التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

لأنه في سبيل الله ، وقد سألوا الله سبحانه ان يرزقهم هذه الفضيلة خوفا أن تنهار أعصابهم ، وتتلاشى عزائمهم ان أحسوا بوقع السيف في أجسادهم.

(وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) لك ولنبيك راضين بالتعذيب والتنكيل في سبيلك.

انذر موسى وقومه الآية ١٢٧ ـ ١٢٩ :

(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩))

المعنى :

(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ). بعد ان انفض ذلك المشهد الرهيب الذي انتصر فيه موسى ، وافتضح فرعون مضى موسى يدعو إلى عبادة الله وحده ، ودليله ما حدث بالأمس بينه وبين السحرة ، فاجتمع حوله خلق كبير ، فخاف الأشراف من قوم فرعون أن تتغير الأوضاع ، وتدور الدائرة عليهم وعلى سيدهم فحرضوه على موسى ، وقالوا : إلى متى تسكت عن موسى ، وتدعه يفسد في الأرض؟. وهم يريدون بالإفساد في الأرض عبادة الناس لله وحده التي تؤدي بطغيانهم وطغيان فرعون.

٣٨١

(وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ). ان هذا القول من الملأ لفرعون يدل على انه كان له آلهة يعبدها ، وهو يتنافى بظاهره مع قول فرعون : ما علمت لكم من إله غيري .. أنا ربكم الأعلى ، وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها انه كان لفرعون آلهة يزعم انه الابن الحبيب لها ، وانه يستمد منها حكمه وسلطانه ، فقوله : ما علمت لكم إلها غيري يريد به انه لا حاكم للمصريين باسم الإله والرب إلا هو وحده لا شريك له ، ويؤيد هذا المعنى قوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) ـ ٥١ الزخرف.

(قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ). كان فرعون قبل ولادة موسى يقتل الذكور من نسل بني إسرائيل ، ويستبقي الإناث ، ولما حرضه الأشراف من قومه على موسى أجابهم بأنه سيعيد فيهم سيرته الأولى من قتل الأبناء واستبقاء النساء ، حتى ينقرضوا (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ). أي انه قادر عليهم الآن كما كان قادرا عليهم من قبل موسى.

(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون ووعيده جزعوا فسكنهم موسى (ع) ، وأمرهم بالصبر والتوكل على الله ، ومناهم بالنصر إذا هم صبروا واتقوا ، لأن الأرض والملك لله لا لفرعون ، والله مع المتقين.

(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا). كان فرعون يضطهد بني إسرائيل قبل مجيء موسى ، وأوغل في اضطهادهم بعد مجيئه ، ولما قالوا ذلك لموسى (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). ان موسى على علم اليقين انه سيهلك فرعون ، وانه سيمن على بني إسرائيل بالنجاة منه ، ويمكن لهم في الأرض ، وعبّر عن ذلك بالرجاء دون الجزم لئلا يتكلوا على وعده .. ثم أومأ موسى (ع) إلى قومه انه ليس المهم أن يهلك الله عدوهم ويستخلفهم في الأرض ، وانما المهم أن يتقوا الله ، ويحسنوا خلافته في أرضه ، فينظر أيصلحون أم يفسدون؟ .. وقد عملوا الكثير في الأرض ، حيث قتلوا الأنبياء والمصلحين من قبل ، وأقاموا دولة من بعد لا شريعة لها إلا شهوة القتل والتشريد.

٣٨٢

في هذه السنة ١٩٦٨ صدر كتاب في إسرائيل ، اسمه سياخ لوخاميم أي أحاديث الجنود ، ترجمت جريدة الأهرام بعض ما جاء فيه في عدد ٢٣ / ٨ / ٦٨ ، من ذلك :

من لا يستطيع أن لا يقتل أولا يدمر بيتا وينسفه على من فيه فالأفضل له أن يقعد في بيته ، ان الحركة الصهيونية تقوم على هذا الأساس ، عند ما جئنا إلى أرض فلسطين كان هناك شعب آخر يسكنها ويعيش فيها ، ولم يكن لنا أن نتوقع انه سوف يترك مزارعه وبيوته لنا بالرضى والقبول ، فكان لا بد أن نقتلهم لنأخذ البيت والمزرعة ، أو نخيفهم بالقتل لكي يهربوا ، ويتركوا لنا البيت والمزرعة.

هذه هي شريعة إسرائيل ، وهذا هو هدفها : القتل والتشريد .. انها ليست مجرد دولة كغيرها من الدول ، وانما هي عصابة مسلحة صهيونية استعمارية تهدف إلى قتل أو تشريد أصحاب البيوت والمزارع من النيل إلى الفرات لتحتل بيوتهم ومزارعهم .. فما ذا أعد لها العرب؟. لا وسيلة ولا حل إلا المبدأ الفيتنامي القائل : اما الموت ، واما الحياة ، اما لا إسرائيل تقتل وتشرد ، واما لا عرب إطلاقا على سبيل مانعة الجمع.

ولقد أخذنا آل فرعون الآية ١٣٠ ـ ١٣٣ :

(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)

٣٨٣

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣))

اللغة :

الأخذ هو التناول باليد ، والمراد به هنا الابتلاء. والسنة تطلق على الحول ، وتطلق على الجدب ، يقال : أسنت القوم إذا أجدبوا ، وهذا المعنى هو المراد في الآية. والتطير التشاؤم. والمراد بطائرهم نصيبهم الذي قدر لهم.

الاعراب :

يطيروا أصلها يتطيروا فأدغمت التاء بالطاء ، وبه عائد إلى مهما. وبمؤمنين الباء زائدة ، ومؤمنون خبر لنحن. وآيات حال من الأشياء المذكورة.

المعنى :

(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). كانت مصر تفيض بالخصب والعطاء ، وقد فاخر فرعون بخصبها هذا ، حيث قال : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي). وقال المتنبي عن ثعالبها : فقد بشمن وما تفنى العناقيد. وأخذها الله بالجدب وضيق العيش على عهد فرعون موسى ليرعوي عن غيه ، ويستجيب لدعوة الحق .. وفي بعض الروايات إذا جار الولاة حبس المطر. وسواء أكان هناك علاقة بين ظلم الوالي والجدب على وجه العموم أم لم يكن ، فان الله عاقب آل فرعون لظلمهم لعلهم يذكرون قبل أن يقذف بهم في أعماق اليم.

(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ

٣٨٤

مَعَهُ) معه. بهذا المنطق يفسرون الأحداث .. كل ما أصابهم من خير فهم مستحقون له ، لأنهم يتحكمون في رقاب العباد ، وكل ما أصابهم من سوء فسببه من يدعوهم الى الحق ، أما الله والطبيعة التي خلقها الله فبمعزل عن الخصب والجدب ، فرد الله عليهم بقوله : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ). طائرهم كناية عما أصابهم من الجدب ، وانه بارادة الله التي تنتهي اليها جميع الأسباب ، وان تطيرهم بموسى خرافة وجهل.

وتسأل : لما ذا قال الحسنة بالتعريف وقال سيئة بالتنكير؟.

الجواب : غير بعيد أن يكون تعريف الحسنة اشارة إلى أن خير الطبيعة كالخصب ونحوه كثير ، وان تنكير السيئة اشارة الى ان شرها كالزلزال والطوفان قليل.

(وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ). هذا اعتراف صريح بأنهم يرفضون الحق ، وفي الوقت نفسه اعتراف بالعجز عن مواجهته بالحجة والبرهان .. فكان جزاء عنادهم هذا ان ابتلاهم الله بخمسة أنواع من العذاب :

١ ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) من مطر السماء ، فأغرق الزرع وأهلك الضرع.

٢ ـ (وَالْجَرادَ) جاء بعد الطوفان بطبيعة الحال ، وأكل البقية الباقية من كلأهم وزرعهم.

٣ ـ (وَالْقُمَّلَ) بضم القاف وتشديد الميم دواب صغار كالقردان تركب البعير الهزيل ، وبفتح القاف وتخفيف الميم القمل المعروف ، وكلاهما ينزل البلاء ، وينشر الوباء.

٤ ـ (وَالضَّفادِعَ) تنغص عليهم الحياة.

٥ ـ (وَالدَّمَ). قيل : تحول ماؤهم إلى دم ، ولم يقدروا على الماء العذب ، وقيل : أصيبوا بمرض الرعاف.

٣٨٥

ولما وقع عليهم الرجز الآية ١٣٤ ـ ١٣٧ :

(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧))

اللغة :

الرجز الانحراف عن الحق ، ومنه والرجز فاهجر. ونكث العهد نقضه. واليم البحر. يعرشون ان أخذ من العرش فمعناه البناء ، وان أخذ من العريش فمعناه الكروم.

الإعراب :

إذا هم إذا للمفاجأة. وأورثنا يتعدى الى مفعولين لمكان الهمزة ، الأول القوم ، والثاني مشارق الأرض. وما كان يصنع ما بمعنى الذي ، واسم كان ضمير مستتر يعود الى ما.

٣٨٦

المعنى :

ذكر سبحانه في الآية السابقة انه ابتلى آل فرعون بخمسة أنواع من العذاب ، وكانوا كلما نزل بهم نوع منه يتوسلون بموسى في الكشف عنهم لكرامته عند الله ، ويقطعون العهود على أنفسهم انه إذا فعل استجابوا لدعوة الحق ، وكان سبحانه يكشف العذاب عنهم إلى أجل معلوم ليمهد لهم سبيل التوبة ، ويقيم عليهم الحجة ، ولكنهم كانوا ينكثون العهد ولا يفون بما يقولون ، فينزل الله العذاب الثاني ، فيعودون إلى التضرع والتوسل ، ويعود سبحانه الى الكشف عنهم ، وهكذا الى العذاب الخامس ، أو التجربة الخامسة ، ولا شيء بعدها إلا الأخذ الحاسم ، فانتقم الله منهم ، وألقاهم في أعماق البحر.

وبعد أمد طويل من إغراق فرعون ، ووفاة موسى وهرون خرج من بني إسرائيل داود وسليمان (ع) ، وأوجدا دولة لها حدودها شرقا وغربا .. ولكن سرعان ما ذهبت ، وحكم رقاب الإسرائيليين بخت نصر ، ثم الفرس ، ثم خلفاء الإسكندر ، ثم الرومان.

وجاوزنا ببني اسرائيل البحر الآية ١٣٨ ـ ١٤١ :

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))

٣٨٧

اللغة :

تجاوز الشيء تعداه. وعكف عليه واظب عليه ولزمه. والتبار والتّبر الهلاك ، والتتبير الإهلاك والتدمير.

الإعراب :

قال الزمخشري والبيضاوي : ان ما في (كَما لَهُمْ) كافة للكاف عن العمل. وما هم فيه ما بمعنى الذي فاعل متبر ، وهم فيه مبتدأ وخبر ، والجملة صلة الموصول. وما كانوا يفعلون ما فاعل لباطل. وابغي تتعدى إلى مفعولين الأول ضمير المخاطبين كم والثاني إلها ، وغير الله حال مقدم من إله.

المعنى :

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). جاء في بعض الروايات ان موسى بقي ثلاثة وعشرين عاما يجاهد فرعون من أجل كلمة التوحيد وتحرير بني إسرائيل من الاضطهاد ، وقد شاهدوا المعجزات الباهرة التي ظهرت على يد موسى ، وأخيرا رأوا انفلاق البحر بضربة من عصا موسى ، وكيف جعل منه اثني عشر طريقا يبسا لكل سبط من بني إسرائيل طريق معلوم ، وأيضا رأوا كيف انطبق البحر على فرعون وجنوده ، شاهدوا ذلك كله ، وقبل أن تمضي فترة ينسون فيها ما رأوه من المعجزات وقعت أبصارهم على قوم وثنيين يعبدون الأصنام ، فطلبوا من موسى أن يجعل لهم صنما يعبدونه ، طلبوا هذا ، وهم يعلمون ان موسى رسول الله ، وان مهمته الأولى الدعوة الى التوحيد ، ومحاربة الشرك ، ويعلمون أيضا ان الله أغرق فرعون وجنوده لشركه ، قال بعض المفسرين : لو انهم بأنفسهم اتخذوا لهم آلهة لكان الأمر أقل غرابة من أن يطلبوا إلى رسول رب العالمين أن يتخذ لهم آلهة ، ولكنما هي إسرائيل.

٣٨٨

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). بدأ موسى (ع) جوابه لقومه بأنهم من أهل الحماقة والجهالة ، وثنى بإخبارهم ان نهاية المشركين وعبدة الأوثان إلى الخسران والهلاك.

(قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ). مر تفسيره في الآية ٤٧ من سورة البقرة ج ١ ص ٩٥. وعلى أية حال ، فإن تفضيلهم على فرعون وقومه لا يعد منقبة وفضيلة.

(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ). تقدم نظيره في الآية ٤٩ من سورة البقرة ج ١ ص ٩٩.

وواعدنا موسى ثلاثين ليلة الآية ١٤٢ ـ ١٤٥ :

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً

٣٨٩

وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥))

اللغة :

الميقات الوقت المعين الذي يقرر فيه عمل من الأعمال. واخلفني أي كن خليفتي من بعدي. وتجلي الشيء ظهوره بنفسه أو بآثاره ودلائله. وخرّ سقط. وصعقا : مغشيا عليه.

الإعراب :

ثلاثين ليلة مفعول ثان لواعدنا على حذف مضاف أي تمام ثلاثين. وأربعين ليلة متعلق بمحذوف حالا من ميقات ، أي كاملا أربعين ليلة. وهرون بدل من أخيه. ودكا مفعول ثان لجعله. وصعقا حال من موسى. وموعظة وتفصيلا بدل من كل شيء على المحل ، لأن كل شيء مفعول أو بمعنى المفعول لكتبنا ، ولأن المراد بكل شيء عموم الموعظة وتفصيل الأحكام.

المعنى :

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً). طلب موسى (ع) من ربه أن ينزل عليه كتابا يهدي الناس به الى ما يحتاجون اليه من أمور دينهم ، فوعده سبحانه أن ينزل عليه الكتاب بعد ثلاثين ليلة ، ويستمر إنزاله عشر ليال ، فيكون المجموع من أمد الوعد وأمد الانزال أربعين ليلة ، فصّلها هنا ، وأجملها في الآية ٥١ من سورة البقرة ، حيث قال : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

٣٩٠

(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ). لما ذهب موسى (ع) استخلف أخاه هرون على بني إسرائيل ، ونصحه أن يقوم على شئونهم ويصلح أمورهم ، وحذره من طبيعتهم التي هي إلى الفساد أميل ، فبالأمس القريب اشرأبت نفوسهم إلى عبادة الأوثان ، وقال لهم موسى : انكم قوم تجهلون كما سبق في الآية ١٣٨. فتقبل هرون النصيحة عن طيب خاطر ، كما يتقبلها المرءوس المخلص من رئيسه الناصح الأمين.

(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) الذي وقّته سبحانه لاعطاء التوراة (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) من وراء حجاب : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) ـ ٥١ الشورى (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). قال بعض العلماء : ان موسى لم يسأل رؤية الله من أجل نفسه ، وإنما سألها من أجل قومه. وهذا القول يتنافى مع قول موسى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ). ومهما يكن ، فان موسى قد طلب الرؤية ، سواء أكان من أجله أم من أجلهم .. ونحن لا نرى أي بأس في هذا الطلب ، فان نفس الإنسان تتشوف إلى ما يكون وإلى ما لا يكون ، بخاصة إلى الرؤية التي تزيد النفس اطمئنانا وتأكيدا ، وقد طلب ابراهيم (ع) ما يشبه ذلك : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ـ ٢٦٠ البقرة.

(قالَ لَنْ تَرانِي). لأن رؤية الله بالبصر محال ، وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٥١ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٢ فقرة رؤية الله (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي). تلفت موسى إلى الجبل ليرى الله فإذا به قد غار في الأرض ، ولم يبق له عين ولا أثر. وقد أراد الله بهذا أن يفهم موسى (ع) ان رؤية الله ممتنعة عليه وعلى غيره .. علق سبحانه إمكان رؤيته على استقرار الجبل ، والمفروض انه لم يستقر ، اذن ، فالرؤية ممتنعة وغير ممكنة .. وهذا الأسلوب من باب افعل هذا إذا شاب الغراب ، وإذا دخل الجمل في سم الخياط.

(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا). أي فلما ظهر أمر ربه ، تماما كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي جاء أمر ربك (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً). غاب عن وعيه لهول المفاجأة ، فلطف الله به وشمله برحمته ، فأفاق

٣٩١

من غشيته (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤالي رؤيتك (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنك أعظم من أن ترى بالعيان. وليس المراد انه أول المسلمين بحسب الزمان ، وإنما المراد الثبات والتأكيد على الإسلام.

(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). بعد أن تضرع موسى (ع) إلى خالقه ذكّره الله بنعمه وأعظمها النبوة والتكليم ، والمراد بالناس ناس زمانه بدليل قوله : (بِرِسالاتِي) فان الله قد اختار رسلا كثيرين قبل موسى وبعده ، أما تخصيصه بالتكليم فلا دلالة فيه على الأفضلية ، وان دل على الفضل ، فان إرسال الروح الأمين الى خاتم الرسل وسيد النبيين هو أعلى المراتب وأفضلها على الإطلاق.

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ). المراد بالألواح التوراة لأنها هي التي أنزلها على موسى ، وفيها الموعظة وتفصيل الأحكام. وكل شيء لفظ عام ، والمراد به خاص ، وهو ما يتعلق بموضوع الرسالة من المواعظ والحكم ، وأصول العقيدة كالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، والأحكام الشرعية كالحلال والحرام ، فقوله : (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً) هو بيان وتفسير لقوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لأن المراد بالتفصيل بيان الأحكام الشرعية. (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي حافظ على التوراة ، واعمل بها بنية صادقة.

(وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها). كل ما أنزل الله في كتابه فهو حسن ، ولكن منه الأحسن ، قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ـ ثم قال ـ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٩٤ البقرة. وقال : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ـ ٤٥ المائدة. أي من تصدق بالقصاص.

(سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ). أي على الفاسق والباغي تدور الدوائر. هذا ما فهمته من هذه الجملة قبل أن أرجع الى التفاسير ، وبعد الرجوع اليها وجدت أقوالا في تفسيرها ، ومنها ان الله سيريهم دار فرعون وقومه بعد إهلاكهم. ومنها انه سيريهم أرض الشام التي كانت في ذاك الزمان بقبضة الوثنيين.

٣٩٢

سأصرف عن آياتي الآية ١٤٦ ـ ١٦٩ :

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩)

اللغة :

كل من لا يخضع للحق فقد تكبر عليه. والحلي بضم الحاء وتشديد الياء جمع حلى بفتح الحاء وتخفيف اللام. والخوار صوت البقر. وسقط وأسقط في يده كناية عن الندم.

الإعراب :

جسدا صفة لعجل ، أي مجسدا ، وليس رسما بالألوان ، وقيل : بدل منه ، والمعنى واحد.

٣٩٣

المعنى :

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ). المتكبرون في الأرض هم الذين يعاندون الحق ، ولا يخضعون لسلطانه ، وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) للتوضيح ، لا للاحتراز تماما مثل (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ). أما آيات الله فيطلقها القرآن تارة على الآيات المبينة لأصول العقيدة وأحكام الشريعة ونحوها ، وتطلق تارة على الحجج والدلائل المثبتة للألوهية والنبوة ، فإن تكن الأولى هي القصد في الآية التي نفسرها فالمعنى ان الله سبحانه يحفظها ويصونها من يد التحريف ، تماما كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ـ ٩ الحجر.

وان تكن الثانية أي الدلائل والبينات فالمعنى ان المعاندين بعد أن أعرضوا عنها ورفضوا الإصغاء اليها فإن الله سبحانه يدعهم وشأنهم ، ولا يلجئهم إلى الإيمان بها إلجاء ، وتقدم الكلام عن ذلك مرات ، منها عند تفسير الآية ٨٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٩٩ فقرة الإضلال من الله سلبي لا إيجابي.

(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). هذا بيان لحقيقة المتكبرين ، وللسبب الموجب لتكبرهم أيضا ، أما حقيقتهم فهي انهم لا يرتدعون عن غي ، ولا يميلون إلى رشد ، أما السبب الموجب فهو ان الله سبحانه قد جاءهم بالحجج والبراهين ، وطلب اليهم أن ينظروا اليها ويتدبروها ويعملوا بموجبها ، فرفضوا وأصروا على الاعراض وعدم النظر .. ولو انهم استجابوا ودرسوا تلك الدلائل لأدى بهم الدرس والنظر الى الإيمان والاعتراف بالحق ، ولم يتكبروا ويفسدوا في الأرض.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ). كل من لا يؤمن بالله ولقاء ربه فهو من الهالكين غدا ، ويذهب ما كان يفاخر به ويكاثر سدى وهباء جزاء على كفره وعناده .. وأعجبني ما قاله هنا بعض المفسرين غفر الله له ، وشمله برحمته ، ولذا أنقله بالحرف ، قال : حبوط الأعمال مأخوذ من قولهم : حبطت الناقة إذا رعت نباتا ساما ،

٣٩٤

فانتفخ بطنها ثم نفقت ، وهو وصف ملحوظ في طبيعة الباطل يصدر من المكذبين بآيات الله ولقاء الآخرة ، فالمكذب ينتفخ حتى يظنه الناس من عظمة وقوة ، ثم ينفق كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السام.

(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ). تقدم في الآية ١٤٢ ان موسى (ع) ذهب لميقات ربه ، وانه استخلف على قومه أخاه هرون ، وأيضا تقدم في الآية ١٣٨ أن بني إسرائيل بعد أن تجاوزوا البحر طلبوا من موسى أن يجعل لهم صنما يعبدونه ، لا لشيء إلا لأنهم رأوا عبدة الأصنام ، وما أن غاب موسى حتى اغتنموا فرصة غيابه ، فجمع السامري حلي النساء ، وصنع منها عجلا ، وجعله على هيئة بحيث يخرج منه صوت الثيران ، وقال لهم : هذا إلهكم وإله موسى ، فتهافتوا على عبادته ، ونهاهم هرون ، ولكنه لم يملك ردهم عن الضلال ، ولم يستجب له إلا قليل منهم. وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الآية ٥١ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٢. وأيضا يأتي الكلام عنه .. وهذه الآية تغزز ما كررناه في المجلد الأول والثاني من ان إسرائيل لا تثبت إلا على مبدأ الشهوات والأهواء ، ان صح ان تكون الأهواء مبدأ.

(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ). هذا هو منطق الفطرة والعقل الذي يأبى أن يعبد الإنسان إلها من صنع يده .. ولكن ما لاسرائيل والعقل والفطرة والدين؟.

(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). هذه هي المنقبة الوحيدة والأولى والأخيرة التي سجلها القرآن لاسرائيل من حيث هي وعلى وجه العموم ، وبصرف النظر عن القلة القليلة التي آمنت منهم بموسى وثبتت معه حتى النهاية .. وقد استظهر بعض المفسرين من توبة بني إسرائيل انه كان فيهم آنذاك بقية من الاستعداد للصلاح ، ثم ذهبت هذه البقية ، ولم يبق أي أثر فيهم للاستعداد إلى الخير. وهذا الاستظهار غير بعيد ، وتومئ اليه الآية ٧٤ من سورة البقرة : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) وهذه الآية بالذات نزلت بعد قصة ذبح البقرة ، وهذا الذبح متأخر عن عبادتهم العجل.

٣٩٥

ولما رجع موسى الى قومه الآية ١٥٠ ـ ١٥٤ :

(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤))

اللغة :

تأتي أسف بمعنى غضب ، ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ). وتأتي بمعنى حزن ، ومنه (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) وهذا هو المراد من الآية. والشماتة الفرح بالمصيبة ، ولا تكون إلا من العدو. وفي نسختها أي ما نسخ وكتب منها.

الإعراب :

غضبان حال من موسى ، وأسفا حال ثانية. ابن أم قرئ بفتح الميم على

٣٩٦

أن تكون ام وابن بمنزلة خمسة عشر ، وقرئ بكسر الميم ، والكسرة تدل على الياء المحذوفة لأن الأصل يا ابن أمي. والذين عملوا السيئات مبتدأ ، والخبر جملة ان ربك من بعدها لغفور رحيم. واللام في لربهم تقوية لوصول الفعل إلى مفعوله ، مثل للرؤيا تعبرون.

المعنى :

(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً). حين كان موسى على الطور يناجي ربه أخبره المولى جل ثناؤه بأن قومه قد عبدوا العجل من بعده ، كما دلت الآية ٨٧ من طه : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) .. وظهر هذا الغضب بقوله : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ). تركهم على التوحيد ، ولما عاد وجدهم على الشرك .. أما أمر ربهم الذي لم يصبروا له فهو انتظار موسى أربعين ليلة ، ويدل هذا على قول موسى لهم كما في سورة طه : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ)؟ وكما بدا غضبه في قوله فقد بدا أيضا في فعله (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ). قال جماعة من العلماء : ألقى موسى التوراة ، وفيها اسم الله ، وأخذ برأس أخيه هرون ، وهو العبد الصالح الطيب ، وموسى معصوم فكيف حدث منه ذلك؟ .. وبعد هذا التساؤل أخذوا يؤوّلون ويعللون.

أما نحن فلا نؤوّل ولا نعلل ، بل نبقي الكلام على ظاهره ، لأن العصمة لا تحوّل الإنسان عن طبيعته ، وتجعله حقيقة أخرى ، ولا تسلبه صفة الرضا والغضب ، بخاصة إذا كان لله ، وبصورة أخص إذا فوجئ بما فوجئ به موسى (ع) ، فلقد لبث في قومه عمرا يلقنهم التوحيد ، ويؤدبهم على دين الله ، حتى إذا اطمأن الى إيمانهم جابهوه بالردة والشرك ، دون أي سبب موجب.

وقال آخرون : ان موسى كان حديدا ، أما هرون فكان لينا .. ونقول : ان موسى كان شديد العزيمة ، قوي الارادة ، عظيم الثقة بنفسه ، وكان هرون دونه بمراحل ، على صلاحه وفلاحه (قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا

٣٩٧

يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). يريد بالأعداء الذين عبدوا العجل ، لأنهم اتخذوا هرون عدوا ، وأرادوا قتله حين نهاهم عن الشرك وعبادة العجل ، فكأنه يقول لأخيه موسى : أتكون عليّ مع أعدائي وأعدائك ، فتأخذ برأسي ولحيتي أمامهم ليشمتوا بي؟. وكيف تغضب مني كغضبك منهم ، وأنا بريء منهم ومن أفعالهم ، ووقفت منهم موقف المعارض والمفند ، ولم أقصّر بما وجب عليّ من النصح والتحذير.

وهنا يلين موسى (ع) ، وتأخذه عاطفة الرحمة والأخوة (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). استغفر لنفسه لما كان من قسوته مع أخيه ، واستغفر لأخيه مخافة تقصيره في هدايتهم وردعهم عن الشرك والارتداد .. وليس من شك ان الله قد استجاب لدعوة موسى (ع) لأنه أرحم الراحمين ، ولعلمه بإخلاص موسى وهرون.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ). وتسأل : تدل هذه الآية بظاهرها على ان الذين اتخذوا العجل قد غضب الله عليهم ، وأذلهم في الحياة الدنيا الى يوم يبعثون ، مع العلم بأنهم تابوا واستغفروا الله وسألوه الرحمة كما نصت الآية السابقة ١٤٩. والله سبحانه هو القائل : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١١٩ النحل. اذن كيف لزم الغضب الأبدي واللعنة الدائمة من تاب عن عبادة العجل؟.

وأجاب البعض بأن الذين عبدوا العجل انقسموا بعد رجوع موسى اليهم إلى فرقتين : فرقة تابت توبة صحيحة ، وهؤلاء قد غفر الله لهم. وفرقة أصرت واستمرت على الشرك كالسامري وأشياعه ، وهؤلاء هم الذين غضب الله عليهم وأذلهم في الحياة الدنيا.

ويلاحظ بأنه لا شيء في الآية يدل على هذا التقسيم .. وأنسب الأجوبة ان الله قد علم ان اليهود لا يتوبون ولن يتوبوا أبدا عن الضلال واتباع الشهوات توبة خالصة ، لا ردة بعدها ، ويدل على هذه الحقيقة طبيعتهم وسيرتهم ، فإنهم كانوا وما زالوا لا يزدجرون من الله والضمير بزاجر ، ولا يرتدعون عن الضلال والفساد برادع إلا القوة وحدها.

٣٩٨

سؤال ثان : ان ليهود اليوم دولة باسم إسرائيل .. وبها زالت عنهم الذلة في الحياة الدنيا ، وهذا يتنافى مع ظاهر الآية؟.

الجواب : كلا ، وألف كلا ، ما قامت ولن تقوم أبدا دولة اليهود ، تماما كما سجل الله في كتابه الحكيم .. أما إسرائيل فليست دولة كغيرها من الدول ، وإنما هي عصابة مسلحة ، تماما كجيش المرتزقة .. أوجدها الاستعمار لحماية مصالحه وضرب القوى الوطنية ، وليس لها من الدولة إلا الاسم ، وقد أثبتنا ذلك عند تفسير الآية ١٠٩ من آل عمران ، وغيرها في المجلد الأول والثاني من هذا التفسير ، وفي كتاب من هنا وهناك فصل : باع دينه للشيطان ، وغيره من الفصول.

(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). معنى الآية واضح ، وتقدم نظيرها أكثر من مرة ، والقصد من ذكرها بعد الآية السابقة هو التأكيد بأن من تاب وأناب مخلصا ، ولم يعاود المعصية كما يفعل بنو إسرائيل فان الله سبحانه يرحمه ويغفر له اسرائيليا كان أو قرشيا.

(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ). ان موسى نبي معصوم ، ما في ذلك ريب ، ولكنه انسان يحزن ويفرح ، ويرضى ويغضب .. وقد تملكه الغضب حين فوجئ بارتداد قومه عن دين الله ، وتركه الغضب حين استعطفه أخوه هرون ، ووعده الله بالانتقام من المرتدين ، وبعد أن عاد موسى (ع) إلى وضعه الطبيعي عاد الى الألواح التي ألقاها حين غضبه ، واطمأن إلى ما فيها من الهدى لمن يتفتح قلبه للخير ، والى ما فيها من الرحمة لمن يخشى نقمة الله وعذابه .. ان حكمة الله جل ثناؤه اقتضت أن يهب الرضوان والرحمة لكل من أطاعه مخافة نقمته ، وان ينزل النقمة والعذاب بكل من عصاه اتكالا على رحمته.

ان هي الا فتنتك الآية ١٥٥ ـ ١٥٧ :

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ

٣٩٩

رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧))

اللغة :

المراد بالفتنة هنا العذاب ، ويأتي البيان ، وهدنا اليك أي تبنا اليك. والإصر الثقل الذي يمنع حامله من الحركة. والأغلال جمع غل بالضم حديدة تجمع يد الأسير أو الجاني إلى عنقه. والمراد بها هنا المشقة. والمراد بالتعزير الإعانة والتوقير.

الاعراب :

قومه منصوب بنزع الخافض ، أي واختار من قومه. وسبعين مفعول اختار.

٤٠٠