إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ١١

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا وأنّ معاوية نازعني حقّا لي دونه فرأيت أن أمنع النّاس الحرب وأسلّمه إليه وأنّ لهذا الأمر مدّة ، وتلا : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

رواها العلامة الشيخ مطهر بن طاهر المقدسي في «البدء والتاريخ» (ج ٥ ص ٢٣٧ ط الخانجى بمصر) ثم قال :

فلمّا تلا الحسن هذه الآية خشي معاوية الاختلاف ، فقال له معاوية : اقعد ثمّ قام خطيبا ، فقال : كنت شروطا في الفرقة أردت بها نظام الالفة ، وقد جمع الله كلمتنا وأزال فرقتنا ، وكلّ شرط شرطته فهو مردود ، وكلّ وعد وعدته فهو تحت قدميّ هاتين فقام الحسن فقال : ألا وإنّي اخترت العار على النّار (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

ورواها العلامة النبهاني في «الشرف المؤبد» (ص ٦١ ط مصر).

بعين ما تقدّم ثانيا عن «الاستيعاب» لكنّه ذكر بدل قوله هدى بنا : فإنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا.

ورواها العلّامة مجد الدّين ابن الأثير الجزري في «المختار» (ص ١٩) نقلا عن الزّهري بعين ما تقدّم أوّلا عن «الاستيعاب».

ورواها نقلا عن الشعبي بعين ما تقدّم عنه ثانيا.

ورواها العلامة الشيخ حسين بن محمد المالكي في «تاريخ الخميس» (ج ٢ ص ٢٩٠ ط الوهبية بمصر).

نقلا عن «الاستيعاب» بعين ما تقدّم عنه أوّلا.

ورواها من طريق الشعبي بعين ما تقدّم عنه ثانيا.

ورواها العلامة باكثير الحضرمي في «وسيلة المآل» (ص ١٧٢ نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق).

بعين ما تقدّم ثانيا عن «الاستيعاب».

٢٠١

ورواها العلّامة الطبراني في «المعجم الكبير» (ص ١٢٩ المخطوط) باختلاف يسير قال :

حدثنا أبو خليفة ، نا عليّ بن المديني ، نا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن عليّ رضي‌الله‌عنه بالنّخيلة حين صالحه معاوية (رض) ، فقال له معاوية : إذا كان ذا ، فقم ، فتكلّم وأخبر النّاس أنّك قد سلمت هذا الأمر لي وربّما قال سفيان : أخبر النّاس بهذا الأمر الّذي تركته لي ، فقام ، فخطب على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، قال الشّعبي : وأنا أسمع ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ أكيس الكيس التقى ، وإنّ أحمق الحمق الفجور ، وإنّ هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا كان حقّا لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الامّة وحقن دمائهم ، أو يكون حقّا كان لامرئ أحقّ به منّي ، ففعلت ذلك ، وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين.

ورواها العلامة الشيخ محمد بن قاسم بن محمد النويرى الإسكندراني المتوفى بعد سنة ٧٧٥ بقليل في كتابه «الإلمام بالاعلام فيما جرت به الاحكام» (والأمور المقضية في وقعة الاسكندرية ، طبع حيدرآباد الدكن ج ١ ص ٢٦٩) قال : ولمّا جرى الصلح بين الحسن بن عليّ ومعاوية بن أبي سفيان على رأس الثلاثين سنة قال له معاوية : قم فاخطب النّاس واذكر ما أنت فيه ، فقام وخطب النّاس وقال :

أيّها النّاس إنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا ، وقد كانت لي في رقابكم بيعة ، تحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت وقد سالمت معاوية وأشار بيده إلى معاوية وقرأ : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

٢٠٢

ومن فقرات هذه الخطبة

أيّها النّاس إنّ أكيس الكيس التّقى ، وأحمق الحمق الفجور ، وانّكم لو طلبتم بين جابلق وجابلص رجلا جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين وقد علمتم أنّ الله تعالى هداكم بجدّي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنقذكم به من الضلالة ورفعكم به من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به بعد القلّة ، وانّ معاوية نازعني حقّا هولي دونه فنظرت اصلاح الامّة وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ، ورأيت أنّ حقن الدّماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلّا صلاحكم وبقائكم (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

رواها العلّامة البدخشي في «مفتاح النجا» (ص ١٢١ مخطوط).

ورواها العلامة أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي في «معجم ما استعجم» (ج ٢ ص ٣٥٤ ط لجنة النشر ، في القاهرة).

بعين ما تقدّم عن «مفتاح النجا» من قوله : أيّها النّاس انّكم لو طلبتم ، إلى قوله : غير أخي ، ثمّ ذكر بعده : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) وأشار بيده إلى معاوية. ثمّ قال : ورواه قاسم بن ثابت بهذا اللّفظ سواء.

ورواها الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ٤٢ ط مصر).

بعين ما تقدّم عن «معجم ما استعجم» وزاد بين الفقرتين ، وانّا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أنّ حقن دماء المسلمين خير من إهراقها.

ورواها العلامة الثعالبي في «التمثيل» (ص ٣٠ ط دار احياء الكتب العربية بمصر).

٢٠٣

قال : قال الحسن : أكيس الكيس التّقى ، وأحمق الحمق الفجور ، الكرم هو التبرّع قبل السؤال.

ورويت بنحو آخر

أيّها النّاس إنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا ، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفر عليكم غنائمكم وأن يقسم فيكم فيئكم ، ثمّ أقبل على معاوية فقال : أكذاك؟ قال : نعم ، ثمّ هبط من المنبر وهو يقول : ويشير بإصبعه إلى معاوية (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

رواه العلامة الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج ٢ ص ٢١٨ ط مصر) قال :

وقال حريز بن عثمان ، ثنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال : لمّا بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلّم عيي عن المنطق فيزهد فيه الناس ، فقال معاوية : لا تفعلوا فو الله لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمصّ لسانه وشفته ولن يعيي لسان مصّه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو شفته ، قال : فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ثمّ أمر الحسن فصعد وأمره أن يخبر النّاس أنّى قد بايعت معاوية ، فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال. فذكره.

ثمّ قال : فاشتدّ ذلك على معاوية ، فقالوا : لو دعوته فاستنطقته يعني استفهمته ما عني بالآية ، فقال : مهلا فأبوا عليه ، فدعوه فأجابهم فأقبل عليه عمرو فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل من قريش ورجل من أهل المدينة فادّعياك فلا أدري فأيّهما أبوك ، وأقبل عليه أبو الأعور فقال له الحسن : ألم يلعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رعلّا وذكوان وعمرو بن سفيان ، وهذا اسم أبي الأعور ، ثمّ أقبل

٢٠٤

عليه معاوية يعينها فقال له الحسن : أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن قائد الأحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان والآخر أبو الأعور السّلمي.

وروى الطبراني في «المعجم الكبير» (ص ١٣٨ مخطوط) قال :

حدثنا زكريّا بن يحيى السّاجي ، نا محمّد بن بشّار بندار ، نا عبد الملك بن الصبّاح المسمعي ، نا عمران بن جدير أظنّه عن أبي مجلز ، قال : قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : إنّ الحسن بن عليّ رجل غنّي (عييّ ط) وأنّ له كلاما ورأيا وأنّا قد علمنا كلامه ، فيتكلّم كلاما ، فلا يجد كلاما ، فقال : لا تفعلوا فأبوا عليه فصعد عمرو المنبر فذكر عليّا ووقع فيه ، ثمّ صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثمّ وقع في عليّ رضي‌الله‌عنه ، ثمّ قيل للحسن بن عليّ : اصعد ، فقال : لا أصعد ولا أتكلّم حتّى تعطوني إن قلت حقّا أن تصدّقوني ، وإن قلت باطلا أن تكذّبوني ، فأعطوه فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه فقال : بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لعن الله السّائق والرّاكب أحدهما فلان ، قالا : اللهمّ نعم ، بلى ، قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن عمرا بكلّ قافية قالها لعنة؟ قالا : اللهمّ بلى ، قال الحسن : فانّي أحمد الله الّذي وقعتم فيمن تبرّأ من هذا.

حدثنا محمّد بن عون السّيرافي ، نا الحسن بن عليّ الواسطي ، نا يزيد بن هارون نا حريز بن عثمان ، عن عبد الرّحمن بن أبي عوف قال : قال عمرو بن العاص وأبو الأعور السّلمي لمعاوية : إنّ الحسن بن عليّ رضي‌الله‌عنهما رجل عيّ ، فقال معاوية (رض): لا تقولان ذلك ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تفل في فيه ومن تفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فيه فليس بعيّ ، الحديث.

٢٠٥

ومن خطبة له عليه‌السلام

نحن حزب الله الغالبون ، ونحن عترة رسوله الأقربون ، ونحن أهل بيته الطيّبون ونحن أحد الثّقلين الّلذين خلّفهما جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في امّته ، ونحن ثانى كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا تفسيره ، ولا تظننا تأويله ، بل تيقّنا حقائقه فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عزوجل وطاعة رسوله مقرونة ، وقال : جلّ شأنه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال جلّ شأنه : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ) وإلى (الرَّسُولَ) و (... أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

رواه العلامة البلخي القندوزى في «ينابيع المودة» (ص ٢١ ط اسلامبول).

عن المناقب ، عن هشام بن حسان قال : خطب الحسن بن عليّ عليهما‌السلام بعد بيعة النّاس له بالأمر. فذكرها.

ورواه العلّامة الشيخ محمّد رضا المالكي في «الحسن والحسين سبطا رسول الله» (ص ٤٩ ط القاهرة) إلّا أنّه ذكرها هكذا :

نحن حزب الله المفلحون ، وعترة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطّاهرون الطيّبون ، وأحد الثقلين الّذين خلّفهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل عليه في كلّ شيء ، لا يخطئنا تأويله بل نتيقّن حقائقه فأطيعونا فاطاعتنا مفروضة

٢٠٦

إذ كانت بطاعة الله والرّسول واولى الأمر مقرونة («فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ـ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ـ واحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان إنّه لكم عدوّ مبين ، فتكونون كأوليائه الّذين قال لهم : لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لا ترون فتلفون للرماح ازرا وللسيوف جزرا وللعمد خطأ وللسهام غرضا ثمّ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.

٢٠٧

ومن خطبة له عليه‌السلام

امّا وفد على معاوية الشام ، فقال عمرو بن العاص : إنّ الحسن رجل افّة فلو حملته على المنبر فتكلّم فسمع النّاس من النّاس من كلامه عابوه فأمره فصعد المنبر فتكلّم فأحسن ، وكان في كلامه أن قال :

أيّها النّاس ، لو طلبتم ابنا لنبيّكم ما بين جابرس إلى جابلق لم تجدوه غيري وغير أخي (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) فساء ذلك عمرا وأراد أن يقطع كلامه ، فقال : يا أبا محمّد ، هل تنعت الرّطب ، فقال : أجل ، تلقحه الشّمال وتخرجه الجنوب وينضجه برد الّليل بحرّ النّهار ، قال : يا أبا محمّد ، هل تنعت الخرائة؟ قال : نعم ، تبعد الممشى في الأرض الصّحصح حتّى يتوارى من القوم ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستنجي بالرّوثة ولا العظم ، ولا تبول في الماء الرّاكد ، وأخذ في كلامه.

٢٠٨

ومن خطبة له عليه‌السلام

أيّها النّاس قد علمتم أنّ الله جلّ ذكره وعزّ اسمه هداكم بجدّي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنقذكم من الضّلالة ، وخلّصكم من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذّلة ، وكثّركم به بعد القلّة ، وأنّ معاوية نازعني حقّا هولي دونه ، فنظرت لصلاح الامّة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني ، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ، وقد صالحته ورأيت أنّ حقن الدّماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلّا صلاحكم وبقائكم (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

رواه العلّامة القندوزي في «ينابيع المودّة» (ص ٢٩٣ ط اسلامبول).

٢٠٩

ومن خطبة له عليه‌السلام

الحمد لله الّذي هدى أوّلكم بأوّلنا وآخركم بآخرنا ، اسمعوا منّي مقالتي وأعيروني فهمكم ، وبك أبدأ يا معاوية ، فو الله ما هؤلاء سبّوني ولكنّك يا معاوية سببتني فحشا ، وخلقا سيّئا ، وبغيا علينا ، وعداوة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأهل بيته عليهم‌السلام قديما وحديثا ، وأيم الله لو أنّي وإيّاهم في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحولنا أهل المدينة ما استطاعوا أن يتكلّموا بما تكلّموا به ، ولكن بك يا معاوية أبدأ فاسمع منّي وليسمع الملأ فاسمعوا أيّها الملأ ولا تكتموا حقّا علمتموه ولا تصدّقوا باطلا إن نطقت به أنشدكم الله هل تعلمون أنّ الرّجل الّذي تشتمونه صلّى القبلتين كلتيهما ، وأنت يا معاوية كافر بهما تراهما ضلالا ، وتعبد اللّات والعزّى ، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح وبيعة الرّضوان ، وأنت يا معاوية بالأولى كافر وبالثانية ناكث ، ثمّ أنشدكم الله هل تعلمون أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعنكم يوم بدر ، ومع عليّ راية النّبيّ والمؤمنين ولعنكم يوم الأحزاب ومع عليّ راية النّبيّ والمؤمنين ، ومعك يا معاوية راية المشركين من بني أميّة ، فعلىّ بذلك يفلج الله حجّته ويحقّ الله دعوته وينصر دينه ويصدق حديثه وعليّ بذلك رسول الله راض عنه والمسلمون عنه راضون ، ثمّ أنشدكم الله هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاصر أهل خيبر فبعث عمر بن الخطّاب براية المهاجرين ، وبعث سعد بن معاذ براية الأنصار ، فأمّا سعد فجيء به جريحا ، وأمّا عمر فجاء يجبن أصحابه حتّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأعطين الرّاية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ، ثمّ لا ينسني (ينثني) حتّى يفتح الله له إنشاء الله فتعرّض لها أبو بكر وعمرو من ثمّ من المهاجرين والأنصار وعليّ يومئذ أرمد شديد الرمد ، فدعاه رسول الله فتفل في عينيه وأعطاه الرّاية وقال : اللهم قه الحرّ والبرد ، فلم ينثن حتّى

٢١٠

فتح الله له واستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله ، وأنت يومئذ يا معاوية مشرك بمكّة عدوّ لله ولرسوله ، ثمّ أنشدكم الله هل تعلمون أنّ عليّا ممّن حرّم الشّهوات من أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ).

رواه العلامة الخوارزمي في «مقتل الحسين» (ص ١١٥ ط الغرى) قال : وروى يزيد بن أبي حبيب والحرث بن يزيد وابن هبيرة قالوا : اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة بن شعبة قالوا لمعاوية : أرسل لنا إلى الحسن لنسبّ أباه ونصغّره بذلك ، فقال : إنّي أخاف أن لا تنتصروا منه ، واعلموا أنّي إن أرسلت إليه أمرته أن يتكلّم كما تتكلّمون ، قالوا : افعل فو الله لنخزينّه اليوم ، فأرسل إليه يدعوه والحسن لا يدرى لما دعاه فلمّا قعد ، تكلّم معاوية إلى أن قال : فتكلّم الحسن بن عليّ فقاله.

ومن كلامه عليه‌السلام في جواب اصحاب معاوية

تكلّم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ قال :

أمّا بعد ، يا معاوية فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني فحشا ألفته وسوء رأى عرفت به وخلقا سيّئا ثبت عليه وبغيا علينا عداوة منك لمحمّد وأهله ، ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولنّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم ، أنشدكم الله أيّها الرهط هل تعلمون أنّ الّذي شتمتموه منذ اليوم صلّى القبلتين كليهما ، وأنت يا معاوية بهما كافر تراها ضلالة وتعبد اللّات والعزّى غواية ، وبايع البيعتين : بيعة الفتح وبيعة الرضوان وأنت بإحداهما كافر وبالأخرى ناكث ، وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه أوّل النّاس إيمانا ، وأنّك يا معاوية وأباك من المؤلّفة قلوبهم تسرّون الكفر وتظهرون الإسلام

٢١١

وتستميلون بالأموال ، وأنّه كان صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر ، وأنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ، ثمّ لقيكم يوم احد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعك ومع أبيك راية الشرك ، وفي كلّ ذلك يفتح الله له ويفلج حجّته وينصر دعوته ويصدق حديثه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تلك المواطن كلّها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط ، وبات يحرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة حتّى أنزل الله فيه : (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) وأنزل فيه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» «وأنت أخي في الدّنيا والآخرة» وجاء أبوك على جمل أحمر يوم الأحزاب يحرّض الناس وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلعن الراكب والقائد والسائق ، أتنسى يا معاوية الشعر الّذي كتبته إلى أبيك لمّا همّ أن يسلم تنهاه عن الإسلام :

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمّي وعمّ الامّ نالتهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا

لا تركنّ إلى أمر تقلّدنا

والرّاقصات بنعمان به الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

حاد ابن حرب عن العزّى إذا فرقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبديت ، وأنشدكم الله أتعلمون أنّ عليّا حرّم الشّهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وأنت يا معاوية دعا عليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك فنهمك إلى يوم القيامة فقال : اللهمّ لا تشبعه ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليّا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله ، وفعل في خيبر مثلها

٢١٢

وأنتم أيّها الرهط نشدتكم الله ألا تعلمون انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها :

أوّلها يوم لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارجا من مكّة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به وسبّه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعّده وهمّ أن يبطش به.

والثانية يوم العير إذ عرض لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها ولم يظفر المسلمون بها ، ولعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا عليه فكانت وقعة بدر لأجلها.

والثالثة يوم احد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أعلاه وهو ينادى اعل هبل مرارا ، فلعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر مرّات ولعنه المسلمون.

والرابعة يوم جاء الأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابتهل.

والخامسة يوم الحديبيّة ، يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المسجد الحرام (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ولعن القادة والاتباع ، فقيل : يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم؟ فقال : لا تصيب اللّعنة أحدا من الأتباع يسلم ، وأمّا القادة فلا يفلح منهم أحد.

والسّادسة يوم الجمل الأحمر.

والسابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان ، هذا لك يا معاوية.

وأمّا أنت يا ابن النّابغة فادّعاك خمسة من قريش غلب عليك ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وولدت على فراش مشترك ، ثمّ قام أبوك فقال : أنا شانئي محمّد الأبتر فأنزل الله فيه : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

وقاتلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جميع المشاهد وهجوته وأذيته بمكّة وكدته ، وكنت من أشدّ النّاس له تكذيبا وعداوة ، ثمّ خرجت تريد النجاشي لتأتي بجعفر وأصحابه

٢١٣

فلمّا أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا ، جعلت جدّك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي ففضحك الله وفضح صاحبك ، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهليّة والإسلام ، وهجوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبعين بيتا من الشعر فقال : اللهمّ إنّي لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن ، وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدّنيا نارا ثمّ لحقت بفلسطين ، فلمّا أتاك قتله قلت : (أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها) ثمّ حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه ، فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ودّ ، وبالله ما نصرت عثمان حيّا ولا غضبت له مقتولا ، ويحك يا ابن العاص ألست القائل لمّا خرجت إلى النجاشي.

تقول ابنتي أين هذا الرحيل

وما السّير منّي بمستنكر

فقلت ذريني فانّى امرؤ

أريد النّجاشي في جعفر

لا كويه عنده كية

أقيم بها نخوة الأصعر

وشاني وأحمد من بينهم

وأقولهم فيه بالمنكر

واجرى إلى عيبه جاهدا

ولو كان كالذّهب الأحمر

ولا أنثني عن بني هاشم

بما اسطعت في الغيب والمحضر

فإن قبل العيب منّي له

وإلّا لويت له مشفري

وأمّا أنت يا وليد فو الله ما ألومك على بغض عليّ وقد قتل أباك بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صبرا وجلّدك ثمانين في الخمر لمّا صلّيت بالمسلمين الفجر سكران وفيك يقول الحطيئة :

شهد الحطيئة حين يلقى ربّه

إنّ الوليد أحقّ بالعذر

نادى وقد تمّت صلاتهم

أأزيدكم سكرا وما يدري

ليزيدهم أخرى ولو قبلوا

لأتت صلاتهم على العشر

٢١٤

فأبوا أبا وهب ولو قبلوا

لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك إذ جزيت ولو

تركوا عنانك لم تزل تجرى

وسمّاك الله في كتابه فاسقا وسمّى أمير المؤمنين مؤمنا حيث تفاخرتما فقلت له : اسكت يا عليّ فأنا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا ، فقال لك عليّ : اسكت يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق ، فأنزل الله تعالى في مواقفه قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ثمّ أنزل فيك على موافقته قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ومهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه :

أنزل الله والكتاب عزيز

في عليّ وفي الوليد قرانا

فثبوا الوليد إذ ذاك فسقا

وعليّ مبوّأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عمرك الله

كمن كان فاسقا خوانا

سوف يدعى الوليد بعد قليل

وعليّ إلى الحساب عيانا

فعلىّ يجزى بذاك جنانا

ووليد يجزى بذاك هوانا

ربّ جدّ لعقبة بن أبان

لابس في بلادنا ثباتا

وما أنت وقريش إنّما أنت علج من أهل صفورية ، واقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسنّ ممّا تدعى إليه.

وأمّا أنت يا عتبة فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك ، ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك وما عندك خير يرجى ولا شرّ يتّقى ، وما عقلك وعقل أمتك إلّا سواء ، وما يضرّ عليّا لو سببته على رءوس الأشهاد ، وأمّا وعيدك إيّاى بالقتل فهلّا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك ، فقال فيك نصر بن حجاج :

يا للرجال وحادث الأزمان

ولسبّة تخزي أبا سفيان

نبّئت عتبة خانه في عرسه

جبس لئيم الأصل في لحيان

وكيف ألومك على بغض عليّ وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر وشرك حمزة

٢١٥

في قتل جدّك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد.

وأمّا أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه وإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإنّي طائرة عنك ، فقالت النخلة : هل علمت بك واقعة عليّ فأعلم بك طائرة عنّي ، والله ما نشعر بعداوتك إيّانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها ولا يشقّ علينا كلامك ، وإنّ حدّ الله عليك في الزّنا لثابت ، ولقد درأ عمر عنك حقّا الله سائله عنه ، ولقد سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوّجها؟ فقال : لا بأس بذلك ، يا مغيرة ما لم ينو الزّنا ، لعلمه بأنّك زان.

وأمّا فخركم علينا بالأمارة فإنّ الله تعالى يقول : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً). ثمّ قام الحسن فنفض ثوبه وانصرف.

رواه أبو علم في «أهل البيت» (ص ٣٤٣ ط السعادة بمصر).

٢١٦

ومن خطبة له عليه‌السلام

أيّها النّاس اتّقوا الله ، فإنّا أمراؤكم وأولياؤكم وإنا أهل بيت الّذين قال الله فينا : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فبايعه النّاس وكان خرج عليهم وعليه ثياب سود ، قالها عليه‌السلام لمّا توفّي عليّ عليه‌السلام ، وخرج عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب إلى الناس فقال : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام توفّي وقد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم ، وإن كرهتم فلا أحد على أحد ، فبكى النّاس وقالوا بل يخرج إلينا ، فخرج الحسن عليه‌السلام فخطبهم.

رواه العلامة الشيخ عز الدين ابن أبى الحديد في «شرح النهج» (ج ٤ ص ٨ ط القاهرة).

ومن كلامه عليه‌السلام

ليس من العجز أن يصمت الرّجل عند إيراد الحجّة ، ولكن من الافك أن ينطق الرّجل بالخنا ويصوّر الباطل بصورة الحقّ ، يا عمرو افتخارا بالكذب وجرأة على الافك ما زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرّة وأمسك عنها أخرى ، فتأبى إلّا انهماكا في الضّلالة ، أتذكر مصابيح الدّجى ، وأعلام الهدى ، وفرسان الطراد ، وحتوف الأقران ، وأبناء الطعان ، وربيع الضيفان ، ومعدن النبوّة ، ومهبط العلم ، وزعمتم أنّكم أحمى لما وراء ظهوركم ، وقد تبيّن ذلك يوم بدر ، حين نكصت الأبطال

٢١٧

وتساورت الأقران ، واقتحمت اللّيوث ، واعتركت المنيّة ، وقامت رحاؤها على قطبها وفرّت عن نابها ، وطار شرار الحرب ، فقتلنا رجالكم ، ومنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذراريكم فكنتم لعمري في هذا اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطّلب ، ثمّ قال : وأمّا أنت يا مروان فما أنت والإكثار في قريش ، وأنت طليق وأبوك طريد يتقلّب من خزاية إلى سوءة ، ولقد جيء بك إلى أمير المؤمنين ، فلمّا رأيت الضّرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه كنت كما قال :

ليث إذا سمع ليوث زئيره

يبصبصن ثمّ قذفن بالأبعار

رواه العلامة الشيخ ابراهيم بن محمد البيهقي المتوفى سنة ٣٠٠ بقليل في «المحاسن والمساوى» (ص ٧٨ ط بيروت) قاله عليه‌السلام لما كان معاوية مع عمرو بن عاص ، ومروان بن الحكم ، وزياد بن أبي سفيان يتحاورون في قديمهم وحديثهم ومجدهم ، فقال معاوية : أكثرتم الفخر فلو حضركم الحسن بن عليّ وعبد الله بن العبّاس لقصرا من أعنتكما ما طال ، فقال زياد : وكيف ذلك يا أمير المؤمنين ، ما يقومان لمروان بن الحكم في غرب منطقه ولا لنا في بواذخنا ، فابعث إليهما في غد حتّى نسمع كلامهما ، فقال معاوية لعمرو : ما تقول؟ قال : هذا فابعث إليهما في غد فبعث إليهما معاوية ابنه يزيد فأتياه ودخلا عليه وبدأ معاوية فقال : إنّي اجلّكما وأرفع قدركما عن المسامرة باللّيل ، ولا سيّما أنت يا أبا محمّد فإنّك ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنّة. فتشكرا له فلمّا استويا في مجلسهما وعلم عمرو أنّ الجدّة ستقع به قال : والله لا بدّ أن أقول فإن قهرت فسبيل ذلك وإن قهرت أكون قد ابتدأت ، فقال : يا حسن إنّا تفاوضنا فقلنا إنّ رجال بني أميّة أصبر عند اللّقاء ، وأمضى في الوغى ، وأوفى عهدا وأكرم خيما (إلى أن قال :) فتكلّم الحسن.

٢١٨

ومن كلامه عليه‌السلام لأصحابه

إنّي أخبركم عن أخ لي ، وكان من أعظم النّاس في عيني ، وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدّنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهى ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه ، وكان خارجا من سلطان الجهلة فلا يمدّ يدا إلّا على ثقة المنفعة ، كان لا يسخط ولا يتبرّم كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلّم ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصّمت ، كان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال بذ القائلين. كان لا يشارك في دعوى ، ولا يدخل في مراء ، ولا يدلى بحجة حتّى يرى قاضيا ، كان يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول ، تفضّلا وتكرّما ، كان لا يغفل عن إخوانه ، ولا يختصّ بشيء دونهم ، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله ، كان إذا ابتدئه أمران لا يدري أيّهما أقرب إلى الحقّ ، نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.

رواه الحافظ الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج ١٢ ص ٣١٥ ط القاهرة) قال :

أخبرني أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد اللّخمي ، حدّثني خضر بن أبان بن عبيدة الواعظ ، حدّثني عثيم البغدادي الزاهد ، حدّثني محمّد بن كيسان أبو بكر الأصمّ قال : قال الحسن بن عليّ ذات يوم لأصحابه. فذكره.

ورواه العلامة ابن كثير القرشي الدمشقي في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ٣٩ ط حيدرآباد).

لكنّه ذكر بدل كلمة الجهلة : جهله ، وبدل كلمة يختص : يستخصّ.

٢١٩

ورواه العلّامة ابن الأثير الجزريّ في «المختار في مناقب الأخيار» (ص ٢٠ من النسخة الظاهرية بدمشق) بعين ما تقدّم عن «تاريخ بغداد».

ومنهم العلامة ابن قتيبة الدينوري في «عيون الاخبار» (ج ٢ ص ٣٥٥ ط مصر) قال :

قال الحسن بن عليّ : ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم النّاس في عيني وكان رأس ما عظّم به في عيني صغر الدّنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يتشهّي ما لا يحلّ ولا يكنز إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمدّ يدا إلّا على نفسه لمنفعة ، كان لا يتشكّى ولا يتبرّم ، كان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال بدّ القائلين ، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجدّ فهو اللّيث عاديا ، كان إذا جامع العلماء على أن يسمع أحرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السّكوت كان لا يقول ما يفعل ويفعل مالا يقول ، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيّهما أقرب إلى الحقّ ، نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله ، زاد في غيره ، كان لا يقول حتّى يرى قاضيا عدلا ، وشهودا عدولا.

٢٢٠