إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١٨

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

بيته النار.

وأخرج الحاكم وصححه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي البلاغ أن لا يعذبهم.

وأخرج تمام والبزار والطبراني وابو نعيم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار. وفي رواية : فحرمها الله وذريتها على النار.

وأخرج الديلمي مرفوعا : انما سميت فاطمة فاطمة لان الله فطمها ومحبيها عن النار.

وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها : ان الله غير معذبك ولا أحد من ولدك.

وأخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) عن جعفر الصادق أنه قال : نحن حبل الله.

وأخرج بعضهم عن الباقر في قوله تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أنه قال : أهل البيت هم الناس.

وأخرج السلفي عن محمد بن الحنفية في قوله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) أنه قال : لا يبقى مؤمن الا وفي قلبه ود لعلي وأهل بيته. وذكر النقاش في تفسيره : أنها نزلت في علي.

وعن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتينى رسول ربي عزوجل ـ يعنى الموت ـ فأجيبه واني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عزوجل وخذوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي.

٥٤١

رواه مسلم. وفي رواية : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.

والثقل محرك كما في القاموس ، وهو كل شيء نفيس مصون ، ومعنى «أذكركم الله في أهل بيتي» أحذركم الله في شأن أهل بيتي.

ولفظ رواية الامام احمد : اني أوشك أن أدعى وأجيب ، واني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وان اللطيف الخبير أخبرني انهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة فانظروا بما تخلفوني فيهما. وفي رواية : حوض ما بين بصرى وصنعاء عددا عدد النجوم ، ان الله سائلكم كيف خلفتموني في كتاب الله وأهل بيتي.

وعن أبى بكر الصديق رضي‌الله‌عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أيها الناس ارقبوا محمدا في أهل بيته. رواه البخاري : احفظوني فيهما فلا تؤذوهم.

وعن ابن عباس قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أحبوا الله لما يغذيكم به ، وأحبوني بحب الله ، وأحبوا أهل بيتي بحبي. رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين.

وأخرج عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خيركم خيركم لاهلي من بعدي.

وأخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : استوصوا بأهل بيتي خيرا ، فاني أخاصمكم عنهم غدا ، ومن أكن خصمه أخصمه الله ، ومن أخصمه الله أدخله النار.

وروى جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. وفي رواية : غرق. وفي أخرى : زج في النار. وفي أخري عن أبي ذر زيادة : وسمعته يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد

٥٤٢

ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس الا بالعينين.

وصح أن بنت أبي لهب لما هاجرت الى المدينة قيل لها : لن تغنى عنك هجرتك أنت بنت حطب النار. فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاشتد غضبه ثم قال على المنبر : ما لا قوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ، من آذى ذوي رحمي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله. أخرجه ابن أبي عاصم والطبراني وابن مندة والبيهقي بألفاظ متقاربة.

وأخرج الطبراني والدار قطني مرفوعا : أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب من قريش ، ثم الأنصار ، ثم من آمن بى واتبعني من اليمن ، ثم من سائر العرب ، ثم الأعاجم ، ومن اشفع له أولا أفضل.

ولا تنافي بين هذا وما رواه البزار والطبراني وغيرهما : أول من أشفع له من أمتى أهل المدينة ، ثم أهل مكة ، ثم الطائف. فان هذا ترتيب من حيث البلدان وذلك من حيث القبائل ، فيحتمل أن المراد البدأة في قريش بأهل المدينة ثم مكة ثم الطائف ، وكذا في الأنصار فمن بعدهم.

وروى الطبراني وابن عساكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أنا وفاطمة والحسن والحسين نجتمع ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق الله بين العباد.

وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين. ويشهد له خبر المرتفع : من أحب.

وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الزموا مودتنا أهل البيت ، فانه من لقي الله عزوجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله الا بمعرفة حقنا.

وصح أن العباس شكى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما تفعل قريش

٥٤٣

من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب «ص» غضبا شديدا حتى احمرت وجهه ودر عرق بين عينيه وقال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ولرسوله.

وفي رواية صحيحة أيضا : ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم ، والله لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبهم لقرابتهم مني.

وفي أخرى : والذي نفسي بيده لا يدخلوا الجنة حتى يؤمنوا ولا يؤمنوا حتى يحبوكم لله ولرسوله ، أيرجون شفاعتي ولا ترجوها بنو عبد المطلب.

وروى الديلمي والطبراني وابو الشيخ وابن حبان والبيهقي مرفوعا أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يؤمن عبد [الا] حين أكون أحب اليه من نفسه وتكون عترتي أحب اليه من عترته ، وأهلي أحب اليه من أهله ، وذاتي أحب اليه من ذاته.

وروى أبو الشيخ عن علي كرم الله وجهه قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال : ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي ، والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذريتي.

ولذا قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : صلة قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب الي من صلة قرابتي.

وروى أحمد مرفوعا : من أبغض أهل البيت فهو منافق.

وعن أبي سعيد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يبغضنا أهل البيت أحد الا أدخله الله النار. رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين.

وعن أبي سعيد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي. رواه الديلمي.

٥٤٤

وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال لمعاوية : إياك وبغضنا ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد الا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار. رواه الطبراني في أوسطه.

وعن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم ارزق من أبغضنى وأهل بيتي كثرة المال والعيال. رواه الديلمي.

قال ابن حجر : كفاهم بذلك أن يكثر ما لهم فيطول حسابهم وان تكثر عيالهم فتكثر شياطينهم ، ولا يشكل هذا بالدعاء لا تسر بمثل ذلك ، لان ذلك نعمة في حقه يتوصل بها الى كثير من الأمور المطلوبة بخلافه في حق مبغضهم.

وأخرج الديلمي وغيره أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي.

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حسن وحسين : اللهم اني أحبهما وأحب من يحبهما.

وأخرج الترمذي عن أنس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل : أي أهل بيتك أحب إليك؟ فقال : الحسن والحسين.

وروى الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فيهما : اللهم اني أحبهما فأحبهما وأبغض من أبغضهما.

وروى من طرق عديدة صحيحة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وفي رواية : الا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا. وفي رواية : وان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة الا ما كان من مريم ابنة عمران. وفي رواية : وأبوهما خير منهما.

وروى ابن عساكر وابن مندة عن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها أتت بابنيها فقالت : يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا. فقال :

٥٤٥

أما حسن فله هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فله جرأتي وجودي. وفي رواية : أما الحسن فقد نحلته حلمي وهيبتي ، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي.

وعن ابن أنس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا. رواه النسائي والترمذي وقال صحيح.

وروى ابن أبي شيبة واحمد والأربعة عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ويقومان ، فنزل «ص» فحملهما واحد من ذا الشق وواحد من ذا الشق ، ثم صعد المنبر فقال : صدق الله (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ، اني نظرت الى هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر فقطعت كلامي ونزلت إليهما.

وروى أحمد والترمذي عن علي كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أحبنى وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.

قال ابن حجر : ومعنى الاينية هنا القرب والشهود لا معية المكان والمنزلة ، ولا ينافي ذلك قوله «في درجتي» ،

لا مكان حمله على أن المعنى كان قريبا مني شاهدا لي حال كوني في درجتي.

وذكر الفخر الرازي أن أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهد وفي السّلام يقال في التشهد «سلام عليك أيها النبي» وقال تعالى «سلام على آل ياسين» ، وفي الطهارة قال تعالى «طه» أي يا طاهر وقال تعالى (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبة قال تعالى (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وقال تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

٥٤٦

مما نسب الى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي :

رأيت ولايتي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه الا المودة في القربى

ومما قال الامام اللغوي أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الانصاري الشاطبي الزبينا بن إسحاق النصراني :

عدي وتيم لا أحاول ذكرهم

بسوء ولكني محب لهاشم

وما يعتريني في علي ورهطه

إذا ذكروا في الله لومة لائم

يقولون ما بال النصارى بحبهم

وأهل النهى من أعرب وأعاجم

فقلت لهم اني لا حسب حبهم

سرى في قلوب الخلق حتى البهائم

وقال امامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه :

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج الى منى

فيضا لملتطم الفرات الفائض

ان كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان اني رافضي

قال البيهقي : انما قال الشافعي ذلك من نسبة الخوارج له الى الرافضة حسدا وبغيا. ولبعضهم :

فهم القوم من أصفاهم الود خالصا

تمسك في أخراه بالنسب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مناقبا

محاسنهم تحكى وآياتهم تروى

موالاتهم فرض وحبهم هدى

وطاعتهم ود وودهم تقوى

فالزم يا أخي محبتهم ومودتهم واحذر عداوتهم أو أن تقع فيهم منتهى مخافة أن تقع فيما تقدم من الوعيد. واعلم أن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ما كانت مع اتباع سنة المحبوب ، إذ مجرد محبتهم من غير اتباع لنستهم كما تزعمه

٥٤٧

الشيعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة (١) لا تفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون وبالا عليه وعذابا في الدنيا والآخرة. إلخ.

فصل

علم من الأحاديث السالفة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ ، وبلزوم محبتهم صرح البيهقي والبغوي ، بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله :

يا آل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم الفخر أنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

أي كاملة أو صحيحة على قول مرجوح للشافعي.

وقد ورد في فضل قريش مطلقا أحاديث :

منها ـ ما أخرجه الامام احمد ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه

__________________

(١) إذا أراد الحنفي من لفظة «السنة» هذه ، الحديث النبوي وما أثر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهذا وجهة معتقد الشيعة بأجمعهم ، فإنهم لم يهتدوا الى وجوب اتباع أهل البيت عليهم‌السلام الا بالروايات المأثورة عنه «ص» المنقولة في كتب الفريقين وخاصة في كتب العامة ، ومن شواهد ذلك نفس تأليف هذا الكتاب «ملحقات احقاق الحق» المتضمن للأحاديث والروايات الواردة عن النبي عليه الصلاة والسّلام في شأن أهل البيت ووجوب محبتهم واتباعهم ، فالشيعة هي المتبعة للسنة الصحيحة المأثورة عن رسول الإسلام «ص» والمروية في كتب القوم وصحاحهم.

وان كان يريد من لفظة «السنة» أهل السنة والجماعة فانه يجب عليه أن يثبت أنهم على هدى أهل البيت عليهم‌السلام كما أمر بذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٤٨

وسلم قال : الناس تبع لقريش في الخير والشر.

ومنها ـ ما أخرجه الامام احمد والترمذي والحاكم عن سعد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من يرد هوان قريش أهانه الله.

ومنها ـ ما أخرجه البخاري في الأدب والحاكم والبيهقي عن أم هاني أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولم يعطها أحدا بعدهم ، فضل الله قريشا بأني منهم وأن النبوة فيهم وأن الحجابة فيهم وأن السقاية فيهم ونصرهم الله على الفيل وعبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم وأنزل فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحدا غيرهم «لإيلاف قريش».

وروى الشيخان عن جابر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الناس تبع لقريش مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.

وفي رواية : أيها الناس لا تذموا قريشا فتهلكوا ، ولا تخلفوا عنها فتضلوا ولا تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم ، لو لا أن يتبطر قريش لأعلمتها بالذي عندها عند اللهعزوجل.

فصل

في متفردات اهل البيت

(فمنها) تحريم الصدقة عليهم لكونها أوساخ الناس وتعويضهم الخمس من الفيء والغنيمة.

وقصر مالك وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنهما تحريمها على بنى هاشم ، وقال الشافعي واحمد رضي الله تعالى عنهما بتحريمها على بني هاشم وبنى المطلب ، وروي عن أبي حنيفة جوازها مطلقا ، وقال أبو يوسف تحل من بعضهم لبعض

٥٤٩

ومذهب اكثر الحنفية والشافعي واحمد جواز أخذهم صدقة النفل ، وهو رواية عن مالك ، وروي عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لان الذل فيه اكثر.

(ومنها) الاصطلاح على اطلاق الاشراف عليهم دون غيرهم.

قال الجلال السيوطي رحمه‌الله تعالى في رسالة الزينبية : اسم الشريف يطلق في الصدر الاول على كل من أهل البيت سواء كان حسنيا أو حسينيا أم علويا من ذرية محمد بن الحنفية أو غيره من أولاد علي بن أبي طالب.

وعن بعضهم قال : كنت أبغض أشراف المدينة بنى حسين لتظاهرهم بالرفض فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام تجاه القبر الشريف فقال : يا فلان ـ باسمي ـ مالي أراك تبغض أولادي؟ فقلت : حاش لله ما اكرههم وانما كرهت ما رأيت من بغضهم على أهل السنة. فقال لي : مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب. فقلت : بلى يا رسول الله. فقال : هذا ولد عاق. فلما انتبهت صرت ما ألقى من بنى حسين أحدا الا بالغت في إكرامه.

فينبغي أن الفاسق من أهل البيت وان كان يبغض من حيث فعله يحب ويحترم من حيث قرابته منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء في بعض الطرق تحريمهم على النار.

(ومنها) انتفاعهم بنسبهم له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانتفاع من صاهرهم بمصاهرتهم يوم القيامة ، إذ مصاهرتهم مصاهرة له «ص».

صح أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال على المنبر : ما بال أقوام يقولون ان رحم رسول الله لا تنفع يوم القيامة ، بلى ان رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، واني أيها الناس فرط لكم على الحوض.

وصح أن عمر بن الخطاب خطب لنفسه أم كلثوم بنت فاطمة من أبيها علي ابن أبي طالب فاعتل بصغرها وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر ، فألح عليه عمر ثم

٥٥٠

صعد المنبر فقال : أيها الناس والله ما حملني على الإلحاح على علي في ابنته الا أني سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة الا سببى ونسبي وصهري. فأمر بها علي فزينت وبعث بها اليه ، فلما رآها قام وأجلسها في حجره فقبلها ودعا لها ، فلما قامت أخذ بساقها وقال لها : قولي لأبيك قد رضيت رضيت. فلما جاءت قال لها : ما قال لك؟ فذكرت له جميع ما فعله وقال : فأنكحها إياها فولدت زيدا مات رجلا.

قال ابن حجر : وتقبيلها وضمها على وجه الإكرام لأنها لصغرها لم تبلغ حدا يشتهي حتى يحرم ذلك ، ولو لا صغرها ما بعث بها أبوها لذلك.

قال ابن الصباغ : وكان ذلك في سنة سبع عشرة من الهجرة ، ودخل بها في ذي القعدة من السنة المذكورة وكان صداقها أربعون ألف درهم.

تنبيه

لا ينافي ما هذه في الأحاديث من نفع الانتساب اليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما في أحاديث أخر من حثه لأهل بيته على خشية الله تعالى وطاعته وأن القرب اليه يوم القيامة انما هو بالتقوى وأنه لا يغني عنهم من الله شيئا.

كالحديث الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعا قريشا فاجتمعوا فعم وخص وطلب منهم أن ينقذوا أنفسهم من النار ـ الى أن قال : يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ـ أي سأصلها بصلتها.

وكالحديث الذي رواه أبو الشيخ : يا بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالأخرة يحملونها على ظهورهم وتأتون بالدنيا على ظهوركم ، لا أغني عنكم من الله شيئا.

٥٥١

وكالحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد : ان أوليائي يوم القيامة المتقون وان كان نسب أقرب من نسب لا يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا وأعرض في كلا عطفيه.

وكالحديث الذي أخرجه الطبراني : ان أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بى وليس كذلك ان أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا.

وكالحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهارا غير سر يقول : ان آل بيتي فلان ليسوا بأوليائي انما وليي الله وصالح المؤمنين. زاد البخاري : لكن لهم رحم سأبلها ببلالها.

ووجه عدم المنافاة كما قاله المحب الطبري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يملك لاحد شيئا لا نفعا ولا ضرا ولكن الله عزوجل يملكه نفع أقاربه بل وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة ، فهو لا يملك الا ما يملكه له مولاه كما أشار اليه بقوله «غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها» وكذا معنى قوله «لا أغني عنكم من الله شيئا» أي بمجرد نفسي غير ما يكرمني به الله من نحو شفاعة أو مغفرة.

وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التحريض والحث على العمل والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظا في تقوى الله وخشيته ، ثم أومأ الى حق رحمه لادخال نوع طمأنينة عليهم.

وقيل : هذا قبل علمه بنفع الانتساب اليه وبأنه ينتفع في إدخال قوم الجنة بغير حساب ورفع درجات آخرين وإخراج آخرين من النار. نعم يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث السابق «أوليائي منكم المتقون» وقوله «انما وليي الله وصالح المؤمنين» أن نفع رحمه وقرابته وان لم ينتف ولكن ينتفي عنهم بسبب عصيانهم ولاية الله ورسوله لكفرانهم نعمة قرب النسب اليه بارتكابهم ما يسوؤه «ص»

٥٥٢

عند عرض عملهم عليه ، ومن ثم يعرض صلى‌الله‌عليه‌وآله عمن يقول له منهم في القيامة «يا محمد» كما في الحديث السابق.

وقد قال الحسن أو الحسين السبط لبعض الغلاة فيهم : ويحكم أحبونا في الله فان أطعنا الله فأحبونا وان عصينا الله فأبغضونا ، ويحكم لو كان الله نافعا بقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب منا ، والله اني أخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين ، وأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين.

وكأنه أخذ ذلك من قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) كذا في الصواعق ، وفي طبقات المناوي حكاية هذا الكلام عن الحسن السبط نفسه وزيادة «أباه وأمه» بعد قوله «من هو أقرب اليه منا» فلعل القول تعدد.

(ومنها) أن وجودهم أمان لأهل الأرض.

أخرج جماعة كلهم بسند ضعيف أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي. وفي رواية ضعيفة : أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون. وفي أخرى لأحمد : إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.

وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف.

وقد يشير الى هذا المعنى قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أقيم أهل بيته مقامه في الامان لأنهم منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق.

(ومنها) أنهم أول من يدخل الجنة.

روى الثعلبي عن علي كرم الله وجهه قال : شكوت الى رسول الله صلى

٥٥٣

الله عليه وسلم حسد الناس فقال لي : أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا.

وروى الطبراني عن أبي رافع أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنا أول أربعة يدخلون الجنه ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا وأزواجنا خلف ذرارينا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا.

قال موسى بن علي بن الحسين بن علي ـ وكان فاضلا ـ عن أبيه عن جده : انما شيعتنا من أطاع الله وعمل أعمالنا.

وما يتراءى من التنافي بين هاتين الروايتين في مرتبتي الأزواج والذرية يمكن دفعه بحمل كل منهما على كذا وبعضه الآخر على كذا. والله أعلم.

وعن احمد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا معشر بنى هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم.

وروى الطبراني عن علي كرم الله وجهه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أول من يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبني من أمتي. لكن هذا ضعيف والذي صح : أول من يرد علي الحوض فقراء المهاجرين. وبفرض صحة الاول يحمل على أن أولئك أول من يرد بعد هؤلاء كما قاله ابن حجر.

هذا وقد ورد في حق أبي بكر أنه أول من يدخل الجنة ، وكذا في حق عمر. ويدفع التنافي بأن الاول على الحقيقة هو صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأولية ما عداه نسبية.

(ومنها) أن محبتهم تطول العمر وتبيض الوجه يوم القيامة ، وبضد ذلك بغضهم ، كما في خبر أورده في الصواعق أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من أحب أن ينسأ ـ أي يؤخر ـ أجله وأن يمتع بما خوله فليخلفني في أهلي خلافة

٥٥٤

حسنة ، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه.

(ومنها) أنهم أشرف الخلق نسبا.

أخرج الامام أحمد بسند جيد عن العباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد المنبر فقال : من أنا؟ قالوا : أنت رسول الله. فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ان الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه. فجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقتين ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا.

وأخرج أحمد والمحاملي وغيرهما عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال جبرئيل : قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد ، وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم.

(ومنها) أن من صنع مع أحد منهم معروفا كافأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم القيامة.

روى الديلمي مرفوعا : من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم.

(ومنها) أن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينسبون اليه نسبة صحيحة.

أخرج الطبراني مرفوعا : ان الله عزوجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وان الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كل بني آدم ينتمون الى عصبة الا ولد فاطمة أنا وليهم وأنا عصبتهم.

وفي رواية صحيحة : كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فاني

٥٥٥

أنا أبوهم وعصبتهم.

وهذه الخصوصية لأولاد فاطمة فقط دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أب لهم وأنهم بنوه كما يطلق ذلك في أولاد فاطمة. نعم يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه ، وسيأتي لهذا المقام زيادة كلام عند ذكر زينب بنته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(ومنها) أن منهم مهدي آخر الزمان.

روى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة : لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي. وفي رواية : رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا. وفي رواية : لمن عدا الأخير : لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.

وفي رواية لأبي داود والترمذي : لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

وأخرج الطبراني : المهدي منا ، يختم الدين به كما فتح بنا.

وأخرج الحاكم في صحيحه : يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ ، فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، يحبه ساكن الأرض وساكن السماء ، وترسل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها لا يمسكن شيئا يعيش منهم سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا ، يتمنى الاحياء الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خيره.

وروى البزار نحوه وفيه : يمكث فيهم سبعا أو ثمانيا فان أكثر فتسعا. وفي رواية لابي داود والحاكم : يملك سبع سنين أو تسعا ، فيجيء اليه الرجل فيقول : يا مهدي أعطني أعطني ، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.

٥٥٦