التّفسير الكاشف - ج ٢

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٢

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٨

قويت شوكتهم ، وهابهم من يطمع بهم وهم متفرقون .. هذا الى فوائد كثيرة تترتب على الاجتماع والانضمام .. وبقيت الهجرة الى المدينة واجبة ، حتى فتح النبي مكة ، ونصره الله على أعدائه ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، ولم يبق للهجرة من سبب .. قال رسول الله (ص) : «لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية».

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). أي ان أولئك المنافقين إذا لم يتركوا دار الكفر ويهاجروا الى المدينة ، وينضموا الى الرسول والمسلمين فخذوهم أي أأسروهم ، واقتلوهم أينما ظفرتم بهم (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً). المراد بالوالي هنا الحليف ، والنصير معروف ، والقصد ان يعرضوا عنهم إعراضا كليا ، فلا يستنصحوهم ولا يستنصروهم ولا يستعينوا بهم في شيء.

وتسأل : ان الإسلام دين الحرية والتسامح مع جميع الطوائف وأهل الأديان ، وشريعته تحافظ على حياة الناس ، كل الناس ، وحقوقهم المعنوية والمادية ، بصرف النظر عن آرائهم ومعتقداتهم .. فما باله هنا يأمر بأسر المنافقين وقتلهم أينما وجدوا؟.

الجواب : فرق بعيد بين الطوائف وأهل الأديان ، بل والملحدين الذين أعلنوا عقائدهم وآراءهم على الملأ ، ولم يضمروا العداء لإنسان ، ولا غدروا ولا تآمروا ولا ناصروا مبطلا على محق ، فرق بعيد بين هؤلاء الذين لزموا جانب الحياد ، وبين المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وتستروا بكلمته ، وبقوا في دار الكفر بقصد الكيد للمسلمين ، والتآمر عليهم ، ومناصرة أعدائهم .. اذن : الأمر بأسر هؤلاء وقتلهم كان جزاء على عدائهم للإسلام في حين أنهم أظهروا الايمان به وأضمروا الكيد للنبي والمسلمين والغدر بهم ، والتآمر عليهم .. أما تسامح الإسلام مع بقية الطوائف وأهل الأديان فهو انسجام مع مبدأه في حماية الحرية لكل فرد ، وعدم الإكراه في الرأي والعقيدة حقا كانت أو باطلا ، ما دام وزرها على صاحبها فحسب ، والناس في أمن منها ومنه.

سؤال ثان : وشى به الجواب عن السؤال السابق ، وهو ان الإسلام يتسامح مع المنافقين ، تماما كما يتسامح من غيرهم من الطوائف وأهل الأديان بدليل ان

٤٠١

الله أمر نبيه بتجاهلهم والاغضاء عنهم ، كما سبق في الآية ٦٣ من هذه السورة : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)؟.

الجواب : ان هذه الآية أي ٦٣ نزلت في المنافقين الذين كانوا مع النبي (ص) بالمدينة ، ولم يكن في وسع هؤلاء أن يتعاونوا مع المشركين لبعدهم عنهم وقربهم من الرسول وقوة المسلمين ، والآية التي نحن بصددها ، أي ٨٩ نزلت في المنافقين الذين أصروا على البقاء في دار الشرك للكيد والغدر بالمسلمين .. هذا ، الى أن الله أمر نبيه بالإغضاء عن المنافقين حين كان الإسلام ضعيفا قليل الأنصار ، ثم أمره بقتلهم بعد أن أصبح قويا كثير الأنصار ، تماما كما أمره بالصبر في مكة ، والجهاد في المدينة.

وبعد ان أمر الله بالتنكيل بأولئك المنافقين الأعداء الألداء استثنى منهم صنفين : وأشار الى الصنف الأول بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ). يريد بهذا جل وعلا ان من يلتجئ من أولئك المنافقين الى قوم بينهم وبين المسلمين عهد في المهادنة وترك القتال ، ان هذا اللاجئ يترك لا يؤسر ولا يقتل ، لأنه ـ والحال هذه ـ يكون مسالما للمسلمين ، تماما كالذين التجأ اليهم ، فيعامل معاملتهم في عدم التعرض له .. ومن المفيد أن ننقل ما قاله الرازي ـ هنا ـ :

«اعلم ان هذا يتضمن بشارة عظيمة لأهل الايمان ، لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ الى من التجأ الى المسلمين فبالأولى أن يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ الى محبة الله ومحبة رسوله».

وليس من شك ان محبة أهل بيت الرسول (ص) هي محبة لله وللرسول ، لقوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ـ ٢٣ الشورى».

وأشار الى الصنف الثاني بقوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ). أي ان الذين يتحرجون أن يحاربوا المسلمين مع قومهم المشركين ، أو يحاربوا قومهم مع المسلمين ، وجاءوا الى النبي (ص) يطلبون منه الرضا بالوقوف على الحياد ، لا معه ولا عليه ، ان هؤلاء يتركون أيضا ، لا يقتل ولا يؤسر أحد منهم ، لأنهم غير محاربين. وخير مثال يفسر هذه

٤٠٢

الآية ما جاء في مجمع البيان ان جماعة من أشجع جاءوا الى النبي (ص) ، وقالوا له : ان دارنا قريبة من دارك ، وقد كرهنا حربك ، وحرب قومنا ، وأتينا لنوادعك ، فقبل منهم ، ووادعهم. فرجعوا الى بلادهم.

ولا شيء أقوى وأصدق من هذا في الدلالة على ان الإسلام سلم لمن سالمه ، وحرب على من حاربه.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ). ان الله سبحانه لا يتدخل بمشيئته التكوينية (١) في شيء من أمور الناس ، وانما أراد بقوله هذا ان يذكّر المسلمين بفضله عليهم .. وانه كان من الممكن أن ينضم هؤلاء الى أعداء المسلمين ، ولكن الله سبحانه صرفهم عن ذلك بوقوفهم على الحياد ، فقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) معناه لجرأهم عليكم ، ولم يجعل لكم هيبة في نفوسهم تبعثهم على طلب الموادعة والمتاركة .. وليس هذا من باب المشيئة التكوينية ، بل من المشيئة التوفيقية ، ان صح التعبير.

(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً). (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ـ ٤٢ الشورى» .. وأيضا قال عز من قائل : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) ـ ٨ الممتحنة» .. وقال جلت حكمته : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) ـ ٦٢ الأنفال». الى غير ذلك من الآيات التي تدعو الى المحبة والاخوة والمساواة ، والتعاون على كل ما فيه صلاح للناس بجهة من الجهات .. وأروع ما في الإسلام انه يعتبر الأعمال الانسانية من صميم الدين وصلبه ، بل يعتبرها السبيل الوحيد الى الله.

ستجدون آخرن آية ٩١

(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى

__________________

(١) تكلمنا عن ارادة الله التكوينية والتشريعية عند تفسير الآية ٢٦ ـ ٢٧ من سورة البقرة ، فقرة التكوين والتشريع ، المجلد الأول ، ص ٢٧.

٤٠٣

الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١))

اللغة :

الفتنة في اللغة الاختبار ، والمراد بها هنا الشرك. والارتكاس الرد. والثقف الحذق ، يقال ثقف ثقافة ، أي صار حاذقا. والمراد بثقفتموهم في الآية وجدتموهم ، أو ظفرتم بهم. والمراد بالسلطان الحجة ، لأن صاحبها يتسلط بها على خصمه ، وفي بعض التفاسير : ان السلطان في كتاب الله هو الحجة.

الاعراب :

كلما منصوب على الظرفية ، لأنه مضاف الى (ما) المصدرية ، والعامل اركسوا. والكاف في أولئكم حرف خطاب تدل ـ في الغالب ـ على حال المخاطب من التذكير والتأنيث والافراد والتثنية والجمع ، أما المشار اليه فتعرف حاله من لفظ اسم الاشارة ، لا من الكاف. وبتعبير ثان ان مثل ذاكم كلمتان الأولى ذا ، وتدل على ان المشار اليه مفرد مذكر ، والثانية (كم) وتدل على ان المخاطب جمع مذكر ، فإن كان مؤنثا قلت ذاكن ، وان كان مثنى قلت ذاكما ، وهكذا الحال في سائر أسماء الاشارة ، ومن خوطب بها.

لا قتل ولا قتال في الإسلام :

عرضت الآيات السابقة صورا متنوعة للذين لاقى منهم الرسول (ص) ألوانا

٤٠٤

من المكر والخبث والتمرد على الله ورسوله .. وهذه الآية تعرض صورة أخرى لفريق هم أكثر الناس عددا في كل زمان ومكان ، أعني المتميعين المذبذبين الذين لا واقع لهم الا التقلب والتردد ، يؤمنون بالقيم حينا ، وحينا بها يكفرون .. ونحن لا ننكر ان الإنسان يتأثر بظروفه ، وانه كثيرا ما يتغير بحسبها ، بل أثبتنا ذلك عند تفسير الآية ١٤٣ من سورة البقرة ، فقرة «تغير الأخلاق والأفكار» ، ومع هذا فانّا نعتقد ـ استنادا الى العيان ـ ان لبعض الأشخاص ذاتا تتذبذب بطبيعتها ، وتنتقل من حال الى حال ، حتى ولو اتحدت ظروفها.

(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ). المراد بالرد الدعوة ، وبالفتنة الكفر ، وبالارتكاس الرجوع والتحول. والمعنى ان هذا الفريق كلما دعوا الى الكفر والارتداد رجعوا اليه ، وكانوا أقبح من كل كافر ثبت على كفره ، وخير ما قيل في تصويرهم ما حكاه بعض المفسرين : انهم كانوا إذا رجعوا الى قومهم يقال لأحدهم : قل : الخنفساء ربي. والقرد ربي. فيقولها. ويقال لأمثال. هؤلاء : إمعون جمع إمع ، أي اني معك من باب النحت.

ومهما بلغت الحال بهؤلاء من الانحطاط وانعدام الشخصية والذبذبة بين الكفر والإيمان فإن الإسلام يدعهم وشأنهم ما لم يعتدوا ويقاتلوا .. فإن اعتدوا وقاتلوا فالإسلام يأمر بردعهم وقتلهم أينما وجدوا إذا أصروا على الحرب والقتال .. وهذا ما أراده الله بقوله : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ).

وهذا دليل من عشرات الأدلة التي يقدمها القرآن الكريم ، والسنة النبوية على ان الخط الأساسي لدين الإسلام ان لا قتل ولا قتال إلا لردع من قاتل وسعى فسادا في الأرض : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ـ ١٩٠ البقرة» .. (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ ١٩٣ البقرة» .. اذن ، الإسلام سوّغ القتال، حيث سوغته جميع الشرائع قديما وحديثا ، وأوجبته جميع العقول .. ورغم هذه الأدلة وغيرها فان أعداء الإسلام أبوا إلا أن يقولوا : انه دين السيف والقتال ، تماما كالذي قال : عنزة وان طارت.

٤٠٥

انظر تفسير الآية السابقة ٩٠ : (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً). وقارن بينها وبين قوله تعالى في الآية التي نفسرها ٩١ : (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً). فان كلا منهما تؤيد الأخرى في ان القتال لم يشرع في الإسلام إلا دفاعا عن النفس ، ودرءا للفساد ، وانه يقدر بهما وجودا وعدما ، وكما وكيفا.

قتل الخطا والعمد الآية ٩٢ ـ ٩٣ :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))

الإعراب :

خطأ نعت لمفعول مطلق محذوف ، أي الا قتلا خطأ ، ومثلها خطأ الثانية. فتحرير رقبة مبتدأ محذوف الخبر لدلالة الكلام عليه ، أي فالواجب عليه تحرير رقبة. وان يصدقوا أصله يتصدقوا ، فأدغمت التاء في الصاد لقرب مخرجهما. وقال صاحب مجمع البيان : ان المصدر المنسبك من ان يصدقوا وقع موقع الحال ..

٤٠٦

وهو اشتباه منه ، لأن المصدر هنا معناه الاستقبال : والحال لا يكون مستقبلا ، والأليق انه واقع موقع الاستثناء ، أي تجب الدية الا مع التصدق فلا تجب. وتوبة مفعول لأجله ، والعامل فيه فصيام شهرين ، لأنه بمعنى الفعل.

المعنى :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا). القتل على أنواع ثلاثة :

١ ـ عمد محض ، وهو ان يتعمد العاقل البالغ قتل غيره مباشرة ، كالذبح والخنق ، أو تسبيبا ، كدس السم بالطعام ، أو منعه عن الطعام ، حتى مات جوعا. فإذا تحققت المساواة بين القاتل والمقتول في الدين والحرية ، ولم يكن القاتل أبا للمقتول كان الخيار لولي المقتول بين ان يقتل القاتل قصاصا ، وبين أن يأخذ منه الدية ، ان رضي القاتل بإعطائها ، فالخيار بين القصاص والدية للولي في قتل العمد ، فان اختار الدية كان الخيار للقاتل بين أن يقدم نفسه للقتل ، أو يدفع الدية ، فلا الولي يجبر القاتل على دفع الدية ، ولا القاتل يجبر الولي على أخذها. والدية الشرعية ألف دينار ، وتبلغ ٣ كيلوات ونصفا و ٢٩ غراما من الذهب.

٢ ـ شبه العمد ، وهو أن يكون القاتل عامدا في فعله ، مخطئا في قصده ، كمن ضرب صبيا للتأديب فمات ، وهذا النوع من القتل يوجب الدية ، دون القصاص ، وهي ألف دينار تماما كدية العمد ، وتكلمنا عن قتل العمد وشبهه عند تفسير الآية ١٧٨ ـ ١٧٩ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ٢٧٤.

٣ ـ خطأ محض ، وهو أن يكون القاتل مخطئا في فعله وقصده ، كمن رمى حيوانا فأصاب إنسانا فقتله ، فان الإنسان غير مقصود ، لا بالرمي ، ولا بالقتل. وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا). وقد دل الكتاب والسنة مجتمعين على أن من قتل مسلما متعمدا فعليه أن يكفّر بعتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ،

٤٠٧

واطعام ستين مسكينا ، فيجمع بين هذه الأصناف الثلاثة ، وتسمى هذه بكفارة الجمع.

وان كان القتل خطأ ، أو شبه عمد فيكفّر بعتق نسمة ، فان عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا.

أما دية الخطأ فتتحملها العاقلة ، وهم البالغون العقلاء الأغنياء من الذين يتقربون الى القاتل بالأب ، كالاخوة والأعمام وأولادهم الذكور دون الإناث ، ومقدار الدية الف دينار ، والدية حق لأولياء المقتول ، ان شاءوا طالبوا بها ، وان شاءوا أسقطوها عن القاتل. والى هذا أشار تعالى بقوله : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا). وقال الفقهاء : وجبت الكفارة على من قتل خطأ زجرا له عن التقصير ، وحثا على الحذر في جميع الأمور ، ووجبت الدية على العاقلة رفقا بمن أخطأ ، ووجب القصاص في قتل العمد تأديبا له على تعمد الحرام.

(فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ). المراد بقوم عدو الكفار المحاربون ، وضمير هو يعود على المقتول. والمعنى ان المسلم إذا قتل شخصا باعتقاد انه كافر ، ثم تبين انه مسلم يقيم بين قومه الكفار ، إذا كان كذلك فلا شيء على القاتل الا عتق نسمة ، وتسقط عنه الدية ، لأن المفروض ان أهل المقتول كفار ، فإذا أعطوها تقووا بها على حرب المسلمين.

(وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ). أي إذا كان المسلم المقتول خطأ من قوم كفرة ، ولكنهم غير محاربين ، لأن بينهم وبين المسلمين عهد المسالمة ، إذا كان كذلك تعطى دية المقتول الى أهله ، وان كانوا كفرة ، لأن حكمهم ، والحال هذه ، تماما كحكم المسلمين ، من حيث وجوب الدية.

وعلى القاتل أن يكفّر بعتق نسمة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، وشرع الله هذه الكفارة على القاتل ، لتكون توبة له على ما صدر منه.

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً). أشرنا في صدر الكلام رقم (١) الى حكم القاتل عمدا ، وانه القتل إلا أن يعفو الولي ، وذكر الله سبحانه في هذه الآية ان جزاءه في الآخرة الخلود في جهنم ، والغضب واللعنة من الله ، والعذاب العظيم .. وهذه

٤٠٨

العقوبات الأربع كلها تأكيد وعطف تفسير ، والقصد التعظيم من اثر هذه الجريمة الشنعاء ، وانها من الكبائر التي لا يعادلها الا الكفر ، قال بعض الفقهاء : انها من أظهر أفراد الكفر ومعانيه .. ويأتي الكلام عن قتل النفس ظلما في المجلد الثالث الآية ٣٢ من سورة المائدة ان شاء الله. وسبق الكلام عن الخلود في النار عند تفسير الآية ٢٥٧ من سورة البقرة ، فقرة الخلود في النار ، المجلد الأول صفحة ٤٠٠.

اظهار الاسلام كافِ في الباته الآية ٩٤ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤))

اللغة :

الضرب في الأرض السفر. والتبين التثبت. والعرض بفتح الراء الشيء الذي يقل لبثه ، ويأخذ منه البر والفاجر. والمغنم اسم لمكان الغنيمة أو زمانها ، ويطلق على ما يكتسبه الرجل من مال عدوه في الغزو.

الاعراب :

تبتغون الجملة حال من الواو في تقولوا. وكذلك كنتم الكاف بمعنى مثل في محل نصب خبرا مقدما لكنتم ، وذلك مجرور بالاضافة.

٤٠٩

المعنى :

اتفق المفسرون والمحدثون على ان السبب الموجب لنزول هذه الآية ان النبي (ص) أرسل سرية من أصحابه ، فالتقت برجل معه مال ، كغنم وما اليه ، فحسبوه كافرا ، فتلفظ بما يدل على إسلامه من تحية الإسلام ، أو كلمة الشهادة ونحوها ، فاعتبرها بعضهم انها كلمة يقولها لينجو بها من القتل ، فقتله.

ولما علم النبي (ص) شق ذلك عليه ، وأنّب القاتل. فقال : انما تعوذ بها من القتل. فقال له ـ كما في بعض الروايات ـ هلا شققت عن قلبه.

وألفاظ الآية لا تأبى هذا المعنى ، بل هي صريحة فيه ، فان قوله تعالى : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) معناه إذا ذهبتم الى الجهاد فتأنوا ، ولا تقدموا على قتل من تشتبهون في دينه وعداوته (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) لأن كل من أظهر الإسلام كان له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، بخاصة فيما يعود الى حقن الدماء ، وحفظ الأموال ، أما باطنه فموكول الى الله وحده.

(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ). ويشعر هذا بأن الذي دفع بهم الى قتل الرجل انما هو الطمع بما لديه من أموال ، وهو الذي جعلهم يتخيلون ان إظهاره لكلمة الإسلام كان بقصد الخلاص والنجاة .. فكثيرا ما يتصور الإنسان نفسه على غير حقيقتها ، فيكون واقعها شيئا ، وانطباعه عنها شيئا آخر ، مع العلم بأنه هو هي ، وهي هو .. وهذا من خصائص الإنسان وعجائبه .. وعلى أية حال ، فان الله قد نبّههم الى خطئهم هذا ، وانهم قد استعجلوا الغنيمة ، مع ان مغانم الله ونعمه لا تعد ولا تحصى ، فيعوضهم منها عن مال المقتول أضعافا مضاعفة.

(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ). هذا رد عليهم ، ونقض لفعلهم بمنطق العقل والوجدان ، وتقريره انكم كنتم مشركين من قبل ، ثم دخلتم في الإسلام بنفس الكلمة التي نطق بها القتيل ، وقبلها النبي (ص) منكم ، وبها حقنت دماؤكم وأموالكم ، فكان عليكم ان تقبلوا من القتيل ما قبله النبي منكم .. وهكذا أكثر

٤١٠

الناس ، يطلبون من غيرهم الرضا بالنصيب الأدنى ، ولا يرضون لأنفسهم إلا النصيب الأوفى.

(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بقبول الإسلام ، وجعلكم من الصحابة بمجرد كلمة الشهادة ، ولم يبحث النبي عما في قلوبكم ، فلما ذا لم تعاملوا غيركم بما عاملكم به رسول الله (ص) (فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً). أي لا تفعلوا أي شيء بعد الآن ، حتى تكونوا على بينة مما تقدمون عليه ، ولا تأخذوا أحدا بالظن والتهمة ، فان الله خبير بواقعكم ودوافعكم ، ويحاسبكم عليها بما تستحقون.

وعدّ الفقهاء هذه الآية مع آيات الأحكام (١) واستخرجوا منها حكمين شرعيين :

الأول : وجوب التثبت في كل شيء ، بخاصة في الأحكام الشرعية ، وبوجه أخص في الدماء والأموال ، حيث أوجب الفقهاء فيهما التحفظ والاحتياط ، وألحقوا بهما الفروج.

الثاني : ان كل من نطق بكلمة الإسلام ، وقال : أنا مسلم فحكمه حكم المسلمين من حيث الزواج والإرث ، وما الى ذلك من الأحكام التي تترتب على مجرد اظهار الإسلام ، لا على نفس الإسلام حقيقة وواقعا.

القاعدون والمجاهدون الآية ٩٥ ـ ٩٦ :

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ

__________________

(١) كل آية يستخرج منها حكم شرعي فهي من آيات الأحكام ، كآيات الحج والصيام ، والزواج والإرث والمأكولات المحرمة ، وقد بلغت هذه الآيات حوالى ٥٠٠ آية ، وضع لها فقهاء الشيعة والسنة كتبا مستقلة ، فمن كتب السنة آيات الأحكام للجصاص ، ومن كتب الشيعة كنز العرفان في آيات الأحكام للمقداد.

٤١١

عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦))

اللغة :

الاستواء المماثلة ، تقول : استوى هذا وهذا ، أو تساويا ، أي تماثلا. والضرر كل ما يضر ، والمراد به هنا العمى والعرج والمرض ، وما اليه مما يمنع من الجهاد. والمراد بالدرجة عند الله المنزلة ، قال رجل : يا رسول الله ما الدرجة؟. فقال : أما انها ليست بعتبة أمك ، ما بين الدرجتين مائة عام.

الإعراب :

من المؤمنين متعلق بمحذوف حال من القاعدين. وغير صفة لهم. ودرجة قائمة مقام المفعول المطلق لفضّل ، لأن الدرجة هنا تتضمن معنى التفضيل ، أي فضّل الله المجاهدين تفضيلا ، أو تفضلة. وكلا مفعول أول لوعد ، والحسنى مفعول ثان. وأجرا قائم مقام المفعول المطلق ، لأنه يتضمن معنى التفضيل. ودرجات بدل من أجر.

المعنى :

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ). من تخلف عن الجهاد لعذر مشروع ، كالعمى والعرج ، وما اليه فهو معذور ، بل ومأجور إذا كان مؤمنا مخلصا يحب النصر للدين ، والخير وأهله ، ويود في واقعه لو كان معافى ليشارك المجاهدين في جهادهم ، فقد جاء في الحديث : «المرء مع من أحب» أي من أحب مجاهدا لا لشيء الا لأنه مجاهد فله أجر المجاهدين ، ومن أحب صادقا لصدقه فله منزلته ، ومن

٤١٢

أحب ظالما لظلمه فهو شريكه ، ومن أحب كافرا لكفره فهو مثله ، هذا حكم القاعدين غير الأصحاء.

أما الأصحاء منهم فينظر : فإن قعدوا عن الجهاد الذي وجب عليهم وعلى غيرهم ، كما في النفير العام فإنهم غير معذورين ، بل ملومين مستحقين للعقاب ، لأنهم تمردوا وعصوا ، وعليه فلا تصح المفاضلة بينهم وبين المجاهدين بحال ، لأن المفاضلة مفاعلة ، وهي تقتضي المشاركة ، وهؤلاء لا يشاركون المجاهدين في شيء .. وان كان الجهاد فرض كفاية يحصل الغرض منه بفعل البعض ، ولا حاجة الى الكل يكون القاعدون عنه معذورين ، مع قيام غيرهم بهذا الواجب ، ولكن المجاهدين أفضل من القاعدين ، على الرغم من وجود عذرهم المشروع ، لأنهم آثروا الكسل على العمل ، والاعتزال على النضال ، وهؤلاء القاعدون هم المقصودون بقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ). وعلى هذا يكون المعنى لا يستوي عند الله القاعدون الأصحاء والمجاهدون الذين لم يجب عليهم الجهاد بالخصوص ، بل وجب عليهم وعلى غيرهم كفاية ، ولكن هم الذين تصدوا لهذا الواجب ، وأدوه على أكمله ، وأسقطوه عن الباقين. وهذا المعنى هو الذي أراده الله ، وأوضحه بقوله :

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً). بعد أن نفى التسوية بينهم وبين القاعدين بيّن ما امتاز به المجاهدون ، وهو تفضيلهم على القاعدين بدرجة ، فيكون قوله هذا تفصيلا بعد إجمال ، وسر التفضيل ما أشرنا اليه من تحملهم مسؤولية الدفاع منفردين ، تماما كما لو هاجم العدو بلدا ، فصده عنه فريق دون فريق من أهله ، فيمتاز الفريق الأول على الثاني بالبداهة ، وان كان الثاني غير مؤاخذ بعد أن قام الأول بالواجب ، وحقق الغرض المطلوب ، ولذا قال تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى). ولكنه أعاد مؤكدا ومرغبا في الجهاد بقوله :

(وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) وبيّن هذا الأجر العظيم بأنه (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً). ودرجة واحدة عند الله خير من الكون بما فيه ، فكيف الدرجات!! أما رحمته فلا شيء خير منها الا من هي منه ..

٤١٣

وكفى بمغفرته أمانا من عذابه وسخطه .. هذه هي المغفرة والرحمة والدرجة عند الله ، من نال واحدة فهو في عليين ، فكيف بمن نالها مجتمعة؟!.

اللهم اني أسألك يسيرا من رحمتك ومغفرتك ، وأنت تعلم ان بي فاقة اليه .. وما ذا يكون لو مننت وجبرت مسكنتي؟! أتخشى نفاد مغفرتك ، وكنوز رحمتك؟. أم ما ذا يا مولاي؟! ألا إني مذنب .. أجل ، ولكن ألا تعلم بأني أعلم ان لا ملجأ لي منك إلا اليك ، وانه يسرني أن تعفو عني وتصفح .. اللهم إن كنت كاذبا فيما قلت فعاملني بما أنا أهله ، وان كنت صادقا فيه فعاملني بما أنت أهله.

علي وأبو بكر :

قال الرازي بالنص الحرفي :

«قالت الشيعة : دلت هذه الآية (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) على ان علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر ، وذلك لأن عليا أكثر جهادا ، فالقدر الذي فيه التفاوت كان أبو بكر من القاعدين فيه ، وعلي من القائمين ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون علي أفضل منه لقوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً).

ثم ردّ الرازي على الشيعة بقوله ـ أيضا بالنص الحرفي ـ : «فيقال لهم : ان مباشرة علي لقتل الكفار كانت من مباشرة الرسول لذلك ، فيلزمكم بحكم هذه الآية أن يكون علي أفضل من محمد (ص) ، وهذا لا يقوله عاقل ، فإن قلتم : ان مجاهدة الرسول مع الكفار كانت أعظم من مجاهدة علي معهم ، لأن الرسول كان يجاهد الكفار بتقرير الدلائل والبينات وازالة الشبهات والضلالات ، وهذا الجهاد أكمل من ذلك الجهاد ، فنقول : فاقبلوا منا مثله في حق أبي بكر».

وهذه غفوة من فيلسوف المفسرين .. ولا أقول هفوة. أولا : ان كل من قاس محمدا (ص) بواحد من صحابته في تقرير الدلائل والبينات فقد خرج عن الإسلام من حيث يريد ، أو لا يريد .. اللهم إلا لشبهة علقت بذهنه .. ذلك ان محمدا يقرر الدلائل والبينات بوحي من الله ـ كما سنشير ـ وصحابته يقررونها

٤١٤

بتعلم منه .. فالمقام الأول لله وحده ، ولا شريك معه ، والمقام الثاني لمحمد وحده ، ولا أحد معه ، والإيمان بهما معا في رتبة واحدة ، من حيث ان كلا من الإيمان بالله والإيمان برسوله ركن مقوّم للإسلام ، ولا يتحقق بأحدهما ، دون الآخر ، وعليه تكون الخلافة والصحبة والجهاد ، ونحوه فرعا عن الإيمان بالنبوة ، والنبوة أصل ، والفرع لا يقاس بالأصل.

ثانيا : ان المعنى الظاهر من لفظ المجاهدين في آية : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) هو الجهاد بالسيف ، لا بغيره باعتراف الرازي في تفسيره .. ولكنه ذهل عما قال ، وناقض نفسه بنفسه .. ولندع ظاهر الآية ، وجميع التفاسير ، ونرجع الى من نزل القرآن على قلبه ، ونسأله : أي الناس أفضل؟ ونستمع لما يجيب .. وقد روى مسلم في صحيحه : ان رجلا سأل رسول الله (ص) : أي الناس أفضل؟ فقال : «رجل جاهد في سبيل الله بنفسه وماله» .. وكلنا يعلم (ان عليا أكثر جهادا) على حد تعبير الرازي فيكون أفضل الناس ، ما عدا النبي (ص) ، حيث لا شيء فوق مقام النبوة الا مقام الألوهية ـ كما بينا ـ وأيضا كلنا يعلم بالبداهة ان الجهاد بالنفس أفضل وأعظم من الجهاد بالمال ، لأن المال يبذل في سبيلها ، وهي لا تبذل في سبيله.

ثالثا : ان الرسول الأعظم (ص) ـ كما قدمنا ـ لم يقرر الدلائل والبينات ، ولم يزح الشبهات والضلالات من عنده ، بل الله سبحانه كان يلقنها لمحمد (ص) ، ومحمد يبلغها بالحرف : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) ـ ٧٩ يس» .. (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ـ ٣٤ يونس» .. (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٣٨ يونس» .. (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ـ ١٦ الرعد» .. الى عشرات الآيات .. وغريب ان يذهل الرازي عنها بعد ان أطال في شرحها وتفسيرها.

والأعجب الأغرب قوله : «فاقبلوا منا مثله ـ أي مثل ما قبلتم من محمد ـ في حق أبي بكر». كلا ، وألف كلا ، لا نحن ولا أي مسلم يقبل منك ومن غيرك أن يكون لأبي بكر مثل ما كان لمحمد (ص) (في تقرير الدلائل

٤١٥

والبينات وازالة الشبهات والضلالات) والا كان أبو بكر نبيا ينزل الوحي عليه من الله .. استغفره وأعوذ به .. هذا ، الى أن منزلة علي من العلم لا تدانيها منزلة واحد من الصحابة على الإطلاق ، وكفى شاهدا على ذلك ما تواتر عن الرسول الأعظم «أنا مدينة العلم وعلي بابها». وقد حفظ التراث الاسلامي من علم علي ما لم يحفظه لأبي بكر ، ولا لغيره من الصحابة.

أرض الله واسعة الآية ٩٧ ـ ١٠٠ :

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))

اللغة :

توفى الشيء أخذه وافيا تاما ، والمراد به هنا قبض الأرواح عند الموت. وراغمت الرجل إذا فعلت ما يكره. واشتقاقه من الرغام ، وهو التراب ، يقال

٤١٦

رغم أنفه ، لأن الأنف يكنى به عن العزة ، والتراب يكنى به عن الذلة ، لأن الناس تدوسه بأقدامها. فإذا أضفت إحدى الكلمتين الى الأخرى كانتا كناية عن ذل صاحب الأنف.

الاعراب :

الذين اسم ان ، وجملة قالوا فيم خبر. وتوفاهم يجوز اعتبارها فعلا ماضيا إذا أبقيتها كما هي ، ولم تقدر تاء محذوفة ، ويجوز اعتبارها مضارعا على معنى تتوفاهم. وظالمي أنفسهم حال من ضمير تتوفاهم. وفيم (ما) للاستفهام ، حذفت منها الألف ، والمجرور ، متعلق بمحذوف خبرا لكنتم ، أي كنتم في أي شيء. وأولئك مبتدأ أول ، ومأواهم مبتدأ ثان ، وجهنم خبر المبتدأ الثاني ، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول. ومصيرا تمييز. ونصب المستضعفين على الاستثناء المنقطع من أولئك ، لعدم دخولهم في أهل جهنم. وسبيلا منصوب بنزع الخافض ، أي لا يهتدون الى سبيل ، أو مفعول ، لأن لا يهتدون تتضمن معنى لا يعرفون.

ومهاجرا حال من الضمير في يخرج.

المعنى :

كان للمسلمين في عهد الرسول (ص) هجرتان من مكة : إحداهما الى الحبشة ، وكانت لخمس سنين من مبعثه ، والثانية الى المدينة ، وكانت بعد ثماني سنين من الأولى ، ومن الصحابة من هاجر الهجرتين ، كجعفر بن أبي طالب الذي ختم حياته بالشهادة بعد أن قطعت يداه ، فأكرمه الله عنهما بجناحين يطير بهما في الجنة ، ومن أجلهما سمي الطيار.

أما سبب الهجرة فهو الابتعاد عن الوقوع في التهلكة ، واللجوء الى مكان الأمن ، وتدبير الخطة للجهاد المنظم ، ومصارعة الباطل وصرعه .. وبالهجرة وفضلها انتصر الإسلام على أعدائه ، ولولاها لانطفأت شعلته ، وتحول الى رماد

٤١٧

تذروه الرياح ، ومن هنا كانت الهجرة حينذاك هي الفضيلة العظمى ، والمنقبة الأولى التي لا يدانيها شيء.

هاجر النبي (ص) من مكة الى المدينة ، وأمر المسلمين بالهجرة اليها. فاستجاب له كثيرون ، وتخلف آخرون تمسكا بأموالهم ومصالحهم ، لأن المشركين كانوا لا يدعون مهاجرا يحمل معه شيئا من ماله ، ويشددون عليه بالأذى ، ويمنعونه من اقامة دينه ، وهو عاجز عن الدفاع والمقاومة ، ولكنه كان قادرا على الخلاص والتحرر من الاضطهاد ، واقامة الدين على أكمل الوجوه بالهجرة من دار الحرب على المسلمين الى دار الإسلام والأمان ، الى المدينة ، حيث النبي والصحابة .. لذلك وبخ الله سبحانه الذين آثروا البقاء في دار الكفر والحرب على الدين وأهله ، وبخهم وأنبهم بلسان ملائكة الموت قائلا :

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بترك الجهاد والهجرة الى دار الإسلام ، والرضا بالبقاء في دار الكفر والاذلال والإخلال بواجبات الدين ، وتكثير الكافرين وتقليل المؤمنين (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي قال ملائكة الموت للذين تركوا الهجرة : في أي شيء كنتم؟ .. وليس هذا سؤالا في واقعه ، وانما هو تأنيب وتبكيت ، وبديهة ان التأنيب يكون على شيء واقع ومعلوم ، وهو هنا تخلفهم عن إخوانهم المهاجرين الذين أطاعوا الرسول في تنفيذ خطته لتحطيم الشرك وإعلاء كلمة الله.

وان سأل سائل : هل كان هذا التوبيخ من ملائكة الموت للمتخلفين حين الاحتضار وقبل الموت ، أم بعده؟.

أجبناه : ان علم هذا عند ربي ، وقد سكت عنه ، فنسكت نحن أيضا عما سكت الله عنه ، قال رسول الله (ص) : «ان الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها».

(قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ). هذا اعتذار واعتلال من المتخلفين ، ومعناه ان المتخلفين أجابوا الملائكة الذين أنبوهم على التقصير في أمر الدين ، أجابوهم : كنا عاجزين في دار الشرك عن القيام بواجبات الدين ، لأن المشركين اضطهدونا ، ومنعونا من ممارسة ما نعتقد ، فرد الملائكة هذا الاعتذار و (قالُوا

٤١٨

ـ لهم مبكتين ـ : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها). أي كنتم قادرين على الهجرة الى دار الإسلام ، حيث تتخلصون من الذل ، وتقيمون الدين في حرية ، كما فعل غيركم من المسلمين .. وان دل هذا الحوار على شيء فإنما يدل على ان الله سبحانه لا يعذب أحدا الا بعد إتمام الحجة .. بل الا بعد تراكم الحجج عليه ، بحيث لا يدع للمذنب ملجأ الا مغفرته تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء .. اللهم وأنا شيء فلتسعني رحمتك.

(فَأُولئِكَ) ـ أي المتخلفون ـ (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) ـ الذين ـ (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً). بعد أن هدد سبحانه وتوعد المتخلفين استثنى منهم المعذورين لمرض أو عدم النفقة ، وأسقط عنهم تكليف الهجرة ، لأن الله لا يكلف نفسا الا وسعها.

وتسأل : ان استثناء الرجال والنساء المعذورين له وجه معلوم .. فما الوجه لاستثناء الولدان ، مع العلم بأنهم ليسوا من أهل التكليف؟.

وأجيب عن هذا السؤال بأن المراد بالولدان هنا العبيد والإماء .. أما نحن فنجيب بأن كثيرا من الولدان يستطيعون الهجرة بخاصة المراهقين ، بل ان بعضهم أقدر عليها من الكبار ، ومن أجل هذا قد يتوهم متوهم ان الهجرة تجب على من قدر منهم ، فدفع الله هذا التوهم ، وبيّن ان الهجرة تجب على كل قادر إلا إذا كان من الولدان.

الفقهاء ووجوب الهجرة :

وقد استدل الفقهاء بهذه الآية على ان المسلم لا يجوز له أن يقيم في بلد الكفر إذا تعذر عليه اقامة الدين فيه ، حتى ولو كان وطنه ، وله فيه أملاك ومصالح.

ولا موضوع اليوم لهذا الحكم ، لأن لكل انسان في كل بلد أن يعبد الله بالشكل الذي يريد ، فإذا ترك فهو وحده المسئول.

وتسأل ، إذا علم ان إقامته في بلد غير مسلم تؤدي به الى ترك الفريضة .. لا لأن أحدا يمنعه عنها ، بل لضعف الدافع عليها ، ووجود الصارف عنها ، كالملاهي ونحوها : فهل تجوز له الاقامة في هذا البلد؟.

٤١٩

الجواب : إذا علم علما يقينيا ان الذهاب الى أي مكان كان بلدا أو مجلسا أو سوقا يوقعه حتما في ترك الواجب ، أو فعل الحرام وجب عليه الاحجام عنه ، وإذا كان مقيما فيه وجب عليه الرحيل عنه ، لأن السبب التام الذي يستلزم حتما الحرام فهو حرام .. قال تعالى: (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٦٨ الانعام». وقال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «والهجرة قائمة على حدها الأول» أي لم يزل حكمها الوجوب على من يتعذر عليه القيام بأحكام دينه إلا في بلد مسلم. أما قول النبي (ص) : «لا هجرة بعد الفتح» فان المراد به الهجرة من مكة ، وتدل عليه لفظة الفتح.

(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً). ان الأرزاق لا تنحصر بالأوطان ، والهجرة لا تستوجب الحرمان ، فبلاد الله واسعة ، ورزقه أوسع ، ونعمه في كل بلد لا تعد ولا تحصى .. وان كثيرا من الفقراء قد جمعوا من مهاجرهم أموالا لم يحلموا بجزء منها ، وهم في أوطانهم .. ولو ان المتخلفين هاجروا لوجدوا من الرزق والعزة ما يرغمون به أنوف المشركين الذين أذاقوهم ألوانا من الذل والاضطهاد .. ولكن المتخلفين رفضوا الهجرة ، وتحملوا الهوان والاذلال من أعداء دينهم ، لا لشيء الا لأن الشيطان وعدهم الفقر ، ان هاجروا ، فركنوا الى وعده ، وآثروه على مغفرة الله وفضله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ـ ٢٦٨ البقرة».

(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ). كل من قصد بجد واخلاص عملا من أعمال الطاعة ، ثم عجز عنه فان الله سبحانه يكتب له ثوابه تاما كاملا تفضلا منه وكرما. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ، فقرة لكل امرئ ما نوى .. وروي ان جندب بن ضمرة لما سمع آية الهجرة قال لبنيه : والله لا أبيت في مكة ، حتى أخرج منها ، فاني أخاف أن أموت فيها ، وكان مريضا شديد المرض ، فخرجوا يحملونه على سرير ، حتى إذا بلغ مكانا في الطريق يقال له التنعيم مات ، فنزل قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) الخ ..

٤٢٠