رحلة الإيطالي كاسبارو بالبي

رحلة الإيطالي كاسبارو بالبي

المؤلف:


المترجم: الأب د. بطرس حداد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٨

الفصل الحادي عشر

الأوزان والنقود والمقاييس

في مدينة البصرة

الأوزان

المن الواحد في البصرة يساوي في حلب خمسة أرطال وأوقيتين وثلثا. وإن تسعة عشر منا وربعا يعادل القنطار الحلبي المكون من مئة رطل ، أي في وزن البندقية ٧٢٠ ليبرة بندقية.

القنطار البصري الذي يتكون من عشرين منا ، يعادل ١٠٤ أرطال حلبية ، وهو يساوي ٧٤٨ ليبرة بندقية زائدا ٩ أوقيات بندقية أيضا.

ولكن من الضروري أن تعرف : إن التجار عندما يتباحثون فإنهم يتعاملون بالمن ، وينقصون من أوزان السلع لكل منّ بحسب النوعيات وبحسب التعامل المحلي.

المقاييس

أما مقاييس هذه المدينة فتجري بحساب الاذرع ، وهي

١٢١

ـ أي الذراع ـ بالنسبة إلى أذرع حلب تقل بنسبة ١٨ بالمئة كالمقاييس المستعملة في بغداد بالضبط.

النقود

إن نقود هذه المدينة هي الفلوس (١) النحاسية الكبيرة ، وهي شبيهة بعيار الزيت في البندقية (٢) ويطلق عليها أسم «الاستيني» (٣) ، وأن ١٢ منها تساوي مؤيديّا واحدا ، وكذلك في حساب حلب ، وتعادل أربع صولديات (٤) من نقودها.

إن المؤيدي هو نقد من فضة شبيه بالصاد (٥) المتداول في هرمز ، ويحمل نقشا تركيّا (٦) على وجهيه. إن قطعتين من

__________________

(١) استعمل المؤلف كلمى فلوس المعروفة.

(٢) قالت بينيتو : هي قطع معدنية مثلثة الشكل كانت توضع في براميل الزيت وتجمع في الكمرك ويتم دفع المكس على قدر عددها ، فهي ليست من النقود لكنها في الاستعمال الشعبي صارت تعبر عن قيمة نقدية.

(٣) Estinni هي نقود فارسية (بينيتو) أقول : لم أجد لها في الكتب العربية التي بحثت في النقود التي كانت تستعمل في العراق ككتاب الأب الكرملي والأستاذ العزاوي والباحث يعقوب سركيس.

(٤) صولدو (ج : صولديات أو صولدي) من نقود البندقية.

(٥) الصاد والسادي والساندي والسندل (فارسية) تعني مئة وهي عملة كانت متداولة في هرمز والبصرة وتساوي ١٠٠ دينارا (بينيتو).

(٦) نقش أو ختم ولعله الطغراء ، وقوله تركي يعني إسلامي أو عربي لأن الغربيين كانوا يستعملون كلمة تركي للإشارة إلى المسلمين بصورة عامة.

١٢٢

فئة المؤيدي تساويان دامينا (١) واحدا. ويساوي في حساب حلب مؤيديا وبحساب البندقية ثماني صولديات.

والدامين المذكور هو من النقود الفضية ويشبه القرش (٢) لكنه أكبر منه ، مع نقش تركي على وجهيه وأن اثنين ونصفا منه يساويان شاهية واحدة وكذلك في الحساب الحلبي أي شاهية واحدة وبحساب البندقية ٢٠ صولدية بالضبط.

هذه الشاهية شبيهة بمثيلاتها في حلب ، وأن شاهية واحدة زائدا ٢٠ استينا تساوي لارينا (٣) واحدا ، وبالحساب الحلبي ستة مؤيدات ونصف وأربعة فلوس ، وبحساب البندقية ٢٦ صولدية زائدا ٨ باكاتيني (٤).

__________________

(١) الأصح دنيم (ده نيم) وهو نقد فارسي بعادل عشر المحمودي ، قال سركيس «دهنيم» أي من العشرة واحد (مقالته المذكورة في الهامش ٥٨ ص ٢٩٢) أما العزاوي فقال مصححا سركيس : «وصوابه نصف العشر» (تاريخ النقود العراقية : ١٦٦).

(٢) من نقود البندقية سبق شرحه في الهامش ١٣٥.

(٣) قال العزاوي : «من النقود الشائعة في الأحساء ونجد ما يسمى بالطويلة ..

هو نقد معدني. ذو علاقة بالنقد المسمى در ازد هكاني ص ٣٤ من هذا الكتاب (أي كتابه) وقد بطل استعماله» انتهى قول الأستاذ ، ورجعت إلى ص ٣٤ فلم أجد أي شرح هناك. مهما يكن من أمر فقد ورد شرح هذا النقد في دائرة المعارف الإسلامية في مادة «طويلة» للمستشرق الآن.

(٤) نقد بندقي من النحاس انتشر في القرن ١٥.

١٢٣

إن اللاري المذكور هو نقد غريب المنظر حقا ، فهو ليس مدورا كسائر النقود. إنه قطعة سميكة من الفضة يبلغ سمكها بقدر ريشة الأوز التي تستعمل في الكتابة ، وطولها نحو نصف الربع (١). حافات أو رؤوس القطعة مطوية من جميع جهاتها إلى النصف (إلى منتصفها) وتجتمع في (نقطة) واحدة حيث توجد الكتابة التركية (أو الختم؟).

هذه اللاينات هي على نوعين : فبعضها ضرب في بلاد الأتراك ولذا فهي تحمل الختم التركي (العثماني) والكتابة التركية وبعضها الآخر يسك في هرمز وعليه ختم ملك تلك المدينة. وأول من بدأ بسكه كان ملك اللر (٢) الذي كان عاهلا قديرا ضمن بلاد فارس وهو شاه عباس اغتصب معظم أراضي مملكته ، ولم يترك له غير بلد صغير واقع على البحر. وهذا الملك يضمر عداوة للبرتغاليين لأنهم على علاقة حسنة بغريمه ملك هرمز.

تعد اللارينات أفضل النقود المتداولة في طول الهند وعرضها. وإن ست لارينات تساوي بندقيّا واحدا ، وتساوي بالحساب الحلبي ٤ مؤيدي ، وبالحساب البندقي ٨ ليرات.

البندقي الذهب أو بالأحرى السلطاني يساوي ٧

__________________

(١) أي ربع الذراع البحري (بينيتو).

(٢) ياقوت : معظم البلدان ٤ : ٣٥٥.

١٢٤

لارينات ودانيما واحدا ، وبحساب حلب ٤٨ مؤيديا ونصفا وأربعة فلوس وبحساب البندقية ٩ ليرات وأربعة عشر صولديا أو صولدية وثمانية من النقد الصغير (١).

يباع النقد البندقي بالوزن : كل ١٠٠ مثقال منه بثمان وثمانين لاريا وتساوي ١٥٠ درهما (٢) حلبيّا.

يجب الإنتباه إلى أن التجار عندما يتعاملون بالنقود فإنهم يتحدثون عن فئة مثقال التي تعادل ١٥٠ درهما ـ بعيار ـ حلب كما سبق أن أشرت إلى ذلك. إلا انه في مدينة «فوجيوا» (٣) Voceua فإن النقد الذي يستلم في القلعة بوزن مئة درهم تعطي عن كل مئة درهم خمس مؤيديات أقل مما في المدينة. مع العلم أنهم يسلمون المبلغ في فترة أربعين يوميّا وبما يعادلها من الشاهيات أو اللاريات (٤).

الضرائب

إن الضرائب في هذا المكان هي بمعدل ستة بالمئة عن مختلف أنواع البضائع ، سواء أكانت عند الدخول أو المغادرة.

__________________

(١) نقد بندقي من النحاس انتشر في القرن الخامس عشر دعي أحيانا باكاتيني الذي سبق شرحه في الهامش ١٨٥.

(٢) الدرهم هنا يشير إلى الوزن لا إلى العملة.

(٣) لم يشر أين تكون هذه المدينة.

(٤) هذه الفقرة غير واضحة ، اعترفت بذلك المحققة الإيطالية بينيتو!

١٢٥

كما أن الطواف والبواب يتسلمون ستة مؤيديات عن الرأس سواء عند القدوم أو عند الرحيل.

وإذا ترك شخص بضاعته في الكمرك عند وصوله فإنه لا يدفع شيئا عند خروجه ، ولكن عندما يريدون بعد الإنتهاء من المعاملة أخذ البضائع استعدادا للرحيل فينبغي أن يعودوا ويقدموا للطواف (١) والبواب ثلاثة مؤيديات عن البضائع عن كل رأس ولا يقع عليهم أي شيء آخر.

وقد يحدث أحيانا أن «الأمين» عند تقديره البضائع يحاول تقديرها أعلى من قيمتها ولا يكتفي بالتقدير المعقول ، عندئذ بالإمكان أن يقال له أن يأخذ من البضاعة نفسها ما يعادل الستة بالمئة ـ بحسب تقديره نفسه ـ وفي هذه الحالة لا تدفع له نقود المكس وهذه عادة جارية ومألوفة بأمر من السلطان.

بعد إيفاء الرسوم ، لا بد من إتخاذ الأمور الضرورية والإستعداد للرحيل ، ولكن قبل فعل ذلك من الضروري جدّا مطالبة الأمين بقائمة مفصلة مذيلة بختمه ، يسجل فيها تفاصيل البضاعة كلها. وقبل مغادرة المدينة يحضر الأمين بنفسه للتدقيق ، لكي في حالة العودة إلى المدينة مع بضائع أخرى لا يعطى المجال لإنتزاع اتاوة أو أن يصبح التاجر ضحية مكيدة من المكائد التي هي من عادات أولئك الناس!

__________________

(١) سبق شرح هذه الوظائف في الهامش ١٥٨.

١٢٦

الموازين من جديد

من المفيد أن تعلم أيضا أن مئة مثقال في مدينة البصرة تزن ١٧ أوقية ونصف (صغيرة) (١) في حساب البندقية أما في حساب حلب ـ فكما بيناه ـ تعادل ١٥٠ درهما (وزنا).

القنطار الدمشقي والطرابلسي وقوامه ١٠٠ رطل ، أي ما يعادل ٦١٨ ليبرة (صغيرة) في مدينة البندقية.

القنطار الحلبي المذكور أعلاه وقوامه ١٠٠ رطل ، يساوي ٧٢٠ ليبرة (صغيرة) في البندقية.

قنطار عمان وقوامه ١٠٠ رطل يساوي ٧٤٠ ليبرة (صغيرة) في حساب البندقية.

أجور السفن

يتم تخمين أجرة السفن في مدينة البصرة إلى هرمز ، على متن السفن المسماة «طرادات» (٢) وذلك حسب حجمها :

__________________

(١) أرجع إلى الهامش ١٥٠.

(٢) طرادة (ج : طرادات وطراريد) وهي عربية فصيحها طراد ، وهي سفينة صغيرة مطلية بالقار ، سريعة الجريان كاظم الدجيلي : السفن في العراق ، مجلة لغة العرب ٢ (١٩١٢) ص ١٠١.

١٢٧

طرادة الحمل حجم عشر كرات (١) تؤجر بمئة وثمانين لاريا.

حجم خمسة عشر بمئتين وسبعين لاريا.

حجم عشرين كارة بثلاثمئة وستين لاريا.

حجم ثلاثين كارة بخمسمئة وأربعين لاريا ، ويجب أن نعلم أن «الكارة» تساوي أربعة قناطير بوزن البصرة.

ويعطون للناخداه (٢) ، وهذا هو لقب صاحب الطرادة أي السفينة ، عن التحميل قنطارا واحدا ، وإلى بقية الملاحين ثلاثة قناطير. فالمجموع الكلي إذا أربعة قناطير. وبعد دفع المبالغ المذكورة عن الأجور ، لا تدفع بعدئذ نفقات أخرى للمعيشة ، ولكن يلزم أن نشرح هذه الأمور بوضوح في إتفاقية استئجار الطرادة بحيث لا يجوز تحميل رطل واحد أكثر من المتفق عليه ؛ لأنه إذا ما رأوا في هرمز أن هؤلاء الناخداه حملوا السفن أكثر مما هو متفق عليه يحاسبون ويتم إيقافهم. وهذا إجراء جيد لإيقافهم عند حدهم. فنحن في هرمز كأننا في بلدنا (٣) ، وهناك في هرمز لا يبالون بأمثال

__________________

(١) من موازين الحنطة سيصفه المؤلف بعد أسطر.

(٢) أي رئيس السفينة (فارسية) شرحها أدي شير ، «رئيس السفن مأخوذ من ناخدا وهو مركب من ناو أي سفينة ومن خدا أي صاحب». الألفاظ الفارسية المعربة (بيروت ـ ١٩٠٨) ص ١٥٠.

(٣) لأنها كانت تحت الاستعمار البرتغالي.

١٢٨

هؤلاء. وبهذه الطريقة يعملون على ردعهم ويضعون حدا لطمعهم ، لأنهم طمعا بالربح كانوا يحملون المراكب فوق طاقتها دون مبالاة إلى ما في ذلك من خطر على الأرواح وعلى السفن ونحن نشهد على كل ذلك فقد كنا نفقد الحياة والمال في رحلتنا.

وخلاصة القول أن هؤلاء عندما يبحرون بطريق النازل (١) أي طريق الذهاب يعرفون عز المعرفة أنهم تحت طائلة المحاسبة في هرمز إذا ما وجد في سفنهم أكثر من الحمولة فسينالهم عقاب صارم إضافة إلى الغرامة التي سوف تؤخذ منهم عن الحمولة الزائدة لذا فمن الضروري أن يتم الإتفاق بفطنة وبحضور الأمين أو أحد الشخاص المعتبرين من أهل البلد.

وبهذا الكفاية في موضوع الموازين والنقود والمقاييس ولنا عودة إليه في الفصل الرابع والأربعين عندما سنتكلم عن طريق الاياب من جزيرة هرمز إلى البصرة.

__________________

(١) أستعمل الكلمة العربية في النص.

١٢٩
١٣٠

الفصل الثاني عشر

الإبحار من البصرة إلى جزيرة هرمز

الحمام الزاجل

لا أظن أن الكلام الآتي سيعد خارج موضوع الرحلة ، إذ يطيب لي قبل أن أضع خاتمة الفصل الخاص بأهم أخبار البصرة ، أن أروي أمرا لعل بعض الناس لا يصدقونه ، ولكنه حقيقي ، ومفاده أن بعض التجار الذين يتعاملون بين البصرة وبغداد يحضرون معهم من بغداد بعض أنواع الحمام ، لأنها كثيرة في تلك المدينة. وعندما ينقلون الحمام داخل أقفاص ، لا يدعون الضوء يتسرب إليها بكثرة. فعندما يصلون إلى البصرة يحبسون الحمام في غرفة إلى أن تحين الفرصة ليتصلوا بجماعتهم في بغداد من أجل أطلاعهم على هبوط أسعار التوابل أو صعودها في سوق البصرة ، فيكتبون رسالة ويربطونها تحت جناح الحمامة. ولكي لا تضيع المعالم على الحمام فلا ترجع إلى البيت الذي تربت فيه ، يخرج التجار إلى خارج المدينة مسافة ميل تقريبا ، ويطلقون

١٣١

الحمام من هناك (١) ، فيصل إلى بغداد في اليوم نفسه فعندما يلاحظ صاحب البيت وصول الحمام يخرج الرسالة ويطلع على فحواها ، وهكذا يتعرف تجار بغداد على شؤون السوق بطريقة سهلة لا تكلفهم شيئا مع المحافظة على السرية في الوقت نفسه ، وهذا أمر جزيل الفائدة لهؤلاء التجار.

مغادرة البصرة

بعد أن أدينا ما علينا من رسوم ، وقدمنا الهبات الضرورية في البصرة ، ثم تحرينا عن شؤون البحر فتأكدنا من إستتباب الأمن فيه ، عندئذ استأجرنا على بركة الله إحدى السفن من النوع الذي يمخر ما بين البصرة وهرمز ، وذلك في اليوم التاسع من نيسان (١٥٨٠) وقد استأجرنا السفينة باكملها من العنبار إلى السطح ، لأنهم يحجزون عادة العنبار

__________________

(١) في الطبعة الللاتينية للرحلة يوجد رسم يمثل ثلاثة تجار يطلقون الحمام (بينيتو) وكذلك في الطبعة الهولندية ومنها نسخة في مكتبة المتحف العراقي. وعن الحمام أنظر الجاحظ : الحيوان ١ : ٤٣٥ تحقيق يحيى الشامي ، القاهرة ١٩٩٧ الدميري : حياة الحيوان الكبرى ١ : ٣٨٢ ، القاهرة ١٣٧٤ ه‍ ويسمي النويري هذا النوع من الحمام «العلوي» ويقول عنه انه : «يطلب وكره ولو أرسل مسافة ألف فرسخ ، ويحمل البطائق ويأتي بها» النويري : نهاية الأرب ١٠ : ٢٧٠ وأنظر : ميخائيل صباغ : مسابقة البرق والغمام في سعادة الحمام باريس ١٨٠٥ واعاد نشرها حكمت توماشي ، مجلة المورد ٢ (١٩٧٣) العدد ٣ ص ١٤١ ـ ١٥٢.

١٣٢

لتعبئته بالتمور. أما المبلغ الذي اتفقنا عليه فهو ٢٠٠ لاريا ، ونحن نعلم أن هذا المبلغ هو أعلى من المألوف لكننا إضطررنا إلى ذلك لأن السفن رفضت الخروج إلى عرض البحر خوفا من القراصنة ، لأن عددا كبيرا من السفن كان تم استئجاره وكانت متأهبة للرحيل لكنها لم تقلع للسبب المذكور ، إذ كان القراصنة يجوبون البحار وينهبون كل ما تصل إليه ايديهم.

حملنا الضائع في السفينة وفي مساء الحادي والعشرين من نيسان صعدنا على السفينة ، وفي صباح اليوم التالي تركنا قناة البصرة وتوجهنا إلى نهر دجلة الكبير (١) الذي يوجد على ضفته ضريح أحد أوليائهم ، ويسمى ذلك المكان «سيكالي» Siccali ومن عادات الملاحين أنهم حين وصولهم إلى هذا الموضع يطلبون تبرعا من التجار فيتصدقون من أموال الآخرين على الضريح المذكور.

دخلنا النهر ، وإذ كانت المياه بإرتفاع بسبب المد لذلك أوقفنا السفن. وكان برفقتنا سبع سفن أخرى فضلا عن سفينتنا ، ولم نستطع التقدم نحو البحر إلى أن بدا الماء بالهبوط أو الإنحسار بعد منتصف النهار ، عندئذ بدأنا بالتقدم

__________________

(١) بالأحرى شط العرب.

١٣٣

قليلا بالرغم من معاكسة الريح لنا. وأخيرا توغلنا إلى العمق مع حلول المساء فقضينا ليلتنا الأولى في البحر.

ما يجب معرفته بصدد السفن ، أننا عندما نريد سحب سفينة نربط حبلا بكوثل القارب الساحب ونربطه بين الخشبتين (؟).

في صباح اليوم التالي وهو ٢٣ نيسان استعملنا الأشرعة وساعدتنا لحسن الحظ ريح الشمال فوجدنا في وسط النهر بعد مسيرة قليلة جزيرة بها بيوت تسمى «فوجيادي» Fugiadi حيث شاهدنا عددا كبيرا من المراكب الشبيهة بسفننا وكانت تمخر بين هرمز والبصرة أو العكس.

وصف السفينة (١)

قبل أن استطرد في الكلام ، أرى من المفيد في هذا الصدد أن أتكلم قليلا على هذه السفن الت تمخر بين البصرة وهرمز ، فهي مقعرة الأسفل ولا غطاء لها ، صدرها ملموم وكذلك مؤخرتها والجزء الذي يشق الماء عريض ، لكنه أقل عرضا من تلك السفن التي يقال لها «قره موسالي» مع العلم أن الكوثل هو أعلى من الصدر ، وأن الدفة مربوطة إلى

__________________

(١) يراجع عن السفن : عباس العزاوي : السفن الشراعية في الخليج العربي ، مجلة المورد ٥ (١٩٧٦) العدد ٢ : ص ١٩٧ ـ ٢٠٠ نشرتها راجحة عباس العزاوي.

١٣٤

الكوثل أي في المؤخرة بحبال مجدولة من سعف النخل ، وهي مشدودة بقوة ولذلك فإن الدفة لا تتحرك إلى الجهتين أكثر من مسافة أصبعين لا غير ، لكن هذه الحركة البسيطة كافية جدّا لإدارتها ؛ لأن هذه الأنواع من الدفات دقيقة في الأعلى وكأنها قطعة واحدة مع الكوثل من سطح الماء إلى فوق فتظهران شيئا واحدا.

أما طريقة قيادة الدفة فتتم بقطعة خشب ظاهرة فوق الماء يبلف طولها أكثر من ذراع مثبتة من وسطها في طرفي الدفة ، ويوجد حبل مربوط بهذه الخشبة من جهتها البارزتين ، وبالإمكان سحبها بحسب الحاجة إلى اليسار وإلى اليمين ، والحبلان مربوطان إلى لوح مثبت في السفينة من جهتها أيضا ، ويمر هذا اللوح تحت الكوثل ويبرز قليلا من الجهتين بقدر خطوة واحدة.

يجلس الربان على لوح في الوسط ويمسك الحبلين بيده فيجر هذا الحبل تارة والحبل الآخر تارة أخرى بحسب الضرورة التي تستوجبها قيادة السفينة.

تقوم الساريات في وسط السفينة ، أما الأشرعة المستعملة فتشبه أشرعة سفننا التي نسميها «المربعة» وقد مر ذكرها ، وعندما لا تضرب الريح مؤخرة السفينة يضعون شراعا صغيرا يطلقون عليه اسم «سمبوسة» لأنه شراع مساعد

١٣٥

ويمكن أن يشرع من هذه الجهة أو تلك حسب هبوب الريح وإتجاهها وقد يربط إلى الشراع الكبير أيضا.

إن الحبل الذي يستعمل لسحب الشراع إلى الأعلى يضعونه عند المؤخرة مربوطا بالخشبة التي مر الكلام عنها أي تلك التي يجلس عليها الربان ، بعكس العادة المعمول بها عندنا إذ نتركه عند السارية.

يوجد فوق المؤخرة موضع مغطى بأخشاب وحصران يبلغ ارتفاعه أكثر من ثلاثة أذرع ويشبه ما هو موجود في السفينة المسماة «قره موسالي» التي ورد ذكرها قبل قليل.

ترتفع في مؤخرة السفينة أربعة أعلام كبيرة. إثنان من كل جهة إضافة إلى علم آخر في الوسط لكنه أصغر من الأعلام الأخرى.

تحمل كل سفينة أو طرادة قطعتين من حديد في المقدمة في الصدر بصفة مرساة لإيقاف المركب عند الحاجة وذلك بإنزال المرساة إلى الأسفل بالحبال.

يصنع الشراع من قماش غليظ كالقنب ، وتكون الأشرعة على أنواع فمنها كبيرة ومنها صغيرة حسب الحاجة.

يحملون في السفينة بيرقا أو عمودا يثبت في جهة السفينة اليسرى في المقدمة ولعله يفيد كعامل توازن.

١٣٦

كما يحملون أيضا موقدا (١) يضعونه قريبا من السارية من جهة الكوثل بين صندوقين مخيطين ومشدودين بحبال قوية ، ولا يطلى الصندوق بالقير لكنهم يستعملون عوضه دهن السمك ويملأون الصندوقين بالماء العذب ويحافظون عليه بإهتمام إذ يستعملون هذا الماء للشرب والطبخ ولأن الصندوقين مطليين بدهن السمك فإنهما يحافظان على الماء جيدا. ويطلق على الصندوق اسم «تانجي» (٢).

هذه السفن مربوطة بالحبال وبمسامير مصنوعة من الخشب وفائدة هذه الطريقة هي المحافظة على السفينة فلا تتحطم بسهولة إذا ما اصطدمت كما لو كانت مصنوعة بمسامير حديد.

إنها بالحقيقة أقوى وأكثر إستعدادا للحوادث التي قد تصادفها في البحر. ومن أجل إعدادها لهذه الحالات فإن السفن مبطنة من الداخل بسعف النخيل ، وهذه البطانة ليست متصلة مباشرة بجسم الفينة أو قعرها بل تفصلها فواصل ، لذا فعند تسرب الماء قليلا إلى الباطن يبقى في قعرها تحت هذه البطانة.

__________________

(١) لعله يريد أن يقول مشعلا؟ أو هو مكان الطبخ فعلا.

(٢) ومنها كلمة تانكي المستعملة عندنا ، أو من طنجرة وتنجرة بالتاء ، قدر من النحاس (فارسية) دوزي : تكملة المعاجم العربية ٧ : ١٠٨.

١٣٧

يربطون إلى صدر السفينة قاربا صغيرا. ولكي لا ينصب إهتمام ربان السفينة على القارب ، فإنهم يعينون عاملا خاصا يهتم بنشر الشارع الخاص به عند الحاجة أي عند هبوب الريح.

أعتقد أني أطلت الكلام دون أن أدري في شرح أمور هذه السفن. لهذا فلندع هذا الموضوع ولنعد إلى وصف رحلتنا.

تكملة الرحلة

لنعد الآن إلى الحديث عن رحلتنا إلى هرمز ، فأقول : اننا واصلنا الأبحار ، ففي الثاني والعشرين من نيسان (١) نحو منتصف الليل وصلنا جزيرة كبيرة جدّا وجميلة للغاية وعامرة بأشجار النخيل تدعى «فيجادة» (٢) وكانت كل الأراضي إزاء الجزيرة أي على ضفتي النهر خصبة ومزروعة.

كان مجرى النهر في ذلك الموضع واسعا جدّا شبيها بمجرى نهر النيل. وهناك يتفرع من النهر جدول يجري في أرض «بيرين» (٣) (اسجونفان) (٤) ثم يصب في البحر الذي

__________________

(١) أخطأ السائح على ما يبدو لأنه سبق أن قال انه بهذا التاريخ ترك قناة البصرة.

(٢) سبق ذكرها قبل قليل وسماها فيجادي.

(٣) هل يشير إلى البحرين؟

(٤) أدخلها المؤلف خطأ هنا ، وهي بين قوسين في الأصل.

١٣٨

يصطاد منه الناس اللؤلؤ. ولكون ذلك الفرع قليل العمق فهو لا يفيد لسفينتنا ، لذلك لم نتوغل فيه بل بقينا في النهر الكبير. وعند حلول المساء توقفنا عند رأس جزيرة تقع بالقرب من البحر الذي هو الخليج.

في الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي توغلنا في البحر وكان هادئا جدّا. لذا لم نستطع قطع مسافة طويلة لإنعدام الريح. وفي منتصف النهار هبت ريح سموم شرقية قوية للغاية وكانت معاكسة لنا ، حتى اقتضت الحالة أن ننزل المراسي من الجهات الأربع في موضع إزاء بلاد العرب الواقعة إلى اليمين فعن يسارنا تقع أرض فارس.

في صباح اليوم التالي وهو ٢٥ من الشهر المذكور ، سرنا سيرا حسنا منذ بزوغ الشمس تدفعنا ريح الجريباء الطيبة. وكانت مقدمة السفينة تمخر البحر بخيلا! وبعد شروق الشمس بساعة كنا قد وصلنا إلى المنطقة التي تنتهي فيها السيطرة التركية.

لم يكن لأولئك الملاحين بوصلات ، لذلك كنا نسير ووجهتنا قبالة الأرض العربية ، وعلينا في الوقت نفسه تجنب الصخور الموجودة تحت سطح الماء في الناحية الأخرى التي هي جهة بلاد فارس. وتمتد هذه الصخور مسافة طويلة تحت سطح الماء نحو ستة أميال ، ويطلق عليها أسم «رأس الخان».

١٣٩

ولما كانت الرياح الشمالية حسنة فقد أكملنا سيرنا حتى منتصف الليل. ولكن بعد ذلك هبت رياح عاتية فتملكنا الفزع من أن تبتلعنا الأمواج. ولشدة الرياح انسكب ماء الشرب المحفوظ في أحد الصندوقين ، وتقطعت الحبال المربوطة إلى الدفة ، وبالكاد أستطعنا أن نحافظ على سلامة الشراع. فبقيت السفينة بلا قيادة وزاد الخطر أكثر من السابق فشرعنا نصلي! وأخيرا توقفت الريح وهدأ البحر نحو الساعة ٢١ من اليوم السابع والعشرين من ذلك التشهر فأكملنا السير طوال الليل.

صباح اليوم التالي وهو ٢٨ من الشهر وصلنا إلى موضع يقع إلى اليسار أي قرب الشواطئ الفارسية وهي جزيرة يقال لها «الجبل». هناك غطس رباننا في البحر لأنه لاحظ وجود ثقب في المركب كان الماء يتسرب منه. فأدخل في الثقب قطعة خشب مصنوعة خصيصا لسد مثل هذه الثقوب يبلغ طولها نصف ذراع ، ويلف في رأسها شعر ـ ذيل ـ حصان. فالرجل الذي يغطس في الماء يذهب إلى موضع الثقب في السفينة وما أن يمد الخشبة المذكورة حتى يجذب الثقب الشعيرات فيدفع الخشبة حالا. إنه امر عجيب حقا بهذه الطريقة يعرف صاحب السفينة أين هي العيوب في سفينته فيعالجها حالا كما حدث في سفينتنا. وأضيف بهذا الصدد شيئا آخر عن هؤلاء الملاحين ، فهم عند الغطس

١٤٠