التّفسير الكاشف - ج ٣

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٣

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٢٦

كافرين ، بل لم يكن لعيسى ويحيى نسل وذرية (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هذا المديح والثناء تمهيد لقوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). أي ان الهدى الذي يجب اتباعه هو ما جاء به الأنبياء ، ولا يتبع هذا الهدى إلا من شمله الله بلطفه وتوفيقه (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). أي ان هؤلاء الأنبياء على فضلهم وعظيم قدرهم لو صدر منهم أدنى شيء يشعر بالشرك لبطلت جميع أعمالهم ، وذهبت سدى ، والغرض من هذه الاشارة التنبيه إلى أن الله سبحانه يعامل الناس بأعمالهم لا بمناصبهم ، وبالنهاية التي عليها يموتون ، لا بالسابقة التي ابتدأوا بها حياتهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ). أولئك إشارة إلى من تقدم ذكرهم من الأنبياء ، والكتاب جنس يشمل جميع الكتب السماوية السابقة على القرآن ، كصحف ابراهيم والتوراة والزبور والإنجيل ، والمراد بالحكم معرفة القضاء وكل ما شرعه الله من الحلال والحرام (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ). هؤلاء ، إشارة إلى مشركي قريش الذين أنكروا نبوة محمد (ص) ، ونصبوا له العداء ، وضمير بها يعود إلى النبوة ، والمراد بالقوم الذين ليسوا بها بكافرين المهاجرون والأنصار الذين آمنوا بمحمد وناصروه.

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). أولئك إشارة إلى الأنبياء الذين تقدم ذكرهم ، وقد أمر الله نبيه الأكرم محمدا (ص) أن يسير على طريقهم في الدعوة إلى الحق ، والصبر على الأذى في سبيلها (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) لأن الدين لم يشرع للكسب والاتجار به (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) ضمير هو يعود إلى القرآن ، وفي الكلام دلالة واضحة على ان محمدا أرسل للناس كافة في كل زمان ومكان.

وما قدروا الله حتى قدره الآية ٩١ ـ ٩٧ :

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ

٢٢١

قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))

اللغة :

قدر الشيء بسكون الدال مبلغه ومقداره. وقراطيس جمع قرطاس ، وهو ما يكتب فيه من ورق وجلد وغيرهما. وأم القرى مكة.

الاعراب :

حق صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي وما قدروا الله قدرا حق قدره. وإذ في محل نصب بقدروا. ومن شيء من زائدة وشيء مفعول لأنزل. ونورا حال من الكتاب ، أي منيرا. وجملة أنزلناه صفة كتاب ، وكذا مبارك ومصدق. وأم القرى على حذف مضاف ، أي أهل ام القرى.

المعنى :

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ). تدل هذه الآية على انه كان في عهد رسول الله (ص) قوم ينكرون الوحي من الله على أحد من الناس : ويقولون ما بعث الله بشرا رسولا .. ولكن الله سبحانه

٢٢٢

لم يبين من الذين أنكروا وقالوا ذلك ، ومن أجل هذا اختلف المفسرون فيمن هو المعني بقوله تعالى : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) هل المراد بهم مشركو العرب أو يهود الحجاز؟.

قال فريق من المفسرين : انهم مشركو العرب. ويرد هذا القول أولا : ان الله أمر رسوله محمدا أن يواجه المنكرين بهذا السؤال : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ). وبديهة ان هذا السؤال انما يتجه لمن يعترف بنبوة موسى والتوراة ، والمعروف ان مشركي العرب لا يعترفون بموسى وتوراته ، وإلا كانوا من أهل الكتاب.

ثانيا : ان الله سبحانه وبّخ المنكرين بقوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً). أي انكم حرفتم التوراة ، فأبديتم ما يتفق مع أهوائكم ، وأخفيتم ما لا يتفق معها ، ومعلوم ان الذين حرفوا التوراة هم اليهود ، لا مشركو العرب.

وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن الذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء هم اليهود ، واستدلوا بأمرين : الأول ان الله أمر رسوله محمدا أن يرد على من قال هذا بنبوة موسى والتوراة .. وهو رد صحيح ومفحم ، ثم أكد هذا الرد بلفتهم الى تحريفهم التوراة ، وخاطبهم تعالى موبخا : (تَجْعَلُونَهُ) ـ أي كتاب التوراة ـ (قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً).

وهذا القول أقرب الى ظاهر الآية من القول الأول. (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ). هذا الخطاب موجه إلى اليهود أيضا ، والمعنى كيف تقولون ـ أيها اليهود ـ ما أنزل الله على بشر من شيء ، مع انكم تعتقدون ان موسى بشر ، وان التوراة نزلت عليه ، وقد علمتم منها ما كنتم تجهلونه من قبل أنتم وآباؤكم ، ومن ذلك انكم كنتم تقرءون في التوراة صفة محمد قبل مبعثه ، ولا تعرفون بالتفصيل من هو المقصود ، ولما بعثه الله ، وعرفتم انه هو المقصود بالذات حرفتم وحذفتم ما يدل عليه مكابرة وعنادا

قل الله. هذا جواب عن السؤال السابق ، وهو (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً). وهذا الجواب هو المتعين ، ولا مفر منه ، لأن

٢٢٣

اليهود يعترفون بأن التوراة من عند الله ، ومن أجل اعترافهم هذا تقوم الحجة والرد على قولهم : ما أنزل الله على بشر من شيء (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ). أي قل الحق ـ يا محمد ـ ودع اليهود في باطلهم ، ولا تهتم بعنادهم ومرائهم .. وفي هذا تهديد لهم ووعيد ، كما فيه استخفاف بهم واستهانة.

بعنادهم ومرائهم .. وفي هذا تهديد لهم ووعيد ، كما فيه استخفاف بهم واستهانة. وتسأل : ان اليهود يعترفون بنبوة موسى (ع) وانزال التوراة عليه ، كما قدمت ـ اذن ـ كيف نسب الله اليهم انكار الوحي والبعثة من الأساس؟.

الجواب : انهم أنكروا الوحي والبعثة في الظاهر ، دون الواقع عنادا ومكابرة لمحمد (ص) : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ـ ١٤ النمل.

أنبياء الله وعلماء الطبيعة :

وبالمناسبة نشير إلى أن أكثر علماء الطبيعة في هذا العصر ، أو الكثير منهم يؤمنون بوجود الله لأنهم رأوا ان هذا الكون الذي يتعاملون معه يسير وفقا لقوانين ثابتة وصريحة تتحكم به ، ولا تحيد عنه بحال ، ومن أجل هذا أمكن رصدها وقياسها والاستفادة منها ، وهذا يحتم وجود قوة عليا وراء الكون تهندس وتبني وهذه القوة هي الله.

وبتعبير ثان ليس من الضروري ليكون الإنسان عالما بوجود الشيء أن يجربه في المعمل ، ويراه رأي العين ، بل يكفي أن يعلم علما لا يتطرق اليه الشك والاحتمال ، سواء أجاءه هذا العلم والجزم من التجربة والعيان ، أم من الاستنتاج العقلي البديهي. وصاحب الفكر والنظر إذا تأمل هذا الكون تأملا علميا مجردا عن كل شائبة ينتهي حتما إلى العلم بوجود الله .. ولكن علماء الطبيعة الذين آمنوا بالله عن علم نفوا أن يكون له رسل من بني الإنسان يوحى اليهم ، وقالوا : ان الطبيعة وحدها هي كتاب الله ، وليس التوراة والإنجيل والقرآن.

ولست أشك ان هؤلاء العلماء لو أعطوا لدراسة القرآن قليلا من الوقت الذي أعطوه لدراسة الطبيعة لاقتنعوا بأن لله كتابين : الكون والوحي ، وانه لا غنى للإنسان بأحدهما عن الآخر ، فمن كتاب الكون يعلم ملكوت الله ، ويؤمن به ،

٢٢٤

ومن كتاب الوحي يعلم شريعة الله التي تنير له طريق الحياة ومدارج التقدم فيها ، وتجنبه المهالك والمشاكل التي تعرقل سيره إلى الأمام.

لقد خلق الإنسان ليعمل في هذه الحياة ، ولا بد لكل عامل من منهج يسير عليه في عمله ، لأن الفوضى لا تؤدي الى خير ، والله سبحانه خلق الإنسان ، ويعلم سره وجهره ، وقوته وضعفه ، وما ينفعه ويضره ، فيتحتم ، والحال هذه ، أن يكون هو المرجع الأول للمنهج الذي يجب أن يسير عليه في عمله ، تماما كما هو الشأن في مخترع السيارة والطائرة وغيرهما من الأدوات والآلات ، حيث يحتم الرجوع اليه في استعمالها وطريق الاستفادة منها ، لأنه أعلم بما يصلحها ويفسدها ، وليس من شك ان تبليغ المنهج الإلهي لعباده واعلامهم به ينحصر بالأنبياء والرسل ، لأنهم لسان الله وبيانه ، وهذا هو الوحي بالذات. ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا : الإسلام والعقل ، قسم النبوة والعقل.

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ). هذا ، اشارة الى القرآن الكريم ، والمعنى كما أنزلنا التوراة على موسى كذلك أنزلنا هذا القرآن على محمد (ص) ، وهو كثير النفع والفائدة لمن علم أحكامه وأسراره ، وعمل بها ، وهو أيضا يصدق الكتب السماوية التي نزلت من قبل على أنبياء الله. قال الإمام علي (ع) : تعلموا القرآن ، فانه أحسن الحديث ، وتفقهوا فيه ، فانه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره ، فانه شفاء الصدور ، وأحسنوا تلاوته ، فانه أحسن القصص.

(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها). وأم القرى هي مكة ، وسميت بذلك ، لأن فيها أول بيت وضع للناس لعبادة الله .. وزعم بعض المستشرقين ، ومن قبلهم اليهود ان محمدا (ص) أرسل للعرب فقط ، واحتجوا بهذه الآية ، وتجاهلوا الآية ١٠٧ الأنبياء : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ). والآية ٢٨ سبأ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). ومصدر القرآن واحد ، وكلامه يفسر بعضه بعضا ، وهاتان الآيتان بيان لقوله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) وان المراد به أن تبدأ دعوة الإسلام أول ما تبدأ في بلد صاحبها مكة ، حتى إذا صار لها أتباع وأنصار بشروا بها في أرجاء

٢٢٥

العالم ، كأية دعوة عامة تبتدئ ، حيث تولد ، ثم تنطلق الى سائر الأقطار.

هذا ، إلى أنه قد ثبت بطريق التواتر ان رسول الله (ص) قد كتب الى جميع الملوك والرؤساء يدعوهم الى الإسلام ، وفي طليعتهم كسرى ملك الفرس ، وقيصر امبراطور الروم ، والمستشرقون يعلمون ذلك ، ولكن البعض منهم يكتمون ما يعلمون.

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ). الضمير في (بِهِ) يعود الى القرآن .. وما قرأ القرآن أحد بتجرد وإمعان إلا خرج منه بشيء ، فإن كان مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر ازداد ايمانا ، وإن كان مؤمنا بالله فقط آمن بالوحي والبعث ، وان كان مؤمنا بالله والبعث دون الوحي آمن بالأنبياء والكتب المنزلة من السماء ، بخاصة نبوة محمد والقرآن ، وان كان كافرا بالله آمن به ، لأن القرآن يعرض الدلائل على ذلك ، ويحث على النظر فيها ، وهي بطبعها تؤدي بالباحث المنصف إلى العلم والإيمان (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ). ليكونوا على صلة دائمة وثيقة بالله .. وخص الصلاة بالذكر ، دون العبادات لأنها عمود الدين ، وقوام الإيمان ، ومن شأنها ان تردع المصلي الخاشع عن الفحشاء والمنكر.

الافتراء على الله الآة ٩٣ ـ ٩٤ :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ

٢٢٦

الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))

اللغة :

الغمرات جمع غمرة ، وهي الشدة. والهون بضم الهاء بمعنى الذل والهوان ، وبفتحها بمعنى اللين الهين.

الاعراب :

(افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً كَذِباً) مفعول مطلق مثل جلست قعودا. ومن قال سأنزل معطوف على ممن افترى ، أي وممن قال سأنزل. وإذ الظالمون إذ ظرف في محل نصب بترى ، والظالمون مبتدأ ، وفي غمرات متعلق بمحذوف خبرا للمبتدإ. والملائكة مبتدأ ، وباسطو أيديهم خبر. وجملة اخرجوا أنفسكم مفعول لقول محذوف ، أي يقولون اخرجوا. وفرادى حال من الواو في جئتمونا ، وهو ممنوع من الصرف تشبيها له بثلاث ورباع. وكما خلقناكم الكاف في كما بمعنى مثل في محل نصب صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي مجيئا مثل مجيئكم أول مرة. وتقطع فاعلها محذوف دل عليه سياق الكلام ، أي تقطع الوصل ، وبينكم ظرف منصوب بتقطع.

المعنى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً). وافتراء الكذب على الله أن يختلق عليه تعالى أشياء لا مصدر لها من كتاب الله ، أو سنة نبيه ، أو من العقل البديهي ، ويكون ذلك بأمور : منها أن يحلل ما حرم الله ، أو يحرم ما أحل ،

٢٢٧

ومنها أن يصف الله ـ متعمدا ـ بما ليس فيه ، أو يجعل له شركاء وأندادا ، وبنين وبنات ، ومنها أن يدعي النبوة وما هو بنبي ، واليه أشار سبحانه بقوله : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) وهي من باب عطف الخاص على العام ، ومثلها قوله سبحانه : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ). أي ان هذا اللعين يدعي القدرة على تأليف كتاب يضاهي القرآن في عظمته ، وقيل : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وقال آخر : بل هو النضر بن الحارث.

والخلاصة ان كل من نسب إلى الله شيئا ، دون أن يستند إلى قوله الله والرسول ، أو بديهة العقل فهو مفتر كذاب يستحق التوبيخ والعذاب.

(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ). غمرات الموت سكراته وآلامه ، واختلف المفسرون في المراد ببسط أيدي الملائكة : هل المراد به مدها حقيقة إلى الإنسان حين الاحتضار ، أو هو لمجرد التمثيل والكناية عن أهوال الموت؟ ونحن لا نرى مبررا لهذا النزاع ، لأن العقل لا ينفي وجود الملائكة ، ولا أن يكون لهم أيد يبسطونها ، وألسنة يتكلمون بها ، وقد ورد الوحي بذلك فيجب التصديق. وهذا الأصل يعتمد عليه جميع علماء المسلمين في اثبات العقيدة والشريعة.

(أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). هذا كله من كلام الملائكة يخاطبون به المفترين ساعة فراقهم لهذه الحياة ، وهو تأنيب وتوبيخ على افترائهم وتنكرهم للحق .. وفي الحديث : من مات فقد قامت قيامته. ومن هنا قال بعض العارفين : ان للإنسان قيامتين : صغرى ، وهي الموت ، وكبرى ، وهي البعث. وتوبيخ الملائكة لمن افترى على الله كذبا عند القيامة الصغرى إنذار له بما سيلاقيه من الأهوال في القيامة الكبرى. قال الإمام علي (ع) : الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة ، وفك قيود وأغلال إلى أفخر الثياب ، وآنس المنازل ، وهو للكافر كخلع ثياب فاخرة إلى أوسخها وأخشنها ، ومن المنازل الأنيسة إلى أوحشها وأعظم العذاب.

٢٢٨

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ). جئتمونا بصيغة الماضي ، ومعناها المستقبل ، أي تجيئوننا ، والمعنى ان الإنسان يلقى ربه غدا كما خرج من بطن أمه ، لا يحمل معه شيئا .. ويا حبذا لو دخل في جوف الأرض كما خرج منها ، لا له ولا عليه .. انه خرج منها ، لا سائلا ولا مسؤولا ، ويعود اليها مسؤولا عما قدمت يداه ، ولكن السائل ، والحمد لله ، عادل لا يظلم أحدا ، ويعامل كل واحد بما عامل الناس في حياته الأولى ان خيرا فخير ، وان شرا فشرّ.

واختلف القائلون بالحشر : هل يحشر الإنسان بروحه فقط ، أو بروحه وجسمه معا ، وظاهر قوله تعالى : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يدل على الحشر روحا وجسما ، لأنه خلق بهما معا : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ـ ١٠٤ الأنبياء.

(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ). يعود الإنسان الى الأرض تاركا الأهل والأصحاب ، والمال والسلطان. (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) لله كالأصنام والكواكب وغيرها مما كنتم تعبدون وتوالون من أهل الفساد والضلال. (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) ، أي لم تبق لكم أية صلة بشيء من أشياء الدنيا (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من الدعاوى الكاذبة للذين توهمتم انهم شركاء أو شفعاء عنده ، وخاب أملكم بعد أن تكشفت لكم الحقيقة .. والسعيد من فاز برضوان الله ومغفرته.

يخرج الحي من الميت الآية : ٩٥ ـ ٩٩ :

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ

٢٢٩

لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))

اللغة :

فلقه فلقا ، وفرقه فرقا ، وفتقه فتقا بمعنى واحد ، أي شقه شقا. والإصباح مصدر سمي به الصبح ، ومعنى فلقه أخرجه من الظلمات. والسكن المسكون فيه كالبيت مأخوذ من السكون ضد الحركة. والحسبان بضم الحاء لعد الأشياء والأوقات. والمستقر موضع القرار ، والمستودع موضع الوديعة. ومتراكب أي بعضه فوق بعض مأخوذ من الركوب كتراكب حبوب القمح والشعير في سنابلهما ، وحبوب الرمان والصنوبر في ثمارهما. والطلع أول ما يخرج من النخلة في اكمامه. وقنوان جمع قنو ، وهو العنقود من الثمر. ودانية قريبة سهلة التناول. والمشتبه والمتشابه بمعنى واحد ، وهو ان بعض النبات يشبه بعضا في اللون والطعم والصورة ، ومنه ما ليس كذلك. والينع النضج ، يقال : أينعت الثمرة إذا أدركت ونضجت.

٢٣٠

الاعراب :

الشمس مفعول أول لفعل محذوف ، وحسبانا مفعول ثان ، أي وجعل الشمس والقمر حسبانا ، ومستقر مبتدأ والخبر محذوف ، أي فمنها مستقر ، ومثله ومستودع. وضمير منه الأولى يعود الى النبات ، وضمير منه الثانية الى الخضر. ومتراكبا صفة للحب. ومن النخل متعلق بمحذوف خبرا لقنوان. ومن طلعها بدل من النخل بإعادة الخافض. ودانية صفة لقنوان. وجنات منصوبة عطفا على نبات كل شيء ، أي وأخرجنا جنات من أعناب. ومن أعناب متعلق بمحذوف صفة لجنات. والزيتون والرمان عطف على نبات ، أي وأخرجنا به الزيتون والرمان. ومشتبها حال من كل ما تقدم من النبات.

المعنى :

في هذه الآيات أمثلة من عجائب الخلق التي لا يملك صنعها إلا الله وحده ، ولا تنفك عن الدلالة على وجود الله وحده ، ولا تنفك عن الدلالة على وجود الله وعظمته ، وجاء ذكر الأمثلة على الترتيب التالي :

١ ـ (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى). إذا وضعت حبة من الحنطة ، أو نواة من نوى التمر في الأرض ـ مثلا ـ انفلقت كل من الحبة والنواة من أسفلها وأعلاها ، وخرج من الشق الأسفل عروق تهبط في الأرض ، ومن الشق الأعلى شجرة تمتد في الهواء ، ثم تذهب الحبة والنواة ، ويصير المجموع جسما واحدا ، بعضه في الأرض وبعضه في الهواء ، وليس من شك ان هذه العملية تستند مباشرة إلى أسبابها الطبيعية ، كالتربة والماء ، والشمس والهواء ، ولكنها تنتهي الى الله وحده ، لأنه خالق الطبيعة ، ومسبب الأسباب ، وموجد المادة الأولى بكلمة (كُنْ فَيَكُونُ).

من أين جاءت الحياة؟

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

٢٣١

لا غرابة أن يتولد من الكائن الحي حي مثله ، وأن ينفصل من الجماد جماد ، وإنما العجب أن يتولد الجماد من الحي ، وبالعكس. وقال قائل : إن الحياة تتولد من القوى الطبيعية.

ونسأل هذا القائل ، ومن الذي أوجد الطبيعة وقواها وتفاعلها؟ وإذا كان مجرد التفاعل كافيا وافيا لإيجاد الحياة ، دون أن تتدخل العناية الإلهية ، فلما ذا عجز علماء الطبيعة أن يصنعوا الحياة في معاملهم ، كما يصنعون أدوات المطبخ وما اليها مع انهم قد حاولوا وأوجدوا ألف تفاعل وتفاعل ، وبعد اليأس أعلنوا ان صنع الحياة أصعب منالا من رجوع الشيخ إلى صباه وطفولته.

ولنسلم جدلا انهم ينجحون في خلق خلية حية ، فهل ينجحون في صنع حشرة تعمل بنظام كما تعمل أتفه الحشرات؟ ولندع الإنسان ودماغ الإنسان ، والحيوان وعجائبه في خلقه ، ونضرب أمثلة من الحشرات التي ننفر منها ، ونستعمل المبيدات لها .. يقول المتخصصون بدراسة الحشرات :

إن بعضها يعيش في درجة ٥٠ مئوية تحت الصفر ، وبعضها يعيش هذه الدرجة فوق الصغر ، وبعضها يعيش في الهواء السام ، وبعضها في آبار البترول ، ولها نظم متقنة في حياتها وأعمالها ، وإذا اخترع الإنسان الصواريخ والأقمار الصناعية والعقول الألكترونية فمن المؤكد انه لا يستطيع أن يصنع في المعمل جناح بعوضة ، ولا خلية من جناحها ، فالعقل الانساني عظيم ، ولكن عظمته تصبح عجزا مطلقا أمام القدرة الهائلة التي خلقت بعوضة أو نملة أو نحلة!! وكل هذه بديهيات .. ولكن المصيبة الكبرى اننا ننسى فلا ننظر إلى ما في أعماقنا ، إلى مظهر من مظاهر القدرة الإلهية الحكيمة ، فإذا نظرنا ازددنا ايمانا بما هو أكبر ، ومن هو أكبر ، وكل ما نحتاج اليه هو الايمان ، وكل ما يحتاج اليه أيماننا هو العقل ، لأن الايمان بغير عقل كالوجه بلا عينين.

أجل ، نحن بحاجة إلى الايمان بقدرة الله لنفسر بها ما تعجز عن تفسيره عقول العباقرة .. وقد اعترفت هذه العقول بالعجز عن تفسير الحياة بالطبيعة ، والتجأ الكثيرون من أربابها إلى ما وراء الطبيعة ، إلى قدرة حكيمة عليمة يفسرون بها أصل الحياة (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ). قال اينشتين : ان بصيرتنا الدينية

٢٣٢

هي المنبع الموجه لبصيرتنا العلمية. وعلّق الأستاذ توفيق الحكيم على هذا في كتابه فن الأدب بقوله : هذا الاعتراف ولا شك كسب للدين ، فما من أحد فيما مضى ـ أي منذ قرن من الزمان ـ يتصور العلماء يقولون عن الدين مثل هذا القول.

ونعلق نحن على قول الحكيم بأن السر الوحيد لاعتراف علماء القرن العشرين من أمثال اينشتين بأن البصيرة الدينية هي الأصل والمنبع للبصيرة العلمية ، ان السر لهذا الاعتراف هو تقدم العلم في هذا القرن ، وتأخره فيما مضى ، وكلما تقدم العلم اكتسب الدين أنصارا من أمثال اينشتين يعترفون بعظمته ، ويؤمنون بأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). ذكر سبحانه في الآية المتقدمة مثالا على عظمته بوجود الحياة على الأرض ، وذكر في هذه الآية ثلاثة أمثلة سماوية : الأول انه تعالى أخرج الصبح من الليل ، وهو كناية عن وجود النهار الذي يسعى فيه الإنسان لرزقه وتدبير شئونه. الثاني انه تعالى أوجد الليل الذي يسكن فيه ، ويستريح من العمل بالنهار. الثالث انه سبحانه أوجد الشمس والقمر بمقدار مخصوص من السرعة والبطء بحيث يكون للأرض حركتان : حركة تتم في ٢٤ ساعة ، وعليها مدار حساب الأيام ، وحركة تتم في سنة ، وبها توجد الفصول الأربعة ، وعليها مدار حساب السنة ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) ـ ٥ يونس.

وتسأل : على هذا يكون وجود الليل والنهار نتيجة لدوران الأرض ، فما هو الوجه لاسنادها إلى الله؟.

الجواب : لأنه هو خالق السموات والأرض ، واليه تنتهي الأسباب بكاملها ، وعلى أية حال ، فان المقصود الأول من كل ما جاء في هذه الآيات انه لا شيء من أشياء الكون قد وجد صدفة وجزافا ، وإنما صدر عن عليم حكيم أعطى كل شيء خلقه ، وقدره تقديرا (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ

٢٣٣

فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). النجوم هنا ما عدا الشمس والقمر من النيرات ، كما يدل عليه سياق الكلام ، وفي كتاب : القرآن والعلم الحديث ، يقول حجة الفلك في العالم السير جيمس جيننز : انه إذا أردنا أن نعرف مكان بيت في المدينة فاننا نسأل عن اسم الشارع الذي يحتويه ، ثم رقمه ، فيقال رقم كذا بشارع كذا ، وكذلك الحال في النجوم ، فإن منها ما هو معروف بأسماء خاصة .. وهي أهم علامات يهتدي بها الملاح في سفينته ، والراكب في سيارته ، والمرتحل على دابته ، وكم قوافل في البحر سارت على خريطة السماء ومواقع النجوم عند ما تعطلت البوصلة.

٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ). والنفس التي نشأ الكل منها هي الإنسان الأول الذي تسلسل منه سائر الناس ، وهو آدم ، وتكلمنا على ذلك مفصلا عند تفسير الآية الأولى من سورة النساء. وذكر الرازي لتفسير قوله تعالى : فمستقر ومستودع ستة أقوال : وأكثر المفسرين على ان المستقر هو استقرار النطفة في أصلاب الذكور ، والمستودع جعلها في أرحام الإناث .. وليس في الآية ما يدل على هذا المعنى ، ولا على واحد من بقية المعاني التي نقلها الرازي.

ور وي عن الإمام جعفر الصادق (ع) انه قسّم المؤمن إلى قسمين : مؤمن إيمانا صادقا مستقرا حتى الموت ، وهو الذي تتفق أقواله مع أفعاله ، ومؤمن إيمانا متزلزلا ومستودعا يفارقه قبل الموت ، وهو الذي تخالف أقواله أفعاله (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ). ومن لا يفقه ويفهم هذه الدلائل الكونية على عظمة الخالق المبدع فهو من الذين عناهم الله بقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ). المطر مصدر الماء العذب ، ولولاه لأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة ، وأسند سبحانه انزال الماء اليه لأنه مسبب الأسباب ، منه تبتدئ ، واليه تنتهي مهما امتدت حلقاتها (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) ضمير منه يعود الى النبات ، والمراد بالخضر الغض والطراوة ، أي تتشعب من النبات أغصان غضة طرية.

٢٣٤

وقيل الخضر هنا بمعنى الأخضر (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) ضمير منه يعود الى الخضر ، أي يخرج من الأغصان سنابل كسنابل القمح ونحوها كثمر الرمان الذي يركب بعض حبوبه بعضا (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) طلعها بدل اشتمال من النخل بإعادة حرف الجر ، أي ونخرج من طلع النخل قنوانا ، والقنوان جمع قنو بالكسر ، وهو من النخل كالعنقود من العنب ، ودانية سهلة التناول ، أو ان بعضها قريب من بعض لكثرتها.

(وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ). أي ونخرج من النبات هذه الأصناف الثلاثة ، وذكرها سبحانه على سبيل المثال ، ومنها تعرف البواقي (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ان من النبات والشجر ما يشبه بعضه بعضا في الشكل والطعم ، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضا فيهما (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ).أي اعتبروا كيف يخرج الثمر أول ما يخرج صغيرا لا ينتفع به ، ثم ينتقل من حال إلى حال ، حتى يبلغ النضوج ، فيصير لذيذا نافعا (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). ليس المراد بقوم يؤمنون المؤمنون بالفعل فقط ، بل والذين يستجيبون لدعوة الايمان ، وينتفعون بالدلائل والبينات ، أما أصحاب القلوب المغلقة فيمرون بها مرور البهائم والسوائم.

والخلاصة ان المقصود الأول من هذه الأمثلة الأرضية والسماوية هو التنبه إلى أن أشياء هذا الكون ، وما فيها من إبداع وتدبير ـ محال أن تأتي صدفة وفلتة في نظر الفطرة والعقل ، فهما يحكمان حكما قاطعا بأن كل ما في الوجود قد صدر عن ارادة وتصميم ، ولحكمة بالغة يعرفها العالم والجاهل ولا شيء أدل على بطلان الصدفة ، كمبدأ ، من تكرار الحادثة الواحدة كلما تكرر سببها.

وجعلوا لله شركاء الآية ١٠٠ ـ ١٠٧ :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ

٢٣٥

لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧))

اللغة :

خرقوا له بنين أي ابتدعوا له كذبا. وبديع السموات والأرض خالقها على غير مثال سابق. والوكيل الحافظ. والإدراك اللحاق والوصول ، يقال : أدرك الغلام إذا بلغ ولحق الرجال ، وأدركته ببصري لحقه بصري. وبصائر جمع بصيرة ، ولها عدة معان ، والمراد بها هنا البينة والحجة التي يبصر بها الشيء على ما هو عليه. ونصرّف الآيات نأتي بها بأساليب شتى. ودرست أي قرأت وتعلمت.

الاعراب :

شركاء مفعول أول لجعلوا والجن مفعول ثان. وبغير علم متعلق بمحذوف حالا من الواو في خرقوا. وبديع السموات خبر لمبتدأ محذوف أي هو بديع

٢٣٦

السموات. وأنى بمعنى كيف ، وهي في محل نصب حالا من ولد ، ويكون تامة والفاعل ولد. وذلك مبتدأ والله بدل وربكم خبر ، وجملة لا إله إلا هو خبر ثان ، وخالق كل شيء خبر ثالث. وفلنفسه متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف ، أي فإبصاره كائن لنفسه ، ومثله فعليها أي فعماه كائن عليها. وكذلك الكاف بمعنى مثل في محل نصب صفة لمفعول مطلق محذوف ، أي نصرّف الآيات تصريفا مثل ذلك. وليقولوا : اللام للعاقبة أي ان أمرهم يصير الى هذا القول. ولنبينه اللام للتعليل ، وان مضمرة بعدها والمصدر المنسبك معطوف على المصدر المنسبك من ليقولوا أي للقول وللبيان.

المعنى :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ). المشركون على أنواع ، منهم من جعل الأصنام آلهة مع الله ، وآخرون أشركوا معه الكواكب ، ومنهم من عبد إبليس ، ومنهم من ألّه الظلمة ، وفريق جعلوا الجن شركاء لله ، والله سبحانه أخبر عن وجود الجن ، كما أخبر عن وجود الملائكة ، وانه خلقهم من مارج من نار ، وفي الآية التي نحن بصددها أخبر الله سبحانه عن الفريق الذين جعلوا الجن شركاء له جل ثناؤه ، ولكنه لم يبين نوع هذا الجن المعبود للمشركين : هل هو جن الوهم والخيال ، أو غيرهم ، ولأجل هذا اختلف المفسرون ، فمنهم من قال : انه إبليس. وقال آخر : هو الظلمة ، إلى غير ذلك مما لا يستند إلى أساس من علم.

وأيا كان ، فان الله قد رد على هؤلاء المشركين بكلمة واحدة هي : (وَخَلَقَهُمْ). وضمير خلقهم عائد الى الجن لأنه أقرب ، ويجوز الى المشركين واليهما معا ، لأن الله خالق الجن والانس ، والمعنى كيف يكون لله شركاء ، وهو خالق كل شيء.

(وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ). خرقوا أي اختلقوا وابتدعوا كذبا وافتراء .. قال مشركو العرب : الملائكة بنات الله. وقالت اليهود : عزير ابن الله. وقالت النصارى : المسيح ابن الله. وكل هذه الأقوال رجم بالغيب ،

٢٣٧

وزعم بلا علم (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) من المستحيلات عليه.

(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). أي خالقها على غير مثال سابق (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) ، من جنسه ، ولا من غير جنسه ، لأنه ليس كمثله شيء ، وهو الغني عن كل شيء ، وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٥٠ من سورة النساء (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ). والمخلوق لا يكون شريكا للخالق (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ومع هذا لا يعلم بأن له ولدا ، ولو كان لعلم به ، فعدم العلم بالشيء لا يدل على عدم وجوده واقعا بالنسبة الى غير الله ، أما بالنسبة اليه تعالى فان علمه لا ينفك عن وجود المعلوم.

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ). الخطاب موجه للمشركين ، والمعنى ان الله استجمع صفات الوحدانية ، وخلق الكون بما فيه ، وتدبير الأمور كلها فهو جدير بأن تفردوه بالعبادة ، ولا تشركوا معه أحدا من الأنداد ، ولا تنسبوا له الصاحبة والأولاد.

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ). تكلمنا عن رؤية الله مفصلا عند تفسير الآية ٥٥ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٧ (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) وغيرها ، لأنه بكل شيء محيط (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). لطيف بعباده ، خبير بأعمالهم ومقاصدهم.

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ). المراد بالبصائر هنا الدلائل والبينات على وجود الله ووحدانيته ، ومنها ما سبق ذكره تعالى فالق الحب والنوى ، وخالق الليل والنهار ، والناس من نفس واحدة ، ومنزل الماء الذي أحيا كل شيء .. واطلاق البصائر على الدلائل من باب اطلاق المسبب على السبب ، لأن البصائر جمع بصيرة : وهي الإدراك الحاصل بالقلب ، وهذا الإدراك ينشأ من الأدلة والبراهين.

(فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها). بعد أن أقام الدليل القاطع على الحق قال : من اتبعه فإلى نفسه أحسن : ومن خالفه فإليها أساء : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ـ ٧ الاسراء. (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) بل بشير ونذير ، والله وحده هو الوكيل والرقيب.

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). كان العرب

٢٣٨

في الجاهلية أمة أمية ، لا شيء عندهم من العلم ، ولما استمعوا الى القرآن ، ورأوا فيه من فنون البيان ، وأنواع الأدلة والبراهين الدامغة لهم ولما يقدسون ، ومع ذلك رفضوا الايمان والهداية ، لما كانت هذه حالهم لجأوا الى التعليلات الكاذبة ، وقالوا : يا محمد هذا القرآن الذي جئنا به قد درسته وتعلمته من غيرك ، وليس هو وحيا من الله.

وبهذا التمهيد يتبين معنا ان قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) معناه لقد أنزلنا في القرآن ألوانا من الدلائل والبينات بقصد أن يهتدي بها المشركون ، ويرجعوا عن غيهم ، فكانت عاقبة ذلك ان قالوا للنبي : انك درست هذه الآيات وتعلمتها من غيرك ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : (لِيَقُولُوا دَرَسْتَ). أما قوله : (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فمعناه اننا صرفنا الآيات في القرآن لينتفع بها الذين يعلمون معانيها ، فتقودهم الى الايمان بالحق ، أما أهل الجهالة والضلالة فلا رجاء بهدايتهم ، وغاية الأمر ان هذه الآيات تقطع معذرتهم ، وتكون حجة عليهم.

(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). هذا أمر من الله لنبيه الأكرم أن ينذر ويبشر بالقرآن ، ويداوم على ذلك ، ولا يبالي بجحود المشركين وتكذيبهم واستهزائهم .. وغريب قول من قال : ان هذه الآية منسوخة بآية القتال ، ان هذا القول غريب لأن الله سبحانه لم يأمر النبي (ص) بترك قتال المشركين في هذه الآية كي يقال : انها منسوخة بالآية الآمرة بقتالهم ، وانما أمره بمتابعة الدعوة الى الحق ، وعدم المبالاة بتكذيب المشركين .. وبديهة ان الأمر بمتابعة الدعوة مع عدم المبالاة شيء ، والأمر بالقتال شيء آخر .. وأول شرط للنسخ أن يتحد الموضوع.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا). أي انه تعالى لم يرد إلجاءهم الى الايمان ، وقهرهم على ترك الشرك بكلمة (كُنْ فَيَكُونُ) الذي خلق بها الكون ، ولو أراد ايمانهم بإرادته التكوينية هذه ما أشركوا. أنظر تفسير الآية ٢٦ من سورة البقرة ، فقرة التكوين والتشريع ج ١ ص ٧٢. (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ). الجملة الأولى والثانية بمعنى واحد ، أو متقاربتان في

٢٣٩

المعنى ، ولا نفهم أي غرض من ذلك سوى التأكيد ، بل وهذا التأكيد تأكيد أيضا لقوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) لأنه لو كان وكيلا وحفيظا عليهم لما جاز الاعراض عنهم : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ـ ٢٥ الغاشية.

لا تسبوا الآية ١٠٨ ـ ١١٠ :

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))

اللغة :

عدوا أي ظلما وعدوانا. والجهد بفتح الجيم المشقة ، والمراد به المبالغة ، وبضمها الطاقة. والعمه التردد والحيرة.

الإعراب :

عدوا مفعول من أجله ليسبوا. والكاف من كذلك بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف ، أي زينّا لكل أمة مثل ما زيّنّا لهؤلاء. وجهد مفعول مطلق لاقسموا

٢٤٠