إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١٩

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

عيسى عليه‌السلام يصلي خلفه كما ورد في الصحاح ، ويصدقه في دعواه ، والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت انه حي موجود.

وأما المعنى في بقائهم لا يخلو من احد قسمين اما أن يكون بقاؤهم في مقدور الله أو لا يكون ، ومستحيل أن يخرج عن مقدور الله ، لان من بدأ الخلق من غير شيء وأفناه ثم يعيده بعد الفناء لا بد ان يكون البقاء في مقدوره.

وإذا ثبت ان البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو أيضا من قسمين : اما ان يكون راجعا الى اختيار الله تعالى أو الى اختيار الامة ، ولا يجوز أن يكون الى اختيار الامة ، لأنه لو صح ذلك منهم لصح من أحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده ، وذلك غير حاصل لنا ، غير داخل تحت مقدورنا ، فلا بد من أن يكون راجعا الى اختيار الله سبحانه.

ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضا ، اما أن يكون لسبب أو لا يكون لسبب ، فان كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة ، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى ، فلا بد من أن يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى.

قلت : وسنذكر بقاء كل واحد منهم على حدة.

أما بقاء عيسى عليه‌السلام لسبب وهو قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به منذ نزول هذه الآية الى يومنا هذا احد فلا بد أن يكون هذا في آخر الزمان.

وأما الدجال اللعين : لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه خارج فيكم الأعور الدجال ، وان معه جبال من خبز ، تسير معه الى غير ذلك من آياته ، فلا بد أن يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة.

وأما الامام المهدي «ع» مذ غيبته عن الأبصار الى يومنا هذا لم يملأ الأرض

٧٠١

قسطا وعدلا كما تقدمت الاخبار في ذلك ، فلا بد أن يكون ذلك مشروطا بآخر الزمان ، فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم. فعلى هذا اتفقت اسباب بقاء الثلاثة لصحة أمر معلوم في وقت معلوم وهما صالحان نبي وامام ، وطالح عدو الله وهو الدجال.

٧٠٢

فيمن رأى المهدى عليه‌السلام بعد غيبته الكبرى

روى في ذلك جماعة من أعلام القوم :

فمنهم العلامة القندوزى في «ينابيع المودة» (ج ٣ ص ١٢٦ ط صيدا) قال :

وعن غانم الهندي قال : أتيت بغداد في طلب المهدي عليه‌السلام ، وقد مشيت على الجسر مفكرا اين أجده ، إذ أتاني آت فقال لي : أجب مولاك. فلم يزل يمشي معي حتى ادخلني دارا وبستانا ، فإذا مولاي قاعد ، فلما نظر الي قال : يا غانم أهلا وسهلا. فكلمني بالهندية وسلم علي وقال : أنت تريد الحج في هذه السنة مع أهل قم ، فلا تحج في هذه السنة وانصرف الى خراسان وحج من عام قابل ، وألقى الي صرة وقال : اجعل هذه نفقتك ولا تخبر بشيء مما رأيت.

وعن محمد بن شاذان الكابلي قال : كنت لم أزل أطلب المهدي عليه‌السلام ، وأقمت في المدينة وما ذكرته لاحد الا استهزأ بي ، فلقيت شيخا من بني هاشم ـ وهو يحيى بن محمد العريضي ـ فقال لي : ان الذي تطلبه بصرياء. فأتيت

٧٠٣

صرياء ودخلت في الدكان فزجرني غلام أسود وقال : قم من هذا المكان. فقلت : لا أخرج ، فدخل الدار ثم خرج وقال لي : أدخل. فدخلت فإذا مولاي قاعد بوسط الدار ، وسماني باسم لم يعرفه أحد الا أهلي بكابل ، وأخبرني بأشياء ثم انصرفت عنه. ثم أتيت السنة الثانية فلم أجده.

وعن عبد الله بن جعفر الحميري قال : سألت محمد بن عثمان العمري عن رؤية صاحب الزمان قال : رأيته عند البيت الحرام يقول «اللهم أنجز لي ما وعدتني» ، ورأيته أيضا كان متعلقا بأستار الكعبة ويدعو ويناجي ربه.

وعن ظريف ابى نصر قال : دخلت على صاحب الزمان عليه‌السلام ، قال لي : من أنا؟ قلت : أنت سيدي ابن سيدي. فقال : أنا خاتم الأوصياء ، فبي يدفع الله البلاء عن أهل الأرض.

وعن عبد الله السوري قال : دخلت في بستان بني هاشم فرأيت غلمانا يسبحون في غدير ماء وفتى جالس على مصلى واضعا كمه على فيه. فقلت لهم : من هذا؟ فقالوا : محمد بن الحسن العسكري ، وكان في صورة أبيه عليهما‌السلام.

وعن محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي أنه ذكر عدد من رأى صاحب الزمان وكراماته عليه‌السلام من الوكلاء ببغداد محمد بن عثمان العمري وابنه حاجز والبلالي والعطار ، ومن أهل الكوفة العاصمي ، ومن الأهواز محمد بن ابراهيم بن مهزيار ، ومن قم احمد بن اسحق ، ومن همدان محمد بن صالح ، ومن الري البسامي والأسدي عن نفسه ، ومن آذربايجان القاسم بن العلا ، ومن نيشابور محمد بن شاذان النعيمي ، فهؤلاء اثنا عشر رجلا من الوكلاء. وأما من غير الوكلاء فثلاثة وخمسون رجلا أسماؤهم مكتوبة في كتاب الغيبة مفصلا.

٧٠٤

وعن الحسن بن وجنا النصيبي قال : كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربعة وخمسين حجة مني وأنا اطلب صاحب الزمان بالتضرع والدعاء ، إذ حركتني جارية فقالت : قم يا حسن. فمشت معي حتى أتت بي دار خديجة رضي‌الله‌عنها ، فوقفت بالباب ، فقال لي صاحب الزمان عليه‌السلام : يا حسن والله ما من حج حججته الا وأنا معك في حجك ، فالزم دار جعفر بن محمد الباقر عليهما‌السلام ولا يهمنك طعامك وستر عورتك. وعلمني دعاء وقال : ادع وصل علي ولا تعطه الا محق أوليائي. ولزمت ذلك الدار ولم أزل أجد فيها وقت إفطار ماء ورغيفا وإداما وأجد كسوة الشتاء في الشتاء وكسوة الصيف في الصيف.

وعن علي بن احمد الكوفي الازدي قال : بينا انا في طواف فإذا شاب حسن الوجه طيب الرائحة يتكلم الي ، فقلت : يا سيدي من أنت؟ قال : أنا المهدي وأنا صاحب الزمان وأنا القائم الذي املأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، وان الأرض لا تخلو من حجة ولا يبقى الناس في فترة ، فهذه امانة لا تحدث بها الا إخوانك من الحق. ثم ألقى حصاة الي فإذا سبيكة ذهب.

وقال بعضهم : انه يظهر في كل سنة يوما لخواصه يهديهم.

عن راشد الهمداني قال : لما انصرفت من الحج ظللت الطريق فوقعت في أرض خضراء نضرة وتربتها أطيب تربة وفيها فسطاط ، فلما بلغته رأيت الخادمين وقالا : اجلس فقد أراد الله بك خيرا. فدخل أحدهما ثم خرج فقال : ادخل.

فدخلت فإذا فتى جالس وقد علق فوق رأسه سيف طويل. فسلمت عليه فرد السلام علي فقال : من أنا؟ فقلت : لا أعلم. فقال : أنا القائم الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف فأملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. فسقطت على وجهي فقال : لا تسجد لغير الله ، ارفع رأسك وأنت راشد من بلد همدان أتحب أن ترجع الى أهلك؟ قلت : نعم. وناولني صرة وأومأ الى

٧٠٥

الخادم فمشى معي خطوات فرأيت أسدآباد ، فقال : هذه أسدآباد امض يا راشد. فالتفت فلم أره ، فدخلت أسدآباد وفي الصرة خمسون دينارا ، فدخلت همدان وبشرت بأهلي ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.

وعن أبي نعيم الانصاري قال : كنت في المسجد الحرام في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين إذ رأينا شابا فقمنا لهيبته ، فجلس وقال : أتدرون ما كان جعفر الصادق يقول : في دعائه؟ قلنا : وما كان يقول. قال : كان يقول «اللهم اني أسالك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض وبه تفرق بين الحق والباطل ، وبه تجتمع بين المتفرق وبه تفرق بين المجتمع ، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار ، أن تصلي على محمد وان تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا». ثم انصرف.

فلما كان الغد في ذلك الوقت خرج من الطواف وجلس وقال لنا : أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الدعاء بعد الفريضة؟ قلنا : وما كان يقول. قال : كان يقول «اللهم إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوات ولك عنت الوجوه ولك خضعت الرقاب وإليك التحاكم في الاعمال ، يا خير من سئل وخير من أعطى ، يا صادق يا بارئي يا من لا يخلف الميعاد يا من امر بالدعاء وتكفل بالاجابة ، يا من قال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) يا من قال (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، يا من قال (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

ثم قال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في سجدة الشكر؟ قلنا : وما كان يقول. قال : كان يقول «يا من لا يزيده إلحاح الملحين الا كرما وجودا ، يا من له خزائن السماوات والأرض ، يا من له الفضل العظيم لا تمنعك اساءتي من إحسانك الي ، اسألك أن تفعل بي ما أنت أهله وأنت أهل الجود

٧٠٦

والكرم والعفو ، يا الله يا ربي يا الله افعل بي ما أنت أهله وأنت قادر على العقوبة وقد استحققتها لا حجة لي عندك ولا عذر لي عندك أبوء إليك بذنوبي كلها وأعترف بها كي تعفو عني وأنت أعلم بها مني ، برئت إليك من كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها وكل سيئة عملتها ، يا رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم».

قال : وانصرف ثم عاد من بعد في ذلك الوقت فجلس وقال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام سيد العابدين يقول في سجوده في هذا الموضع ـ وأشار بيده الى الحجر الأسود ـ «عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك يسألك ما لا يقدر عليه سواك».

قال : ثم نظر الى محمد بن القاسم العلوي فقال : يا محمد بن القاسم أنت على خير ، لأنه كان يطلب صاحب الزمان. وقام وانصرف.

فقال المحمودي : يا قوم أتعرفون هذا؟ قلنا : لا. قال : هذا والله صاحب الزمان. فقال : اني دعوت ربي أن يريني صاحب الزمان قبل سبع سنين عشية عرفة وهو يقرأ دعاء عشية عرفة. فقلت. من أنت؟ قال : من بني هاشم. فقلت : ممن. قال : ممن فلق الهام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام. فعلمت أنه علوي.

ثم غاب فلم أدر أصعد في السماء أم نزل في الأرض ، فسألت القوم الذين كانوا حوله : أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا : نعم يحج معنا كل سنة ماشيا. فقلت لهم : ما أرى به أثر مشي.

ثم انصرفت الى المزدلفة حزينا على فراقه ونمت في ليلتي تلك فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقال : يا محمودي رأيت مطلوبك وهو صاحب زمانكم عشية عرفة.

٧٠٧

وهذه القصة من طرق ثلاثة ذكروها.

وعن ابراهيم بن مهزيار الأهوازي قال : قدمت المدينة ومكة لطلب صاحب الزمان ، فبينا أنا في الطواف قال لي رجل أسمر اللون : من أي البلاد أنت؟ قلت من الأهواز. قال : أتعرف ابراهيم بن مهزيار. قلت : أنا هو. فعانقني فقلت له : هل تعرف من أخبار صاحب الزمان؟ قال لي : فارتحل معي الى الطائف في خفية من أصحابك ، فمشينا الى الطائف من رملة الى رملة حتى وصلنا الى الفلاة ، فبدت لنا خيمة قد أشرقت بها الرمال وتلألأت بها تلك البقاع ، ثم أسرعنا حتى وصلنا إليها ، فبالاذن دخلت على صاحب الزمان عليه‌السلام قال لي : مرحبا بك يا ابا اسحق. فقلت : بأبي وأمي ما زلت أتفحص عن أمرك بلدا فبلدا حتى من الله علي بمن أرشدني إليك. ثم قال : يا ابا اسحق ليكن هذا المجلس مكتوما عندك.

قال ابراهيم : فمكثت عنده حينا اقتبس منه موضحات الاعلام ونيرات الاحكام ، فإذن لي في الرجوع الى الأهواز وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخرا عند الله لي ولعقبي وقرابتي ، وعرضت عليه مالا كان معي يزيد على خمسين ألف درهم وسألته أن يتفضل بقبوله. فتبسم وقال : يا ابا اسحق استعن به على منصرفك ولا تحزن لاعراضنا عنه ، وبارك الله فيما خولك وأدام لك ما حولك وكتب لك أحسن ثواب المحسنين ، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع بمنه ولطفه إن شاء الله تعالى.

٧٠٨