إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١٩

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

ومنها

قال محمد بن علي بن موسى : خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشر من الشر جالبه ، وأهول من الهول راكبه.

ومنها

قال محمد بن علي بن موسى : إذا نزل القضاء ضاق الفضاء. سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العجب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة. ولا يضرك سخط من رضاه الجور. تعز عن الشيء إذا منعته لقلة صحبته إذا أعطيته.

ومنها

قال : اتئد تصب أو تكد.

ومنها

قال محمد بن علي بن موسى بن جعفر للمتوكل في كلام دار بينهما : لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه ، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه ، وانما قلب غيرك لك كقلبك له.

٦٠١

ومنها

سئل محمد بن علي بن موسى عن الحزم فقال : هو أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك.

ومن كلماته (عليه‌السلام)

من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.

رواه في «تاريخ بغداد» (ج ٣ ص ٥٤ ط السعادة بمصر).

أخبرنى محمد بن الحسين الفطان ، أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثنا أبو جعفر الحسن بن علي بن جعفر القمي ، حدثنا جعفر بن محمد ابن مالك الكوفي الأسدي ، عن عبد الرحمن بن أبى عران ، عن الحسن بن علي ابن جعفر القمي ، حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الأسدي ، عن عبد الرحمن ، عن محمد بن زيد الشبيه قال : سمعت ابن الرضا محمد بن علي ابن موسى يقوله.

(جملة من كلماته التي رواها)

في «نور الأبصار» (ص ١٦٠ ط الشعبية بمصر).

ومن كلامه رضي‌الله‌عنه كما في الفصول المهمة : ان لله عبادا يخصهم بدوام النعم ، فلا تزال فيهم ما بذلوها ، فان منعوها نزعها الله منهم وحولها الى غيرهم.

وقال رضي‌الله‌عنه : ما عظمت نعمة الله على أحد الا عظمت اليه حوائج

٦٠٢

الناس ، فمن لم يتحمل تلك المئونة عرض تلك النعمة للزوال.

وقال رضي‌الله‌عنه : أهل المعروف الى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه لان لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبتدئ فيه بنفسه.

وقال رضي‌الله‌عنه : من أجل إنسانا هابه ، ومن جهل شيئا عابه ، والفرصة خلسة ، من كثر همه سقم جسمه ، وعنوان صحيفة المسلم حسن خلقه.

وفي موضع آخر : عنوان صحيفة المسلم السعيد حسن الثناء عليه.

وقال : من استغنى بالله افتقر الناس اليه ، ومن اتقى الله أحبه الناس.

وقال : الجمال في اللسان والكمال في العقل.

وقال : العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الأدب زينة الورع ، وبسط الوجه زينة القناعة ، وترك مالا يعنى زينة الورع.

وقال رضي‌الله‌عنه : حسب المرء من كمال المروءة أن لا يلقى أحدا بما يكره ، ومن حسن خلق الرجل كفه أذاه ، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه ، ومن كرمه إيثاره على نفسه ، ومن انصافه قبول الحق إذا بان ، ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه ، ومن حفظه لجوارك تركه توبيخك عند ذنب أصابك مع علمه بعيوبك ، ومن وفقه تركه عذلك بحضرة من تكره ، ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤنة التحفظ ، ومن علامة صداقته كثرة موافقته وقلة مخالطته ، ومن شكره معرفة احسان من أحسن اليه ، ومن تواضعه معرفته بقدره ، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته بصلاح عيوبه.

وقال رضي‌الله‌عنه : العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء.

٦٠٣

وقال رضي‌الله‌عنه : من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل والطامع في وثاق الذل ، ومن طلب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا.

وقال رضي‌الله‌عنه : العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.

وقال رضي‌الله‌عنه : الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت.

وعنه رضي‌الله‌عنه : ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة الاستغفار ، ولين الجانب ، وكثرة الصدقة. وثلاث من كن فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة والتوكل على الله عند العزم.

وقال رضي‌الله‌عنه : لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.

وقال رضي‌الله‌عنه : مقتل الرجل بين فكيه ، والرأي مع الإناة ، وبئس الظهير الرأي الفطير.

وقال رضي‌الله‌عنه : ثلاث خصال تجلب بهن المودة : الإنصاف في المعاشرة والمواساة في الشدة ، والانطواء على قلب سليم.

وقال رضي‌الله‌عنه : الناس أشكال وكل يعمل على شاكلته ، والناس أخوان فمن كانت أخوته في غير ذات الله فإنها تعود عداوة ، وذلك قوله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).

وقال : من استحسن قبيحا كان شريكا فيه.

وقال رضي‌الله‌عنه : كفر النعمة داعية المقت ، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك.

وقال رضي‌الله‌عنه : لا تفسد الظن على صديق قد أصلحك اليقين له ، ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه.

وقال : لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل الى أن بلغ ثماني عشرة سنة ، فإذا بلغها غلب عليه أكثرها فيه ، وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم

٦٠٤

أنها من الله الا كتب الله على اسمه شكرها له قبل أن يحمده عليها ، ولا أذنب عبد ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه وأنه ان شاء عذبه وان شاء غفر له إلا غفر له قبل أن يستغفره.

وقال رضي‌الله‌عنه : الشريف كل الشريف من شرفه علمه ، والسؤدد كل السؤدد لمن اتقى الله ربه.

وقال : لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يطولن عليكم الامل فتقسو قلوبكم ، وارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة منكم.

وقال رضي‌الله‌عنه : من أمل فأجرا كان أدنى عقوبته الحرمان.

وقال : موت الإنسان بالذنوب أكبر من موته بالأجل ، وحياته بالبركة أكبر من حياته بالعمر.

وقال رضي‌الله‌عنه : من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.

وعنه : لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد ثم اتقى الله تعالى لجعل الله له منها مخرجا.

وعنه أنه قال لبشر بن سعد لما قدم مصر : يا بشر ان للمحن أخريات لا بد أن تنتهي إليها ، فيجب على العاقل أن ينام لها الى ادبارها ، فان مكايداتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها.

وعنه : من وثق بالله وتوكل على الله نجاه الله من كل سوء وحرز من كل عدو. والدين عز والعلم كنز والصمت نور. وغاية الزهد الورع ، ولا هدم للدين مثل البدع ، ولا أفسد للرجال من الطمع. وبالراعي تصلح الرعية وبالدعاء تصرف البلية. ومن ركب مركب الصبر اهتدي الى مضمار النصر ، ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى.

٦٠٥

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الامام العاشر على بن محمد الهادي)

(العسكري عليه‌السلام)

قد تقدم جملة مما ورد منها في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص ٤٤٢ الى ص ٤٥٥) ونستدرك هاهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هاهنا :

نسبه عليه‌السلام وتاريخه

فممن لم ننقل عنه هناك العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراويّ الشافعي في «الإتحاف بحب الاشراف» (ص ٦٧ ط مصطفى البابى الحلبي بمصر) قال :

العاشر من الأئمة علي الهادي. ولد رضي‌الله‌عنه بالمدينة في رجب سنة أربع عشرة ومائتين وكراماته كثيرة.

روي أن بعض الاعراب قصده من الكوفة ، فلما جلس اليه قال له : ما

٦٠٦

حاجتك يا أعرابى. فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بحب جدك علي بن أبي طالب وقد ركبتني ديون أثقلت ظهري ولم أجد من أقصده لقضائها سواك. فقال له : كم دينك؟ قال : عشرة آلاف درهم. فقال : طب نفسا وقر عينا يقضى دينك ان شاء الله تعالى. ثم أنزله ، فلما أصبح قال له : يا أخا العرب أريد منك حاجة لا تعصني ولا تخالفني فالله الله فيما آمرك به وحاجتك تقضى ان شاء الله تعالى. فقال له الأعرابي : لا أخالفك في شيء مما تأمرني به.

فأخذ أبو الحسن ورقة وكتب فيها بخطه دينا عليه للاعرابي بالمبلغ المذكور وقال : خذ هذا الخط معك فإذا حضرت الى سر من رأى فتراني أجلس مجلسا عاما فإذا حضر الناس واحتفل المجلس فتعال الي بالخط وطالبني وأغلظ علي في القول ولا عليك ، والله الله لا تخالفني في شيء مما أوصيتك به.

فلما وصل أبو الحسن الى سر من رأى جلس مجلسا عاما يحضر عنده جماعة من وجوه الناس وأصحاب الخليفة المتوكل وأعيان البلد وغيرهم ، فجاء ذلك الأعرابي وأخرج الخط وطالبه بالمبلغ وأغلظ عليه في الكلام ، فجعل أبو الحسن يعتذر اليه ويطيب نفسه بالقول ويعده بالخلاص عن قرب وكذلك الحاضرون وطلب منه المهلة ثلاثة أيام. فلما انفك المجلس نقل ذلك الى الخليفة المتوكل فأمر لأبي الحسن على الفور بثلاثين ألف درهم ، فلما حملت اليه تركها الى أن جاء الأعرابي فقال له : خذ هذا المال فاقض منه دينك واستعن بالباقي على وقتك والقيام على عائلتك. فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله ان في العشرة بلوغ مطلبي ونهاية مأربى وكفاية. فقال أبو الحسن : والله لتأخذن ذلك جميعه وهو رزقك الذي ساقه الله إليك ، وأكبر من ذلك ما نقصناه فأخذ الأعرابي الثلاثين ألف درهم وانصرف وهو يقول (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).

ولد علي الهادي رضي‌الله‌عنه سنة أربع عشرة ومائتين ، وتوفى بسر من

٦٠٧

رأى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله من العمر أربعون سنة. وخلف أربعة أولاد أجلهم الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص.

ومنهم العلامة المؤرخ الشهير المسعودي في «مروج الذهب» (ج ٤ ص ٨٤ ط دار الأندلس في بيروت) قال :

وكانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد في خلافة المعتز بالله.

وذلك في يوم الاثنين ، لأربع بقين من جمادى الآخرة ، سنة أربع وخمسين ومائتين ، وهو ابن أربعين سنة ، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة ، وقيل أكثر من ذلك ، وسمع في جنازته جارية تقول : ما ذا لقينا في يوم الاثنين قديما وحديثا؟ وصلى عليه أحمد بن المتوكل على الله في شارع ابى احمد وفي داره بسامراء ودفن هناك.

ومنهم العلامة ابن خلكان في «تاريخه» (ج ٢ ص ٤٣٤) قال :

أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا المقدم ذكره ، وهو حفيد الذي قبله ، فلا حاجة الى رفع نسبه ، ويعرف بالعسكري.

وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الامامية ، وكان قد سعي به الى المتوكل ، وقيل : ان في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه ، فوجه اليه بعدة من الأتراك ليلا ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر ، وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس

٦٠٨

بينه وبين الأرض بساط الا الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحمل الى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلما رآه أعظمه وأجلسه الى جانبه ، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حجة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفنى منه ، فأعفاه ، وقال : أنشدني شعرا أستحسنه. فقال : اني لقليل الرواية للشعر. قال: لا بد أن تنشدني شيئا. فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الاسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا

قال : فأشفق من حضر على علي ، وظن أن بادرة تبدر اليه ، فبكى المتوكل بكاء كثيرا حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ، ثم أمر برفع الشراب ثم قال : يا أبا الحسن أعليك دين؟ قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها اليه ، ورده الى منزله مكرما.

وكانت ولادته يوم الأحد ثالث عشر رجب ، وقيل : يوم عرفة ، سنة أربع ، وقيل : ثلاث عشرة ومائتين.

ولما كثرت السعاية في حقه عند المتوكل أحضره من المدينة ، وكان مولده بها ، وأقره بسر من رأى وهي تدعى بالعسكر ، لان المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره ، فقيل لها : العسكر ، ولهذا قيل لأبي الحسن المذكور : العسكري ،

٦٠٩

لأنه منسوب إليها ، وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر.

وتوفي بها يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة ، وقيل : لأربع بقين منها ، وقيل : في رابعها ، وقيل : في ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودفن في داره ، رحمه‌الله تعالى!

ومنهم الحافظ أبو بكر الشهير بالخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج ١٢ ص ٥٦ ط السعادة بمصر) قال :

علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ، أبو الحسن الهاشمي. أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى بغداد ، ثم الى سر من رأى ، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر الى أن توفي ودفن بها في أيام المقتدر بالله يعتقد الشيعة والامامية فيه ويعرف بأبى الحسن العسكري.

أخبرنا محمد بن احمد بن رزق ، أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ النقاش ، حدثنا الحسين بن حماد المقرئ ـ بقزوين ـ حدثنا الحسين بن مروان الأنباري ، حدثني محمد بن يحيى المعاذي ، قال قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق ـ والفقهاء بحضرته ـ من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعايى القوم عن الجواب. فقال الواثق : أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر ، فبعث الى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأحضر ، فقال : يا أبا الحسن من حلق رأس آدم؟ فقال : سألتك بالله يا أمير المؤمنين الا أعفيتنى. قال : أقسمت عليك لتقولن. قال : أما إذ أبيت فان أبي حدثني عن جدي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة ، فهبط بها فمسح بها رأس

٦١٠

آدم فتناثر الشعر منه ، فحيث بلغ نورها صار حرما.

أخبرني الأزهري ، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ ، حدثنا محمد ابن يحيى النديم ، حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : اعتل المتوكل في أول خلافته ، فقال : لئن برئت لا تصدقن بدنانير كثيرة ، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا ، فبعث الى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر فسأله فقال : يتصدق بثلاث وثمانين دينارا. فعجب قوم من ذلك ، وتعصب قوم عليه ، وقالوا : تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول اليه فقال له : قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر ، لان الله تعالى قال (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) ، وروى أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنا ، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين ، وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له ، وآجر عليه في الدنيا والآخرة.

أخبرني الأزهري ، أخبرنا احمد بن ابراهيم بن محمد بن عرفة ، قال : وفي هذه السنة ـ يعنى سنة أربع وخمسين ومائتين ـ توفي علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني.

أخبرني التنوخي ، أخبرني الحسن بن الحسين النعالي ، أخبرنا احمد بن عبد الله الذارع ، حدثنا حرب بن محمد ، حدثنا الحسين بن محمد العمى البصري ، وحدثنا أبو سعيد الأزدي سهل بن زياد ، قال : ولد أبو الحسن العسكري علي بن محمد ـ في رجب سنة مائتين وأربع عشرة من الهجرة ، وقضى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة سنة مائتين واربع وخمسين من الهجرة.

٦١١

ومنهم العلامة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» (ص ٤٥٨ ط النجف) قال:

الهادي علي ، وهو الامام بعده (أي الامام التاسع محمد الجواد «ع») مولده بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين ، وتوفي بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة ، ودفن في داره بسر من رأى.

ومنهم العلامة أحمد بن حجر الهيتمى في «الصواعق المحرقة» (ص ٢٠٥ ط عبد الوهاب بن عبد اللطيف بالقاهرة) قال :

(علي العسكري) سمي بذلك لأنه لما وجه لاشخاصه من المدينة النبوية الى سر من رأى وأسكنه بها وكانت تسمى العسكر فعرف بالعسكري ، وكان وارث أبيه علما وسخاء. ومن ثم جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال : اني من المتمسكين بولاء جدك وقدر كبني دين أثقلني حمله ولم أقصد لقضائه سواك فقال : كم دينك؟ فقال : عشرة آلاف درهم. فقال : طب نفسا بقضائه ان شاء الله تعالى ، ثم كتب له ورقة فيها ذلك المبلغ دينا عليه. وقال له : ائتني به في المجلس العام وطالبني بها وأغلظ علي في الطلب ، ففعل فاستمهله ثلاثة أيام ، فبلغ ذلك المتوكل فأمر له بثلاثين ألفا ، فلما وصلته أعطاها الاعرابي. فقال :

يا ابن رسول الله ان العشرة آلاف أقضي بها أربي ، فأبى أن يسترد منه من الثلاثين شيئا. فولى الاعرابي وهو يقول (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).

ومر أن الصواب في قضية السباع الواقعة من المتوكل أنه هو الممتحن بها وأنها لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رأته.

٦١٢

ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره أن يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب الى الديلم ثم أتي به الرشيد وأمر بقتله ألقي في بركة فيها سباع قد جوعت ، فأمسكت عن أكله ولاذت بجانبه وهابت الدنو منه ، فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حي.

توفي رضي‌الله‌عنه بسر من رأى في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودفن بداره وعمره أربعون ، وكان المتوكل أشخصه من المدينة إليها سنة ثلاث وأربعين فأقام بها الى أن قضى عن أربعة ذكور وأنثى.

٦١٣

بعض كراماته عليه‌السلام

منها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي المتوفى سنة ٣٤٦ في «مروج الذهب» (ج ٤ ص ٨٦ ط دار الأندلس في بيروت)

قال المسعودي : وقد ذكرنا خبر علي بن محمد بن موسى رضي‌الله‌عنه مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل ، ونزوله ـ رضي‌الله‌عنه ـ الى بركة السباع ، ونذللها له ، ورجوع زينب عما ادعته من أنها ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأن الله تعالى أطال عمرها الى ذلك الوقت ، في كتابنا «أخبار الزمان» ، وقيل : انه مات مسموما عليه‌السلام.

ومنها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

٦١٤

منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي في «مروج الذهب» (ج ٤ ص ٨٦ ط بيروت) قال :

علي بن محمد الطالبي : حدثنا ابن الأزهر ، قال حدثني القاسم بن عباد ، قال حدثني يحيى بن هرثمة ، قال : وجهني المتوكل الى المدينة لاشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشيء بلغه عنه ، فلما صرت إليها ضج أهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله ، فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أومر فيه بمكروه ، وفتشت بيته ، فلم أجد فيه الا مصحفا ودعاء وما أشبه ذلك ، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت عشرته.

فبينا أنا نائم يوما من الأيام ، والسماء صاحية والشمس طالعة ، إذ ركب وعليه ممطر ، وقد عقد ذنب دابته فعجبت من فعله ، فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عز إليها ، ونالنا من المطر أمر عظيم جدا ، فالتفت الي وقال : أنا اعلم انك أنكرت ما رأيت ، وتوهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه ، وليس ذلك كما ظننت ، ولكن نشأت بالبادية ، فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر ، فلما أصبحت هبت ربح لا تخلف وشممت منها رائحة المطر ، فتأهبت لذلك ، فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق بن ابراهيم الطاهري ـ وكان على بغداد ـ فقال لي : يا يحيى ، ان هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمتوكل من تعلم ، وان حرضته على قتله كان رسول الله خصمك. فقلت : والله ما وقفت له الا على كل أمر جميل ، فصرت

٦١٥

الى سامرا ، فبدأت بوصيف التركي ، وكنت من أصحابه : والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري ، فعجبت من قولهما ، وعرفت المتوكل ما وقفت عليه ، وما سمعته من الثناء عليه ، فأحسن جائزته ، وأظهر بره وتكرمته.

بعض كلماته مع المتوكل وغيره

ذكره جماعة من أعلام القوم :

منهم المؤرخ الشهير العلامة المسعودي في «مروج الذهب» (ج ٤ ص ١١ ط دار الأندلس في بيروت) قال :

وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد الى المتوكل ، وقيل له : ان في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته ، فوجه اليه ليلا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت الا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجها الى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما وجد عليه ، وحمل الى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلما رآه أعظمه وأجلسه الى جنبه ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه ، ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فأعفني منه ، فعافاه وقال : أنشدني شعرا أستحسنه ، فقال : اني لقليل الرواية للاشعار ، فقال : لا بد أن تنشدني فأنشده :

٦١٦

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معافلهم

فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الاسرة والتيجان والحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا

وطالما عمروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادخروا

فخلفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفرا معطلة

وساكنوها الى الأجداث قد رحلوا

قال : فأشفق كل من حضر على علي ، وظن أن بادرة تبدر منه اليه ، قال : والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ، ثم أمر برفع الشراب ، ثم قال له : يا أبا الحسن ، أعليك دين؟ قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها اليه ، ورده الى منزله من ساعته مكرما.

وفي (ج ٤ ص ٨٥ الطبع المذكور):

وحدثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلة المعروفة ببئر أبي عنان قال : حدثني أبو دعامة ، قال أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى عائدا في علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة ، فلما هممت بالانصراف قال لي : يا أبا دعامة قد وجب حقك ، أفلا أحدثك بحديث تسر به؟ قال : فقلت له : ما أحوجني الى ذلك يا ابن رسول الله ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن موسى ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن أبي

٦١٧

طالب ، رضي‌الله‌عنهم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أكتب يا علي» قال : قلت : وما أكتب؟ قال لي : «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم الايمان ما وقرته القلوب ، وصدقته الاعمال ، والإسلام ما جرى به اللسان ، وحلت به المناكحة» قال أبو دعامة : فقلت : يا ابن رسول الله ، ما أدري والله أيهما أحسن ، الحديث أم الاسناد؟ فقال : انها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نتوارثها صاغرا عن كابر.

وفي (ج ٤ ص ١٠ الطبع المذكور):

وحدث أبو عبد الله محمد بن عرفة النحوي قال : حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال : قال المتوكل لابي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم : ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟ قال : وما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض الله طاعة بنيه على خلقه وافترض طاعته على بنيه؟ فأمر له بمائة ألف درهم ، وانما أراد أبو الحسن طاعة الله على بنيه ، فعرض.

٦١٨

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الامام حسن بن على العسكري)

(عليه‌السلام)

قد تقدم جملة مما ورد منها في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص ٤٥٨ الى ص ٤٧٦) ونستدرك هاهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هاهنا.

ولادته ووفاته ونبذة من فضائله

فممن لم نستدركه هاهنا المؤرخ الشهير محمد بن الحسين المسعودي في «مروج الذهب» (ج ٤ ص ١١٢ ط دار الأندلس في بيروت) قال :

الامام الحادي عشر ، وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام في خلافة المعتمد ، وهو ابن تسع وعشرين سنة ،

٦١٩

وهو أبو المهدي المنتظر ، والامام الثاني عشر عند القطعية من الامامية ، وهم جمهور الشيعة.

ومنهم العلامة أحمد بن حجر الهيتمى في «الصواعق المحرقة» (ص ٢٠٥ ط عبد الوهاب بن عبد اللطيف بالقاهرة)

أبو محمد الحسن الخالص ، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري ، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، ووقع لبهلول معه ، أنه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظن انه يتحسر على ما في أيديهم ، فقال : أشتري لك ما تلعب به؟ فقال : يا قليل العقل ما للعب خلقنا. فقال له : فلما ذا خلقنا؟ قال : للعلم والعبادة. فقال له : من أين لك ذلك؟ قال : من قول الله عزوجل (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).

ثم سأله أن يعظه ، فوعظه بأبيات ثم خر الحسن مغشيا عليه ، فلما أفاق قال له : ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فقال : إليك عني يا بهلول اني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد الا بالصغار واني أخشى أن أكون من صغار حطب نار جهنم.

ولما حبس قحط الناس بسر من رأى قحطا شديدا ، فأمر الخليفة المعتمد ابن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده الى السماء هطلت ثم في اليوم الثاني كذلك ، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم ، فشق ذلك على الخليفة فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له : أدرك أمة جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن : يخرجون غدا وأنا أزيل الشك ان شاء الله ، وكلم الخليفة في اطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

٦٢٠