التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

الإعراب :

فيها هدى ونور مبتدأ وخبر. والربانيون والأحبار فاعل لفعل محذوف دل عليه الموجود ، أي ويحكم الربانيون والأحبار بما استحفظوا.

المعنى :

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ). كل كتاب أنزله الله على نبي من أنبيائه فهو نور يهدي إلى الحق والخير ، والتوراة كتاب الله أنزله على موسى (ع) فهو هدى ونور .. أما توراة اليوم فليست من الله في شيء ، لأنها أبعد ما تكون عن الهدى والنور ، والحق والخير .. إن تعاليمها تقوم على التفرقة العنصرية ، فتجعل اليهود شعب الله المختار ، يباح لهم غزو الشعوب الأخرى. وقتل رجالها ، وذبح نسائها وأطفالها ، ونهب أموالها ، واحتلال ديارها. (أنظر فقرة ١٣ و ١٤ من اصحاح ٢٠ سفر التثنية ـ نقلا عن الأسفار المقدسة لعلي عبد الواحد وافي).

(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا). أي ان الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى كداود وسليمان وزكريا ويحيى كانوا يرشدون اليهود إلى حكم التوراة التي هي هدى ونور ، فيحلون لهم حلالها ، ويحرمون لهم حرامها. وقوله تعالى : (النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) معناه ان أنبياء الله أسلموا أنفسهم لله ، وحكموا لليهود بحكم الله ، لا بمشيئتهم ، ولا باجتهاداتهم أو أهوائهم ، كما فعل اليهود في عهد محمد (ص) وأرادوا منه أن يحكم في الزاني بما يشتهون.

(وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ). أي وكذلك علماء اليهود وقضاتهم المؤمنون المخلصون كانوا يحكمون بما عرفوا وحفظوا من كتاب الله. (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) الضمير في (كانوا) يعود على الربانيين والأحبار ، وفي (عليه) يعود على اليهود ، والمعنى ان أولئك الربانيين والأحبار كانوا يعملون بكتاب الله ، ولا يحيدون عنه ، وليس من شك ان من قدّس قولا والتزم العمل به فقد شهد له بالفعل قبل القول انه حق وعدل.

٦١

(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً). من عرف حكم الله لا يخالفه إلا لأحد أمرين : إما خوفا على منصبه من الزوال ، وإما طمعا في المال ، وقد أشار سبحانه إلى الأول بقوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ). وإلى الثاني بقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً). والمعنى يا أحبار اليهود اعملوا بما تعلمون إنه الحق ، ولا تخشوا فيه لومة لائم ، ولا تحرّفوه طمعا في الرشوة .. وإذا كان هذا الخطاب موجها بظاهره للأحبار الذين حرفوا حكم الزاني من الرجم إلى الجلد فإنه في واقعه عام لكل من يحاول التحريف والتزييف خوفا أو طمعا.

وأبلغ قول يفسر هذه الآية كلمة قالها علي أمير المؤمنين (ع) في وصف أولياء الله : «بهم قام الكتاب ، وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون» أي لا يرجون إلا الله ، ولا يخافون إلا منه.

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). وقال تعالى في الآية التالية ٤٥ : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وفي الآية ٤٧ (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ). وعند تفسير هذه الآية ، أي ٤٧ نبين الوجه في تعدد الوصف بالكفر والظلم والفسق ، لموصوف واحد.

النفس بالنفس الآة ٤٥ ـ ٤٧ :

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً

٦٢

وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))

الاعراب :

النفس اسم ان ، وبالنفس متعلق بمحذوف خبرها ، والعين وما بعدها عطف على النفس. والجروح قصاص ، أي وان الجروح قصاص. ومصدقا الأولى حال من عيسى. وفيه هدى مبتدأ وخبر ، والجملة حال من الإنجيل. ومصدقا الثانية عطف على الجملة الحالية ، لأنها حال مثلها.

المعنى :

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ). هذه الآية من آيات الأحكام ، وموضوعها القصاص ، وفي الفقه الاسلامي باب خاص به ، وهذا الحكم ، أي النفس بالنفس الخ من الأحكام التي نزلت في التوراة ، ولم تنسخه الشريعة الاسلامية. وسبق الكلام عن القصاص عند تفسير الآية ١٧٨ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٧٤.

(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ). ضمير (به) يعود على حق القصاص ، و (فهو) يعود على التصدق ، أي المصدر المتصيد من (تصدّق) وضمير (له) يعود على المتصدّق ، والمعنى ان المجني عليه إذا عفا عن الجاني فإن الله سبحانه يجعل هذا العفو كفارة لذنوب العافي.

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). يأتي الكلام عنه في الآية التالية.

(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ). الضمير في آثارهم يعود على النبيين ، أي وبعثنا عيسى بعد النبيين الذين كانوا يحكمون

٦٣

بالتوراة ، وصدق هو التوراة بأقواله وأعماله ، ونقلوا عنه في أناجيلهم أنه قال : «ما جئت لأنقض الناموس ـ أي شريعة التوراة ـ وانما جئت لأتمم». أي لأزيد عليها من الأحكام والمواعظ.

(وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ). شأن كل كتاب إلهي ، وكل نبي من أنبياء الله ، والإنجيل الذي وصفه الله بالهدى والنور هو الإنجيل الذي نطق بالتوحيد ، ونفى التثليث ، وأقر بنبوة محمد (ص) (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) التي تأمر بالعدل والإحسان ، ولا تبيح القتل والسلب.

(وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ). وتسأل : ان الله سبحانه وصف الإنجيل الذي أنزله على عيسى بالهدى والنور ، ثم وصفه ثانية بالهدى والموعظة للمتقين فما هو الوجه لتكرار وصفه بالهدى في آية واحدة؟.

الجواب : إن الهدى الأول جاء وصفا لطبيعة الإنجيل من حيث هو بقطع النظر عن العمل به ، والهدى الثاني جاء وصفا له من حيث العمل به ، أي ان هذا الذي في الإنجيل إنما ينتفع به ويتعظ بمواعظه المتقون ، فهو تماما كقولك : إنما ينتفع بالنور ذوو الأبصار ، قال الإمام علي (ع) : «ربّ عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه». لأنه لم يعمل بعلمه ، ونكرر القول : إن المراد بالإنجيل في الآية الإنجيل الذي ينزه الله عن الولد والصاحبة ، وينفي الربوبية عن عيسى (ع) ويبشر بنبوة محمد (ص).

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ). أهل الإنجيل النصارى ، وأهل التوراة اليهود ، وأهل القرآن المسلمون ، وقد أمر الله سبحانه كل من يدين بدين ، ويؤمن بكتاب من كتب الله سبحانه أن يعمل به ، ويلزم نفسه بأحكامه ، ومن خالف فهو مفتر كذاب ، يهوديا كان أو نصرانيا أو مسلما. ولا ميزة لطائفة دون طائفة ، وإنما خص أهل الإنجيل بالذكر لأن الحديث عنهم.

بين الكفر والفسق والظلم :

قال سبحانه في الآية المتقدمة ٤٤ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). وقال في الآية ٤٥ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ

٦٤

الظَّالِمُونَ). وقال في الآية ٤٧؟ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ). ثلاثة أوصاف تواردت على موصوف واحد ، وقد اختلف المفسرون في التوجيه والتأويل ، ونضرب صفحا عن أقوالهم تجنبا للاطالة ، أما رأينا فنبديه فيما يلي :

ان الدين عقيدة وشريعة ، والعقيدة من صفات القلب ، ولها أصول ، وهي الايمان بالله وصفاته ، وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر ، والشريعة أحكام عملية تتعلق بالأقوال والأفعال ، وإذا أطلق لفظ الكفر مجردا عن القرينة ، كما لو قيل : فلان كافر فهم منه انه يجحد أصول العقيدة كلا أو بعضا .. وإذا أطلق لفظ الفسق فهم منه انه مقر بالدين أصولا وفروعا ، ولكنه متهاون ، وتارك العمل بالفروع كلا أو بعضا.

هذا ، إذا أطلق كل من اللفظين ، دون أن يضاف إلى شيء ، أما إذا أضيف الفسق إلى العقيدة كقولنا : فلان فاسق العقيدة فيكون المراد بالفسق الكفر ، وقد جاء هذا الاستعمال في القرآن ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) ـ ٩٩ البقرة». وإذا أضيف الكفر الى العمل ، لا الى العقيدة فالمراد منه الفسق ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ـ ٩٧ آل عمران». فقد وصف سبحانه تارك الحج بالكفر ، مع انه مؤمن بجميع الأصول ، فيتعين ان المراد بالكفر الفسق.

أما لفظ الظلم فيجوز إطلاقه على الكفر وعلى الفسق ، لأن كلا من الكافر والفاسق قد ظلم نفسه ، حيث حملها من العذاب ما لا تطيق ، قال تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ٢٥٤ ـ البقرة». وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) ـ ١٤٠ البقرة». وكتم الشهادة بوجه العموم لا يوجب الكفر باتفاق المسلمين.

وبهذا يتبين معنا ان الكفر والفسق والظلم ألفاظ كثيرا ما تتوارد في القرآن على معنى واحد ، وعليه يصح أن يوصف بها من لم يحكم بما أنزل الله ، والقصد التغليظ على من لم يحكم بالحق ، سواء أحكم بالباطل ، أو استنكف عن الحكم سلبا

٦٥

وإيجابا ، ونفس الشيء يقال فيمن يحكم عليه بحكم الله فيستنكف عن تنفيذه والإذعان له.

وبهذه المناسبة نشير إلى أن الفقهاء اتفقوا على ان من جحد حكما شرعيا ثبت بإجماع المسلمين كوجوب الصلاة وحرمة الزنا فهو كافر ، ومن خالفه مقرا به فهو فاسق.

لكل جعلنا منكم شرعة الآة ٤٨ ـ ٥٠ :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠))

اللغة :

المهيمن على الشيء القائم على شئونه. والشرعة والشريعة لمعنى واحد ، وهي

٦٦

الطريق الى الماء ، أو مورد الماء ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الأحكام العملية ، لأن كلا من الماء وأحكامه تعالى سبب للحياة. والمنهاج الطريق الواضح. والابتلاء الاختبار. وان يفتنوك ، أي يميلوا بك عن الحق.

الاعراب :

بالحق متعلق بمحذوف حال من الكتاب. ومصدقا حال. وليبلوكم منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والمصدر المنسبك مجرور باللام متعلق بمحذوف ، والتقدير فرقكم ليبلوكم. والمصدر المنسبك من أن أحكم مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير الحكم بالحق لازم. والمصدر المنسبك من أن يفتنوك ، مفعول لأجله ، على حذف مضاف أي احذرهم مخافة أن يفتنوك. وحكما تمييز.

المعنى :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ). المراد بالكتاب الأول القرآن ، لأن الخطاب موجه لمحمد (ص) ، والمراد بالكتاب الثاني جنس الكتاب الشامل لجميع الكتب السماوية ، ومنها التوراة والإنجيل .. بعد أن ذكر سبحانه التوراة والإنجيل وموسى وعيسى (ع) عقب بذكر القرآن ومحمد (ص) ، ووصف القرآن بوصفين : الأول : انه يصدّق كل كتاب نزل على نبي من الأنبياء. الثاني : انه مهيمن على ما سبقه من الكتب السماوية ، ومعنى هيمنة القرآن على التوراة والإنجيل انه يشهد لهما بالحق والصدق ، ويخبر عن الأصول والأحكام المحرفة فيهما ليميز الناس الأصيل من الدخيل الذي نسبه رؤساء الأديان الى الله كذبا وافتراء.

(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) ـ أي بين اليهود ـ (بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ). وبديهة أن النبي (ص) لا يحكم إلا بالحق ، ولا يتساهل فيه كبيرا كان أو صغيرا ، ومحال أن يتبع هوى مخلوق .. كيف وأقواله وأفعاله الميزان الذي يقاس به الحق والعدل؟ .. ولو افترض أن مخادعا حاول أن يخدع الرسول

٦٧

بمظهره وريائه ، وأوشك الرسول أن يخدع به باعتباره بشرا فإن الله سبحانه يرعاه بعنايته ، ويعلمه بالواقع قبل أن تبدر منه أية بادرة يريدها منه المخادع المحتال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) ـ ٧٤ الاسراء».

وتسأل : ما دام الأمر كذلك ، فلما ذا خاطب الله نبيه المعصوم بهذا الخطاب؟ الجواب : أولا بيّنا فيما تقدم ان الخطاب إذا صدر من الأعلى لا يلحظ فيه حال المخاطب ، مهما كانت منزلته ، وإنما يعتبر ذلك إذا صدر الخطاب من المساوي أو الأدنى.

ثانيا : إن الله سبحانه يعلم ان علماء السوء من أمة محمد (ص) سيبررون الانحراف عن حكمه ، بمعاذير شيطانية ، فخاطب نبيه الأكرم بهذا الخطاب تحذيرا لهم من التلاعب بالدين مسايرة لأهواء الحاكمين والمترفين.

(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً). المضاف اليه محذوف ، أي لكل أمة. ومنكم خطاب لجميع الناس ، أو للأمم الثلاث : اليهود والنصارى والمسلمين ، وشرعة الشريعة ، وهي الأحكام العملية التي يمتثلها الإنسان طاعة لله ، وابتغاء مرضاته وثوابه ، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة الشريعة أخص من كلمة الدين ، لأن الدين يشمل الشريعة ، وأصول العقيدة. والمنهاج السبيل الواضح ، أي أن الله جعل لكل أمة شريعة واضحة لا التباس فيها ولا غموض.

وهذه الآية نص في أن شريعة الله لم تكن واحدة لكل الناس في كل العصور وأنها كانت فيما مضى مؤقتة بأمد محدود ، وإن الأديان تتفق وتتحد في أصول العقيدة فقط ، لا في الشريعة.

وتسأل : إذا كان الأمر كذلك ، فلما ذا اختصت الشريعة الإسلامية بالدوام والاستمرار من بين الشرائع؟

ولن يعرف الجواب عن هذا السؤال إلا من درس الشريعة الإسلامية ، حيث يرى أنها تقوم على قواعد ثابتة محال أن تتغير بتغير الأزمان والأحوال ، لأنها تلائم الإنسان ، من حيث هو إنسان ، لا من حيث انه قديم أو حديث ، من ذلك على سبيل المثال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .. كل إنسان بريء ، حتى تثبت إدانته .. الصلح خير .. إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .. الناس عند

٦٨

شروطهم .. الحدود تدرأ بالشبهات .. لا ضرر ولا ضرار .. الضرورات تبيح المحظورات .. اليقين لا ينقضه إلا يقين مثله .. درأ المفسدة أولى من جلب المصلحة .. الضرر لا يزال بضرر مثله .. الغائب على حجته حتى يحضر ، وما إلى ذلك مما أفرد له الفقهاء المجلدات .. إن هذه المبادئ محال أن تتغير إلا إذا تغيرت طبيعة الإنسان.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً). ميّز الله سبحانه الإنسان عن غيره من المخلوقات بأن جعل فيه استعدادا للجهل والعلم ، والتخلف والتقدم ، ولعمل الخير والشر ، ثم نهاه عن هذا ، وأمره بذاك ، وكان من نتيجة هذا الاستعداد والأمر والنهي أن تفاوت الناس في استغلال هذا الاستعداد ، وفي طاعة الله ومعصيته ، ولو شاء الله أن لا يمنح الإنسان هذه الموهبة لفعل ، ولو فعل لكان الناس جميعا في مستوى واحد ، تماما كالحيوانات والطيور والحشرات ، يتصرفون ولا يعرفون خيرا ولا شرا ، ولا نجاحا ولا فشلا.

(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ). أي أن الله منحنا هذه الموهبة ، وأمرنا ونهانا ليعاملنا معاملة السيد المختبر لعبيده أيهم أحسن عملا ، مع العلم بأنه يعلم السرائر والضمائر ، ولكنه لا يثيب إلا بالعمل ، ولا يعاقب إلا بعد الانذار والاعذار.

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). أي إذا كان الله قد منح الإنسان هذه الموهبة ، وشرّع الشرائع للأمم لتظهر الأفعال التي يستحق بها الإنسان الثواب فعلينا جميعا أن نسارع إلى عمل الخيرات لأنها المقصود الأول من الشرائع ، ومن يتخذ من اختلاف الشرائع وسيلة للشحناء والبغضاء فإن الله سبحانه يحاسبه غدا ، ويجازيه بما يستحق.

(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ). هذه الآية تكرار للآية التي قبلها بلا فاصل ، وقال بعض المفسرين : تلك نزلت في تحاكم اليهود في الزنا ، وهذه في تحاكمهم في القتل ، ولا دليل على هذا التوجيه ، ولا على غيره مما في كتب التفسير ، وقد بينا في ج ١ ص ٩٦ ان القرآن الكريم يستعمل التكرار لأنه عامل قوي في تكوين الآراء وانتشارها.

٦٩

هذا ، إلى أن ضمير أهوائهم يعود إلى اليهود ، ومن طريقة القرآن أن يكرر ويؤكد ما يتصل بهم أكثر من تأكيده وتكراره لأي شيء آخر ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن اليهود شر الأمم على الإطلاق ، وبذلك شهد تاريخهم القديم والحديث ، وما من أحد رآهم أهلا لغير الشر إلا أهل الشر ، وقد ظهرت هذه الحقيقة للرأي العام بأجلى معانيها بعد ٥ حزيران من سنة ١٩٦٧.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ). أي إن أعرضوا عن حكم الله فسيعود عليهم هذا الاعراض بالخزي والوبال ، وتسأل : لما ذا قال ببعض ذنوبهم ، ولم يقل بذنوبهم ، وهل معنى هذا ان الله يعذبهم على بعض الذنوب ، ويعفو عن بعض؟

الجواب : ان قوله تعالى : (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) اشارة إلى إعراضهم عن الحكم الذي حكم به رسول الله (ص) ، والمعنى : لا يرعك أيها الرسول إعراض اليهود عن حكمك ، فإن الله سيعاقبهم على هذا الاعراض والتمرد.

(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ). الفاسق من عصى الله في حكم واحد من أحكامه .. وعلى هذا فأكثر الناس ، بل كل الناس ، فاسقون إلا من ندر ، ولكن كلمة كثير تستعمل في الأكثرية ، ولا عكس. (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ). وكل حكم يخالف حكم الله فهو حكم الجاهلية ، سواء أكان في عصر الجاهلية ، أم بعده.

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). وليس من شك ان كل حكم فيه صلاح للناس بجهة من الجهات فهو حكم الله ، سواء أورد فيه نص خاص من الكتاب والسنة ، أم لم يرد ، وكل ما فيه ضرر للناس بجهة من الجهات فمحال أن يرضى الله به ، حتى الحق الإلهي يسقط إذا تولد منه الضرر .. وكفى دليلا على أن كل حكم ينتفع الناس به فهو حكم الله ، كفى دليلا على هذه الحقيقة الآية ٢٣ من سورة الأنفال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) لأن معناها ان كل دعوة إلى الحياة فهي دعوة لله ولرسول الله (ص).

واختلف المفسرون في معنى اللام في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فقال

٧٠

بعضهم : انها بمعنى عند مثل كتبته لخمس خلون من شهر كذا ، أي عند خمس. وقال آخر : هي للبيان. والصحيح انها للاختصاص مثل الجنة للمتقين ، لأن المؤمنين الموقنين هم وحدهم الذين يحكمون ويعملون بحكم الله.

لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآة ٥١ ـ ٥٣ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣))

اللغة :

الدائرة ما أحاط بالشيء ، والمراد بها هنا ما يدور به الزمان من المصائب ، يقال دارت عليه الدوائر ، أي نزلت عليه النوائب والدواهي. والفتح القضاء والفصل ، والمراد به هنا النصر.

الاعراب :

بعضهم أولياء بعض مبتدأ وخبر ، والجملة مستأنفة لا محل لها من الاعراب.

٧١

وفي قلوبهم مرض مبتدأ وخبر ، والجملة صلة الذين. و (فترى) ان كانت بصرية فإنما تحتاج الى مفعول واحد ، وهو الذين ، وعليه تكون جملة يسارعون حال ، وإن كانت قلبية فتحتاج إلى مفعولين ، وعليه تكون جملة يسارعون مفعولا ثانيا. وجهد مفعول مطلق لأقسموا لأنه مضاف إلى الأيمان ، والأيمان بمعنى القسم ، فيكون مثل قعدت جلوسا ، وجلست قعودا.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ). يتسع الإسلام لجميع الأديان والأجناس ، لا فرق عنده بين الأسود والأبيض ، ولا العربي والعجمي ، ولا بين المسلم وغير المسلم من حيث المساواة أمام العدالة والقانون .. فلكل إنسان كائنا من كان الحق في أن يعيش بحرية وأمان على نفسه وماله ، ولا سلطان لأحد عليه ما كفّ أذاه عن غيره ، فإن تعدّى وأفسد أقيم عليه الحد .. فإذا أساء المسلم إلى غيره وجب علينا نحن المسلمين أن نمقته ونبرأ منه ، وعلى العدالة أن تردعه وتعاقبه ، وإذا كفّ اليهودي أو النصراني أذاه بسطنا له يد البر والإحسان ، ولو أنكر نبوة محمد والقرآن ، قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٩ الممتحنة».

وإذا عطفنا هذه الآية التي رغّب الله بها المسلمين في البر والإحسان إلى جميع الطوائف وأهل الأديان الذين لم ينصبوا العداء للمسلمين ، إذا عطفنا هذه الآية على الآية التي نفسرها ، وجمعناهما في كلام واحد يكون المعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء إذا نصبوا العداء لكم ، وكانوا حربا عليكم ، أما إذا كانوا وادعين مسالمين فعليكم أن تحسنوا العشرة معهم ، وتعيشوا جميعا متعارفين متآلفين .. بل ولكم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ، لأن الله يحب

٧٢

العدل والإحسان إلى جميع خلقه ، من آمن أو كفر بشرط واحد : وهو أن لا يسيء إلى أحد ، لأن الناس ، كل الناس عيال الله ، وأحبهم اليه أنفعهم لعياله .. فالمبرر عنده تعالى لحسن العشرة مع أي إنسان ، هو كف الإساءة والأذى ، أما من جحد وكفر فعليه كفره. وتقدم الكلام مفصلا عن موالاة المؤمن للكافر بشتى أقسامها وأحكامها عند تفسير الآية ٣٠ من سورة آل عمران.

وبهذه المناسبة نشير إلى أن كرهنا لليهود نحن المسلمين لا سبب له إلا انهم قاتلونا في عقر ديارنا ، وأخرجوا منها نساءنا وأطفالنا ، كما ان السبب الأول والأخير لكرهنا وعدائنا للولايات المتحدة وانكلترا ، ومن اليهما من دول الاستعمار التي ساندت إسرائيل هو أن هذه الدول ظاهرت إسرائيل على إخراج أهل فلسطين من ديارهم .. ومرة ثانية نعيد خطاب الله لنا وقوله عز من قائل : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

البتول واليهود والنصارى :

(بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). أجمع المفسرون على ان المراد بعض اليهود أنصار بعض ، وبعض النصارى أنصار بعض ، وليس المراد ان كل طائفة توالي الأخرى ، لأن ما بين الطائفتين من العداء أكثر مما بين النصارى والمسلمين ، فإن اليهود يرمون مريم بالفاحشة ، والمسلمون يقدسونها ويبرءونها من كل عيب.

وليس من شك ان المفسرين قد استوحوا هذا المعنى من العصر الذي عاشوا فيه ، حيث لا شركات بترول عالمية ، ولا مؤسسات احتكارية نهمة إلى التوسع والسيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها .. أما اليوم وبعد أن قامت هذه الشركات والمؤسسات فقد رأى أصحابها المسيحيون في اليهود خير وسيلة يعتمدون عليها لتدعيم احتكاراتهم وأطماعهم ، ومن أجل هذا أقاموا دولة إسرائيل في فلسطين وحرصوا على تعزيزها وحمايتها ، ورسموا لها خطط العدوان والتوسع ، وتعهدوا بالوقوف إلى جانبها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن .. وتعلقت هي بأذيالهم ،

٧٣

ودارت في فلكهم ، ونفذت خطط الاستعمار ، وامتثلت أوامر العدوان بعد أن استبان لها ان حياتها رهن بالسمع والطاعة لأوامر الاستعمار ، وتنفيذ خططه ، وإلا تخلى عنها ، وولت إلى غير رجعة .. وإذا عقد المستعمرون وأذنابهم الآمال على مخالب إسرائيل فإنا نعتمد على الله ، وعلى حقنا المشروع ، واستعادة إيجابيتنا استعدادا للمعركة الحاسمة لاسترداد الحق السليب.

(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). أي ان من يتولى اليهود والنصارى الذين نصبوا العداء للإسلام والمسلمين فهو بحكمهم يحاسب حسابهم ، ويعاقب عقابهم ، لأن من رضي عن قوم فهو منهم ، وهذه الآية دليل قاطع على ان عملاء الاستعمار الذين يقومون بدور الحارس لمصالحه هم أشد جرما ، وأكثر خطرا من المستعمرين أنفسهم ، أو مثلهم ـ على الأقل ـ لأنهم الركيزة الأولى لاستغلالهم وعدوانهم.

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ). يظهر من سياق الآية انها قضية في واقعة ، وحكاية عن حادثة خاصة تتلخص بأن بعض المنافقين المشار اليهم بقوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) كانوا يوالون اليهود الذين يضمرون العداء للإسلام والمسلمين ، ويخطبون ودهم ، وإذا عوتبوا على ذلك قالوا : ما يدرينا أن تدور الأيام ويضعف الإسلام ، وتصير القوة والشوكة لليهود والمشركين على المسلمين ، فإذا لم نحتط من الآن لأنفسنا ونتخذ لنا يدا عندهم خسرنا كل شيء ودارت علينا دائرة السوء ، وهذا هو المعنى الظاهر من قوله تعالى : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) .. وهكذا الانتهازيون يتذبذبون بين جميع الفئات ، حتى إذا كان الغلب لفئة على فئة قالوا لمن غلب : ألم نكن معكم؟ .. وبكلمة ان المنافقين مع الجميع بألسنتهم ، وفي واقعهم لا يستجيبون إلا لأهوائهم : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) ـ ٥٦ التوبة» ، أي يخافون على أنفسهم ومصالحهم.

وتسأل : لما ذا قال يسارعون فيهم ، ولم يقل يسارعون اليهم؟.

الجواب : ان فيهم أبلغ في التأكيد والثبات ، لأن الداخل في الشيء يتمكن منه أكثر من المسارع اليه.

٧٤

(فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ). المراد بالفتح انتصار المسلمين على اليهود والمشركين ، والمراد بأمر من عنده اظهار حال المنافقين ، وإذلالهم وخزيهم ، والمعنى ان المنافقين أحكموا الخطة لأنفسهم عند أعداء الإسلام ظنا منهم ان الدائرة ستدور مع الكفار على المسلمين ، ولما انعكس الأمر ، ودارت الدائرة مع المسلمين على أعدائهم ندم المنافقون ، ولكن حيث لا ينفع الندم.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ). لما أظهر الله المسلمين على أعدائهم لم يستطع المنافقون أن يخفوا ما في أنفسهم من الحسرة واللوعة ، وظهر أثرها في فلتات ألسنتهم ، وصفحات وجوههم .. فتعجب المؤمنون من حال المنافقين حين تكشفت حقيقتهم ، وقال بعضهم لبعض : أهؤلاء الذين كانوا يحلفون بالأمس أغلظ الإيمان مجتهدين في توكيدها انهم منا ومعنا؟. ما أجرأهم على الكذب والرياء. (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ). قال الرازي وصاحب المنار : يحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام الله ، ويحتمل أن تكون من كلام المؤمنين.

ويلاحظ بأن احتمال كونها من كلام الله غير وارد على الإطلاق ، لأن سياق الآية يدل على أنها من كلام المؤمنين ، وليست إخبارا مستأنفا من الله سبحانه ، والمعنى ان المؤمنين بعد أن تعجبوا من حال المنافقين وألاعيبهم قالوا : لقد بطلت أعمال المنافقين التي كانوا يتظاهرون بها أمامنا كالصوم والصلاة ، وما اليهما ، ولم ينلهم من الثواب شيء (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ). خسروا الدنيا ، لأنهم خذلوا وخسروا الآخرة لما أعد لهم من العذاب الأليم.

أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين الآة ٥٤ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي

٧٥

سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤))

اللغة :

الذّل بكسر الذال ضد الصعوبة ، والمراد به هنا التواضع واللين ، وبضم الذال ضد العز ، أي الهوان.

الاعراب :

جملة يحبهم صفة لقوم. وأذلة صفة ثانية. وأعزة صفة ثالثة. وجملة يجاهدون صفة رابعة.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ). الارتداد هو الكفر بعد الإسلام. وذكرنا المرتد وتقسيمه إلى مرتد عن ملة وفطرة ، وحكم كل منهما عند تفسير الآية ٢١٧ من سورة البقرة ج ١ ص ٣٢٥. والنهي عن الارتداد بعد النهي عن موالاة أعداء الدين يشعر بأن هذه الموالاة قد تؤدي إلى الارتداد عن الإسلام. وفي الحديث : «لو ان راعيا رعى إلى جنب الحمى لم يثبت غنمه أن يقع في وسطه».

وقال أهل السير والتاريخ : ان ثلاثة ارتدوا ، وادعوا النبوة على عهد رسول الله (ص) بعد أن آمنوا به. الأول الأسود العنسي ، تنبأ في اليمن ، وأخرج عمال رسول الله (ص) منها ، ولكنه قتل قبل وفاة النبي (ص) بيوم واحد. الثاني مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، وكتب إلى محمد (ص) : «من

٧٦

مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإني شريك معك في الأمر ، والأرض بيننا مناصفة». وقتل في عهد أبي بكر. الثالث طلحة بن خويلد ، ادعى النبوة ، ثم عاد وأسلم.

أما سجاح فقد ادعت النبوة في خلافة أبي بكر ، وتزوجها مسيلمة. وقال أبو العلاء المعري في هذا الزواج :

أمست سجاح ووالاها مسيلمة

كذابة في بني الدنيا وكذاب

وتسأل : ان بعض الشيوخ لا تتوافر فيهم شروط المجتهد الذي عناه الإمام (ع) بقوله : «صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه» ومع ذلك يدعي النيابة عن المعصوم في الفتيا والقضاء ، وان الراد عليه راد على الله ، فهل حكم هذا ، تماما ، كحكم مسيلمة الكذاب ، لأن كلا منهما يفتري على الله كذبا؟.

الجواب : يكون بحكم مسيلمة الكذاب بشرطين : الأول أن يدعي النيابة عن المعصوم ، وهو يعلم بأنه مفتر كذاب ، وانه ليس أهلا لهذه الدعوى.

الشرط الثاني : أن لا يرى الاجتهاد والعدالة من الشروط الأساسية للنيابة عن المعصوم. مع علمه بأنهما واجبان بحكم البديهة الدينية .. وهذا الفرض بعيد جدا فإن من يدعي النيابة عن المعصوم يرى نفسه من أهل العدالة والاجتهاد ، حتى ولو لم يكن مطيعا لمولاه ، ومخالفا لهواه.

وليس من شك ان هذا يفترق عن مسيلمة الكذاب ، من حيث الارتداد ، ولكنه يلتقي معه من حيث الكذب والغرور .. وبديهة ان العلم والغرور ضدان لا يجتمعان ، تماما كالكذب والعدالة ، لأن الغرور يبعد صاحبه عن واقعه ، ويفصله عن نفسه ، وينتقل به الى عالم الأوهام والأحلام ، ومن كان هذا شأنه فلا يهتدي إلى صواب.

(فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ). اختلف المفسرون فيمن هو المقصود بلفظ القوم. ونقل الرازي في ذلك ستة أقوال .. والله سبحانه لم يعينهم

٧٧

بأسمائهم ، بل أشار اليهم بأوصافهم ، وعلى هذا فكل من تنطبق عليه الأوصاف الخمسة المذكورة في الآية فهو المقصود ، وهي :

١ ـ يحبهم ويحبونه ، وحب الله لعبده أن يرفع من شأنه غدا ، وينعم عليه بالجنان والرضوان ، أما حب العبد لله فإنه لا ينفك أبدا عن حبه لعباد الله ، تماما كما لا ينفك حب الحق عن حب العاملين به ، وكراهية الباطل عن كراهية أهله.

٢ ـ أذلة على المؤمنين ، لأن التواضع للمؤمن المخلص تقديس وتكريم للإيمان والإخلاص ، لا للأفراد والأشخاص ، قال تعالى يخاطب نبيه العظيم : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٢١٥ الشعراء» .. وبديهة انهم لم يستحقوا هذه الكرامة إلا بالإيمان والإخلاص لله ولرسوله.

٣ ـ أعزة على الكافرين ، لأن الاستعلاء عليهم استعلاء للعقيدة والمبدأ ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ـ ٢٩ الفتح».

وترشدنا هذه الآية ، وآية (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) الى حقيقتين : الأولى كل من يتذلل للأغنياء والأقوياء الطغاة ، ويتعاظم على الفقراء المؤمنين فإنه ليس من الدين في شيء ، وان قام الليل ، وصام النهار. الحقيقة الثانية ان قيم الأخلاق في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، وان الله سبحانه قد أمر بها من أجل الإنسان ، ولم يأمر الإنسان بها من أجلها .. ومن هنا كان التواضع للمتكبرين ضعة ، وللمتواضعين رفعة. قال الإمام علي (ع) : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله ، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.

٤ ـ يجاهدون في سبيل الله ، وكل عمل يسد حاجة ، أو يدفع ظلامة فهو جهاد في سبيل الله. وفي الحديث : «إن النبي (ص) كان جالسا مع بعض أصحابه ، فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة ، فقالوا : ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله. فقال : إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان.

٥ ـ لا يخافون لومة لائم ، لا يظهر الايمان على حقيقته إلا عند المحنة ،

٧٨

فهي المحك الصحيح لايمان المؤمن .. ينكر المنكر إرضاء لربه وضميره ، أما ما يصيبه من وراء ذلك فيهون ويزدري.

هذا هو شعار المخلصين : لا يخافون في الحق لومة لائم. أو كما قال نبي الرحمة : «إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي». ولا مصدر لهذه المشاكل التي يعانيها عالم اليوم من حرب فيتنام إلى حرب الشرق الأوسط ، ومن الحكومة العنصرية في روديسيا وجنوب افريقيا إلى مشكلة الملونين في الولايات المتحدة ، لا مصدر لهذه المآسي وما اليها إلا سكوت من سكت عن الحق في الصحف والاذاعات والأمم المتحدة ومجلس الأمن خوفا من ملوك الذهب الأسود وحماتهم المأجورين.

وبالتالي ، فإن قوله تعالى : (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) يرسم صورة حية للمتدين ، وللأهداف التي يجب أن ينطلق اليها ، ويضحي من أجلها .. بقي هذا السؤال البسيط : هل يسوغ بعد هذا للقائل أن يقول : إن الدين مغيبات ، وصلاة أموات!.

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ). وقد رأينا بالحس والوجدان ان الله سبحانه لا يشاء أن يمنح فضله إلا لمن سار وفق الأسباب والسنن التي أقام بها جلت حكمته نظام الكون بأسره .. ولو أراد منا أن نمشي بلا رجلين ، ونعمل بلا يدين ، ونبصر بلا عينين لكان في غنى عن خلق شيء منها : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ـ ٢ الفرقان».

مشكلة الأخلاق :

قال (نيتشه) فيلسوف الإنسان الأعلى : لا واقع لقيم الأخلاق ، فالحرية والعدالة والمساواة مجرد ألفاظ صنعها الضعفاء ليحدّوا بها من سيطرة الأقوياء.

وقال ماركس فيلسوف الثورة ضد الإنسان الأعلى : العكس هو الصحيح ، فالزهد والصبر والوداعة ألفاظ صنعها الأقوياء ليسيطروا بها على الضعفاء.

ومعنى هذا عند الاثنين ان ألفاظ القيم لا مصدر لها إلا الهوى والمصلحة

٧٩

الذاتية ، وما دام الهوى لا يتفق مع الإنسانية والمثل العليا فتكون ألفاظ القيم دجلا ونفاقا.

ونحن نؤمن بأن مصدر القيم هي المصلحة ، ولكنها المصلحة المنبثقة من طبيعة الإنسان بما هو إنسان ، لا بما هو طبقة من الطبقات ، وفئة من الفئات ، وليس من شك أن هذه المصلحة تتفق مع الإنسانية والمثل العليا ، بل هي هي ، ولذا سميت قيما إنسانية ، لا طبقية. وعليه يكون لها واقع ثابت بثبوت الإنسان نفسه .. ولا ينفي هذا استغلال من يستغلها ، وتحريف من يحرّفها حسب أهوائه ومصلحته ، وإلا لم يصح تقسيم الناس إلى محق ومبطل يحرّف الكلم عن مواضعه ، وإلى مخلص ومنافق يتستر بشعار الصالحين .. هذا ، إلى أنه ليس في تاريخ الإنسان مجتمع واحد قال للفرد : افعل ما شئت ، فإنك غير مسؤول عن شيء قتلت أو سرقت.

أجل ، هناك مذاهب شتى لتحديد القيم الأخلاقية لا يتسع المقام لذكرها .. والذي يهمنا أن نحددها كما هي في نظر الإسلام ، وقد انطلقت أقلام الغيورين تحدد القيم الاسلامية بأنها تهدف إلى تكوين الفرد الصالح في المجتمع الصالح .. وهذا التحديد يحتاج إلى تحديد ، لأن القارئ لا يفهم منه شيئا واضحا يلتزمه عند التطبيق والممارسة ، وتجنبا لهذا المحذور نمهد أولا بذكر بعض الأمثلة ، ثم نستخرج من دلالتها التحديد الواضح الذي يمكن ممارسته في الحياة اليومية.

أمر الإسلام بالصدق والوفاء والبذل والتواضع والصبر والعفو ، وما إلى ذلك ، ولكن قيد وجوبها بحد لا يصح تجاوزه بحال ، وهو أن لا يؤدي الالتزام بها إلى عكس الغرض المطلوب منها ، فالصدق واجب ، ما دام في مصلحة الإنسان ، فإذا تولد منه ضرر كإخبار العدو بالأسرار العسكرية ، أو نقل الكلام بقصد الفتنة كان محرما ، والكذب محرم إلا في حرب عدو الدين والوطن ، وفي الصلح بين اثنين ، وفي صيانة نفس بريئة ، ومال محرم ، والوفاء باليمين واجب ، ما دام الحالف لا يجد خيرا من يمينه ، وإلا تركها لحديث : «إذا وجدت خيرا من يمينك فدعها». وبذل المال في سبيل الله حسن إلا إذا احتاج اليه صاحبه ، والصبر راجح إلا على الظلم والعوز ، والعفو فضيلة إلا إذا كان سببا للفوضى ونشر الجرائم.

٨٠