاصة.

ونحوه الكلام في التعدي إلى المربي (٤) ، وذات الولدين (٥) ، والبدن (٦) ، وغير ذلك من التعديات (٧) ، التي ذهب إلى كل منها قائل ، التفاتا إمّا إلى عدم تعقل الفرق ، أو إلى الاشتراك في وجه الحكمة ، وهو المشقة بتكرار الغسل والإزالة.

والمناقشة فيهما واضحة :

أمّا في الأول فقد تقدّمت إليه الإشارة ، مضافا إلى عدم الملازمة بين عدم التعقل وعدم الفرق ، كيف لا؟! وأحكام الشرع تعبدية مبنية على جمع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤١ / ١٦١ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٩٩ أبواب النجاسات ب ٤ ح ١.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٥٥ ، المحقق في المعتبر ١ : ٤٤٤ ، العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٢٨٨.

(٣) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٥.

(٤) القواعد ١ : ٨ ، الدروس : ١ : ١٢٧.

(٥) كشف اللثام ١ : ٥٤.

(٦) نقله عن بعض من تأخّر في معالم الفقه : ٣٠٨.

(٧) روض الجنان : ١٦٧. معالم الفقه : ٣٠٧.

١٢٨

المختلفات وتفريق المتماثلات.

وأما في الثاني فلأنه علة مستنبطة ، ولا ريب في التعدية مع حصولها ، كيف لا؟! ولا عسر ولا حرج في الشريعة ، ولكن تتقدّر الرخصة بقدرها ، ولا دخل لها بمورد الرواية ولا خصوص اليوم والليلة ، ولا معنى حينئذ للتعدية ، وإنما الكلام في التعدية مع عدمها وإثبات الحكم في الرواية لما عدا موردها ، وليس فيما ذكر عليه دلالة.

ثمَّ إن إطلاق العبارة والرواية يقتضي جواز الإتيان بالغسل مرة في أيّ وقت شاء من يوم أو ليلة.

إلّا أن المصرّح به في كلام جماعة (١) أفضلية الإتيان به في آخر النهار ، مقدّمة له على الظهر ، آتية بعده بالأربع صلوات طاهرات.

ولا ريب فيها ، بل ربما احتمل الوجوب (٢). ويدفعه إطلاق النص وكلام الأصحاب ، إلّا أنه أحوط.

(التاسع :)

(من لم يتمكن من تطهير ثوبه) ولا تبديله (ألقاه وصلّى عريانا) وجوبا عينيا على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٣) ، وهو الحجة فيه ، كروايات ثلاث (٤) منجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة ، بل وإجماع الطائفة عليها في الجملة ، فإنهم ما بين موجب للعمل بها ، ومخيّر بينه وبين ما يأتي من الصحاح ، ويستفاد من ذلك الإجماع على الرضا بالعمل بها ، وقد صرّح به شيخنا في المنتهى (٥).

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٧٦ ، الشهيد الأول في البيان : ٩٥. الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٥٥.

(٢) التذكرة ١ : ٩٨.

(٣) الخلاف ١ : ٣٩٨ ، ٤٧٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦ الأحاديث ١ ، ٣ ، ٤.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٢.

١٢٩

مع أن فيها الموثق : عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلّا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلي عريانا قاعدا ويومئ » (١).

خلافا لمن شذّ ممن تأخر (٢) ، فأوجب العمل بما في الصحاح المستفيضة :

منها : عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه ، أيصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ فقال : « إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلّ عريانا » (٣).

التفاتا إلى عدم مقاومة ما مرّ من الأخبار لها سندا وعددا واعتبارا ، من حيث أوفقية هذه بالمرجحات للصلاة في الثوب على الصلاة عريانا بالاشتمال على الستر والقيام واستيفاء الأفعال.

وفيه نظر : فإنّ شيئا من ذلك لا يكافئ الشهرة المعتضدة بالإجماع المحكي بل الحقيقي ، كما عرفت وادّعي ، ولذا لم يجرأ (٤) جماعة ممّن ديدنهم طرح الأخبار القاصرة الأسانيد وقصرهم العمل بالصحيح على طرح تلك والأخذ بهذه ، وحاولوا الجمع بينهما بالعمل بالتخيير (٥).

وهو حسن لو تساويا في الرجحان ، وهو محل كلام ، سيّما مع قصور الأخيرة عن الصراحة ، وإنما غايتها الإطلاق ، ويحتمل الحمل على الضرورة ، كما هو الغالب ، وقد ارتكبه شيخ الطائفة (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٦ / ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٣ / ٨٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب النجاسات ب ٤٦ ح ١.

(٢) معالم الفقه : ٣١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٤ / ٨٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٥.

(٤) في « ش » و « ل » : لم يجسر.

(٥) المختلف : ٦٢ ، الدروس ١ : ١٢٧ ، جامع المقاصد ١ : ١٧٧.

(٦) كما في الاستبصار ١ : ١٦٩.

١٣٠

وكيف كان : فالأحوط الجمع بينهما في العمل إن أمكن ، وإلّا فيتعين الأول.

(و) أما (لو منعه مانع) من التعرّي من برد ونحوه (صلّى فيه) قولا واحدا ، عملا بإطلاق الصحاح المتقدمة الشاملة لهذه الصورة بالضرورة ، والتفاتا إلى خصوص الرواية : عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره ، قال : « يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه » (١).

(و) لكن (في الإعادة) مع التمكن من الطهارة (قولان ، أشبههما أنه لا إعادة) وهو الأشهر بين الطائفة ، استنادا إلى أصالة البراءة وظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام الحاجة ، مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة ، من دون تعرض لإعادة الصلاة بالمرة.

خلافا للنهاية وجماعة (٢) فأوجبوها ، للموثق : عن رجل ليس معه إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ولا يجد ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » (٣).

وهو أحوط.

(العاشر :)

(إذا جففت الشمس) (٤) عينها بالإشراق (البول أو غيره) من النجاسات الزائلة عينها بها (عن الأرض والبواري والحصر) بل كل ما لا ينقل (جازت الصلاة عليه) مع اليبوسة المانعة عن السراية إجماعا ، ومطلقا على الأظهر ، بناء على الطهارة كما هو الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٤ / ٨٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٤ ، الوسائل ٣ : ٤٨٥ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٧.

(٢) النهاية : ٥٥ ، ونسبه في المدارك ٢ : ٣٦٢ إلى جمع من الأصحاب.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٤ / ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٧ ، الوسائل ٣ : ٤٨٥ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ٨.

(٤) في المختصر المطبوع : الشمس إذا جففت ..

١٣١

خصوص البول والأمور الثلاثة في العبارة عن الخلاف (١) ، وعن الحلّي ، لكن في تطهير الشمس في الجملة (٢).

والأصل في الطهارة بعد حكايات الإجماع المزبورة : خصوص المعتبرة ، منها الصحيح : عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي أصلّي فيه ، فقال : « إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » (٣).

وحمل الطهارة على النظافة دون المعنى المتشرعة يأباه سياق الرواية.

واختصاصها بالبول والأرض خاصة غير قادح بعد التمامية في الثاني بعدم القائل بالفرق بينه وبين أخويه ، وفي الأمرين بعموم المعتبرة ، منها الرضوي : « ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات مثل البول وغيره طهّرتها ، وأما الثياب فإنها لا تطهّر إلّا بالغسل » (٤).

والخبر الذي قصور سنده بالشهرة قد انجبر : « ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » (٥).

وهما وإن عمّا ما ينقل حتى الثياب في الثاني ، وما عداها في الأول ، إلّا أنهما مخصّصان بما وقع على إخراجه الإجماع.

وقريب منهما الموثق : عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : لا تصلّ عليه واعلم الموضع حتى تغسله » وعن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال : « إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك وأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٩٥.

(٢) السرائر ١ : ١٨٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٣ ، المستدرك ٢ : ٥٧٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٥.

١٣٢

ما يصيب ذلك الموضع فلا تصلّ على ذلك الموضع القذر ، وإن كان عين الشمس (١) أصابه حتى يبس فإنه لا يجوز » (٢).

والمناقشة في دلالتها أوّلا : بعدم التصريح فيها بالطهارة ، إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليها الأعم منها ومن العفو عن النجاسة في الصلاة خاصة كما قال به جماعة (٣) ، وثانيا : بظهور الذيل في بقاء النجاسة ، للتصريح بعدم الجواز مع إصابة عين الشمس لها.

مدفوعة : أما الأولى : فبعدم الحاجة إلى التصريح بعد الظهور من وجوه عديدة تظهر من سياق الرواية :

أحدها : السؤال عن الطهارة ، ومراعاة المطابقة بين السؤال والجواب تلازمها البتة.

وثانيها : النهي فيه عن الصلاة في الأرض الجافة بغير الشمس ثمَّ الأمر بعده بإعلام الموضع للغسل والإزالة ، مع التصريح بجواز الصلاة في الجافة بها من دون أمر فيه بما أمر في السابق ، وهو ظاهر في الطهارة ، وإلّا لأمر بالإعلام للغسل كما في الصورة السابقة.

وثالثها : الحكم بجواز الصلاة كالصريح في الطهارة بعد ملاحظة الإجماعات المحكية المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة على اشتراط الطهارة في موضع السجدة ، وبه تنادي أيضا الصحيحة السابقة حيث عقّب فيها الأمر بالصلاة بجملة « فهو طاهر » التي هي إمّا كالعلّة للحكم المحكوم به في الجملة السابقة ، أو كالفرع له الملازم لدلالته على الطهارة ، وإلّا لما توجّه التفريع عليه بالمرة.

ومنه ينقدح وجه القدح في دعوى الأعمية في الحكم بجواز الصلاة من‌

__________________

(١) في بعض نسخ التهذيب : « غير الشمس » كما سيشير إليه المصنف.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤.

(٣) نقله عن الراوندي في المختلف : ٦١ ، ومال إليه المحقق في المعتبر ١ : ٤٤٥ ، والبهائي في الحبل المتين : ١٢٥ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ٨٠.

١٣٣

الطهارة واحتمال كون الوجه فيه هو العفو عن النجاسة ، كما حكي عن الجماعة.

مضافا إلى انقداح وجه آخر لفساد احتمال العفو ، من إطلاق الحكم بالجواز من دون اشتراط عدم الرطوبة الموجبة للسراية ، كما اشترطه هؤلاء الجماعة ، فالإطلاق وجه آخر للدلالة على الطهارة.

وأما الثانية : فلتوقفها ـ بعد تسليمها ـ على النسخة المتقدمة ، وهي معارضة بنسخة اخرى مبدّلة للعين بالغير ، الظاهرة في الطهارة ، مع اعتضادها بتذكير الضمير في الإصابة ، ومع ذلك فليس شي‌ء منهما في ( بعض ) (١) نسخ التهذيب في باب الزيادات بمروية (٢).

هذا مع إمكان تتميم الدلالة أيضا على النسخة السابقة بنوع من التوجيهات القريبة.

وبالجملة : دلالة الرواية ـ كسابقتها ـ على الطهارة واضحة ، مع التأيد بظواهر إطلاق الصحاح المجوّزة للصلاة على الأراضي اليابسة (٣) ، الخارجة منها اليابسة بغير الشمس بدلالة خارجية ، ويكون ما نحن فيه مندرجا فيها البتة ، والعام المخصّص في الباقي مسلّم الحجية عند الطائفة.

مضافا إلى الاعتضاد بمعاضدات أخر ، كالخبر : « حقّ على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها بالشمس ليطهّرها » (٤).

هذا مع أن بقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة من الأشياء المذكورة في العبارة ونحوها ـ ممّا لم يقطع ببقاء النجاسة فيها بعد زوال العين منها بها ـ يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ، كيف لا؟! ولا آية ولا رواية سوى الموثقة المختص الأمر فيها بالغسل بالأرض المخصوصة ، اليابسة بغير الشمس ، المنعقد على وجوب الإزالة فيها إجماع الطائفة.

وكذا الإجماع ، كيف؟! ولا ينعقد ولا تسمع دعواه في مثل محل النزاع.

__________________

(١) ليست في « ش ».

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩.

(٤) الكافي ٢ : ٢٧٢ / ١٨ ، الوسائل ١٥ : ٣٠٦ أبواب جهاد النفس ب ٤١ ح ٢.

١٣٤

والاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هنا فمقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة. وهو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل ، وليس ، كيف لا؟! والأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي ، ولا وجه لترجيح الأول عليه بل هو به أولى ، كيف لا؟! والأصل طهارة الأشياء المسلّم بين العلماء ودلّت عليه أخبارنا ، ففي بعضها : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » (١) ولا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما من البين ، فلا مخصّص للأصالة المزبورة هنا. فتأمل جدا.

ولو لا في المسألة من الأدلة سواها لكفانا الأخذ بها ، وما أحوجنا شي‌ء إلى الاشتغال بغيرها.

ومنها يظهر وجه تعميم الطهارة لكل ما وقع فيه الخلاف من نجاسة وأمكنة ، مضافا إلى عموم بعض المعتبرة المتقدمة ، وإن اختلف الأصحاب فيه بالإضافة إلى الأمرين إلى أقوال متعددة وآراء متكثرة ، لكنها كملا ـ عدا ما وافق التعميم ـ في الضعف مشتركة.

وأضعف منها القول ببقاء النجاسة وثبوت العفو عنها في الصلاة عليها مع اليبوسة خاصة ، كما مرّت الإشارة إلى حكايته عن جماعة (٢).

نعم : هنا رواية صحيحة ربما أوهمت المصير إلى ما عليه هؤلاء الجماعة ، وفيها : عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال : « كيف يطهّر من غير ماء » (٣).

وهي مع وحدتها قاصرة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة ، ومع هذا محتملة لمحامل قريبة لا مندوحة عنها في الجمع بين الأدلة ولو كانت في التقدير بعيدة ، وأقربها الحمل على التقية ، لموافقتها مذهب جماعة من العامة كما حكاه بعض‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤ ، وانظر المستدرك ٢ : ٥٨٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٤.

(٢) راجع ص ١٢٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٧.

١٣٥

الأجلة (١).

هذا مع اقتضاء عدم الطهارة بإشراق الشمس العسر والحرج المنفيين آية (٢) ورواية (٣) ، مع منافاته الملّة السهلة السمحة ، مع إطباق الناس كافة في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن أمثالها بالماء ، والاكتفاء بالتطهير بالشمس خاصة فيما عدا الأمور المنقولة في أيّ نجاسة. فلا ريب في المسألة بحمد الله سبحانه.

(وهل تطهّر النار ما أحالته) (٤) رمادا أو دخانا؟ (الأشبه نعم) وهو الأشهر ، بل عليه الإجماع في دخان الأعيان النجسة كما عن المنتهى والتذكرة (٥) ، ورمادها كما عن صريح الخلاف وظاهر المبسوط (٦) ، وفيهما معا كما عن السرائر (٧) ، وهو الأصل.

مضافا إلى أصالة الطهارة السالمة عمّا يعارضها من الأدلة ، سوى استصحاب النجاسة ، وهو مع عدم كون المقام محلّه اتفاقا معارض بمثله في طرف الملاقي ، وقد مرّ إلى نظيره الإشارة (٨). مع أن الأحكام الشرعية تابعة للأسماء الزائلة بالاستحالة.

ومنه ينقدح الوجه في طهارة كل ما وقع فيه الاستحالة ، بنار كانت أو غيرها.

ومن الأدلة في المسألة : الخبران ، في أحدهما الصحيح : عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ١٧١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣.

(٢) البقرة : ١٨٥ ، الحج : ٧٨.

(٣) عوالي اللئالي ١ : ٣٨١ / ٥ ، وانظر الوسائل ١٤ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤ ، ٦.

(٤) في المختصر المطبوع : وهل تطهّر [ أي الشمس ]؟ الأشبه نعم ، والنار ما أحالته.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٠ ، التذكرة ١ : ٨.

(٦) الخلاف ١ : ٤٩٩ ، المبسوط ٦ : ٢٨٣.

(٧) السرائر ٣ : ١٢١.

(٨) راجع ص ١٣٠.

١٣٦

إليه بخطّه : « إن الماء والنار قد طهّراه » (١).

وفي الثاني المروي في قرب الإسناد ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام : عن الجصّ يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصّص به المسجد؟ قال : « لا بأس » (٢).

والمناقشة في دلالتهما واهية ، كيف لا؟! وهما صريحتا الدلالة على جواز تجصيص المسجد ( الممنوع من أن يدخل عليه مثل هذه النجاسة بإجماع الطائفة ) (٣) بالجصّ ـ المسؤول عنه في الرواية ـ مع كونه مختلطا برماد العذرة البتة. وهو الوجه في دلالة الرواية ، لا ما توهّم منه وأوردت به المناقشة.

وبالجملة : لا ريب في الطهارة.

خلافا للمبسوط في دخان الأعيان النجسة (٤) ، لوجه اعتباري مدفوع بما قدّمناه من الأدلة.

وللماتن في الشرائع في كتاب الأطعمة حيث تردّد على الإطلاق في الطهارة (٥). والمناقشة فيه بعد ما مرّ واضحة.

ثمَّ إن من أصالة الطهارة المؤسّسة هنا وفي المسألة السابقة يظهر وجه القوة في القول بالطهارة في كل ما وقع الخلاف في ثبوتها فيه من الأشياء المستحيلة استحالة لا يقطع معها بالخروج عن الأسماء السابقة ، كصيرورة الأرض النجسة آجرا أو خزفا أو نورة أو جصّا ، والعود النجس فحما ، ونحو ذلك.

لكن ربما يعتضد في ترجيح استصحاب النجاسة باستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة ، الغير الحاصلة بالصلاة عليها أو مع ما لاقاها من الثياب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ٢٩٠ / ١١٤٧ ، الوسائل ٥ : ٢٩١ أبواب أحكام المساجد ب ٦٥ ح ٢.

(٣) ما بين القوسين ليست في « ش ».

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨٣.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٢٦.

١٣٧

المساورة لها بالرطوبة ، فترجيحه بالإضافة إلى هذه الصورة ، والرجوع فيما عداها إلى أصالة الطهارة المستفادة من الأدلة العامة غير بعيد إن لم يكن مثله إحداث قول في المسألة.

وكيف كان : الأحوط مراعاة أصالة النجاسة البتة وإن كان القول بترجيح أصالة الطهارة مطلقا لا يخلو عن قوة حتى في العبادة ، نظرا إلى أن أصالة بقاء شغل الذمة فيها مندفعة بعدم معلومية النجاسة ، وبه يحصل البراءة القطعية. كيف لا؟! واشتراط الطهارة في الصلاة ليس اشتراطا للواقعية منها بل للظاهرية ، بمعنى وجوب التنزه فيها عن معلوم النجاسة ، فيرجع الشرط إلى عدم العلم بالنجاسة ، ولذا في المصلّي معها جاهلا قلنا بالمعذورية ، فالبراءة اليقينية بمجرد عدم العلم بالنجاسة حاصلة ، فقد خلت عن المعارض ـ زائدا على أصالة النجاسة ـ أصالة الطهارة ، ويجب الرجوع فيما تعارضا فيه إلى أصالة الطهارة العامة المستفادة من قوله عليه‌السلام في الموثقة : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر » وأمثاله كثيرة.

(وتطهّر الأرض) بالمشي عليها أو الدلك بها مع يبوستها ( مطلقا ) (١) طاهرة كانت أم لا ، كما عن جماعة من أصحابنا (٢) ، واستفيد من بعض أخبارنا (٣) ، أو مطلقا ولو كانت رطبة ، كما هو مقتضى ( إطلاق ) (٤) أكثر النصوص والفتاوي.

(باطن الخف) وهو أسفله الملاصق لها (و) أسفل (القدم مع زوال) عين (النجاسة) بها إن كانت ذات عين ، وإلّا كفى مسمّى المشي عليها مطلقا.

__________________

(١) ليست في « ش ».

(٢) منهم العلّامة في نهاية الإحكام ١ : ٢٩١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩ / ٥ ، مستطرفات السرائر : ٢٧ / ٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ ، ٤٥٩ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣ ، ٩.

(٤) ليست في « ش ».

١٣٨

ولا خلاف في أصل الحكم هنا في الجملة بين أصحابنا وإن اختلفوا فيما يطهّر بها : فبين مقتصر على الأمرين كما هنا ، ومبدّل للأخير بالنعل كما عن العلّامة (١) ، ومزيد له عليهما كما هو الأشهر بين أصحابنا ، بل ربما ادعي عليه وفاقنا (٢) ، ومعمّم للثلاثة وغيرها مما يجعل للرجل وقاء كما عن الإسكافي (٣).

وهو أقوى ، وفاقا لبعض أصحابنا (٤) ، واقتضاه التدبر في أخبارنا ، نظرا إلى التعليل في المستفيض منها بأن الأرض يطهّر بعضها بعضا ، هذا مضافا إلى الأصل الذي مضى مرارا ، وإن كان الاقتصار على الثلاثة أحوط وأولى من دون تأمل فيها ، للتصريح بها في الأخبار.

ففي النبويين : « إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب ». كما في أحدهما (٥).

وفي الآخر بدل الخفّ : النعل (٦).

وفي الصحيح : رجل وطئ عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها؟ فقال : « لا يغسلها إلّا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلّي » (٧).

ونحوه الصحيحان وفي أحدهما : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضا » (٨).

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٧٨.

(٢) انظر المدارك ٢ : ٣٧٢.

(٣) على ما نقل عنه المحقق في المعتبر ١ : ٤٤٧.

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٧٠ ، والمسالك ١ : ١٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٧٩ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٥٥.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٦.

(٦) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٥.

(٧) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٧.

(٨) الكافي ٣ : ٣٨ / ٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٢.

١٣٩

وفي الثاني : « لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك » (١).

واشتراط هذا الشرط محكي عن الإسكافي (٢).

خلافا للأكثر فلا ، تبعا لإطلاق أكثر النصوص والفتاوي ، والتفاتا إلى قرب احتماله الحمل على الغالب. وهو أقوى ، بل التدبر في الأخبار يقتضي الاكتفاء بالمسح بالأرض مطلقا ولو لم يكن هناك مشي أصلا.

وكيف كان : النصوص ما بين مصرّح بالقدم وعام له ، إمّا بترك الاستفصال أو التعليل العام ، فالتوقف فيه ـ كما عن التحرير والمنتهى (٣) ـ ضعيف جدا.

وقد جمع بينهما المعتبر المروي في السرائر ، مسندا عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، وفيه : مررت فيه ـ أي الزقاق القذر ـ وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ « فقلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضا » (٤).

وفي ظاهره ـ كما ترى ـ إشعار بل دلالة على اعتبار اليبوسة.

ونحوه الخبر : عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا ، فقال : « أليس وراءه شي‌ء جافّ؟ » قلت : بلى ، قال : لا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » (٥).

إلّا أن في سنديهما قصورا مع عدم جابر لهما هنا ، لإطباق أكثر النصوص والفتاوي بالإطلاق جدا ، مع اعتضاده بالأصل الذي مضى. فهو أقوى ، إلّا أن اعتبار الجفاف أحوط وأولى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ١٥.

(٣) التحرير ١ : ٢٥ ، المنتهى ١ : ١٧٩.

(٤) مستطرفات السرائر : ٢٧ / ٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٩ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.

١٤٠