التّفسير الكاشف - ج ٢

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ٢

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٨

بدينهم وأوطانهم ، وعلى هذا فإن الآية تنطبق على هؤلاء العملاء ، كما تنطبق على دعاة الفتنة والفساد ، ورواد الكفر والضلال ، سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم ، شرقيين وغربيين.

وأيضا ينطبق قوله تعالى : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) ينطبق على تقليد نسائنا للغرب في التهتك والتبرج ، واستخفاف شبابنا بالدين والأخلاق ، وعلى كل عادة مضرة ومحرمة اقتبسناها من الأجانب .. ان الآية ظاهرة في النهي عن اطاعة اهل الكفر في الكفر والارتداد عن الإسلام ، ولكن السبب الموجب عام يشمل كل تقليد ومتابعة تغضب الله والرسول.

(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ). أي لا ينبغي لمسلم ان يتأثر ، ويلتفت الى إضلال المضللين ، ويتبع الكافرين في أخلاقهم وعاداتهم ، وهو يتلو القرآن الكريم ، ويستمع الى النبي العظيم ، يبين الحق ويزيح عنه كل شبهة ، قال نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير غرائب القرآن : «أما الكتاب فإنه باق على وجه الدهر ، وأما النبي (ص) فإن كان قد مضى الى رحمة الله فإن نوره باق ، لأن عترته وورثته يقومون مقامه ، ولهذا قال : «اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي».

(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). الاعتصام بالله هو التمسك بدينه ، والدين عند الله الإسلام ، وهو بالذات الصراط المستقيم ، والمقصود ان من اعتصم بالله حقا فلا يحيد ، ولن يحيد عن الإسلام ، مهما تكن المحاولات والاغراءات.

ولك أن تسأل : لقد جاء في الآية ٥٦ من سورة هود : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقد فسرت الصراط المستقيم بالإسلام ، فيلزم على هذا أن يكون الله على دين الإسلام؟.

الجواب : ان الصراط المستقيم يراد به الإسلام إذا نسب الى العبد ، أما إذا نسب الى الله تعالى فإن المراد به العدل والحكمة ، أي انه عز وجل يدبر الأمور بعدله وحكمته ، ولا يحيد تدبيره عن هذا المنهج.

١٢١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). كل من فعل الواجبات ، وتجنب المحرمات فقد اتقى الله حق تقاته .. وعليه يكون معنى الآية مرادفا لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ـ ١٦ التغابن» ، لأن ما لا يستطاع لا يتناوله التكليف ، وكل ما لا يمكن التكليف به فهو أجنبي عن التقوى .. أما قوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) فهو نهي عن ترك الإسلام ، وأمر بالثبات عليه ، حتى الموت.

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا). الحبل معروف ، ويستعمل في الواسطة التي يتوصل بها الى المطلوب ، والمراد بالحبل هنا الإسلام ، ومعنى الآية بمجموعها ان المسلمين ما داموا أتباع دين واحد ، ورسول واحد ، وكتاب واحد ، فعليهم جميعا أن يراعوا هذه الرابطة الدينية التي هي أقوى من الرابطة النسبية ، وان يحرصوا عليها ، ويعملوا بموجبها ، ولا يتفرقوا شيعا وأحزابا.

وتسأل : أليس في هذه الدعوة الى التكتل الديني نوع من العصبية الدينية؟ الجواب : كلا ، ان تدعيم الرابط بين اتباع الدين الواحد ، تماما كتدعيمها بين أفراد الحزب الواحد ، أو الأسرة الواحدة .. ولا تلازم بين هذا التدعيم ، وبين التعصب ضد الآخرين .. بل على العكس بالنسبة الى الإسلام ، حيث يدعو الى التعاطف والتآلف بين جميع أعضاء الاسرة الانسانية بصرف النظر عن أديانهم وأفكارهم وقومياتهم .. وعليه تكون الاخوة الاسلامية قوة ودعامة للاخوة الانسانية.

وتجمل الاشارة إلى أن الجماعة الذين يجب التعاون معهم ، ويحرم الخروج عليهم هم الذين اجتمعوا وتعاونوا على ما فيه لله رضى ، وللناس صلاح ، أما مجرد التجمع دون أن تترتب عليه أية فائدة مرضية فليس بمطلوب إلا من حيث عدم الشقاق والنزاع. قال الإمام علي (ع) : «الفرقة أهل الباطل وان كثروا ، والجماعة أهل الحق وان قلوا .. وبهذا نجد تفسير الحديث الشائع : «يد الله مع الجماعة» أي خصوص المجتمعين المتعاونين على الحق ، أما إذا اجتمعوا على الباطل فلا أحد معهم إلا الشيطان.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً). يذكّر الله المسلمين الأول بما كانوا عليه من الإحن والبغضاء والحروب

١٢٢

المتطاولة ، ومنها الحرب بين الأوس والخزرج التي امتدت ١٢٠ سنة ـ كما في تفسير الطبري ـ فألف الله بين قلوبهم ببركة الإسلام ، حتى صاروا إخوانا في الله متراحمين متناصحين. قال جعفر بن أبي طالب في حديثه إلى النجاشي :

«كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله ، ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام».

(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها). شفا الشيء حرفه وحافته ، وشفى على الشيء إذا أشرف عليه ، والمعنى كنتم مشرفين على نار جهنم لكفركم فأنقذكم الله منها ببركة محمد (ص) .. وأحسن تفسير نفسر به هذه الآية ما جاء في خطبة سيدة النساء فاطمة بنت محمد (ص) التي خطبتها بعد وفاة أبيها (ص) مخاطبة أبا بكر ، ومن معه :

«كنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطّرق ، وتقتاتون القدّ ، اذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد (ص)».

الآمر بالمعروف الآية ١٠٤ :

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤))

١٢٣

المراد بالخير هنا الإسلام ، وبالمعروف طاعة الله ، وبالمنكر معصيته ، ومحصل المعنى انه لا بد من وجود جماعة تدعو غير المسلمين الى الإسلام ، وتدعو المسلمين الى ما يرضي الله ، ويثيب عليه ، وترك ما يغضبه ، ويعاقب عليه.

ولفظ (منكم) في الآية قرينة على ان وجوب الأمر بالمعروف على سبيل الكفاية ، دون العين ، إذا قام به البعض سقط عن الكل.

وليس من الضروري أن يكون القائم بهذه المهمة عادلا ، بحيث لا يجوز للفاسق أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر .. كلا ، لأمرين : الأول ان شرط الحكم تماما كالحكم لا يثبت الا بدليل ، ولا دليل على شرط العدالة هنا لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من العقل. الثاني ان حكم الآمر بالمعروف لا يناط بطاعة أو معصية غيره من الأحكام.

وكثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر آمنا على نفسه ، بحيث لا يصيبه أي ضرر إذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر.

ولكن هذا الشرط لا يطرد في جميع الموارد ، فإن قتال من يحاربنا من أجل ديننا وبلادنا واجب ، مع العلم بأن القتال يستدعي الضرر بطبعه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) ـ ١١١ التوبة .. ويجوز لكل انسان أن يضحي بحياته إذا تيقن ان في هذه التضحية مصلحة عامة ، وفائدة للعباد والبلاد أهم وأعظم من حياته ، بل هو مشكور عند الله والناس ، وفي الحديث : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

وخلاصة القول ان الضرر يجب دفعه إذا لم تترتب عليه فائدة ، والا جاز تحمله ، كما يجوز للإنسان أن يقدم على قطع عضو سقيم من أعضائه ، حرصا على حياته ، وخوفا على نفسه من الهلاك.

هذا ، الى ان للأسلوب أثره البالغ ، فبعض الأساليب تنفّر من الحق ، وتجر على صاحبها المتاعب والويلات ، وبعضها تفرض الفكرة على سامعها فرضا من حيث لا يشعر .. والعاقل الحكيم يعطي لكل مقام ما يناسبه من القسوة واللين ، وقد كان فرعون في أوج سلطانه وطغيانه ، ولم يكن لموسى وهارون ناصر ولا معين ، ومع ذلك أمرهما ان يدعواه الى الحق ، ولكن بأسلوب هين لين .. حتى

١٢٤

خالق الكون جلت كلمته يخاطب عباده تارة بأسلوب التهديد والوعيد ، ويقول لهم : (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) ـ ٦٥ المؤمنون». وتارة يقول لهم برفق : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٢٢ النور».

وبالجملة ان إعلان الدعوة الإسلامية على الملأ ، وتآمر المسلمين فيما بينهم بالمعروف ، وتناهيهم عن المنكر ، ان هذا ركيزة من ركائز الإسلام ، ومن ثم يحتم وجود فئة معينة تقوم بهذه المهمة ، تماما كما يحتم وجود سلطة تحافظ على الأمن والنظام ، وفئة تختص بالصناعة ، وأخرى بالزراعة ، وما إلى ذاك مما لا تتم الحياة إلا به.

وهذا الأصل من الأصول الأساسية لكل دين ، ولكل مذهب ، وكل مبدأ ، ولو كان زمنيا ، لأنه الوسيلة المجدية لبث الدعوة وانتصارها ، وردع أعدائها .. ولا شيء أدل على ذلك من اهتمام أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية بوسائل الاعلام ، وتطورها ، وبذل الملايين في سبيلها ، ومن وقوف الدعاية بشتى أساليبها مع المدفع جنبا الى جنب ، وما ذاك إلا لأنهم أدركوا بتجاربهم ان الرأي العام أمضى سلاحا ، وأقوى أثرا من الصواريخ والقنابل ، وقد اشتهر عن أحد أقطاب الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية انه قال : «لقد انتصرنا في المعركة بقنابل من ورق». يعني الصحف والنشرات (١).

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وبين قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ـ ١٠٥ المائدة» ، حيث أفادت الأولى وجوب الامر بالمعروف ، ودلت الثانية على عدم وجوبه بقرينة (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ).

__________________

(١) جاء في تفسير المنار ان الشيخ محمد عبده كان في الدرس يفسر هذه الآية : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) الخ ... ومما قال : ان على كل إنسان أن يأمر بالمعروف حسب استطاعته ، وضرب مثلا بالطائفة الشيعية ، فإنهم ملتزمون بهذا المبدأ ، ولا يدعونه بحال ، متى سنحت الفرصة ، واستشهد على ذلك بأنه حين كان ببيروت احتاج إلى مرضعة ترضع بنتا له ، فجيء بامرأة شيعية ، فأخذت تدعو نساء الشيخ إلى مذهبها.

١٢٥

الجواب : المقصود بالآية الثانية ان من قام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب فلا يضره ضلال من ضل ، واعراض من أعرض ، ما دام قد أدى ما عليه : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) ـ ٤٠ الرعد».

سؤال ثان : لقد اشتهر عن رسول الله (ص) انه قال : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان». وهذا الترتيب يتنافى مع ما هو معروف شرعا وعقلا وعرفا من أن تغيير المنكر انما يبتدئ أولا باللسان ، فإن لم يجد فبالحرب ، فما هو الوجه لقول الرسول الأعظم؟.

الجواب : فرق بعيد بين تغيير المنكر ، وبين النهي عن المنكر ، فان النهي عن المنكر يكون قبل وقوعه ـ في الغالب ـ فهو أشبه بالوقاية ، كما لو احتملت ان شخصا يفكر بالسرقة ، فتنهاه عنها.

أما تغيير المنكر فيكون بعد وقوعه ، كما لو علمت ان شخصا سرق محفظة الغير ، فان كنت قادرا على انتزاعها من السارق ، وردها إلى صاحبها وجب عليك أن تباشر ذلك بنفسك إذا انحصر الرد بفعلك خاصة ، ولم يلحقك أي ضرر ، فإن لم تستطع وجب عليك أن تأمر السارق برد المحفظة الى صاحبها ، وتنهاه عن إمساكها ، فإن لم تستطع مقت السارق ، ولم ترض بفعله بينك وبين ربك .. وموضوع الحديث النبوي تغيير المنكر ، لا النهي عن المنكر.

الاختلاف بعد النبي الآية ١٠٥ ـ ١٠٩ :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها

١٢٦

خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩))

الإعراب :

يوم ظرف منصوب متعلق بعظيم ، والتقدير عظيم عذابهم في ذلك اليوم ، وجملة كفرتم مفعول لقول محذوف ، والتقدير يقال لهم أكفرتم ، وهذا الحذف كثير في القرآن ، ومنه قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، أي يقولون لهم : سلام عليكم.

المعنى :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ). هذه الآية متممة لقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) وما بعدها ، والمراد بالذين تفرقوا أهل الكتاب ، حيث افترق اليهود بعد نبيهم موسى الى احدى وسبعين فرقة ، والنصارى الى اثنتين وسبعين بعد نبيهم عيسى ، وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) يشعر بأن الإنسان لا يؤاخذ على ترك الحق ، واتباع الباطل الا بعد البيان وقيام الحجة.

أما السر لهذا التأكيد والاهتمام باجتماع الأمة واتحادها فلأن الشقاق مادة الفساد ، ولأن الأمة المتفرقة لا تصلح للحياة فضلا عن ان تدعو الأمم الأخرى الى الخير والحياة .. وعلى الرغم من الآيات والروايات الكثيرة التي حثت على اجتماع المسلمين واتحادهم فقد تفرقوا شيعا وأحزابا ، وزادت فرقهم فرقتين على فرق اليهود ، وفرقة على فرق النصارى ، كما في الحديث المشهور. وفي حديث آخر : لتركبن

١٢٧

سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة. قالوا : تعني اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال : فمن أعني؟ لتنقضن عروة الإسلام عروة عروة.

وعن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي في حديث رقم ١٣١ : من المتفق عليه من مسند انس بن مالك قال رسول الله (ص) : ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ، حتى إذا رأيتهم ، ورفعوا إليّ رؤوسهم اختلجوا ، فأقول : رب أصحابي. فيقال لي : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك .. وفي الكتاب المذكور أيضا حديث رقم ٢٦٧ من المتفق عليه من مسند أبي هريرة من عدة طرق قال النبي (ص) : بينا أنا واقف ـ يوم القيامة ـ إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم ، فقال : هلموا. فقلت : الى أين؟ قال : الى النار. قلت : ما شأنهم؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى.

(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). المراد باليوم يوم القيامة ، وبياض الوجه كناية عن استبشار المؤمن برضوان الله وفضله ، وسواد الوجه كناية عن حزن الكافر والفاسق لغضبه تعالى عليهما ، وعذابه لهما. (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) يقال لهم تقريعا وتوبيخا : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ). نقل الرازي والطبري وغيرهما كثير من المفسرين ، نقلوا عن بعض السلف ان المقصود بهؤلاء خصوص الخوارج ، لأن النبي قال فيهم : «انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». ولكن ظاهر الآية يشمل كل من كفر بعد الايمان ، ومنهم الخوارج ، وأهل البدع والأهواء والآراء الباطلة ، على ان العذاب لا يختص بمن كفر بعد الايمان ، بل يشمل مطلق الكافر بدليل قوله تعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). رحمة الله هي الجنة ، والخلود فيها واضح .. والخلاصة ان الذين يعتصمون بحبل الله ، ويعملون لوجه الله ، ويتعاونون على الخير والصالح العام يحشرون غدا أعزاء فرحين مستبشرين ، وراضين مرضيين ، أما الذين اختلفوا تكالبا على الدنيا غير آبهين بدين ولا أمة ولا وطن ، ولا يهتمون الا بمصالحهم ومصالح أبنائهم فإنهم يحشرون أذلاء خاسرين خاسئين ، مقرهم جهنم وبئس المصير.

١٢٨

وغريبة الغرائب ان البعض من أصحاب الوجوه السود يزعمون لأنفسهم التحدث عن الله ، والكلام باسمه ، وعن طريق هذا الزعم الكاذب بلغوا أعلى المناصب ، بلغوها باسم الله ، ولكن إذا قال لهم قائل : اتقوا الله. قالوا له : أنت كافر بالله .. وقد سبقهم الى هذا عبد الملك بن مروان ، حيث قال يوم تولى الخلافة : من قال لي بعد اليوم : اتق الله ضربت عنقه.

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ). تلك اشارة إلى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار ، وتعذيب الكفار ، والخطاب موجه لمحمد (ص). وقد يسأل سائل : وأية فائدة من هذا الإخبار ، ما دام محمد يعلم علم اليقين ان هذه الآيات حق وصدق؟

الجواب : لقد دأب القرآن على تكرار ذلك في العديد من الآيات ، وليس المقصود منها محمدا بالذات ، بل من يرتاب ويظن بأن هذه الآيات وما اليها هي من محمد ، لا من الله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) ـ ٤٨ العنكبوت».

(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ). لأن الظلم قبيح ، والله سبحانه منزه عنه ، وفي الآية دلالة قاطعة على انه تعالى لا يكلف العبد بما لا يطيق.

أمة محمد الآية ١١٠ ـ ١١١ :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١))

١٢٩

الإعراب :

خير أمة منصوب على الحال من الضمير في كنتم ، لأن كان هنا تامة ، وجملة تأمرون بالمعروف لا محل لها من الإعراب ، لأنها جواب عن سؤال مقدر ، فهي أشبه بالجملة الواقعة في ابتداء الكلام. ولكان خيرا اسم كان ضمير مستتر يعود على الإيمان المتصيد من لفظ آمن ، تماما كما تقول : من صدق كان خيرا له ، أي كان الصدق خيرا له ، وأذى وقع موقع المصدر ، أي لا يضروكم إلا ضررا يسيرا ، ولا ينظرون بالرفع ، لأنه كلام مستأنف ، ولا يجوز عطفه على يولوكم الأدبار ، لأن عدم النصر غير مسبب عن القتال ، بل عن الكفر ، وعليه فهم لا ينصرون إطلاقا ، سواء أقاتلوا ، أو لم يقاتلوا.

المعنى :

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ). يقع الكلام في هذه الآية من وجوه :

١ ـ في المقصود بالأمة .. وليس من شك ان المراد بها هنا أمة محمد (ص) بدليل السياق وتوالي مخاطبات المؤمنين من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ .. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ .. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ ..* وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ .. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا ..) الى قوله سبحانه : كنتم خير أمة.

٢ ـ هل المراد بالأمة جميع المسلمين في كل عصر ، أو خصوص من كان منهم في الصدر الأول كالأصحاب والتابعين؟

الجواب : ان تعيين المراد بالأمة هنا يتوقف على معرفة المراد من (كان) .. وهي بحسب وضعها ناقصة تحتاج الى اسم وخبر ، وتدل على حدوث الفعل في آن مضى ، مع سكوتها وعدم دلالتها على الآن السابق الذي حدث فيه الفعل ، ولا على الزمان اللاحق له الا بقرينة مقالية أو مقامية ، مثل كان زيد قائما فإنه محمول على حدوث القيام وانقطاعه ، أي لم يكن زيد قائما فقام فترة من الزمن الماضي ، دون أن يستمر قيامه مدى حياته ، والذي أفاد هذا المعنى لفظ قائم

١٣٠

بالذات ، وقد تفيد القرينة المقامية القدم والدوام ، مثل كان الله غفورا رحيما ، فان نسبة الرحمة والمغفرة اليه سبحانه لا تنفك عن ذاته أبدا وأزلا.

وحيث ان الله سبحانه قد أناط خيرية الأمة وفضلها بالإيمان به وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون معنى الآية أيها المسلمون لا تقولوا : نحن خير الأمم وأفضلها إلا إذا أمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وهذا الوصف يزول عنكم بمجرد اهمالكم لذلك ، وعليه فإن (كان) هنا تامة غير ناقصة .. وخير أمة حال من الضمير في كنتم ، أي أنتم خير أمة في حال أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر.

٣ ـ ان قوله تعالى : (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يشعر بأن الله سبحانه أوجد محمدا وأمة محمد (ص) لتقود الأمم بكاملها حاملة كتاب الله في يد ، وسنّة نبيّه في يد ، تدعو الأجيال الى التمسك بهما ، والرجوع اليهما في العقيدة والشريعة والأخلاق ، لأنهما المصدران الوحيدان اللذان يحققان السعادة للجميع ، ويضمنان العيش لكل فرد ، ويفسحان المجال لأرباب الاجتهاد والكفاءات على أساس العدل والأمن والحرية للناس ، كل الناس(١).

وتتفق هذه الآية في مضمونها ، أي كنتم خير أمة ، مع الآية ١٤٣ من سورة البقرة : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).

وإذا لم ينهض المسلمون بعبء الدعوة الى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر زال عنهم وصف القيادة ، وأصبحوا في حاجة الى قائد يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر.

وقد أتى على المسلمين حين من الدهر نهضوا فيه بهذا العبء ، وكانوا بحق قادة الأمم ، ثم أهملوه ، وبمرور الزمن أصبحوا ينهون عن المعروف ، ويأمرون بالمنكر كما نشاهد ذلك ونراه في هذا العصر الذي تحلل فيه أكثر أبناء الجيل من

__________________

(١) ألف العارفون في هذا الموضوع عشرات الكتب ، وبعض مؤلفيها من الأجانب ، وأكثرها أو الكثير منها يفي بالغرض ، ومن أكثرها فائدة ـ على ما أرى ـ كتيب للدكتور عبد الواحد وافي ، اسمه «المساواة في الإسلام» ، فانه على صغره غزير المادة ، متخم بالادلة والأرقام.

١٣١

الدين ، وكل خلق كريم ، فإذا رأوا مصليا أو صائما قالوا له ساخرين : أصلاة وصيام في القرن العشرين؟

وقال صاحب تفسير المنار عند تفسير الآية التي نحن بصددها : «الحق أقول : ان هذه الأمة ما فتئت خير أمة أخرجت للناس ، حتى تركت الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وما تركتهما رغبة عنهما أو تهاونا بأمر الله تعالى بإقامتهما ، بل مكرهة باستبداد الملوك والأمراء من بني أمية ، ومن سار على طريقهم من بعدهم».

وعلى أساس ان الأشياء تذكر بأضدادها كما تذكر بنظائرها نسجل هذا الحديث الشريف الذي ذكره الحافظ محب الدين الطبري ، قال : «قال رسول الله (ص) : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تعلق بها فاز ، ومن تخلف عنها غرق» .. أما حديث «اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي» فقد رواه خمسة وثلاثون راويا من الأصحاب.

(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ). أي لو ان أهل التوراة والإنجيل آمنوا بمحمد (ص) لكان الايمان خيرا لهم في الآجل والعاجل. (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ). أي ان أهل الكتاب منهم من آمن بمحمد (ص) كعبد الله بن سلام ورهطه من اليهود ، وغيرهم من النصارى ، وأكثرهم بقي على الكفر .. ولفظ الكفر والفسق يتناوبان ، فيستعمل الكفر في الفسق ، والفسق في الكفر ، والمراد بالفسق هنا الكفر.

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ). الضرر على نوعين : الأول عبارة عن مجرد الحزن والألم الذي يذهب مع الأيام ، كالذي يحدث في النفس من سماع كلمة نابية ، والضرر الثاني يمس الحياة ، ويهز الكيان ، كالضرر الناشئ عن دولة إسرائيل في قلب البلاد العربية.

وقد بشّر الله سبحانه أصحاب محمد (ص) ان أهل الكتاب لا يستطيعون اضرارهم الا بالكلام كالهجو والافتراءات ، أما في ميدان القتال ، فأنتم المنتصرون عليهم ، وصدق الله وعده ، ونصر المسلمين الأول على المسيحيين وغيرهم.

١٣٢

ضربت عليهم الذلة الآية ١١٢ :

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))

اللغة :

الذل الهوان ، والمسكنة الخضوع ، أي ان اليهود أذلاء في أعين الناس ، ضعفاء يخضعون لما يفرض عليهم ، وثقفوا وجدوا.

الإعراب :

أينما اسم شرط عام للأمكنة ، ويجزم فعلين ، وجواب الشرط هنا محذوف دل عليه الموجود ، أي أينما ثقفوا ضربت عليهم الذلة.

المعنى :

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ). اتفق المفسرون على ان هذه الآية نزلت في اليهود ، كما اتفقوا على ان المراد منها ان الله سبحانه قد سلبهم العزة والكرامة ، وكتب عليهم الذل والهوان من يوم الإسلام الى آخر يوم ، لأنهم قد بلغوا من الفساد والطغيان حدا لم يبلغه أحد من قبلهم ، ولن يبلغه أحد من

١٣٣

بعدهم ، وبعد ان اتفق أهل التفسير على هذا اختلفوا فيما بينهم على نوع الذلة والمسكنة التي لازمت اليهود ، والتصقت بهم في كل جيل.

وهذا الاختلاف بين المفسرين ناشئ عن اختلاف أوضاع اليهود في عصر التفسير ، حيث كانوا يدفعون الجزية للمسلمين .. أقصد ان قول المفسر جاء انعكاسا لما كان عليه اليهود في عصر المفسر .. وليس هذا بغريب ما دام الإنسان يتأثر ـ حتما ـ بما يسمع ويرى ، وتفسيري التالي لهذه الآية يخضع لهذه القاعدة.

ومهما يكن ، فإن الذي أفهمه من ذل اليهود وهو انهم الذي عنته الآية انهم مشتتون في شرق الأرض وغربها ، وموزعون بين الدول مع الأقليات ، فهم دائما تابعون غير متبوعين ، ومحكومون غير حاكمين في دولة منهم ولهم ، مستقلة لها كيانها وشأنها بين الدول.

أما إسرائيل التي قامت أخيرا في تل أبيب فإنها دولة في الاسم فقط ، أما في الواقع فهي قاعدة من قواعد الاستعمار ، تماما كمطاراته وثكناته العدوانية. وقد ظهرت هذه الحقيقة بأوضح معانيها بعد عدوان إسرائيل على الأراضي العربية في ٥ حزيران سنة ١٩٦٧. لقد أوجد الاستعمار إسرائيل ليتخذها أداة لتحقيق مآربه ، ولو تخلى عنها يوما واحدا لتخطفها العرب من كل جانب .. وهذا هو الذل والهوان بعينه. ان العزيز يستمد قوته من نفسه ، ويذود عن كيانه بساعده ، لا بسواعد الناس.

وبهذا يتبين معنا ان المراد بحبل من الناس المساعدات المادية والمعنوية التي تمد الدول الاستعمارية بها قاعدتها الاستعمارية إسرائيل ، ومن أجل هذا نؤمن إيمانا لا يشوبه ريب بأن دولة إسرائيل ستزول بزوال الاستعمار لا محالة ، والاستعمار في طريقه الى الزوال آجلا أو عاجلا ، وليس هذا القول مجرد أمنية ، وانما هو نتيجة حتمية لمنطق الحوادث .. كما جاء في الحديث النبوي : «لا تقوم الساعة ، حتى تقاتلوا اليهود .. وان الحجر ليقول ـ أي بلسان الحال ـ يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» (١).

__________________

(١) رواه البخاري في الجزء الرابع ، باب قتال اليهود ، ومسلم في القسم الثاني من الجزء الثاني ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت.

١٣٤

أما حبل الله فهو كناية عن مشيئته تعالى ، أي ان اليهود يلازمهم الذل والهوان إلا أن يشاء الله ، فهو تماما كقوله سبحانه : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ).

ثم بيّن سبحانه السبب الموجب لذلهم ومسكنتهم ، وغضب الله عليهم ، بينه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). تقدم مثله في الآية ٦١ من سورة البقرة.

ولك أن تسأل : ان غير اليهود من الأمم والطوائف قد كفروا بآيات الله ، وقتلوا الأبرياء ، وعصوا ، واعتدوا ، ومع ذلك لم يضرب الله عليهم الذلة والمسكنة ، فما هو السر لتخصيص اليهود؟

الجواب : ان الإنسان قد يطغى ، بل ويتمادى في الطغيان بدافع من مصلحته ومنافعه ، اما أن يطغى لا لشيء إلا حبا بالغي والطغيان ، كغاية ، أما هذا فلم يعهد من أحد إلا من اليهود فقط .. وهذا الشغف بالظلم والبغي من صميم دين اليهود وعقيدتهم ، فهم يعتقدون ان الله معهم دون غيرهم ، بل ضد كل من عداهم ، وانه ما خلق الناس إلا من أجلهم ، وإلا لكي يفعلوا بهم ما يشتهون ، تماما كما يفعل الإنسان بالحيوان ، ولا شيء أدل على ذلك من سيرتهم قديما وحديثا ، بخاصة فظائعهم في فلسطين ، وبصورة أخص ما فعلوه في دير ياسين من ذبح النساء والأطفال.

لقد كانوا من قبل يقتلون الأنبياء يوم كان في الدنيا أنبياء ، أما اليوم فيقتلون المصلحين كبرنادوت (١) ، والنساء والأطفال ، لأن المهم في عقيدتهم ، وحسب فطرتهم هو قتل الأبرياء أنبياء كانوا ، أو مصلحين أو أطفالا لا فرق .. وقد نصت توراتهم على استباحة دم النساء والأطفال ، وحثت على هتكه وإراقته.

وبالجملة ، فان الكفر بآيات الله ، وقتل المصلحين والأبرياء ، والبغي والاعتداء ، كل ذلك وما اليه دين وعقيدة لليهود ، فإذا ارتكب اليهودي جريمة بحق غير اليهودي فإنما يرتكبها تلذذا واشباعا لرغبته ، لا سدا لحاجته ، وإذا كف فإنما

__________________

(١) رجل سويدي أرسلته الأمم المتحدة سنة ١٩٤٨ ليقوم بدور رسول السلام في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة حول قضية فلسطين ، فاغتاله اليهود في القدس المحتلة بعد ثلاثة أشهر من بدء مهمته.

١٣٥

يكف خوفا ، لا تعففا ، وهذا هو وجه الفرق بين اليهود وغيرهم ، فلا غرابة إذا جازاهم الله بالذل والهوان أينما ثقفوا .. اما دولة إسرائيل الحديثة الخبيثة فإنها الى زوال لا محال ، وأقوى الشواهد هو ارتباطها بالاستعمار حدوثا وبقاء ، توجد بوجوده ، وتزول بزواله .. وزواله حتم ، وان امتد الزمن ، ما دامت البشرية تأباه بفطرتها وتقاومه بدمائها .. وما ذكرناه هنا عن اليهود متمم لكلام سابق في فقرة «لا قياس على إسرائيل» عند تفسير الآية ٦٣ و ٦٦ من سورة البقرة.

ليسوا سواء الآية ١١٣ ـ ١١٥ :

(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥))

اللغة :

المراد بقائمة المستقيمة ، والآناء الساعات ، واحدها أنى كعصا ، قال صاحب مجمع البيان : الفرق بين السرعة والعجلة ان السرعة ان تتقدم فيما يجوز التقدم فيه ، وهي محمودة ، والعجلة أن تتقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه ، وهي مذمومة.

الإعراب :

الواو في ليسوا يعود على أهل الكتاب ، وهو اسم ليس ، وسواء خبر ، وأمة مبتدأ ، وأهل الكتاب خبر.

١٣٦

المعنى :

هذه الآيات الثلاث واضحة المعنى لا تحتاج الى تفسير ، والمحصل منها ان أهل الكتاب ليسوا متساوين في الانحراف والضلال ، بل منهم جماعة طيبة صالحة ، وأكثر المفسرين حملوا هذا المدح على من أسلم من أهل الكتاب ، وحسن إسلامه عقيدة وعملا.

حكم تارك الإسلام :

ان الدعوة الى الايمان بمحمد (ص) كنبي مرسل من السماء الى أهل الأرض ما زالت قائمة ، حتى اليوم ، والى آخر يوم ، وهي موجهة الى جميع الناس في الشرق والغرب دون استثناء : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ـ ١٥٦ الاعراف». أما الدليل على صدقها فمنطق العقل وثبوت المعجزة وصلاح الدين للحياة ، قال رسول الله (ص) : «أصل ديني العقل». وقال تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ـ ٢٤ الأنفال». وليس من غرضنا أن نستدل هنا على نبوة محمد (ص) (١) .. وانما الغرض أن نبين : هل من لم يؤمن بنبوة محمد مستحق للعقاب ، أو لا بد من التفصيل؟.

وقبل أن نفرّق بين العالم والجاهل ، والقاصر والمقصر نشير الى الأصول الرئيسية ، والمقاييس الأولى لاستحقاق العقاب وعدمه ، ومنها تتضح الحقيقة ، والتمييز بين الأفراد.

وقد تسالم الجميع على ان الإنسان كائنا من كان ، وعلى أي دين كان لا يستحق العقاب الا بعد قيام الحجة عليه .. ولا تقوم الحجة عليه الا بعد استطاعته الوصول الى دليل الحق ، وقدرته على العمل به ، ومع ذلك تركه

__________________

(١) عرضنا الأدلة عند تفسير الآية ٢٣ ـ ٢٥ من سورة البقرة ، وذكرنا طرفا من اخلاق الرسول (ص) في هذا المجلد عند تفسير الآية ١٦٠ من السورة التي نحن بصددها.

١٣٧

من غير مبرر ، فإذا لم يوجد على الحق دليل من الأساس ، أو وجد ، ولكن عجز الإنسان عن الوصول اليه ، أو وصل اليه ، وأدى حق النظر فيه ، حتى بلغ النهاية ، ومع ذلك خفي عليه الحق ، إذا كان كذلك فهو معذور ، لعدم إتمام الحجة عليه ، لأن من لم يثبت الحق لديه لا يعاقب على تركه الا إذا قصّر في البحث.

وأيضا من القواعد الرئيسية التي تتصل بهذا البحث قاعدة : «الحدود تدرأ بالشبهات». فلا يجوز لنا أن نحكم على تارك الحق بأنه مجرم يستحق العقاب ، ما دمنا نحتمل ان له عذرا في تركه ، وهذه القاعدة تنطبق على جميع الناس ، لا على المسلمين فحسب ، كما انها تشمل جميع الحدود بشتى أنواعها .. ومثلها قاعدة : «من أخطأ في اجتهاده فخطؤه مغفور له» .. وهذه القاعدة عقلية لا يمكن تخصيصها بدين دون دين ، أو بمذهب دون مذهب ، أو بأصل أو بفرع .. إذا تمهد هذا نشرع بالتطبيق.

١ ـ أن يعيش الإنسان في بلد ناء عن الإسلام والمسلمين ، ولم تبلغه الدعوة ، وما سمع باسم محمد (ص) مدة حياته ، ولا مرّ بخاطره من قريب أو بعيد أن في الدنيا دينا اسمه الإسلام ، ونبيا اسمه محمد (ص) .. وليس من شك ان هذا معذور من حيث عدم استحقاقه للعقاب ، لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، ولقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ـ ١٥ الاسراء». والعقل رسول باطني ما في ذلك ريب الا انه برهان مستقل على وجود الله ، أما الدليل على ثبوت نبوة النبي فلا بد من توسط المعجزة ، وظهورها على يده ، مع حكم العقل باستحالة ظهورها على أيدي غير الأنبياء.

٢ ـ ان يسمع بالإسلام وبمحمد ، ولكنه يفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، لقصوره وعدم استعداده لتفهم دليل الحق ومعرفته ، وهذا معذور لأنه تماما كالطفل والمجنون .. ومثله إذا لم يؤمن بمحمد (ص) صغيرا تقليدا لآبائه ، وذهل عن عقيدته كبيرا ، واستمر مطمئنا اليها غير شاك ولا متردد .. ان هذا معذور ، لأن تكليف الذاهل غير المقصر كتكليف النائم. قال المحقق القمي : ان التحرر من تقليد الآباء والأمهات لا يخطر على بال أكثر الناس ، بل يصعب غالبا على العلماء المرتاضين الذين يحسبون انهم خلعوا التقليد عن أعناقهم ..

١٣٨

وقال أيضا : ان من لا يتفطن لوجوب معرفة الأصول يلحق بالبهائم والمجانين الذين لا يتعلق بهم تكليف (١). وقال الشيخ الأنصاري في الرسائل فصل الظن في الأصول ، الذي يقتضيه الانصاف بشهادة الوجدان قصور بعض المكلفين ، وبهذا قال الكليني ، وقال الشيخ الطوسي : العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم.

أجل ، إذا تنبه هذا الغافل من نفسه الى وجوب المعرفة ، أو قال له قائل : انك مبطل في عقيدتك ، ومع ذلك أصر ، ولم يبحث ويسأل فهو آثم ، لأنه مقصر ، وجهل المقصر ليس بعذر.

٣ ـ أن لا يؤمن بمحمد (ص) ، مع ان فيه الاستعداد الكافي الوافي لتفهم الحق ، ولكنه أهمل ولم يكترث إطلاقا ، أو بحث بحثا ناقصا ، وترك قبل أن يبلغ النظر نهايته ، كما هو شأن الأعم الأغلب ، بخاصة شباب هذا الجيل .. وهذا غير معذور ، لأنه اخطأ من غير اجتهاد ، وتمكن من معرفة الحق ، وأهمل .. وبالأولى أن يؤاخذ ويعاقب من بحث واقتنع ، ومع ذلك رفض الإيمان بمحمد (ص) تعصبا وعنادا.

٤ ـ أن ينظر الى الدليل ، وهو متجه الى الحق بإخلاص ، ولكن لم يهتد الى الوجه الذي يوجب الإيمان بنبوة محمد (ص) ، اما لتمسكه بشبهة باطلة دون أن يلتفت الى بطلانها ، واما لسليقة عرجاء ، وما إلى ذلك مما يصد عن رؤية الحق.

وهذا ينظر الى حاله : فان جحد ونفى النبوة عن محمد (ص) بقول قاطع فهو مؤاخذ ومستحق للعقاب ، لأن من خفي عليه وجه الحق لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقا ، فقد يكون الحق موجودا ، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع ، وهذا هو الغالب ، فإن الأشياء الكونية موجودة في ذاتها ، ومع ذلك لا نعلم منها إلا قليلا ، وكذلك الشأن بالنسبة الى الأنبياء والمصلحين .. وأي انسان يحيط بكل شيء علما.

وقد عبّر أهل المنطق والفلسفة عن ذلك بعبارات شتى : منها عدم العلم لا يدل على العدم .. عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .. كل من الجزم بالاثبات والنفي يحتاج الى دليل .. وقد رأينا الكثير من العلماء الأكفاء ينسجمون مع هذه

__________________

(١) كتاب القوانين ج ٢ ، ص ١٦٠ و ١٦٤ ، طبعة عبد الرحيم ، سنة ١٣١٩ ه‍.

١٣٩

الحقيقة ، فيتهمون آراءهم ويتحفظون في أقوالهم ، ولا يتخذون من أنفسهم مقياسا للصواب ، ولا يقولون : هذا الرأي مقدس لا ريب فيه ، وما عداه ليس بشيء ، بل ينظرون الى كل الآراء على انها عرضة للتساؤل .. ولا شيء أدل على نقص العالم من غروره بنفسه ، وتزكيته لعلمه ، وازدرائه لرأي الغير وعقيدته.

وعلى هذا ، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوة محمد (ص) لا يسوّغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم (ص) بقول قاطع .. وان فعل فهو مسؤول ، بخاصة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين لم يتأثروا بالوراثة والبيئة ، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته لا لشيء الا احتراما للحق ، واعترافا بالواقع (١).

هذا إذا جحد ، أما إذا نظر الى الدليل ولم يقتنع ، ولكنه لم يجحد ، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد (ص) لم يثبت ، ولم ينف ، وفي الوقت نفسه نوى مخلصا أن يؤمن بالحق متى ظهر له ، تماما كالفقيه العادل ، يفتي بالشيء على نية العدول عنه متى استبان له الخطأ ، أما هذا فهو غير مسؤول ، لأن من أخطأ في اجتهاده من غير تقصير فلا يؤاخذ على خطأه بحكم العقل ، والنقل أيضا ، فعن الإمام جعفر الصادق (ع) : لو ان الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا .. وفي رواية ثانية : انما يكفر إذا جحد .. وقال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف ب «الرسائل» ، فصل «الظن في الأصول» : «لقد دلت الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والايمان». أي ان الجاحد كافر ، والمعتقد مؤمن ، والشاك لا كافر ولا مؤمن.

ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على عدم مؤاخذة المجتهد غير المقصر إذا أخطأ فيما يعود الى العقيدة ، من هذه الأحاديث الحديث المشهور عند السنة والشيعة : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر».

__________________

(١) منهم (ليوبولد فأيس) النمساوي الذي أسمى نفسه محمد أسد ، وألف كتاب الإسلام على مفترق الطرق ، ومنهم (فاغليري) الايطالية صاحبة كتاب دفاع عن الإسلام ، وغيرهما كثير لم تحضرني أسماؤهم .. وسمعت أن أحد الايرانيين وضع كتابا خاصا في أسماء من أسلم من الغربيين ، وانهم جمع غفير.

١٤٠