التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

وکم من قرة أهلنكناها الآية ٤ ـ ١٠ :

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))

اللغة :

يطلق البأس على الشجاعة والقوة ، وعلى الضرر والحرج ، يقال : لا بأس به أي لا ضرر ولا حرج به ، والمراد به هنا العذاب. والبيات الليل. وقائلون من القيلولة في النهار ، والمراد بالكلمتين ان الهلاك نزل بهم حين دعتهم واستراحتهم. فلنقصن أي نتلون. والوزن مقابلة أحد الشيئين بالآخر. ومعايش جمع معيشة ، وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب.

الإعراب :

كم في موضع رفع بالابتداء ، وجملة أهلكناها خبر. وقيل : ان بياتا مصدر في موضع الحال ، أي بائتين ، وهم قائلون عطف على بياتا أي بائتين أو قائلين ، والأرجح ان بياتا مفعول فيه لأنها بمعنى ليلا. ودعواهم اسم كان ، والمصدر

٣٠١

المنسبك من ان قالوا خبرها. وبعلم في موضع الحال أي عالمين. والوزن مبتدأ ، ويومئذ خبر ، والحق صفة للوزن. وبما كانوا ما مصدرية تسبك وما بعدها بمصدر مجرور بالباء متعلقا بخسروا ، أي خسروا أنفسهم بسبب ظلمهم. ومعايش مفعول جعلنا. وقليلا ما تشكرون قليلا صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي شكرا قليلا ، وما حرف لتأكيد القلة.

المعنى :

(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ). بعد أن أمر جل ذكره النبي الأكرم أن ينذر بالقرآن ، وأمر الناس أن يتبعوه ـ ذكّرهم في هذه الآية بمصارع الغابرين الذين أهلكهم الله بسبب اعراضهم عن ذكره وتكذيبهم لأنبيائه ، وانه تعالى أنزل العذاب بهم في الليل أو وقت القيلولة في النهار ، حيث الراحة والأمان ، ليكون العذاب أعظم وقعا عليهم ، وأشد تنكيلا بهم ، وقال كثير من المفسرين : ان قوم لوط جاءهم العذاب ليلا .. ولا أدري من أين جاءهم هذا العلم ، والله سبحانه يقول : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) ـ ٨١ هود.

وقال فريق من المفسرين : ان في الآية قلبا ، لأن الإهلاك يأتي بعد مجيء البأس ، ومن حق التعبير أن يكون هكذا : وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها .. وذكر الرازي لتأويل الآية ثلاثة أوجه ، وزاد الطبرسي رابعا. والصحيح انه لا يحب ترتيب الكلام حسب ترتيب المعنى في الواقع إذا كان الترتيب الواقعي واضحا ، ومعروفا للجميع ، كما هو في الآية ، والفاء كما تأني للتعقيب فإنها تأتي أيضا زائدة وفي صدر الكلام ومفسرة ، والبأس الذي دخلت الفاء على مجيئه مفسرة لنوع الإهلاك الذي حل بالمشركين.

(فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ). كان المشركون يهتفون باسم الأصنام ، وهم آمنون مطمئنون ، ولما رأوا العذاب تبرأوا من آلهتهم ، واتجهوا لله مقرين على أنفسهم بالكفر والشرك ، ولكن بعد أن انقطع التكليف ، وانسد باب التوبة.

٣٠٢

(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ). بعد أن أشار الى إهلاكهم في الدنيا أشار إلى أنهم يسألون في الآخرة ، ويسأل المرسلون اليهم ، ويشهدون عليهم (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) ولا يكتفي جل شأنه بسؤالهم وسؤال المرسلين اليهم ، بل هو أيضا يتلو عليهم كل شيء قالوه وفعلوه : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ـ ٦ المجادلة. والقصد من ذلك ان تشتد بهم المحنة ، ويشعروا بنقمة الله وغضبه عليهم جزاء على عصيانهم وتمردهم.

ميزان الأعمال :

(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ). كثر الكلام حول حقيقة الميزان الذي يزن الله فيه أعمال الناس ، حتى ان بعضهم قال : ان لهذا الميزان لسانا وكفتين .. والذي نفهمه من هذا الميزان ـ والله أعلم بمراده ـ انه المقياس الذي يميز الطائع من العاصي ، والخبيث من الطيب ، وهذا المقياس هو أمر الله ونهيه ، فإذا جاء أوان الحساب ينظر إلى ما فعل الإنسان وما ترك ، ويقارن بينهما وبين أمره ونهيه تعالى ، فإذا انطبق فعله وتركه على أمر الله ونهيه فهو من الذين ثقلت موازينهم ، وكان عند الله من المفلحين والراجحين ، وإلا فهو من الذين ثقلت موازينهم ، وكان من الظالمين الخاسرين أنفسهم بعذاب الحريق.

وبتعبير ثان : ان لكل شيء في هذه الحياة أصولا ، وضوابط علما كان أو أدبا أو فنا أو غير ذلك ، وبها يتميز الشيء عن غيره ، بل ويعرف جيده من رديئه ، وتسمى تلك الأصول والضوابط ميزانا ومقياسا ومنهاجا وحكما ، وكذلك الحساب في الآخرة له أصول وضوابط ، أو أطلق القرآن عليها كلمة الميزان ، وكلمة الصراط ، وهذه الأصول والضوابط ، أو الميزان لأعمال الناس وأهدافهم هو أمر الله ونهيه ، فشأنهما في محاكمة الإنسان غدا كشأن الفقه والقانون في محاكمة المدعى عليه في هذه الحياة.

(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) وهم الذين محصت أعمالهم على أساس أوامر القرآن ونواهيه فجاءت كاملة وافية (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لأنهم لم يعثروا في الامتحان

٣٠٣

(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وهم الذين ظهر البعد والتباين بين أعمالهم ، وبين أحكام الله وتعاليمه (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ). قال كثير من المفسرين: ان المراد بالظلم هنا الكفر ، والصحيح انه التكذيب بآيات الله مطلقا ، كما هو ظاهر الآية ، سواء أدلت تلك الآيات على وحدانية الله ، أم على رسالة رسله ، أم البعث ، أم على حلاله وحرامه.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ). بعد أن أمر سبحانه المشركين بقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وخوفهم من عذاب الدنيا بقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ومن عذاب الآخرة بقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) بعد هذا كله ذكرهم سبحانه بنعمه عليهم ، وانه هو الذي مكنهم في هذه الأرض ، وأعطاهم القدرة على تطويعها واستخدامها في مصالحهم ، قال أحد المفسرين الجدد :

لو لا تمكين الله للإنسان في هذه الأرض ما استطاع هذا المخلوق الضعيف أن يقهر الطبيعة .. وإلا كيف يمضي ، والقوى الكونية الهائلة تعاكس اتجاهه ، وهي بزعم الملحدين والماديين التي تصرف نفسها بنفسها ، ولا سلطان وراء سلطانها.

ولقد خلقناكم الآة ١١ ـ ١٨ :

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)

٣٠٤

قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))

اللغة :

الهبوط الانحدار والسقوط. والصغار الذلة والهوان ، والصاغر الذليل. والإنظار والإمهال والتأخير والتأجيل بمعنى واحد. وذأم الشيء عابه ، والذام والذيم أشد العيب. والمدحور المطرود.

الاعراب :

ما منعك ما استفهام انكاري ، ومحلها الرفع بالابتداء ، وجملة منعك خبر. وان لا تسجد لا زائدة ، والمصدر المنسبك من أن والفعل مجرور بمن محذوفة ، والتقدير ما منعك من السجود؟ وقيل : صراطك منصوب بنزع الخافض ، أي لأقعدن لهم على صراطك. ومذؤوما حال ، ومدحورا مثله. لمن اتبعك اللام للابتداء ، ومن شرطية مبتدأ ، ولأملأن اللام واقعة في جواب قسم محذوف واملأن جواب القسم ، وسادة مسد جواب الشرط ، وهو من ، والجملة من القسم والجواب خبر المبتدأ.

حول أصل الإنسان :

(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ). الخطاب لبني آدم ، ومعنى خلقناكم انه جل

٣٠٥

ثناؤه أنشأ أصلنا الأول من تراب ، وأنشأنا نحن من النطفة التي تنتهي إلى التراب ، والمراد بصورناكم انه جعل المادة الأولى التي خلقنا منها بشرا سويا على الهيئة التي هو عليه : (أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ـ ٣٧ الكهف ، فالفرق بين الخلق والتصوير ان خلق الشيء معناه إيجاده وانشاؤه ، أما التصوير فهو إعطاء الشيء صورة خاصة بعد إيجاده.

وتسأل : ان أتباع دارون يقولون : إن الإنسان وجد أول ما وجد على غير صورته هذه ، ثم انتقل من نوع إلى نوع ، حتى انتهى إلى ما هو عليه الآن؟ الجواب : نحن مع الدليل العلمي الذي لا يقبل الشك ، والاحتمال المضاد ، لأنه متى طرأ الاحتمال بطل الاستدلال ، وهذه حقيقة يقينية بديهية ، لا ينكرها حتى التجريبيون الذين حصروا مصدر المعرفة بالخبرة الحسية .. وأهم الأدلة التي اعتمدها أصحاب نظرية النشوء والارتقاء هي الحفريات ، حيث كشفت عن وجود أنواع من الحيوان بعضها أرقى من بعض ، وان زمن الأرقى متأخر عن زمن الأدنى ، وان بينها وبين الإنسان شبها في كثير من المزايا.

ونحن لا ننكر هذه الكشوف ، ولكنها لا تثبت نظرية دارون ، لأنها لا تحتم أن يكون الأرقى متطورا من الأدنى في يقين لا يقبل الشك ، بل لا يجوز ذلك ويجوز أن يكون كل من الأرقى والأدنى نوعا مستقلا بذاته عن الآخر أوجدته ظروف ملائمة له ، ثم انقرض حين تغيرت ظروفه ، كما انقرض غيره من أنواع الحيوان والنبات .. وإذا جاز الأمران ، فالأخذ بأحدهما دون الآخر تحكّم.

وقرأت فيما قرأت ان كثيرا من العلماء ، وفيهم الملحدون ، كانوا يؤمنون بالنظرية الداروينية ، ولما تقدموا في ميدان العلم عدلوا عنها ، لما ذكرنا ، ولأن في الإنسان خصائص عقلية وروحية تجعله مستقلا عن جميع المخلوقات وأنواعها.

(ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). تقدم نظيره في الآية ٣٤ سورة البقرة ج ١ ص ٨٢.

(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ). ولا هنا زائدة ، ويدل على زيادتها سقوطها من الآية ٧٥ من سورة ص : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ولأن المعنى لا يستقيم مع وجودها اللهم إلا أن تكون

٣٠٦

كلمة منعك متضمنة معنى حملك ، ويكون تأويل الكلام هكذا : ما حملك على ترك السجود ، والمراد بالسجود سجود التحية ، لا سجود العبادة ، وهو طاعة لله تعالى ، لأنه بأمره.

(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). وما فعل إبليس فعلة إلا ابتدع لها مبررا ، والشرط الأساسي لكل مبرر في منطقه أن يخالف إرادة الله ومرضاته ، هذا هو الأصل الأول الذي يعتمده إبليس في جميع أقواله وأفعاله .. يجتهد الفقيه في البحث ليهتدي الى ما شرع الله من أحكام ، أما إبليس فيشرع أحكاما ترتكز على قال الله .. وأقول .. أمره الله بالسجود لآدم فرفض ولم يعتذر ، بل اعترض بجرأة وصلافة ، وقال : كيف اسجد لمن أنا خير منه؟! وكأنه يقول لله تعالى علوا كبيرا : كان الأولى ان تأمر آدم بالسجود لي ، دون أن تأمرني بالسجود له .. وابتدع مبررا لهذه الأولية ، وهو افتخاره بخلقه ، وتعصبه لأصله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

فالعزة والكرامة في منطق إبليس بالتعصب للأصل ، لا بتقوى الله وطاعته ، وعند الله بالفعل والتقوى ، لا بالأصل ، والعلم عند إبليس هو القياس والأهواء ، وعند الله هو الوحي وحكم العقل الذي لا يختلف فيه اثنان لبداهته ووضوحه. فمن تعصب لأصله ، أو قاس الدين برأيه فقد اقتدى بإبليس ، من حيث يريد أو لا يريد ، قال صاحب تفسير المنار : روي عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده ان رسول الله (ص) قال : أول من قال قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال الله تعالى له : اسجد لآدم ، فقال : أنا خير منه الخ. ثم قال جعفر : فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة إبليس.

وتسأل : تدل هذه الآية على ان الحياة توجد من النار ، ومثلها الآية ١٥ من سورة الرحمن : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ). المارج الشعلة ذات اللهب الشديد .. وكيف يجتمع هذا مع قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)؟.

الجواب : ان الكائنات الحية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم على أنواع ، منها عالم الملائكة ، ومنها عالم الجان ، ومنها ما يعيش في هذه الأرض ، وهذا

٣٠٧

النوع الثالث منه ما يحيا بالماء كالحيوان والنبات والإنسان ، وهو المقصود من التعميم بقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ومنه ما يحيا بالنار .. وبكلمة ان الماء ضرورة لحياة الإنسان ـ بموجب طبعه وتكوينه ـ وكذلك سائر أفراد الحيوان وأنواعه ، والنبات وأصنافه ، وهذا لا يمنع أن يكون هناك مخلوقات تكون النار ضرورة لحياتها ، قال أهل الاختصاص بعلم الحشرات : ان نوعا منها لا يحيا إلا بالهواء السام ، وآبار البترول.

(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ). قيل : ضمير منها يعود الى الجنة. وقيل : إلى السماء .. ونحن لا نهتم بالتفاصيل إذا لم يرد لها ذكر في الكتاب أو السنة ، ونكتفي بالإجمال ، وسياق الكلام يدل على ان الضمير يعود الى الدرجة الرفيعة عند الله ، والمعنى ان الله سبحانه طرد إبليس من رحمته الى لعنته جزاء على تكبره وامتناعه عن طاعته ، فان السجود لآدم بأمر الله هو طاعة لله ، وليس لآدم .. وكل من يرى لنفسه الحق في ان يرفض حكم الله فقد حقت عليه اللعنة الى يوم الدين.

(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). لحاجة في نفس إبليس ـ سيصرح بها ـ طلب الامهال إلى يوم يبعثون قال ـ تعالى ـ (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ). قيل : ان إبليس طلب الامهال الى اليوم الذي تحيا فيه جميع الأموات للحساب والجزاء ، فرفض الله طلبه هذا ، وأمهله الى اليوم الذي تموت فيه جميع الأحياء ، وهو المشار اليه بالآية ٣٨ من الحجر : (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهذا اليوم هو ساعة النفخ في الصور الذي دلت عليه الآية ٦٨ من الزمر : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).

(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ). قطع إبليس عهدا على نفسه انه سينتقم لمأساته من هذا المخلوق الذي كان السبب لطرده من رحمة الله الى لعنته ، وبيّن نوع هذا الانتقام بأنه سيقعد على الطريق المؤدية الى الله وطاعته ، ويصد عنها آدم وذريته.

(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ). وإتيانه لهم من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته ،

٣٠٨

وجده في اضلالهم واغوائهم ، بحيث لا يدع معصية إلا أغراهم بها ، ولا طاعة إلا ثبطهم عنها .. فان أمرهم الله بالجهاد والتضحية بالنفس حبب إبليس اليهم الحياة ، وان حثهم سبحانه على بذل المال في سبيله خوّفهم اللعين من الفقر ، وان نهاهم الجليل عن الخمر والزنا والميسر ونحوه زيّن لهم الخبيث الملذات وحب الشهوات ، وان توعدهم الله بالنار ، ووعدهم بالجنة قال لهم عدو الله وعدوهم : لا جنة ولا نار .. وهكذا يعد لكل حق باطلا ، ولكل قائم مائلا .. وتنطبق هذه الصورة كل الانطباق على الذين باعوا دينهم للشيطان ، يبررون أعمال المستعمرين ، وقتل النساء والأطفال ، وتشريد الآمنين من ديارهم.

(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً). الذأم العيب والاحتقار ، والدحر الطرد ، وقد خص الله بهما إبليس ، حيث أنزله الله سبحانه من المقام الذي كان فيه ، أما جهنم فإنها له ولحزبه الذين أطاعوه ، وعصوا أمر الله (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) ونحو هذه الآية قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).

وهنا تساؤلات تطلب أجوبتها ، وهي أولا : هل كان خطاب الله لإبليس بواسطة أو بلا واسطة؟ ثانيا : ان قول إبليس : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) يدل على ان إغواءه كان من الله ، فكيف يعاقبه عليه؟ ثالثا : لما ذا أمهل سبحانه إبليس وهو يعلم فساده وإفساده؟.

ونجيب عن هذه التساؤلات الثلاثة بايجاز شديد .. فعن التساؤل الأول : نحن نؤمن بوجود هذا الحوار ، لأن الوحي دل عليه ، والعقل لا يأباه ، وما علينا أن نبحث عن هيئته وكيفيته ، ما دام الوحي لم يصرح به.

وعن التساؤل الثاني : ان الغواية من إبليس ، وليست من الله تعالى ، وقد اعترف إبليس بنفسه على انه هو الغاوي في الآية ٣٩ من الحجر : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). وكيف يغوي الله العبد ، ثم يعاقبه على الغواية؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، أما قول إبليس : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) فمعناه بما امتحنتني به من الأمر بالسجود لآدم الذي أوقعني في الغي والعصيان فاني سأفعل كذا وكيت .. وبكلمة ان قول إبليس هذا هو تعبير ثان عن قوله :

٣٠٩

لأنك أمرتني وعصيت أمرك فسوف لا أدع أحدا يطيع لك أمرا.

وعن التساؤل الثالث : ان مشيئة الله اقتضت أن يمد الإنسان بالعقل والتذكير على أيدي الرسل ، وبالقدرة على فعل الخير والشر ، وأن يدع له الخيار ، وأن يبتليه بالشهوات والمغريات التي يوسوس بها إبليس وجنوده تمييزا للطيب من الخبيث ، والمخلص من الخائن .. أنظر تفسير الآية ٩٤ من المائدة ، فقرة معنى الاختبار من الله ، والمجلد الثاني من تفسيرنا هذا ص ٣٢٤ ، فقرة قرين الشيطان.

ويا آدم اسكن وزوجتك الآية ١٩ ـ ٢٥ :

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥))

٣١٠

اللغة :

الوسوسة الصوت الخفي ، وقد يكون المراد بها هنا ما يجده الإنسان في نفسه من الخواطر الضارة. وووري الشيء غطي وستر. والسوءة ما يسوء الإنسان ، والمراد بها هنا العورة ، حيث يسوؤه ظهورها. وقاسمهما أي أقسم لهما. ودلاهما استنزلهما. والغرور الخداع بالباطل. وطفقا أخذا وشرعا. ويخصفان أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة ، من قولهم خصف الاسكافي النعل.

الإعراب :

فتكونا يجوز الجزم عطفا على لا تقربا ، والنصب بأن مضمرة بعد الفاء. والمصدر المنسبك من أن تكونا مجرور بإضافة مفعول لأجله محذوف ، أي ما نهاكما الا مخافة كونكما ملكين. تلكما المشار اليه الشجرة ، والمخاطب بالاشارة اثنان ، ولذلك ثنى حرف الخطاب. وبعضكم مبتدأ وعدو خبر ، ولبعض متعلق بعدو. ولكم في الأرض مستقر مبتدأ وخبر.

المعنى :

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ). مر تفسيره مفصلا عند الآية ٣٥ من سورة البقرة ج ١ ص ٨٤.

(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما). ووري من المواراة أي الستر ، والسوءة العورة ، وعنهما أي لا يرى أحدهما عورته ، ولا عورة الآخر ، أما وسوسة الشيطان فلا ندري كيف كانت ، ولكنا نؤمن بأن أي خاطر أو قول أو عمل يقف في طريق الحياة وتقدمها فهو من وحي الشيطان .. ومهما يكن ، فان الشيطان أظهر النصح لآدم وحواء ، وأبطن الغدر ، ويوحي ظاهر الآية بأن إبليس كان يعلم ان من أكل من هذه الشجرة تبدو عورته ،

٣١١

وان من بدت عورته يطرد من الجنة ، ومن أجل هذا احتال لاخراجهما من الجنة ، (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ). عكس اللعين الآية رأسا على عقب .. فحلف انه لهما من الناصحين ، وهو العدو اللدود ، وحلف انهما إذا أكلا من الشجرة يكونان من الخالدين ، وهو على علم اليقين ان عاقبة الأكل هو الطرد والشقاء والموت .. وهكذا يفعل شياطين الإنس يوهمون البسطاء بأن السراب ماء ، والماء سراب.

(فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) دلاهما من التدلية ، أي اسقطهما ، والغرور الخداع بالباطل ، والمعنى ان الشيطان بعد أن حلف لآدم وحواء انه ناصح أمين استجابا لاغرائه ظنا منهما انه لا أحد يجرأ على الحلف بالله كاذبا ، لأن اللعين هو أول من تجرأ على اليمين الكاذبة ، كما انه أول من تعصب لأصله ، وقاس برأيه (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ). طفقا شرعا ، ويخصفان يضعان ، والمعنى حين أكلا من الشجرة ظهرت لكل واحد منهما عورته وعورة صاحبه ، وكانت من قبل في حجاب ، فخجلا ، وشعرا بالحاجة إلى سترها ، فشرعا يجمعان من ورق شجر الجنة ، ويضعانه على العورة.

(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ). هذا تقريع من الله لآدم وزوجه على اغترارهما بقول إبليس ، وضعفهما تجاه اغوائه وإغرائه ، وفي الوقت نفسه فيه تنبيه إلى وجوب التوبة والانابة ، ولذا سارعا إلى الاعتراف بالذنب وطلب الاستغفار (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). وقد غفر الله ورحم بدليل الآية ٣٧ من سورة البقرة : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ). الخطاب في اهبطوا لآدم وزوجه وإبليس ، والمراد ببعضكم إبليس وقبيله ، وببعض آدم وذريته ، وسبب هذا العداء هو إبليس ، لأنه تعمد إغواء الإنسان وإفساده انتقاما منه لمأساته ، أما الإنسان فانه لا يرى إبليس كي يناله بأذى ، قال تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ

٣١٢

مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ـ ٢٧ الأعراف. وقال : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ـ ٦ فاطر.

(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ). وهكذا كتب الله علينا ، بعد أن كان من آدم ما كان ، ان نحيا ونموت في هذه الأرض ، ثم نخرج منها للحساب والجزاء بعد الذي قاسيناه من الشقاء والعناء.

قصة آدم كما هي في القرآن :

ذكر الله سبحانه قصة آدم في الآية ٣٣ وما بعدها من سورة البقرة ، وفي الآية ١٨ وما بعدها من سورة الأعراف ، وفي الآية ١١٥ وما بعدها من سورة طه ، وتتلخص القصة كما جاءت في هذه الآيات :

بأن الله جلت عظمته أنبأ ملائكته انه سينشئ خلقا في هذه الأرض ، يمشون في مناكبها ، ويأكلون من رزقه ، وان الملائكة قالوا له : كيف تجعل في الأرض من يفسدون ويسفكون الدماء تنافسا على خيراتها ، ونحن دائبون على العبادة لك؟! فأجابهم سبحانه بما اطمأنت له قلوبهم ، وطلب منهم أن يسجدوا لآدم إذا سواه بشرا. وبعد أن خلقه من تراب ، وأعطاه الصورة النهائية أقبل الملائكة على آدم معظمين له وساجدين إلا إبليس جهر بالعصيان ، وأعلن التمرد.

ولما سأله الله قال : أنا خير منه عنصرا .. فجازاه الله بالطرد واللعنة .. وعلّم سبحانه آدم أسماء الكائنات كلها ، وكانت الملائكة تجهلها ، فأمر الله آدم أن ينبئهم بها بيانا لفضله ، وإظهارا لحكمة استخلافه في الأرض ، فأخبرهم آدم بما كانوا يجهلون ، وحينئذ تبينوا فضله ، وأدركوا حكمة الله في خلقه.

وجعل الله لآدم زوجة من جنسه ، وأسكنهما جنة من نعيمه ، وأطلق لهما العنان في اجتناء ما يريدون من ثمارها ، ونهاهما عن شجرة واحدة من أشجارها ، وضمن لهما إذا هما امتثلا أن لا يجوعا ولا يظمئا ولا يعريا ، ثم حذرهما من إبليس واغوائه .. وعز على اللعين أن يشقى هو ، وينعم الذي كان السبب لشقائه

٣١٣

وطرده من رحمة الله ، فدلف إلى الجنة ، وجدّ في استمالة آدم وزوجه ، فافتتنا بزخرف قوله وزلا باغوائه ، وكان عليهما لباس يواري عورتهما لا يرانها من أنفسهما ، ولا أحدهما من الآخر .. ولما أكلا من ثمر الشجرة تهافت اللباس عنهما وظهرت العورة منهما ، فبادرا إلى سترها بورق الجنة.

فناداهما الجليل معاتبا ومؤنبا على اغفال نصيحته ، ونسيان تحذيره من إبليس ، فتضرعا اليه بالاعتراف والندم ، وطلبا الرحمة والمغفرة ، فرحم وغفر ، ولكنه طردهما من نعيم ما كانا فيه ، وأسكنهما هذه الأرض التي جعل فيها طريقين : هدى وضلالا ، ووعد من اتبع هداه بالجنة ، وتوعد من ضل بالنار ، وأنبأ آدم وذريته بأن العداوة بينهم وبين إبليس ستظل قائمة إلى آخر يوم ، وحذرهم من فتنته وغوايته.

هذا تلخيص ما في القرآن لقصة آدم وزوجه ، والناس فيها على قولين : بين جاحدين بالوحي ، وبين مؤمنين به ، وهؤلاء على فئتين : فئة تجاوزت ظاهر النص القرآني ، واعتمدت الاسرائيليات في تفسير جنة آدم وغيرها ، وان هذه الجنة كانت في الدنيا ، وتسمى جنة عدن ، وان الشجرة التي أكل منها آدم وحواء هي شجرة الحنطة ، وانهما سترا سوءاتهما بورق التين ، وان إبليس دخل الجنة ، وهو في جوف حية ، إلى غير ذلك مما لا حديث فيه ، ولا وحي .. وفئة شطحت الى ما وراء الحس ، وفسرت الشجرة بالامتحان ، والشيطان بالشهوة ، والسوءة بالرذيلة ، إلى غير ذلك من فراسة الصوفية وأذواقهم.

ونحن نقف موقفا وسطا بين الفئتين ، فنؤمن اجمالا بما أوحى به ظاهر النص من ان الشجرة والسوءة والورق ، كل ذلك كان من الكائنات الحسية ، لأنها هي المدلول الحقيقي للّفظ ، ولا موجب للتأويل ، ما دام العقل يتقبل المعنى الظاهر ، ولا يرفضه .. ولا نتحدث عن حقيقة جنة آدم ، وانها كانت في هذه الدنيا أو في غيرها ، ولا عن نوع الورق الذي ستر به آدم وحواء عورتيهما ولا عن شخص الشجرة ، ولا كيف دلف إبليس الى الجنة ، لأن هذه التفاصيل من علم الغيب ، ولم ينزل بها وحي والعقل يعجز عن إدراكها .. وعن الإمام أحمد انه قال : ثلاثة ليس لها أصل : التفسير والملاحم والمغازي يريد

٣١٤

التفسير بغير المعنى الظاهر من كلام الله تعالى ، لأنه من الذين يستدلون بهذا الظاهر في الأصول والفروع.

اللباس الحسي والمعنوي الآية ٢٦ ـ ٢٧ :

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))

اللغة :

المراد بالريش هنا ما كان فاخرا من اللباس والأثاث ، ومثله الرياش. والفتنة الابتلاء والاختبار. والقبيل الجماعة كالقبيلة.

الاعراب :

لباس التقوى مبتدأ أول ، وذلك مبتدأ ثان ، وخير خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول. لا يفتننكم مضارع مبني على الفتح لفظا لاتصاله بنون التوكيد ، ومحله الجزم لمكان لا الناهية. كما أخرج الكاف بمعنى مثل ، صفة لمفعول مطلق محذوف ، وما مصدرية ، والمصدر المنسبك مجرور باضافة مثل ، والتقدير لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم. وجملة ينزع عنهما حال من أبويكم.

٣١٥

المعنى :

ذكر سبحانه في الآية ١٤١ من الأنعام ما تفضل به على عباده من الطعام ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ). وذكر تعالى في الآية التي نحن بصددها ما أنعم به على عباده من اللباس ، فقال : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً). الخطاب لجميع بني آدم ، وأنزلنا عليكم ، أي أعطيناكم ، قال تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ). وقال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) .. قد امتن سبحانه على عباده بما أنعم عليهم من اللباس على اختلاف أنواعه ، من الأدنى الذي يواري السوءة إلى الريش ، وهو ما كان فاخرا من اللباس والأثاث (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) وهو الخوف من الله والعمل الصالح ، وأطلق اللباس على التقوى ، لأنها تقي صاحبها من عذاب الله ، كما يقي اللباس من الحر والبرد ، قال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) ـ ٨١ النحل (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي ان الله أعطاكم اللباس تفضلا منه لتعملوا بطاعته ، وتنتهوا عن معصيته.

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما). لا يفتننكم الشيطان أي لا تغفلوا عن فتنته وخداعه ، وينزع عنهما لباسهما ، أي كان الشيطان سببا لنزع اللباس عنهما ، وإظهار عورتيهما.

أشار سبحانه في الآية السابقة إلى عداوة الشيطان لآدم ، وكيف كاد له ، حتى أخرجه وزوجه من حياة الراحة والهناء إلى حياة التعب والعناء ، وفي هذه الآية حذر جل ذكره أبناء آدم أن يوقعهم الشيطان في شباكه وفتنته ، ويحملهم على معصية الله ، ليصدهم عن دخول الجنة ، كما خدع أبويهم من قبل ، وكان سببا لكشف عورتيهما ، وإخراجهما من الجنة .. وبديهة ان المنع من دخول الجنة أيسر من الإخراج منها بعد الدخول ، فان طرد المحتل أكثر صعوبة من صد من يحاول الاحتلال ، قال بعض الواعظين : ان ذنبا واحدا أخرج آدم من الجنة بعد أن دخلها آمنا ، فكيف يدخلها أبناؤه ، وقد تراكمت عليهم الذنوب.

٣١٦

(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ). يرانا الشيطان وجنوده ، ونحن لا نرى واحدا منهم ، بهذا خبر الوحي ، ونحن به من المؤمنين (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). تومئ هذه الجملة إلى جواب عن سؤال مقدر ، وتقرير السؤال : إذا كان الشيطان يرانا ولا نراه فمعنى هذا انه يقدر علينا ، ونعجز عنه ، وانه يستطيع اغتيالنا متى شاء ، ولا نستطيع التحفظ منه ، فكيف صح الأمر بالحذر منه ، والنهي عن الإصغاء اليه؟.

وتقرير الجواب بنحو من التفصيل : أجل ، نحن لا نرى الشيطان بشخصه ، ولكنا نحس بآثاره ، وهي وسوسته ان لا جنة ولا نار ، ونحو ذلك .. فمن آمن بالله واليوم الآخر يعرض عن هذه الوسوسة ، ولا يستجيب لها ، ويتعوذ منها وممن يوسوس بها ، فينقلب الشيطان عنه خاسئا خاسرا ، ومن كفر بالله واليوم الآخر يندفع مع هذه الوسوسة ، ويستولي الشيطان عليه ، فيقوده حيث شاء ، ومتى شاء ، وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أما المؤمنون فلا ولاية للشيطان عليهم ، لأنهم أسلموا قيادهم لله وحده : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).

وقال بعض المفسرين : ان الشياطين التي لا نراها هي المكروبات يحملها الذباب والبعوض إلى جسم الإنسان ، فتتوالد فيه وتنمو بسرعة ، وتسبّب الأمراض المستعصية .. وهذا تفسير لمراد الله تعالى بالحدس والتخمين .. وما هو من منهجنا في شيء.

واذا فعلوا فاحشة الآية ٢٨ ـ ٣٠ :

(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ

٣١٧

الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠))

اللغة :

الفاحشة المعصية الكبيرة ، والفعلة المتناهية في القبح. والقسط العدل.

الإعراب :

وأقيموا معطوف على معنى الأمر بالقسط ، أي أقسطوا وأقيموا. ومخلصين حال من واو ادعوه. والدين مفعول لمخلصين. كما بدأكم الكاف بمعنى مثل صفة لمحذوف ، أي تعودون عودا مثل بدئكم. فريقا هدى وفريقا حقّ ، الفريق الأول مفعول هدى ، والفريق الثاني مفعول أضل المحذوفة ، ودل السياق على الحذف.

المعنى :

(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ضمير فعلوا يعود إلى الذين لا يؤمنون المذكورين في آخر الآية السابقة ، وقال جماعة من المفسرين : ان المراد بالفاحشة ما كان يفعله عرب الجاهلية من الطواف بالبيت عراة نساء ورجالا. والصحيح انها تعم جميع المحرمات التي كانوا يقترفونها ، وإذا نهوا عنها (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) وفعل الآباء حجة ودليل عند المشركين وغيرهم ، حتى عند أكثر علماء الدين ، ولكنهم لا يشعرون .. أما زعم المشركين بأن الله أمرهم بالفاحشة فقد استدلوا عليه بما حكاه سبحانه عنهم في الآية ١٤٩ من سورة الأنعام : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا). ورد الله عليهم

٣١٨

هناك بقوله (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ). وفسرنا كلا من الزعم ودحضه.

أما هنا فقد رد عليهم سبحانه بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بل (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ـ ٢٦٨ البقرة. (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). وكل من قال من غير علم فهو مفتر كذاب ، وقد خاب من افترى.

(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) وهو العدل والاستقامة ، وقال الطبرسي : القسط اسم جامع لجميع الخيرات ، وأيا كان معنى القسط فان الأمر به يكذّب زعمهم بأن الله أمرهم بالفاحشة (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). المراد بأقيموا وجوهكم العبادة لله ، وكلمة المسجد اسم لمكان السجود وزمانه ، ولكن كثر استعمالها في البناء المعروف المختص بالعبادة ، حتى صار اسما لا يشاركه فيه سواه ، وليس المراد بكل مسجد جميع المساجد ، بل المراد مسجد من المساجد أيا كان (١) ، والمعنى ان الله يأمركم باقامة العبادة في أي مسجد اتفق ، على أن تخلصوا له في دينكم وعبادتكم (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) اليه يوم القيامة للحساب والجزاء ، وفي هذا تهديد وإنذار لمن يخالف ما أمر الله به من العدل واقامة العبادة والإخلاص.

(فَرِيقاً هَدى) وهم الذين اتخذوا الله وليا ، وامتثلوا أمره ونهيه ، ولم تخدعهم زخارف الشيطان وأباطيله (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، ذلك (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) في ارتكاب الفواحش ، وتقليد الآباء ، والافتراء على الله الكذب (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ـ ١٠٥ الكهف.

__________________

(١). للعموم معنيان : استغراقي مثل جاء كل رجال البلد ، اي لم يتخلف منهم احد ، وعموم بدلي مثل أريد رجلا من البلد أي ايّ رجل كان ، وكلمة كل وضعت للاستغراق ، وقد تستعمل للبدل كما في الآية.

٣١٩

يا بني آدم خذوا زينتكم الآية ٣١ ـ ٣٤ :

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))

الإعراب :

عند ظرف لخذوا. وكل على حذف مضاف أي قصد كل مسجد. ومن حرم مبتدأ وخبر. والطيبات عطف على زينة. وهي مبتدأ ، وللذين متعلق بمحذوف خبرا للمبتدإ ، والتقدير هي مستقرة للذين آمنوا. وخالصة حال من الضمير في الخبر المحذوف ، وهو مستقرة. ويجوز رفع خالصة على أن تكون خبرا لهي ، وللذين آمنوا متعلق بخالصة. وما ظهر وما بطن بدل من الفواحش.

المعنى :

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). قال المفسرون : كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة نساء ورجالا ، وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم

٣٢٠