التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))

اللغة :

المرافق جمع مرفق. والكعبان عظمان ناشزان يفصلان بين الساق والقدم. والجنب ذو الجنابة ، ويطلق على المذكر والمؤنث ، والمفرد والمثنى والجمع. والغائط المكان المنخفض ، والمراد به هنا قضاء الحاجة من المخرجين. والصعيد وجه الأرض.

الإعراب :

برءوسكم ، قيل الباء زائدة ، وقيل للإلصاق ، وقيل للتبعيض ، ويأتي التفصيل في فقرة المعنى. وما يريد الله ليجعل عليكم من حرج مفعول يريد محذوف ، ويجعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لفظة الله ، ومن زائدة ، وحرج مفعول يجعل ، والتقدير ما يريد الله ذلك لأن يجعل عليكم حرجا. ومثله يريد ليطهركم.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ). أي إذا أردتم القيام الى الصلاة ،

٢١

تماما كما تقول : إذا نمت فاقرأ سورة الفاتحة ، وهذا من باب اطلاق السبب على المسبّب.

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). لا خلاف فيه ، سوى ان الشيعة الامامية قالوا : يجب الابتداء من الأعلى ، ولا يجوز النكس ، وقال غيرهم : يجوز الغسل كيف اتفق ، والابتداء من الأعلى أفضل.

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ). أيضا لا خلاف فيه إلا ان الشيعة أوجبوا الابتداء بالمرفق ، وأبطلوا النكس ، كما أوجبوا تقديم اليد اليمنى على اليسرى ، وقال السنة : يغسلهما كيف اتفق .. أجل ، تقديم اليمنى أفضل ، وكذا الابتداء من الأصابع الى المرفق.

وتسأل : ان كلا من السنة والشيعة قد خالفوا ظاهر الآية ، لأن المرافق يجب أن تكون نهاية الغسل لمكان «الى» ، مع ان السنة لا يوجبون ذلك ، والشيعة لا يجيزونه ، فما هو التأويل؟

وأجاب كثيرون بأن «الى» هنا بمعنى مع مثل قوله تعالى : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ـ ٥٢ هود» ، أي مع قوتكم .. والذي نراه في الجواب ان التحديد في الآية للعضو المغسول ، وهو اليد ، بصرف النظر عن كيفية الغسل من حيث الابتداء والانتهاء ، تماما كقولك : بعتك الأرض من هنا الى هناك ، وقطفت ورد الحديقة من هنا الى هنا ، وأنت تريد تحديد الكم والمقدار ، لا بيان الكيف والهيئة.

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ). قال الحنابلة : يجب مسح الرأس والأذنين ، ويجزي الغسل عن المسح بشرط إمرار اليد على الرأس. وقال المالكية : يجب مسح جميع الرأس دون الأذنين. وقال الحنفية : يجب مسح ربع الرأس ، ويكفي إدخال الرأس في الماء ، أو صبه عليه. وقال الشافعية : يجب مسح بعض الرأس ولو قل ، ويكفي الغسل أو الرش. وقال الشيعة الامامية : يجب مسح جزء من مقدم الرأس ، ويكفي أقل ما يصدق عليه اسم المسح ، ولا يجوز الغسل ولا الرش .. وعليه يكون معنى الباء الإلصاق على القولين الأولين ، والتبعيض على الأقوال الأخيرة الثلاثة.

٢٢

(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ). ورد في الأرجل قراءتان : إحداهما النصب ، والأخرى الخفض. وقال السنة : يجب غسل الأرجل ، لا مسحها ، لأنها معطوفة على الأيدي ، على القراءتين. أما على قراءة النصب فواضح ، إذ الأيدي منصوبة لفظا ومحلا. وأما على قراءة الجر فللجوار والإتباع ، أي الرؤوس مجرورة ، والأرجل مجاورة لها ، فجرت الأرجل لعلاقة المجاورة ، تماما كقول العرب : «جحر ضب خرب» مع العلم بأن خرب يجب رفعه ، لأنه صفة للحجر ، لا للضب ، ولكنه خفض لمجاورته للضب.

وقال الشيعة : يجب مسح الأرجل ، لا غسلها ، لأنها معطوفة على الرؤوس. أما على قراءة الجر فواضح ، إذ الرؤوس مجرورة بالباء. وأما على قراءة النصب فمعطوفة على محل الرؤوس ، لأن كل مجرور لفظا منصوب محلا.

ثم قال الشيعة : ان العطف على الأيدي لا يجوز لأمرين :

الأول : انه خلاف الفصاحة ، لوجود الفاصل بين الأيدي والأرجل ، وهو قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) ولو كان الأرجل معطوفة على الأيدي لقال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ولم يفصل بين الأيدي والأرجل بمسح الرأس.

الثاني : ان العطف على الأيدي يستدعي أن يكون لكل قراءة معنى مغاير للآخر ، إذ يكون المعنى على قراءة النصب الغسل ، وعلى قراءة الجر المسح .. وهذا بخلاف العطف على الرؤوس فان المعنى يكون واحدا على القراءتين. بالاضافة الى أن الجر للجوار رديء لم يرد في كلام الله إطلاقا.

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا). يجب الغسل من الجنابة لأمرين : الأول : نزول المني في نوم أو يقظة. الثاني : إدخال رأس الإحليل في قبل أو دبر ، وبالأولى إدخاله كاملا.

ولم يوجب السنة الغسل بكيفية خاصة ، وانما أوجبوا أن يعم الماء جميع البدن كيف اتفق.

وقسّم الشيعة الإمامية غسل الجنابة الى نوعين : ترتيب وارتماس ، والترتيب ان يصب المغتسل الماء على جسمه صبا ، وفي هذه الحال أوجبوا الابتداء بالرأس ،

٢٣

ثم بالجانب الأيمن من الجسم ، ثم الأيسر ، فلو أخل ، وقدّم المؤخر ، أو أخر المقدم يبطل الغسل. أما الارتماس فهو غمس تمام البدن تحت الماء دفعة واحدة ، فلو خرج جزء منه عن الماء لم يكف.

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً). تقدم تفسيره في سورة النساء الآية ٤٣.

(ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). الحرج الضيق والمشقة ، والضرر حرج وزيادة ، ومنه الأذى والمرض وذهاب المال .. والإسلام لم يشرع حكما يستدعي أي نحو من الضيق والمشقة ، فضلا عن الضرر ، فما أمر بشيء الا وفيه خير وصلاح ، وما نهى عن شيء الا وفيه شر وفساد ، وإذا كان في الشيء الواحد جانبان : نفع وضرر ، ينظر : فان كان النفع أكبر فهو مطلوب ، وان كان الضرر أكبر فهو منهي عنه ، فالعبرة دائما بالأكثر ، ومع التساوي فالخيار في الفعل والترك ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ـ ٢٤ الأنفال». وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ـ ١٨٥ البقرة».

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ). كل من دخل في دين أو حزب فقد قطع عهدا على نفسه أن يستجيب لمبادئه وتعاليمه ، ويعمل بها عن رضى وطيب نفس .. وهذا هو الميثاق الذي واثقنا الله به نحن المسلمين حين ارتضينا الإسلام دينا ، ومن قام بهذا الميثاق وأداه كما أمر الله فقد وفي مع الله ، ومن عصى فقد خان الله ، ومن أظهر معاني الوفاء لله سبحانه الإخلاص لعباده. والصدق في معاملتهم ، ولا أعرف علامة على الصدق في الدين حقا وواقعا غير الوفاء .. وأنصح كل انسان ان لا يأتمن أحدا لعلمه أو عبادته ، أو لمنصبه وشهرته ، بل يأتمنه ويثق به بعد اليقين بصدقه ووفائه.

اعدلو هو أقرب التقوى الآة ٨ ـ ١٠ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ

٢٤

شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠))

اللغة :

القسط العدل. ولا يجرمنكم ، أي لا يبعثكم. والشنآن البغض.

الاعراب :

شهداء حال من الواو في كونوا. هو أقرب مبتدأ وخبر ، وضمير هو يعود على المصدر المتصيد من اعدلوا. وعد الله (وعد) تحتاج الى مفعولين الأول الذين آمنوا ، والثاني جملة لهم مغفرة ، وقيل : المفعول الثاني محذوف تقديره الجنة ، وجملة لهم مغفرة مفسرة لهذا المفعول المحذوف.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ). للايمان الصحيح مظاهر تحس وتلمس ، وقد حددها الله سبحانه ، وأوضحها بشتى الأساليب في العديد من آياته ، مرّ الكثير منها ، وما يأتي أكثر ، والآية التي نفسرها الآن تقول بلسان مبين : ان كنتم مؤمنين فقوموا لله ، واشهدوا بالعدل ، ومعنى القيام له تعالى الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال ، أما الشهادة بالعدل فليس المراد منها ان نشهد لأعدائنا وأضدادنا بما لهم من حق علينا أو على غيرنا ..

٢٥

كلا ، وان كان السياق يشعر بذلك ، وانما المراد أن يعدل الإنسان في جميع سلوكه ، دون استثناء.

فإن كان عالما زمنيا اتخذ من علمه وسيلة للقضاء على أسباب الضعف والتخلف ، وتوفير أسباب القوة والتقدم ، وان كان «دينيا» دعا الى كلمة الله ، وهي أن يحسن الإنسان خلافة الله في أرضه ، ويقاوم كل من ينحرف عن هذا السبيل ، وان كان جاهلا استجاب لأهل العلم والدين ، ووقف الى جانبهم مناصرا ومؤازرا ، ما داموا مع الحق والعدل.

هذا هو العدل الذي أمر الله به في هذه الآية وغيرها ، العدل الذي هو أمل الانسانية وهدفها ، والذي لا تستقيم بدونه حياة .. ان المجتمع قد يعيش من غير علم ، اما ان يعيش بلا عدل في جهة من الجهات فمحال ، حتى ولو كان جميع أفراده عباقرة ومخترعين .. ان العلم بلا عدل ضرره أكثر من نفعه ، أمما العدل فكله نفع ، ومحال أن يكون فيه للضرر شائبة ، وان وجدت فهي وسيلة لدفع ما هو أعظم ضررا ، وأشد خطرا.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). المراد بالقوم في الآية أعداء الخير والعدل الذين يقاومون كل محاولة لتحرير الانسانية من قيود الضعف والتخلف .. وقد أمرنا سبحانه بالمضي في اقامة العدل والعمل من أجل الحياة غير مهتمين ولا مكترثين بغيظ المنحرفين ودسائسهم ، وبعبارة ثانية ينبغي أن نعمل بالمثل : القافلة تسير ، والكلاب تنبح.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ). في الآية ٢٥ من سورة البقرة بشر سبحانه المؤمنين العاملين بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، وفي الآية ٥٧ من سورة آل عمران بشرهم بأنه تعالى يوفيهم أجورهم ، وزاد في الآية ٥٦ من سورة النساء بأن لهم في الجنة أزواجا مطهرة ، ويأتي هذا الوعد في بقية السور بأسلوب آخر .. والهدف في الجميع واحد ، وهو الحث والترغيب في الايمان والعمل كلما دعت المناسبة.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). بعد أن وعد المؤمنين العاملين بالنعيم توعد الكافرين بالجحيم على طريقته تعالى من تعقيب الترغيب

٢٦

بالترهيب .. وفي هذه الآية دلالة واضحة على ان من كفر بالله فهو من أصحاب الجحيم ، وان لم يدعه الى الايمان نبي أو وصي نبي. ذلك ان آياته تعالى التي تقوم بها الحجة على وجوده لا تختص بما أنزله على رسله ، فلقد أقام الدليل الكافي الوافي على وحدانيته وعظمته من الأنفس والسموات والأرض ، فمن يكفر بها تلزمه الحجة : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ـ ٨ الروم».

اذكروا نعمة الله الآة ١١ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))

الإعراب :

إذ ظرف متعلق بنعمة الله. والمصدر المنسبك من : أن يبسطوا ، مجرور بالباء المحذوفة ، والمجرور متعلق بهمّ.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ). يقال ، بسط اليه لسانه إذا شتمه ، وبسط اليه يده إذا بطش به ، والمراد بالقوم هنا مشركو مكة الذين أرادوا القضاء على الإسلام في بدايته عن طريق البطش بأتباعه قتلا وتعذيبا وتشريدا ، ثم إعلان

٢٧

الحرب وتجييش الجيوش ، ولكن الله في النهاية نصر المسلمين على أعدائه وأعدائهم ، وصاروا أعزاء بعد أن كانوا أذلاء ، وحاكمين بعد أن كانوا محكومين ، ولا نعمة أعظم من الحرية والنصر على العدو ، وبعد أن ذكّر الله سبحانه المسلمين بهذه النعمة الجلى وجّه اليهم هذا الخطاب :

(وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) لا على قوتهم ، أي انما منحتكم هذه القوة لتستعملوها في احقاق الحق ، لا في احياء الباطل ، وفي انتشار الأمن والعدل ، لا لاستغلال المستضعفين ، والتآمر عليهم ، والتحكم بهم ، كما فعل بكم المشركون من قبل ، وكما يفعل أكثر الناس ، يطلبون العدالة ، وهم ضعفاء ، ويتنكرون لها ، وهم أقوياء .. ان المؤمن حقا يخشى الله ويشكره ، وهو قوي أكثر مما يخشاه ويشكره ، وهو ضعيف ، أو هو في الحالين سواء ـ على الأقل ـ أما من آمن بلسانه ، دون قلبه فعلى العكس : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) ـ ٦٥ العنكبوت».

اخذ الميثاق من اليهود والنصارى الآة ١٢ ـ ١٤ :

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ

٢٨

إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))

اللغة :

نقيب القوم من يبحث عن أحوالهم ، والمراد به هنا من أسندت اليه أمور القوم وتدبير مصالحهم. ويطلق التعزير على التأديب ، وعلى النصرة ، وهو المراد هنا. وأغرينا أي الصقنا ، لأنه مأخوذ من الغراء الذي يلصق بالشيء.

الإعراب :

فبما نقضهم (ما) زائدة ، والمجرور متعلق بلعناهم. وقاسية مفعول ثان لجعلنا. ومن الذين قالوا متعلق بأخذنا.

المعنى :

تحدث سبحانه في كتابه العزيز عن الكفار والمشركين بعامة ، وعن مشركي قريش بصورة خاصة لما لاقاه النبي (ص) منهم ، وتحدث عن المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وعن اليهود والنصارى ، ولكنه تحدث عن اليهود أكثر من الجميع ، لأنهم أكثر خلق الله عنادا للحق ، وحقدا على الانسانية ، ومر الكثير عنهم في سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، ومعظم هذه السورة ، أي المائدة فيهم وفي النصارى.

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً). ذكر

٢٩

سبحانه انه بعث من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا ، ولم يبين : هل كان هؤلاء الاثنا عشر زعماء اسباطهم الذين يمثلون ١٢ فرعا من يعقوب ، وهو إسرائيل ، أو هم أنبياء أو أوصياء؟ لم يذكر الله شيئا من ذلك ، ونحن نسكت عما سكت الله عنه .. اجل ، ان الآية صريحة في انه قد كان لله ميثاق مع بني إسرائيل ، يتضمن أن يقوم بنو إسرائيل بأمور خمسة ، وان الله يثيبهم بأمرين إذا وفوا ، وإذا نكثوا استحقوا منه تعالى الطرد والعذاب ، أما الأمور التي التزموا بأدائها والوفاء بها فهي :

١ ـ اقامة الصلاة. (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ).

٢ ـ إيتاء الزكاة. (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ).

٣ ـ الايمان برسل الله. (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي).

٤ ـ نصرة الرسل. (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ).

٥ ـ بذل المال في سبيل الله. (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً). ويدل عطف القرض على الزكاة على انه كان الواجب في أموالهم أمرين : الزكاة ، والبذل في سبيل الله. ولقاء القيام بهذه الأمور الخمسة التي جاءت شرطا في الميثاق يثيبهم الله بأمرين وقعا جزاء لهذا الشرط ، وهما :

١ ـ العفو عن السيئات. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ).

٢ ـ الجنة. (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

هذا هو ميثاق الله مع بني إسرائيل شرطا وجزاء ، وبعد ان بيّنه سبحانه خاطبهم بقوله : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ). ومن ضل الصراط المستقيم فعاقبته الخزي والخذلان.

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ). انهم ينقضون كل عهد الا عدم نقض العهد والميثاق ، وهذه سمة لهم لا تفارقهم أبدا ، كما ان لعنة الله عليهم لا تنفك عنهم أبدا .. للتلازم والتلاحم بين نقض العهد ، وبين لعنة الله. (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً). كل من لا يتقي الشر والمعاصي فميت قلبه. قال الإمام علي (ع) : من قل ورعه مات قلبه.

٣٠

وتسأل : كيف نسب سبحانه قسوة قلوبهم اليه؟ أليس معنى هذا انهم غير مسؤولين عن هذه القسوة ، لأنها من الله ، لا منهم؟.

الجواب : ان الله بيّن لهم طريق الخير ، وأمرهم به ، وبيّن طريق الشر ، ونهاهم عنه ، وأخذ منهم الميثاق على السمع والطاعة ، فأعطوه إياه ، ثم خانوا ونكثوا ، وأصروا على العصيان والتمرد ، فتركهم وشأنهم ، ولم يلجئهم إلى عمل الخير ، إذ لا تكليف مع الإلجاء ، ولأنه تعالى لم يلجئهم صح ان ينسب القسوة اليه ، ومن أراد زيادة في التوضيح فليرجع الى ما قلناه عند تفسير الآية ٨٨ من سورة النساء ، فقرة الإضلال من الله سلبي ، لا ايجابي.

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). تقدم تفسيره في سورة النساء الآية ٤٥. (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). ذكّروا بالتوراة ، فحرفوا منها ما يتنافى مع أهوائهم ، وابقوا ما يشتهون. وإذ نقضوا ميثاق الله ، وحرّفوا كتابه الذي أنزله اليهم من السماء ـ فبالأولى أن ينقضوا ما يعطونه من مواثيق للعرب وغير العرب ، وان يحرفوا قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ). لم يكتف يهود الجزيرة العربية آنذاك بإنكار نبوة محمد (ص) ، حتى تآمروا عليه مع أعدائه ، وبيتوا له المكر والغدر ، فخاطبه الله بقوله : (لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ). اي انك لاقيت ـ يا محمد ـ الكثير من اليهود ، وستلاقي أيضا الكثير منهم ، وان أحسنت اليهم ، لأن المحسن والمسيء عندهم سواء (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين أسلموا وصدقوا في إسلامهم كعبد الله بن سلام ومن معه. ورغم ذلك كله فان الله أمر نبيه أن يقابل إساءتهم بالإحسان : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

وتسأل : أبعد أن وصفهم سبحانه بأقبح الأوصاف ، وان الخير لا يرجى منهم بحال ، أبعد هذا يأمر نبيه بالصفح والعفو عنهم؟ وهل يعرف اليهود معنى الصفح والعفو؟ وهل يجوز الصفح عن الأفاعي والعقارب؟

وأجيب عنه بأجوبة منها ان ضمير عنهم يعود على القليل منهم الذين أسلموا وأخلصوا. ومنها ان هذه الآية منسوخة بآية السيف. وهذان الجوابان محتملان ،

٣١

أما الأول فلأن الضمير بظاهره يعود على الأقرب ، وأما الثاني فلوجود النسخ في القرآن.

ويجوز أن يكون الأمر بالصفح عنهم نزل بعد أن قوي الإسلام ، وأصبح في حصن حصين لا يضره كيد اليهود ولا غيرهم من الكافرين.

(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ). بعد ان بيّن سبحانه حال اليهود من نقض الميثاق والتحريف بيّن حال النصارى وانهم واليهود سواء من هذه الجهة .. ولكن جل ثناؤه ذكر في الآية السابقة نوع الميثاق الذي نقضه اليهود ، ولم يذكر شيئا عن نوع الميثاق الذي أخذه على النصارى ، وغير بعيد ان الله سبحانه أطلق الكلام بالنسبة الى النصارى لوضوح الميثاق الذي أخذه منهم ، وهو التوحيد (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). والذي ذكروا به هو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى (ع) وينص صراحة على التوحيد ، وعلى نبوة محمد (ص) باسم أحمد ، فحرّفوه تماما كما حرّف اليهود التوراة.

ومن أقوى الأدلة على تحريف الإنجيل ان رؤساء الكنيسة وعلماء التاريخ في الأناجيل الأربعة التي اعتمدها النصارى في القرن الرابع «قد اختلفوا فيما بينهم فيمن كتب الأناجيل؟ ومتى كتبت؟ وبأية لغة؟ وكيف فقدت نسخها الأصلية؟ وهذه الخلافات موجودة بالتفصيل في «دائرة المعارف الفرنسية الكبرى». ذكر هذا وكثيرا غيره صاحب تفسير المنار.

(فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). ولا شيء يقال في تفسير هذه الجملة خير مما قاله الشيخ أبو زهرة في كتاب «محاضرات في النصرانية». لذا ننقل عبارته بحروفها :

«لقد وقع بين الذين قالوا : إنا نصارى من الخلاف والشقاق والعداء في التاريخ القديم والحديث مصداق ما قصه سبحانه في كتابه الصادق الكريم ، فقد سال من دمائهم على أيدي بعضهم البعض ، ما لم يسل من حروبهم مع غيرهم في التاريخ كله ، سواء أكان ذلك بسبب الخلافات الدينية ، أو بسبب الخلافات على الرياسة الدينية ، أو بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفي خلال القرون الطويلة لم تسكن هذه العداوات ، ولم تخمد هذه الحروب والجراحات ، وهي ماضية الى يوم القيامة ، كما قال أصدق القائلين».

٣٢

قد جاءكم من الله نور الآة ١٥ ـ ١٦ :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦))

الاعراب :

جملة يبين لكم حال من رسولنا. وسبل السلام بدل من رضوانه ، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ليهدي ، لأن هدى تتعدى تارة الى المفعول الثاني بواسطة حرف الجر مثل هداه الى الخير ، وتارة بلا واسطة مثل هداه الخير.

المعنى :

أمر الله سبحانه نبيه (ص) والمسلمين جميعا أن يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، ثم ضرب لهم أمثلة من هذا الجدال ليكونوا على بينة من معناه ومفهومه ، من ذلك أن يقول المسلمون لأهل الكتاب : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ـ ٤٦ العنكبوت» : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ـ ٦٣ آل عمران» .. وهناك آيات تحصي على أهل الكتاب بعض آثامهم ، ومنها هذه الآية التي نفسرها ، فقد ذكرتهم بتحريف التوراة والإنجيل ، وعنادهم لمحمد الذي جاءهم بالهدى والنور.

٣٣

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). المراد بالرسول محمد (ص) ، فإنه بيّن لليهود والنصارى فيما بيّن بعض ما أخفوه من الكتاب الذي معهم ، فالنصارى أخفوا التوحيد ، وهو أساس الدين ، واليهود أخفوا من العقيدة خبر الحساب والعقاب يوم القيامة ، ومن الشريعة تحريم الربا ، ورجم الزاني ، كما أخفى اليهود والنصارى معا بعثة محمد : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ـ ١٥٦ الأعراف».

لقد أطلع الله سبحانه محمدا (ص) على كل ما أخفاه وحرّفه اليهود من التوراة ، والنصارى من الإنجيل ، ثم أخبرهم محمد (ص) بكثير مما كانوا يخفون ، وسكت عن كثير مما يعلم من تحريفهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). أي يسكت عنه.

وجاء هذا الإخبار من محمد (ص) دليلا قاطعا على نبوته ، ومعجزة من معجزات القرآن التي لا ينبغي لعاقل أن يرتاب فيها ويشك ، لأن النبي (ص) كان أميا لم يقرأ كتابا ، ولم يخبره أحد عما في كتب اليهود والنصارى.

وتسأل : لما ذا أخبرهم النبي بالبعض فقط ، دون الجميع؟

الجواب : ان الغاية هي اعلامهم بأن الرسول عالم بما يخفون ، وهذه الغاية تحصل بالأخبار عن البعض ، كما تحصل بالأخبار عن الكل .. هذا ، الى انهم إذا علموا بأنه (ص) عالم ببعض ما أخفوه فقد علموا بأنه عالم بالكل.

الإسلام وأنصار السلام :

(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ). قيل : النور محمد ، والكتاب القرآن. وقيل: هما وصفان للإسلام .. ولا اختلاف بين القولين الا في التعبير ، فان محمدا والإسلام وكتاب الله معان متلازمة متشابكة ، لا ينفك بعضها عن بعض.

(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ). أي من رغب في مرضاة الله وحده ، وطلب الحق لوجه الحق فانه يجد في الإسلام بغيته ومرامه ، لأن فيه ثلاث فوائد :

٣٤

١ ـ (سُبُلَ السَّلامِ). وليس المراد بالسلام خصوص السلام الذي ينشده وينادي به أنصار السلام من طلب الأمن على الأرواح والأموال للشعوب ، وانما المراد به السلام الكامل الشامل لجميع الشعوب ، والأفراد ، وسلام البيت والأسرة من التربية الفاسدة ، وسلام العقل من الجهل والايمان بالخرافات والأساطير ، وسلام النفس من الطمع والحقد والكذب والمكر.

٢ ـ (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ). أي يخرجهم الله بأمره تعالى من ظلمات التعبد للأصنام الى نور التوحيد الذي يحررهم من كل قيد إلا التعبد لله الواحد القهار.

٣ ـ (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). والصراط المستقيم عند الله هو السبيل الذي يجعل الحياة ، هذه الحياة ، متعة وهناء لا عذابا وشقاء.

وبعد ، فهل عند أنصار السلام وغيرهم من الذين ينادون بتنمية الانتاج ، وتوفير العيش للجميع ، هل عند هؤلاء وغير هؤلاء منهج أفضل وأجدى مما عند الإسلام؟. وهل يحبون عباد الله أكثر من حب الله لعباده ، أو انّهم أعلم منه بما يصلح خلقه ويفسده؟ وبالتالي ، هل في عقيدة الإسلام ، وشريعة الإسلام ، وأخلاق الإسلام ، أو في حكم واحد من أحكام الإسلام ما يتنافى مع زيادة الانتاج وتوزيعه بالحق والعدل؟. ان القرآن أول الدعاة الى حياة أفضل ، قال سبحانه في الآية ٩ من الاسراء : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). قال المفسرون : أي للحالة الأفضل.

ومهما شككت ، فاني على علم اليقين ان ما من أحد يدرس الإسلام دراسة صحيحة ، أي بكفاءة وتجرد ، إلا آمن به وأذعن له ، من حيث يريد ، أو لا يريد.

قالوا ان الله هو المسيح الآة ١٧ ـ ١٩ :

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي

٣٥

الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))

الاعراب :

جميعا حال من المسيح وامه ومن في الأرض. وعلى فترة متعلق بمحذوف حالا من الضمير في يبين. والمصدر المنسبك من أن تقولوا مجرور باضافة مفعول له محذوف ، والتقدير مخافة قولكم ما جاءنا من بشير.

المعنى :

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ). قد نفهم ان أحكام الشرائع الوضعية تتغير بتغير الأزمان ، أما ان تتغير اصول العقيدة الدينية بتغير الظروف والأوقات فبعيد عن فهم كل عاقل .. ولكن هذا ما حدث بالفعل للعقيدة المسيحية ، فقد ابتدأت هذه العقيدة بالتوحيد الخالص في عيسى (ع) ، وبقيت على التوحيد أمدا غير قصير فرق من المسيحيين ، منها فرقة ابيون ، وفرقة بولس الشمشاطي ، وفرقة أريوس ، وقد نص القرآن صراحة على ان

٣٦

عيسى (ع) أتى بعقيدة التوحيد :

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ. قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) (١١٥ المائدة).

وظلت عقيدة التوحيد عند كثير من المسيحيين ، ولم تعلن عقيدة التثليث مدعومة بالقوة الى سنة ٣٢٥ م حيث أصدر مجمع نيقية قرارا بإثبات ألوهية المسيح ، وتكفير من يقول : انه انسان ، وحرق جميع الكتب التي تصفه بغير الألوهية ، ونفذ قسطنطين امبراطور الرومان هذا القرار ، وأصبح المسيح إلها عندهم بعد أن كان بشرا ، وصدق عليهم قول الفيلسوف الصيني (لين يوتانغ) : ان الاغريق جعلوا آلهتهم مثل الرجال ، أما المسيحيون فقد جعلوا الرجال مثل الآلهة (١).

وبهذا يتبين معنا ان الاعتقاد بألوهية عيسى (ع) كان قبل نزول القرآن بحوالى ثلاثة قرون ـ اذن ـ يكون المعنى المراد من قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) المعنى الظاهر من اللفظ ، ولا داعي للتأويل بالحلول والاتحاد ، كما فعل كثير من المفسرين القدامى زاعمين ان أكثر النصارى لا يقولون بربوبية عيسى ، بل يقولون : ان الله حل به ، أو اتحد معه ، وعليه فلا تعدد .. وقال صاحب تفسير المنار : «ان أمثال الزمخشري والبيضاوي والرازي لا يعتد بما يعرفون عن النصارى ، لأنهم لم يقرءوا كتبهم ، ولم يناظروهم فيها». وصدق صاحب المنار ، فان من يرجع الى كتبهم يجدها صريحة في التثليث ، ونقل الشيخ أبو زهرة الكثير منها في كتاب «محاضرات في النصرانية»

__________________

(١). المجامع عند النصارى تنقسم الى ثلاثة اقسام : مجامع مسكونية ، اي تجمع رحال الكنيسة في جميع أنحاء المعمورة ، وهذه حكمها لا يرد ، ومجامع ملية ، اي تختص بملة دون ملة ، ومجامع اقليمية ، اي خاصة باقليم دون إقليم .. وتجدر الاشارة الى ان أبا حنيفة يقول : ليس لله احكام واقعية ، وان حكمه ما يراه المجتهد بالذات ، اي ان حكم الله واقعا ما حكم به الفرد فضلا عن الجماعة والمجامع.

٣٧

وعقد في هذا الكتاب فصلا خاصا بعنوان «النصرانية كما هي عند النصارى وفي كتبهم» ، ومما جاء فيه ان القس بوطر ألّف رسالة أسماها «الأصول والفروع» قال فيها : «ان في اللاهوت ثلاثة أقانيم ، ولكل منهم عمل خاص في البشر». وتقدم الكلام عن الأقانيم الثلاثة عند تفسير الآية ٥٠ من النساء.

الاشاعرة والنصارى :

وتسأل : ان النصارى يؤمنون بالتثليث والوحدانية في آن واحد ، لأنهم يقولون «بسم الأب والابن والروح القدس إلها واحدا» ، فكيف يمكن الجمع بين الوحدانية والتثليث ، كيف يكون الواحد ثلاثة ، والثلاثة واحدا؟

وأجاب المسيحيون أنفسهم عن ذلك بأن العقيدة فوق العقل ، وهم يربون صغارهم على ذلك ، ويقولون لهم : إذا لم تفهموا هذه الحقيقة الآن فإنكم سوف تفهمونها يوم القيامة.

وبهذه المناسبة نشير الى أن الأشاعرة من المسلمين قالوا : ان الله قد أراد الكفر به من العبد ، ومع ذلك يعاقبه عليه .. فإذا كان قول النصارى : الثلاثة واحد غير معقول فان قول الأشاعرة : الله يفعل الشيء ثم يعاقب عبده عليه غير معقول أيضا.

أما المسلمون فيؤمنون ايمانا جازما بأن كل ما يقره العقل يقره الدين ، وما يرفضه العقل يرفضه الدين ، ويروون عن نبيهم انه قال : أصل ديني العقل .. وان رجلا سأله عن معنى البر والإثم؟ فقال له : استفت قلبك ، البر ما اطمأنت اليه النفس ، واطمأن اليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس ، وتردد في الصدر ، وان أفتاك الناس وأفتوك.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). هذه الآية من أقوى الردود على المسيحيين ، وأصدق الأدلة على عدم ألوهية المسيح ، لأن الله سبحانه إذا ملك القدرة على هلاك المسيح فلا يكون المسيح ، والحال هذه ، إلها ، وان لم يملك الله القدرة على هلاكه فلا يكون الله إلها ، والمفروض انه إله ، فيكون قادرا على هلاك المسيح.

٣٨

ورب قائل يقول : ان هذه الآية لا تصلح ردا على النصارى فضلا عن انها من أصدق الأدلة ، لأنها دعوى مجردة عن الدليل .. فللنصارى أن يقولوا : ان الله لا يقدر على هلاك المسيح ، ولا المسيح يقدر على هلاك الله ، لأن كلا منهما إله؟.

الجواب : ان المسيحيين متفقون قولا واحدا على أن اليهود قد صلبوا المسيح وآذوه وأماتوه وقبروه تحت الأرض ، وعلى ذلك نصت أناجيلهم ، منها ما جاء في إنجيل متى إصحاح ٢٧ رقم ٥٠ : «وصرخ أيضا يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح». وما جاء في إنجيل لوقا إصحاح ٢٣ رقم ٤٦ : «ونادى يسوع بصوت عظيم قائلا يا أبت في يدك استودع روحي ولما قال هذا أسلم الروح». وما جاء في إنجيل يوحنا إصحاح ١٩ رقم ٣٣ و ٣٤ «واما اليسوع فلما انتهوا اليه ورأوه قد مات لم يكسروا ساقيه ، ولكن واحدا من الجند فتح جنبه بحربة ، فخرج للوقت دم وماء» أي خرج من جنب المسيح بعد موته .. وإذا كان اليهود قد أهلكوا المسيح فبالأولى أن يقدر الله على هلاكه وهلاك أمه.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ). ان قولهم هذا تماما كقولهم الذي حكاه الله عنهم في الآية ١١١ من سورة البقرة : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى). وتجد تفسير هذه الآية في ج ١ من هذا التفسير ص ١٧٧ و ١٧٨ .. وتجدر الاشارة الى عقيدة الإسلام التي تقول : لا فضل لإنسان على انسان إلا بالتقوى ، وان النطق بكلمة الإسلام من حيث هو ليس بشيء إلا مع العمل الصالح.

(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ). وتسأل : ان هذا لا يصلح جوابا لليهود والنصارى عن زعمهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه ، لأن لهم أن يقولوا : ان الله لا يعذبنا في الآخرة ، وإذا لم يكن لديهم دليل محسوس على عدم عذابهم في الآخرة فلا دليل محسوس أيضا على عذابهم في ذلك اليوم؟.

الجواب : ان المراد بالعذاب ما يعم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .. والله سبحانه قد عذب اليهود في الدنيا على يد الفراعنة ، وبخت نصر والرومان وغيرهم. (انظر ج ١ من هذا التفسير ص ٩١). أما عذاب النصارى فهو أدهى وأمر ،

٣٩

لأنه في الدنيا كان بمحاربة بعضهم بعضا ، وتنكيل بعضهم ببعض .. وبديهة ان الأب لا يعذب أبناءه ، والمحب لا يعذب أحباءه.

أما الدليل على عذابهم في الآخرة فقد أشار اليه سبحانه بقوله : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ) لا تمتازون عن غيركم في شيء .. كل الناس من آدم ، وآدم من تراب كما قال رسول الله (ص). (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ممن يراه أهلا لمغفرته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن يراه مستحقا لعذابه ، وليس لأحد أن يفرض عليه الغفران ، أو يمنعه من العذاب.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما). لأنه خالق الكون ، ومن كان كذلك فهو غني عن الأبناء والأحباء. (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). وهناك يعلم اليهود والنصارى انهم أبغض عباد الله لله ، وأكثرهم عذابا على افترائهم الكذب بأنهم أبناء الله وأحباؤه.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ). أي بعد انقطاع الوحي أمدا من الزمن ، واحتياج الناس الى الأنبياء والمرشدين ، قال الإمام علي (ع) : «بعثه والناس ضلّال في حيرة ، وخابطون في فتنة ، قد استهوتهم الأهواء ، واستزلتهم الكبرياء ، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء ، حيارى من زلزال في الأمر ، وبلاء من الجهل ، فبالغ (ص) في النصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا الى الحكمة والموعظة الحسنة».

(أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) ولم يترك الله لكم حجة ولا معذرة ، وهذه الآية بمعنى الآية ١٦٥ من سورة النساء : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ومر تفسيرها. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). يقدر على نصرة محمد (ص) ، وإعلاء كلمة الإسلام ، وان جحده اليهود والنصارى.

موسى وقومه الآة ٢٠ ـ ٢٦ :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ

٤٠