التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

دسما ، ولا ينالون من الطعام إلا ما يقيم الأود تعظيما للحج ، فنزلت هذه الآية ، وان النبي (ص) قال : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، فنودي بقوله في الموسم ، ومن روايات هذا الباب ان امرأة جميلة من العرب نزعت ثيابها ووضعت يدها على فرجها وطافت ، ولما صوبت اليها الأنظار أنشدت وهي تطوف :

اليوم يبدو بعضه أو كله

وما بدا منه فلا أحله

جهم من الجهم عظيم ظله

كم من لبيب عقله يضله

وناظر ينظر ما يمله الجهم العبوس ، تريد أن فرجها عظيم في مكانه ، له هيبة وصيانة ، ولا أحد يستطيع الوصول اليه ، وانه يضجر من ناظره ويكرهه.

وأيا كان سبب النزول فان الله حرم نظر الأجنبي إلى عورة غيره رجلا كان أو امرأة ، وأوجب ستر العورتين في الصلاة والطواف .. والمراد بكل هنا العموم البدلي ، دون العموم الاستغراقي ، ومثلنا للفرق بين العمومين في التعليق على الآية السابقة ، والمقصود هو الحث على النظافة والتطهير من الأوساخ والأحداث ، والتزين بجميل الثياب في صلاة الجمعة والجماعة والأعياد والطواف ، حيث يجتمع الناس ، فلا ينفر بعضهم من ريح بعض ومنظره ، والتجمل حسن حتى للفقير يتجمل حسب وضعه وحاله ، وفي الحديث : ان الله جميل يحب الجمال.

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) هذا رد على من حرم بعض المآكل والمشارب (وَلا تُسْرِفُوا) في الأكل والشرب ، ولا في التزين باللباس والمظهر (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). وفي الآية ٢٧ من الإسراء : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ). وفي الحديث : المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، وعوّدوا كل جسم ما اعتاد .. وقال الإمام علي المرتضى (ع): كم أكلة منعت أكلات.

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ). ظاهر اللفظ الاستفهام ، ومعناه المبالغة في نفي التحريم ، وانه من وساوس الشيطان ، لا من وحي الرحمن ، واضافة الزينة اليه تشعر بالحل ، أما لفظة الطيبات فتدل

٣٢١

بذاتها عليه ، لأن كل ما هو محرم فهو خبيث وليس بطيب ، والزينة تشمل جميع أنواعها من مسكن وملبس ومركب وأثاث ، وتشمل الطيبات جميع المأكولات والمشروبات ، والتمتع بالطيب والنساء ، والصوت الجميل والمنظر الجميل ، وكل ما لذ وطاب مما لم يرد النهي عنه في الشريعة ، واتفق علماء الإسلام قولا واحدا على ان كل شيء حلال ، حتى يرد فيه نهي ، واستدلوا بحكم العقل بأنه لا عقاب بلا بيان ، وبقول الرسول الأعظم (ص) : الناس في سعة ما لا يعلمون. وقوله : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم. وقوله : كل شيء مطلق ، حتى يرد فيه نهي.

(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ). أي ان الذين آمنوا الآن وفي هذه الحياة سوف يتنعمون غدا بزينة الله والطيبات من الرزق وحدهم لا يشاركهم فيها أحد من الذين كفروا وأشركوا ، أما في الحياة الدنيا فيتنعم بها الجميع المؤمنون والكافرون. (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) من تتبع آي الذكر الحكيم يرى ان الله سبحانه يطلق كلمة العالم على من علم أحكام الله وعمل بها ، وأيضا يطلقها على من يرجى منه ان يعلمها وينتفع بها إذا فصلت له ، والمراد بقوم يعلمون هنا هم النوع الثاني الذين ينتفعون ببيان حكم الزينة والطيبات وغيرها ، ويصيرون بمعرفة حكم الله علماء بالدين ، ويستدلون بآيات الله سبحانه على حلاله وحرامه.

وبعد أن أنكر سبحانه على من حرم الزينة والطيبات بيّن أصول المحرمات ، وهي : ١ ـ (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ). تقدم بيانها عند تفسير الآية ١٥١ من الأنعام ، فقرة الوصايا العشر ، رقم ٤.

٢ ـ (وَالْإِثْمَ) وهو كل ما يعصى الله به من قول أو فعل ، وعطف الإثم على الفواحش من باب عطف العام على الخاص ، نحو قوله تعالى : (كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ) ـ ١٦٣ النساء.

٣ ـ (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) وهو الظلم ، وفي الحديث : لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكا. وقال الإمام أمير المؤمنين (ع) : من سلّ سيف البغي قتل به.

٣٢٢

٤ ـ (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) وليس بعد الكفر والشرك ذنب ، والشرك ضد التوحيد الذي يتلخص بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وتقدم الكلام عنه في الوصايا العشر الآية ١٥٣ من الأنعام.

٥ ـ (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ومن ذلك ما كان عليه أهل الجاهلية الذين أشارت اليهم الآية ٢٨ الأعراف : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها). ولا رذيلة أقبح من القول بلا علم ، ولا فرق بين الافتراء على الله ، وبين الشرك به من حيث الحكم ، قال الإمام علي (ع) : من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ). المراد بالأمة هنا الجماعة ، كما في الآية ٢٣ من القصص : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) .. بعد أن ذكر سبحانه في الآية السابقة ٢٨ ان المشركين يفعلون الفواحش ، ويقولون : الله أمرنا بها وذكر في الآية ٣١ ما أحل الله ، وفي الآية ٣٣ ما حرم ، بعد هذا قال : ولكل أمة أجل. أي لكل جماعة ، ومنهم المشركون الذين افتروا على الله الكذب ـ أجل معين في هذه الحياة ، ثم يردون الى الله ، فينبئهم بما كانوا يعملون .. وفي هذا تهديد ووعيد للمشركين ومرتكبي الفواحش ولأهل البغي والإثم ، ولكل من قال على الله بغير علم.

(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) تقدم تفسيره في الآية ١٤٥ من آل عمران ، فقرة الأجل محتوم ج ٢ ص ١٧١.

في اتقى وأصلح الآية ٣٥ ـ ٣٩ :

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)

٣٢٣

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩))

الإعراب :

(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) إما مركبة من كلمتين ان الشرطية ، وما زائدة مؤكدة ، ولدخولها على ان دخلت النون الثقيلة على يأتي. فمن اتقى جواب الشرط. حتى إذا حتى تفيد معنى الغاية ، ولا عمل لها هنا ، وكذلك إذا دخلت على الجمل. وإذا ظرف في محل نصب بقالوا. و (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ) أين مبتدأ ، وما خبر ، أي أين الآلهة التي كنتم تعبدون. وكلما منصوبة على الظرفية ، واكتسبت هذه الظرفية من ما التي هي بمعنى وقت. وجميعا حال من واو اداركوا. وضعفا صفة لعذاب بمعنى مضاعف ، ومن النار متعلق بمحذوف صفة ثانية. ولكل متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف ، وضعف صفة للمبتدإ المحذوف ، والتقدير لكل من الأخرى والأولى عذاب ضعف.

٣٢٤

المعنى :

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). خلق الله سبحانه آدم وذريته ، وسنّ لهم منهجا يسيرون عليه ، وأرسل اليهم من يبلغهم إياه ، وجعل الرسل المبلغين من أبناء جنس المرسلين اليهم ، لأن ذلك ادعى في التأثير ، وأبلغ في الحجة ، فمن سمع وأطاع فهو في أمن وأمان من غضب الله وعذابه (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). كان أستاذنا رضي الله عنه وأرضاه يقرأ لتلاميذه مقطعا مقطعا من الكتاب المقرر للتدريس ، ويشرحه لهم بكلام يفهمه كل الناس ، فإذا كان المقطع واضحا ومفهوما للجميع علق عليه بكلمة : توضيح الواضحات من أشكل المشكلات. ومشى الى غيره.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) تقدم في سورة الأنعام الآية ٢١. (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) أولئك اشارة إلى من تقدم ذكرهم ، وهم الذين اختلقوا في ما لا وجود له ، وكذبوا بما هو موجود ، والمراد بالكتاب النصيب المكتوب من الآجال والأرزاق ، والمعنى ان الله يدع الكاذبين والمكذبين يستوفون ما كتب لهم في هذه الحياة من العمر والرزق (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) وهم ملائكة الموت (يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها؟ (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) لا نحن نعرف أين هم؟. ولا هم يأتون لخلاصنا من العذاب (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) والاعتراف بالذنب يجدي حيث يمكن اخفاؤه والفرار من الجزاء عليه ، أما بعد ظهوره كالشمس ، وحين تنفيذ العقوبة فلا يجدي الاعتراف والندم شيئا.

بعد ان يشهد الكافرون على أنفسهم تنتهي المحاكمة ، ويصدر الحكم عليهم بعذاب الحريق.

(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ). المراد بالأمم أهل الملل الكافرة ، أي ان الله يقول لمن كفر بنبوة محمد (ص) : ادخلوا النار جزاء على كفركم ، كما دخلها من كذّب بالأنبياء من قبلكم.

٣٢٥

(كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) يتلاعنون ، وقد كانوا اخوة في الدين ، وتجمعهم الأنساب والاصهار .. وهكذا أهل الأهواء والضلال يتحابون ويتعاطفون حين الدعة وأيام الأمل ، ويتباغضون ويتلاعنون حين لا يدرك أمل ، ويرجى نوال.

(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) أي تلاحقوا ، وأدرك بعضهم بعضا ، وعندها يبدأ الخصام والجدال (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ). قال بعض المفسرين : المراد بأولاهم الأولى دخولا في النار ، وبأخراهم المتأخرة دخولا فيها. وقال آخرون : بل المراد بأولاهم القادة المتبوعون ، وبأخراهم الأتباع. وهذا القول أقرب وأنسب لقول أخراهم : هؤلاء أضلونا مشيرين لأولاهم ، لأن المضل متبوع والمضلّل تابع .. طلب التابعون من الله سبحانه أن يضاعف العذاب للمتبوعين ، لأنهم السبب في ضلالهم (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) أي ان لكم ولهم عذابا مضاعفا ولكن لا يعلم كل فريق ما للآخر من مقدار العذاب وشدته.

(وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) طلب التابعون أن يزيد في عذاب المتبوعين ، فقال هؤلاء لأولئك : ولما ذا هذا الطلب؟ وكلنا في الجزاء سواء ، ولا تفاوت في شيء ، حتى يزيد الله في عذابنا دون عذابكم ، ثم توجه المتبوعون إلى التابعين ، وقالوا لهم جوابا عن طلب المزيد في عذابهم : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) مختارين من الآثام ، وما كان لنا عليكم من سلطان.

الجمل وسم الخياط الآية ٤٠ ـ ٤٣ :

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي

٣٢٦

الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))

اللغة :

السم بفتح السين وضمها الثقب. والخياط الابرة. والمهاد الفراش. والغواشي جمع غاشية ، وهي ما يغطي الشيء ويستره. والوسع الشيء المقدور. والنزع قلع الشيء من مكانه. والغل الحقد.

الاعراب :

يلج منصوب بأن مضمرة بعد حتى. ومحل الكاف من كذلك النصب صفة لمصدر محذوف ، أي نجزي المجرمين جزاء مثل ذلك. ولهم من جهنم مهاد مبتدأ وخبر. ومن فوقهم غواش مثله ، والتنوين في غواش عوض عن الياء المحذوفة ، وهي ممنوعة من الصرف مثل مساجد. والذين آمنوا مبتدأ أول ، وأولئك مبتدأ ثان ، وأصحاب الجنة خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول. وجملة لا نكلف نفسا معترضة بين المبتدأ والخبر. وتسبك ان وهدانا بمصدر مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ، أي لو لا هداية الله حاصلة لنا. وان تلكم ان مفسرة بمعنى أي ، وتلكم مبتدأ ، والجنة عطف بيان ، وجملة أورثتموها خبر المبتدأ.

٣٢٧

المعنى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ). آيات الله تشمل الدلائل على وجوده ، ونبوة أنبيائه ، وكل ما جاء على ألسنتهم نقلا عن الله تعالى ، والتكذيب بآيات الله معروف ، وعطف الاستكبار عنها من باب عطف التفسير ، وقوله : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) كناية عن رفض أعمالهم ، وانها لا تقبل منهم كما تقبل أعمال الصالحين ، قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ـ ١٠ فاطر.

(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ). هذا تعليق على محال ، تماما كقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ الزخرف. ووجود ما علّق على المحال محال .. والعرب تضرب المثل لما لا يكون بقولهم : لا أفعله ، حتى يشيب الغراب ، وحتى يدخل الجمل في سم الخياط (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي نجازيهم بالحرمان من الجنة.

ومع هذا الحرمان (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). المهاد الفراش ، والغواشي الأغطية ، والمعنى ان جهنم محيطة بالمجرمين من جميع الجهات.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). لما توعد العاصين بعذاب جهنم وعد المطيعين بنعيم الجنة ، يتمتعون به إلى ما لا نهاية ، وأشار بقوله : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلى أن الجنة على عظمتها يمكن الوصول اليها بغير مشقة وحرج ، وان من دخل جهنم انما دخلها لأنه سلك طريقها بإرادته واختياره.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ). ولما ذا الغل؟ وقد كان في الدنيا غل وحسد ورياء وكذب ونفاق ، لأن فيها فقيرا وغنيا ، وظالما ومظلوما ، وخاملا وشهيرا ، ولا فقر في الجنة ولا ظلم ولا شهرة بعد أن وضع الله كلا في درجته التي يستحقها ، ومرتبته التي عمل لها .. ان كل واحد من أهل الجنة يشعر بالغبطة والسعادة لخلاصه من نار جهنم ، ولا ينظر إلى من فوقه إطلاقا : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ).

٣٢٨

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي أرشدنا إلى طريق هذا النعيم (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) هذا شكر لله على نعمه (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أخبرهم الرسل بالجنة ، فآمنوا بالغيب ، ولما شاهدوها عيانا فرحوا ، حيث أصبح الغيب مشهودا (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وكلمة الإرث بسبب العمل توحي بأن الجنة حق لازم للعاملين ، تماما كالميراث لأهله ، وبكلمة ان الآية تدل على ان الثواب حق لا تفضل.

ونادى أصحاب الجنة الآية ٤٤ ـ ٤٥ :

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥))

اللغة :

العوج بفتح العين مختص بالمرئيات ، وبكسرها مختص بما ليس بمرئي ، تقول : في ساقه عوج ، وفي رأيه عوج.

الاعراب :

ان قد وجدنا أن مفسرة بمعنى أي ، ومثلها ان لعنة الله. وحقا حال من (ما وَعَدَنا) ويجوز أن تكون مفعولا ثانيا لوجدنا على ان تتضمن معنى

٣٢٩

علمنا. وعوجا حال من واو يبغونها أي يبغونها معوجين أو ضالين ، وقال الطبرسي في مجمع البيان : ان عوجا مفعول به على معنى يبغون لها العوج.

المعنى :

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا). ان أصحاب الجنة على علم اليقين بأن أصحاب النار قد وجدوا صدق الوعيد والتهديد ، ولكنهم وجهوا اليهم هذا السؤال شكرا لله على ما أنعم عليهم ، وتقريعا لأهل النار على كفرهم وعنادهم ، وتذكيرا لهم بما كانوا يقولونه من الهزؤ والاستخفاف بدين الحق وأهله.

(قالُوا نَعَمْ) حيث لا وسيلة للإنكار (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بهذه اللعنة يرفع المؤذن صوته يوم القيامة واصفا الظالمين بثلاثة أوصاف :

١ ـ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون الناس من اتباع الحق بشتى الوسائل.

٢ ـ (وَيَبْغُونَها عِوَجاً). لا يريدون الصدق والإخلاص والاستقامة ، وانما يريدون الكذب والنفاق والخيانة.

٣ ـ (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) فلا يخافون حسابا ولا عقابا على جرائمهم وآثامهم.

وعلى الاعراف رجال الآية ٤٦ ـ ٤٩ :

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ

٣٣٠

الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩))

اللغة :

الحجاب المانع والحاجز. والأعراف جمع عرف ، وهو المكان المرتفع ، ومنه عرف الديك والفرس. وسيما وسيماء وسيمياء بمعنى واحد العلامة. والتلقاء جهة اللقاء ، وهي الجهة المقابلة ، ولذلك كان ظرفا من ظروف المكان ، مثل حذاءك.

الاعراب :

تلقاء منصوب على الظرفية ، والعامل فيه صرفت. وما أغنى ما نافية ، وأغنى فعل ماض ، وجمعكم فاعل ، وما كنتم ما مصدرية ، والمصدر المنسبك معطوف على جمعكم ، أي وكونكم تستكبرون. وهؤلاء مبتدأ ، والذين خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة خبر هؤلاء ، أي أهؤلاء هم الذين أقسمتم ، ولا يجوز أن يكون الذين عطف بيان لهؤلاء ، لأن المبتدأ يبقى بلا خبر.

الأعراف :

نحن نؤمن بيوم القيامة وحسابه وجزائه ـ اجمالا ـ كأصل من أصول الدين ، أما التفاصيل والجزئيات فإنها من عالم الغيب ، ولا يثبت شيء من هذا العالم إلا بآية صريحة واضحة ، أو بحديث صريح واضح ثبت عن المعصوم بالخبر المتواتر ، لا بخبر الآحاد ، لأن خبر الآحاد حجة في الفروع ، لا في الأصول ، والخبر

٣٣١

المتواتر هو الذي يرويه كثيرون يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب ، ويقابله الخبر الواحد.

وقد ثبت بالوحي ان في الآخرة مكانا يقع بين الجنة والنار يسمى الأعراف (١) ، وما هو بالنعيم ، ولا بالجحيم ، ولكن باطنه فيه الرحمة ، وهو ما يلي الجنة ، وظاهره فيه العذاب ، وهو مما يلي النار : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) ـ ١٤ الحديد. وعلى هذا المكان المسمى الأعراف رجال يعرفون جميع أهل الجنة ، وجميع أهل النار ، يعرفونهم لا بأسمائهم ولا بأشخاصهم ، بل بعلامات فارقة تدل عليهم ، وهم يتعمدون النظر إلى أهل الجنة ، ويسلمون عليهم ، ويطمعون أن يكونوا في وقت من الأوقات معهم ، وإذا وقع طرفهم على أهل النار سألوا الله أن لا يجعلهم مع القوم الظالمين الهالكين. ثم تنتهي الحال بأهل الأعراف إلى دخول الجنة لأنهم من أهل لا إله إلا الله ، ولله عناية خاصة بأهلها.

هذا مجمل ما نزل به القرآن في الأعراف وأهلها ، ولكن كثيرا من المفسرين تجاوزوه إلى تفاصيل لا نعرف لها أصلا .. وبعد هذا التمهيد نشرع في تفسير مداليل ألفاظ الآيات :

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ) أي بين الجنة والنار ، أو بين أهليهما ، والحجاب هو الأعراف الذي أشار اليه بقوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ). أي ان رجال الأعراف يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بعلامات تدل عليهم .. وغير بعيد أن تكون هذه العلامات هي المشار اليها في الآية ١٠٦ من آل عمران : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). والآية ٣٨ وما بعدها من سورة عبس : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) ـ أي سواد وظلمة ـ (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ). وقيل : ان هذه علامات عامة يعرفها كل الناس ، وظاهر الآية يدل على ان تلك العلامات يعرفها رجال الأعراف فقط. ومهما يكن ، فان الأمر سهل جدا ، ما دمنا غير

__________________

(١). الاعراف اسم لهذا المكان ، أما البرزخ فهو الزمان الذي بين الموت والبعث.

٣٣٢

مكلفين ولا مسؤولين عن معرفة تلك العلامات بكنهها وحقيقتها ، ولا بصفاتها الخاصة أو العامة.

وتسأل : من هم رجال الأعراف؟

الجواب : للمفسرين فيهم أقوال ، أرجحها ـ ذوقا ـ ما عليه الأكثر : انهم الذين تساوت كفتا ميزانهم ، ولم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ، ولا سيئاتهم على حسناتهم ، ولو زادت إحداهما على الأخرى مثقال ذرة لتعين مصيرهم ، إما إلى جنة ، واما إلى نار.

سؤال ثان : ان أهل الجنة يعرفون بدخولها ، وكذلك أهل النار ، فأية حاجة إلى العلامات؟

الجواب : قد تكون تلك العلامات للتمييز بين الفريقين قبل الحساب والعقاب كما يعرف المجرم من ملامح وجهه ، وهو يساق إلى المحاكمة.

(وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ضمير نادوا يعود إلى رجال الأعراف ، والمعنى انهم حين ينظرون إلى أهل الجنة يسلمون عليهم تسليم تحية وإكرام (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) في دخول الجنة ، لأنهم من أهل لا إله إلا الله ، وكل من آمن بالله يطمع في رحمته ومغفرته : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ـ ٨٧ يوسف. وفي الحديث : ان رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله تعالى : من هذا الذي تألى عليّ ـ أي أقسم عليّ ـ أن لا أغفر لفلان؟ .. فاني قد غفرت لفلان ، وأحبطت عمل المتألّي.

(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وبناء (صُرِفَتْ) للمجهول يوحي بأن نظر رجال الاعراف إلى أهل النار كان من غير قصد ، والمراد بالظلم هنا الشرك والكفر ، والمعنى انهم إذا صادف ورأوا ما عليه أهل النار خافوا وتضرعوا إلى الله تعالى أن لا يجعلهم مع الكافرين الهالكين.

(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ). كان الذين استكبروا في الأرض يسخرون من

٣٣٣

المؤمنين ، ويتعاظمون عليهم بما كانوا يملكون من مال وجاه ، ويقولون لهم : لا تنالكم أبدا رحمة الله ، ولما جاءت ساعة الحق ، ولاقى المترفون جزاء أعمالهم ذكّرهم أهل الأعراف بأمرين : الأول بما كانوا يجمعون ويستكبرون به من مال ونحوه ، واليه الاشارة ب (قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ). الثاني بما قالوه للمؤمنين : لا تدخلون الجنة ، واليه الاشارة ب (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ). فهؤلاء اشارة الى المؤمنين المستضعفين ، والخطاب في أقسمتم موجه من أهل الأعراف الى المترفين المستكبرين ، (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) من قول المترفين.

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ). أي ان المؤمنين الذين قال لهم المترفون : لا تنالكم رحمة الله ولا تدخلون الجنة ، ان هؤلاء المؤمنين قيل لهم : ادخلوا الجنة الخ ، وبطبيعة الحال قيل للمترفين المستكبرين : ادخلوا النار خاسرين خاسئين. وسلام على من قال : الغنى والفقر بعد العرض على الله.

بين أهل الجنة وأهل النار الآية ٥٠ ـ ٥٣ :

(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ

٣٣٤

فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣))

اللغة :

المراد بالكتاب هنا القرآن. وفصّلناه بيّناه. وينظرون ينتظرون. والتأويل ما يؤول اليه حال الشيء.

الإعراب :

ان أفيضوا ان مفسرة بمعنى أي. وقال حرّمهما ولم يقل حرّمه مع ان العطف السابق بأو ، لا بالواو ، لأن المعنى حرّم كلا منهما. والذين اتخذوا في محل جر صفة للكافرين. ولهوا مفعول ثان لاتخذوا. على علم متعلق بمحذوف حالا من فاعل فصّلناه ، وهدى حال من المفعول أو مفعول لأجله ، ويوم منصوب بيقول. فيشفعوا منصوب بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب الاستفهام. ونرد بالرفع لأن التقدير أو هل نرد. وفنعمل بالنصب بأن مضمرة.

المعنى :

جاء في الحديث : ان فرحة أهل الجنة بالخلاص من الجحيم تزيدهم نعيما على نعيم ، وان حسرة أهل النار على ما فاتهم من النعيم تزيدهم عذابا على عذاب ، وهم يعلمون ان أهل الجنان في نعيم مقيم ، ولذا (نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) فأجابهم أهل الجنة (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ).

وبعد اليأس من أهل الجنة يستغيث أهل النار بخزنتها ، كما في الآية ٤٩ من

٣٣٥

غافر : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) فيجيب الخزنة : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ).

وبعد اليأس من الخزنة يستغيثون بالله رب العالمين ، وقد كان أهون شيء عليهم في ساعة اليسر والرخاء : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) فيجيبهم الباري جل اسمه : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ـ ١٠٨ المؤمنون.

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) تقدم تفسيره في سورة الأنعام الآية ٧٠ (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) المراد بالنسيان هنا الإهمال : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) والمعنى يهملهم الله يوم القيامة كما أهملوا العمل له ، وكما جحدوا ما أنزل على رسله من الآيات والحجج.

(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). ذكر سبحانه فيما سبق أهل الجنة ، وأهل النار ، وأهل الأعراف ، وهذه الآية والتي تليها مختصتان بأهل النار الذين غرتهم الحياة الدنيا .. قال سبحانه : لقد جئنا هؤلاء بالقرآن يهدي الى الرشد ، ويبين عن علم ما يحتاج اليه الناس في معاشهم ومعادهم ، وضمن لمن آمن وعمل بتعاليمه الهداية الى الخير في الدنيا ، ورحمة الله وثوابه في الآخرة.

أما من أعرض ، واتبع هواه فمآله جهنم وساءت مصيرا (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) ينظرون أي ينتظرون ، وضمير تأويله يعود الى الكتاب ، ومعنى تأويله هنا ان كل ما نطق به القرآن يؤول أمره الى الوقوع لا محالة (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) بوقوع ما أخبر عنه ، ويتبين للكافرين صدقه بالعيان (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) قالوا هذا بعد أن شاهدوا العذاب ، ومن قبل قالوا للرسل : سحرة مفترون .. وأيضا قالوا بعد أن رأوا العذاب : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) عند الله في غفران خطايانا ، ولا يعاملنا بما نستحقه من الخزي والعقوبة.

٣٣٦

(أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ). لو استجاب الله لدعوتهم هذه لبطلت جميع المقاييس والقيم ، وتساوى الخبيث الذي لا يؤمن إلا والسيف مصلت على رأسه مع الطيب الذي يؤمن بالحق بملء ارادته ، ويضحي في سبيله بالنفس والنفيس (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ). وهكذا تذهب أعمال المبطلين سدى ، ويغيب عنهم الشفعاء والأولياء الذين كانوا يعملون من أجلهم ، ويدخرونهم لساعة العسرة.

في ستة أيام الآة ٥٤ ـ ٥٦ :

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))

اللغة :

استوى هنا بمعنى استولى. والعرش كناية عن الملك والسلطان. والغشاوة الغطاء ، وقيل: المراد بها الذهاب ، أي ان الليل يذهب بنور النهار. وحثيثا مسرعا. والمسخر الخاضع المنقاد. وتبارك الله ، أي تعالى بعظمته ، وهو فعل غير منصرف لا يصاغ منه أمر ولا مضارع. والتضرع التذلل. والخفية لغة ضد العلانية.

٣٣٧

الاعراب :

جملة يطلبه حال من الليل. وحثيثا صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي طلبا حثيثا ، ويجوز أن يكون حالا. والشمس مفعول لفعل محذوف ، أي وخلق الشمس. ومسخرات حال من الشمس وما عطف عليها. وتضرعا في موضع الحال من واو ادعوا ، أي متضرعين ومخفين. ومثله خوفا وطمعا أي خائفين وطامعين. وقريب على وزن فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث.

المعنى :

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). للمفسرين في هذه الآية أقوال متضاربة ، ويرجع سبب الاختلاف إلى أمرين : الأول ان أفعال الله تعالى لا تقدر بالزمان : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) ـ ٥٠ القمر. أي كلمة واحدة وهي (نْ فَيَكُونُ). الأمر الثاني ان الزمان انما يقدر بعد وجود السموات والأرض وما يقع فيها من حوادث ، فقبل الكون لا زمان ولا أيام ، فكيف يمكن إيجاده من أيامه وفي أيامه؟ وهل هذا إلا كقول القائل : بنيت بيتا من سقفه وحيطانه؟.

اذن ، لا بد من تأويل الأيام بمعنى مقبول ومعقول ، وقد اختلفوا في تعيين هذا المعنى المجازي ، فمنهم من قال : ان في الكلام حذفا أي في مقدار ستة أيام ، ومنهم من قال : ان الأيام هنا كناية عن المراحل والدفعات ، وانه تعالى لم يخلق الكون دفعة واحدة ، بل على ست مراحل ، ليكون لكل شيء حد محدود ، ووقت مقدر. ومن قائل : ان الأيام كناية عن الأطوار ، وانه سبحانه لم يخلق الكون ابتداء كما هو عليه الآن ، بل انتقل بخلقه من طور إلى طور وفقا لنظرية النشوء والارتقاء ، حتى الطور السادس والأخير ، وهو الذي نراه الآن.

وهذه الوجوه كلها محتملة ، وليس لدينا ما يعين أحدها ، أو يرجحه برغم تتبعنا لكثير من التفاسير القديمة والحديثة ، ولذا نقول مع القائل :

٣٣٨

ان الأيام قد تكون ست مراحل ، وقد تكون ستة أطوار ، وقد تكون ستة أيام من أيام الله التي لا تقاس بمقياس زماننا .. وقد تكون شيئا آخر ، فلا ينبغي أن يجزم أحد ما ذا يعني هذا العدد على وجه التحديد .. والظن باسم العلم محاولة تحكمية ، وهزيمة روحية أمام ما يقال له علم ، وهو لا يتجاوز درجة الظنون والفروض.

(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ). هذه الجملة تفسرها الجملة التي بعدها ، وهي (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) أي انه يملك الكون ويدبر أمره ، ومثلها الآية ٣ من سورة يونس : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ). وانما عبر سبحانه عن ملكه وتدبيره بالاستواء على العرش لأن الملك يستولي على مملكته ويديرها : وهو على عرشه ، والقصد التقريب ، دون التشبيه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً). هذا من تدبيره تعالى لشؤون الكون ، ومعناه ان الليل يتبع النهار ، ويتعقبه مسرعا في طلبه ، ويتغلب على المكان الذي كان فيه ، فيصير مظلما بعد ان كان منيرا ، ومثله قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) أي يتغلب على ضوء النهار ، وقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) أي يتغلب على ضوء الشمس.

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ). أي وخلق هذه الكواكب تنقاد لمشيئته ، وتسير على مقتضى الحكمة والمصلحة .. والكلام عن هذه الكواكب يحتاج الى علم الفلك ، ولا نعرف منه شيئا (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) هذا بيان وتفسير لقوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) كما أسلفنا ، وفي الحديث : من زعم ان الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل على أنبيائه بقوله : الا له الخلق والأمر. (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). تعالى بوحدانيته وملكه وتدبيره.

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً). وليس معنى دعوة العبد ربه أن يقول : اللهم رحمتك وغفرانك ، كلا .. وانما دعوة الحق أن يخافه ويتقيه ، ويلتزم أوامره ونواهيه ، وليس المراد بالتضرع أن يقول : اللهم أتضرع اليك تائبا ،

٣٣٩

وأعوذ بك مستجيرا ، بل المراد به أن يكون صادقا مخلصا لله فيما يقول ويفعل ، أما خفية فمعناها أن لا يباهي بما يفعل من خير ، ويعلنه على الملأ ، فان هذا ضرب من الاعتداء ، والله يقول : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي المتجاوزين ما أمر به ، وما نهى عنه ، وقد نهى سبحانه عن المباهاة بالعبادات ، وفعل الخيرات.

الله أصلح الأرض والإنسان أفسدها :

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها). أصلح الله هذه الأرض بما أودع فيها من كنوز لا تحصيها كثرة من الطيبات والمتع الروحية والمادية .. فمن مباهج الطبيعة إلى جمال المرأة ، ومن وفاء الأصدقاء إلى بر الأبناء ، ومن نشوة المعرفة والاطلاع إلى وشوشة الألحان والأنغام .. إلى ما لا نهاية.

أما الطيبات المادية فمن المأكول الحبوب والخضار واللحوم والفواكه ، وفي كل نوع من هذه أشكال وألوان ، ومن الملبوس الصوف والقطن والجلد والحرير ، ثم اكتشف الإنسان النايلون ، وسيكتشف بعد ما نظنه من الممتنعات والمستحيلات ، تماما كما اكتشف واخترع الأعاجيب لطئ الأرض والسماء ، وعبور القارات في دقائق ولحظات ، أما الوقود فمن الشجر إلى الفحم الحجري ، ومن البترول الى الكهرباء ، إلى حرارة الشمس والذرة .. وقرأت فيما قرأت ان العلم استخرج من البترول المطاط الصناعي للاطارات ، والزجاج غير القابل للكسر ، وقنابل النابالم والنايلون ، والأسمدة الكيماوية ، والأطباق ؛ وأنابيب الري بالرش ، ومساحيق التجميل ، ومناضد الحدائق ، وأغطية الموائد ، والزهور الصناعية ، وأحمر الشفاه وكحل العيون ، وطلاء الأظافر ، والملابس الداخلية ، وفرشاة الأسنان ، وحبر المطابع ، والأفلام ، إلى ثلاثة آلاف صنف أحصاها الخبراء ، بل إلى ما لا يحصيه عدا إلا من أحاط بكل شيء علما : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) ـ ٣٤ ابراهيم.

ان الإنسان لظلوم كفار .. جاءت الآية بصيغة المبالغة ، مع تأكيدين لهذه المبالغة : أولهما بأنّ ، وثانيهما باللام .. وأي شيء أكثر ظلما وكفرانا ، وأعظم

٣٤٠