التّفسير الكاشف - ج ١

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ١

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٦٧

وعلى هذا يكون المراد بالمطلقات في الآية من دخل بها الزوج بعد أن أكملت التسع ، ولم تكن حاملا ، ولا آيسة ، وكانت من ذوات الحيض .. وقد فسر الإمامية والمالكية والشافعية ـ فسروا القرء بالطهر ، والمراد بالطهر أيام النقاء بين الحيضتين ، فإذا طلقها في آخر لحظة من طهرها احتسب من العدة ، وأكملت بعده طهرين ، أما الحنفية والحنابلة فقد فسروا القرء بالحيض ، وعليه فلا بد من ثلاث حيضات بعد الطلاق.

(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ). وفهم هذه الجملة على حقيقتها يتوقف على التمهيد بما يلي :

قسّم فقهاء السنة الطلاق إلى قسمين : سنة وبدعة .. ونترك تفسير طلاق السنة ، وطلاق البدعة إلى فقهاء السنة أنفسهم ، فلقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة ج ٧ ص ٩٨ الطبعة الثالثة ما نصه بالحرف : «معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله ، وأمر رسوله ، وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه». وفي ص ٩٩ من الكتاب المذكور : «ان طلاق البدعة هو أن يطلقها حائضا ، أو في طهر أصابها فيه». وقال الرازي في تفسير الآية ١ من سورة الطلاق : «فالطلاق حال الطهر لازم ، وإلا لا يكون سنيا».

وعلى هذا يكون طلاق الزوجة في حال الحيض ، أو في طهر واقعها الزوج فيه طلاقا غير شرعي ، بل هو بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، أما طلاقها في طهر لم يواقعها فيه فهو على سنة الله ورسوله ، وبهذا يتضح السر في قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) من الطهر والحيض ، لأن معرفة وقوع الطلاق على سنة الله ورسوله ، أو على البدعة والضلالة تتوقف على معرفة حال المطلقة ، وانها هل هي طاهر أو حائض .. وبديهة ان السبيل إلى معرفة هذين الوصفين ، وهما الطهر والحيض منحصر بالمرأة ، ولا وسيلة للمعرفة بالوصفين إلا هي بالذات ، ولذا تصدق فيهما ما لم يعلم كذبها ، قال الإمام جعفر الصادق (ع) : فوض الله الى النساء ثلاثة أشياء : الطهر والحيض والحمل ، وفي رواية ثانية والعدة.

والشيعة يتفقون مع السنة على أن الطلاق إذا وقع في الحيض ، أو في طهر واقعها فيه يكون بدعة ، وإذا وقع في طهر لم يواقعها فيه يكون على سنة

٣٤١

الرسول (ص). ولكن الشيعة قالوا : ان طلاق البدعة فاسد لا يقع من الأساس ، وان الطلاق الصحيح الذي تنقطع معه العصمة بين الزوجين هو طلاق السنة ، أي الواقع في طهر لم يصبها فيه. وقال فقهاء السنة : كلا ، إن طلاق البدعة صحيح ، وتترتب عليه جميع الآثار ، ولكن المطلق يأثم .. وبكلمة : ان السنة لا يفرقون بين طلاق السنة وطلاق البدعة من حيث الصحة ، وانما يفرقون بينهما من حيث الإثم والمعصية فقط ، أما الشيعة فقد فرقوا بينهما من حيث الصحة ، لا من حيث الإثم.

(إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). هذا تخويف وتهديد على كتمان ما في الرحم ، وليس شرطا لوجوب الصدق ، لأن معناه ان الإيمان يمنع من الكذب ، فهو تماما كمن يقول للكاذب : ان كنت تخاف الله فلا تكذب.

وسبقت الاشارة إلى أن المطلقة أمينة في الطهر والحيض والحمل ، ومعنى هذا ان القول قولها في العدة بقاء وانقضاء ، وبديهة ان حق الزوج في الرجعة يتوقف على بقاء العدة ، كما ان صيانة الأنساب تتصل مباشرة بالطهر والحيض ، وكذلك صحة الطلاق وفساده عند فقهاء الإمامية ، فإذا كانت حائضا وقالت : انها طاهر حين الطلاق لم يقع الطلاق ، وتبقى على العصمة الزوجية ، وإذا قالت : انقضت عدتي بالأقراء ، وكانت بعد لم تنقض فقد فوتت حق الرجعة على الزوج ، وإذا تزوجت في هذه الحال تكون زانية .. ومن أجل هذا وغير هذا نهى الله سبحانه النساء عن كتمان ما في أرحامهن ، وهددهن عليه.

(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً). قوله : (في ذلك) إشارة إلى زمن التربص ، وهو أيام العدة ، ومحصل المعنى ان الله سبحانه بعد أن بيّن وجوب العدة ذكر في هذه الآية حق المطلق في الرجعة على مطلقته ما دامت في العدة إذا كان الطلاق رجعيا ، وهذا الحق ثابت له ، سواء أرضيت أم لم ترض .. ولا تحتاج الرجعة إلى عقد ومهر ، كما انها لا تحتاج إلى شهود عند فقهاء الإمامية ، ويأتي بيان ذلك مع دليلهم في سورة الطلاق.

والمراد بقوله : (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) إصلاح حاله معها ، وعدم قصد الإضرار بها من الرجعة.

وتسأل : إذا أرجع الرجل مطلقته أثناء العدة بقصد الإضرار ، لا بقصد

٣٤٢

الإصلاح ، فهل تكون الرجعة صحيحة تترتب عليها آثار الزوجية ، أو تكون باطلة لا يترتب عليها شيء؟.

الجواب : تصح الرجعة ، ويأثم الرجل ، لأن قصد الإصلاح شرط للحكم التكليفي ، وهو اباحة الرجعة وحليّتها ، وليس شرطا للحكم الوضعي ، وصحة الرجعة ، وترتّب الآثار عليها.

(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). ليس المراد بالمماثلة هنا الاتحاد في الجنس ، بحيث يستحق هو عليها النفقة والمهر ، كما تستحق هي عليه ذلك ، وانما المراد بالمماثلة الوجوب واستحقاق المطالبة .. وقال الفقهاء : حقه عليها أن تطيعه في الفراش ، وحقها عليه أن يملأ بطنها ، ويكسو جلدها ، وقال صاحب تفسير المنار ، يرجع في تفسير وتحديد حق الزوج على الزوجة ، وحق الزوجة على الزوج إلى ما جرت عليه عادة الناس إلا ما كان منه محرما في الشريعة .. فما يراه العرف حقا لأحد الزوجين فهو كذلك عند الله.

والذي نستظهره من سياق الآية ان الحق الذي عليها هو العدة والصدق في الاخبار عنها ، وعدم الاعتراض على الرجعة المستوفية للشروط ، والحق الذي لها أن يقصد الرجل من إرجاعها الإصلاح ، لا الإضرار ، وحسن الصحبة ، لا سوء المعاملة .. أما سائر الحقوق الأخرى التي لكل من الزوجين على الآخر فالآية أجنبية عنها ، وتستفاد من أدلة مستقلة عن الآية.

(وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). اختلف العلماء والمفسرون في المراد من هذه الدرجة التي امتاز بها الرجل عن المرأة .. فقيل : هي العقل والدين. وقيل : هي الميراث. وقيل : هي السيادة ، أي ان عليها ان تسمع من الرجل وتطيع .. ومن الطريف ان بعضهم فسر الدرجة باللحية ، كما جاء في أحكام القرآن للقاضي أبي بكر الأندلسي ، وغير بعيد أن يكون المراد بالدرجة جعل الطلاق والرجعة بيد الرجل ، دون المرأة.

بين الرجل والمرأة في الشريعة الاسلامية :

لقد سبق الإسلام الشرائع والقوانين كلها الى تحريز المرأة ، واقرار حقوقها

٣٤٣

بعد ان كان الرجل يعاملها معاملة السلع والحيوانات ، حتى في أوروبا وأميركا إلى عهد قريب .. وإذا ميز الإسلام الرجل عن المرأة بأشياء فان هذا التمييز تفرضه الفروق الطبيعية بينهما ، أو مصلحة الجماعة ، وليس من العقل والعدل المساواة في كل شيء بين من تهتم بالفساتين والموضة وتسريحات الشعر وما اليها ، وبين من يشعر بالمسؤولية عنها وعن أولادها ، ويتحمل المصائب والمشاق من أجلها وأجلهم .. ومهما يكن ، فان فقهاء الإسلام ذكروا فروقا بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية نشير إلى جملة منها فيما يلي :

١ ـ ان دية المرأة نصف دية الرجل.

٢ ـ الطلاق والرجعة بيد الزوج دون الزوجة.

٣ ـ ليس لها أن تمتنع عن فراشه ، ولا أن تسافر ، وتخرج من بيته إلا برضاه ، وله أن يفعل ما يشاء.

٤ ـ لا تجب عليها صلاة الجمعة ، حتى ولو تحققت الشروط الموجبة بالنسبة إلى الرجل.

٥ ـ لا يجوز لها أن تتولى الإمرة ، ولا القضاء إلا عند أبي حنيفة في حقوق الناس خاصة دون حقوق الله.

٦ ـ لا يجوز أن تكون إماما في الصلاة للرجال ، ويجوز أن يكون الرجل إماما للنساء.

٧ ـ لا تقبل شهادتها إطلاقا في غير الأموال ، لا منفردة ولا منضمة الى الرجال إلا في مسألة الولادة ، وتقبل في الأموال منضمة الى الرجال ، على أن تكون شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد.

٨ ـ للأنثى من الميراث سهم ، وللذكر سهمان.

٩ ـ على المرأة أن تستر عن الرجال الأجانب شعرها وجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ، ولا يجب على الرجل أن يستر عن النساء سوى القبل والدبر.

١٠ ـ لا جهاد عليها ، ولا جزية ، ولا تقتل في الحرب ما لم تقاتل.

١١ ـ لا تشارك الأم الأب في الولاية على وليدهما الصغير في الزواج ، ولا التصرف في أمواله ، ويستقل الأب في جميع ذلك.

٣٤٤

١٢ ـ لا تصح معها المسابقة والرماية (١).

١٣ ـ أفتى الفقهاء بأن من قتل إنسانا عن خطأ يحمل الدية عن القاتل من يتقرب اليه بالأب ، كالاخوة والأعمام وأولادهم ، ويسمون بالعاقلة ، ولا تدخل المرأة معهم.

١٤ ـ إذا قتلت امرأة رجلا قتلت به بلا شرط ، وإذا قتل رجل امرأة فلا يقتل بها الا بعد أن يدفع وليها نصف الدية لورثة القاتل.

الطلاق مرتان الآة ٢٢٩ ـ ٢٣٠ :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠))

اللغة :

الجناح الإثم ، والاعتداء تجاوز الحد في قول أو فعل.

__________________

(١) المسابقة أن يتسابق اثنان على الخيل ، على أن يكون للسابق جعل معين ، والرماية أن يتباريا في الرمي على هدف على أن يأخذ الجعل من يصيب الهدف. وقد أجاز الإسلام ذلك.

٣٤٥

الاعراب :

فإمساك خبر مبتدأ محذوف ، أي فالواجب عليكم إمساك بمعروف ، والمصدر من أن تأخذوا مرفوع فاعل لا يحل ، والمصدر من أن يخافا مفعول لأجله لتأخذوا أي لا يحل الأخذ إلا الخوف عدم اقامة الحدود ، والمصدر من أن يقيما مفعول به ليخافا ، أي يخافا ترك إقامة الحدود ، والمصدر من أن يتراجعا مجرور بفي محذوفة ، ومصدر ان يقيما مفعول لظنا.

المعنى :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ). كان للعرب في الجاهلية طلاق ، وعدة مقدرة للمطلقة ، ورجعة للمطلّق أثناء العدة ، ولكن لم يكن للطلاق عدد معين ، فربما طلق الرجل امرأته مائة مرة وراجعها ، وتكون المرأة بذلك ألعوبة بيد الرجل يضارها بالطلاق والرجوع متى شاء .. وجاء في بعض الروايات ان رجلا قال لامرأته : لا أقربك أبدا ، ومع ذلك تبقين في عصمتي ، ولا تستطيعين الزواج من غيري .. قالت له : وكيف ذلك؟ قال : أطلقك ، حتى إذا قرب انقضاء العدة راجعتك ، ثم طلقتك ، وهكذا أبدا. فشكته الى النبي (ص) فأنزل الله سبحانه : الطلاق مرتان ، أي ان الطلاق الذي شرّع الله فيه الرجوع للمطلق هو الطلاق الأول والثاني فقط ، أما الطلاق الثالث فلا يحل الرجوع بعده ، حتى تنكح المطلقة زوجا غير المطلّق ، كما في قوله : فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.

(فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ). إذا طلق الرجل زوجته للمرة الثانية فهو مخير بين أحد أمرين ، ما دامت في العدة : الأمر الأول ان يرجعها الى عصمته بقصد الإصلاح ، وحسن المعشر ، وهذا هو الإمساك بمعروف. الأمر الثاني ان يدعها وشأنها ، حتى تنقضي عدتها ، على أن يؤدي اليها ما لها عليه من حق مالي ، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ، ولا ينفّر منها من أراد الزواج بها بعد انقضاء العدة ، وهذا هو التسريح بإحسان.

٣٤٦

وتسأل : ان كثيرا من المفسرين قالوا : المراد من التسريح الطلقة الثالثة ، واستشهدوا بحديث عن الرسول الأعظم (ص) .. فلما ذا عدلت عن قولهم هذا ، وفسرت التسريح بالإهمال وترك المراجعة؟.

الجواب : ان لفظ التسريح بذاته يمكن أن يراد منه الطلقة الثالثة ، ويمكن أن يراد منه السكوت عن المطلقة وعدم مراجعتها ، ولكن مراعاة السياق. ترجح المعنى الثاني ، وهو عدم المراجعة ، ذلك ان قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) هو تفريع عن الإمساك ، ويكون المعنى إذا طلقها بعد الإمساك ، ورجع اليها أثناء عدتها من الطلاق الثاني تكون الطلقة ثالثة ، ولا يحل للمطلق أن يرجع اليها ، حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يصح أن يكون تفريعا عن التسريح بمعنى الطلاق الثالث ، إذ يكون المعنى على هذا فان طلقها للمرة الرابعة بعد أن طلقها الطلقة الثالثة ، والمفروض انه لا طلاق رابع في الإسلام ، أما الحديث الذي فسر التسريح بالطلقة الثالثة فغير ثابت.

الطلاق ثلاثا :

اتفقت المذاهب السنية الأربعة على ان من قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا ، أو قال : أنت طالق. انت طالق. انت طالق يقع بذلك ثلاث طلقات ، وتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره .. وقال الإمامية : تقع طلقة واحدة فقط ، ويحل له الرجوع اليها ما دامت بالعدة.

وجاء في تفسير المنار عن ابن حنبل في مسنده ، ومسلم في صحيحه ، ان طلاق الثلاث كان واحدة على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وبعض السنين من خلافة عمر .. ولكن عمر بدا له ، وقال : ان الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم .. ثم نقل صاحب تفسير المنار عن ابن القيّم ان الأصحاب كانوا مجمعين على أن لا يقع بالثلاث مجتمعة الا واحدة من أول الإسلام الى ثلاث سنين من خلافة عمر ، وأيضا أفتى به بعد عمر جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع تابعيهم ، وان الفتوى بذلك تتابعت في كل عصر ، حتى كان من أتباع الأئمة الأربعة من أفتى بذلك.

٣٤٧

(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً). (مما) من للتبعيض ، وما من صيغ العموم ، وكذلك شيء هنا ، لأنها نكرة في سياق النفي تشمل اليسير والكثير ، والمعنى ان الزوج إذا كان هو الكاره الراغب في الطلاق والفراق فليس له أن يسترجع شيئا مما كان قد ملكها إياه هبة أو تستحقه عليه مهرا أو نفقة ، قال تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ـ النساء ٢٠».

هذا إذا كان هو الكاره الراغب في فراقها ، أما إذا كانت هي الكارهة له الراغبة في فراقه فلا مانع أن تبذل له ما يرضيه ، كي يطلقها ، سواء أكان المبذول بقدر المهر ، أو أقل ، أو أكثر ، ويسمى هذا الطلاق المبني على البذل منها طلاقا خلعيا ، لا يحق له الرجوع اليها في العدة ما دامت مستمرة على البذل ، فان رجعت عنه أثناء العدة ساغ له أن يرجع هو بدوره في الطلاق ان شاء.

وإلى هذا الطلاق الخلعي أشار سبحانه بقوله :

(إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). هذا استثناء من عدم جواز الأخذ منهن عوضا عن الطلاق .. وحدود الله هي الحقوق والواجبات التي لكل من الزوجين للآخر وعليه ، والمعنى أيها الأزواج لا تأخذوا شيئا من مطلقاتكم بسبب من الأسباب إلا بسبب واحد ، وهو أن تكون هي الكارهة للزوج ولا تطيق عشرته ، بحيث يؤدي نفورها منه إلى معصية الله في التقصير بحقوق الزوج ، وقد يخاف الزوج أيضا أن يقابلها بالاساءة أكثر مما تستحق ، ففي هذه الحال يجوز لها أن تطلب الطلاق من الزوج ، وتعوضه عنه بما يرضيه ، كما يجوز له أن يأخذ ما افتدت به نفسها. وفي الحديث ان ثابت بن قيس كان متزوجا بنت عبد الله بن أبي ، وكان هو يحبها ، وهي تبغضه ، فأتت النبي (ص) وقالت : يا رسول الله لا أنا ولا ثابت ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، وقد كان ثابت قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : والحديقة؟ فقال لها الرسول : ما تقولين؟. فقالت : نعم .. وأزيده. قال الرسول : لا ، الحديقة فقط ، فاختلعت منه.

٣٤٨

وهنا أسئلة تفرض نفسها :

السؤال الأول : لما ذا جاء بضمير التثنية في قوله : الا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، وبضمير الجمع في قوله : فان خفتم ، ولم يوافق بين الضميرين في الجملتين؟.

الجواب : الضمير في يخافا ويقيما راجع الى الزوجين ، وفي خفتم الى الحكام والمصلحين ، والمعنى : ان خاف الزوجان والحكام والمصلحون من ترك اقامة الحدود يرتفع المحذور من بذل الزوجة ، وأخذ الزوج ، والغرض هو بيان ان المسوغ للبذل والعطاء الخوف المعقول التي ظهرت دلائله وأماراته للجميع ، لا لخصوص الزوجين فقط.

السؤال الثاني : لما ذا ثنّى ضمير عليهما في قوله : فلا جناح عليهما ، مع العلم بأن المفهوم من السياق انه لا جناح على الزوج في الأخذ منها عوضا عن الطلاق ، ولا دخل للزوجة في ذلك؟

الجواب : التثنية هنا للاشارة الى انه لا حرج على الزوجة فيما أعطت ، ولا على الزوج فيما أخذ ، هذا ، الى أن جواز الأخذ يستلزم جواز العطاء ، وبالعكس.

السؤال الثالث : إذا تراضيا على الخلع ، وبذلت مالا كي يطلقها ، والحال عامرة ، والأخلاق ملتئمة بينهما ، فهل تصح المخالعة ، ويحل للزوج أن يأخذ الفدية؟.

قالت المذاهب الأربعة : يصح الخلع ، وتترتب عليه جميع الأحكام والآثار ، ومنها جواز أخذ الفدية.

وقال الامامية : لا يصح الخلع ، ولا يملك المطلق الفدية ، ولكن يصح الطلاق ، ويقع رجعيا مع اجتماع شروطه ، واستدلوا على فساد الخلع وعدم جواز أخذ الفدية بأن الآية الكريمة علقت جواز ذلك على الخوف من الوقوع في المعصية إذا استمرت الزوجية.

أما قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ـ النساء ٤» فان المراد به ما تعطيه المرأة لزوجها هبة مجانية ، لا عوضا عن الطلاق ، فالآية أجنبية عن الخلع.

٣٤٩

السؤال الرابع : إذا أساء معاملتها بقصد أن تبذل له ، وتفتدي نفسها ، فبذلت وطلقها على هذا الأساس ، فهل يقع الخلع صحيحا ، ويحل له ما افتدت به نفسها؟.

قال أبو حنيفة : الخلع صحيح ، والعوض لازم ، والزوج آثم.

وقال الشافعي ومالك : الخلع باطل ، والعوض مردود (المغني لابن قدامة ج ٧ ص ٥٥ طبعة ٣). لقوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) ـ النساء ١٨».

وقال الإمامية : لا يصح الخلع ، ويحرم أخذ المال المبذول ، ولكن يقع الطلاق رجعيا مع توافر شروطه. أما نحن فنميل إلى انه يقع لغوا ، لا خلعا ولا طلاقا ، لأن المبني على الفاسد فاسد .. وقد فصلنا ذلك في الجزء السادس من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الخلع ، فقرة أحكام الخلع.

(فان طلقها) للمرة الثالثة (فلا تحل له) أي للمطلّق ثلاثا (من بعد) الطلقة الثالثة ، لا بالرجعة ، ولا بعقد جديد (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها) الزوج الثاني (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أي على الزوج الأول والمرأة المطلقة من الزوج الثاني (أَنْ يَتَراجَعا) بعقد جديد (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) من الحقوق الزوجية.

ومحصل المعنى ان من طلق زوجته ثلاث مرات فلا تحل له ، حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ، ويدخل بها الثاني المحلل حقيقة ، فقد جاء في الحديث : لا تحل للأول ، حتى يذوق الثاني عسيلتها.

ويشترط أن يكون المحلل بالغا ، وان يكون الزواج دائما لا منقطعا ، ومتى تحققت الشروط ، ثم فارقها الثاني بموت أو طلاق ، وانقضت عدتها جاز للأول أن يعقد عليها ثانية.

واذا طلقتم النساء الآة ٢٣١ ـ ٢٣٢ :

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ

٣٥٠

بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢))

اللغة :

الضرار معناه المضارّة ، ويشعر بالمشاركة مثل المضاربة ، ويأتي بمعنى الإضرار بالغير ، والعضل المنع ، والأمر المعضل الممتنع بصعوبته.

الإعراب :

ضرارا حال من الواو في تمسكوهن ، والتقدير لا تمسكوهن مضارين ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله ، وهزوا مفعول ثان لتتخذوا ، والمصدر من ينكحن مجرور بمن محذوفة ، تقديره من نكاحهن أزواجهن ، وذلك مبتدأ خبره يوعظ به ، ومنكم متعلق بمحذوف حال من الضمير في يؤمن ، وجملة يؤمن خبر كان.

المعنى :

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).

٣٥١

هذا الخطاب موجه للمؤمنين أو للناس أجمعين ، فكأنه قال عز من قائل : يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم امرأته الخ.

وبعد أن بيّن سبحانه ان على المطلقة أن تعتد ، وان للمطلق إرجاعها الى عصمته مع توافر الشروط ، وانها تحرم عليه بعد الطلقة الثالثة ، حتى ينكحها زوج غيره ، وانه لا يحل له أن يأخذ شيئا منها عوضا عن الطلاق إلا إذا كرهته ، وافتدت نفسها منه ـ بعد هذا كله بيّن سبحانه ما يجب علينا أن نعامل به المطلقة المعتدة من العدل والانصاف ، ويتحقق العدل في أن يعزم المطلق أحد أمرين ـ متى أشرفت العدة على الانقضاء ـ إما إرجاع المطلقة الى عصمته بقصد الإصلاح وحسن المعشر ، وهذا هو الإمساك بمعروف ، واما تركها وعدم التعرض لها بسوء ، مع تأديتها كل ما تستحقه عليه ، وهذا هو التسريح بمعروف.

وبهذا يتبين معنا ان المراد من الآية السابقة ، وهي (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) هو غير المراد من هذه الآية ، وهي (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). إذ المراد بتلك بيان ان الطلاق الذي يصح الرجوع بعده هو الطلاق الأول والثاني دون الثالث ، أما المراد من هذه الآية التي نحن بصددها فهو بيان ما يجب علينا في معاملة المطلقات ، كما تبين ان المراد ب (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) المشارفة على بلوغ الأجل ، لا البلوغ حقيقة.

(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا). أي لا تراجعوهن بقصد إيذائهن ، والاعتداء عليهن ، وراجعوهن بقصد تأدية الحقوق الزوجية ، والتعاون على ما فيه مصلحة الجميع.

وتسأل : ان معنى الضرار المضارة التي تشعر بالمشاركة بين الطرفين ، كالمضاربة والمشاتمة ، والمفروض ان القصد هو إضرار الرجل بالمرأة فقط دون العكس؟.

الجواب : ان إضراره بها يستلزم ضرره أيضا لغضب الله عليه ، وذم الناس له ، وتعمدها هي أن تقتص منه ، وتقابله بالمثل ، وعندها تتحول الحياة الزوجية الى جحيم عليها وعليه ، وربما اتسع الخرق ، وتجاوز الشقاق والخلاف الى الأقارب والأرحام ، ووقع ما لا تحمد عقباه .. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) لا نفسها فحسب.

٣٥٢

(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً). هذا وعيد وتهديد لمن يتعدى حدود الله في الحقوق الزوجية ، ووجه الهزء بآياته جلت كلمته ان كل من يدعي الايمان بالله ، والتدين بشريعته ، ثم يتهاون بأحكامه وحلاله وحرامه فقد استخف واستهزأ بها من حيث يريد أو لا يريد ، تماما كمن يعد إنسانا بشيء ، وهو يضمر عدم الصدق والوفاء .. قال بعض السلف : المستغفر من الذنب ، وهو مصر عليه كالمستهزئ بخالقه .. أعوذ بالله ، واستعين به على طاعته.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ). من هذه النعم انه سبحانه خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن اليها ، ونتعاون معها على ما فيه سعادة الأسرة وهناؤها ، فإذا كنا نؤمن بالله ، ونأتمر بأمره حقا فعلينا أن نعمل على تحقيق هذه الغاية ، ونبتعد عن كل ما يستدعي شقاء الأسرة ، ويعكر صفو الحياة الزوجية.

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ). المراد ب (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) في الآية السابقة قرب انقضاء العدة ، كما أشرنا ، والمراد به هنا انقضاء العدة حقيقة .. ثم ان هذه الآية قد اشتملت على خطابين : الأول إذا طلقتم النساء. الخطاب الثاني فلا تعضلوهن ، أي تمنعوهن. وقد اختلف المفسرون فيمن هو المقصود بالخطابين ، هل هو واحد ، أو ان المخاطب بالأول غير المخاطب بالثاني؟.

فمن قائل بأنه واحد ، وهو الأزواج ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء ، وانتهت عدتهن فلا تمنعوهن عمن يرتضين للزواج بعدكم ، لأن الرجل كان يتحكم بمطلقته ، ويمنعها أن تتزوج بغيره بعد انتهاء العدة انفة أن يرى امرأته تحت غيره ، ومن قائل بأن المخاطب ب (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) هم الأزواج ، والمخاطب ب (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) هم الأولياء ، وان المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فلا تمنعوهن يا أيها الأولياء ان يرجعن الى أزواجهن الأولين بعد انقضاء عدتهن مع رغبتهن في ذلك ، واستشهد الذاهبون الى هذا التفسير بحديث معقل ابن يسار (١).

__________________

(١) روي عن معقل بن يسار انه قال : كان لي أخت تزوجها ابن عمها ، ثم طلقها ، ولم يراجعها ، حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ، وخطبها مع الخطاب ، فمنعتها عنه ، فأنزل الله هذه الآية.

٣٥٣

ويلاحظ بأن قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) جملة واحدة مركبة من شرط ، وهو إذا طلقتم النساء ، وجزاء ، وهو فلا تعضلوهن ، فإذا كان المخاطب بالشرط غير المخاطب بالجزاء يكون المعنى يا أيها الأزواج إذا طلقتم النساء فيا أيها الأولياء لا تعضلوهن ، وفي هذا ما فيه من التفكيك الذي يجب أن ينزه عنه كلام الباري عز وجل.

والصحيح ان المخاطب بالشرط والجزاء واحد ، وهم المؤمنون جميعا ، لا الأزواج فقط ، ولا الأولياء فقط ، ولا هما معا ، بل كل المؤمنين ، وهذا كثير في كلامه جل جلاله ، ويكون المعنى يا أيها المؤمنون إذا طلق أحدكم زوجته ، وانقضت عدتها ، وأرادت الزواج ثانية من زوجها الأول أو من غيره فلا تمنعوها منه ، ولا تقفوا في سبيلها إذا تراضيا بينهما بالمعروف ، أي عزما الزواج وثوابه على كتاب الله ، وسنة نبيه.

وقوله تعالى : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) يدل على ان للمرأة أن تزوج نفسها بمن ترضى به ، ويرضى بها من غير ولي.

وتقول : ان الآية الكريمة نفت الولاية على المطلقات ، ولم تتعرض للولاية على غيرهن لا نفيا ولا اثباتا ، وعليه فنفي الولاية في زواج الأبكار يحتاج الى دليل.

ونقول في الجواب : ان اثبات الولاية يحتاج الى دليل خاص ، أما نفيها فالدليل عليه الأصل في ان كل بالغ عاقل ذكرا كان أو أنثى يستقل في التصرف في نفسه ، ولا ولاية عليه لأحد إطلاقا كائنا من كان إلا إذا تجاوز حدود الله سبحانه.

(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). ذلك اشارة الى ما ذكره تعالى من أحكامه المقرونة بالترغيب والترهيب ، ويوعظ به ، أي يتعظ به أهل الايمان الصحيح. أما غيرهم من ذوي الايمان المزيف ففي آذانهم وقر عن ذكر الله وأحكامه ، وموعظته وهديه .. وفي هذه الآية دلالة واضحة على انه لا ايمان بلا تقوى ، وان الايمان الصحيح لا ينفك أبدا عن الاتعاظ والعمل ، وان من لا يتعظ ولا ينتفع بأوامر الله فليس من الايمان في شيء.

(ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ). ذلك اشارة الى الاتعاظ والعمل بأحكام الله

٣٥٤

في الحياة الزوجية بعامة ، ومعاملة المطلقات بخاصة .. وليس من شك ان الزواج بقصد الانسانية والتعاون على الخير ينتج النماء والزكاة في الرزق ، والطهر في الخلق ، والعفة في العرض ، والنجاح في النسل ، أما إذا ساء القصد والمعشر فعاقبته الفقر والفسق ، والبلاء والشقاء في حياة الآباء والأبناء.

(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). ليس القصد أن يخبرنا الله بأنه عالم أو أعلم .. كلا ، ان هذه الحقيقة بديهية لا تحتاج الى تعليم وتفهيم ، وانما القصد هو التأكيد والحث على العمل بأحكامه تعالى ، وان لم يتبين لنا وجه النفع والصلاح فيها ، لأنه جلت حكمته لا يأمر إلا بما فيه الخير والصلاح ، وليس من الضروري أن نعلم هذا الخير بالتفصيل ، بل يكفي أن نعلم ان الآمر الناهي حكيم عليم ، لا تخفى عليه خافية في الأرض ، ولا في السماء.

وتجمل الاشارة هنا الى الفرق بين المؤمن وغير المؤمن .. ان المؤمن يتعبد بقول الله ، ويعمل به موقنا بوجود المنفعة واقعا ، وان عجز عن إدراكها بالتفصيل. أما غير المؤمن فلا يقدم الا مع العلم أو الظن بوجود المنفعة التي يدركها هو بعقله ، أو يرشده اليها مخلوق مثله .. وكثيرا ما يخيب ظنه ، ويستبين له العكس ، ولكن المؤمن في أمان الله وحرزه.

والوالدات يرضعن الآة ٢٣٣ :

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا

٣٥٥

سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣))

اللغة :

المولود له هو الأب ، وتضار معناها المضارة ، ومشاركة كل من الأبوين للآخر في الضرر ، والفصال هو الفطام ، لأنه يفصل الولد عن أمه ، ويفصلها عنه ، والجناح الحرج ، واسترضع الرجل المرأة ولده إذا اتخذها مرضعة له ، وكل من أرضعت ولد غيرها تسمى ظئرا.

الاعراب :

وعلى الوارث معطوف على المولود له ، وعن تراض متعلق بمحذوف صفة لفصال.

المعنى :

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ). اختلف المفسرون في المراد من لفظ الوالدات ، هل هنّ المطلقات فقط ، أو الزوجات فقط ، أو هما معا؟ والأكثرون على ان اللفظ يشملهما جميعا عملا بالظاهر ، ولا دليل على التخصيص .. ونحن نميل الى هذا ، لما قاله الأكثرون ، ولأن الرضاعة تستند للأم بما هي أم ، لا بما هي مزوجة ، ولا بما هي مطلقة.

ويرضعن بلفظ الخبر ، ولكنه بمعنى الأمر ، أي ليرضعن ، وهذا الأمر للاستحباب بدليل الآية ٦ من سورة الطلاق : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى). ومعنى الاستحباب هنا ان الوالدات أحق في رضاعة أولادهن من الأجنبيات.

وتسأل : ان قوله تعالى بعد ذلك : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ) يرجح ارادة الزوجات والمطلقات الرجعيات اللائي لم يخرجن من عصمة النكاح ،

٣٥٦

دون المطلقات اللاتي انتهت عدتهن ، لأن أولاء لهن اجرة الرضاع ، لا النفقة ، وعليه فيجب اخراجهن من العموم؟ فيكون لفظ الوالدات حينئذ عاما وخاصا في آن واحد ، عاما بالنسبة الى الرضاعة ، وخاصا بالنسبة الى النفقة؟.

الجواب : لا مانع إطلاقا أن يكون اللفظ الواحد عاما من حيث الحكم بالنسبة الى جهة ، وخاصا بالنسبة الى جهة أخرى ، مع قيام الدليل على ذلك ، وقد دلت الأحاديث ، وقام الإجماع على ان المطلقة غير المعتدة لا نفقة لها وانما تأخذ اجرة الرضاع فقط فيتبع الدليل ، أما بالنسبة الى الرضاعة فلا دليل على التخصيص كما أشرنا فيتبع العموم.

(حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) بلا تسامح في الزيادة والنقصان ، وان قلّ .. وهنا سؤالان : الأول هل يجوز ان ترضع الأم وليدها أكثر من حولين؟.

الجواب : يجوز ، بخاصة إذا احتاج الولد الى الزيادة .. أما فائدة التحديد بالحولين فتظهر في أمور ثلاثة : الأول انها لا تستحق أجرة الرضاعة الزائدة على الحولين. الثاني إذا تنازع الأب والأم في مدة رضاع الولد ، فأراد أحدهما أن يزيد ، والآخر أن يتم أو ينقص ، إذا كان الأمر كذلك تحاكما الى قوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ). الأمر الثالث : ان الرضاع بعد الحولين من أجنبية لا أثر له من حيث انتشار الحرمة بينها وبين الطفل الرضيع ، ولا يكون مشمولا لحديث : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». وبهذا قال الإمامية والشافعية ، وقال أبو حنيفة : بل يوجب الحرمة الى ثلاثين شهرا.

السؤال الثاني : هل يجوز الاقتصار على ما دون الحولين؟.

الجواب : يجوز ، لقوله تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). وقوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).

وهل نرجع في تحديد أقل مدة الرضاعة الى ضابط شرعي معين ، أو انها تختلف باختلاف بنية الطفل وصحته؟.

قال كثير من الفقهاء : ان أقل مدة الرضاعة واحد وعشرون شهرا ، لقوله تعالى في الآية ١٥ من سورة الأحقاف : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). فإذا أسقطنا من الثلاثين تسعة أشهر ، وهي المدة الغالبة في الحمل ، يبقى واحد وعشرون.

٣٥٧

ومهما يكن ، فان المهم مراعاة صحة الطفل ومصلحته التي تختلف باختلاف الأجسام .. هذا ، وقد كان لمثل هذه البحوث أهميتها فيما مضى ، حيث لم تكن المواد الغذائية الصحية للأطفال وغير الأطفال متوافرة ، أما اليوم وقد توافرت وأصبحت في متناول كل يد فلم يعد لهذه المسائل من موضوع.

(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). المولود له هو الأب ، واللفظ ظاهر في وجوب الإنفاق على من كانت في عصمة الزوج غير مطلقة كانت ، أم في العدة الرجعية ، والمراد بالرزق الطعام والإدام ، وعبّر عن النفقة التي من جملتها الإسكان ، عبّر عنها بالرزق والكسوة ، لأنهما الأهم ، والمراد بالمعروف مراعاة حال المرأة في النفقة ، ومكانتها الاجتماعية.

أما مراعاة حال الرجل المادية فقد أشار اليها سبحانه بقوله : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها). ونجد التفسير الواضح لهذه الجملة في قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) ـ الطلاق ٧».

كان للإمام جعفر الصادق (ع) أصحاب كثر ، وربما تأخروا عنده الى وقت الغداء ، فيقدم اليهم الطعام ، فحينا يأتيهم بالخبز والخل ، وحينا بأطيب المآكل ، فسأله واحد منهم عن ذلك؟. فقال : ان وسع وسعنا ، وان ضيق ضيقنا.

(لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ). يجب الوقوف عند قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) ، لأن قضاة الشرع في هذا الزمان يستشهدون كثيرا بهذه الآية في أحكامهم ، ويفسرونها بأنه ليس للأب الإضرار بالأم عن طريق وليدها ، أما أهل التفسير فيكادون يجمعون على العكس ، وان المعنى لا تأبى الأم أن ترضع وليدها ، وتضره لتغيظ أباه بذلك. قال صاحب مجمع البيان ما نصه بالحرف : «لا تضار والدة بولدها ، أي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه». وأين هذا من استشهاد القضاة بالآية على ان الأب ليس له الإضرار بالأم بسبب الولد؟.

ونقول بعد توجيه الذهن الى الآية غير مثقل بأقوال الفقهاء والمفسرين : ان الشقاق والخلاف كثيرا ما يقع بين المرء وزوجه ، ويتعمد كل منهما أن يغيظ

٣٥٨

الآخر متخذا الإضرار بالولد وسيلة لهذه الغاية ، وبالنتيجة يذهب الطفل ضحية شقاقهما ونزاعهما .. ومثال تعمد الأم إيذاء الأب بسبب إيصال الضرر الى الولد أن تمتنع عن ارضاعه ، مع حاجته الى الرضاعة ، تمتنع لا لشيء الا تعجيزا للأب .. ومثال تعمد الأب إيذاء الأم أن ينتزع الولد منها ، ويعطيه الى أجنبية ترضعه ، مع رغبة الأم في إمساكه وارضاعه.

وقد نهى الله جل وعز عن الإضرار بشتى أنواعه ، سواء توجه ابتداء الى الطفل ، أم الى الوالد ، أم الوالدة بسبب الطفل. هذا هو المتبادر من قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ). ولا يتنافى مع قول المفسرين ، ويتنافى مع استشهاد القضاة ، وان كان قولهم صحيحا في ذاته ، ولكن الخطأ في الاستشهاد.

وتسأل : ان لفظ تضار يفيد المشاركة ، كالمكالمة ، مع العلم بأن القصد هو الإضرار من طرف واحد ، وبتعبير أخصر : لم قال تضار ، والفعل واحد؟ على حد تعبير الرازي.

الجواب : ان تعمد أحد الوالدين الإضرار بالآخر بسبب الولد هو في نفس الوقت تعمد للإضرار بنفسه ، لأن ضرر الولد ضرر للوالدين ، بل أشد وأعظم.

(وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ). اختلفوا في المراد من الوارث ، هل هو وارث الأب ، أو وارث الابن؟ وسياق الكلام يرجح انه وارث المولود له ، وهو الأب ، لأن الكلام فيه ، ولكن المعنى لا يستقيم ، لأن الطفل والأم من جملة ورثة الأب ، ولأن قوله تعالى : (مِثْلُ ذلِكَ) اشارة إلى أنه يجب على وارث الأب من النفقة مثل ما يجب على الأب ، وبالنتيجة يكون المعنى ان نفقة الأم واجبة على الأم ، وأيضا على رضيعها ، وعلى بقية الورثة ، ان كانوا هناك ، مع العلم بأن الأم لا تجب نفقتها على أحد إذا كان لها ما تنفقه على نفسها ، سواء اتصل اليها المال من ميراثها من زوجها ، أو من سبيل آخر .. هذا ، إلى أنه لا معنى لوجوب إنفاقها على نفسها من مالها.

وإذا فسرنا الوارث بوارث الابن نخالف الظاهر من جهة ، والواقع من جهة ثانية ، لأن نفقة الأم لا تجب على من يرث ابنها .. أجل ، يجب لأمه في ماله

٣٥٩

اجرة الرضاعة ان كان له مال ، ولكن الأجرة شيء ، والنفقة بمعناها الصحيح شيء آخر.

والحق ان هذه الآية من المشكلات ، ولذا قال مالك : انها منسوخة ، كما نقل أبو بكر المالكي في كتاب أحكام القرآن ، وقد تخطاها بعض المفسرين ، وبعضهم نقل الأقوال فيها من غير ترجيح ، ووجه المشكلة ما بيناه ان الظاهر إذا بقي على ما هو لم يستقم المعنى ، ونعني بالظاهر تفسير الوارث بوارث الأب ، وتفسير (مثل ذلك) بنفقة الأم .. وان فسرنا الوارث بوارث الابن ، وفسرنا (مثل ذلك) باجرة الرضاعة يستقيم المعنى .. ولكن نخالف الظاهر باللفظين ، وهما الوارث ، ومثل ذلك .. ولكن لا سبيل غير مخالفة الظاهر وتأويله ، وغير بعيد أن تكون الأحاديث الواردة في الرضاع وأجرته صالحة للدلالة على صحة هذا التأويل.

(فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما). الفصال هو الفطام ، لأنه يفصل الولد عن أمه ، ويفصلها عنه ، والمعنى ان للوالدين أن يفطما الطفل قبل استيفاء الحولين ، أو بعدهما إذا تم هذا بالاتفاق والتشاور بينهما في مصلحة الطفل ، بل للأب أن يسلم طفله للمرضعة المأجورة ، والى هذا أشار سبحانه بقوله :

(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ). قوله : إذا سلمتم ما آتيتم خطاب للآباء ، والمعنى يا أيها الآباء ان الأم أحق بارضاع ولدها من الأجنبية ، ولها عليكم أجرة المثل ، فإذا أنتم سلمتم لها بهذا الحق ، وأيضا ضمنتم لها أجرة المثل عن الرضاعة ، وأبت هي بعد ذلك أن ترضعه الا بزيادة عما تستحق ، إذا كان كذلك فلا بأس عليكم حينئذ أن تسترضعوا لأولادكم المراضع الأجنبيات .. وقيل : إذا سلمتم وآتيتم ، معناه إذا أديتم للمراضع الأجنبيات الأجور المعروفة والمعتادة بين الناس فلا جناح عليكم.

ومهما يكن ، فان على الأب أن يؤدي لكل ذات حق حقها أما كانت أو ظئرا ، أي المرضعة لولد غيرها.

٣٦٠