التّفسير الكاشف - ج ٢

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٢

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٨

على ما فيه الخير ، وإصلاح ذات البين فأفضل من عامة الصلاة والصيام ، كما جاء في الحديث.

(وتشركوا به شيئا). انكار الألوهية من الأساس كفر وجحود. أما الشرك فهو على نوعين : شرك في الألوهية ، كمن يؤمن بأن الخالق والرازق أكثر من واحد. ومن هذا الشرك الاعتقاد بأن لله وزراء وأعوانا ومستشارين. وشرك في الطاعة ، كمن يؤمن بأن الخالق والرازق واحد لا شريك له ولا أعوان له ولا وزراء ولا مستشارين ، ولكنه يعصي الخالق في طاعة المخلوق ، ويؤثر مرضاته على مرضاة الله ، ومن هذا الشرك الرضا عن الحاكم الجائر ، وعن الوزير أو النائب الخائن ، والقاضي الجاهل الفاسق ، وعن كل من تولى شأنا من الشؤون العامة ، وما هو له بكفؤ. وفي الحديث من رضي بفعل قوم فهو شريك لهم.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً). قرن الله سبحانه وجوب التعبد له بوجوب البرّ بالوالدين في العديد من الآيات ، منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ـ ٢٤ الاسراء». ومنها : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ـ ١٤ لقمان».

ومن دعاء الإمام زين العابدين لوالديه : «يا إلهي أين طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟ هيهات ما يستوفيان مني حقهما ، ولا أدرك ما يجب عليّ لهما ، ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما».

(وَبِذِي الْقُرْبى). بعد الأمر بالإحسان للوالدين أمر بالإحسان للأقارب والأرحام ، ثم (الْيَتامى وَالْمَساكِينِ) ولو انهم أبعد مكانا من الجار ، لأن اليتيم فقد الناصر والمعين ، أعني الأب ، ولأن المسكين لا ينتظم حال المجتمع الا بالعناية به ، والمسكين الذي ينبغي العناية به هو الضعيف العاجز عن الكسب ، أما اعانة القادر على العمل ، ومع ذلك آثر البطالة والكسل ، فتشجيع على الرذيلة ، وفي الحديث : ان الله يحب العبد المحترف .. ويكره العبد البطال. وقال الحواريون لعيسى : من أفضل منا؟ قال : أفضل منكم من يعمل بيده ، ويأكل من كسبه.

٣٢١

وذكرنا في فقرة «اللغة» معنى (الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). ولا ينحصر الإحسان بإعطاء المال ، بل يشمل الرفق والتواضع والسعي في قضاء الحوائج ، والنصح في المشورة ، وكتمان السر ، وغض الطرف عن العورات ، وعدم اشاعة السيئات ، واعارة الأدوات ، وما إلى هذه .. وعلى أية حال ، فان الأمر بالإحسان الى هؤلاء ندب لا فرض.

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً). هذا تهديد ووعيد لمن يأنف من أقاربه الفقراء ، وجيرانه الضعفاء.

يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الآية ٣٧ ـ ٣٩ :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩))

اللغة :

الرئاء المراءاة. والقرين الصاحب.

الإعراب :

الذين يبخلون يجوز أن يكون محل (الذين) النصب بدلا من (من) في

٣٢٢

قوله تعالى : (لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً). ويجوز الرفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره مذمومون أو معذبون ، وعلى هذا يكون الكلام مستأنفا. والذين ينفقون عطف على الذين يبخلون. ورئاء مفعول من أجله لينفقون ، ويجوز أن تكون في موضع الحال ، أي مرائين ، وله متعلق بكلمة قرين الأولى. وساء فعل ماض ، والفاعل مستتر يعود على قرين. وكلمة قرين الثانية تمييز.

المعنى :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ). بعد أن أمر سبحانه في الآية السابقة بالبذل والإحسان هدد في هذه الآية من يبخل ، ويأمر غيره بالبخل .. وكل بخيل يأمر الناس بالبخل ، بل كل مسيء يود أن يجد له أقرانا وأمثالا ، لكي تتوزع المسئولية على الجميع : ويتقي ألسنة القدح والذم .. وبديهة ان كثرة اللصوص لا تبرر اللصوصية ، وتجعلها حلالا ، بل تضاعف من جرمها وجريرتها.

وما رأيت كلاما تستجيب له النفس كالأمر بالبخل والإمساك ، ذلك ان المال عزيز يعادل الروح ، ولا تسخو بشيء منه ـ في الغالب ـ إلا بعد جهد جهيد ، والأمر بالإمساك يصادف هوى في النفس ، فتستجيب له بيسر وسهولة .. قال الشيخ محمد عبده عند تفسير هذه الآية : ان للآمرين بالبخل شبهة قوية ، وقد أثرت في نفسي ، فكنت أرد الدراهم الى جيبي بعد إخراجها ، لأن المنفرين من الإنفاق كانوا يقولون لي : ان هذا غير مستحق ، وإعطاؤه اضاعة ، فإذا وضعت المال في مكان آخر يكون خيرا وأولى.

والصحيح ما قلناه : ان الأمر بالبخل إنما يؤثر على المرء حين يجد هوى في نفسه ، لا لقول المنفرين وشبهتهم ، ومهما يكن ، فان العظيم هو الذي يتغلب على هوى نفسه ، ويرغمها على تقبل الشاق العسير ، ان كان فيه خيرها وصلاحها. قال الإمام علي (ع) : أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. وفي الحديث : أفضل الأعمال أحمزها ، أي أشقها.

٣٢٣

(وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). وفضل الله سبحانه يشمل كل نعمة ، ومنها المال والعلم. وكتمان العلم محرم ، ونشره واجب ، ولكن بأسلوب يبشر ولا ينفر ، ويقرب ولا يبعد ، لأن العلم وسيلة ، والعمل هو الغاية.

وقال بعض العلماء : ان الغني إذا كتم غناه ، وتفاقر أمام الناس فقد فعل محرما ، واستدل بهذه الآية ، وبقوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ـ ١١ الضحى». وفي الحديث : إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب ان يرى أثر نعمته عليه.

(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). سياق الآية يدل على ان المراد بالكافرين هنا الذين كتموا فضل الله ونعمته ، وعن الإمام موسى بن جعفر الصادق (ع) انه قال : التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر. وفي الآية ٧ من سورة ابراهيم : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). وعلى هذا يحمل الكفر في الآية على كفران النعم ، لا على الكفر بمعنى جحود الالوهية.

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ). سبقت هذه الآية مع تفسيرها في سورة البقرة ، الآية ٢٦٤. ويتلخص المعنى بأن الذي ينفق ماله رياء ، والذي يبخل به سواء عند الله ، وربما كان المرائي أسوأ حالا ، لأنه أشبه بالكافر الذي لا يعمل لله.

قرين الشيطان :

كل ما يزين فعل الغواية ، ويغري بالفساد والضلال فلك ان تسميه شيطانا ، خاطرا كان ، أو إنسانا ، أو أي شيء ؛ فلفظ الشيطان رمز لكل غوي مضل ، يخفي حقيقته في أثواب الصالحين ، ومن أجل هذا نرى كثيرا من الناس يقولون ويفعلون بوحي من الشيطان وغوايته ، وهم يحسبون انه وحي من الله وهدايته .. وأقرب المقربين لدى الشيطان من وثق الناس بقداسته ، ولم يعرفوا شيئا عن حقيقته ، وهذا هو المقصود بقوله تعالى : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً). وبقوله : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) ـ ١٢٠) النساء).

٣٢٤

وكما ان الشيطان قرين له في الدنيا فهو قرين له في الآخرة أيضا ، فقد جاء في الحديث : الإنسان مع من أحب. وقال الإمام علي (ع) : «فكيف إذا كان بين طابقين من نار : ضجيع حجر ، وقرين شيطان».

والشيطان يقسّم أتباعه الى أقسام ، ويوكل الى كل مهمة تناسبه ، تماما كقائد الجيش ، فمنهم من يغريه بإراقة الدماء ، والتعدي على الشعوب الآمنة ، كالدول التي أوجدت إسرائيل ، وأمدتها بالمال والسلاح للاعتداء على العرب وبلاد العرب ، لا لشيء الا لتخضعهم للاستعمار سياسيا واقتصاديا. وقسم يغريهم بالفسق والفجور والتهتك والتبرج. وقسم يأمرهم بالصلاة والصيام ، وارتداء ثوب الصالحين والزاهدين ، ليصطاد بهم البسطاء والأبرياء.

وإذا استعصى عليه المتقون ، وأعيته فيهم الحيل رضي منهم ولو بكلمة حق يقولونها تلبية لطلبه ، روي ان إبليس قال لعيسى ابن مريم (ع) : قل : لا إله الا الله. قال له عيسى : أقولها ، لا لقولك ، بل لأنها حق. فرجع اللعين خاسئا .. وترمز هذه الحكاية الى ان الإيمان لا يكون بالتهليل والتكبير ، ولا بالصيام والصلاة ، فإن هذه قد تكون من مصائد الشيطان ومكائده ، وانما الإيمان الحق يقاس بالعلم بالله وأحكامه ، ومعرفة مداخل الشيطان التي تفسد على المؤمن إخلاصه وأعماله.

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ). لقد ربط سبحانه بين الإيمان به وباليوم الآخر ، وبين الإنفاق ، لأنه نفى الإيمان عن البخيل الممسك ، ومعنى هذا ان الإنفاق دليل الإيمان ، والإمساك دليل الكفر ، والوجه في ذلك ان المؤمن المتوكل على الله حقا ينفق ، وهو واثق بالخلف ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، كما قال الإمام علي أمير المؤمنين (ع) ، أما ضعيف الإيمان فيستمع الى شيطانه الذي يأمره بالإمساك ، ويوعده الفقر ، ان هو أنفق. ومهما يكن ، فإن المراد بالإيمان هنا ايمان الطاعة والعمل ، لا ايمان العقيدة فقط ، والمراد بالكفر كفر الطاعة والعمل ، لا الجحود ، وانكار الألوهية.

ومن أقوال الإمام علي (ع) في البخيل : «عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ، ويفوته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ،

٣٢٥

ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء». ومعنى قوله : الغني يستعجل الفقر ، انه أسوأ حالا من الفقير ، لأن الغني ما يزال خائفا من زوال غناه ، أما الفقير فلا يزال راجيا لزوال فقره.

ان الله لا يظلم مثقال ذرة الآية ٤٠ ـ ٤٢ :

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))

اللغة :

المثقال أصله المقدار الذي له ثقل ، وان قلّ. والذرة ما يوجد من الأجسام ، وهي هنا تمثيل للقليل ، وفي آية ثانية تمثيل للقليل بحبة الخردل.

الإعراب :

مفعول لا يظلم محذوف تقديره لا يظلم أحدا ، ومثقال ذرة صفة لمفعول مطلق محذوف ، تقديره ظلما مثقال ذرة. وتك ناقصة ، وضميرها مستتر يعود على مثقال ذرة ، وحسنة خبرها ، وأصل ، تك ، تكون بضم النون ، فحذفت الضمة للجزم ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين عليها وعلى النون ، فصارت تكن ، ثم حذفت النون للتخفيف ، وقد وردت في القرآن بحذف النون كهذه الآية ،

٣٢٦

وبإثباتها كقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً). فكيف للإنكار ، وموضعها الرفع خبرا لمبتدأ محذوف ، تقديره فكيف حال هؤلاء. ومن كل أمة متعلق بمحذوف حال من شهيد. وشهيدا حال من ضمير بك. ولو مصدرية بمعنى ان ، والمصدر المنسبك مفعول يود تسوية الأرض ، ولا يكتمون معطوف على يود. ولفظة الله منصوبة بنزع الخافض ، أي لا يكتمون عن الله حديثا.

المعنى :

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ). بعد أن أمر سبحانه بعبادته ، وبالإحسان للوالدين ، ومن ذكر معهم ، وعقب بذم البخل ، ومن أنفق رياء ، ومن كتم فضل الله ، وتوعد المختالين واخوان الشياطين ، بعد هذا بيّن سبحانه مؤكدا انه لا ينقص أحدا من أجر عمله شيئا ، وان كان كذرة الهباء ، بل يضاعف ثواب المحسنين تفضلا من عنده ، كما قال : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً). ومن لدنه اشارة الى انه تعالى يعطي المحسن في مقابل حسناته ، ثم يزيده علاوة على أجره (أَضْعافاً كَثِيرَةً).

وللفلاسفة أقوال في ان الله : هل يثيب المطيع على سبيل الحتم والاستحقاق ، بحيث لو منعه لكان ظالما له .. تعالى الله .. أو على سبيل التفضل والإحسان؟.

والأقرب في رأينا ان الله سبحانه يثيب على الواجب تفضلا ، لأنه لا أجر ولا شكر على واجب ، أما المستحب فيثبت عليه استحقاقا .. وعلى أية حال ، فإن الأمر سهل ، لأن الثواب حاصل ، ما في ذلك ريب ولا خلاف ، وعليه يكون النزاع في أن سببه التفضل أو الاستحقاق يكون هذا النزاع عقيما ، ما دام السبب خارجا عن المقدور والاستطاعة.

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). يجمع الله الناس غدا للحساب والعقاب ، وقبل كل شيء يشهد على كل قوم نبيهم بأنه قد بلغهم رسالة ربه ، وعلمهم الحلال والحرام مباشرة ، أو بواسطة أصحابه ، أو التابعين لهم ، أو العلماء والفقهاء ، فالمراد بالشهيد الأول كل نبي سابق على محمد ، وبالشهيد الثاني محمد (ص). وهؤلاء اشارة الى أمة محمد (ص) وأبعد من

٣٢٧

قال : ان هؤلاء اشارة الى جميع الأنبياء السابقين ، وان محمدا يشهد عليهم ، وهم يشهدون على أممهم .. لقد أبعد هذا القائل ، لأن الشهادة انما تجوز وتسمع على من يجوز في حقه الإهمال لواجبه ، وهذا محال في حق الأنبياء ، فالشهادة عليهم كذلك .. وعند تفسير الآية ١٤٣ من سورة البقرة ذكرنا ان محمدا (ص) يشهد على علماء أمته بأنه بلغهم الإسلام وأحكامه ، وعلماء الأمة يشهدون عليها بأنهم قد بلغوها رسالة الإسلام على وجهها.

وقال الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية ما يتلخص بأن الله سبحانه سيقابل غدا ويقارن بين عقيدة كل أمة وأعمالها وأخلاقها ، وبين عقيدة نبيها ، فان كانت هي هي كانت الأمة من الأمم الناجية ، وإلا فهي من الهالكين ..

وهذا التفسير من وحي ثورة الشيخ على البدع والتقاليد البغيضة .. وهو غير بعيد عن الواقع ، فإن عملية هذه المقارنة إذا لم تقع بالذات في حضرة الخالق جل وعلا فان نتيجتها كائنة لا محالة.

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ). المعنى ان الكفار يتمنون يوم القيامة ، حيث ينكشف لهم الغطاء لو انهم لم يخلقوا ، وانهم كانوا والأرض سواء ، أي ترابا ، كما في الآية ٤٠ من سورة النبأ : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).

(وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً). هذا كلام مستأنف ، ومعناه انهم لا يستطيعون كتمان ذنب من ذنوبهم التي اقترفوها ، وأخفوها عن أعين الناس في الدنيا ، لأن الله سبحانه محيط بهم وبأعمالهم ، ولأن الملائكة وسمعهم وأبصارهم وألسنتهم وجلودهم وأيديهم وأرجلهم ، كل هؤلاء تشهد عليهم بما كانوا يفعلون : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٠ فصلت» .. (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢٥ النور».

اللهم رحمة بمن لا طاقة له بعدلك ، وغوثا لمن لا نجاة له دون عفوك.

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وبين قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ

٣٢٨

تَزْعُمُونَ ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ـ ٢٣ ـ ٢٤ الانعام).

الجواب : من الجائز أن يكون مرادهم انهم لم يكونوا مشركين في اعتقادهم ، حتى تحقق لهم الآن شركهم وخطأهم. وإلى اللقاء عند تفسير سورة الانعام ان شاء الله تعالى.

لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى الآية ٤٣ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣))

اللغة :

الجنب ، بضم الجيم والنون ، هو الذي اصابته الجنابة ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع. والغائط المكان المنخفض من الأرض ، وجمعه غيطان ، ويقصده أهل البوادي والقرى عند قضاء الحاجة. والمراد بملامسة النساء هنا الجماع. ومعنى التيمم في اللغة القصد ، وفي الشرع الطهارة بالتراب. والصعيد وجه الأرض. والطيب الطاهر.

٣٢٩

الإعراب :

وأنتم سكارى مبتدأ وخبر ، والجملة حال ، وصاحبه الواو في تقربوا ، ولا جنبا معطوف على الحال ، فكأنه قال : لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا. وعابري سبيل منصوب على الحال ، لأن المستثنى منه غير مذكور ، وهو الأحوال ، والمعنى لا تقربوا الصلاة أو موضع الصلاة وأنتم جنب في جميع الأحوال إلا في حال عبوركم ، ويسمى هذا الاستثناء بالمفرغ ، و (الا) فيه مهملة غير عاملة ، وما بعدها يعرب بحسب ما قبلها ، وقال صاحب مجمع البيان : عابري سبيل منصوب على الاستثناء .. وهذا اشتباه ظاهر ، لأن (الا) هنا مهملة ، كما قدمنا. ومن قال : بوجوب مسح تمام الوجه واليدين في التيمم قال : الباء في (بوجوهكم) زائدة ، ومن قال بوجوب مسح بعض الوجه وبعض اليدين قال : الباء للتبعيض.

المعنى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا). هنا مسائل :

١ ـ ان هذا الخطاب موجه للمسلمين قبل تبيين الحكم بتحريم الخمر الذي تعرضت له الآيتان ٩٠ و ٩١ من سورة المائدة ، والآية ٣٢ من الأعراف معطوفة على الآية ٢١٩ من البقرة ، وذكرنا ذلك مفصلا في المجلد الأول من التفسير الكاشف ص ٣٢٨ وما بعدها عند تفسير الآية ٢١٩ ، وفي الجزء الرابع من فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة.

وتجدر الإشارة الى ان النهي عن الصلاة حال السكر لا يدل على انه حلال في غير الصلاة ـ مثلا ـ إذا قلت : لا تنظر الى النساء ، وأنت ماش في الطريق فلا يفهم من قولك هذا الاذن بالنظر إليهن في الصالونات .. وبكلمة ان الآية دلت على تحريم الصلاة حال السكر ، وسكتت عن حكم السكر في غير هذه الحال.

٢ ـ اختلفوا : هل المراد بالصلاة نفس الصلاة ، أو المسجد الذي تقع فيه

٣٣٠

الصلاة ، من باب اطلاق الحال على المحل ، والكائن على المكان ، ومنه اطلاق اسم القهوة على المكان الذي تشرب فيه ، وأكثر المفسرين على المعنى الأول ، وهو أظهر من ارادة المسجد.

٣ ـ اختلفوا أيضا : هل المراد بالسكر سكر الخمر ، أو سكر النوم والنعاس؟ والظاهر من السكر الشراب ، لا النعاس.

٤ ـ جاء على لسان بعض الرواة ان جماعة من الصحابة اجتمعوا عند أحدهم ، فصنع لهم طعاما وشرابا قبل أن يبين الله حكم الخمر ، فأكلوا وشربوا ، فلما ثملوا جاء وقت الصلاة ، فقدموا أحدهم ليصلي بهم ، فخلط في صلاته ، وحرّف آية من القرآن.

وقد تتبع الشيخ محمد جواد البلاغي (١) في تفسيره آلاء الرحمن ، وأثبت كذب هذه الروايات بالأرقام ، وتتلخص نتيجة بحثه الدقيق بأن الترمذي روى ان صاحب الدعوة هو عبد الرحمن بن عوف ، وان عليا كان إمام الجماعة .. وروى أبو داود ان صاحب الدعوة رجل من الأنصار ، وكان عبد الرحمن من جملة المدعوين .. وابن جرير الطبري قال في تفسيره ، والسيوطي في الدر المنثور : ان إمام الجماعة كان عبد الرحمن بن عوف. وفي الدر المنثور أيضا ان الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن وسعد ، وان صاحب الدعوة هو علي. وفي مسند أحمد والنسائي ان عمر قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى).

وكما اضطربت الروايات في الداعي ، والإمام والمأموم كذلك تناقضت وتضاربت في الآية التي حصل فيها التحريف ، فرواية تقول : ان إمام الجماعة قال :

__________________

(١) هو من كبار علماء الإمامية ، وكان دؤوبا صبورا على العلم والبحث والتأليف لا يفتر عنه ليل نهار ، وأتقن اللغة العبرية ، وعرف أسرار اليهودية ، ونشر الكثير من معايبها ، وله : الهدى إلى دين المصطفى ، وأعاجيب الأكاذيب ، والتوحيد والتثليث ، والرحلة المدرسية ، وغيرها ؛ ومن تنكره لذاته وأنانيته ، وانصرافه لله وحده كان لا يضع اسمه على كتاب أنفق في تأليفه زهرة حياته ، وحين سئل عن السبب قال : لعلي أخطأت في بعض ما قلت ، فيطعن الذي في قلبه مرض على الطائفة التي أنا منها بسببي. توفي سنة ١٣٥٢ ه‍.

٣٣١

أعبد ما تعبدون. وثانية تقول : بل قرأ ليس لي دين. وكذلك اختلفت في زمن النزول وسببه. وفوق ذلك كله أثبت صاحب آلاء الرحمن ان الراوي الأول الذي قال : كان إمام الجماعة عليا ، أثبت انه خارجي ، ومن أعدى أعداء علي.

وعلى أية حال ، فإن صح ان جماعة من الصحابة شربوا ، وان إمامهم خلط في صلاته فإن هؤلاء هم الذين أشركوا بالله ، وعبدوا الأوثان ، وشربوا الخمر ، وأكلوا الحرام في الجاهلية التي نشأوا فيها ، وتربوا عليها .. وعلي بن أبي طالب ليس منهم ، لأنه نشأ وترعرع في حجر الرسول الأعظم (ص) ، وهو الذي تولى تربيته وتهذيبه منذ نعومة أظفاره ، وصاغه كما يشاء ويريد.

وربّ قائل : ان قولك هذا من وحي العقيدة ، لا من وحي الواقع.

وأجيبه بأن الحكم الذي يعتمد على نشأة الشخص وتربيته هو من وحي الحق والواقع ، لا من وحي العاطفة والعقيدة.

(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا). قيل : المراد بعابري سبيل المسافرون ، وان المعنى لا تقربوا الصلاة سكارى ، ولا جنبا الا في حال السفر .. ويلاحظ بأن الآية قد تعرضت لحكم المسافرين ، حيث جاء فيها (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ). فإن فسرنا عابري سبيل بالمسافرين يلزم التكرار في كلام واحد بلا موجب. ثانيا : جاء في بعض الأحاديث تفسير (عابِرِي سَبِيلٍ) بالمرور في المسجد ، وانه يحرم على الجنب أن يدخل المسجد الا عابرا ، ما عدا المسجد الحرام ، ومسجد الرسول (ص) ، حيث لا يجوز للجنب أن يدخلهما إطلاقا ، ولو عابرا.

وقالت المذاهب الأربعة : متى عمّ الماء جميع البدن تحقق غسل الجنابة من غير فرق بين الابتداء من أعلى أو من أسفل البدن.

وقسّم الإمامية غسل الجنابة الى نوعين : ترتيب وارتماس. والترتيب عندهم أن يصب المغتسل الماء على جسمه صبا ، وأوجبوا في هذه الحال الابتداء بالرأس ، ثم بالجنب الأيمن ، ثم بالأيسر ، فلو قدم المؤخر ، أو اخّر المقدم بطل الغسل. أما الارتماس فهو غمس تمام الجسم تحت الماء دفعة واحدة ، كالغسل في البحر والنهر وما اليهما.

٣٣٢

المريض والمسافر والتيمم :

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).

اضطربت أقوال المفسرين في هذه الآية ، حتى قال الشيخ محمد عبده : «طالعت في تفسيرها خمسة وعشرين تفسيرا ، فلم أجد فيها غناء ، ولا رأيت قولا يسلم من التكلف». وقال الألوسي في روح البيان : «ان هذه الآية من المعضلات». وراجعنا نحن حوالي عشرين تفسيرا للسنة والشيعة ، وأكثر أصحابها نقل العديد من تفاسير الآية ، فرأينا الأمر كما قال الشيخ محمد عبده ، ولكن لم نر في الآية أية مشكلة أو معضلة ، كما رأى الألوسي .. وبعد وثوقنا من معناها ، وركوننا الى المراد منها حاولنا إيضاحه بالأسلوب التالي:

لقد ذكر سبحانه في الآية أربعة أصناف ، وهم المرضى ، والمسافرون ، والذين جاءوا من الغائط ، والذين لامسوا النساء ، وأوجب عليهم أن يلجئوا الى التيمم عند عدم وجود الماء ، لأن الأمر بالتيمم وقع جوابا لفعل الشرط المتضمن للأصناف الأربعة.

ومن المتسالم عليه عند جميع المذاهب ان ظاهر القرآن لا يجوز الاعتماد عليه ، بخاصة في استخراج الأحكام الشرعية إلا بعد الرجوع الى السنة النبوية ، لأنها أحد مصادر الشريعة ، كما أنها تفسير وبيان للقرآن بنص الآية ٧ من سورة الحشر : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). وعليه ، فإذا لم يوجد في السنة النبوية ما يصرف لفظ الآية عن ظاهره وجب العمل به ، وإلا وجب العمل بما نستفيده من الكتاب والسنة مجتمعين ، لأنهما يصدران من معين واحد ، وهو الوحي.

ونتكلم فيما يلي عن كل واحد من الأصناف الأربعة الذين ذكرتهم الآية ، ومنه يتضح الجواب عن هذا التساؤل : هل في السنة النبوية ما يتنافى مع ظاهر الآية بالنسبة الى كل واحد من هذه الأصناف؟.

١ ـ المريض ، وظاهر الآية يدل على انه يتيمم إذا لم يجد الماء ، وقد أجمع الفقهاء على العمل بهذا الظاهر ، لأن الصحيح يتيمم مع عدم وجود الماء فبالأولى

٣٣٣

المريض .. وإذا وجد المريض الماء ، وخاف الضرر من استعماله فهل يتيمم ، أو يستعمل الماء ، حتى مع خوف الضرر؟. وقد اتفق الفقهاء على ان المريض يتيمم مع وجود الماء إذا خاف من استعماله ، واستدلوا بحديث : «لا ضرر ولا ضرار» ، وبما روي ان بعض الصحابة أصابته جنابة ، وكان به جراحة عظيمة ، فسأل بعضهم ، فأمره بالاغتسال ، فلما اغتسل مات ، وحين سمع النبي (ص) بذلك قال : قتلوه قتلهم الله. وعليه يكون قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) قيدا لجميع الأصناف المذكورة في الآية ، دون استثناء.

هذا هو المعنى الذي دلت عليه عبارة الآية بالاصالة ، لا بالتبع ، أما المعنى الذي تدل عليه بالتبع لوجود ان الشرطية ، والمعبر عنه بلسان الفقهاء وعلماء الأصول بمفهوم الشرط ، أما هذا المعنى المفهوم بالتبع فانه يوجب على كل واحد من الأصناف الأربعة أن يستعمل الماء إذا وجده ، ولا يجوز له التيمم بحال ، حتى ولو تضرر من استعماله .. ولكن قد علمت مما تقدم ان الفقهاء قد أجمعوا ، وان السنة النبوية قد دلت على ان المريض يتيمم مع وجود الماء ، وخوف الضرر من استعماله ، وعليه فلا بد من إخراج المريض من هذا المعنى المفهوم بالتبع ، وإبقاء الأصناف الثلاثة الذين يجب عليهم استعمال الماء بموجب هذا المفهوم التبعي ، إذا وجدوا الماء.

واختصارا ان الأصناف الأربعة يتيممون ، مع عدم الماء ، ما في ذلك خلاف ولا ريب ، اما مع وجود الماء فيستعمله من لا يخاف الضرر على نفسه من استعماله ، اما من مرض مرضا يخاف معه من استعمال الماء فيدعه ويتيمم.

٢ ـ المسافر ، وتدل الآية على انه يتيمم إذا لم يجد الماء ، سواء أكان سفره طويلا ، أم قصيرا ، وهذا محل وفاق عند الجميع ، ولكن اختلفوا في الحاضر غير المريض الذي لم يجد الماء : هل يتيمم ويصلي ، أو تسقط عنه الصلاة من الأساس؟.

قال أبو حنيفة : تسقط عنه الصلاة ، لأن ظاهر الآية ان التيمم يسوغ في السفر ، لا في الحضر.

واتفقت بقية المذاهب على ان فاقد الماء يجب عليه أن يتيمم ويصلي ، سواء

٣٣٤

أكان مسافرا ، أم حاضرا ، لأن جواز التيمم في السفر لا يمنع من جوازه في الحضر .. وقد تواتر عن الرسول الأعظم (ص) : «ان الصعيد الطيب طهور المسلم ، وان لم يجد الماء عشر سنين» .. وقال أبو بكر المعروف بابن العربي في كتاب أحكام القرآن ج ١ ص ١٧٦ طبعة ١٣٣١ ه‍ : «ان أبا حنيفة كثيرا ما يترك الظواهر والنصوص للاقيسة».

وتسأل : إذا كان كل من المسافر والحاضر سواء في الحكم ، من حيث وجوب استعمال الماء مع وجوده ، والتيمم مع عدمه ، فلما ذا نص القرآن على السفر بالذات؟.

وأجابوا بأن الله سبحانه نص على السفر لأن الغالب فيه عدم وجود الماء ، أما عدم الماء في الحضر فنادر .. وهذا الجواب قول على الله بالظن والاستحسان ، لأنه لا يستند الى آية ، أو رواية متواترة ، أو حكم جازم من العقل .. ولذا نسكت عنه ..

٣ ـ (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ). الغائط كناية عما يخرج من السبيلين ، وهو البول والعذرة والريح ، فمن خرج منه شيء من ذلك ، وأراد الصلاة فعليه أن يتوضأ ان وجد الماء ، ويتيمم ان فقده اجماعا وسنة.

٤ ـ (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ). كناية عن الجماع ، ومن طريقة القرآن أن يكني عنه ، ولا يصرح ، ففي الآية ١٨٧ من البقرة : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ). وفي الآية ٢٢٢ منها : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ). وفي الآية ٢٣٧ منها أيضا : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ). وقال الشافعي : المراد بالمس في الآية مجرد الصاق الجسم بالجسم. ومهما يكن ، فان من أجنب ووجد الماء ، وأراد الصلاة فعليه أن يغتسل ، وان فقد الماء تيمم بدلا من الغسل ، وكل ما يوجب الوضوء يسميه الفقهاء الحدث الأصغر ، وكل ما يوجب الغسل يسمونه الحدث الأكبر.

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً). الصعيد الأرض ، والطيب الطاهر ، وهذه الآية في معنى الحديث الشريف : «خلقت لي الأرض مسجدا وطهورا».

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ). اتفقت المذاهب كلها على ان التيمم لا يكون إلا في هذين العضوين. واختلفوا في تحديد ما يجب مسحه بالتراب من الوجه

٣٣٥

واليدين ، فقالت المذاهب الأربعة : يجب مسح جميع الوجه ، ويدخل فيه اللحية ، تماما كما هو الشأن في الوضوء. وقال الحنفية والشافعية : يجب مسح اليدين بالتراب الى المرافق كالوضوء.

وقال الإمامية : يجب مسح بعض الوجه ، لا كله ، لأن الباء في قوله تعالى (بِوُجُوهِكُمْ) للتبعيض ، تماما كقوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) بالنسبة الى الوضوء ، لأنها لو لم تكن للتبعيض تكون زائدة ، والأصل عدم الزيادة. وقالوا : يجب مسح الكفين فقط .. والتفصيل في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة.

يشترون الضلاة ويريدون ان تضلوا الآية ٤٤ ـ ٤٧ :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧))

٣٣٦

اللغة :

الوالي من يتولى الشيء. والنصير الناصر. وراعنا ارقبنا. وليا ، أي فتلا وتحريفا. وأقوم أعدل. والطمس ازالة الأثر أو اخفاؤه ، وقريب منه الطسم والطلس. والوجه يطلق على الوجه المعروف وعلى النفس ، ومنه أسلمت وجهي لله. واللعن العذاب والابعاد. وأصحاب السبت اليهود.

الإعراب :

وكفى بالله وليا الباء زائدة ، ولفظ الجلالة فاعل ، ووليا حال ، أو تمييز ، على معنى من ولي ، ومثله وكفى بالله نصيرا. من الذين هادوا متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير من الذين هادوا فريق أو قوم يحرفون الكلم ، ومثل هذا الاستعمال كثير ، ومنه : من الناس يقول كذا ، ومنهم يقول كذا أي من يقول. وغير مسمع حال ، وصاحبه الضمير في اسمع. وليا مفعول لأجله ، والعامل فيه يقولون ، ومثله طعنا. ولو انهم المصدر المنسبك من ان واسمها وخبرها فاعل لفعل محذوف ، والتقدير لو ثبت قولهم ، أو لو وجد قولهم. ولكان ناقصة ، واسمها ضمير مستتر يعود على المصدر المتصيد من قالوا ، والتقدير لكان قولهم خيرا. والا قليلا منصوب على الاستثناء من فاعل لا يؤمنون ، أي قليلا منهم آمنوا. ولا يجوز أن يكون قليلا صفة لمفعول مطلق محذوف ، كما قال صاحب مجمع البيان ، إذ يكون المعنى على هذا انهم آمنوا ايمانا ضعيفا ، وهذا المعنى غير مقصود.

إسرائيل وقوى الشر :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) ، يدل سياق الكلام على ان المراد بالذين أوتوا نصيبا من الكتاب هم اليهود ، حيث وصفهم الله بالضلال أولا في قوله : (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ).

٣٣٧

ثم بالإضلال ثانيا في قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا). ثم بتحريف الكلم عن مواضعه في قوله: (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ).

وما عرف التاريخ قوما أشد عنادا للحق ، وعداء للخير من اليهود ، فقد كانوا ضالين مضلين محرفين يوم كانوا أذلاء محكومين ، أما اليوم ، وبعد أن خلق لهم الاستعمار دولة القراصنة والسفاحين ، فلم يقفوا عند الضلال والإضلال والتحريف ، بل صاروا رمزا للشر العالمي ، وسلاحا فتاكا يملكه كل مستعمر ومتآمر على العباد والبلاد ، ومقياسا يميز قوى الشر والغدر عن قوى الخير والتحرر .. فما من دولة استعمارية في هذا العصر تهدف الى استعباد الشعوب الا وتلجأ الى إسرائيل لتحقق أهدافها ومراميها ، وما من فئة مستغلة باغية في الشرق والغرب الا تستعين في حماية مصالحها بهذه العصابة الغاشمة الآثمة.

ولكن الدلائل التي ظهرت في فييتنام تبشر ، ولله الحمد ، بتهيئة السبيل وتمهيده لإنسان جديد يعرف كيف يقضي على أعداء الحق والانسانية .. ان انسان اليوم في فييتنام ـ نحن الآن في سنة ١٩٦٨ ـ وانسان الغد في كل مكان يختلف تماما عن انسان الأمس .. انه يميز بين المخلص والخائن ، ولا يخفى عليه هذا ، حتى ولو تقنّع بألف قناع وقناع ، يميز بينهما ، ويضع كلا في مرتبته والمكان الذي يستحقه ، وعندها يعيش الناس بلا مشاكل وقنابل .. وقد أثبتت الحوادث وبخاصة نكبة ٥ حزيران ٦٧ ان مشاكلنا نحن العرب والمسلمين لم يكن لها من مصدر الا وجود غير الأكفاء في مركز القوة ، وهذا أمر عارض يزول مع الأيام.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً). الله يعلم ، ونحن أيضا نعلم ان اليهود ومن يساندهم أعداء الحق والانسانية ، ولم يعد هذا خافيا على أحد بعد أن أصبحت الصهيونية ودولة إسرائيل رمزا للشر العالمي ، ولكن الكثير منا لا يعرف المنافقين العملاء ، لأنهم يختفون بثوب الأخيار ، ويموهون على البسطاء .. ولهؤلاء يوم يظهرون فيه على حقيقتهم ، ويتولى الله خزيهم ، واستئصال شأفتهم في أيدي المؤمنين والأحرار الطيبين.

(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). وفي الآية ٤١ من المائدة :

٣٣٨

(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) ـ وهم الذين يريدون اخضاع العباد والبلاد لسياستهم ـ : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ»). وفي الآية ٧٥ من البقرة : (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). تماما كما فعلوا بقرار الأمم المتحدة بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في ٥ حزيران سنة ١٩٦٧ ، وفسروه بوجوب المفاوضة مع العرب (١) وعرقلوا بذلك مهمة (غونار يارينغ) المبعوث الدولي لتنفيذ القرار .. وكل كلام لا يتفق مع مقاصدهم الشريرة يحرفونه عن مواضعه ، حتى ولو عقلوا وعلموا أنه من عند الله ، فلقد حرفوا التوراة من قبل ، ووضعوا مكان آيات العدل والرحمة الأمر بالسلب والنهب ، وقتل النساء والأطفال ، قال في تفسير المنار عند تعرضه لتفسير هذه الآية : «أثبت العلماء تحريف كتب العهد العتيق ، والعهد الجديد بالشواهد الكثيرة ، وفي كتاب اظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي مائة شاهد على التحريف اللفظي والمعنوي فيها». ثم ذكر صاحب تفسير المنار بعض الشواهد لهذا التحريف في الجزء الخامس ص ١٤١ طبعة ١٣٢٨ ه‍ وألف الشيخ جواد البلاغي كتابا قيما جامعا في هذا الموضوع ، أسماه الرحلة المدرسية ، وطبع أكثر من مرة.

لقد دعا النبي (ص) يهود الحجاز مرارا الى اتباع الحق ، وعدم تحريف الكلام ، فكانوا يصرون على العناد : (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ). أي غير مسموع منك ، ولا مجاب لك فيما تدعونا اليه .. وليس هذا بغريب من عناصر الشر ، ومصادر الفساد.

(وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ). قال المفسرون : ان اليهود قالوا للنبي (ص) : راعنا ، وهم لا يريدون المعنى الظاهر من هذه الكلمة ، وهو مراقبتهم والإصغاء اليهم ، وانما أرادوا الرعونة والحمق ، وهذا هو اللي والطعن في الدين. وسبق الكلام عن لفظة راعنا في تفسير الآية ١٠٤ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ١٦٦.

__________________

(١) ألف علماء المسلمين العديد من الكتب في اعجاز القرآن ، وذكروا أنواعا من هذا الاعجاز ، ولكن لم يذكروا منها وصف القرآن لطبيعة اليهود وحقيقتهم ، مع انه لا يقل اعجازا عن غيره.

٣٣٩

(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ). ولأن هذا القول أعدل وأفضل ، وأقوم وأسلم أعرضوا عنه ، ولم يتفوهوا به. قال الرازي في تفسير هذه الآية : «المعنى انهم لو قالوا بدل قولهم (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) سمعنا وأطعنا ، لأنهم يعلمون بصدقك ، وبدل قولهم (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) واسمع فقط ، وبدل قولهم (راعِنا) انظرنا ، أي تمهل علينا حتى نفهم عنك ، لو قالوا هذا لكان خيرا لهم عند الله وأقوم ، أي أعدل وأصوب».

(وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ). وتمردهم على الحق ، وتعصبهم للباطل ، ولعنة الله هي غضبه وسخطه (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً). لقد دخل الناس في الإسلام أفواجا من جميع الطوائف والأديان على مدى التاريخ إلا اليهود ، فما أسلم منهم إلا قليل كعبد الله بن سلام ، وبعض أصحابه ، بل حاربوا الإسلام والمسلمين ، وما زالوا يكيدون له بكل الوسائل والدسائس ، وهذا من أقوى الأدلة على ان الإسلام حق وصدق .. والغريب ان قادة الإسلام ودعاته لم يستدلوا على عظمته وانسانيته بعداء اليهود الذين قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) عدائهم للإسلام ، ولكل من قال : لا إله إلا الله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ). ظاهر الخطاب يشمل اليهود والنصارى ، لأنهم جميعا من أهل الكتاب .. وقيل : الخطاب مختص باليهود بقرينة السياق. والمراد بما أنزلنا القرآن الكريم ، فانه مصدق للتوراة كما نزلت على موسى (ع) ، وللانجيل كما نزل على عيسى (ع).

لقد دعا النبي (ص) اليهود الى الإسلام باعتباره حقا من عند الله ، وقدم لهم الدلائل والبينات مرات بعد مرات .. ولكن ما لليهود والحق وبراهينه؟ .. انهم لا يدينون إلا بالربح والمال ، ولن يجدوا الربح العاجل في الإسلام ، ولا في التوراة ، وانما يجدونه في الاحتكار والربا ، وفي السلب والنهب ، والغش والخداع ، والدعارة والقمار ، واثارة الفتن والحروب ، وما الى هذه من المفاسد والموبقات : ومن أجل هذا سبقوا في هذا الميدان الأولين والآخرين ، والنبي (ص) يعلم هذا حق العلم ، ولكنه دعاهم لالقاء الحجة فقط : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ـ ١٦ الاسراء».

٣٤٠