إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١٩

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

أن تكون ، هل هو الا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها.

رواه في «سير أعلام النبلاء» (ج ٤ ص ٤٠٥ ط بيروت).

كلماته «ع» في جواب اسئلة هشام

: قال الزبير في النسب : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري ، قال : حج الخليفة هشام ، فدخل الحرم متكئا على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن الحسين جالس ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي. فقال : المفتون به أهل العراق؟ قال : نعم. قال : اذهب اليه فقل له : يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس ويشربون الى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال له محمد : يحشر الناس على مثل قرصة النقي ، فيها الأنهار مفجرة. فرأى هشام أنه قد ظفر فقال : الله أكبر ، اذهب اليه ، فقل له : ما أشغلهم عن الاكل والشرب يومئذ! ففعل. فقال : قل له : هم في النار أشغل ، ولم يشغلوا أن قالوا (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف :].

رواه في «سير أعلام النبلاء» (ج ٤ ص ٤٠٥ ط بيروت):

(ومن كلامه عليه‌السلام)

صلاح من جهل الكرامة في هوانه.

رواه في «التذكرة الحمدونية» (ص ٢٦٨ ط بيروت).

(ومن كلامه عليه‌السلام)

المسترسل موقى والمحترس ملقى.

رواه في «التذكرة الحمدونية» (ص ٢٦٨ ط بيروت).

٥٠١

(ما روى من كلماته عليه‌السلام)

في «المشرع الروي» (ص ٣٧ ط القاهرة): ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر الأنقص من عقله مثل ما دخل من الكبر.

ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج.

ليس شيء مميل الاخوان إليك مثل الإحسان إليهم.

بئس الأخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا.

اعرف المودة في قلب أخيك بماله في قلبك.

(ومن كلامه عليه‌السلام)

في تفسير قوله تعالى (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) :

الغرفة الجنة بما صبروا ، قال على الفقر في الدنيا.

رواه في «عدة الصابرين» (ص ١٤٦ ط دار الكتب في بيروت).

(ومن كلامه عليه‌السلام)

لما سئل محمد بن علي بن الحسين : لم فرض الله تعالى الصوم على عباده؟ فقال : ليجد الغني من الجوع فيحنو على الضعيف.

رواه في «التذكرة الحمدونية» (ص ١١٥ ط بيروت).

(ومن كلامه عليه‌السلام)

عاتب أخاك بالإحسان اليه ، واردد شره بالانعام عليه.

رواه في «التذكرة الحمدونية» (ص ٣٨٨ ط بيروت).

٥٠٢

(ومن كلامه لابنه)

يا بنى إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر ، فإنك ان كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق.

رواه في «الأنوار القدسية» (ص ٣٥ ط مصر).

سائر ما رواه من كلماته عليه‌السلام

في «التذكرة الحمدونية» (ص ٣٥ ط مصر).

قال : قال عليه‌السلام : الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن ، فإذا وصلا الى مكان فيه التوكل جعلاه وطنا.

وقال جابر الجعفي : قال لي محمد بن علي : اني لمحزون واني لمشتغل القلب. قلت : وما شغل قلبك وما حزنك؟ قال : يا جابر ان من دخل قلبه صافي خالص دين الله عزوجل شغله عما سواه. يا جابر ما الدنيا ، وما عسى أن تكون هل هو الا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها. يا جابر ان المؤمنين أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة وأكثرهم معونة ، ان نسيت ذكروك وان ذكرت أعانوك قوالين بحق الله تعالى قوامين بأمر الله ، فأنزل الدنيا منزلا نزلت فيه وارتحلت عنه أو كخيال أصبته في منامك فاستقظيت وليس معك منه شيء ، فاحفظ الله فيما استرعاك من دينه وحكمته.

وقال : ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله عزوجل صاحبها على النار وان سالت على خده لم ير وجهه قتر ولا ذلة ، وما من شيء الا له أجر الا الدمعة فان الله تعالى يكفر بها بحور الخطايا ، ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله تلك

٥٠٣

الامة على النار.

وعن عبد الله بن عطاء قال : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر محمد ، فقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم. وقال : كان لي أخ في عيني عظيم ، والذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه.

وكان يقول في جوف الليل : اللهم انك أمرتني فلم أئتمر وزجرتني فلم أنزجر وهذا عبدك بين يديك فبم أعتذر. وقال : ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج وما من شيء أحب الى الله تعالى من أن يسأل ، وما يدفع القضاء الا الدعاء ، وان أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن يرى من الناس ما يعمى عنه من نفسه ، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

٥٠٤

مستدرك ما أوردناه

(في فضائل الامام جعفر بن محمد الصادق)

(عليه‌السلام)

قد تقدم جملة مما ورد في كتب أعلام أهل السنة وأعاظمهم في المجلد الثاني عشر (ص ٧ الى ص ٢٩٤) ونستدرك هاهنا بعض ما لم ننقله هناك أو نقلناه عن غير من ننقل عنه هاهنا.

نسبه وميلاده ووفاته

وممن لم ننقل عنه العلامة الشيخ ابراهيم بن ياسين السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٦ ط السعادة بمصر) قال :

الامام جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه ، ناهيك بإمام ورث مقام النبوة والصديقية فازدهرت في طلعته أنوار العلوم والمعارف الحقيقية ، لان جده سيد الشهداء الامام الحسين ، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن ان أبي بكر الصديق ، أخذ الحديث عن أبيه وجده

٥٠٥

لامه وعروة وعطاء ونافع والزهري ، وعنه السفيانان ومالك والقطان ، خرج له الجماعة سوى البخاري. قال أبو حاتم : ثقة لا يسأل عن مثله. وله كرامات كثيرة ومكاشفات شهيرة.

الى أن قال :

«كانت ولادته» سنة ثمانين للهجرة ، وهي سنة سيل الحجاف ، وقيل بل ولد يوم الثلاثاء قبل طلوع الشمس ثامن شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين. وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجده علي زين العابدين وعم جده الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهم أجمعين. فلله دره من قبر ما أكرمه وأترفه وأشرفه.

ثم ولداه ولد اسمه القاسم ، وللقاسم بنت اسمها أم كلثوم ، وهما المدفونان بالقرافة بقرب الامام الليث بن سعد على يسار الداخل من الدرب المتوصل منه اليه.

ومنهم العلامة الشيخ زين الدين عمر بن مظفر الحنفي الشهير بابن الوردي المتوفى سنة ٧٤٩ في كتابه «تاريخ ابن الوردي» (ج ١ ص ٢٦٦ طبع المطبعة الحيدرية في الغرى الشريف) قال :

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة وفيها توفي جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، سمي الصادق لصدقه.

٥٠٦

ومنهم العلامة الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر في كتابه «المبتكر الجامع لكتابي المختصر والمعتصر في علوم الأثر» (ص ١٣٢ ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة) قال :

جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، العلوي الهاشمي ، أبو عبد الله المدني. وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهو من أجلة التابعين. وكان ورعا تقيا عابدا زاهدا فصيحا ، وكان يلبس الجبة الخشنة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده ويلبس الحلة الخز على ظاهره ويقول «نلبس الجبة لله والخز لكم ، فما كان لله أخفيناه وما كان للناس أظهرناه».

قال فيه عمر بن المقدام : كنت إذا رأيت جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.

دخل عليه أبو حنيفة فقال : يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس ، لا تفعل فان أول من قاس إبليس.

ومنهم العلامة الشيخ محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ٢٩) قال :

وفيها (أي سنة ثمان وأربعين ومائة) توفي جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. الى أن قال : مولده سنة ثمانين. الى أن قال : وتوفي في هذه السنة ودفن بالبقيع عند قبر أبيه محمد الباقر وجده علي زين العابدين وعم جده الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم. فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه ، ولقب بالصادق لصدقه في مقاله.

٥٠٧

علمه عليه‌السلام

قد تقدم نقل بعض كلمات القوم فيه في (ج ٢ ص ٢١٧ الى ص ٢٢٧).

وممن لم ننقل عنه العلامة السيد محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن علوي الحضرمي في «المشرع الروى» (ص ٣٥ ط القاهرة) قال :

وله كلام نفيس جامع في علم التوحيد والحقائق والمعارف وغيرها ، وقد ألف جابر بن حيان كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل وهي خمسمائة رسالة ، ونقل عنه من العلوم ما سارت به الركبان واشتهر صيته في البلدان ، وكان يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فانه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.

ومنهم العلامة الشيخ ياسين بن ابراهيم السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٨ ط السعادة بمصر) قال :

وكان تلميذه (أي جعفر بن محمد) أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي ، قد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة.

ومنهم العلامة محمد بن شاكر بن احمد الشافعي في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ٣٠ مخطوط) قال :

قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، وكان يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فانه لا يحدثكم بعدي بمثل حديثي.

٥٠٨

أنموذج مما ورد

(في خوفه من ربه وخلوصه لله)

منه ما رواه العلامة أبو الفرج جمال الدين سبط ابن الجوزي الحنفي البغدادي في «المدهش» (ص ١٦٢ ط المؤسسة العالمية في بيروت) قال :

حج جعفر الصادق فأراد أن يلبى فتغير وجهه ، فقيل : مالك يا ابن رسول الله؟ فقال : أريد أن ألبي فأخاف أن اسمع غير الجواب.

ومنه ما رواه العلامة الفاضل الشيخ معافى بن زكريا النهرواني الجريري المولود سنة ٣٠٣ والمتوفى سنة ٣٩٠ في «الجليس الصالح الكافي» (ص ٨٦ ط بيروت) قال :

حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن سعيد الكلبي ، ثنا محمد بن زكريا ، ثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي ، عن أبيه ، قال : وقع بين جعفر بن محمد وبين عبد الله بن حسن كلام في صدر يوم ، فأغلظ في القول عبد الله بن حسن ، ثم افترقا وراحا الى المسجد فالتقيا على باب المسجد ، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن : كيف أمسيت يا أبا محمد. قال : بخير ، كما يقول المغضب. فقال : يا أبا محمد! أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ فقال : لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه. قال : فاني أتلو عليك به قرآنا. قال : وذلك أيضا؟ قال : نعم. قال : فهاته. قال : قول الله عزوجل (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ). قال : فلا تراني بعدها قاطعا رحما.

٥٠٩

كرمه عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة الشيخ ياسين بن ابراهيم السنهوتى الشافعي في «الأنوار القدسية» (ص ٣٧ ط السعادة بمصر) قال :

وكان (جعفر بن محمد) يطعم المساكين حتى لا يبقى لعائلته شيء.

كراماته عليه‌السلام

رواها جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة الشيخ ياسين بن ابراهيم السنهوتى في «الأنوار القدسية» (ص ٣٦ ط السعادة بمصر) قال : منها أنه سعي به عند المنصور ، فلما حج حضر الساعي وأحضروه ، فقال للساعي : أتحلف. فقال : نعم ، فحلف. فقال جعفر للمنصور : حلفه بما أراه. فقال : قل برئت من حول الله وقوته والتجأت الى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل ثم حلف فما تم حتى مات مكانه.

ومنها : ان الطاغية قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلي ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجة بموته.

ومنها : أنه لما بلغه قول الحكم بن العباس الكلبي في عمه زيد :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم نر مهديا على الجذع يصلب

٥١٠

قال : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ، فافترسه الأسد.

ومنها : ما خرجه الطبري من طريق وهب قال : سمعت الليث بن سعد يقول : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ، فلما صليت العصر رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو. فقال : يا رب يا رب ، حتى انقطع نفسه ، ثم قال : يا حي يا حي ، حتى انقطع نفسه ، ثم قال : الهي اني اشتهيت العنب فأطعمنيه وان بردي قد خلقا فاكسني. قال الليث : فما تم كلامه حتى نظرت الى سلة مملوءة عنبا وليس على وجه الأرض يومئذ عنب ، وإذا ببردين لم أر مثلهما ، فأراد الاكل فقلت : انا شريكك لأنك دعوت وأنا أؤمن. فقال : كل ولا تخبأ ولا تدخر ، ثم دفع الي أحد البردين ، فقلت : لي عنه غنى ، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر ثم أخذ الخلعتين ونزل ، فلقيه رجل فقال : ألبسنى يا ابن رسول الله فدفعهما اليه. فقلت : من هذا؟ قال : جعفر الصادق. قال الليث : فطلبته لا سمع منه فلم أجده.

ومنها : ان ابن عمه عبد الله بن المحصى كان شيخ بنى هاشم وهو والد محمد وأخيه أرسلوا لجعفر ليبايعهما ، وقال : ليست لي ولا لهما انها لصاحب القباء الأصفر يلعب بها صبيانه ، وكان المنصور العباسي حاضرا وعليه قباء أصفر فكان كذلك.

وكان مجاب الدعوة فإذا سأل الله شيئا لا يتم قوله الا وهو بين يديه.

ومنها

ما رواه جماعة من أعلام القوم :

٥١١

منهم العلامة العارف الخواجة المولوى عبد الفتاح بن محمد نعمان الحنفي الهندي في «مفتاح العارف» (ص ٧١ مخطوط)

روى من جملة كراماته ما هذه ترجمته : ان عجوزا كانت تبكي لموت بقرة لها ، فمر عليها الصادق فقال لها : لما ذا تبكين. فقالت : كانت لي بقرة أعيش أنا وأولادي من لبنها. فقال : أتحبين أن يحييها الله تعالى. فقالت : هل تسخر مني ، فدعا عليه‌السلام وسأل من الله إحياءها ثم ضرب عليها برجله فقامت البقرة من مكانها ، فغاب عن الناس لئلا يعرفوه.

استجابة دعائه عليه‌السلام

رواها جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة الشيخ ياسين بن ابراهيم السنهوتى في «الأنوار القدسية» (ص ٣٦ ط السعادة بمصر) قال :

وحج المنصور سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة فقال : علي بجعفر ابن محمد قتلني الله ان لم أقتله ، فتغافل عنه الربيع لينساه ، ثم أعاد ذكره فتغافل عنه وأعاد ذكره ثالثا برسالة قبيحة للربيع ، فلما جيء به قال له الربيع العذر إليك فيشدد في طلبك. فقال : لا حول ولا قوة الا بالله. فلما دخل عليه قال : يا عدو الله اتخذك أهل العراق اماما يحملون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وبيعتي قتلني الله ان لم أقتلك. فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ان سليمان عليه الصلاة والسلام أعطي فشكر ، وان أيوب عليه الصلاة والسلام ابتلي فصبر ،

٥١٢

وان يوسف عليه الصلاة والسلام ظلم فغفر ، وأنت من ذلك العنصر. فقال له المنصور : الي عندي أبا عبد الله البريء الساحة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جازى به ذوى الأرحام عن أرحامهم. ثم تناول يده وأجلسه معه على فراشه وطيبه بيده حتى جعل لحيته قاطرة طيبا ، ثم أمر له بجائزة وكسوة وقال : انصرف في حفظ الله وكنفه فانصرف فقال له الربيع : اني رأيت عجبا فما قلت يا ابا عبد الله حين دخلت؟ قال : قلت «اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واحفظني بقدرتك علي لا أهلك وأنت رجائي ، اللهم انك أعظم وأجل مما أخاف واحذر ، اللهم بك ادفع في نحره وبك أستعيذ من شره».

ومنهم العلامة محمد بن شاكر بن أحمد الشافعي السنهوتى في «عيون التواريخ» (ج ٦ ص ٣٢ مخطوط)

روى الحديث بعين ما تقدم عن «الأنوار القدسية» لكنه قال في آخر الحديث قال منصور : يا ربيع الحق ابا عبد الله جائزته وكسوته. وذكر في الدعاء بدل كلمة أعظم «اكبر» ، وزاد في آخره «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم».

ومنهم العلامة شمس الدين الذهبي الشافعي في «سير أعلام النبلاء» (ج ٦ ص ٢٦٦ ط الرسالة في بيروت) قال :

أخبرنا علي بن أحمد في كتابه ، أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عبد الباقي الانصاري ، أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني ، حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب ، حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار ، عن الفضل بن الربيع ، عن أبيه ، قال : دعاني المنصور فقال : ان جعفر

٥١٣

ابن محمد يلحد في سلطاني قتلني الله ان لم أقتله. فأتيته فقلت : أجب أمير المؤمنين. فتطهر ولبس ثيابا ، أحسبه قال جددا ، فأقبلت به فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله ان لم أقتله. فلما نظر اليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال : مرحبا بالنقي الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي ، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه وسأله عن حاله ثم قال : سلني عن حاجتك. فقال : أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به قال : افعل. ثم قال : يا جارية ائتني بالتحفة. فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف. فاتبعته ، فقلت : يا ابن رسول الله ، أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت ، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو؟ قال : قلت «اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك علي ، ولا تهلكني وأنت رجائي. رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري ، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني ، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا ، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، أعني على ديني بدنيا ، وعلى آخرتي بتقوى ، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني الى نفسي فيما خطرت يا من لا تضره الذنوب ولا ننقصه المغفرة ، اغفر لي ما لا يضرك ، وأعطني ما لا ينقصك ، يا وهاب أسألك فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ، والعافية من جميع البلايا ، وشكر العافية».

ومنهم العلامة الفاضل المعاصر الشيخ أحمد الناجي المصري من علماء الأزهر في كتابه «الاعتصام بحبل الإسلام» (ط السعادة بالقاهرة) قال :

حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه قال : لما حج المنصور سنة سبع

٥١٤

وأربعين ومائة قدم المدينة فقال للربيع : ابعث الى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا قتلني الله ان لم أقتله. فتغافل الربيع عنه وتناساه ، فأعاد عليه في اليوم الثاني واغلظ في القول ، فأرسل اليه الربيع ، فلما حضر قال له الربيع : يا ابا عبد الله أذكر الله تعالى فانه قد أرسل لك من لا يدفع شره الا الله واني أتخوف عليك. فقال جعفر : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

ثم ان الربيع دخل به على المنصور ، فلما رآه المنصور اغلظ له في القول وقال : يا عدو الله اتخذك أهل العراق اماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتتبع لي الغوائل قتلني الله ان لم أقتلك. فقال جعفر : يا امير المؤمنين ان سليمان أعطي فشكر ، وان أيوب ابتلي فصبر ، وان يوسف ظلم فغفر ، فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ولك بهم أسوة حسنة.

قال المنصور : أجل يا ابا عبد الله ارتفع الى هنا عندي. ثم قال : يا ابا عبد الله ان فلانا أخبرني عنك بما قلت لك. فقال : أحضره يا امير المؤمنين ليوافقني على ذلك ، فأحضر الرجل الذي سعى به الى المنصور فقال له المنصور : أحقا ما حكيت لي عن جعفر. فقال : نعم يا أمير المؤمنين. فقال جعفر : حلفه بما تختار فقال له جعفر : قل برئت من حول الله وقوته والتجأت الى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل ، فنظر اليه المنصور نظرة منكرة له فحلف بها ، فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخر ميتا مكانه. فقال المنصور : جروا برجله وأخرجوه. ثم قال : لا عليك يا ابا عبد الله أنت البريء الساحة السليم الناحية المأمون الغالية علي بالطيب ، فأتي بالغالية فجعل يفلق بها لحيته الى أن تركها تقطر وقال : في حفظ الله وكلائته ، والحقه يا ربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية.

قال الربيع : فلحقته بذلك ثم قلت : يا ابا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضب المنصور ، بأي شيء كنت تحركها؟ قال : بدعاء

٥١٥

جدي الحسين. قلت : وما هو يا سيدي. قال «اللهم يا عدتي عند شدتي ويا عوني عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام واكنفنى بركنك الذي لا يرام وارحمني بقدرتك علي فلا أهلك وأنت رجائي ، اللهم انك اكبر واجل وأقدر مما أخاف وأحذر ، اللهم بك ادرأ في نحره وأستعيذ من شره انك على كل شيء قدير».

قال الربيع : فما نزلت بى شدة ودعوت به الا فرج الله به عني. قال الربيع : وقلت له : منعت الساعي بك الى المنصور من أن يحلف بيمينه وأحلفته بيمينك ، فما كان الا أن أخذ لوقته ما السر فيه؟ قال : لان في يمينه توحيد الله وتمجيده وتنزيهه ، فقلت يحلم عليه ويؤخر عنه العقوبة وأحببت تعجيلها اليه فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله لوقته.

وقد كتب رضي‌الله‌عنه كتاب الجفر فيه كل ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة.

ومنهم العلامة أبو القاسم على بن الحسن الشهير بابن عساكر الدمشقي في «تاريخ مدينة دمشق» (والنسخة مصورة من مخطوطة جامع السلطان أحمد في اسلامبول) قال :

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف وابنائه أبو القاسم علي بن ابراهيم وابو الوحش سبيع بن مسلم عنه ، أنا أبو القاسم حمزة بن عبد الله بن الحسين الطرابلسي بها ، نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن طالب البغدادي ، نا أبو بكر بن دريد ، نا الحسن بن خضر ، عن أبيه ، حدثني مولى له بجيلة من أهل الكوفة ، حدثني رزام مولى خالد بن عبد الله القسري قال : بعث أبي المنصور الى جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين عليهم‌السلام وأمه ام فروة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر. قال : فلما أقبلت به اليه والمنصور بالحيرة وعلونا النجف نزل جعفر بن محمد عن راحلته.

٥١٦

فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فصلى ركعتين ثم رفع يديه. قال رزام : فدنوت منه فإذا هو يقول «اللهم بك أستفتح وبك استنجح وبمحمد عبدك ورسولك أتوسل ، اللهم سهل حزونته وذلل لي صعوبته وأعطني من الخير أكثر ما أرجو واصرف عني من الشر اكثر مما أخاف».

ثم ركب راحلته ، فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور ، فلما قرب من المنصور قام اليه فتلقاه وأخذ بيده وما شاه حتى انتهى به الى مجلسه فأجلسه فيه ، ثم اقبل اليه يسأله عن حاله وجعل جعفر يدعو له ، ثم قال : قد عرفت ما كان مني في أمر هذين الرجلين ـ يعني محمد وابراهيم ابني عبد الله بن الحسن ـ وبري كان بهما وقد استخفي وأخاف أن يشق العصا وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شرا لا يصلح أبدا ، فأخبرني عنهما. فقال له جعفر : والله لقد نهيتهما فلم يقبلا فتركتهما كراهة أن اطلع على أمرهما وما زلت خاطبا في جعلك مواظبا على طاعتك. قال : صدقت ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك ولن تفارقني الا أن تخبرني به. فقال له : يا أمير المؤمنين أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك منتهى عملي وعلمي. قال : هات على اسم الله ، فقال جعفر : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ). قال : فخر أبو جعفر ساجدا ثم رفع رأسه فقبل بين عينيه وقال : حسبك.

٥١٧

جملة من كلمات الصادق عليه‌السلام

تقدم نقل بعض كلماته عليه‌السلام في المجلدات السابقة وننقل هاهنا ما لم ننقله هناك عن أعلام القوم وأعاظمهم :

(من كلامه عليه‌السلام)

الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتدبير المعيشة.

رواه في «جامع بيان العلم وفضله» (ص ٧٣ ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة).

(ومن كلامه عليه‌السلام)

ما موت أحد أحب الى إبليس من موت فقيه.

رواه في «جامع بيان العلم وفضله» (ص ٧٣ ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة).

٥١٨

(ومن كلامه عليه‌السلام)

في قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) الآية :

ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها ، ودخل فيها قبول المعاذير ، وعدم الاستقصاء والتصديق للقائلين ، وقبول الملتبس من الأمور ، وعدم مكافأة الجاهل ، وعدم المؤاخذة والالتفات الى قوله والإصغاء الى سفاهته ، ونحو ذلك من الآداب مع الاستمرار على القيام بحق الله تعالى الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مأخوذ في ذلك بلومة لائم.

رواه في «شرح الخمسمائة آية» (ص ١٠٩).

(ومن كلامه عليه‌السلام)

وجدنا العلم كله في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثاني أن تعرف ما صنع بك ، والثالث أن تعرف ما أراد منك ، والرابع أن تعرف ما تخرج به من ذنبك. وقال بعضهم : ما يخرجك من دينك.

رواه في «جامع بيان العلم وفضله» (ص ٩ ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة)

(ومن كلامه عليه‌السلام)

عند ما ذكر عنده قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «النظر الى وجه العالم عبادة» :

٥١٩

هو العالم الذي إذا نظرت اليه ذكرك الآخرة ، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر اليه فتنة.

رواه في «سمير الليالي» (ج ٢ ص ٣٨٥ ط مطبعة البلاغة بطرابلس)

(ومن كلامه عليه‌السلام)

رواية الحديث وبثه في الناس أفضل من عبادة :

رواه في «جامع بيان العلم وفضله» (ص ٢٨ ط دار الكتب الحديثية بالقاهرة)

(ومن كلامه عليه‌السلام)

الله أعدل من أن يجبر عبده على معصية ثم يعذبه عليها. فقال السائل : فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال : الله أعز من ان يجور في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل : فكيف ذلك إذا؟ قال : أمر بين الأمرين لا جبر ولا تفويض.

رواه في «الاعتصام بحبل الإسلام» (ص ٣٧ ط السعادة بالقاهرة).

قال : ان رجلا قال له : هل العباد مجبرون؟ فقاله.

(ومن كلامه عليه‌السلام)

كتاب الله على أربعة أشياء العبارة والاشارة واللطائف والحقائق : فالعبارة للعوام ، والاشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء.

رواه في «الوسيلة الاحمدية في شرح الطريقة المحمدية» المطبوع بهامش «البريقة المحمودية» (ج ١ ص ٤٤ ط مصطفى الحلبي بالقاهرة)

٥٢٠