التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

فان الله خمسة الآية ٤١ :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))

اللغة :

الغنيمة لغة الفوز بالشيء ، وشرعا ما يأخذه المسلمون بالقتال من أموال الكافرين ، هذا عند السنة ، أما الشيعة فمعنى الغنيمة عندهم أعم ، ويأتي البيان. واختلفوا في معنى الفيء على قولين : الأول انه الغنيمة ، والثاني المال الذي يؤخذ بغير قتال ، أما النفل بفتح الفاء فقد تقدم الكلام عنه في أول هذه السورة. والمراد بذي القربى قرابة الرسول (ص). واليتيم من الإنسان من مات أبوه قبل أن يبلغ الحلم. والمسكين المحتاج. وابن السبيل المسافر المنقطع في سفره.

الإعراب :

أنما غنمتم ان بفتح الهمزة تنصب الاسم وترفع الخبر وما اسم موصول بمعنى الذي اسم أن ، وجملة غنمتم صلة ، والعائد محذوف أي غنمتموه ، ومن شيء متعلق بمحذوف حالا من الضمير المحذوف أي قليلا أو كثيرا. وفأن بفتح الهمزة ، وخمسه اسم أن ، ولله خبر ، والمصدر المنسبك خبر لمبتدأ محذوف أي فالواجب كون الخمس لله ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر أن الأولى ، والمصدر المنسبك من انما غنمتم مفعول اعلموا.

٤٨١

المعنى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). بحث المفسرون في جهات عديدة عند الكلام عن هذه الآية ، أما نحن فنقتصر على جهتين فقط أولا لأن ظاهر الآية يدل عليهما دون سائر الجهات. ثانيا ان الجهات الأخرى لا أثر لها من الناحية العملية. والجهتان اللتان نتكلم عنهما هما تحديد معنى الغنيمة ، وبيان المستحقين للخمس.

وقد اختلف السنة والشيعة في المعنى المراد من الغنيمة في الآية ، فقال السنة : هي ما يغنمه المسلمون من الكفار بقتال. وعلى قولهم هذا تكون مسألة الخمس عبارة عن قضية لا واقع لها من الناحية العملية في هذه الأيام ، تماما كمسألة العبيد والإماء ، إذ لا دولة إسلامية تجاهد الكفار والمشركين في هذا العصر.

وقال الشيعة : ان الغنيمة أعم مما يأخذه المسلمون من الكافرين بقتال ، وانها تشمل المعدن كالنفط والذهب وغيرهما ، وأيضا تشمل الكنز المدفون تحت الأرض إذا لم يعرف له صاحب ، وتشمل ما يخرجه الإنسان من البحر بالغوص كاللؤلؤ ، وما يفضل عن مؤنة الإنسان وعياله مما اكتسبه في سنته ، وتشمل المال الذي فيه حلال وحرام ، ولم يعلم شخص الحرام ولا مقداره ولا صاحبه ، وتشمل الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم ، والتفصيل في كتب فقه الشيعة ، ومنها الجزء الثاني من كتابنا فقه الإمام جعفر الصادق .. وعلى قول الشيعة تكون مسألة الخمس مسألة لها واقع من الناحية العملية.

وكما اختلف الشيعة والسنة في معنى الغنيمة فقد اختلفوا في عدد أسهم الخمس وتقسيمها على مستحقيها ، قال الشيعة : يقسّم الخمس إلى قسمين ، والأول منهما ثلاثة أسهم : سهم لله ، وسهم لرسوله ، وسهم لذوي القربى ، وما كان لله فهو للرسول ، وما كان للرسول فهو لقرابته ، وولي القرابة بعد النبي هو الإمام المعصوم القائم مقام النبي ، فان وجد أعطي له ، وإلا وجب إنفاقه في المصالح الدينية ، وأهمها الدعوة الى الإسلام ، والعمل على نشره وإعزازه. أما القسم الثاني فهو ثلاثة أسهم : سهم لأيتام آل محمد (ص) ، وسهم لمساكينهم ،

٤٨٢

وسهم لأبناء السبيل منهم خاصة ، لا يشاركهم أحد في ذلك ، لآن الله حرم عليهم الصدقات فعوضهم عنها بالخمس. وقال الطبري في تفسيره وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : اليتامى والمساكين أيتامنا ومساكيننا. وقال الطبري في تفسيره أيضا : ان علي بن الحسين رضي الله عنه قال لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأنفال واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول وقرأ الآية. قال الشامي : نعم ، وانكم لأنتم؟. قال : نعم.

أما مذهب السنة فندع الكلام عنه الى عالمين كبيرين : أحدهما من القدماء ، وهو الرازي ، والثاني من الجدد ، وهو المراغي أحد شيوخ الأزهر ورؤسائه في زمانه ، قال الرازي : القول المشهور ان ذلك الخمس خمسة أسهم : الأول لرسول الله ، والثاني لذوي قرباه من بني هاشم وبني المطلب ، دون بني عبد شمس ـ أي الأمويين ـ وبني نوفل ، والثالث لليتامى ، والرابع للمساكين ، والخامس لابن السبيل .. هذا ، في حياة رسول الله وأما بعد وفاته (ص) فعند الشافعي انه يقسم الخمس على خمسة أسهم : سهم لرسول الله ، ويصرف الى ما كان يصرفه اليه من مصالح المسلمين ، وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم : والباقي لليتامى والمساكين وابن السبيل. وقال أبو حنيفة : ان سهم رسول الله بعد وفاته يسقط بسبب موته ، وكذلك سهم ذوي القربى ، وإنما يعطون لفقرهم كغيرهم من الفقراء : ويقسم الخمس على اليتامى والمساكين وابن السبيل. وقال مالك : الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام.

وقال الشيخ المراغي : روى البخاري عن مطعم بن جبير من بني نوفل انه مشى هو وعثمان بن عفان من بني عبد شمس إلى رسول الله (ص) وقالا له : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ، ونحن وهم بمنزلة واحدة .. قال الرسول (ص) : إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد ـ وعلق الشيخ المراغي على هذا الحديث الشريف بقوله ـ : وسر هذا ان قريشا لما كتبت الصحيفة وأخرجت بني هاشم من مكة ، وحصرتهم في الشعب دخل معهم فيه بنو المطلب ، ولم يدخل بنو عبد شمس ، ولا بنو نوفل للعداوة التي كانت بين بني أمية بن

٤٨٣

عبد شمس لبني هاشم في الجاهلية والإسلام ، فقد ظل أبو سفيان يقاتل النبي (ص) ويؤلب عليه المشركين وأهل الكتاب إلى أن أظفر الله رسوله ، ودانت له العرب بفتح مكة ، وكذلك بعد الإسلام خرج معاوية على علي وقاتله.

ونعطف نحن على قول الشيخ المراغي وكذلك قتل يزيد حفيد أبي سفيان الحسين بن علي سبط الرسول الأعظم (ص) ، وقال الشاعر في هذا العدوان الموروث أبا عن جد :

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعلي وللحسين يزيد

(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قال المفسرون : المراد بيوم الفرقان واليوم الذي التقى فيه الجمعان هو يوم بدر ، لأن الله فرّق فيه بين الكفر والإيمان بإعلاء كلمة الإسلام على الشرك ، وأيضا فيه التقى الجمعان : جمع المؤمنين ، وجمع المشركين ، ودارت دائرة السوء على هؤلاء .. والمعنى ان الله سبحانه لا يقبل الإيمان به وبكتابه ونبيه كنظرية مجردة عن العمل ، وإنما يقبل الإيمان ممن يحكم ويعمل بما حكم الله ، قال الرازي : إن قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) يدل على انه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة كما حكم الله لم يحصل الإيمان.

ونعطف على قول الرازي وكذلك إذا لم يحصل الحكم في غير هذه القسمة كما حكم الله لم يحصل الإيمان به ، لأن السبب الموجب للكفر واحد ، وهو مخالفة حكم الله عمدا .. وبديهة ان هذا السبب لا يقبل التقييد والتخصيص في شيء دون شيء. وقدمنا أكثر من مرة ان المراد بالكفر في مثل ذلك هو الكفر العملي أي الفسق ، لا الكفر العقائدي.

اذ أنتم بالعدوة الدنيا الآية ٤٢ ـ ٤٤ :

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ

٤٨٤

وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤))

اللغة :

العدوة بتثليث العين ، أي يجوز فتحها وكسرها وضمها ، وهي جانب الوادي ، والدنيا مؤنث الأدنى وهو الأقرب ، والقصوى مؤنث الأقصى وهو الأبعد. والبينة الحجة الظاهرة. والمراد بذات الصدور ما يختلج في القلوب.

الإعراب :

الدنيا والقصوى صفتان للعدوة. والركب مبتدأ ، وأسفل منصوب على الظرفية متعلقا بمحذوف خبرا للمبتدإ ، لأنه بمعنى في مكان أسفل منكم. وليقضي منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والمصدر المنسبك متعلق بمحذوف أي فعل ذلك لقضائه أمرا. والمصدر المنسبك من ليهلك متعلق بيقضي.

المعنى :

تعرّض هذه الآيات بعض الأسباب التي مهدها الله لانتصار المسلمين على

٤٨٥

المشركين في وقعة بدر ، من تلك الأسباب ان الله سبحانه ألهم المسلمين أن يرابطوا في أقرب الجانبين من الوادي الى المدينة ، أما المشركون فقد نزلوا في الجانب الأبعد منه ، وبين الجانبين ربوة تفصل بينهما ، ويظهر من سياق الكلام ان الجانب الذي رابط فيه المسلمون كان موقعا حربيا يعينهم على أعدائهم ، لأن الله سبحانه قد منّ عليهم به ، وكان من تدبيره تعالى أن ينزل كل في موقعه ، دون أن يعلم بموقع الآخر ، إذ لو رأى المسلمون أعداءهم رأي العين لهابوهم ، ويئسوا من الظفر بهم ، وأيضا من تدبيره انه ـ جلت حكمته ـ قلل المشركين عند اللقاء في أعين المسلمين ، كل ذلك ليظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، ومن الحكمة أيضا أن تسلم العير التي مال بها أبو سفيان الى ساحل البحر ليتم اللقاء بين جند الحق وجند الباطل ، ولا ينصرف المسلمون الى العير عن النفير .. وبعد هذا التمهيد نشرع بتفسير الآيات :

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى). الخطاب موجه من الله للمسلمين يذكّرهم به بالموقع الذي رابطوا فيه ، وهو جانب الوادي الأقرب الى المدينة ، وبالموقع الذي اتخذه المشركون ، وهو الجانب الأبعد ، ويذكّر أيضا بانحراف العير إلى ساحل البحر الذي أشار اليه بقوله : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). والغرض من هذا التذكير ان هذه الأشياء كانت لصالحهم ، كما تبين فيما بعد.

(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ). خرج المسلمون مع النبي (ص) من المدينة طلبا للعير واحمالها غير قاصدين القتال ، كما قدمنا ، ولكن الله سبحانه حوّل هذه الرحلة من طلب المال إلى الجهاد في سبيله ، وكان في ذلك خير كثير ، ولو خرج المسلمون منذ البداية إلى القتال متواعدين عليه مع المشركين ، ثم علموا بكثرتهم ، لو كان ذلك لعدل بعض المسلمين عن القتال خوفا ورهبة ، واختلفوا مع الذين يريدون القتال ، ولما تمّ شيء من نصر أولياء الله على أعدائه.

(وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً). أي ولكن الله دبر هذا اللقاء على غير ميعاد ليقع ما أراد من إعزاز الدين ، وإذلال المشركين (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) المراد بمن هلك من كفر ، وبمن حي من آمن ، والمعنى ان الله نصر أولياءه ، وقهر أعداءه يوم بدر ليكون ذلك

٤٨٦

حجة قاطعة على من يكفر ، وحجة ظاهرة لمن يؤمن.

وتسأل : إن ظاهر الآية يدل على ان من صارع الحق يصرع ويغلب ، مع ان المبطل كثيرا ما يتغلب على المحق ، كما نشاهد ونرى؟.

الجواب : ان الله سبحانه قد وعد المسلمين بالنصر على لسان نبيه ـ قبل المعركة ـ مع قلتهم وضعفهم عدة وعددا ، وذلك حيث يقول في الآية ٧ : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) وقد وفى لهم بالوعد ، وتحققت المعجزة بذلك لمحمد (ص) الذي أخبرهم بالنصر حين كانت جميع الدلائل تشير إلى العكس .. هذا ، إلى جانب إمدادهم بالملائكة كما في الآية ٩ ، وإلى رمية النبي (ص) المشركين بقبضة من التراب أو الحصى كما في الآية ١٧ ، كل هذه وغيرها كانت معجزات باهرات ظهرت على يد محمد يوم بدر ، وهي المراد بالبينة والحجة على من كفر ، والحجة لمن آمن ، وليس المراد مجرد النصر .. وبكلمة ان المقصود بالبينة في الآية الإخبار بالنصر قبل وقوعه مع ما تم من المقدمات وخوارق العادات ، وليس المراد النصر بالذات (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء من الأقوال والأفعال وما يختلج في الصدور.

(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ). هذه معجزة أخرى لرسول الله (ص) ، وهي ان الله سبحانه أراه في المنام ان المشركين أقلاء عددا ضعفاء عدة ، وأخبر النبي الصحابة بما رأى ، فاستبشروا وتشجعوا ، ولو أراه الله الأعداء أقوياء لوهنت عزيمة المسلمين ، وضعفوا عن القتال ، واختلفوا فيه ، ولأعقب ذلك الفشل وذهاب الريح (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) من هذه المشكلة ، ولطف بعباده المؤمنين (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). أي ان الله يعلم ان قلوب المسلمين تشعر بالخوف من القتال إذا أيقنت بكثرة العدو ، فأبعد الله هذا الشعور عن قلوبهم بما أراه للرسول الأعظم في منامه من قلة العدو وضعفه.

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) ليشد من عزمكم أيها المسلمون ، وتقاتلوا أعداءكم بجرأة وثبات (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) كي لا يبالغوا في الاستعداد لقتالكم والحذر منكم .. وهكذا كان ، حتى قال أبو جهل : إنما أصحاب

٤٨٧

محمد أكلة جزور وكانت عاقبة هذا الاستخفاف والغرور الوبال والخذلان ، وقد أثبتت الأحداث ان أقوى سلاح بيد العدو هو الاستخفاف به ، وعدم الاستعداد له.

(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً). قال المفسرون : انما كرر هذه الجملة لأن التعليل بها في الآية الأولى كان للجمع بين المسلمين والمشركين في القتال من غير ميعاد ، أما التعليل بها في هذه الآية فقد جاء لتقليل كل فريق في عين صاحبه .. وذكرنا فيما سبق ان التكرار في القرآن أسلوب من أساليب الدعاية الناجحة (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ). انها تصدر منه ، واليه تنتهي ، وهو يدبرها بعدله وحكمته.

اذا لقيتم فئة فأثبتوا الآة ٤٥ ـ ٤٩ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))

٤٨٨

اللغة :

وتذهب ريحكم أي قوتكم وهيبتكم. والبطر الطغيان في النعمة وصرفها إلى غير وجهها. والرئاء الرياء. وجار لكم ناصر لكم. وتراءت الفئتان التقتا ورأت كل منهما الأخرى. ونكص رجع القهقرى. وفتفشلوا منصوب بأن مضمرة على معنى جواب النهي. وبطرا مفعول لأجله ، ويجوز أن يكون في موضع الحال.

عوامل النصر :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والمراد بالفئة الفئة الباغية التي تسعى في الأرض فسادا ، وقوله لعلكم تفلحون أي تظفرون بها وتنتصرون عليها. وذكر سبحانه في هذه الآية عاملين للنصر على الفئة الطاغية الباغية ، العامل الأول الثبات ، واليه أشار بقوله : (فَاثْبُتُوا). العامل الثاني الإخلاص ، وأشار اليه بقوله (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) فليس المراد بذكر الله في الحرب مجرد التهليل والتكبير ، وإنما المراد أن يكون القتال والصمود فيه خالصين لوجه الله تعالى ، بمعنى أن لا تثار الحرب بحال إلا من أجل إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، من أجل الحفاظ على سلامة العباد وأمنهم ، والضرب على أيدي الآثمين الذين يسعون في الأرض فسادا بالسلب والنهب ، ويثيرون الفتن والحروب ليتحكموا بالبلاد وأرزاق العباد.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). ذكر سبحانه في الآية السابقة عاملين للنصر : الثبات والإخلاص وذكر في هذه الآية ثلاثة عوامل : التقوى بطاعة الله والرسول ، وتجنب الاختلاف والصبر ، ولكن الصبر هو الثبات فقوله تعالى ، (وَاصْبِرُوا) في هذه الآية تعبير ثان عن قوله : (فَاثْبُتُوا) في الآية السابقة ، كما ان طاعة الله ورسوله هي الإخلاص لله ، أما الاختلاف فمنه حسن وقبيح ، والتفصيل فيما يلي ، والذي نستخلصه من الآيتين معا ان عوامل النصر الحقيقية ثلاثة :

٤٨٩

١ ـ الصبر والثبات ، وهو توطين النفس على التضحية بكل عزيز لنصرة الحق على الباطل ، وكما ينتصر الحق بمحق الباطل وزواله ينتصر أيضا بالكشف عن الباطل ، وإظهاره للناس على حقيقته. والصبر ضروري لبلوغ أية غاية من الغايات ، فما من تلميذ أو أستاذ أو مخترع أو فنان ، أو تاجر ، أو أي كان ينال شيئا من النجاح إلا بالصبر والثبات ، وعلى مقدار صموده لتحمل المشاق والآلام يكون فوزه ونجاحه ، وبهذا نجد السر في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). وقوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ). وقوله : (وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ). وقوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ). إلى غير ذلك .. وقد جربت الصبر طالبا ومؤلفا فما وجدت أحلى منه مغبة ، ولا أجدى عاقبة. وتقدم الكلام عن الصبر في فقرة مستقلة ج ١ ص ٢٤٠.

٢ ـ الإخلاص ، وهو ان يقصد العامل بعمله وجه الله ، فيثق به لا بسواه ويؤمن إيمانا قاطعا بأن ما عند الله خير وأبقى من الجاه والمال والبنين ، فلا يؤثر شيئا من هذه على طاعة الله ومرضاته .. وقد يبلغ المرء ما يبتغيه من أهداف شيطانية ، ولكن هذا لا يعد نصرا إلا إذا اعتبرنا الباطل فضيلة ، واللصوصية غنيمة ، والفساد تقوى وصلاحا.

٣ ـ تجنب نوع من الاختلاف ، لأن الاختلاف قد يكون في الآراء وو جهات النظر ، مع الإخلاص والتجرد للحق ، وهذا لا يتنافى مع طاعة الله والرسول ، ولا يمنع من الاتفاق على الهدف كجهاد المفسدين ومحاربتهم ، وكثيرا ما يكون وسيلة للتمحيص وجلاء الحقيقة.

وقد يكون سبب الاختلاف الأهواء وحب الذات ، والتكالب على الدنيا وحطامها ، وهذا هو المقصود بقوله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) والأمثلة على إضرار التنافس في المكاسب والأرباح لا يبلغها الإحصاء ، وبين دفتي التاريخ منها المئات ، ولسنا بحاجة الى التاريخ البعيد ، لنستخرج منه الأمثلة ، فإن تاريخنا الحاضر مع إسرائيل كاف ومغن عن جميع الأمثلة .. فبالأمس القريب قرأت عن الكاتب الأمريكي سالزبرجر انه كتب مقالا لجريدة الهيرالد تربيون قال فيه ما نصه بالحرف : واشنطن توازن الخلل العددي بين العرب وإسرائيل ،

٤٩٠

وتؤكد أنه وان بدا في غير مصلحة إسرائيل إلا أنها توازن دائما بينه وبين الانقسام المستمر بين الدول العربية لأن هذا الانقسام يجعل تفوق العرب العددي مجرد أرقام لا قيمة لها. وقبل هذا الكاتب أعلن المسئولون في إسرائيل أكثر من مرة أنهم ربحوا حرب ٥ حزيران لمساندة الولايات المتحدة ، واختلاف كلمة العرب ، وأي شيء أحب إلى إسرائيل من أن يحمل العرب السلاح على بعضهم البعض من ان يشهروه في وجهها ، ولذا لعب الاستعمار والصهيونية دورا أساسيا في اذكاء الصراع العربي ، وقد وجد ، وللأسف ، من يستجيب لهما ، بل ويتكلم بلغتهما أيضا .. وعلى أية حال ، فان الثورة تواصل الزحف ولا بد أن تصل وتنتصر على الاستعمار وعملائه آجلا أو عاجلا.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ). بعد أن أمر سبحانه المسلمين بثلاثة ، وهم يخرجون الى الحرب : الثبات والإخلاص والاتفاق نهاهم عن ثلاثة : البطر ، والرياء والصد عن سبيل الله ، ونسب هذه الأوصاف إلى كفار قريش لأنهم خرجوا إلى بدر لحرب النبي (ص) بطرين مرائين صادين المسلمين عن سبيل الله قال المفسرون : قاد أبو جهل قريشا لحرب النبي في بدر ، وفي طريقه أتاه ابن الحقاف الكناني بهدية من أبيه ، وقال لأبي جهل : يقول لك أبي : ان شئت أمدك بالرجال ، وان شئت زحفت معك. فقال أبو جهل : ان كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فو الله مالنا بالله من طاقة ، وان كنا نقاتل الناس فو الله ان بنا على الناس لقوة ، ولا نرجع عن قتال محمد ، حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور ، وتعزف علينا القيان .. وتسمع العرب بذلك.

ويتجلى البطر في أوسع معانيه بقول أبي جهل : وان بنا على الناس لقوة. أما الرياء فيتجسم بقوله : وتسمع الناس ومن أجل هذا نميل الى قول من قال : ان هذه الآية نزلت في أبي جهل ، أما عاقبة هذا البطر والرياء فقتل من قتل ، وفيهم أبو جهل ، وأسر من أسر ، وهزيمة الباقين.

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ

٤٩١

إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ). هذه الآية تقول بصراحة : ان هناك شيئا اسمه الشيطان شجع قريشا على حرب النبي في بدر ، وضمن لهم النصر ، وانه لما أيقن بسوء مصيرهم خذلهم وتبرأ منهم .. وقدمنا أكثر من مرة أننا نؤمن بكل ما دل عليه الوحي ، ولا يأباه العقل ، وأننا ندع التفاصيل للغيب ، ولا شيء في حكم العقل يمنع من وجود شيء يرى أو لا يرى يوسوس للناس بالباطل ويغريهم به .. وقد أمر الله سبحانه نبيه الكريم أن يتعوذ من شر الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس جنّا كان أو أنسا.

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). المنافقون هم الذين يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، أما قوله والذين في قلوبهم مرض فيشمل المنافقين والكافرين والفاسقين ، وعليه يكون عطف مرضى القلوب على المنافقين من باب عطف العام على الخاص. وقد حكى الله في هذه الآية عن مرضى القلوب انهم دهشوا حين رأوا إقدام القلة المسلمة على حرب الكثرة الكافرة ، ولم يفهموا تفسيرا لهذا الإقدام الا تهور المسلمين وغرورهم بعقيدتهم ، أما الثقة بالله ، والتوكل عليه ، وفوز الشهيد بالجنة فكلام بلا معنى في مفهومهم ، لأن كل شيء عندهم صفقة تجارية ، حتى الدين.

هل الفدائيون مخربون؟

في هذا الظرف الذي تتألب فيه قوى الشر ، وتتآمر على العرب والمسلمين ، ويطرد فيه الشعب الفلسطيني من دياره ، ويلقى به في العراء نساء وشيوخا وأطفالا ، في هذا الوقت الذي يقض فيه الفدائيون مضجع إسرائيل ، ويقلقون راحتها ، ويعبّرون عن إرادة كل حر ، ورغبة كل مخلص في تحرير الأرض المحتلة ، في هذا الأوان بالذات يقف معمّم على حدود إسرائيل ، وفي قرية من قرى الجنوب ، يقف هذا المعمم ، وينادي في الجموع من مكبر الصوت : الفدائيون مخربون .. تماما كما يقول دايان وأشكول وايبان.

الفدائيون مخربون يا محترم ، وأنت وإسرائيل مصلحون؟ ولما ذا الفدائيون

٤٩٢

مخربون؟ ألأنهم متمسكون بحقهم ، وفي سبيله يقتلون ويقتلون ، أو لأنهم غيروا وبدلوا اسم اللاجئين باسم الفدائيين؟ وهل أنت في قولك هذا مطيع لله ورسوله ، ومجاهد مناضل تؤدي واجبا دينيا ووطنيا؟.

وأي دين من الأديان يحرم التضحيات من أجل دفاع الإنسان عن وطنه وإرادة الحياة فيه حرا كريما ، وإن عظم الثمن؟.

أنا أعرف منطقك أيها المعمم ، انك تقول : إن إسرائيل تجيب عن عمل الفدائيين بالانتقام من الأبرياء ، ونحن نسألك بدورنا : أين كان الفدائيون في ٢٩ آب سنة ١٨٩٧ حين عقد الصهاينة مؤتمرا عاما بسويسرا وقرروا فيه طرد العرب من فلسطين وإحلال اليهود محلهم؟ هل كان هذا القرار والتصميم نتيجة لضربات الفدائيين آنذاك؟ ثم ما قولك في مجزرة دير ياسين ، والمذابح التي قام بها اليهود للسكان الآمنين قبل أن تدخل الجيوش فلسطين؟.

يجب أن تعرف أيها المعمم أنت وكل عربي ان فلسطين لا تشبع أطماع إسرائيل ومعها الأردن ولبنان وسوريا والعراق ، انها تهدف لاذلال العرب جميعا ، وإخضاعهم للصهيونية والاستعمار سياسيا واقتصاديا ، انها تطمع في نفط الكويت وقطر وأبي ظبي والسعودية ، وفي السوق العربية الاستهلاكية ، وفي أيدي العرب العاملة الرخيصة.

وقد وضعت لأطماعها هذه التصاميم ورسمت لها المخططات بالتآمر مع دول الاستعمار .. والعمل الفدائي هو الذي أفسد على إسرائيل هذه المخططات ، وتلك التصاميم ، وحملها على الاعتقاد بأن دون أحلامها وجود إسرائيل بالذات.

فخير ألف مرة أن نتحمل الألم الذي يفرضه عمل الفدائيين من أن تحقق إسرائيل أطماعها التي لا يحدها شيء ، حتى النيل والفرات .. هذا ، إلى أن المرحلة التي نحن فيها تحتم علينا أن نواجه العدو بمقاومة الفدائيين كخطوة أولى ، وأن نتحمل كل عبء بسببها دفعا لما هو أشد وأعظم.

وبعد ، فما قولك أيها المعمم في السرايا والبعوث التي كان يرسلها محمد (ص) لتقطع الطريق على أعدائه المشركين ، وتنهب أموالهم ، وتقتل وتأسر رجالهم ، وتسلبهم الراحة والأمن في ديارهم ، وكان يقود بعضها بنفسه ، كما فعل حين

٤٩٣

غزا يهود بني قريظة بعد أن نكثوا عهده ، وانضموا لحربه مع أبي سفيان عدو الله ورسوله في حرب الأحزاب ، فلقد أمر النبي (ص) جيشه الذي كان يقوده بنفسه أن يحرق زرع اليهود ويقطع أشجارهم ، ويهدم مساكنهم ، فهل كان النبي في عمله مصلحا أو مخربا؟.

وقد تواتر قوله : من مات دون عقال من ماله مات شهيدا .. فكيف بمن مات في مقاومة إسرائيل عدوة الله والوطن والانسانية جمعاء؟.

قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ـ ١١٢ التوبة.

ولا عامل اليوم بهذه الآية في الأمة العربية إلا الفدائيون ، وفداؤهم هو حجر الأساس لثورة الشعب العربي بأسره.

ولو ترى الآية ٥٠ ـ ٥٤ :

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))

٤٩٤

اللغة :

أدبارهم أي ظهورهم. والدأب العادة.

الإعراب :

جملة ذوقوا عذاب الحريق مفعول لقول محذوف أي ويقول الملائكة للكفار ذوقوا. وبظلام الباء زائدة ، وظلام خبر ليس ، والمصدر المنسبك من ان الله ليس بظلام للعبيد مجرور بالباء المحذوفة أي بأن الله ليس بظلام. كدأب آل فرعون الكاف بمعنى مثل في موضع رفع خبرا لمبتدأ محذوف أي دأبهم مثل دأب آل فرعون. والمصدر المنسبك من ان الله سميع عليم مجرور بحرف جر محذوف متعلقا بمحذوف أي وذلك كائن بأن الله سميع عليم.

المعنى :

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ). ولو ترى خطاب لكل من يرى ، لأن القصد منه العظة والاعتبار ، والمراد بالذين كفروا كل كافر أخذا بظاهر اللفظ من حيث هو ، وقيل : المراد بهم خصوص كفار قريش الذين حاربوا النبي (ص) ببدر عملا بقرينة السياق لأن الحديث ما زال عن وقعة بدر ، وضرب الوجوه والأقفية كناية عما يقاسيه الكفار من العذاب عند الموت ، ويجوز أن يكون الضرب على حقيقته وان لم يشاهد بالحس ، وأيا كان الأمر فان الكافر يخزى عند الموت وبعده ، ولا تهمنا الصورة والكيفية.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ). كيف ، وهو ينهى عنه ، ويعاقب عليه؟. وقال السنة : ان العقل يجيز على الله تعالى أن يعاقب الطائع ، ويثيب العاصي ، وأيضا يجيز العقل على الله تعالى أن يخلف وعده المواقف ٨ المقصد الخامس والسادس من المرصد الثاني في المعاد. والمذاهب

٤٩٥

الاسلامية لأبي زهرة فصل بعنوان منهاجه وآراؤه رقم ١٠٤.

وقال الشيعة : العقل لا يجيز على الله أن يعاقب المطيع ، ويجيز عليه أن يتفضل على العاصي ، لأن العادل لا يعاقب من أطاع ، والكريم الحليم يسمح عمن أساء.

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ). أي ان ما أصاب المشركين يوم بدر من القتل والأسر لأنهم كذبوا محمدا (ص) ان ما أصاب هؤلاء يشبه ما أصاب المشركين السابقين من الهلاك ، لأنهم كذبوا أنبياءهم ، كآل فرعون ومن كان قبلهم.

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). الظاهر من النعمة هنا الرزق ، ومن تغييرها سلبه وإزالته .. وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو ان ظاهر الآية يدل على ان القوم الذين أنعم الله عليهم بالرزق فانه يبقيه عليهم ما داموا مطيعين ، فإذا عصوا سلبهم إياه ، مع ان الذي نراه من عصاة كثيرين انهم كلما ازدادوا عصيانا ازدادوا ثراء ، أو لا يتغير عليهم شيء.

الجواب : ان الآية لم تصرح بلفظ المعصية ولا بلفظ الكفر ، وكل ما دلت عليه ان الله لا يزيل النعمة عن أهلها إلا إذا غيروا ما بأنفسهم ، ولكنه جل ثناؤه لم يبين نوع التغيير ، ومثلها الآية ١١ من سورة الرعد : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ). وآل فرعون الذين مثل الله بهم في الآية السابقة كانوا مشركين من قبل ومن بعد ، أجل انهم ازدادوا طغيانا بعد أن جاءهم موسى (ع) بالبينات ، وعلى هذا يتعين حمل الآية التي نحن بصددها على معنى ان الله لا يهلك قوما في الدنيا إلا إذا أرسل اليهم رسولا ودعاهم الى الله مشافهة وجها لوجه ، فأعرضوا عن دعوته كآل فرعون ، ومن سبقهم من قوم نوح ولوط وغيرهم ، وإذا لم يرسل الله اليهم رسولا كذلك فانه يؤخر عقابهم الى يوم الحساب والجزاء .. أما آية الرعد فإن لنا رأيا في تفسيرها نبينه في حينه ان شاء الله.

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ). مر نظيره في سورة آل عمران الآية ١١ ج ٢ ص ١٧.

٤٩٦

(وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ). أي كل من آل فرعون الذين كذبوا موسى (ع) ، وكفار قريش الذين كذبوا محمدا (ص) ظلموا أنفسهم بالكفر ، وظلموا الناس بالصد عن سبيل الله.

قواعد وأحكام في السلم والحرب الآية ٥٥ ـ ٦٣ :

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣))

٤٩٧

اللغة :

أصل الدابة لكل ما دب على وجه الأرض ، ثم غلب استعماله في ذوات الأربع ، والثقف الظفر. والتشريد الإبعاد. والنبذ الطرح. ورباط الخيل حبسها واقتناؤها. وجنحوا مالوا. والسلم بفتح السين وكسرها ضد الحرب ، ويشمل الصلح والمهادنة ، ويذكّر ويؤنث.

الإعراب :

الذين عاهدتم منهم بدل بعض من الذين كفروا. واما تثقفنهم واما تخافن اما ركبة من كلمتين ان الشرطية وما الزائدة ، ودخلت نون التوكيد على الفعل لوجود ما ، ومفعول انبذ محذوف أي عهدهم ، ولا يعجزون أي ولا يعجزونني. وجملة ترهبون به حال من الواو في اعدوا. وحسبك مصدر بمعنى اسم الفاعل أي كافيك ، وهو مبتدأ واسم الجلالة خبر ، ويجوز أن يكون فاعلا سادا مسد الخبر ، مثل أقائم زيد.

المعنى :

تتضمن هذه الآيات قواعد وأحكاما في السلم والحرب نشرحها فيما يلي حسب ترتيب الآيات :

١ ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ). يقول سبحانه : إن جماعة من الذين كفروا ولا يرجى إيمانهم قد عاهدوا النبي (ص) على المسالمة وحسن الجوار ، ولكنهم أضمروا الغدر ونقضوا العهد أكثر من مرة ، ولم يتقوا ما يترتب على ذلك من العذاب والوبال .. وقد وصف الله هؤلاء بأنهم شر من دب ويدب على وجه الأرض ، وقال جماعة من المفسرين : انهم يهود بني قريظة عاهدوا الرسول ، ثم نكثوا عهده ، وأعانوا عليه مشركي مكة يوم بدر ، ولما

٤٩٨

انتصر النبي (ص) على المشركين اعتذر اليه اليهود فقبل عذرهم وصفح عنهم ، ثم عاهدوه ثانية ونكثوا يوم الخندق .. ولا غرابة أن يخون اليهود ويغدروا ، وإنما يستكثر منهم الصدق والوفاء.

٢ ـ (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). الخطاب للنبي (ص) بيّن الله فيه حكم هؤلاء الكفرة الغدرة ، وانه ان ظفر بهم فليقس عليهم ، حتى يتعظ بهم غيرهم ممن تراوده نفسه بالخيانة والغدر. وبهذا يتضح ان المراد بمن خلفهم غيرهم.

٣ ـ (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ). المراد بالخوف هنا العلم ، وعلى سواء أي تكون أنت وهم سواء في العلم بنقض العهد ، والمعنى إذا كان بينك يا محمد وبين قوم عهد ، وعلمت يقينا انهم خائنون بظهور أمارات قاطعة على انهم يضمرون الغدر والاغتيال ، ويتخذون من العهد ستارا يدبرون من ورائه المكر السيء ، إذا كان كذلك فألق اليهم عهدهم ، وأعلمهم انك قد نقضته ، بحيث تكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء ، ولا تبدأهم بقتال قبل أن تعلمهم بذلك كي لا تنسب إلى الغدر والخيانة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

وبكلمة : ان الإسلام يوجب الوفاء بالعهد لأهل الوفاء ، أما الذين يتخذون من العهد وسيلة للغدر والاغتيال فان الإسلام يأمر بنقضه لأنه كيد لا عهد : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ـ ٥٢ يوسف. قال الإمام علي (ع) : الوفاء لأهل الغدر غدر ، والغدر بأهل الغدر وفاء.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ). معنى سبقوا أفلتوا ، ولا يعجزون أي لا يعجزونني ، والمراد من مجموع الآية لا يحسبن أحدا ان الله يفوته مطلوب.

٤ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ). الآيات السابقة تعرضت لابرام العهد مع الغير ، والحكم فيمن ينقضه ، وفي هذه الآية أمر الله سبحانه المسلمين باعداد القوة واستكمال العدة للأعداء ، والمراد بالقوة كل ما يتقوى به على العدو رمحا كان ، أو صاروخا ، أو أي شيء .. وخص سبحانه

٤٩٩

الخيل بالذكر ، لأنها كانت من أعظم مظاهر القوة آنذاك ، وروي عن النبي (ص) انه تلا هذه الآية ، وقال : الا ان القوة الرمي ، الا ان القوة الرمي ، الا ان القوة الرمي كررها ثلاثا ، والقصد بيان أهمية الرمي وتأثيره في الحروب وقد أثبت تاريخها صحة هذه النظرية التي نطق بها الرسول (ص) منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ، حيث لا قاذفات قنابل ولا صواريخ موجهة ، وقد اتجهت عباقرة العقول في كل عصر الى تقوية الرمي وتطويره من السهم إلى الرصاص ، ومنه الى القنابل ، ومنها الى الصواريخ والقذائف الذرية والهيدروجينية .. وقد استعمل المسلمون مع الرسول الرمي بالمنجنيق في غزوة خيبر.

(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ). قسّم سبحانه أعداء المسلمين إلى نوعين : نوع ظاهر العداء يعرفهم المسلمون بذلك ، ونوع غير ظاهر يجهل المسلمون عداوتهم ، واليهم الاشارة بقوله : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) وهم كل من يتمنى للمسلمين الفشل والخذلان خوفا على سلطانه واستغلاله ، ومنهم الدول المجاورة كالفرس والروم الذين تغلب المسلمون عليهم حين قويت شوكة الإسلام.

القوة الرادعة والقوة المعتدية :

ونقف قليلا عند قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) لأنه ينطوي على مبدأ يحفظ المجتمع الانساني من الفوضى ، ويردع الطغاة الأقوياء من التلاعب بحياة الناس واستغلالهم .. وهذا المبدأ هو وجود قوة في قبضة أهل الحق والعدل يردعون بها أهل الظلم والباطل ، ويخضعونهم لحكم الله وشريعته التي تدعو الناس جميعا أن يعيشوا طبقا لقوانين الحياة وسننها ، ولا ينحرف عنها أحد ، فإذا ما راودته نفسه بالميل والانحراف أرغمته القوة على الرجوع الى تلك السنن والقوانين.

ولو ان أرباب العقول والمتخصصين بحثوا عن السبب لمشكلات الحياة وويلاتها لوجدوه في ضعف القوة الرادعة عن العدوان ، واستفحال القوة المعتدية. ويكفي مثالا على ذلك القوة التي تملكها الولايات المتحدة ، وتستغلها في السلب والنهب ، دون رادع وزاجر إلا نضال الشعوب العزلاء.

٥٠٠