إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١٩

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

سخاوته عليه‌السلام

رواها جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٨ ط السعادة بمصر) قال :

وكان (موسى بن جعفر) من أكابر العلماء الأسخياء ، وكان يبلغه عن الرجل انه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار ، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة.

ومنهم العلامة محمد بن شاكر الشافعي في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ١٦٥ من نسخة مخطوطة في اسلامبول) قال :

وكان (موسى بن جعفر) سخيا كريما ، ويبلغه أن الرجل يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار ، وكان يصر الصرر أربعمائة دينار وثلاثمائة دينار ومائتي دينار ويقسمها في المدينة.

مكالمته عليه‌السلام مع هارون

رواها جماعة من أعلام القوم :

٥٤١

منهم العلامة شمس الدين الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج ٦ ص ٢٨٣ ط بيروت) قال :

وقال الخطيب : أنبأنا أبو العلاء الواسطي ، حدثنا عمر بن شاهين ، حدثنا الحسين بن القاسم ، حدثني أحمد بن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الازدي قال : حج الرشيد فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه موسى بن جعفر ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، يا ابن عم ، افتخارا على من حوله. فدنا موسى وقال : السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقا.

ومنهم العلامة محمد بن شاكر الشافعي في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ١٦٥ مخطوط) قال :

وذكر أن هارون الرشيد حج وأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحوله قريش ورءوس القبائل ومعه موسى بن جعفر ، فقال : السلام عليك يا ابن عم ـ افتخارا على من حوله ـ فقال موسى بن جعفر : السلام عليك يا أبت. فتغير وجه هارون وقال : هذا الفخر جدا يا ابا الحسن.

وقال له الرشيد : انك تزعم أنك ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : يا أمير المؤمنين لو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نشر فخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال : وهل أفتخر على العرب والعجم الا به. قال : لكنه

٥٤٢

لا يخطب الي ولا أزوجه لأنه ولدني ولم يلدك.

وقيل : انه لقيه الرشيد عند الكعبة فلم يقم له حتى وقف الرشيد على رأسه فقال : أنت الذي يبايعك الناس؟ قال : نعم أنا امام القلوب وأنت امام الجسوم.

٥٤٣

جملة من كراماته عليه‌السلام

منها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة الشيخ ياسين بن ابراهيم السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٨ ط السعادة بمصر) قال :

ومن بديع كراماته (موسى بن جعفر «ع») ما حكاه ابن الجوزي والرامهرمزي عن شقيق البلخي أنه خرج حاجا فرآه بالقادسية منفردا عن الناس ، فقال في نفسه : هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس لأوبخنه ، فمضى اليه فقال : يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم. فأراد أن يعانقه فغاب عن عينه ، ثم رآه بعد على بئر فسقطت ركوته فيها فدعا فطف الماء حتى أخذها فتوضأ وصلى. ثم مال الى كثيب من الرمل فطرح منه فيها وشرب. فقلت له : أطعمني مما رزقك الله. فقال : يا شقيق لم تزل أنعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. فناولنيها فشربت فإذا هو سويق وسكر ، فأقمت أياما لا أشتهي شرابا ولا طعاما. ثم لم أره الا بمكة وهو بغلمانه وغاشيته ، ولما أتى هرون الرشيد قبر

٥٤٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زائرا وحوله فريش وافناء القبائل ومعه موسى بن جعفر فقال : السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم ـ افتخارا على من حوله ـ قال موسى : السلام عليك يا أبت. فتغير وجه هارون الرشيد وقال : هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقا ، ولم يحتملها وحمله الى بغداد مقيدا وحبسه ، فلم يخرج من حبسه الا مقيدا ميتا مسموما.

وذكر أنه بعث الى الرشيد برسالة من الحبس كان منها : انه لم ينقض عني يوم من البلاء الا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، ثم نمضي جميعا الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

ومنهم العلامة الشبلنجي المدعو بالمؤمن في «نور الأبصار» (ص ١٤٩ ط المكتبة الشعبية)

قال حسان بن حاتم الأصم : قال لي شقيق البلخي : خرجت حاجا سنة ست وأربعين ومائه فنزلت بالقادسية ، فبينما أنا أنظر الناس في مخرجهم الى الحج وزينتهم وكثرتهم إذ نظرت الى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف فوق ثيابه ثوب صرف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم والله لأمضين اليه ولأوبخنه. فدنوت منه فلما رآني مقبلا نحوه قال : يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم. ثم تركني وولى ، فقلت في نفسي : ان هذا الأمر عجيب تكلم بما في خاطري ونطق باسمي ، هذا عبد صالح لألحقنه واسألنه الدعاء وأتحلله بما ظننت فيه. فغاب عنى ولم أره ، فلما نزلنا وادي فضة فإذا هو قائم يصلي ، فقلت : هذا صاحبي أمضي اليه وأستحله. فصبرت حتى فرغ من صلاته فالتفت الي وقال : يا شقيق قل «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ

٥٤٥

وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» ثم قام ومضى وتركني. فقلت : هذا فتى من الابدال قد تكلم على سري مرتين ، فلما نزلنا بالأبواء إذ أنا بالفتى قائم على البئر وأنا أنظر اليه وبيده ركوة فيها ماء ، فسقطت من يده في البئر فرمق الى السماء بطرفه وسمعته يقول :

أنت شربى إذا ظمئت من الماء

وقوتي إذا أردت طعاما

ثم قال : الهي وسيدي مالي سواك فلا تعدمنيها ، فوالله لقد رأيت الماء قد ارتفع الى رأس البئر والركوة طافية عليه فمد يده فأخذها فتوضأ منها وصلى أربع ركعات ، ثم مال الى كثيب رمل فجعل يقبض بيديه ويجعل في الركوة ويحركها وو يشرب ، فأقبلت نحوه وسلمت عليه فرد علي السلام ، فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال : يا شقيق لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا فيها سويق بسكر فوالله ما شربت قط ألذّ منه ولا أطيب ، فشربت ورويت حتى شبعت فأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.

ثم لم أره حتى نزلنا بمكة فرأيته ليلة الى جنب قبة الشراب نصف الليل وهو قائم يصلي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم بزل كذلك حتى طلع الفجر ثم قام الى حاشية المطاف فركع ركعتي الفجر هناك ثم صلى مع الناس ، ثم دخل المطاف فطاف الى بعد شروق الشمس ، ثم صلى خلف المقام ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه وإذا بجماعة أحاطوا به يمينا وشمالا ومن خلفه ومن أمامه وخدم وحشم وأتباع خرجوا معه. فقلت لأحدهم : من هذا الفتى يا سيدي؟ فقال : هذا موسى الكاظم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم.

وهذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف ، ورواها ابن الجوزي في

٥٤٦

كتابه «مثير الغرام الساكن الى أشرف الأماكن» ورواها الجنابذي في «معالم العترة النبوية» والرامهرمزي في كتابه «كرامات الأولياء» وهي كرامة اشتملت على كرامات.

ومنهم العلامة الشبراويّ في «اتحاف الاشراف» (ص ٥٥ ط مصطفى البابى الحلبي بمصر)

روى الحديث عن شقيق البلخي بعين ما تقدم عن «الأنوار القدسية».

ومنها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في «عيون التواريخ» (ص ١٦٥ مخطوط) قال :

وكان (موسى بن جعفر) يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد ، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وهو يقول : يا محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ). قال الربيع : فأرسل الي ليلا فراعني ذلك ، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا وقال : علي بموسى بن جعفر ، فجئته به فعانقه وأجلسه الى جنبه وقال : يا أبا الحسن اني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه في النوم يقرأ علي كذا أفتؤمنني أن تخرج علي أو أولادي. فقال : والله لا فعلت ذلك ولا هو شأني. قال : صدقت أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده الى أهله الى المدينة. قال : فأحكمت أمره

٥٤٧

ليلا فما أصبح الا وهو في الطريق خوف العوائق.

ومنهم العلامة الشيخ يسن بن ابراهيم السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٨ ط السعادة بمصر).

ذكر ما نقلناه عن «عيون التواريخ» بعينه ثم قال :

وأقام بالمدينة الى أيام هرون الرشيد ، ولما حج الرشيد سعي به اليه وقيل له : ان الأموال تحمل اليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار ، فقال له الرشيد حين رآه جالسا عند الكعبة : أنت الذي يبايعك الناس سرا. قال : أنا امام القلوب وأنت امام الجسوم. وسأله الرشيد : كيف تقولون نحن أبناء المصطفى وأنتم أبناء علي ، فقرأ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) الى أن قال (وَعِيسى) وليس له أب.

ومنهم العلامة شمس الدين الذهبي في «سير اعلام النبلاء» (ج ٦ ص ٢٧٢ ط بيروت) قال :

الصولي ، حدثنا عون بن محمد ، سمعت إسحاق الموصلي غير مرة يقول : حدثني الفضل بن الربيع ، عن أبيه قال : لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم عليا يقول. فذكر ما نقلناه عن «عيون التواريخ» بعينه.

ومنها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

٥٤٨

منهم العلامة شمس الدين الذهبي في «سير اعلام النبلاء» (ج ٦ ص ٢٧٢ ط بيروت) قال :

قال أبو عبد الله المحاملي : حدثنا عبد الله بن أبي سعد ، حدثنا محمد بن الحسين الكناني الليثي ، حدثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي ، ويلغ تسعين سنة قال : زرعت بطيخا وقثاء وقرعا بالجوانية ، فلما قرب الخير ، بيتني الجراد ، فأتى على الزرع كله. وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا. فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر ، فسلم ، ثم قال : أيش حالك؟ فقلت : أصبحت كالصريم. قال : وكم غرمت فيه؟ قلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين. وقلت : يا مبارك ، ادخل وادع لي فيها. فدخل ودعا ، وحدثني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «تمسكوا ببقايا المصائب» ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيها البركة زكت ، فبعت منها بعشرة آلاف.

ومنها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة الشيخ محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ١٦٦ مصورة نسخة موجودة في اسلامبول) قال :

قال عبد الله بن مالك الخزاعي وكان على شرطة الرشيد : أتاني رسول هارون الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط ، فانتزعني من مكاني ومنعني من تغيير ثيابي ، فراعني ذلك فلما صرت الى الدار سبقني الخادم وعرف الرشيد فأذن لي فدخلت

٥٤٩

فوجدته قاعدا على فراشه ، فسلمت فسكت ساعة ، فطار عقلي وتضاعف الجزع.

ثم قال : يا عبد الله اني رأيت في هذه الساعة كأن حبشيا قد أتاني ومعه حربة فقال : ان أنت خليت عن موسى بن جعفر في هذه الساعة والا نحرتك بهذه الحربة ، فاذهب وخل عنه.

فقلت : يا أمير المؤمنين موسى بن جعفر؟ أقول له ثلاثا.

قال : نعم امض الساعة حتى تطلقه ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : ان أقمت عندنا فلك ما تحب وان أحببت المضي الى أهلك فالأمر في ذلك لك. فمضيت الى السجن لأخرجه ، فلما رآني موسى وثب قائما وظن اني قد أمرت فيه بمكروه ، فقلت : لا تخف اني قد أمرني بإطلاقك وأن أدفع لك ثلاثين ألف درهم ، ويقول لك : ان أحببت المقام عنده فلك ما تحب ، وان أحببت المضي الى أهلك فالاذن لك.

وأعطيته المبلغ المذكور وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجبا. قال : فاني أخبرك ، بينا أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا موسى حبست مظلوما فقل هذه الكلمات.

فقلت : بأبى أنت وأمي ما أقول؟ قال : قل :

«يا سامع كل صوت ، ويا سابق الفوت ، ويا كاسي العظام لحما ، ويا منشرها بعد الموت ، اسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين ، يا حليما ذا أناة لا يقوى على أناته ، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصى عددا فرج عني» فكان ما ترى.

٥٥٠

جملة من كلماته عليه‌السلام

رواها في «التذكرة الحمدونية» (ص ١١١ و ٢٦٩ ط بيروت) قال :

قال موسى بن جعفر : وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك والثانية أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد بك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من ذنبك. معنى هذه الأربع ، الاولى : وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف ، الثانية : معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة ، الثالثة : أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك وندبك الى فعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب ، الرابعة : أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.

وقال علي بن موسى بن جعفر : من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل.

وقال : لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي.

٥٥١

وقال : الناس ضربان : بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد.

وقال موسى بن جعفر : من لم يجد للاساءة مضضا لم يكن للإحسان عنده موقع.

وقال : ما استب اثنان الا انحط الاعلى الى مرتبة الأسفل.

وقال آخر : ما استب اثنان الا غلب ألأمهما.

وقال موسى أيضا : من تكلف ما ليس من عمله ضاع عمله وخاب أمله ، ومن ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه منها لم ينل جسيما ، ومن أبطرته النعمة وقره زوالها.

(ومن كلام عليه‌السلام)

إذا أقبلت الدنيا على انسان أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

رواه في «سير أعلام النبلاء» (ج ٩ ص ٣٨٨ ط بيروت) عن علي بن موسى الرضا عن أبيه.

٥٥٢

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الامام الثامن على بن موسى الرضا)

(عليه‌السلام)

قد تقدم نقل جملة مما ورد منها في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص ٣٤٤ الى ص ٤١١) ونستدرك هاهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هاهنا :

نسبه وتاريخ ولادته ووفاته

فممن لم ننقل عنه سابقا العلامة العارف الخواجة المولوى عبد الفتاح ابن محمد نعمان الحنفي الهندي المتوفى سنة ١٠٩٦ في «مفتاح العارف» (ص ٧٩ مخطوط) قال :

الامام علي بن موسى «ع» لقب بالرضا وكنيته أبو الحسن ، وكان أبوه موسى بن جعفر «ع» يقول : أعطيته كنيتي.

ولد يوم الخميس وقيل يوم الجمعة حادي عشر من شهر ربيع الثاني سنة

٥٥٣

مائة وخمسين ، وكانت أمه أم ولد وروى عنها ، قالت : لم أجد ثقلا مدة الحمل به وكنت اسمع منه حين المنام صوت التسبيح.

ومنهم العلامة الشيخ يسن بن ابراهيم السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٩ ط السعادة بمصر) قال :

الامام علي الرضا رضي‌الله‌عنه عقد جيد جلالة الرسالة ووشاح عطف سلالة الشرف وشرف السلالة ، جعل الله تعالى وجوده العزيز على قدرته أعظم دلالة ، فلا يسمع ساعيا في اطرائه براعة عبارة ، ولا يدرك عرفانه الا بلسان الاشارة. كان عظيم الشان والقدر مشهور الفضل حميد الذكر ، أحله المأمون محل مهجته وأشركه في مملكته وعقد له على ابنته وعهد اليه بالخلافة من بعده بعد ما أراد أن يخلع نفسه ويفوضها في حياته اليه ، فمنعه بنو العباس فمات قبله ، فأسف كل الأسف عليه. وله كرامات كثيرة.

الى أن قال :

وقال بعض أصحاب ابى نؤاس : ما رأيت أوقح منك ، ما تركت خمرا ولا طربا ولا معنى الا فلت فيه شيئا وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا. فقال : والله ما تركت ذلك الا إعظاما له وليس قدر مثلي أن يقول في مثله ، ثم أنشد بعد ساعة :

قيل لي أنت أحسن الناس طرا

في فنون من الكلام النبيه

لك من جيد القريض مديح

يثمر الدر في يد مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أستطيع مدح امام

كان جبريل خادما لأبيه

وقال فيه أيضا :

٥٥٤

مطهرون نقيات جيوبهم

تجرى الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فماله في قديم الدهر مفتخر

الله لما برى خلقا فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الاعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

قلت : ومن هذا للجواب يلتمس العذر لابي نؤاس وأمثاله من كبار الشعراء المجيدين عن عدم جرأتهم على مدح الحضرة المحمدية لا كما يتوهم بعض القاصرين.

لا يقال : كيف مدحه المتأخرون إذا؟ لأنا نقول : انما قصد المتأخرون بذلك مجرد التبرك لا أداء حقه ، والمتقدمون علموا أن أداء حقه للبشر مستحيل فتوقفوا ، ولكل وجهة.

وكانت ولادته رضي‌الله‌عنه يوم الجمعة سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة وتوفي آخر صفر سنة اثنتين ومائتين بمدينة طوس ، وصلى عليه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد. قيل : سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه ، وقيل بل كان مسموما فاعتل منه فمات رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة شمس الدين الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج ٩ ص ٣٨٧ ط بيروت) قال :

الامام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضي بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ، بن علي ، بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني ، وأمه نوبية اسمها سكينة.

مولده بالمدينة في سنة ثمان وأربعين ومائة عام وفاة جده.

الى أن قال : وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان.

٥٥٥

الى أن قال :

قال الصولي : حدثنا أحمد بن يحيى أن الشعبي قال : أفخر بيت قيل قول الأنصار يوم بدر :

وببئر بدر إذ يرد وجوههم

جبريل تحت لوائنا ومحمد

ثم قال الصولي : أفخر منه قول الحسن بن هانئ في علي بن موسى الرضى :

قيل لي أنت واحد الناس في ك

ل كلام من المقال بدية

لك في جوهر الكلام بديع

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى

بالخصال التي تجمعن فيه

قلت : لا أهتدي لمدح امام

كان جبريل خادما لأبيه

ومنهم العلامة ابن خلكان المتوفى سنة ٦٨١ في «وفيات الأعيان» (ج ٢ ص ٤٣٢) قال :

وكانت ولادة علي الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة ، وقيل : بل ولد سابع شوال ، وقيل : ثامنه ، وقيل : سادسه ، سنة إحدى وخمسين ومائة.

وتوفي في آخر يوم من صفر سنة اثنتين ومائتين ، وقيل : بل توفي خامس ذي الحجة ، وقيل : ثالث عشر ذي القعدة ، سنة ثلاث ومائتين ، بمدينة طوس وصلى عليه المأمون ، ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد ، وكان سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه ، وقيل : بل كان مسموما فاعتل منه ، ومات رحمه‌الله تعالى.

ثم ذكر ما تقدم من إنشاء ابى نؤاس لما قيل له : ما رأيت أوقح منك ـ إلخ. ثم ذكر الأبيات بعين ما تقدم عن «الأنوار القدسية» وكذا أبياته الأخرى أيضا بعين ما تقدم فيه.

٥٥٦

ومنهم العلامة المحدث أحمد بن حجر الهيتمى في «الصواعق المحرقة» (ص ٢٠٢ ط القاهرة) قال :

علي الرضا وهو أنبههم ذكرا وأجلهم قدرا. ومن ثم أحله المأمون محل مهجته وأنكحه ابنته وأشركه في مملكته وفوض اليه أمر خلافته ، فانه كتب بيده كتابا سنة إحدى ومائتين بأن عليا الرضا ولي عهده وأشهد عليه جمعا كثيرين. لكنه توفي قبله فأسف عليه كثيرا. وأخبر قبل موته بأنه يأكل عنبا ورمانا مبثوثا ويموت ، وأن المأمون يريد دفنه خلف الرشيد فلم يستطع ، فكان ذلك كله كما أخبر به.

ومنهم العلامة عبد الله بن محمد بن عامر الشبراويّ الشافعي في «الإتحاف بحب الاشراف» (ص ٥٨ ط مصطفى البابى الحلبي بمصر) قال :

الثامن : من الأئمة علي الرضا. كان رضي‌الله‌عنه كريما جليلا مهابا موقرا ، وكان أبوه موسى الكاظم يحبه حبا شديدا. ووهب له ضيعة اليسيرية التي اشتراها بثلاثين ألف دينار.

ويقال : ان عليا الرضا أعتق ألف مملوك وكان صاحب وضوء وصلاة ليله كله ، يتوضأ ويصلي ويرقد ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ويرقد وهكذا الى الصباح.

قال بعض جماعته : ما رأيته قط الا ذكرت قوله تعالى (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ).

قال بعضهم : علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق فاق أهل البيت شأنه وارتفع فيهم مكانه وكثر أعوانه وظهر برهانه حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته وأشركه في خلافته وفوض اليه أمر مملكته وعقد له على رؤس الاشهاد

٥٥٧

عقد نكاح ابنته ، وكانت مناقبه علية وصفاته سنية ونفسه الشريفة هاشمية وأرومته الكريمة نبوية.

وكراماته اكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر ، فذكر جملة من كراماته ثم قال :

وعن محمد بن يحيى الفارسي : قال نظر أبو نؤاس الى علي الرضا بن موسى ذات يوم وقد خرج على بغلة فارهة فدنا منه وسلم ، وقال : يا ابن رسول الله قلت فيك أبياتا أحب أن تسمعها مني. فقال له : قل ، فأنشأ أبو نؤاس يقول :

مطهرات نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

القوم أهل البيت عندهم

علم الكتاب وجاءت به السور

الى آخر أبيات ما سبق إليها أحد ، ما معك يا غلام من فاضل نفقتنا. قال : ثلاثمائة دينار. ثم بعد أن ذهب الى بيته قال : لعله استقلها سق يا غلام اليه البغلة.

ومنهم العلامة الشبلنجي في «نور الأبصار» (ص ١٥٢ ط المكتبة الشعبية بمصر) قال :

ولد علي بن موسى بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة ، وقيل سنة ثلاث وأربعين ومائة ، وأمه أم ولد يقال لها أم البنين ، واسمها أروى ، وكنيته أبو الحسن ، وألقابه الرضا والصابر والزكي والولي ، وأشهرها الرضا. صفته أسود معتدل ، لان أمه كانت سوداء. دخل يوما حماما ، فبينما هو في مكان من الحمام إذ دخل عليه جندي فأزاله عن موضعه وقال : صب على رأسي يا أسود ، فصب على رأسه فدخل من عرفه ، فصاح : يا جندي هلكت أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأقبل الجندي يقبل رجليه ويقول : هلا عصيتني إذ

٥٥٨

أمرتك. فقال : انها لمثوبة وما أدرت ان أعصيك فيما أثاب عليه ، ثم أنشأ يقول :

ليس لي ذنب ولا ذنب لمن

قال لي يا عبد أو يا أسود

انما الذنب لمن ألبسني

ظلمة وهو الذي لا يحمد

كذا في تاريخ القرماني ، شاعره دعبل الخزاعي ، بوابه محمد بن الفرات نقش خاتمه «حسبي الله» ، معاصره الامين والمأمون.

الى أن قال :

قال ابراهيم بن العباس : ما رأيت الرضا سئل عن شيء الا علمه ، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الى وقت عصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال من كل شيء فيجيبه الجواب الشافي ، وكان قليل النوم كثير الصوم لا يفوته صوم ثلاثة أيام من كل شهر ويقول ذلك صيام الدهر ، وكان كثير المعروف والصدقة وأكثر ما يكون ذلك منه في الليالي المظلمة ، وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح. فذكر جملة من كراماته تقدم نقلها عنه في ج ١٢.

وفي (ص ١٥٨ من الطبع المذكور):

حكي أن المأمون وجد في عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلا من الخروج الى الصلاة ، فقال لابي الحسن علي الرضا : قم يا أبا الحسن اركب وصل بالناس العيد. فامتنع وقال : قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فأعفني من الصلاة. فقال المأمون : انما أريد أن أنوه بذكرك ويشتهر أمرك بأنك ولي عهدي والخليفة من بعدي ، وألح عليه في ذلك. فقال له الرضا : ان أعفيتنى من ذلك كان أحب الي وأن أبيت الا أن أخرج للصلاة ، فإنما أخرج للصلاة على الصفة التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج عليها. فقال المأمون : افعل كيفما أردت. وأمر المأمون القواد والجند وأعيان دولته بالركوب في خدمته الى المصلى

٥٥٩

فركب الناس الى بيته وحضر القراء والمؤذنون والمكبرون الى بابه ينتظرون أن يخرج فخرج إليهم الرضا وقد اغتسل ولبس أفخر ثيابه وتعمم بعمامة وألقى طرفا منها على عاتقه ودهن طيبا وأخذ عكازا في يده وخرج ماشيا ولم يركب وقال لمواليه وأتباعه افعلوا كما فعلت ففعلوا كفعله وصاروا بين يديه عند شروق الشمس رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير فلما رآه القواد والجند على تلك الحالة لم يسعهم الا أن نزلوا عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه وتركوا دوابهم مع غلمانهم خلف الناس ، وكان كلما كبر الرضا كبر الناس بتكبيره وكلما هلل هللوا بتهليله وهم سائرون بين يديه حتى خيل للناس أن الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير والتهليل وارتفع البكاء والصراخ فبلغ ذلك المأمون فقال له الفضل : ان بلغ الرضا المصلى أفتتن به الناس وخفنا على دمائنا وأرواحنا وعليك في نفسك فابعث اليه ورده ، فبعث اليه المأمون قد كلفناك يا أبا الحسن ولا تصب أن تلحقك مشقة ارجع الى بيتك ويصلي بالناس من كان يصلي بهم من قبل ، فرجع علي الرضا الى بيته وركب المأمون فصلى بالناس.

(فائدة) قال المأمون لعلي الرضا رضي‌الله‌عنه : أنشدنا احسن ما رويت في السكوت عن الجاهل وعتاب الصديق ، فقال :

اني ليهجرني الصديق تجنبا

فأرى بأن لهجره أسبابا

وأراه ان عاتبته أغريته

فأرى له ترك العتاب عتابا

فإذا بليت بجاهل متحكم

يجد الأمور من المحال صوابا

أوليته منى السكوت وربما

كان السكوت عن الجواب جوابا

٥٦٠