العدالة الإجتماعية وضوابط توزيع الثّروة في الإسلام

الدكتور زهير الاعرجي

العدالة الإجتماعية وضوابط توزيع الثّروة في الإسلام

المؤلف:

الدكتور زهير الاعرجي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٣

لابيتها (١) احوج به منا ، قال : فقولي له فليمض الى ام المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق به على ستين مسكيناً) (٢).

رابعاً : كفارة القتل

أ ـ كفارة القتل خطأ : وهي الجمع بين دفع الدية الى اهله والتكفير بعتق رقبة مؤمنة ، فان عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز اطعم ستين مسكيناً ، لقوله تعالى : ( وَمن قَتل مُؤمناً خَطأ فتحريُر رَقبةٍ مُؤمنةٍ وَدية مُسلمةٌ اِلى اَهلهِ ... فَمن لم يَجد فَصيام شَهرين مُتتابعين ) (٣).

ب ـ كفارة القتل عمداً : وهو الجمع بين عتق رقبة مؤمنة ، وصيام شهرين متتابعين ، واطعام ستين مسكيناً (٤).

خامساً : كفارة النذر

والنذر إلزام الفرد نفسه بفعل شيء او تركه لوجه الله ، كما ورد في قوله تعالى : ( اِذ قالَت اِمرأةُ عمرانَ اِني نَذرتُ لَك ما في بَطني مُحرراً ) (٥) ، ( وما اَنفقتم من نَفقةٍ اَو نَذرتم مِن نَذر فَان الله يَعلمُه ) (٦) ، ( فَقولي اِني

__________________

(١) ما بين لابيتها : يعني بين جبلي منى.

(٢) رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى ص ٨٨.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) التهذيب ج ١٠ ص ١٦٢.

(٥) آل عمران : ٣٥.

(٦) البقرة : ٢٧٠.

١٨١

نذرتُ لِلرَّحمن صوماً ) (١).

ويشترط في صحته : ان يكون الناذر بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً ، وان تكون الصيغة مقترنة بذكر الله سبحانه كقوله : نذرت لله ، وان لا يكون متعلقاً بمحرم او مكروه ، وان تقترن الصيغة بفعل شيء او تركه ، للروايات المروية عن ائمة اهل البيت (ع) ومنها رواية ابي الصباح عن الامام الصادق (ع) : (ليس النذر بشيء ، حتى يسمي لله صياماً ، او صدقة ، او حجاً ، او هدياً) (٢).

واذا انعقد النذر بشكل شرعي صحيح ، ثم خالفه الناذر وجبت عليه الكفارة. وقد ذهب المشهور ، الى انها كفارة الافطار في شهر رمضان ، « ففي الصحيح : من جعل لله عليه ان لا يفعل محرماً سماه فركبه فليعتق رقبة ، او ليصم شهرين ، او يطعم ستين مسكيناً » (٣).

سادساً : كفارة اليمين

واليمين الشرعية تعني الحلف بالله عز وجل واسمائه الحسنى على فعل شيء او تركه في الحال والاستقبال. ويستوجب حنثه الكفارة ، لقوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمَانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الايمان فكفارته اِطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم

__________________

(١) مريم : ٢٦.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٣٠٣.

(٣) الجواهر ج ٣٥ ص ٣٦٦.

١٨٢

او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ، ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم ) (١).

ويشترط في صحة اليمين : ان يكون الحالف بالغاً عاقلاً قاصداً مختاراً ، وان يكون الحلف بالله واسمائه الحسنى المختصة به كالرحمن والرازق والخالق ، وان تنعقد على فعل واجب او مستحب ولا تصح على فعل محرم او مكروه. وتنحل اليمين اذا طرأ الرجحان على مخالفته للقسم. ولا خلاف ولا اشكال في عدم الحنث ، وعدم الكفارة اذا كان خلاف اليمين خيراً ، ففي الرواية انه عندما سئل (ع) عن الرجل يحلف اليمين ، فيرى ان تركها افضل؟ قال للسائل : (اما سمعت قول رسول الله (ص) : اذا رأيت خيراً من يمينك فدعها) ، وقال : (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فاتى ذلك فهو كفارة ذلك ، وله حسنة).

وكفارة الحانث ، كما ذكرت الآية الشريفة ، التخيير بين عتق رقبة ، او اطعام عشرة مساكين ، او كسوتهم ، فان عجز صام ثلاثة ايام.

سابعاً : كفارة العهد

والعهد هو معاهدة الله سبحانه على فعل شيء او تركه ، ولا بد من الوفاء

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

١٨٣

به ، للنص المجيد : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) (١) ، (والموفون بعهدهم اذا عاهدوا ) (٢).

ويعتبر في شروط المعاهد ما اعتبر في شروط الحالف. وكفارته ـ على المشهور بين الفقهاء ـ عتق رقبة ، او صيام شهرين متتابعين ، او اطعام ستين مسكيناً.

ثامناً : الكفارات المتعلقة بالمصاب

أ ـ جز المرأة شعرها : فيحرم عليها ارتكاب مثل هذا العمل في المصاب ، اتفاقاً. ولكن اختلف في وجوب الكفارة عليها. وذهب جماعة الى ان عليها التكفير بعتق رقبة ، او صيام شهرين متتابعين ، او اطعام ستين مسكيناً (٣).

ب ـ نتف المرأة شعرها في المصاب : وعليها التكفير اتفاقاً بعتق رقبة ، او اطعام عشرة مساكين ، او كسوتهم ، ومع العجز صيام ثلاثة ايام.

ج ـ شق الرجل ثوبه في موت امرأته او ولده ، فعليه كفارة يمين ، وهي عتق رقبة ، او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم ، ومع العجز فصيام ثلاثة ايام.

تاسعاً : كفارة وطء الزوجة في الحيض

ولا يجوز شرعاً وطء الحائض مع التعمد والعلم بالتحريم ، لقوله تعالى :

__________________

(١) الاحزاب : ٢٣.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) شرائع الاسلام ج ٣ ص ٦٨.

١٨٤

( فاعتزلوا النساء في المحيض ) (١). ولكن اذا تم الوطء ، وهي في الحيض فعليه كفارة ، كما ذكر بعض الفقهاء للرواية المروية عن ائمة اهل البيت (ع) : ( في كفارة الطمث انه يتصدق اذا كان في اوله بدينار ، وفي اوسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار) (٢). وفي رواية الحلبي قال : ( سئل ابو عبد الله (ع) عن رجل واقع امرأته وهي حائض ، قال : ان كان واقعها في استقبال الدم فليستغفر الله وليتصدق على سبعة نفر من المؤمنين يقوت كل رجل منهم ليومه ولا يُعِد ، وان كان واقعها في ادبار الدم في آخر ايامها قبل الغسل فلا شيء عليه ) (٣). و « قيل تستحب الكفارة ، ولكن الوجوب احوط بل اقوى » (٤).

٦ ـ الاضحية

والذبح الشرعي على ضربين : مفروض ومسنون ، اي واجب ومستحب ؛ فالمفروض حدد شرعاً في هدي النذر وهدي الكفارة وهدي التمتع وهدي القران بعد التقليد والاشعار والاضحية (٥). واذا كانت الاضحية الواجبة محددة ضمن فترة شرعية وزمنية معينة ، فان الاضحية المستحبة تشمل آفاقاً واسعة ، فقد ورد في تفسير قوله تعالى : (فصل لربك

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٤٦.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٣٧٤.

(٤) الجواهر ج ٣٣ ص ١٨٨.

(٥) الغنية ص ٥٩.

١٨٥

وانحر ) (١) ، ان الله امر النبي (ص) بالنحر بعد صلاة العيد اي « صل صلاة العيد ... وانحر هديك واضحيتك » (٢). وكان رسول الله (ص) يذبح يوم الاضحى كبشين احدهما عن نفسه والآخر عمن لم يجد هدياً من امته ، وكان امير المؤمنين (ع) يذبح كبشين احدهما عن رسول الله (ص) والآخر عن نفسه (٣). وكان (ع) يقول : (لو علم الناس ما في الاضحية لاستدانوا وضحوا. انه يغفر لصاحب الاضحية عند اول قطرة تقطر من دمها) (٤).

اما الاضحية الواجبة ، فهي اربعة بنص القرآن الكريم :

أ ـ اذا اصطاد المحرم فعليه كفارة مثل ما قتل من النعم ، لقوله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم ) (٥).

ب ـ اذا حلق المحرم رأسه لضرورة ، فعليه كفارة مخيرة بين صيام ثلاثة ايام واطعام ستة مساكين ، او التضحية بشاة ؛ لقوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضاً او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك ) (٦).

ج ـ هدي الحصار ، لقوله تعالى : ( فان احصرتم فما استيسر من

__________________

(١) الكوثر : ٢.

(٢) مجمع البيان للطبرسي ج ٣٠ ص ٢٠٦.

(٣) الكافي ج ١ ص ٣٠١.

(٤) علل الشرائع ص ١٥١.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) البقرة : ١٩٦.

١٨٦

الهدي ) (١).

د ـ يجب الهدي على من حج متمتعاً ، لقوله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي ) (٢) ، بلا خلاف بين الفقهاء ، بل الاجماع عليه بعد الكتاب والروايات المستفيضة ؛ منها قول الامام الصادق (ع) في خبر سعيد الاعرج : (من تمتع في اشهر الحج ، ثم اقام بمكة ، حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة ، ومن تمتع في غير اشهر الحج ، ثم جاور بمكة ، حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، انما هي حجة مفردة ، وانما الاضحى على اهل الامصار) (٣).

ويشترط في الهدي الواجب بمنى ؛ اولاً : ان يكون من الانعام الثلاثة : الابل ، والبقر ، والغنم ، لقوله تعالى : ( ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير ) (٤). ثانياً : يشترط في الابل ان تكون من الثني ، وهو الذي له خمس سنوات ودخل في السادسة. وفي البقر والمعز أن تكون من الثنية ، وهو الذي مضت عليه سنة ودخل في الثانية. وفي الغنم الجذع وهو الذي مضى عليه ستة اشهر. ثالثاً : ان يكون تام الخلقة ، غير ناقص ، لقول الرسول (ص) : (لا يضحّى بالعرجاء بَيِّن عرجها ، ولا بالعجفاء [ الهزيلة ] ، ولا بالجرباء ،

__________________

(١) و (٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٩٩.

(٤) الحج : ٢٨.

١٨٧

ولا بالخرقاء [ لا اذن لها ] ، ولا بالجذعاء [ مقطوعة الاذن ] ، ولا بالعضباء [ مكسورة القرن ]) (١).

اما زمان الذبح ، فظاهر الاصحاب انه لمن كان بمنى فهو « اربعة ايام ، يوم النحر [ العيد ] وثلاثة ايام بعده ، وفي سائر الامصار ثلاثة ايام يوم النحر ويومان بعده. ويجوز ذبح هدي التمتع طول ذي الحجة ، ومن لم يجده ووجد ثمنه تركه عند من يثق به ليشتريه في العام المقبل ويذبحه عنه فان لم يقدر على الثمن صام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجع الى اهله بدليل اجماع الطائفة » (٢).

ويستحب ان يتصدق صاحب الهدي بثلثه للفقراء ، ويهدي الثلث الآخر ، ويأكل من الثلث الباقي ، فقد كان الامام زين العابدين ، وولده الباقر عليهما‌السلام ، يتصدقان بالثلث على الجيران ، والثلث على من يسأل ويطلب ، ويمسكان الثلث لاهل البيت (٣). وورد عن رسول الله (ص) قوله : (انما جعل الله هذا الاضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فاطعموهم) (٤).فيكون الاصل في الهدي اذن ، اشباع الفقراء والمساكين.

٧ ـ الوصية

وفيها ، يستطيع الفرد ان يوصي بثلث ماله أو تركته بعد الموت لأعمال

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٠٠.

(٢) الغنية ص ٦٠.

(٣) علل الشرائع ص ١٥١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٧١.

١٨٨

الخير كمساعدة الفقراء وكسوتهم ، او بناء الملاجىء والمدارس للأيتام والقاصرين ، أو مطلق اعمال الخير التي تصب في خدمة النظام الاجتماعي. و « تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل من عين أو منفعة او حق قابل للنقل ولا فرق في العين بين ان تكون موجودة فعلاً او قوة » (١).

٨ ـ الصدقة المستحبة

وهو الانفاق تطوعاً لوجه الله على الفقراء وذوي الحاجة ونحوهم. وقد وردت في هذا الباب روايات عديدة تحث الافراد على هذا اللون من الانفاق ، منها قول رسول الله (ص) : (تصدقوا ، فان الصدقة تزيد في المال كثرة) (٢). وقول ابي عبد الله (ع) : (استنزلوا الرزق بالصدقة ، من أيقن بالخلف جاد بالعطية ، ان الله ينزل المعونة على قدر المؤونة) (٣). وقوله ايضاً : (لأن اعول أهل بيت من المسلمين اشبع جوعتهم واكسوا عورتهم وأكف وجوههم عن الناس احب الي من أن احج حجة وحجة حتى انتهي الى عشر وعشر ومثلها ومثلها حتى انتهي الى سبعين) (٤).

و « المسنون من الزكاة في اموال التجارة اذا طلبت رأس المال والربح ، وفي كل ما يخرج من الارض مما لا يكال ويوزن سوى ما قدمناه فان الزكاة واجبة فيه ، وفي الحلي والسبائك من الذهب والفضة اذا لم يفر بذلك من

__________________

(١) العروة الوثقى ج ٢ ص ٧٢٦.

(٢) الكافي ج ١ ص ١٦٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٥٩.

(٤) الكافي ج ١ ص ١٦٢.

١٨٩

الزكاة ، والمال الغائب الذي لا يتمكن مالكه من التصرف فيه اذا قدر على ذلك وقد مضى عليه حول أو احوال » (١). وقد تضافرت روايات اهل البيت (ع) بالحث على الصدقة لانها تطفىء غضب الرب عن العباد ، فقد « سأل الحلبي الصادق (ع) عن قول الله عز وجل : ( وَآتوا حَقَّه يَومَ حَصادِهِ ) (٢) ، كيف أعطي؟ قال : تقبض بيدك الضغث فتعطيه المسكين ثم المسكين حتى تفرغ منه واذا ناولت السائل صدقة فقبلها قبل أن تناولها اياه فان الصدقة تقع في يد الله قبل ان تقع في يد السائل ، وهو قوله عز وجل : ( ألم يَعلموا اَن الله هُو يَقبل التَّوبة عن عِباده ويأخُذ الصَّدقات وانَّ الله هوَ التوابُ الرَّحيم ) (٣) » (٤).

__________________

(١) الغيبة لابن زهرة ص ٤٧.

(٢) الانعام : ١٤١.

(٣) التوبة : ١٠٤.

(٤) المقنع للشيخ الصدوق ص ١٥.

١٩٠

كيفية الاطعام والكسوة في الكفارات

ويتحقق مفهوم الاطعام عن طريقين :

الاول : دعوة العدد المحدد من الفقراء دفعة واحدة ، او بالتدريج ، واطعامهم حتى الاشباع ، ذكوراً كانوا ام اناثاً ، صغاراً أم كباراً ، اصحاءً أم مرضى. و « لا يجزي اعطاء ما دون العدد المعتبر ، وان كان بقدر اطعام العدد. ولا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة مع التمكن من العدد ويجوز مع التعذر » (١).

الثاني : اعطاء كل فرد مداً من القمح ، وهو ما قدر بحدود ٧٥٠ ـ ٨٠٠ غرام. وينبغي ان يكون الاطعام متناسباً مع مستوى الطعام الذي يأكله المطعم ، كما وصفته الآية الشريفة : ( من اوسط ما تطعمون اهليكم ) (٢). و « لا يجزي دفع القيمة في الكفارة ، لاشتغال الذمة بالخصال [ الاطعام ] ، لا بقيمتها التي لا تندرج في اطلاق الامر بالاطعام مثلاً حتى في الفرد الذي يراد منه التمليك للاطعام ، والاجتزاء بها في الزكاة ونحوها للدليل [ الخاص ] ، ومن هنا لم يكن خلاف في ذلك عندنا ، بل في المسالك هو اجماع » (٣).

__________________

(١) شرائع الاسلام ح٣ ص ٧٦.

(٢) المائدة : ٨٩.

(٣) الجواهر ج ٣٣ ص ٢٩١.

١٩١

اما الكسوة ، فقد اختلف الفقهاء في نوعيتها ، فمنهم من قال بالاجتزاء بثوب واحد لكل مسكين ، ومنهم من قال بثوبين لكل مسكين ، لاختلاف الروايات. وقيل أن الثوب الاول واجب والثاني مستحب. ولكن الاصل المتفق عليه في الكسوة هو تحقق مفهومها.

ملحق : اطعام الفقراء ـ الروايات الواردة في ذلك

١ ـ عن رسول الله (ص) قال : ( خيركم من اطعم الطعام ، وافشى السلام ... ) (١).

٢ ـ وعن ابي عبدالله (ع) قال : (من الايمان حسن الخلق واطعام الطعام) (٢).

٣ ـ وورد عن ابي الحسن الرضا (ع) في تلاوته للآية الكريمة : ( فلا اقتحم العقبة وما ادريك ما العقبة فك رقبة ) (٣) ، قوله : (علم الله ليس كل يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيلاً الى الجنة باطعام الطعام) (٤).

٤ ـ وورد ان علياً امير المؤمنين (ع) كان يقول : (انا اهل بيت أمرنا ان نطعم الطعام ، ونؤدي في النائبة ، ونصلي اذا نام الناس) (٥).

__________________

(١) و (٥) الكافي ج ٤ ص ٥٠.

(٢) و (٤) المحاسن للبرقي ص ٣٨٩.

(٣) البلد : ١١ ـ ١٣.

١٩٢

٥ ـ وورد أن ابا الحسن الرضا (ع) اذا أكل أتي بصفحة فتوضع بقرب مائدته فيعمد الى اطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء منه شيئاً فيوضع في تلك الصفحة ثم يأمر للمساكين ثم يتلو : ( فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ ) الآية (١).

٦ ـ وعن الامام ابي جعفر (ع) قال : (من اطعم جائعاً اطعمه الله من ثمار الجنة) (٢).

٧ ـ وعن الإمام ابي عبدالله (ع) قال : (من اطعم مؤمناً حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الاجر في الآخرة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل الاّ الله رب العالمين. ثم قال : من موجبات المغفرة اطعام المسلم السغبان ، ثم تلا قول الله عز وجل : ( اَو اِطعامٌ في يَوم ذي مَسغبةٍ يَتيماً ذا مَقربةٍ اَو مسكيناً ذا مَتربةٍ ) (٣)) (٤).

٨ ـ وعن ابي عبد الله (ع) قال : (من اشبع كبداً جائعاً وجبت له الجنة) (٥).

٩ ـ وورد عن رسول الله (ص) قوله : (ما آمن بي من أمسى شبعاناً وأمسى جاره جائعاً) (٦).

__________________

(١) المحاسن ص ٣٩٢.

(٢) المحاسن ص ٣٩٣.

(٣) البلد : ١٤ ـ ١٦.

(٤) ثواب الاعمال للشيخ الصدوق ص ٧٠.

(٥) المحاسن ص ٣٩٠.

(٦) المحاسن ص ٩٨.

١٩٣

الاستنتاج

والملاحظ من خلال عرض الاحكام الرئيسية لصندوق الصدقات والحقوق الشرعية في النظام الاسلامي ، ان هذا يستند في تعامله مع المال على اربعة عوامل :

الاول : العامل التعبدي ، حيث يتضح من استعراض الاحكام الشرعية الخاصة بالزكاة المالية وزكاة الفطر والخمس والانفال والاضاحي والكفارات والصدقات المستحبة ، ان الانفاق يعتبر من صميم الاعمال التعبدية التي يجازى عليها المكلف او يعاقب. فلا يستقيم ايمان المرء ولا تتكامل عدالته الدينية الا بالانفاق المأمور به ، الذي يصب اصلاً في مجرى مساعدة الطبقة الفقيرة ليرفع واردها الى مستوى الوارد الاجتماعي العام.

الثاني : العامل الاخلاقي ، الذي يعتبر المال مجرد وسيلة من وسائل نفع النظام الاجتماعي ، واشباع حاجات الافراد الاساسية. فيوصي ـ مثلاً ـ برد المال المأخوذ حراماً الى صاحبه ، وصرفه على الفقراء اذا عجز عن معرفة مالكه الاصيل. ويوصي ايضاً بمساعدة الافراد الذين ركبتهم الديون ، بتسديدها من بيت المال.

الثالث : عامل الاعتدال في حجم الضريبة المفروضة على اموال الاغنياء. والتأكيد على كون الضريبة تخص الفائض من الارباح السنوية ،

١٩٤

حيث تستثنى المؤونة ومصاريف العمل من النسبة المئوية لاموال الاغنياء. وفي الوقت ذاته يوصي الاسلام بالاعتدال في صرف الزكاة بالنسبة للفقراء ، فلا يحق للفقير تبذير المال الذي يستلمه من الحقوق الشرعية ، بل لا يحق للافراد اطلاقاً ، الاسراف والتبذير. ويوصي ايضاً بصرف المال الزائد في جميع طرق الخير التي اقرها العقلاء للترفيه عن الانسانية المعذبة ونشر العدالة بين جميع افراد النظام الاجتماعي.

الرابع : ان كمية المال الواردة عن طريق الزكاة المالية والخمس والكفارات والاضاحي والصدقات المستحبة التي درسناها سابقاً ، تعتبر كمية هائلة. وتشديد الاسلام على صرف هذه الكمية الضخمة من المال على الفقراء والمساكين بالخصوص لاشباع حاجاتهم الاساسية في المأكل والملبس والمسكن ، تضعه على صدر الانظمة الاجتماعية التي تنجح في معالجة مشكلة الفقر معالجة حقيقية. وهذا الدور الاسلامي في معالجة المشكلة الاجتماعية مستند على فهم حقيقة التفاوت في القابليات الانتاجية بين الافراد ، وحقيقة الانسان الداخلية في العطاء ، وحقيقة التكليف الالهي للافراد في التعاون والتضامن الاجتماعي.

١٩٥

الضمان والتكافل الاجتماعي في الاسلام

وواجب الدولة في النظام الاسلامي ضمان معيشة الافراد ، وهي بذلك تتبع احد هذه الطرق الثلاث : اولاً : ان توفر لهم اعمالاً يرتزقون بها الى حد الكفاية. ثانياً : ان تضمن معيشتهم الاساسية في حال عدم توفر فرص العمل. ويتم هذا الضمان من خلال صندوق الحقوق الشرعية الذي لاحظنا فعالياته المعاشية سابقاً. ثالثاً : ان تنشىء لهم هيئات ولجان متخصصة لاستحداث مختلف الاعمال في الزراعة والصناعة والاعمال التجارية. وكل هذه الطرق التي تهدف الى ضمان معيشة الافراد يمكن ايجادها ضمن حدود الدولة والنظام الاجتماعي ، لان الارض بكل خيراتها لا تبخل على الانسان بعمل ، وان العقل البشري ـ بكل طاقته الجبارة ـ يفتح آفاقاً واسعة لتطوير مصادر الغذاء في البحار والمحيطات والانهار. وهذه الخيرات تستطيع اشباع ملايين الافراد ، خصوصاً اذا استخدمت وسائل الانتاج الزراعي والحيواني الميكانيكية التي تستطيع مضاعفة الانتاج الغذائي بكلفة اقل. وكل هذا النشاط والاستثمار يقع تحت عنوان حق الجماعة في التمتع بمصادر الثروة الاجتماعية ، فتضمن الدولة حقوق القاصرين والعاجزين عن العمل فضلاً عن حقوق عموم الافراد باستثمار مصادر الثروة الطبيعية بكافة انواعها المعروفة. فالأرض بخيراتها الهائلة انما خلقت للجميع كما ورد في

١٩٦

قوله تعالى : ( هُوَ الَّذي خَلَقَ لَكُم ما في الارضِ جَميعا ً) (١).

وهذا الضمان ينبع من جوهر النظرية الاسلامية للانسان. فالفرد ـ حسب النظرة الاسلامية ـ ليس كياناً مادياً فحسب ، بل هو كيان مادي وروحي شريف ، والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره ، وبذلك فلا بد من اشباع حاجاته الاساسية في العيش الكريم. والى هذا التفضيل اشار القرآن الكريم بقوله : ( وَلقد كَرمنا بني آدم وَحملناهُم فِي البَر وَالبحر وَرزقناهم مِن الطيَّبات وَفضلناهم على كَثير ممَّن خَلقنا تَفضيلا ً) (٢). فمن حق المخلوق على الخالق اشباعه وكسوته ، واي نقض لهذا القانون الكوني انما هو نقض لصميم مفهوم العبودية بين المربوب والرب. فالجائع لا يستطيع عبادة الله ، ولا يقدر على تحمل التكاليف الشرعية ، فكيف يأمره الخالق اذن ، بالعبادة ولا يضمن له العيش الكريم؟ ولا شك ان المولى عز وجل خلق للافراد مصادر غذائهم وكسوتهم ، ولكن سوء التوزيع الذي يقوم به الانسان هو الذي يحرم البعض من حقوقهم ويتخم البعض الآخر. وهذا يفسر ـ الى حد ما ـ تأكيد الاسلام المستمر على الانفاق الواجب والمستحب على الفقراء والمساكين ، خصوصاً في موارد الانفاق التي درسناها سابقاً ، كالصدقات الواجبة ، والكفارات ، والاضحية ، والانفال.

ولا تتوقف النظرية الاسلامية بمساعدة الفقراء عند الضمان الاجتماعي فحسب ، بل تتعدى في نظرتها الشمولية الى التكافل العام بين جميع افراد

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) الاسراء : ٧٠.

١٩٧

المجتمع الانساني ، الذي ينبغي أن يقوم على مبدأين ، هما :

الاول : مبدأ كفالة الافراد بعضهم البعض كفاية ، وهذا المبدأ لا يمكن تجزئته او فصله عن بقية احكام الاسلام التي تفرض على المكلفين ضرائب وغرامات مالية او عينية يرد اغلبها الى الفقراء ، خصوصاً القاصرين والعاجزين.

الثاني : مبدأ الاخوة الذي يعتبره الاسلام حجر الاساس في بناء العلاقات الاجتماعية النظيفة. وقد اشارت الاحكام الشرعية الاسلامية في اكثر من موضع الى ضرورة التحسس لآلام الآخرين واهمية مشاركة الافراد شعورهم الانساني من افراح واتراح. فالمصائب الجماعية اخف ثقلاً على كاهل الفرد من تلك التي ينوء بحملها الانسان منفرداً دون صديق او حميم. ولذلك كان مفهوم الاُخوة في الاسلام ، وما يترتب عليه من آثار اقتصادية في توزيع الثروة ، من اكثر وسائل التكافل الاجتماعي تأثيراً وامضاها فعالية في تضييق الفوارق الطبقية بين الافراد. ولئن كان « المذهب الفردي » الذي تدعي النظرية الرأسمالية تفوقه على بقية المذاهب الاجتماعية ، قد نجح في دفع الافراد نحو العمل والابداع (١) ، الا أن التأثيرات الاجتماعية السلبية التي اوقعها ذلك المذهب بالمجتمع الرأسمالي ، تجعله من اكثر المذاهب الاجتماعية فشلاً في تحقيق سعادة الانسان ، وطموحه في تحقيق مجتمع سعيد متكاتف ، يقوم على اساس المساواة والعدالة الانسانية.

واخيراً ، لابد من القول ان اهم المراكز التي ينبغي ان تتحمل مسؤولية

__________________

(١) (ريتشارد ادوارد) وآخرون. النظام الرأسمالي. نيوجرسي : برنتس ـ هول ، ١٩٧٨ م.

١٩٨

التكامل الاجتماعي في الدولة الاسلامية هي المؤسسات الدينية والاجتماعية كالمساجد والمدارس. فمسجد المحلة يمثل قلبها النابض دينياً وادارياً واجتماعياً ، وهو عين الاسلام الحقيقية التي ترى الساحة الاجتماعية دون غطاء. ولا بد لهذا المركز الروحي والاجتماعي من مساعدة الافراد في سد حاجاتهم الاساسية ، وتبيان حالهم حتى يبقى الامداد المعاشي مستمراً لكل الافراد. فامام المسجد اقرب الناس الى قلوب افراد المحلة ، باعتباره رجل العلم والتقوى والعدل ، يفتش عن الفقراء ، ويتعرف على احوالهم ، وعند الحاجة يشبعهم ويغنيهم عن طريق دفع الحقوق الشرعية لهم. اما المدرسة ، وهي عقل المحلة وعصبها الفكري النابض بقوة العلم والمعرفة ، فلها دور مهم ايضاً في استبيان وضع الفقراء من خلال استبيان حال ابنائهم. فلابد ان يكون دور المدرسة هنا دوراً مساعداً في استكشاف الفقراء ذوي العفة ، الذين يحسبهم الجاهل بحالهم اغنياء من التعفف لا يسألون الناس الحافاً ، كما وصفهم القرآن الكريم بذلك. ومن خلال تعاون المسجد والمدرسة تمتد يد العطاء والرحمة الى كل الفقراء فتنتشلهم من اجواء الحرمان لتضعهم في موضع التكريم الذي اراده لهم خالقهم الكريم منذ بداية الخلق والانشاء.

١٩٩

آثار تطبيق الاحكام الاسلامية على النظام الاجتماعي

ان اول صنم يحاول الاسلام اخراجه من الساحة السياسية وتحطيمه هو صنم الطبقة الاجتماعية العليا المرتكز على اساس العوامل الثلاثة المذكورة سابقاً ، وهي الثروة والقوة السياسية والمنزلة الاجتماعية ؛ ويجعل الميزان الاساسي للاستخلاف في الارض : الايمان والعمل الصالح الذي يخدم الانسانية جميعاً ، المتمثل بقوله تعالى : ( وَعد الله الذين اَمنوا منكُم وَعملوا الصّالحات لَيستخلفنَّهم في الاَرضِ كَما استَخلفَ الَّذين مِن قَبلهم وَليُمكنن لهُم دينَهُم الذي ارتَضى لَهُم وَليبدِّلنهم مِن بَعدِ خَوفِهم اَمناً يعبدونني لا يُشركون بي شَيئاً ) (١). فالاستخلاف والولاية المطلقة للحاكم الشرعي مسؤولية الهية لابد وان يتولاها من هو أهل لقيادة الاُمة الاسلامية بل قيادة البشرية بكل افرادها وقطاعاتها المختلفة. فلا تلعب الثروة دوراً في بناء شخصية القائد السياسي ، كما هو الحال في النظام الرأسمالي ، بل ان اغلب قادة الاسلام منذ بزوغ فجر الرسالة الالهية ولحد اليوم ، من الفقراء. بل ان اغلب الانبياء عاشوا حالة من الفقر باستثناء قلة قليلة منهم. وحتى تلك القلة ، كسليمان وداود عليهما‌السلام ، لم تثنيهما متطلبات الملك من الابتعاد عن ملاذ الدنيا ومغرياتها. فالثروة في الاسلام اذن ليست عاملاً من

__________________

(١) النور : ٥٥.

٢٠٠