رحلة الإيطالي كاسبارو بالبي

رحلة الإيطالي كاسبارو بالبي

المؤلف:


المترجم: الأب د. بطرس حداد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٨

على مشارف بغداد

سرنا وقبلتنا بغداد ، وقد تركت أحد رفاق السفر في الفلوجة لحراسة البضائع المتبقية ريثما ترسل إليه الجمال فيفعل كما فعلنا من قبل. ولما كنت في مؤخرة القافلة لإنهاء عملية التحميل ومن أجل الحراسة ، إضطررت إلى تقديم بعض المال والألطاف إلى إنكشاري ، وإلى جاويش ، ثم إلى أمين البلدة. وهكذا سافرنا من تلك البلدة ضمن قافلة عظيمة.

عند بزوغ شمس الرابع والعشرين من شباط (١). كنا نعبر جسرا قائما على فرع من فروع الفرات ، وينشأ هذا الفرع عن أزدياد مياه الفرات ويصب في دجلة قرب بغداد (٢). وفي منتصف النهار اقتربنا من خرائب مدينة

__________________

(١) أخطأ المؤلف فكتب في النص : كانون الثاني.

(٢) جدول الصقلاوية.

٨١

متهدمة يقال لها «السندية» (١) Sendia وبعد نصف ساعة وجدنا في الجهة اليسرى بداية المدينة العظيمة بابل القديمة (٢) وتسمى اليوم «فخرية» ، Facheria واستمر بنا السير حتى حل المساء ، فأتينا إلى موضع يدعى «ناريسا» (٣) Nareisa ويقع في منتصف الطريق الذي يجب قطعه بين الفلوجة وبغداد ، وهو مكان خطر جدّا لكثرة ما فيه من لصوص وأسود!

__________________

(١) ذكرها ياقوت : قرية من قرى بغداد على نهر عيسى بين بغداد والأنبار (معجم البلدان ٣ : ١٦٨).

(٢) ليست بابل ، ولكن بعض الآثار التي ترجع إلى العصر البابلي.

(٣) كأنه يريد أن يقول نهر عيسى.

٨٢

آثار عقرقوف

في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ، قبل شروق الشمس ، عاودنا السير وآثار بابل القديمة لا تزال منظورة دوما عن جانبنا الأيسر واستمر المنظر حتى غابت عن أبصارنا.

فلما بزغت الشمس أبصارنا كتلا عظيمة لأسوار متهدمة ، ثم شاهدنا كتلة من برج بابل الهائل في موضع يسمى «عقرقوف نمرود» (١).

وإذ أقتربنا من مكان اسمه «مسكدون» (٢) Mascadon بدأنا نشاهد مساجد بغداد الحديثة (٣). وكنا قبل ذلك قد مشينا أكثر من نهار كامل قرب موقع بغداد القديمة على

__________________

(١) للدقة قال في النص «كركوفتاتي نمرو» وأضاف انه برج بابل أعتمادا على ما ورد في التوراة (سفر التكوين ١٠ : ٩).

(٢) لعله يريد الإمام موسى الكاظم أو مشهد الكاظم.

(٣) في النص بابل الجديدة أو الحديثة وهي بغداد.

٨٣

جانب واحد ، وهي تنتهي في موضع يقال له «دور القز» (١) Durelcus ويظهر انه كان هناك هيكل عظيم جدّا ـ وأقول هذا ـ بسبب القبة التي تشاهد هناك وهي عالية جدّا. ولا ريب أننا عند مشاهدتنا مدينة بغداد القديمة وكيف أصبحت خرابا نرى في ذلك أصبع الله (٢).

تظهر الأراضي الواقعة بين الفلوجة وبغداد للناظرين من بعيد جيدة وخصبة ، أما في الواقع فلم نشاهد شجرة واحدة أو نباتا أخضر. لقد كانت مقفرة عقيما وخرابا في خراب لا بيت فيها ولا قلاع. الشيء الوحيد الذي لا حظناه هناك أن تلك الأراضي تنتج أجود أنواع الفطر (٣). التي بإمكان إنسان أن يتذوقها ، وهي بكميات كبيرة ، ولجودتها يستطيع الإنسان تناولها نيئة كما يفعل هؤلاء الناس.

__________________

(١) أشار ياقوت في كلامه على دار القز أنها : «محلة كبيرة ببغداد ، في طرف الصحراء ، بين البلد وبينها اليوم نحو فرسخ ، وكل ما حولها قد خرب ، ولم يبق إلا أربع محال متصلة : دار القز ، والعتابيين ، والنصرية ، وشهار سوك ، والباقي تلول قائمة ، وفيها يعمل اليوم الكاغد معجم البلدان ٢ : ٥٢٢ وكرر ذلك ابن عبد الحق (ت ٧٣٩ ه‍ / ١٣٣٨ م) في مراصد الإطلاع : ص ٥٠٧ (مادة : دار القز).

(٢) صاحبنا متشبع بأفكار الكتاب المقدس بعهديه ، وهنا يذكر ما جاء في نبوة اشعيا ١٤ : ١ ـ ٢٣ وكذلك نبوءات : أرميا ٣٩ : ١ ـ ١٨ ودانيال ١ ـ ٦ وأخيرا سفر الرؤيا ١٨ ـ ١٠.

(٣) إنه يشير إلى الكمأة التي تظهر في الربيع.

٨٤

بعد مسافة قليلة من آثار المدينة القديمة ، تشاهد الأطلال الشاخصة لقلعة تسمى «قلعة جاموس» وبالقرب منها خمسة مساجد ، ثلاثة في هذه الجهة من الطريق التي نسلكها ، وأثنان من الجهة الأخرى.

بعد منتصف النهار بساعة وصلنا إلى «دار الرقيق» (١) Rwchiche ويقع هذا الموضع على نهر دجلة مقابل بغداد الجديدة (٢). ومن أجل الذهاب من دار الرقيق إلى بغداد لا بد من عبور النهر على جسر من الخشب المثبت فوق سبعة وثلاثين قاربا (جسارية) مصنوعا على شاكلة قواربنا التي نسميها بوركيللي أي العوامات التي تنقل الطين. وقوارب الجسر هذه مربوطة إلى بعضها.

إتخذنا لنا منزلا في ـ منطقة ـ دار الرقيق ريثما ننجز معاملة إخراج بضائعنا من الكمرك.

ومن أجل إختصار الأمور التي رويناها حتى الآن ، ينبغي أن تعرف ـ أيها القارئ ـ أن الرحلة من حلب إلى بيره

__________________

(١) كتبها الرحالة «ركيكة» وأظنه يشير إلى دار الرقيق وهي محلة كانت ببغداد متصلة بالحريم الطاهري من الجانب الغربي (معجم البلدان : ٢ : ٥١٩).

(٢) يتكرر في الرحلة أسم بغداد الجديدة للإشارة إلى بغداد المعاصرة للمؤلف ولا علاقة لهذه التسمية بالحي الحديث المعروف بهذا الأسم أو كما يسمى اليوم «حي الخليج».

٨٥

جك استغرقت مدة ثلاثة أيام ، وكانت في الطريق البري ضمن قافلة حتى وصلنا الفرات. ومن بيره جك إلى بغداد أمضينا تسعة وأربعين يوما متواصلا ، ويرجع سبب هذا التأخر إلى أن الفصل كان شتاء فالحق يقال أن هذه السفرة كانت تتم بوقت أقصر لو جرت في غير هذا الفصل من السنة.

انفقنا في الطريق من مدينة حلب إلى بغداد سواء للرسوم أو للهدايا أو الرشوات ما هو مدون أدناه بإختصار ، ما عد مصروفنا الخاص للمعيشة.

٨٦

المصاريف من حلب إلى بغداد

للجمال من حلب إلى بيره جك : ٦٠ مؤيدي عن الحمل الواحد ، مع العلم أن المؤيدي القرش (١) الذي يساوي أربعة فلوس من نقدنا (٢).

أحمال البغال

٤٥ مؤيدي للحمل الواحد

مصاريف المكس في بيره جك ١٠

مؤيدي للحمل الواحد

منحة للأمين

٤٠٠ مؤيدي

اتاوة إنتزعها القاضي

٢٠٠ مؤيدي

ثمن أربعة صحون زبيب

وعشرين قطعة صابون

٣٥ مؤيدي

__________________

(١) يشير المؤلف إلى عملة كانت متداولة في البندقية أسمهاGROSSETTO سكها الدوق بارباريكو (١٤٨٦. ١٥١١) ومنها جاء القرش.

(٢) إنها عملة تساوي الفلس أسمهاSoldo وهي من الفضة ، وعلى قول السيدة بينتو كانت تزن في القرن السادس عشر ٤٤٠ ، ٠ غم.

٨٧

للقوارب عدد ٣٠ على ٣٥

بستين دوكاه

٢٤٠٠ مؤيدي

لاطعام الرجال

٢٠٠ مؤيدي

للمكس في الرقة

٥ مؤيدي عن الحمل

ثمن ٣ صحون زبيب

وصابون عدد ٢٥

٢٥ مؤيدي

حقوق الملك أبو ريشة

٢٠ دوكاه

٨٠٠ مؤيدي

للمكس في الدير ٥ دوكاه

٢٣٠ مؤيدي

ثمن ٤ صحون زبيب وصابون

عدد ٢٠

٣٥ مؤيدي

للمكس في عشارة

١٠ مؤيدي

ثمن صحني زبيب وصابون

عدد ١٠

١٧ مؤيدي

للمكس في عنه

١٠ عن كل حمل

ثمن ٤ صحون زبيب وصابون عدد ٢٠

٣٥ مؤيدي

للمكس في حديثة

١٠ عن كل قارب

ثمن صحني زبيب وصابون عدد ١٠

١٧ مؤيدي

٨٨

للمكس في هيت

١٠ عن كل حمل ثمن ٤

صحون زبيب وصابون

عدد ٢٠

٣٥ مؤيدي

ثمن الهدايا في الفلوجة

٣٠ مؤيدي

أجرة الجمال من الفلوجة إلى بغداد

٣٠ للحمل الواحد

هذه هي النفقات التي تصرف عادة من حلب إلى بغداد ، دون أن تدخل ضمنها مصاريف الطعام الخاص بنا شخصيّا. وأعتقد في ما ذكرت الكفاية لهذا القسم من الرحلة ولنأت الآن نتحدث عن مدينة بغداد.

٨٩
٩٠

الفصل السادس

وصف بغداد والسفر إلى البصرة

بغداد الحديثة التي يسميها الأتراك «بجياديت» (١) Bagiadet لها من بعيد منظر خلاب رائع الجمال شبيه بمنظر دمشق ، لأن القادم من السفر يراها من بعيد للوهلة الأولى وهي راقدة بين أحضان البساتين الخلابة والجنائن الغناء ، تحيط بها الأشجار المثمرة. وما يزيد من بهاء منظرها قباب المساجد المزخرفة باللون اللازوردي!

إنها مدينة كثيفة السكان بالرغم من أنها ليست كبيرة جدّا. وتجري فيها الأعمال التجارية بكثرة لبضائع الأجانب ، لأنها ممر مهم إلى بلاد العرب ، وإلى تركية ،

__________________

(١) لا أعلم من أين أتى المؤلف بهذا الأسم ، كما أورد غيره من الرحالين الفاظا أخرى لعاصمتنا ، فقالوا : بكدات وبكديت وبلداك وبلداكو وغيرها فضلا عن تسميتهم لها في معظم الأوقات «بابل» إلى أن جاء الرحالة الإيطالي ديللافالية في مطلع القرن السابع عشر فميز بوضوح بين بابل التاريخية وبغداد العربية ، أنظر الهامش (٢).

٩١

وإلى بلاد فارس ، وإلى سائر الأقطار. ومما يؤيد كلامي كثرة القوافل التي تمر بها يوميّا ، إذ تدخل إليها وتنطلق منها في مختلف الإتجاهات.

تزودها أرمينية بأنواع السلع التي تنقل إليها على نهر دجلة ، فتصل حتى أسوار المدينة فوق أطواف (أكلاك) مصنوعة من الواح خشب مربوطة إلى بعضها فوق زقاق جلود الماعز بعد أن تنفخ بالهواء وتربط معا إلى بعضها. فمتى وصلت هذه الأطراف إلى بغداد ، تنزل البضائع منها وبعدئذ تفك الألواح وتباع في السوق المحلي. أما الزقاق فتفرغ من الهواء وتحمل على الجمال لتعاد إلى مصادرها الأصلي.

تقع هذه المدينة ضمن الحكم الفارسي (١). لكنها منذ زمن وإلى الآن تخضع للحكم التركي (٢) وللمدينة قسم مقابل في الجانب الآخر من النهر ، أي الجهة التي تواجه

__________________

(١) إن معظم الرحالين الأجانب قسموا العراق على أن الأراضي غرب الفرات هي البادية وشرق الفرات دعوها بين النهرين ، أما شرق دجلة فأرض فارس ، والجنوب الأرض العربية. وإنطلاقا من هذا التقسيم الغريب الذي يشير إلى جهل المؤلف وأمثاله ، قال بالبي ما قال أعلاه.

أو لعله يشير إلى إستيلاء الفرس على بغداد في غفلة من الزمن فعاثوا في عاصمتنا فسادا.

(٢) استعاد العثمانيون بغداد سنة ١٥٣٤ م ، جمادى الآخرة ٩٤١ ه‍.

٩٢

بلاد العرب (١). فهناك حصن أو محلة تدعى «دار الرقيق» وهي عامرة بالدور والفنادق (٢) والمخازن حيث يحل القسم الأعظم من التجار الأجانب الذين يأتون إلى المدينة. وعند ما يريدون مغادرة ذلك الحي للدخول إلى المدينة في الفصل الذي تزيد فيه مياه النهر بسبب كثرة الأمطار ، عندئذ يضطرون إلى قطع الجسر في وسطه ويسحبون قسما منه أمام سور المدينة ، أما القسم الآخر فيترك عند شاطئ ذلك الحي. وفي هذه الحالة يعبرون النهر بالقوارب بخطر كبير جدّا ، لأنها قوارب صغيرة تنقلب في كثير من الأحيان فيبتلعها النهر الهادر ، وتسبب الموت لاناس عديدين (٣).

قلعة بغداد

في الجهة اليسرى من المدينة توجد قلعة على شاطئ النهر لحماية المدينة ، وفيها عدد كبير من المدافع من النوع المسمى «الصقر» (٤). وفي القلعة جنود. وهناك قلعة أخرى

__________________

(١) يشير على الكرخ.

(٢) استعمل الكلمة بلفظها العربي ، أما المخازن فتشير أيضا إلى الدكاكين أي الحوانيت ، أو الخانات.

(٣) لقد نقل صاحبنا وصف بغداد من رحلة فيدريجي. أنظر مجلة المرد ١٨ (١٩٨٩) العدد الرابع ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٤) قالت بينتو أن هذا النوع من المدافع انتشر استعماله في القرن الخامس عشر.

٩٣

داخل المدينة نفسها (١) وهي حديثة البناء ، جميلة جدّا ، تقوم في وسط ميدان منبسط ، وتمتد أمامها ساحة فسيحة جدّا. يقيم في القلعة الباشا ، أي حاكم المدينة (٢) ، وله فيها عساكر كثيرة من السباهية (٣) والانكشارية (٤) وغيرهم.

وفي المدينة عدد كبير من الحمامات مطلية من الداخل بالقير عوض الجص ، ويبلغ عددها نحو ستين حماما.

نشاهد في المدينة آثارا كثيرة يعتقد أنها منقولة من بابل القديمة ، رغم أن كل ما يشاهد فيها هو قديم ما عدا القلعة التي ذكرتها التي يسكن فيها الباشا.

وهذا يكفي عن مدينة بغداد.

__________________

(١) هي القلعة الداخلية التي كانت تسمى بالتركية «ايج قلعة» شيدت في أواخر حكم القره قوينلية في الموقع الذي تقوم عليه اليوم وزارة الدفاع على دجلة.

(٢) وهو آنذاك الوالي علي باشا الوند (١٥٧٤ ـ ١٥٨٦ م).

(٣) وهم الجنود الخيالة النظامية (فارسية).

(٤) سبق شرح ذلك في الهامش ١٨.

٩٤

الفصل السابع

وصف برج نمرود القريب من بغداد

يبعد برج نمرود عن بغداد اكثر من ثمانية أميال ويقع في هذه الجهة من نهر دجلة. وهو في سهل فسيح يمتد نحو بلاد العرب. وقد أصابه الخراب كليّا فأصبح ركاما أشبه ما يكون بجبل. رغم ذلك لا تزال كتلة كبيرة منه قائمة لكن الأنقاض غطتها تقريبا.

شيد هذا البرج بحجارة (١) مجففة بحرارة الشمس ، وبطبقات من القصب التي لا تزال قوية جدّا إلى اليوم. ويبلغ محيط البرج نحو ميل واحد.

يترك هذا البرج إنطباعا يختلف عن سائر الأبنية فتلك بقدر ما يقترب المرء منها بقدر ذلك تظهر اكبر حجما. بينما هذا البرج يظهر عظيم الشأن من بعيد وعند الإقتراب منه يصغر تدريجيّا. وسبب ذلك انه لا يوجد حواليه أي شيء

__________________

(١) هكذا في النص والأصح باللبن أو الاجر.

٩٥

كبير أو مرتفع ما عدا حجارة انقاضه. ثم لأنه يقع في سهل واسع الأرجاء (١).

والآن بعد أن تكلمت عن المدينة وعن برج بابل ، أرى من المناسب أن أقول شيئا عن الموازين والمقاييس المستعملة في بغداد. ثم أتكلم عن النقود المتداولة فيها حاليّا ، وأنوه أخيرا بالرسوم التي تستوفي عن كل نوع من البضائع.

__________________

(١) نقل المؤلف هذا الوصف عن رحلة فيدريجي في المرجع المذكور في الهامش ١٤٢ ، ص ١٦٦.

٩٦

الفصل الثامن

الموازين والنقود والمقاييس في بغداد

الموازين

المن البغدادي يساوي في حساب حلب رطلا وخمس أوقيات ونصف ، وان ٦٨ منا وثلاثة اسباع المن تعادل قنطارا حلبيّا أي ١٠٠ رطل ، وتساوي في حساب البندقية ٧٢٠ ليبرة بندقية صغيرة (١).

القنطار البغدادي وقوامه مئة رطل يعادل أربعة عشر رطلا حلبيّا وسبع الرطل. وهذه تساوي ١٠٥٢ ليبرة زائدا أوقيتين صغيرتين بحساب البندقية. هذا هو القنطار!

ولكن من الضروري أن تعلم أن التجار عندما يتحدثون في أمور التجارة فإنهم يتعاملون بالمن وينقصون من أوزان

__________________

(١) الليبرة الصغيرة أو الضعيفة في حساب البندقية كانت تساوي ٣٠١ ، ٠ كغم ، أما الليبرة الكبيرة أو السمينة فتساوي ٤٧٧ ، ٠ كغم (قالته السيدة بينتو).

٩٧

السلع حسب نوعيتها على طريقة حلب ، فلكل شيء حدوده الخاصة (١).

المقاييس

أما مقاييس المدينة المذكورة فهي عادة الذراع. وهنا أيضا يختلف مفهوم القياس بين حلب وبغداد ، فالذراع البغدادي يقل عن ذراع حلب بنسبة ١٨ بالمئة. أي أننا لو أخذنا مئة ذارع في بغداد فهي ستحسب هناك ٨٢ ذراعا حلبيّا.

النقود

أما نقود مدينة بغداد ، فالمتداولة فيها هي : الشاهي وتساوي خمسة مؤيديات. مع العلم أن هذه الفئة الأخيرة تسك محليّا على حساب أن الدوكاه تساوي أربعين مؤيديا.

السلطانية (٢) والبندقية الذهبية الواحدة تساوي ٤٧ مؤيديا.

البياسترا (٣) الواحدة تعادل ٣٣ مؤيديا.

النقد البندقي والريال الاسباني تباع بالوزن ، كذا سعر

__________________

(١) شرح السائح غير واضح لقارئ اليوم لكني نقلته بحذافيره.

(٢) نقد عثماني يساوي الدوقة أو الدوكاة البندقية.

(٣) نقد عثماني عرف بأسم القرش أيضا واختلفت قيمته على مر الزمن.

٩٨

عن كل مئة درهم (١) إذ ليس لها سعر ثابت ومعروف (٢) وعند ما يتكلم التجار في شؤون المال فإنهم يعنون أن كل مئة مثقال تعادل ١٥٠ درهما بوزن حلب.

أما في حساب دار السكة البغدادية فيأخذون النقود الأجنبية على حساب مئة الدرهم ويدفعون خمسة مؤيديات أقل من السعر الساري في البلد عن الوزن المذكور نفسه أي مئة درهم ، وبعد أن يحول المبلغ إلى شاهيات يدفع على مدى أربعين يوما.

الرسوم

إن المكس في هذه المدينة يدفع على الطريقة الآتية ، أكان عند الوصول إليها أو حين مغادرتها.

تستوفي ٦ بالمئة عن كل أنواع البضائع.

أما عن المرجان والعنبر فبنسبة ٥ ، ٥ بالمئة.

الأقمشة الآتية : خام لندن ، الأحمر صنع شنتو (٣) ،

__________________

(١) الدرهم هنا لا يشير إلى النقد بل إلى الوزن.

(٢) هذه الفقرة نشرها الباحث يعقوب سركيس في مقالته : نظرة في كتاب النقود وعلم النميات ، في مجلة المجمع العلمي العراقي ١ (١٩٥٠) ص ٢٩٢ وكذلك في كتابه مباحث عراقية ٣ : ص ١٧.

(٣) بلدة صغيرة في إيطاليا اشتهرت منذ العصور الوسطى بتجارة الأقمشة (قالته بينتو).

٩٩

الديباج ، الأقمشة الوبرية ، الأجواخ والحرير ، العتابية (١) ، الأطلس والدمشقي والمخمل والحرير المقصب. كلها بنسبة ٥ بالمئة لكنهم يحاولون دائما التقدير بسعر أعلى من ثمن البضائع الحقيقي.

كما تدفع للطواف (٢) والبواب والكاتب ستة مؤيديات عن الرأس أو عن البالة أي الحزمة ، ويكون الدفع نقدا. والأول بين هؤلاء أي الطواف هو الذي يعنى بفتح الحزم وشدها ونقلها أمام موظف الكمرك والنظر في محتوياتها. أما الثاني وهو البواب فإنه يفتح باب الكمرك ويغلقه ويكنس المكان ويحافظ على نظافته.

كما يمنحون عادة أمين المال في سبيل المجاملة ثلاثين شاهيا ، فإن امتنع أحدهم عن دفع هذه الدراهم ،

__________________

(١) النسبة إلى محلة في بغداد كان يصنع فيها ضرب من الثياب المخططة المتموجة وعرفت بهذا الأسم نسبة إلى عتاب بن اسيد الذي ينتهي نسبه إلى أمية بن عبد شمس ... وقد سكنت ذريته في هذا الحي وتسمت بأسمها واشتهرت بصناعة المنسوجات.

لسترانج : بغداد في عهد الخلافة العباسية ، ص ١٢٢ ـ ١٢٣ صلاح حسين العبيدي : الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي ، بغداد ١٩٨٠ ، ص ٥٤ ؛ مصطفى جواد وأحمد سوسة : دليل خارطة بغداد ، ص ١٠٤.

(٢) أستعمل الكلمة العربية في النص وسيشرحها بعد أسطر.

١٠٠