التّفسير الكاشف - ج ١

محمّد جواد مغنية

التّفسير الكاشف - ج ١

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الأنوار ، طباعة ـ نشر ـ توزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٦٧

(قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ). المراد بالخير المال (فَلِلْوالِدَيْنِ) المراد بهما الأب والأم والجد والجدة ، لأنهم يدخلون في اسم الوالدين (وَالْأَقْرَبِينَ) هم أرحام المعطي (وَالْيَتامى) كل من لا أب له (وَالْمَساكِينِ) الفقراء (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر المنقطع عن أهله ووطنه ، ولا نفقة له.

وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على ان القوم سألوا عن نوع النفقة ، لا عن مصرفها ، وعمن ينفقون عليه ، فجاء الجواب عن المصرف ، لا عن النوع ، فما هو الوجه؟.

أجاب أكثر المفسرين عن ذلك بأن القصد من الجواب هو تنبيه السائلين الى انه ينبغي ان يسألوا عمن ينفقون عليه ، لا عن نوع ما ينفقون .. ونقل الرازي عن القفال جوابا آخر ، وهو ان السؤال وان كان بلفظ (ما) الا ان المسئول عنه هو مصرف النفقة ، لا نوعها ، لأن النوع معلوم .. وأيده الشيخ محمد عبده بقوله : ان علماء المنطق هم الذين قالوا : السؤال بما يختص بالماهية والحقيقة ، أما العرب فإنهم يسألون بما عن الماهية وعن الكيفية .. والقرآن لا يجري على مذهب أرسطو في منطقه ، وانما هو بلسان عربي مبين .. وهذا الجواب أرجح من الأول وان كانت النتيجة واحدة.

سؤال ثان : هل الإنفاق على من ذكرتهم الآية واجب أم مستحب؟.

الجواب : تجب نفقة الأولاد على الوالدين ، وبالعكس إذا كان أحدهما قادرا على الإنفاق ، والآخر عاجزا عن الإنفاق على نفسه ، ولو عن طريق الكسب .. وهذه النفقة لا تحسب من أصل الزكاة ، لأن النفقة على الآباء والأبناء تجب وجوبا مستقلا عن وجوب الزكاة ، أما اليتامى والمساكين وأبناء السبيل فيجوز اعطاؤهم من الزكاة الواجبة ، كما يجوز إعطاء الجميع من الصدقات المستحبة ، والصدقة المستحبة تعطى لكل محتاج ، مسلما كان أو غير مسلم ، لأن لكل كبد حرى أجرا ، كما جاء في الحديث.

كتب عليكم القتال الآة ٢١٦ ـ ٢١٨ :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ

٣٢١

خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))

الإعراب :

كره لكم ، أي مكروه لكم ، أو ذو كره ، وعسى أن تكرهوا المصدر المنسبك من أن وما بعدها فاعل عسى ، وهي هنا تامة لا تحتاج الى خبر ، ومثلها عسى أن تحبوا ، وقتال فيه مجرور بدل اشتمال من الشهر الحرام ، وقتال فيه مرفوع مبتدأ ، وفيه متعلق بمحذوف صفة ، وكبير خبر ، وصد مبتدأ ، وكفر به معطوف عليه ، وإخراج أهله أيضا مثله ، وخبره أكبر عند الله ، والمسجد الحرام مجرور عطفا على سبيل الله.

المعنى :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ). فرض الله القتال على المسلمين لا لأنه مطلوب ومحبوب

٣٢٢

لذاته ، ولا ليتسع ملكهم ، ويمتد سلطانهم ، ويعيشوا على حساب غيرهم من الشعوب ، وانما فرضه عليهم لنصرة الحق ، والدفاع عنه ، فان الحق من حيث هو ليس إلا مجرد فكرة ونظرية. أما تطبيقها والالتزام بها فيحتاج الى العمل الجاد ، وهو أولا الدعوة بالحكمة ، والطرق المألوفة ، فإن لم تجد وجب تنفيذ الحق بالقوة .. وأية نظرية لا تعتمد على القوة التنفيذية فوجودها وعدمها سواء ، ومن أجل هذا فرض الله على المسلمين في هذه الآية وغيرها جهاد كل معتد على الحق ، حيث لا يجدي معه الأمر بالمعروف والموعظة الحسنة .. ولو لا السلطة التنفيذية لكانت السلطة التشريعية مجرد كلام ملفوظ أو مكتوب.

(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). قال المفسرون : ان أصحاب الرسول كرهوا القتال ، لأن الإنسان بطبعه يشق عليه أن يعرض نفسه للهلاك ، ولكنهم في الوقت نفسه يستجيبون لأمر الله تعالى طلبا لمرضاته ، تماما كالمريض يشرب الدواء بغية الشفاء. وان الله سبحانه قد نبههم بقوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الى أن ثمرة القتال والجهاد تعود اليهم ، لا اليه .. هذا ملخص ما قاله أهل التفاسير ، وظاهر اللفظ يتحمله ولا يأباه.

ولكن إذا نظرنا الى سيرة الأصحاب الخلص وبطولاتهم في الجهاد والفداء من أجل الدين ، وسيطرته على مشاعرهم ، وكيف استهانوا بالحياة طلبا للاستشهاد ، حتى ان من كان ينجو من القتل ، ويرجع من الجهاد سالما يرى نفسه شقيا سيء الحظ ـ إذا نظرنا الى هذه الحقيقة ، وأدخلناها في حسابنا ، ونحن نفسر هذه الآية نجد ان ما قاله المفسرون من كراهية الأصحاب للقتال غير وجيه ، وانه لا بد من تفسير الآية بمعنى آخر يساعد عليه الاعتبار ، ويتحمله اللفظ ، ويتلخص هذا المعنى في أن الأصحاب كانوا يرون أنفسهم دون المشركين عدة وعددا ، فخافوا إذا قاوموهم بالقوة أن يهلكوا عن آخرهم ، ولا يبقى للإسلام من ناصر ، وتذهب الدعوة الاسلامية سدى .. فكراهيتهم للقتال جاءت من الخوف على الإسلام ، لا على أنفسهم. فبين الله لهم ان القتال الذي دعيتم اليه ، وكرهتموه هو خير لكم وللإسلام ، وان القعود عنه يؤدي الى ذهابكم وذهاب الإسلام .. وأنتم تجهلون هذه الحقيقة ، ولكن الله بها عليم ، لأنه لا تخفى

٣٢٣

عليه خافية ، فالآية أشبه بقوله جل جلاله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ـ الأنفال ٦٥».

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ). مر تفسير الآية في الآية ١٩٢ وما بعدها.

(وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ). كان العرب يحرمون القتال في الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، وأقر النبي هذه العادة ، لأن فيها تقليلا للشر وسفك الدماء ، وقد أقر الإسلام بوجه عام كل عادة مستحسنة أو غير قبيحة كانوا عليها في الجاهلية ، ولكن العرب الذين كانوا يقدسون هذه الأشهر قد انتهكوا حرمتها ، وأعلنوا فيها الحرب على الرسول سنة ست من الهجرة ، وصدوه مع أصحابه عن زيارة بيت الله الحرام ، وفتنوا من أسلم عن دينه ، وعذبوه بشتى أنواع العذاب طوال ثلاثة عشر عاما ، كما فعلوا ببلال وصهيب وخباب وعمار بن ياسر وأبيه وامه ، حتى إذا أراد المسلمون أن يدافعوا عن أنفسهم ، أو يقتصوا من المشركين في الأشهر الحرم رفع هؤلاء عقيرتهم بالدعاية المضللة ، وأظهروا المسلمين بمظهر المعتدي على المقدسات.

فبيّن الله سبحانه ان الجرائم التي ارتكبها المشركون في حق المسلمين هي أكبر وأعظم عند الله من القتال في الشهر الحرام ، ومن أجل هذا أباح للمسلمين قتال المشركين في أي مكان وزمان يجدونهم فيه عملا بمبدإ القصاص ، والمعاملة بالمثل.

(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ). أي فتنة المسلمين عن دينهم بالتعذيب تارة ، ومحاولة إلقاء الشبهات في قلوبهم تارة أخرى ، هذه الفتنة أشد جرما من القتال في الشهر الحرام.

(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا). فالهدف للمشركين ان لا يبقى للإسلام عين ولا أثر على الكرة الأرضية ، ومن أجل هذا وحده يقاتلون المسلمين ، ويداومون على قتالهم ، فإذا كره المسلمون قتال المشركين تحقق الهدف الذي يبتغيه أعداء الدين.

ولا زالت هذه الروح الكافرة العدائية لكل ما فيه رائحة الإسلام ، لا زالت

٣٢٤

حية الى اليوم في نفوس الكثيرين من الشرقيين والغربيين ، لأن الإسلام بانسانيته وعدالته ، ومقاومته للبغي والفساد هو السبب الأول للعداء ، ولهذا وحده يضمرون لأهله كل شر ، ويحاربونهم بشتى الوسائل ، ويتفننون فيها حسب ما تقتضيه الظروف والتطورات .. وعلينا أن نتنبه لهؤلاء الأعداء ، ونقاتلهم بنفس السلاح الذي يقاتلوننا به.

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). هذا تحذير وتهديد من الله سبحانه لمن يستجيب لأعداء الدين ، ويرتد عن دينه فانه بذلك يخسر الدنيا والآخرة ، ومآله جهنم وبئس المصير .. وقوله تعالى : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) يدل بصراحة على ان المرتد إذا تاب قبل الموت يقبل الله منه ، ويسقط العقوبة عنه ، والعقل حاكم بذلك .. ولكن فقهاء الشيعة الإمامية قالوا : إذا كان المرتد رجلا ، وكان ارتداده عن فطرة (١) ثم تاب يسقط عنه العذاب الاخروي ، أما العقوبة الدنيوية ، وهي القتل ، فلا تسقط بحال ، اما إذا تاب المرتد عن ملة فيسقط القتل عنه مستندين في هذا التفصيل الى روايات عن أهل البيت (ع). ومعنى حبط الأعمال في الدنيا انه يعامل معاملة الكافر ، بالاضافة الى استحقاق القتل ، أما الحبط في الآخرة فالعذاب والعقاب.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). بعد ان ذكر الله جل جلاله حال المشركين والمرتدين وعقابهم ناسب أن يذكر المؤمنين وثوابهم ، والذين هاجروا هم الذين هاجروا من مكة الى المدينة مع رسول الله (ص) ، والمجاهدون هم الذين بذلوا جهدهم في نصرة الإسلام ، ومقاومة أعدائه.

عبادة التائب بعد ارتداده :

إذا تاب المرتد ، وعاد الى الإسلام قبل موته يقبل الله توبته بحكم العقل ،

__________________

(١) المرتد عن فطرة أن يكون أبواه أو أحدهما مسلما ، والمرتد عن ملة أن يكون أبواه كافرين ، ثم يسلم ، ثم يرتد.

٣٢٥

وبظاهر قوله تعالى : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) حيث قيد إحباط العمل بالموت على الكفر ، ويتفرع على ذلك مسألتان :

الأولى : هل تصح العبادة ، كالصلاة والحج والصوم والزكاة ، من المرتد بعد عودته الى الإسلام أو لا؟.

وقد اتفق فقهاء السنة على انها تصح وتقبل منه.

واتفق فقهاء الشيعة على انها تقبل من المرتد عن ملة بعد إسلامه ، واختلفوا في صحتها من المرتد عن فطرة بعد عودته الى الإسلام ، فذهب أكثرهم الى انها لا تصح منه بحال ، وان إسلامه بعد الارتداد لا يجديه شيئا في الدنيا أبدا ، بل يعامل معاملة الكافر ، وانما ينفعه إسلامه بعد الارتداد في الآخرة فقط ، حيث يسقط عنه العذاب .. وقال المحققون منهم ، ونحن معهم : بل تصح عبادته ، وينفعه إسلامه ، ويعامل معاملة المسلم دنيا وآخرة.

المسألة الثانية : هل يجب على المرتد أن يقضي بعد عودته الى الإسلام ما كان قد أتاه من العبادة قبل أن يرتد ، فلو كان قد صلى وحج ، وهو مسلم ، ثم ارتد ، ثم تاب ، فهل عليه أن يعيد الصلاة والحج بعد العودة الى الإسلام؟. قال الحنفية والمالكية : يلزمه القضاء. وقال الشافعية : لا يلزمه.

أما فقهاء الشيعة الذين قالوا بصحة عبادة من تاب بعد أن ارتد فإنهم ذهبوا إلى أنه لا يقضي شيئا مما كان قد أتى به من العبادة حال الإسلام ، وقبل الارتداد ، وانما يقضي خصوص ما فاته أثناء الارتداد فقط.

الإحباط :

قال جمهور المعتزلة ، ان المؤمن المطيع يسقط ثوابه المتقدم بكامله إذا صدرت منه معصية متأخرة ، حتى ان من عبد الله طول عمره ، ثم شرب جرعة من خمر فهو كمن لم يعبد الله قطّ .. وكذا الطاعة المتأخرة تسقط الذنوب المتقدمة ، وهذا هو معنى الإحباط.

واتفق الامامية والاشاعرة على بطلان الإحباط ، وقالوا : لكل عمل حسابه الخاص ، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ، ولا المعاصي بالطاعات .. بل من

٣٢٦

يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .. فمن أساء وأحسن ، وهو مؤمن بالله يوازن بين حسناته وسيئاته ، فان كانت الاساءة أكثر كان كمن لم يحسن ، وان كان الإحسان أكثر كان كمن لم يسئ ، إذ الأكثر ينفي الأقل ، وان تساويا كان كمن لم يصدر عنه شيء.

والإحباط بعيد عن هذا المعنى كل البعد ، ومعناه الصحيح ان من مات على الكفر بعد الإسلام يكشف كفره هذا عن ان أعماله التي أتى بها حين إسلامه لم تكن على الوجه المطلوب شرعا ، ولا يستحق عليها شيئا منذ البداية ، لا انه استحق الثواب ، ثم ارتفع ونسخ بعد ثبوته ، بل هو من باب الدفع ، لا من باب الرفع.

الخمر والميسر الآة ٢١٩ ـ ٢٢٠ :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))

اللغة :

الخمر منقول من مصدر خمر الشيء بمعنى ستره وغطاه ، وخمرت الجارية ألبستها الخمار ، والوجه في النقل ان هذا الشراب يستر العقل ويغطيه ، والمراد

٣٢٧

بها هنا كل مسكر ، والميسر القمار مأخوذ من اليسر ، وهو السهولة ، لأنه كسب بلا مشقة ، والعفو الزيادة ، والعنت المشقة ، والاعنات الحمل على المشقة.

الإعراب :

العفو مفعول لمحذوف ، أي أنفقوا العفو ، وإصلاح لهم مبتدأ ، وخير خبر ، وفإخوانكم خبر مبتدأ محذوف ، أي هم إخوانكم.

المعنى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ). سأل بعض المسلمين عن حكم الخمر والقمار ، وكان السؤال في المدينة ، أي بعد أكثر من ثلاث عشرة سنة من تاريخ الدعوة الاسلامية .. ويدل هذا على ان حكمهما كان مسكوتا عنه أمدا طويلا ، كما سكت عن حكم بعض المحرمات الى وقت البيان حسبما تقتضيه المصلحة ، وقد تستدعي الحكمة الرفق والتدريج في بيان الحكم ، وقيل : ان بيان حكم الخمر كان من هذا الباب ، لأن المسلمين كانوا قد ألفوها في الجاهلية ، فلو منعوا عنها دفعة واحدة لشق ذلك عليهم .. بل ان الله سبحانه قد ذكّر الناس بأن من جملة نعمه عليهم انهم يتخذون من النخيل والأعناب سكرا ورزقا ، حيث قال عز من قائل في الآية ٦٧ من سورة النحل : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً).

سأل بعض المسلمين عن حكم الخمر والقمار ، فأمر الله نبيه الأكرم أن يجيبهم بأن (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما). وهذا الجواب بمفرده لا يدل على تحريم الخمر صراحة ، لأنه لم يقل : الخمر حرام .. ولكنه يدل عليه بالالتزام ، لقاعدة : درء المفسدة اولى من جلب المصلح لأهم مقدم على المهم ، غير انه إذا لحظنا الآية ٣٢ من الأعراف : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) ، وعطفنا هذه الآية على الآية التي نحن بصددها ، وجمعناهما في كلام واحد تكون الدلالة على التحريم

٣٢٨

صريحة وقطعية أيضا ، حيث تأتي النتيجة هكذا : الخمر إثم ، وكل إثم حرام ، فالخمر حرام.

هذا ، بالاضافة الى الآية ٩٠ و ٩١ من سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ) (١) (وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»). فقوله : فاجتنبوه أمر بالاجتناب ، والأمر يدل على الوجوب ، وقوله : فهل أنتم منتهون ، ظاهر في النهي ، لأن معناه انتهوا ، والنهي يدل على التحريم ، ولذا قال المسلمون بعد سماع هذه الآية : انتهينا. أما الآية ٤٣ من النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى). أما هذه الآية فقد نزلت قبل آية المائدة التي هي أشد وأغلظ ، وأشرنا ان الحكمة ربما تستدعي التدريج في بيان التحريم. على ان لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى لا دلالة فيها على حليّة الخمر في غير الصلاة ، ويأتي الكلام عنها مفصلا ان شاء الله حين نصل اليها.

هذا ، الى أن المسلمين منذ الصدر الأول الى اليوم قد أجمعوا كلمة واحدة على ان الخمر من الكبائر ، وان من استحلها فليس بمسلم ، ومن ارتكبها متهاونا فهو فاسق ، ويحد بثمانين جلدة ، وقد تواتر عن الرسول الأعظم (ص) انه لعن غارسها ، وعاصرها ، وبائعها وشاريها وساقيها وشاربها. وفي بعض الأخبار أو الآثار : ان ما من شريعة سماوية إلا ونهت عن الخمر. وقد بحثنا هذا الموضوع مفصلا في الجزء الرابع من فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة.

(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) والمراد بالإثم هنا الضرر ، ويظهر ضرر الخمر في الجسم والعقل والمال ، وفي الصد عن ذكر الله ، وفي الخصومات والمشاحنات ، وفي ارتكاب المحرمات ، فلقد روى أهل السير ان بعض السكارى نزا على بنته .. وكان العباس بن مرداس رئيسا في قومه في الجاهلية ، وقد حرم الخمر على نفسه بفطرته ، ولما قيل له في ذلك قال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فادخله جوفي ، ولا أرضى أن أصبح سيد القوم ، وامسي سفيههم. وقال طبيب ألماني شهير :

__________________

(١) الانصاب والازلام سهام كانوا يجيلونها في الجاهلية للقمار.

٣٢٩

اقفلوا نصف الحانات ، اضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات والمارستانات والسجون.

أما القمار فانه يورث العداوة والبغضاء ، ويصد عن ذكر الله ، كما أشارت الآية الكريمة .. ويفسد الأخلاق بالتعويد على الكسل ، وطلب الرزق من أسباب وهمية ، ويهدم البيوت العامرة ، وينتقل بالإنسان من الغنى الى الفقر فجأة في ساعة واحدة .. ويكفي لتحريم القمار انه أخذ للمال بلا عوض ومقابل.

(وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ). أي أنفقوا ما زاد عما تحتاجونه أنتم وعيالكم. والأمر بالإنفاق هنا للاستحباب ، لا للوجوب ، وانما يجب البذل إذا تحققت شروط الخمس والزكاة ، وسنتكلم عنهما مفصلا ان شاء الله .. ومهما يكن ، فان هذه الآية تجري مجرى الآية ٢٩ من الاسراء : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً). وفي الحديث ان رجلا جاء رسول الله (ص) بمثل البيضة من ذهب ، وقال له : يا رسول الله خذها صدقة ، فو الله لا أملك غيرها ، فأعرض الرسول عنه ، ثم أتاه من بين يديه ، وأعاد القول ، فقال النبي (ص) : هاتها مغضبا ، فأخذها منه ، ثم حذفه بها ، وقال : يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره ، ويجلس يتكفف الناس ، انما الصدقة عن غنى ، خذها لا حاجة لنا فيها .. وفي الحديث أيضا ان النبي (ص) كان يحبس لأهله قوت سنته.

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ). أي ان الله سبحانه بيّن لنا حكمه في الخمر والقمار ، وحكمه فيما ينبغي أن نتصدق به من أموالنا على أساس مصلحتنا نحن ، فهو لا يأمر إلا بما فيه مصلحة دنيوية وأخروية ، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة كذلك ، وعلينا أن نتدبر هذه الحقيقة ، ونراعيها ، ولا نعصي الله في شيء من أوامره ونواهيه. فالقصد من قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ان نعمل لهما معا ، ولا ننصرف الى إحداهما دون الأخرى.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى). اعتاد أهل الجاهلية أن ينتفعوا بأموال اليتامى ، وربما تزوج الرجل اليتيمة أو زوجها من ابنه طمعا في مالها ، وبعد الإسلام أنزل الله على نبيه : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ

٣٣٠

ناراً) وقوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فعند ذلك ترك القوم مخالطة اليتامى والقيام بأمورهم ، فاختلت مصالحهم ، وساءت معيشتهم. وسأل بعض المسلمين عن ذلك ، فجاء الجواب من الله : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ). والمعنى لا تحرموا على أنفسكم مخالطة اليتامى ، ومقاربة أموالهم إذا قصدتم الإصلاح في تربيتهم وتهذيبهم وادارة أموالهم ، بل في ذلك أجر لكم وثواب ، وانما المحرم هو استغلالهم وأكل أموالهم بالباطل.

(وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ). قال جماعة من المفسرين : هذا اذن من الله لمن يتولى أمر اليتيم أن يشركه مع عياله في المأكل والمشرب ان كان ذلك أيسر على المتولي ، ويستوفي من مال اليتيم بقدر ما أنفق عليه.

(وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ). المفسد هو الذي يلي أمر اليتيم ليستغل أمواله ، والمصلح من يليها لمصلحة اليتيم بالذات .. وقوله : والله يعلم المفسد تهديد عظيم لمن يبتغي الاستغلال والفساد.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ). الاعنات الضيق في التكليف ، والقصد ان الله أباح مخالطة اليتامى مع عيال المتولي ، وان يأخذ عوض ما ينفقه عليه من ماله ، كي لا يقع المتولي في المشقة والحرج ، لأن الله سبحانه يريد بالناس اليسر ، ولا يريد بهم العسر.

وتجدر الاشارة الى انه لا تشترط الدقة والمساواة التامة بين ما يأكله القاصر مع عيال المتولي ، وبين ما يستوفيه هذا من مال القاصر ، فان الله سبحانه يعفو عما جرى به العرف من المسامحة في التفاوت الذي يتعذر أو يتعسر اجتنابه ، بل للمتولي الفقير أن يأكل من مال القاصر بالمعروف ، وليس له ذلك ان كان غنيا ، لقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ـ النساء ٦».

ولا تنكحوا المشركات الآة ٢٢١ :

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ

٣٣١

وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١))

المعنى :

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ). هذه الآية من آيات الأحكام ، وتدخل في باب الزواج ، وقبل بيان المضمون نمهد بتفسير لفظ النكاح والمشركين ، والامة والعبد.

يطلق النكاح على عقد الزواج ، وعلى الوطء ، تقول : فلان نكح فلانة ، أي عقد عليها ان كانت خلية ، وتقول : نكح زوجته ، أي وطأها ، والمفهوم من قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) ان المسلم لا يجوز له أن يتخذ المشركة زوجة له ، كما ان المفهوم من قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ان المشرك لا يحق له أن يتخذ المسلمة زوجة له ، وعليه يكون المراد من النكاح الزواج بحقيقته وجميع ملابساته.

أما لفظ المشركين فقيل : انه يشمل كل من لا يؤمن بنبوة محمد (ص) ، وعلى هذا القول يدخل أهل الكتاب ، وهم النصارى واليهود في عداد المشركين ، وقيل : ان القرآن لا يطلق لفظ المشركين على أهل الكتاب ، وان قالوا بربوبية عيسى ، وان الله ثالث ثلاثة ، واستدل الذاهبون الى هذا القول بالآية ١٠٥ من سورة البقرة : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ). والآية ١ من البينة : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ). حيث عطف المشركين على أهل الكتاب ، والعطف يستدعي التعدد والتغاير ، لأن الشيء لا يعطف على نفسه.

ويطلق لفظ الامة على المملوكة ، والحرة ، تقول للحرة يا أمة الله ، أي

٣٣٢

يا عبدة الله ، وكذلك العبد ، لأن الآدميين عبيد الله ، والآدميات اماؤه .. ومحصل المعنى لا تتزوجوا أيها المسلمون من مشركة ما دامت على الشرك ، وتزوجوا امرأة منكم ، وان كانت دون المشركة خلقا وخلقا ، ولا تزوجوا مشركا ما دام على شركه ، وزوجوا رجلا منكم ، وان كان دون المشرك مالا وجاها.

(أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ). أولئك اشارة الى المشركين والمشركات ، ويدعون الى النار بيان للحكمة الموجبة لعدم الزواج أخذا وعطاء من أهل الشرك ، والحكمة هي ان الصلة الزوجية بهم تؤدي الى فساد العقيدة والدين ـ وعلى الأقل ـ الى الفسق والتهاون بأحكام الله.

والذي نشاهده في هذا العصر ان الكثير من شبابنا وشاباتنا ليسوا بأحسن حالا من أهل الكفر والشرك من حيث الاستخفاف والتهاون بالدين ، والتحرر من قيوده وآثاره ، وتنشئة أبنائهم تنشئة لا دينية ولا أخلاقية .. ولو لا شهادتهم لله بالوحدانية ، ولمحمد (ص) بالرسالة لوجب أن نعاملهم معاملة الملحدين والمشركين ، ولكن لهذه الكلمة تأثيرها في حقن الدماء ، وصيانة الأموال ، وصحة الزواج والميراث ، حتى ولو جاءت عن طريق التقليد والوراثة ، بل والايمان المزيف (١).

(وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ). هنا دعوتان : الأولى دعوة المشركين الى فعل ما يوجب دخول النار ، وغضب الله سبحانه. والثانية دعوة الله الى فعل ما يوجب المغفرة ودخول الجنة ، ومن هذا الفعل الزواج بالمؤمنة دون المشركة ، وتزويج المؤمن دون المشرك .. وليس من شك ان المؤمنين هم الذين يلبون دعوة الله ، وينالون بذلك مفخرته ، ويدخلون جنته باذنه ، أي بهدايته وتوفيقه.

الزواج بالكتابية :

اتفق المسلمون على انه لا يجوز للمسلم ، ولا للمسلمة التزويج ممن لا كتاب

__________________

(١) ان الزواج والميراث يترتبان على اظهار الإسلام ، لا على الإسلام واقعا ، وبحثنا ذلك مفصلا في كتاب أصول الإثبات ، فصل الدعوى ومخالفة الشرع ، فقرة الإسلام.

٣٣٣

سماوي لأهل ملته ، كعبدة الأوثان والشمس والنيران ، وما الى ذلك ، وبالأولى من لا يؤمن بشيء.

وكذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج من مجوسية ، وبالأولى ان لا تتزوج المسلمة من مجوسي ، وان قيل بأن للمجوس شبهة كتاب.

واتفقت مذاهب السنة الأربعة على صحة الزواج من الكتابية .. واختلف فقهاء الشيعة فيما بينهم ، فقال أكثرهم : لا يجوز للمسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية ، وقال جماعة من كبارهم ، منهم الشيخ محمد حسن في الجواهر ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد أبو الحسن في الوسيلة ، قالوا : يجوز ، ونحن نميل الى هذا الرأي ، والدليل عليه :

١ ـ الأدلة الدالة على اباحة الزواج بوجه عام ، خرج منها زواج المسلم بالمشركة ، والمسلمة بالمشرك والكتابي ، وبقي ما عدا ذلك مشمولا ومدلولا للعمومات والإطلاقات.

٢ ـ قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ـ المائدة ٥». أي أحل لكم النساء المحصنات من أهل الكتاب ، والمراد بالمحصنات العفيفات ، أما قوله سبحانه : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) فقد تقدم انه خاص بالمشركات ، وهن غير الكتابيات. أما قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) فان المراد بالكوافر هنا المشركات ، لا أهل الكتاب ، لأن الآية نزلت فيمن أسلمن وهاجرن الى النبي (ص) تاركات أزواجهن المشركين ، والسياق يدل على ذلك ، وهذه هي الآية بكاملها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ـ الممتحنة ١٠».

هذا ، الى أحاديث صحيحة عن النبي وأهل بيته (ص) في صحة زواج المسلم من الكتابية. وتكلمنا عن ذلك مفصلا في الجزء الخامس من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، باب المحرمات ، فقرة اختلاف الدين.

٣٣٤

الحيض الآة ٢٢٢ ـ ٢٢٣ :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣))

اللغة :

الحيض لغة السيلان ، وشرعا دم ذو أوصاف خاصة يخرج من رحم المرأة في أمد مخصوص ، والمراد بالأذى هنا الضرر من حيث القذارة والنجاسة.

الاعراب :

انّى تكون ظرف مكان بمعنى أين ، وتجزم فعلين نحو أنّى تجلس اجلس ، وبمعنى من أين نحو يا مريم انّى لك هذا ، أي من أين ، وتأتي ظرف زمان بمعنى متى نحو أنّى جئت ، أي متى جئت ، وتأتي للسؤال عن الكيفية ، نحو أنّى يحيي الله هذه بعد موتها.

المعنى :

سألوا الرسول الأعظم (ص) عن الشهر الحرام ، وعن الخمر والميسر ، وعما ينفقون ، وعن اليتامى ، ثم سألوه عن حيض النساء .. وقال الرازي : «روي ان اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها ، والنصارى

٣٣٥

كانوا يجامعونهن ، ولا يبالون بالحيض ، وان أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجالسوها على فراش ، ولم يساكنوها في بيت ، كفعل اليهود والمجوس.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ). المحيض اسم لمكان الحيض ومحله ، والمراد به هنا الحيض من باب اطلاق المحل على الحال ، والسؤال وقع عن مخالطة النساء في زمن الحيض ، فأمر الله نبيه الأكرم أن يجيب السائلين بأن يعتزلوا النساء ايام الحيض ، أي لا يجامعوهن فيه. فقد جاء في الحديث : «اصنعوا كل شيء الا الجماع». وقوله : (هُوَ أَذىً) تعليل للحكم ، والأذى في اللغة ما يكره من كل شيء ، والمراد به هنا الضرر من حيث القذارة والنجاسة.

(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ). اختلفوا في «يطهرن» هل المراد به مجرد انقطاع الدم ، فإذا انقطع جاز الوطء ، وان لم تغتسل ، أو المراد به الاغتسال بعد انقطاع الدم ، فلا يجوز الا بعد الانقطاع والاغتسال.

قال الإمامية : يجوز الوطء بمجرد انقطاع الدم ، وان لم تغتسل ، لأن هذا هو المفهوم من لفظ الطهر ، أما التطهر فهو من عمل النساء ، ويكون عقب الطهر.

وقال المالكية والشافعية : لا يجوز الوطء الا بعد الاغتسال.

وقال الحنفية : ان استمر الدم لعشرة ايام جاز أن يقربها قبل الاغتسال ، وان انقطع لدون العشرة فلا يجوز الوطء ، حتى تغتسل .. وعلق صاحب تفسير المنار على هذا التفصيل بقوله : «هو تفصيل غريب».

(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ). ان لفظة حيث حقيقة في المكان ، وعليه يكون المعنى فأتوهن في القبل ، كما هو المتبادر الى الفهم. وتكلمنا عن الحيض وأحكامه مفصلا في كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، وكتاب الفقه على المذاهب الخمسة.

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ). قدمنا في فقرة الاعراب ان انّى تأتي بمعنى كيف ومتى وأين .. وقد تعددت الأقوال في تفسير الآية بتعدد معاني انّى ، فمن قائل : انها بمعنى متى ، ويكون المراد فأتوهن في أي زمان

٣٣٦

شئتم ليلا أو نهارا ، ومن قائل : انها بمعنى أين ، أي أنتم مخيرون ان تأتوهن قبلا أو دبرا ، ومن قائل : انها بمعنى كيف ، أي على أية حال شئتم قعودا أو نياما أو نحو ذلك.

وقال جماعة من المفسرين ، منهم صاحب تفسير المنار من علماء السنة ، ومنهم صاحب تفسير بيان السعادة من علماء الشيعة ، قالوا : ان تقييد الإتيان بالحرث ينافي ارادة المكان الشامل للدبر ، حيث لا استعداد له لزراعة الولد ، هذا ، بالاضافة الى ما في الإتيان بالدبر من الأذى .. ونحن على هذا الرأي ، أولا لأن الحرث لا يتحقق الا في القبل ، كما ذكر أولئك المفسرون ، ثانيا ان قوله تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعين ارادة القبل بعد أن فسرنا «حيث» بالمكان.

وتجمل الاشارة الى ان جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية قد أباحوا وطء الزوجة دبرا على كراهية شديدة ، وأنكر البعض ذلك عليهم زاعما انه من اختصاص الشيعة ، ولا يوافقهم أحد من المسلمين عليه .. مع العلم بأن الرازي نقل في تفسير هذه الآية ان ابن عمر كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن. وقال الحافظ أبو بكر الأندلسي المالكي ـ توفي سنة ٥٤٢ ه‍ ـ في الجزء الأول من كتاب احكام القرآن صفحة ٧٣ طبعة ١٣٣١ ه‍ ، قال ما نصه بالحرف :

«اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كثيرة ، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن ، وأسند جوازه الى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين والى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع ان ابن عمر كان يقرأ سورة البقرة ، حتى انتهى الى انّى شئتم ، فقال : أتدري فيم نزلت؟. قلت : لا. قال نزلت في كذا وكذا». أي في ادبار النساء.

اليمين الآة ٢٢٤ ـ ٢٢٧ :

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ

٣٣٧

النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧))

اللغة :

العرضة التهيئة ، يقال : هذا عرضة للتلف ، أي مهيأ ومعرض له. والإيلاء لغة الحلف ، وشرعا حلف الرجل ان لا يقرب امرأته ، والتربص الانتظار ، وفاءوا أي رجعوا.

الإعراب :

ان تبرّوا المصدر المنسبك مجرور بلام محذوفة ، والتقدير لبركم وتقواكم ، وقيل : بل هو في محل رفع مبتدأ ، والخبر محذوف ، والتقدير بركم وتقواكم خير لكم.

المعنى :

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ). نهى الله سبحانه عن الجرأة عليه بكثرة الحلف به ، لأن من أكثر ذكر شيء فقد جعله عرضة له ، يقول الرجل لغيره تكلمت علي كثيرا حتى جعلتني عرضة لكذا .. وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله : «ولا تطع كل حلاف مهين». ومن أكثر الحلف قلّت مهابته ، وكثر حنثه ، واتهم بالكذب.

(أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ). هذا تعليل للنهي عن اليمين ،

٣٣٨

والمعنى ان الله نهاكم عنها من غير ضرورة لتكونوا بررة أتقياء مصلحين في الأرض غير مفسدين.

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ). بعد أن نهى الله سبحانه عن الحلف بلا ضرورة بيّن ان ما يدور كثيرا على الألسن ، مثل بلى والله ، ولا والله ، ان هذا ، وما اليه ، ليس من اليمين الحقيقية في شيء ، وانما هو لغو يسبق الى اللسان من غير قصد ، ولا يترتب عليه ضرر لأحد ، ولذا لم يفرض الله له كفارة في الدنيا ، ولا يعاقب عليه في الآخرة.

(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ). لأنه جلت عظمته لا ينظر الى الصور والأقوال ، وانما ينظر الى النوايا والأفعال ، ومثله الآية ٨٨ من سورة المائدة : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ). فالعاقل البالغ القاصد المختار إذا حلف وخالف فعليه أن يكفر بعتق رقبة ، أو اطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فان عجز عن ذلك صام ثلاثة ايام .. وتكلمنا عن اليمين وشروطها وأحكامها في الجزء الخامس من فقه الإمام جعفر الصادق ، باب النذر واليمين والعهد.

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). الإيلاء في الشريعة أن يحلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته ، واشترط فقهاء الإمامية لانعقاده أن تكون الزوجة مدخولا بها ، والا لم يقع الإيلاء ، وان يحلف الزوج على ترك الوطء مدة حياة الزوجة ، أو مدة تزيد على الأربعة أشهر ، لأن للزوجة حق المواقعة على الزوج مرة كل أربعة أشهر على الأقل.

وقالوا : إذا وطأ الزوج في الأربعة أشهر يكفر ، ويزول المانع ، كأن لم يكن شيء ، وان مضى أكثر من أربعة أشهر ، ولم يطأ فان صبرت ورضيت فلها ذلك ، ولا يحق لأحد أن يعترض ، وان لم تصبر رفعت أمرها الى الحاكم الشرعي ، وبعد مضي الأشهر الأربعة يجبره على الرجوع ، أو الطلاق ، فان امتنع ضيق عليه وحبسه ، حتى يختار أحد الأمرين ، ولا يحق للحاكم أن يطلق قهرا عن الزوج .. وإذا رجع كفر كفارة اليمين المتقدم ذكرها.

٣٣٩

المطلقات الآة ٢٢٨ :

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨))

اللغة :

التربص الانتظار ، والقروء واحدها قرء بضم القاف وفتحها ، ويطلق تارة على حيض المرأة ، وأخرى على طهرها.

المعنى :

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). لفظ المطلقات عام يشمل بظاهره كل زوجة وقع عليها الطلاق ، آيسة كانت ، أو غير آيسة ، حرة أو مملوكة ، حاملا أو حائلا ، مدخولا بها أولا ، كبيرة أو صغيرة دون التسع .. ولكن هذا الظاهر غير مراد بالاتفاق ، لأن بعض المطلقات لا عدة عليها بنص القرآن ، وهي التي لم يدخل بها الزوج ، قال تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) ـ الأحزاب ٤٩». ومنها الآيسة ، فقد ذهب أكثر فقهاء الشيعة الإمامية الى انه لا عدة عليها ، وإن كان قد دخل بها الزوج ، وكذلك الصغيرة دون التسع ، وأيضا من المطلقات من تعتد بقرءين كالأمة المملوكة ، وأيضا منهن من تعتد بثلاثة أشهر ، لا بثلاثة قروء ، وهي الشابة في سن من تحيض ولا تحيض ، كما ان الحامل تعتد بوضع الحمل ، قال تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ـ الطلاق ٤».

٣٤٠