التّفسير الكاشف - ج ٢

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٢

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٨

بين هجرة الرسول من مكة المكرمة

وهجرة الفلسطينيين من الأرض المقدسة :

من عجيب الصدف وغرائبها أن يتفق ـ من غير قصد ـ وصولي بتفسير القرآن الكريم الى آيات الهجرة ـ مع أول السنة الهجرية لعام ١٣٨٨ ، وإسرائيل تحتل أرضنا المقدسة ، وأهلنا يهاجرون منها فرارا من التنكيل والتقتيل الجماعي الذي مارسته إسرائيل ، وما زالت تمارسه.

وقد أوحت إليّ هذه الصدفة بالمقارنة بين اعتداء المشركين في مكة على المسلمين ، وإخراجهم من ديارهم ، وبين الاعتداء الاسرائيلي ـ وبالأصح ـ الاعتداء الاستعماري على الأرض المقدسة ، وإخراج أهلها من ديارهم. ثم انتقلت من هذه المقارنة الى استخراج العبرة والعظة من جهاد النبي (ص) والمسلمين في هجرتهم ، وتدبير الخطط وأحكامها الذي بلغ بالمسلمين الى أوج النصر على عدوهم ، وتحطيم طغيانه وعدوانه ، وأوقف صناديد قريش الذين أخرجوا النبي من مكة ، أوقفهم بين يديه أذلاء مستسلمين ، يستمعون اليه ، وهو يقول لهم : «ما تظنون اني فاعل بكم»؟

وقد يظن البعض ان الهدف الأول من هجرة النبي والمسلمين هو مجرد الهروب بدينهم من المشركين الذين تعرضوا لهم بالأذى ، ومنعوهم من ممارسة الشعائر والأعمال الدينية ، تماما كما يلتجئ العابد الزاهد الى المسجد ، لقيم فيه صلاته بعيدا عن الضوضاء والغوغاء ... كلا ، لقد كانت هجرة المسلمين أبعد وأعمق من ذلك ... والدليل ما حققته من نتائج وأهداف. لقد كانت هجرة الرسول بالاضافة الى الهروب بالدين ـ خطة مرسومة ومدبرة تمهيدا للمعركة الفاصلة ، تماما كانسحاب الجيش من ميدان القتال الى موقع آخر من مواقعه استعدادا للهجوم المعاكس والانقضاض على العدو بضربة قاضية لا تقوم له بعدها قائمة.

وبعد أن وصل النبي الى المدينة آخى بين أصحابه ، وجمع القلوب المتخاصمة ، وأذاب ما فيها من عصبية وأحقاد ، وحين تم له ذلك بدأ يرغّب المسلمين في الجهاد ، ويحثهم على الدفاع عن كيانهم وعقيدتهم ، ويضمن الجنة لمن يقتل في سبيل الله ، والعزة والكرامة دنيا وآخرة لمن ينجو من القتل. ولما أخذت هذه

٤٢١

التعاليم سبيلها الى نفوسهم شرع في تجنيدهم وتأليف السرايا ، يبعثها هنا وهناك .. وقادها بنفسه أكثر من مرة ، وحققت الاستقرار والأمن للمسلمين ، كما أقلقت راحة قريش وسلامتها .. ثم تحولت السرايا الى معارك كبرى ، والمسلمون يبذلون أرواحهم وأموالهم ، حتى جاء نصر الله والفتح : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا).

وأحسب ان هذه الاشارة كافية لاستخراج العبرة التي يجب أن ننتفع بها في نكبتنا باسرائيل ومن ساند إسرائيل.

هاجر النبي (ص) من مكة لاعتداء المشركين عليه وعلى أصحابه ، وهاجر الفلسطينيون من الأرض المقدسة لاعتداء الصهيونية والاستعمار عليهم وعلى نسائهم وأطفالهم. وكانت هجرة المسلمين آنذاك ابتعادا عن الوقوع في التهلكة ، وانسحابا من ميدان المعركة لتجميع القوى ، والاستعداد للضربة القاضية على العدو. ويجب أن يكون خروج الفلسطينيين من ديارهم بهذا القصد والروح ، ولهذه الغاية بالذات ، لا بقصد اخلاء البيت للصوص يسرحون فيه ويمرحون.

وبدأ النبي هجرته بالتآخي بين أصحابه .. وعلى قادة العرب والمسلمين أن يبدءوا بالتآخي والتصافي بين القلوب ، وان يوحدوا كلمتهم لمجابهة العدو ، تماما كما فعل النبي قبل أن يجابه المشركين. ومن حاد عن هذا السبيل فقد التقى مع إسرائيل ، وحقق امنيتها من حيث يريد أو لا يريد.

وأرسل النبي السرايا ليقلق أمن المشركين ، وأمدّ المسلمون هذه السرايا بكل ما يحتاجون .. ويجب على العرب والمسلمين أن يشجعوا الفدائيين من الفلسطينيين وغيرهم ، ويمدوهم بالمال والعتاد ويتعاونوا معهم الى أقصى الحدود ، ليقلقوا راحة إسرائيل وأمنها .. وعبأ النبي جميع المسلمين للمعركة الفاصلة الكبرى ، واستأصل الشرك من جذوره بعد أن رسخ قرونا في كل جزء من أرض الجزيرة العربية .. وهذا ما يجب أن يفعله قادة العرب والمسلمين.

وإذا لم نعتبر بهذا الدرس من تراثنا وتاريخنا ، ونكون جميعا جنودا من جنود الله والوطن فلسنا جديرين باسم العرب والعروبة ، ولا باسم الإسلام والمسلمين .. بل ولا باسم الإنسان والانسانية بعد أن أصبح هذا العصر عصر الفداء والكفاح والتحرر من كل ما فيه شائبة الظلم والاستغلال.

٤٢٢

ونختم هذه الكلمة بالتحية والإكبار لأبنائنا الفدائيين الأشاوس الذين ضربوا أروع الأمثلة للبطولة والفروسية ، والفداء والتضحية في أرضنا المحتلة ، وأثبتوا للعالم كله اننا في مستوى عصر الكفاح والنضال من أجل الحرية والكرامة.

صلاة الخوف الآة ١٠١ ـ ١٠٣ :

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣))

٤٢٣

المعنى :

الصلاة لا تترك بحال ، حتى حين المرض والحرب ، وبالأولى في السفر ، ويؤديها كل مكلف حسب مقدرته على الوقوف أو الجلوس ، فان عجز عنهما أداها مضطجعا ، حتى الأخرس يجب عليه أن يحرك لسانه ، ويشير بيده بدلا عن النطق ، والتفصيل في كتب الفقه.

(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). نزلت هذه الآية في أحكام الجهاد والخوف ، تماما كالآيات السابقة ، فان سياق الجميع واحد ، وأوضح من السياق قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فان المراد بالفتنة هنا القتل ، أما السفر المراد من الضرب بالأرض فقد ورد مورد الغالب ، لا لبيان الشرط والقيد ، أما قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فالمراد به الوجوب والإلزام ، لا الرخصة والاباحة ، لأن الأخبار فسرته بالالزام ، ومثله آية الطواف : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ـ ١٥٨ البقرة». وحيث وردت الآية في صلاة الخوف ، لا في صلاة القصر فيكون المراد بقوله : (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) القصر في عدد الركعات والتغيير في هيئة الصلاة حسبما تستدعيه الضرورة.

ولصلاة الخوف شروط ، أهمها أن يكون في العدو قوة ، يستطيع بها الهجوم والفتك .. أما كيفيتها فقال الشهيد الثاني في اللمعة : انها كثيرة تبلغ العشرة .. وتصح جماعة وفرادى ، وهذه صورة لصلاة الخائف منفردا ، ذكرها صاحب الشرائع ، قال بالنص الحرفي :

«أما صلاة المطاردة ، وتسمى صلاة الخوف مثل أن تنتهي الحال الى المعانقة والمسايفة ، فيصلي حسب إمكانه واقفا أو ماشيا أو راكبا ، ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ، ثم يستمر ، ان أمكنه الاستمرار ، والا استقبل بما أمكنه ، وصلى ، مع التعذر الى أي جهة أمكن ، وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا ، ويسجد على قربوس سرجه ، وان لم يتمكن أومأ إيماء ، فان خشي صلى بالتسبيح ، ويسقط الركوع والسجود ، ويقول بدل كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر».

٤٢٤

وهذه الصورة كافية وافية في الدلالة على ان الصلاة فرض لازم ، لا يسقط أثناء النزال والقتال ، ولا حين النزع والاحتضار ، وان المرء يؤديها كما وكيفا حسب إمكانه ومقدرته.

(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ).

هذا بيان لصلاة الخوف جماعة ، والمعنى إذا أردت يا محمد الصلاة جماعة بالمقاتلين فاجعلهم طائفتين : واحدة تصلي معك ، وهي حاملة السلاح ، والثانية تقف بإزاء العدو للحراسة ، وكما تصح جماعة مع النبي (ص) تصح مع غيره أيضا.

(فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ). أي إذا سجد من يصلي مع الرسول (ص) فلتقف الطائفة الحارسة خلف المصلين. (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ). أي بعد أن تنتهي الأولى من الصلاة تأخذ الثانية مكان الأولى في الصلاة ، وتأخذ الأولى مكان الثانية في الحراسة. (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً). هذا بيان للحكمة التي استدعت تشريع الصلاة في هذه الحال بهذا الشكل ، وهي ان لا يغتنم العدو فرصة اشتغال المسلمين المقاتلين بالصلاة ، فيباغتهم ، وينال منهم ما يريد.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ). بعد أن أمر سبحانه المصلين بحمل السلاح أذن لهم بتركه ، إن ثقل عليهم حمله بسبب المطر أو المرض ، ولكنه تعالى أوجب عليهم الحيطة والتيقظ ، كي لا يصيب العدو منهم غرة.

(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ). المراد بالصلاة هنا صلاة الخوف وبقضائها الفراغ منها. والمعنى ان ذكر الله حسن على كل حال ، لا في الصلاة فقط ، قال الامام علي (ع) : افترض الله من ألسنتكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعلها منتهى حاجته من خلقه. وقال ابن العربي في الجزء الرابع من الفتوحات المكية : من حاز على ذكر الله في قيامه وقعوده واضطجاعه فقد حاز الوجود.

(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).

٤٢٥

المراد بالكتاب ان الصلوات الخمس مكتوبة ومفروضة ، والمراد بالموقوت انها محدودة بأوقات معينة صباحا ومساء ، والقصد انه متى وضعت الحرب أوزارها ، وزال الخوف فعليكم ان تؤدوا الصلاة في أوقاتها ، ولا تتهاونوا بها. وتكلمنا عن الصلاة واهتمام الإسلام بها فيما سبق من الآيات ، وان تركها يؤدي الى الكفر. (أنظر المجلد الأول ص ٣٦٨).

وتسأل : ان الآية أوجبت صلاة الخوف ، حيث كان القتال بالسيف والرمح والخنجر ، أما الآن فقد تطور سلاح الحرب الى ما نعلم من آلاته الجهنمية .. وعليه ينبغي ارتفاع صلاة الخوف لارتفاع موضوعها.

الجواب : ان السبب الموجب لهذه الصلاة هو الخوف من حيث هو بصرف النظر عن الحرب وآلاته قديمة كانت ، أو حديثة ، فإذا حصل الخوف بسبب غير الحرب جاز قصرها كما وكيفا.

قال صاحب الجواهر : «إذا خاف من سيل أو سبع أو حية أو حريق ، أو غير ذلك جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف ، فيقصر عددا وكيفية ، لعدم الفرق في أسباب الخوف المسوغة ، فقد سئل الإمام جعفر الصادق (ع) عمن خاف من سبع أو لص : كيف يصلي؟ قال : يكبر ويومئ إيماء».

ومرة ثانية نقول مؤكدين : ان الصلاة لا تسقط بحال ، وان كل انسان يؤديها بالنحو الذي يستطيعه من القول والفعل ، فإن عجز عنهما أومأ الى الصلاة بطرفه ، فإن عجز عن الإيماء استحضر صورة الصلاة في ذهنه.

ولا تهنوا في ابتغاء القوم الآة ١٠٤ :

(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤))

٤٢٦

اللغة :

الوهن الضعف. والابتغاء الطلب. والرجاء الأمل ، وقيل : المراد به هنا الخوف. والصحيح انه على بابه.

الإعراب :

كما تألمون الكاف بمعنى مثل ومحلها النصب صفة لمفعول مطلق محذوف. وما مصدرية ، والتقدير يألمون ألما مثل ألمكم.

المعنى :

(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ). لو نزل اليوم وحي من السماء في وضعنا مع إسرائيل لما زاد حرفا واحدا على هذه الآية .. ان أحوج ما نحتاج اليه لمقاومة العدو الشرس المتغطرس ، وردعه عن الغي والبغي هو ان نشد عزائمنا ، ونثق بالله وبأنفسنا ، وان لا نصغي الى المستعمرين والانتهازيين الذين يبغون استغلالنا وهزيمتنا ، ويلفقون الدعايات والاشاعات المضللة ليخدعونا عن واقعنا وطاقاتنا.

ان مجرد القلق يفيد العدو ، ويكون عونا له على ما يريد فضلا عن الخوف والانهيار ، ومن أجل هذا نهانا سبحانه عن الخوف من عدو الله والانسانية ، مهما كان ويكون ، وأمرنا بالثبات على مقاومته ، وأنبأنا بأنه يألم منا كما نألم منه ، ولكنا أعلى منه ، لايماننا بالله واعتمادنا عليه .. أما إسرائيل فإنها تعتمد على الاستعمار والمستعمرين واخوان الشياطين الذين أوجدوها ، وأمدوها بالمال والسلاح ، وشجعوها على الاعتداء ، وناصروها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وما من شك انه إذا وثقنا بأنفسنا ، وثبتنا في المقاومة مخلصين ، وبذلنا ما نملك من طاقات ، كما أمرنا الله عز وجل يكون النصر لنا لا محالة.

وقال تعالى في آية ثانية : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ

٤٢٧

مَعَكُمْ) ـ ٣٥ محمد» .. والمسلمون هم الأعلون بعقيدتهم وتاريخهم وعددهم ومقدراتهم ، ولا تذهب هذه الطاقات ، ولن تذهب هباء .. ولا بد ان يظهر أثرها بإذن الله عاجلا أو آجلا.

الدفاع عن الخائنين الآة ١٠٥ ـ ١١٣ :

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣))

٤٢٨

اللغة :

الخصيم هنا بمعنى المدافع ، أي لا تكن مدافعا ومحاميا للخائنين ، ويوضحه قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ). ويختانون أنفسهم ، أي يخونونها ، لأن وبال الخيانة يعود عليها ، كما تقول للمجرم : قد ظلمت نفسك. والخوان مبالغة في الخيانة. ويستخفون يتسترون حياء أو خوفا. ويبيتون يدبرون ويزورون. وجادلتم عنهم ، أي دافعتم ، وفي فقرة «المعنى» نفرق بين السوء والإثم والخطيئة.

الاعراب :

أراك الله رأى هنا بمعنى الرأي ، وتعدت الى مفعولين بسبب الهمزة ، والمفعول الأول الكاف ، والمفعول الثاني ضمير محذوف ، وتقديره بما أراكه الله. واللام في (للخائنين) معناها شبه التمليك ، مثل جعل لكم من أنفسكم أزواجا ، وقال ابن هشام في المغني : «تأتي اللام بمعنى عن». وهذا المعنى أليق بهذه اللام. ها أنتم (ها للتنبيه) ، وأنتم مبتدأ. وهؤلاء خبر. وجملة جادلتم عطف بيان وتفسير لهؤلاء. وام من عطف على فمن يجادل الله. ولولا حرف يدل على امتناع الشيء لوجود غيره. وفضل مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي لولا فضل الله عليك موجود.

المعنى :

من تتبع التفاسير ، وتأمل في هذه الآيات ، وتدبّر معانيها يطمئن الى انها نزلت في رجل من المسلمين سرق متاعا ، ورمى بجريمته بريئا ، وان قوم السارق وأقاربه ذهبوا الى النبي (ص) ، وحاولوا أن يقنعوه بشتى الأساليب ان يدافع عن صاحبهم ، ويبرئه من السرقة ، وانه إذا لم يفعل ذلك هلك صاحبهم ، وكاد النبي يستجيب لدعوة هؤلاء المضللين ، ولكن الله سبحانه رفق بأمين وحيه ،

٤٢٩

ومبلّغ شريعته ، وعصمه عما تآمروا به عليه ، وأطلعه على الحقيقة ، وفضح السارق ، وبرأ الذي رماه بجرمه ظلما وبهتانا .. وقيل : ان المتهم البريء كان من اليهود ، والسارق كان من الأنصار ، وانه بعد ان افتضح هرب وانضم الى المشركين .. وظاهر الآيات ينطبق كل الانطباق على هذه الحادثة ، واليك البيان.

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ). نقول ـ ونستغفر الله ـ ان هذا الخطاب من الله لنبيه الأكرم يومئ الى نحو من العتاب ، فكأنه جلت عظمته يقول له : اني اصطفيتك لنفسي ورسالتي دون الخلق ، وأنزلت عليك القرآن لكي تحكم بين الناس بما تعلم علم اليقين انه حكم الله ، والآن أوشك المخادعون أن يغرروا بك ، ولكن الله عصمك عما دبروه لك من حملك على تبرئة غير البريء ، حيث أطلعك على حقيقتهم ومؤامراتهم.

وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان العصمة ليست أمرا قهريا كالطول والقصر ، وانما هي وصف يصرف صاحبه عن الحرام ، مع قدرته على فعله ، ويدفع به الى فعل الواجب ، مع قدرته على تركه.

وهذه الآية رد وإبطال لقول القائلين بأن النبي يحكم في بعض المسائل باجتهاده ، لأنها صريحة واضحة في أنه لا يحكم إلا بوحي من الله .. هذا ، الى ان المجتهد يصيب ويخطئ ، والنبي يفصل في خلاف المجتهدين ، ويبيّن خطأ من أخطأ وصواب من أصاب.

(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً). النبي ما خاصم ، ومحال أن يخاصم عن الخائنين ، ونهيه عن التخاصم عنهم لا يستلزم وقوعه منه ، بل ان النهي عن المحرم يقع قبل اقترافه ، ولو ورد بعده لانتقض الغرض منه.

وتسأل : إذا كان فعل الحرام محالا على النبي لمكان عصمته ، فما هو المسوغ ـ اذن ـ لنهيه عنه؟.

الجواب : ان لله ان يوجه أمره الى نبيه في جميع الحالات ، لأنه أمر من الأعلى الى من هو دونه في العلو .. هذا ، الى ان الأمر بالواجب ، والنهي عن المحرم كثيرا ما يوجهان من الله الى الأنبياء لمجرد الاعلام بالحكم.

(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً). قال الطبري في تفسيره : ان

٤٣٠

الله أمر النبي أن يستغفر عن عقوبة ذنبه في المخاصمة عن الخائنين .. ونحن نستغفر الله من هذا التفسير ، فان النبي (ص) ـ كما قدمنا ـ لم يخاصم عن الخائنين بدليل الآية الآتية ١١٣ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ). أما الأمر بالاستغفار من الذنب فانه لا يستلزم وجود الذنب .. والذي نراه في تفسير الآية ان النبي (ص) بصفته بشرا قد يحسن الظن بمن لا يستحقه ، ثم تنكشف له الحقيقة عن طريق الوحي أو غيره قبل ان يرتب أي أثر على حسن ظنه ، فأمره سبحانه أن يستغفر الله مما يعرض له من حسن الظن بمن ليس أهلا له .. والقصد ان يتحفظ ويحتاط ، ولا يركن إلا بعد اليقين.

(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً). الخطاب بظاهره للنبي (ص) ، ولكن التكليف عام لكل عاقل بالغ ، بخاصة القضاة والحكام ، أما الذين يختانون أنفسهم فهم من اقترف ذنبا ورمى به بريئا .. ومن جادل عنهم فهو مثلهم ، ومعنى خيانة المرء لنفسه ان يحملها ما لا تطيق من العذاب لإخلاله بالواجبات ، وارتكابه المحرمات ، وقدمنا ان النبي (ص) ما دافع ، ولن يدافع عن الخائنين ، وهذه الآية تؤكد قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) وتبين أيضا ان من ظلم غيره فقد ظلم نفسه ، وانه تعالى يمقت كل خائن وظالم لنفسه ولغيره.

(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ). يخفي المجرم جريمته ، ويتوارى في الظلام عن أعين الناس رغبة في مدحهم ، أو رهبة من ذمهم ، وكان الأولى أن يعكس القضية فيستخفي من الله ـ لو أمكن ـ ولا يعتني إطلاقا بالناس ، لأن الله وحده هو مالك الضر والنفع ، وغيره لا يغني عنه شيئا ، ومديح الناس وذمهم مجرد كلمات تذهب مع الريح .. وإذا كان الاختفاء من الله محالا فطاعته تكون حتما ، لا ندبا .. ولا حكمة أبلغ من هذا البيت :

فليت الذي بيني وبينك عامر

وبيني وبين العالمين خراب

٤٣١

لو أراد الشاعر الخالق ، دون المخلوق.

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً). الخطاب والاشارة ـ هؤلاء ـ لقوم السارق الخائن ، لأنهم وحدهم الذين دافعوا عنه ، وناضلوا دونه ، وقد أنبهم تعالت كلمته بأن دفاعهم عنه لا يجدي الخائن نفعا يوم يعرض على الله ، ويقول له ولكل مجرم من أمثاله وأمثالهم : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ـ ٥٩ يس».

(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً). هذا هو المخرج من الذنب ، الاعتراف به ، والتوبة منه ، فهي وحدها تكفره وتتداركه .. وكما ان الله سبحانه شديد العقاب فإنه غفور لمن تاب ، رحيم بمن التجأ اليه ، وفي الحديث : ان الله لا يمل ، حتى تملوا ، فإذا تركتم ترك. أي إذا تركتم التوبة من الذنب ترك الصفح عنه .. فكان الأولى بالذين دافعوا عن المجرم أن يؤنبوه على جريمته ، وينصحوه بالتوبة لو كانوا من الناصحين المؤمنين حقا.

وفي هذه الآيات أربع كلمات لا بد من الاشارة الى وجه الفرق بينها ، ليتضح الفرق بين الآيات التي ظاهرها التكرار .. الكلمة الأولى الإثم في الآية ١٠٧ و ١١١ و ١١٢ ، والكلمة الثانية والثالثة السوء وظلم النفس ، وقد ذكرا في الآية ١١١ ، والرابعة الخطيئة في الآية ١١٢ ، ويجمع هذه الآية معنى واحد ، وهو المعصية ، وتفترق هذه الكلمات عن بعضها بأن السوء ما يساء به الى الغير ، وظلم النفس إدخال الضرر عليها بترك واجب ، أو فعل محرم ، والخطيئة الخطأ الذي لا يعذر فيه صاحبه ، كالجاهل المقصر ، يخطئ في تأدية ما عليه لجهله ، مع قدرته على التعلم ، وحكمه حكم المتعمد في المسئولية ، لتهاونه في البحث والسؤال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ـ ٤٣ النحل» ، والإثم ارتكاب الذنب عن علم به ، وتصميم على فعله ، وهو عام يشمل السوء ، وظلم النفس.

وعلى هذا يكون معنى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً). معناه من أساء الى غيره بالشتم أو الضرب ، وما اليه ،

٤٣٢

أو الى نفسه فقط كاليمين الكاذبة ثم تاب قبل الله منه ، حتى كأنه لم يسيء ، ولم يظلم.

ومعنى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) ان من يتعمد ارتكاب الذنب فقد أساء الى نفسه ، سواء اقتصرت هذه الاساءة عليه وحده ، أو تعدت الى غيره.

ومعنى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ان من رمى غيره بجرم ليس فيه فإنه يعاقب عقاب المفتري المتعمد ، سواء ارتكب هو الجرم ، ولصقه بغيره عن قصد ، وهذا ما يدل عليه لفظ الإثم ، أم لم يرتكب أي جرم ، ولكن رمى به بريئا قبل أن يتثبت ، وهذا ما يدل عليه لفظ الخطيئة .. والغرض ان المرء لا يجوز له أن يدين غيره بشيء حتى يكون على يقين منه ، تماما كالشمس.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ). المراد بالطائفة الذين دافعوا وجادلوا عن السارق ، وضمير منهم عائد على قومه وأنصاره ، وان يضلوك ، أي يخدعوك بلحن القول وصلاح المظهر ، ولا يضلون الا أنفسهم ، لأن محاولة الإضلال تستلزم الضلال ، والمضل ضال وزيادة ، والمعنى المحصّل ان فريقا من أنصار السارق وجماعته تآمروا على أن يخدعوك عن الحق ، وحاولوا أن يحملوك على الوقوف الى جانبهم في نصرة صاحبهم ، وكدت تركن اليهم مغترا بما أظهروه لك من الصلاح ، ولكن الله عصمك منهم ، وأطلعك على مؤامرتهم ، ورد كيدهم الى نحورهم.

وهذه الآية رد صريح على من زعم من المفسرين ان النبي (ص) دافع وجادل عن الخائنين ، فان قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ). وقوله : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) ، لا يقبلان التأويل والشك في ان النبي لم يجادل عن السارق ، ولم يبرئه من السرقة والخيانة ، وان الذي فعل هذا غيره.

(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً). الكتاب القرآن ، والحكمة هنا النبوة ، وإذا وجب على محمد (ص)

٤٣٣

أن يشكر الله ، حيث جعله خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وعلمه ما لم يكن يعلم فيجب على العرب أن يشكروا محمدا ، حيث أصبحوا به شيئا مذكورا بعد جاهليتهم الجهلاء ، ويشكروا الله ، حيث جعل أشرف خلقه ، دون استثناء منهم لا من غيرهم.

النجوى بالخير والاصلاح الآة ١١٤ ـ ١٥٥ :

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥))

اللغة :

النجوى والمناجاة سر بين اثنين أو أكثر ، وتأتي بمعنى المتناجين ، قال تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى). والمعروف ما اعترف به الشرع ، ولم ينكره العقل. وابتغى الشيء وبغاه طلبه. والمشاقة المعاداة. والصلاء لزوم النار.

الإعراب :

من أمر بصدقة على حذف مضاف ، أي الا نجوى من أمر ، ومحل نجوى هذه المحذوفة النصب على الاستثناء المتصل ، ومن مجرور بإضافتها. وابتغاء مفعول لأجله ليفعل. ومصيرا تمييز.

٤٣٤

المعنى :

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ). بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة الذين يبيتون ما لا يرضى من القول ، ويجادلون عن الخائنين قال في هذه الآية : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فضمير نجواهم يعود على هؤلاء بدلالة ظاهر السياق ، ولكنه في المعنى يعم كل نجوى في شئون الناس ، لأن السبب الموجب عام لا يختص بفرد ، دون فرد ، ولا بفئة دون فئة .. والصدقة بذل المال للبؤساء والمعوزين ، والإصلاح بين الناس يوفر عليهم الكثير من المتاعب ، ويدفع عنهم الكثير من المشاكل ، والمعروف ما يعترف العقل والشرع به ويريانه حسنا ، والمنكر ضده ، ويشمل العلم وجميع الأعمال الحسنة ، ومنها الصدقة ، وإصلاح ذات البين ، وخصهما الله سبحانه بالذكر للتنبيه على أهميتهما.

قال الرازي : «ان مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية» .. وأجمع منها قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).

وتسأل : ان الناس تتناجى في شئون التجارة والصناعة والزراعة ، وما اليها من شئون الحياة ، فهل هذا التناجي مما لا خير فيه؟.

الجواب : ان هذا التناجي خير محض ما دام ضمن حدوده المشروعة ، ومنه ما هو واجب شرعا وعرفا وعقلا ، وهو كل ما لا تتم الحياة إلا به .. والآية بمعزل عن هذا النوع من التناجي ، وانما تعرضت للذين يتناجون ويتحدثون عن الناس ، كما هو شأن البطالين ، يملئون فراغهم بالقال والقيل ، والاشتغال بهذا طويل ، وهذا قصير .. وقد جاء لفظ (كثير) في الآية للدلالة على ان النجوى في شئون الناس لا خير فيها إلا إذا عادت عليهم بالفائدة والنفع بجهة من الجهات .. أما التناجي في شئون الحياة فلم تتعرض له الآية سلبا ولا إيجابا.

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). الأمر بالمعروف خير ، ما في ذلك ريب ، ولكن العامل به لوجه الله ، لا للكسب

٤٣٥

والجاه أفضل من الذي يأمر بالمعروف ، ويفلسفه ، ويبين محاسنه وفوائده ولا يعمل به ، بل الحجة على هذا أقوى وأبلغ .. قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ـ ٣٠ الكهف». ولم يقل : من أحسن قولا .. ان الامر بالمعروف والدعوة اليه وسيلة ، والعمل هو الغاية ، ومن أمر به وأتمر كان ممن عناه الله بقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ ٣٢ فصلت». فالقول المعروف حسن ، ويزداد حسنا إذا اقترن بالعمل .. هذا ، الى أن الأقوال وان ترتب على ظاهرها آثار الإسلام ، كالزواج والميراث ، ولكن لا يدل على الايمان الصحيح إلا الاعمال الصالحات ، قال الإمام علي (ع) : «فبالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الايمان».

(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً). الشقاق العداوة ، وكل من يعصي الله فهو عدو لرسول الله (ص). قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «ان ولي محمد من أطاع الله ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله ، وان قربت لحمته». ولكن المراد بعدو الرسول هنا كل من ظهر له الحق ، واقتنع به بينه وبين نفسه ، وقامت عليه الحجة كافية وافية ، مع ذلك أنكره عنادا وتعصبا لهوى في نفسه ، كمن يعرف ان الإسلام حق ، أو انه أهدى من دين قومه ، ومع ذلك يتعصب لدين آبائه حرصا على مصالحه الشخصية من مال أو جاه.

وذكر المفسرون ان هذه الآية نزلت في بشير بن أبيرق الذي أسلم ، ثم ارتد ولحق بالمشركين ، والمعروف من عادة المفسرين انهم يتسامحون في أسباب النزول ، ويذكرون له أية حادثة تقترن بزمن نزول الآية إذا كانت تناسبها ، وهذه الآية تنطبق على ارتداد بشير ، وعلى كل من عاند الحق (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى).

ومعنى (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) ان الله سبحانه يكل كل انسان الى ما انتصر به ، واعتمد عليه ، فمن اعتز بمال أو منصب أو صحة أو عشيرة تخلى الله عنه ، وتركه الى ما اعتز به.

٤٣٦

وفي الحديث القدسي : «وعزتي وجلالي لاقطعن أمل كل مؤمل من الناس». وفي هذه الآية فوائد :

«منها» ان قوله تعالى : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) صريح في ان الإنسان مخير لا مسير.

و «منها» ان قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) دليل على ان من بحث ودقق ، ولم يتبين له الهدى فهو معذور ، تماما كمن لم تبلغه الدعوة ، على شريطة ان يكون متوجها الى طلب الحق ، والعمل به متى ظهر له.

و «منها» ان الإنسان مكلف بما يفهمه من الدليل ، وغير مسؤول عن الواقع كما هو عند الله ، وان المطلوب منه مجرد البحث والتنقيب ، حتى يحصل له اليأس من وجود الدلائل والقرائن ، فإن أصاب الواقع بعد هذا البحث كان له أجران ، وان أخطأه فله أجر واحد ، كما جاء في الحديث.

و «منها» ما جاء في تفسير الرازي ان الشافعي سئل عن آية في القرآن تدل على ان الإجماع حجة؟ فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة ، حتى وجد قوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) حيث دل على ان اتباع غير سبيل المؤمنين حرام فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا. وسبيلهم هو إجماعهم على الشيء.

وان دل هذا على شيء فإنما يدل على انه لا مصدر للإجماع في كتاب الله .. ذلك ان المراد بغير سبيل المؤمنين سبيل المشركين والمنافقين الذين يعاندون الله والرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ، وهذا أجنبي عن الإجماع وبعيد عنه كل البعد .. بالاضافة الى ما قاله الشيخ محمد عبده : «ان الإجماع الذي يعنونه هو اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد وفاة نبيها ، والآية نزلت في عصره ، لا بعد عصره».

يموت من أجل الحلوى :

ذكر صاحب تفسير المنار مثالا لمن يؤثر الهوى على الهدى ننقله عنه للاستفادة منه ، وللتخفيف عن القارئ ، قال :

٤٣٧

«ان صاحب الهوى يستحوذ عليه النفع العاجل لضعف نفسه ومهانتها .. فقد حكي ان الحجاج مدّ سماطا عاما للناس ، فجعلوا يأكلون ، وهو ينظر اليهم ، فرأى فيهم أعرابيا يأكل بشره شديد ، فلما جاءت الحلوى ترك الطعام ، ووثب يريدها ، فأمر الحجاج سيافه أن ينادي : من أكل هذه الحلوى ضربت عنقه ، فصار الأعرابي ينظر الى السياف نظرة ، والى الحلوى نظرة ، يرجح بين مرارة الموت ، ولذة الحلوى .. ولم يلبث ، حتى التفت الى الحجاج ، وقال له : أوصيك بأولادي خيرا ، وهجم على الحلوى يأكل أكل مودع للحياة .. فتركه الحجاج وشأنه».

ان الله لا يغفر ان يشرك به الآة ١١٦ ـ ١٢٢ :

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢))

٤٣٨

اللغة :

الدعاء الطلب ، ولكن يدعون هنا بمعنى يعبدون ، لأن من عبد شيئا دعاه عند الحاجة. ومعنى إناث معروف ، والمراد بها هنا اللات والعزى ومناة ، لأن أسماءها مؤنثة ، وقيل : المراد بالإناث الأموات ، لأن العرب تصف الضعيف بالأنوثة ، والمريد بفتح الميم مبالغة في العصيان والتمرد. واللعن الطرد والاهانة. والنصيب المفروض الحصة الواجبة. والأماني جمع أمنية. والبتك القطع. والمحيص المهرب ، والميم فيه زائدة ، لأنه مصدر حاص يحيص ، يقال : وقع في حيص بيص ، وفي حاص باض ، أي في أمر يعسر التخلص منه ، وقال البيضاوي : المحيص اسم مكان ، وهو الأرجح ، وعليه تكون الميم من أصل الكلمة. والقيل والقال بمعنى واحد ، وهما مصدران لقال.

الإعراب :

ان يدعون (ان) نافية. وإلا أداة حصر. وإناثا مفعول يدعون ، ومثلها شيطانا. وجملة لعنه الله في موضع نصب صفة للشيطان. واللام في لأتخذن وما بعدها واقعة في جواب قسم محذوف. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم ، كل فعل من هذه الأفعال الثلاثة قد عمل بشيء محذوف ، أي لأضلنهم عن الهدى ، وأمنينهم الباطل ، وآمرنهم بالضلال. والمفعول الثاني ليعدهم محذوف ، أي يعدهم النصر. وعنها متعلق بمحذوف حالا من محيص ، أي كائنا عنها محيصا ، ولو تأخر لفظ (عنها) لتعلق بصفة لمحيص ، ولا يجوز أن يتعلق بيجدون ، لأن يجدون لا تتعدى بعن. والذين آمنوا مبتدأ ، وخبره سندخلهم. وخالدين حال من الذين آمنوا. وأبدا منصوب على الظرفية ، ويدل على استغراق المستقبل. ووعد الله مفعول مطلق لسندخلهم ، لأنه يتضمن معنى الوعد. وحقا حال من وعد الله ، ويجوز أن ينصب على المصدر ، أي حق ذلك حقا. ومن أصدق استفهام ، فيه معنى النفي ، أي لا أحد أصدق ، ومحله الرفع بالابتداء ، وأصدق خبر. وقيلا تمييز ، تماما كقولك : هو أكرم منك فعلا.

٤٣٩

المعنى :

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً). تقدمت هذه الآية مع تفسيرها في الآية ٤٨ من هذه السورة ، ولا اختلاف بين النصين إلا في التتمة ، حيث قال هناك : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) وقال هنا : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) والمعنى واحد.

مرة ثانية التكرار في القرآن :

تكلمنا عن التكرار في القرآن عند تفسير الآية ٤٨ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ٩٦ ، ونعطف عليه ما قاله صاحب تفسير المنار عند تفسيره لهذه الآية :

«ان القرآن ليس قانونا ، ولا كتابا فنيا ، يذكر المسألة مرة واحدة ، يرجع اليها حافظها عند ارادة العمل بها ، وانما هو كتاب هداية .. وانما ترجى الهداية بإيراد المعاني التي يراد ايداعها في النفوس في كل سياق يعدها ويهيؤها لقبول المعنى المراد ، وانما يتم ذلك بتكرار المقاصد الاساسية ، ولا يمكن أن تتمكن دعوة عامة إلا بالتكرار ، ولذلك نرى أهل المذاهب الدينية والسياسية الذين عرفوا سنن الاجتماع وطبائع البشر وأخلاقهم يكررون مقاصدهم في خطبهم ومقالاتهم التي ينشرونها في صحفهم وكتبهم».

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً). كان العرب قبل محمد (ص) يزعمون ان الملائكة بنات الله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) ـ ٤٠ الاسراء». وقد حملهم هذا الاعتقاد على أن يتخذوا تماثيل يسمونها أسماء الإناث ، كاللات والعزى ومناة ، ويرمزون بالأصنام الى الملائكة التي زعموا انها بنات الله .. وكانوا يتقربون بها الى الله زلفى في بدء الأمر ، ومع مرور الأجيال تحولت تلك الأصنام عندهم إلى آلهة تخلق وترزق .. وهكذا تتحول وتتطور زيارة قبور الأولياء ـ عند الاعراب والعوام ـ من تعظيم الشعائر

٤٤٠