إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١١

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

ومن كلامه عليه‌السلام

ليس شأنى شأن من يخاف الموت ما أهون الموت على سبيل نيل العزّ وإحياء الحقّ ، ليس الموت في سبيل العزّ إلّا حياة خالدة ، وليست الحياة مع الذّل إلّا الموت الّذي لا حياة معه أفبا لموت تخوّفني هيهات طاش سهمك وخاب ظنّك ، لست أخاف الموت إنّ نفسي لأكبر من ذلك وهمّتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت وهل تقدرون على أكثر من قتلي ، مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنّكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي ، فإذا لا أبالي بالقتل.

وهو القائل : موت في عزّ خير من حياة في ذل.

رواه العلّامة المعاصر الأستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ص ٤٤٨ ط السعادة بالقاهرة).

٦٠١

ومن وصية له عليه‌السلام الى أخيه محمد

بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما اوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد بن عليّ المعروف بابن الحنفيّة ، إنّ الحسين بن عليّ يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة والنّار حقّ ، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور إنّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في امّة جدّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمّد ، وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب [وسيرة الخلفاء الراشدين] فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا صبرت حتّى يقضى الله بيني وبين القوم بالحقّ ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين ، هذه وصيّتي إليك يا أخي وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب ، والسّلام عليك وعلى من اتبع الهدى ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

رواه العلّامة الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ج ١ ص ١٨٨ ط الغري) قال : ثمّ دعا الحسين عليه‌السلام بدواة وبياض وكتب فيها هذه الوصيّة لأخيه محمّد. فذكرها.

قال : ثمّ طوى الحسين كتابه هذا وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمّد ثمّ ودّعه وخرج في جوف اللّيل يريد مكّة في جميع أهل بيته وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستين فلزم الطريق الأعظم فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

٦٠٢

ومن كتابه عليه‌السلام إلى أشراف الكوفة

بسم الله الرّحمن الرّحيم من الحسين بن عليّ إلى سليمان بن صرد والمسيّب ابن نجية ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين : أمّا بعد ، فقد علمتم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قال في حياته : من رأى سلطانا جائرا مستحلّا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرّحمن ، وأظهروا في الأرض الفساد وعطّلوا الحدود والأحكام واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وانّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم إنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم فلكم بي اسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم ونكثتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي والمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم («فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) وسيغنى الله عنكم والسّلام».

رواه الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ج ١ ص ٢٣٤ ط مطبعة الزهراء) قال : ودعا الحسين «حين النزول بكربلا» بدواة وبياض وكتب إلى أشراف الكوفة ممّن يظن أنّه على رأيه. فذكره.

٦٠٣

ومن كتابه عليه‌السلام الى أهل الكوفة

حين بلغ الحاجر

بسم الله الرّحمن الرّحيم من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فانّ كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملإكم على نصرنا والطلب بحقّنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذى الحجّة يوم التّروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا فانّي قادم عليكم في أيّامي هذه إن شاء الله ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رواه محمّد بن جرير الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (ج ٤ ص ٢٩٧ ط الاستقامة بمصر) عن أبي مخنف ، عن محمّد بن قيس إنّ الحسين أقبل حتّى إذا بلغ الحاجر من بطن الرّمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم. فذكر الكتاب.

ورواه العلّامة ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ١٦٧ ط السعادة بمصر) عن أبي مخنف بعين ما تقدّم عن «تاريخ الأمم» لكنّه ذكر بدل كلمة فاكمشوا : فاكتموا ، وبدل كلمة فسألت : فنسأل.

٦٠٤

ومن خطبة له عليه‌السلام بذي حسم

قال عقبة بن أبي العيزاز : قام حسين عليه‌السلام بذي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:

إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدّنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت جدا فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون انّ الحقّ لا يعمل به وأنّ الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ، ولا الحياة مع الظّالمين إلّا برما.

(إلى أن قال :) فترقرقت عينا حسين عليه‌السلام ولم يملك دمعه ثمّ قال : منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ، اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك.

رواه الحافظ محمّد بن جرير الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (ج ٤ ص ٣٠٥ ط الاستقامة بمصر).

ورواه الحافظ ابن عبد ربّه الأندلسي في «عقد الفريد» (ج ٢ ص ٢١٨ ط الشرقيّة بمصر) قال :

(عليّ بن عبد العزيز) قال : حدّثني الزّبير قال : حدّثني محمّد بن الحسين قال : لمّا نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن أنّهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل بي ما ترون من الأمر ، وإنّ الدّنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واشمأزت فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء الأخنس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا ينهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله

٦٠٥

فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا ذلّا وندما.

ورواه الحافظ الطبراني في «المعجم الكبير» (ص ١٤٦ مخطوط) قال : حدثنا عليّ بن عبد العزيز ، نا الزّبير بن بكّار ، نا محمّد بن الحسن قال : لمّا نزل عمر بن سعد بحسين وأيقن أنّهم قاتلوه وقام في أصحابه خطيبا فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر وأنّ الدّنيا تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها وانشمرت حتّى لم يبق منها إلّا كصبابة الإناء إلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله وأنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما.

ورواه العلّامة أبو نعيم الاصبهاني في «حلية الأولياء» (ج ٢ ص ٣٩ ط السعادة بمصر) قال :

حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عليّ بن عبد العزيز. فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» إلّا أنّه ذكر بدل قوله ما ترون من الأمر : من الأمر ما ترون ، وبدل كلمة برما : جرما.

ورواه العلّامة الخوارزمي في «مقتله» (ج ٢ ص ٣ ط الغري) قال :

أخبرنا الامام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني إجازة ، أخبرنا أبو عليّ الحداد ، حدّثنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز. فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» سندا ومتنا لكنّه ذكر بدل قوله ما ترون من الأمر : من الأمر ما ترون ، وبدل قوله لقاء الله : لقاء ربّه ، وبدل كلمة الحياة : العيش.

ورواه ابن عساكر الدمشقي في «تاريخ دمشق» على ما في منتخبه (ج ٤ ص ٣٣٣ ط روضة الشام) بعين ما تقدّم عن (المعجم الكبير) لكنّه أسقط كلمة من الأمر ، وذكر بدل كلمة وانشمرت ، واستمرّت ، وبدل كلمة برما : شؤما.

٦٠٦

ورواه العلّامة الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج ٢ ص ٣٤٥ ط مصر) بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» سندا ومتنا لكنّه ذكر بدل قوله قد نزل ما ترون من الأمر : قد نزل بنا ما ترون ، وبدل قوله وانشمرت : واستمرت.

ورواه العلّامة المذكور في «سير أعلام النبلاء» (ج ٣ ص ٢٠٩ ط مصر) بعين ما تقدّم عنه في «تاريخ الإسلام» سندا ومتنا.

ورواه العلّامة محبّ الدّين الطبري في «ذخائر العقبى» (ص ١٤٩ ط القدسي بالقاهرة) قال :

قال الزبير بن بكّار : وحدّثني محمّد بن الحسن قال : لمّا أيقن الحسين بأنّهم قاتلوه قام خطيبا فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثمّ قال : قد نزل ما ترون من الأمر وإنّ الدّنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر خيرها ومعروفها واستمرّت حتّى لم يبق فيها إلّا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كبيس الرعا للوثيل ألا ترون الحقّ لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن إلى لقاء الله عزوجل وإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا ندامة. أخرجه ابن بنت منيع.

ورواه العلامة باكثير الحضرمي في «وسيلة المآل» (ص ١٩٨ نسخة مكتبة الظاهريّة بدمشق).

روى الحديث بعين ما تقدّم عن «ذخائر العقبى».

ورواه العلّامة الزبيدي في «الإتحاف» (ج ١٠ ص ٣٢٠ ط الميمنية بمصر) عن محمّد بن الحسين بعين ما تقدّم عن «المعجم الكبير» لكنّه قال : انّه عليه‌السلام خطب بها حين نزل عسكر عبيد الله في كربلاء ، وأيقن انّهم قاتلوه فقام في أصحابه خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قاله. وذكر بدل كلمة إلّا خسيس عيش : إلّا حسبي من عيش.

٦٠٧

ومن كلامه عليه‌السلام في طريق كربلاء

خذلتنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه وليس عليه منّا ذمام ، قال : فتفرّق النّاس عنه أيادي سبا يمينا وشمالا حتّى بقي في أصحابه الّذي جاءوا معه من مكّة.

رواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ١٦٨) عن أبي مخنف ، عن أبي جناب ، عن عديّ بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم ، والمنذر بن المشمعل الأسديّين قالا فسار الحسين حتّى إذا كان بزرود بلغه أيضا مقتل الّذي بعثه بكتابه إلى أهل الكوفة بعد ان خرج من مكّة ووصل إلى حاجر فقاله.

ورواه الحضرمي في «وسيلة المآل» (ص ١٩٢ مخطوط) قال : قال عليه‌السلام : أيّها النّاس من أحبّ أن ينصرف فلينصرف وليس عليه منا ذم ولا ملام فتفرق الأعراب عنه يمينا وشمالا حتّى بقي في أصحابه الّذين خرجوا معه من مكّة لا غير.

ورواه ابن الصباغ في «الفصول المهمّة» (ص ١٧١ ط الغري) بعين ما تقدّم عن «وسيلة المآل».

٦٠٨

ومن خطبة له عليه‌السلام بالبيضة

قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار انّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها النّاس إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّا على الله أن يدخله مدخله ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غير وقد أتتنى كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم انّكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم في اسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم والمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطاتم ونصيبكم ضيّعتم ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه وسيغنى الله عنك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

رواها الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (ج ٤ ص ٣٠٤ ط الاستقامة بمصر).

ورواها ابن الأثير الشيباني في «الكامل» (ج ٣ ص ٢٨٠ ط المنيريّة بمصر) بعين ما تقدّم عن «تاريخ الأمم» لكنّه ذكر بدل كلمة غير ، غيرى ـ وبدل تمّمتم ، أتممتم ـ ثم قال : فقال له الحرّ : انّي أذكرك الله في نفسك فانّي اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فلئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى فقال له الحسين : أبا لموت تخوّفني وهل؟؟ بكم الخطب

٦٠٩

إن تقتلوني وما أدرى ما أقول لك ولكنّى أقول كما قال أخو الأوسي لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين تذهب فإنّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما

وواسى رجالا صالحين بنفسه

وخالف مثبورا وفارق مجرما

فإن عشت لم اندم وإن متّ لم ألم

كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه.

٦١٠

ومن خطبة له عليه‌السلام لأصحابه ليلة العاشوراء

اثنى على الله احسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إنى أحمدك على أن كرّمتنا بالنبوّة وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدّين فاجعلنا لك من الشاكرين. أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا عنّي خيرا. ألا وإنّي لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإنّي قد أذنت لكم جميعا فانطلقوا في حلّ ليس عليكم منى ذمام ، هذا اللّيل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا ، ثمّ تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيرى.

رواها في «الكامل» (ج ٣ ص ٢٨٤ ط المنيريّة بمصر) قال : جمع الحسين عليه‌السلام أصحابه ليلة العاشوراء فقالها.

ورواها الحافظ الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (ج ٤ ص ٣١٧ ط الاستقامة بمصر).

عن أبي مخنف عن عبد الله بن الفائشي عن الضحاك بن عبد الله المشرقي بطن من همدان أيضا عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري عن عليّ بن الحسين قالا جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المسا قال على بن الحسين فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه فذكره بعين ما تقدم عن «الكامل» لكنه أسقط قوله فاجعلنا من الشاكرين وزاد ولم تجعلنا من المشركين وذكر بدل كلمة اوفى : اولى وبدل كلمة أذنت : رأيت.

٦١١

ورواها العلامة الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ج ١ ص ٢٤٦ ط الغري) قال : قال (أبو مخنف) وجمع الحسين عليه‌السلام أصحابه بين يديه ثمّ حمد الله وأثنى عليه وقال : أللهمّ لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن وفقّهتنا في الدّين وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعلت لنا أسماعا وأبصارا فاجعلنا من الشاكرين أمّا بعد فإنى لا أعلم أصحابا أصلح منكم ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا عنّى خيرا إنّ هؤلاء القوم ما يطلبون أحدا غيري ولو قد أصابونى وقدروا على قتلي لما طلبوكم أبدا وهذا الليل قد غشيكم فقوموا واتّخذوه جملا وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من إخوتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم.

ورواها العلامة القندوزي في «ينابيع المودة» (ص ٣٣٩ ط اسلامبول) لكنه قال:

فقال لهم : إنى لا أعلم أصحابا أوفى بالعهد ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل بالرحم من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا فأنتم في حلّ منى ، وهذه الليلة سيروا بسوادها فاتخذوها سترا جميلا ، فقال له إخوته وأهل بيته وأصحابه : لا نفارقك لحظة ولا يبقي الله إيانا بعدك أبدا.

٦١٢

ومن دعائه عليه‌السلام لما صبحت الخيل به

قال أبو مخنف عن بعض أصحابه ، عن أبي خالد الكاهليّ قال : لمّا صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه فقال : اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصّديق ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته وكشفته فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة.

رواه الحافظ الطبري في «تاريخ الأمم والملوك» (ج ٤ ص ٣٢١ ط الاستقامة بمصر).

ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ١٩٩ ط السعادة بمصر) عن أبي مخنف ، عن أبي خالد بعين ما تقدّم عن «تاريخ الأمم» لكنّه ذكر بدل قوله من كلّ أمر نزل : في كلّ أمر نزل بي ، وبدل قوله رغبة منّي : رغبة فيه ، وزاد بعد قوله كشفته : وكفيتنيه.

٦١٣

ومن خطبة له عليه‌السلام غداة يوم العاشوراء

عباد الله اتّقوا الله وكونوا من الدّنيا على حذر فإن الدّنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء ، غير انّ الله تعالى خلق الدّنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء ، فجديدها بال ونعيمها مضمحلّ وسرورها مكفهر والمنزل بلغة والدار قلعة ف (تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى ، وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

رواها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج ٤ ص ٣٣٣ ط روضة الشام) قال : خطب عليه‌السلام في اليوم الّذي استشهد فيه فحمد الله واثنى عليه ، ثمّ قالها.

ورواه في «كفاية الطالب» (ص ٢٨٢ ط الغرى) قال :

أخبرنا فرج بن عبد الله الحبشي فتى أبي جعفر القرطبي ، أخبرنا الحافظ أبو محمّد القاسم بن الحافظ أبي القاسم ، أخبرنا القاضي أبو المعالي محمّد بن يحيى القرشي ، أخبرنا سهل بن بشر الأسفرايني ، أخبرنا محمّد بن الحسين بن أحمد السري ، أخبرنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا يموت بن المزرع ، حدّثنا محمّد بن الصباح السماك ، حدّثنا بشر بن طامحة ، عن رجل من همذان. فذكرها بعينها.

٦١٤

ومن كلامه عليه‌السلام في موعظة أعدائه

أيّها النّاس اسمعوا منّي نصيحة أقولها لكم ، فأنصت النّاس كلّهم ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أيّها النّاس إن قبلتم منّي وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إلىّ ولا تنظرون إنّ وليّي الله الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين. فلمّا سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهنّ بالبكاء فقال عند ذلك : لا يبعد الله ابن عبّاس ، يعني حين أشار عليه أن لا يخرج بالنّساء معه ويدعهنّ بمكّة إلى أن ينتظم الأمر ثمّ بعث أخاه العبّاس فسكتهنّ ، ثمّ شرع يذكر للنّاس فضله وعظمة نسبه وعلوّ قدره وشرفه ، ويقول : راجعوا أنفسكم وحاسبوها هل يصلح لكم قتال مثلي؟ وأنا ابن بنت نبيّكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيري ، وعليّ أبي ، وجعفر ذو الجناحين عمّي ، وحمزة سيّد الشهداء عمّ أبي وقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ، فان صدّقتموني بما أقول فهو الحقّ ، فو الله ما تعمّدت كذبة منذ علمت أنّ الله يمقت على الكذب وإلّا فاسألوا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، جابر بن عبد الله ، وأبا سعيد ، وسهل ابن سعد ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك يخبرونكم بذلك ، ويحكم! أما تتّقون الله أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كنت أدري ما يقول؟ فقال له حبيب بن مطهّر : والله يا شمر إنّك لتعبد الله على سبعين حرفا ، وأمّا نحن فو الله إنا لندري ما يقول ، وإنّه قد طبع على قلبك ، ثمّ قال : أيّها النّاس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض ، فقالوا : وما يمنعك

٦١٥

أن تنزل على حكم بني عمّك؟ فقال : معاذ الله (إنّي عذت بربي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب) ثمّ أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها [ثمّ قال : أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟ أو مال لكم أكلته؟ أو بقصاصة من جراحة؟ قال : فأخذوا لا يكلّمونه. قال : فنادى يا شبيب بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ : أنّه قد أينعت الثمار ، وأخضر الجناب ، فاقدم علينا فانّما تقدم على جند مجنّدة؟ فقالوا له : لم نفعل ، فقال : سبحان الله! والله لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها النّاس إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم ، فقال له قيس الأشعث : ألا تنزل على حكم بني عمّك فانّهم لن يؤذوك ولا ترى منهم إلّا ما تحبّ؟ فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ لهم اقرار العبيد.

رواه ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ١٧٨ ط مصر).

٦١٦

ومن كلامه عليه‌السلام في الاحتجاج مع القوم

ألست أنا ابن بنت نبيّكم وابن أوّل المؤمنين إيمانا والمصدّق لله ورسوله؟ أليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أليس جعفر الطيّار في الجنان عمّي؟ أليس قال جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذين ولداي سيّدا شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين؟ أليس قال : إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟ فان صدقتموني فيما أقول فنعما هو وإلّا فاسئلوا جابر بن عبد الله وسعد وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك فانّهم سمعوا ذلك من جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثمّ نادى : يا شبث بن ربعي ويا كثير بن شهاب ألم تكتبوا إلىّ أن أقدم لك مالنا وعليك ما علينا؟ فقالوا : ما نعرف ما تقول فانزل على حكم الأمير وبيعة يزيد ، فقال : والله لا اعطى بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ اقرار العبيد ، وانّي أعوذ بالله أن أنزل تحت حكم كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

ثمّ قال لأعدائه : يا قوم الكوفة إنّ الدّنيا قد تغيّرت وتكدّرت وهذه دار فناء وزوال تتصرف بأهلها من حال إلى حال فالمغرور من اغتر بها وركن إليها وطمع فيها معاشر النّاس أما قرأتم القرآن أما عرفتم شرايع الإسلام؟ وثبتم على ابن نبيّكم تقتلوه ظلما وعدوانا ، معاشر النّاس ، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس وآل نبيّكم يموتون عطاشا ، فقالوا : والله لا تذوق الماء بل تذوق الموت غصة بعد غصة وجرعة بعد جرعة.

فلما سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال لهم : إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ، ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ، ثمّ جعل يقول :

٦١٧

تعدّيتم يا شرّ قوم ببغيكم

وخالفتموا قول النّبيّ محمّد

أما كان خير الخلق أوصاكم بنا

أما كان جدّي خيرة الله أحمد

أما كانت الزهراء امّي ووالدي

عليّ أخو خير الأنام الممجّد

لعنتم وأخزيتم بما قد فعلتموا

فسوف تلاقون العذاب بمشهد

رواه في «ينابيع المودّة» (ص ٣٤٠ ط مصر).

٦١٨

ومن خطبة له عليه‌السلام يوم عاشوراء

الحمد لله الّذي خلق الدّنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرّفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرّته ، والشقي من فتنته ، فلا تغرّنّكم هذه الدّنيا فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيّب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، فأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته فنعم الرّبّ ربّنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطّاعة وآمنتم بالرّسول محمّد ، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيّته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّا لكم وما تريدون ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعدا للقوم الظّالمين.

فقال عمر بن سعد : ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما قطع ولما حصر فكلّموه ، فتقدّم إليه شمر بن ذي الجوشن فقال : يا حسين ما هذا الّذي تقول أفهمنا حتّى نفهم ، فقال عليه‌السلام : أقول لكم : اتّقوا الله ربّكم ولا تقتلون فإنّه لا يحلّ لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فإنّي ابن بنت نبيّكم وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم ، ولعلّه قد بلغكم قول نبيّكم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ما خلا النّبيّين والمرسلين فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ فو الله ما تعمدّت كذبا منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصّحابة مثل جابر بن عبد الله وسهل بن سعد ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك فاسألوهم عن هذا فإنّهم يخبرونكم انّهم سمعوه من رسول الله ، فان كنتم في شكّ من أمري ، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم ، فو الله ما بين المشرقين والمغربين ابن بنت نبيّ غيري ، ويلكم أتطلبوني بدم أحد منكم قتلته ، أو بمال استملكته أو بقصاص

٦١٩

من جراحات استهلكته فسكتوا عنه لا يجيبونه ، ثمّ قال عليه‌السلام : والله لا أعطيهم يدي إعطاء الذليل ولا افرّ فرار العبيد ، عباد الله انّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون وأعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

فقال له شمر بن ذى الجوشن : يا حسين بن عليّ أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول ، فسكت الحسين عليه‌السلام ، فقال حبيب بن مظاهر للشمر : يا عدوّ الله وعدوّ رسول الله انّي لأظنّك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد انّك لا تدري ما يقول فانّ الله تبارك وتعالى قد طبع على قلبك ، فقال له الحسين عليه‌السلام : حسبك يا أخا بني أسد فقد قضى القضاء وجفّ القلم والله بالغ أمره ، والله إنّي لأشوق إلى جدّي وأبي وامّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه ولي مصر عليه‌السلام أنا لاقيه.

رواه في «مقتل الخوارزمي» (ج ١ ص ٢٥٢) قال : قاله عليه‌السلام حين تقدّم حتّى وقف قبالة القوم وجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّها السيل ، ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة.

٦٢٠