مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤
الفن الثالث
علم البديع
قال :
٩٠ ـ علم البديع تحسين الكلام |
|
رعاية الوضوح والمقام (١٦٦) |
أقول :
علم البديع هو : علم به يعرف وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية مقتضى المقام الذي علم في المعاني ، ورعاية وضوح الدلالة ، الذي علم في البيان.
وهذا إشارة إلى أن هذه الوجوه إنما تعد محسنة للكلام بعد رعاية الأمرين.
قال :
٩١ ـ ضربان لفظي كتجنيس ورد |
|
وسجع أو قلب وتشريع ورد |
أقول :
الوجوه المحسنة للكلام ، قسمان :
الأول : اللفظي ، أي : الراجع إلى تحسين اللفظ أولا وبالذات ، وإن كان قد يفيد بعضها تحسين المعنى أيضا.
__________________
(١٦٦) هذا البيت ورد في جميع النسخ المطبوعة والمخطوطة هكذا :
علم البديع وهو تحسين الكلام |
|
بعد رعاية الوضوح والمقام |
ولعل زيادة (وهو) و (بعد) إنها هو للشرح والتوضيح ، فلاحظ.
والثاني : المعنوي ، وهو بعكس ذلك.
ومن المحسنات اللفظية : التجنيس ; وهو تشابه في اللفظ ، أي : في التلفظ.
فخرج التشابه في المعنى ، نحو : أسد وسبع.
أو مجرد العدد ، نحو : ضرب وعلم.
أو في مجرد الوزن ، نحو : ضرب وقتل.
والتام منه : أن يتفق اللفظان في أنواع الحروف ، ويكون في المركب ، نحو قوله :
كلكم قد أخذ الجام ولا جام لنا |
|
ما الذي ضر مدير الكأس لو جاملنا (١٦٧) |
(ومنها : رد العجز على الصدر ، وهو في النثر : أن تجعل أحد اللفظين المكررين ، أو المتجانسين ، أو الملحقين بهما ، في أول الفقرة ، والآخر في آخرها ، نحو :
(وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (١٦٨) مثال المكرر.
و (سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) مثال المتجانسين.
و (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) (١٦٩) مثال الملحقين بهما) (١٧٠).
ومنها : السجع ، وهو : توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر ، ويطلق على نفس الكلمة الأخيرة من الفقرة ، باعتبار توافقها للكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى ، والسجع ثلاثة أضرب :
مطرف : إن اختلفت الفاصلتان في الوزن ، نحو : (ما لكم لا ترجون لله وقارا
__________________
(١٦٧) لأبي الفتح البستي علي بن محمد الكاتب الشاعر ، أنظر شعره وأخباره في الوشاح ٣ / ١٣٨ و ١٤٢ وجامع الشواهد ٢ / ٣٢٨.
(١٦٨) الآية ٣٧ من سورة الأحزاب ٣٣.
(١٦٩) من الآية ١٠ من سورة نوح ٧١.
(١٧٠) ما بين القوسين ، ابتداءا من قوله «ومنها : رد ...» إلى هنا ساقط من «خ» و «ق».
وقد خلقكم أطوارا) (١٧١) فإن (الوقار) و (الأطوار) مختلفان وزنا.
وترصيع : إن لم يختلف الوزنان ، وكان جميع ما في إحدى القرينتين (١٧٢) من الألفاظ مثل ما يقابله من القرينة الأخرى في الوزن ، والتوافق على الأخير ، نحو : (هو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه) فجميع ما في القرينة الثانية موافق لما يقابله من القرينة الأولى.
ومتواز : إن لم يكن جميع ما في القرينة ولا أكثر مثل ما يقابله من الأخرى ، نحو : (فيها سرر مرفوعة * وأكواب موضوعة) (١٧٣) لاختلاف (سرر)
و (أكواب) في الوزن والتقفية (١٧٤).
ومنها : «القلب» وهو : أن يكون الكلام بحيث لو عكسته وبدأت بالحرف الأخير إلى الأول ، كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام ، كقوله :
مودته تدوم لكل هول |
|
وهل كل مودته تدوم (١٧٥) |
ومنها : «التشريع» وهو : بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما ، كقوله :
يا خاطب الدنيا الدنية إنها |
|
شرك الردى ، وقرارة الأكدار (١٧٦) |
(فإن وقفت على (الردى) فالبيت من الضرب الثامن من الكامل) (١٧٧).
__________________
(١٧١) الآية ١٤ من سورة نوح ٧١.
(١٧٢) في «خ» : الفقرتين.
(١٧٣) الآية ١٣ من سورة الغاشية ٨٨.
(١٧٤) في «خ» : القافية.
(١٧٥) للقاضي الأرجاني من أبيات ذكرها في الوشاح ٣ / ١٧٩ ، وانظر : جامع الشواهد ٣ / ٤٩.
(١٧٦) من أبيات للحريري في مقاماته [أنظر المقامة] وانظر : الوشاح ٣ / ١٨٢ وجامع الشواهد ٣ / ٣٢٣.
(١٧٧) ما بين القوسين ساقط من «خ».
وإن وقفت على (الأكدار) فهو من الضرب الثاني منه.
قال :
٩٢ ـ والمعنوي منه كالتسهيم |
|
والجمع والتفريق والتقسيم |
أقول :
أما المحسنات المعنوية :
فمنها : «التسهيم» يقال : برد مسهم : إذا كان فيه خطوط مستوية ، وهو : أن تجعل قبل العجز من الفقرة ما يدل عليه ، إذا عرف الروي ، نحو : (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (١٧٨).
ومنها : «الجمع» وهو : أن يجمع بين اثنين أو أكثر في حكم ، كقوله تعالى : (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) (١٧٩).
ومنها : «التفريق» وهو : إيقاع التباين بين أمرين من نوع في المدح ، أو غيره ، كقوله :
ما نوال الغمام وقت ربيع |
|
كنوال الأمير يوم سخاء |
فنوال الأمير بدرة عين |
|
ونوال الغمام قطرة ماء (١٨٠) |
أوقع التباين بين النوالين.
ومنها : «التقسيم» وهو : ذكر متعدد ، ثم إضافة ما لكل إليه على التعيين ، كقوله :
ولا يقيم على ضيم يراد به |
|
إلا الأذلان عير الحي والوتد |
__________________
(١٧٨) الآية ٤٠ من سورة العنكبوت ٢٩.
(١٧٩) الآية ٤٦ من سورة الكهف ١٨.
(١٨٠) لرشيد الدين الوطواط. أنظر : جامع الشواهد ٣ / ١٨.
هذا على الخسف مربوط برمته |
|
وذا يشج فلا يرثي له أحد (١٨١) |
قال :
٩٣ ـ والقول بالموجب والتجريد |
|
والجد (١٨٢) والطباق والتأكيد |
أقول :
من المحسنات المعنوية القول بالموجب ، وهو ضربان :
أحدهما : أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شئ (أثبت له حكم ، فتثبتها لغيره من غير تعرض لثبوت الحكم لذلك الغير وانتفائه عنه) (١٨٣) ، نحو : (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل * ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (١٨٤).
فالأعز صفة وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم ، والأذل كناية عن المؤمنين ، وقد أثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة ، فأثبت الله تعالى في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم ، وهو الله ورسوله والمؤمنون ، ولم يتعرض لثبوت ذلك الحكم ـ الذي هو الاخراج ـ للموصوفين بالعزة أعني الله ورسوله والمؤمنين ، ولا لنفيه عنهم.
والثاني : حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده (حال كون خلاف
__________________
(١٨١) اسم المتلمس جرير بن عبد المسيح الضبعي ، من شعراء الجاهلية. أنظر أخباره وشعره في الوشاح ٣ / ٧٣ ، وانظر : جامع الشواهد ٣ / ٢٠١.
(١٨٢) في مطبوعة المتن : والهزل ، بدل «الجد».
(١٨٣) كذا جاء ما بين القوسين في «ق» وهو ساقط من «خ» وكان في «ش» بدله قوله : أثبت لذلك الشئ حكم ، فثبت تلك الصفة لغير ذلك الشئ في كلامك من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم أو نفيه لذلك الغير.
(١٨٤) الآية ٨ من سورة المنافقين ٦٣.
مراده) (١٨٥) مما يحتمله ذلك اللفظ ، بذكر متعلق ذلك اللفظ ، كقوله :
قلت : ثقلت إذ أتيت مرارا |
|
قال : ثقلت كاهلي بالأيادي (١٨٦) |
فلفظ (ثقلت) وقع في كلام الغير بمعنى : حملتك المؤنة ، فحمله على تثقيل عاتقه بالأيادي.
ومنها : «التجريد» وهو : أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرا آخر مثله ، لأجل المبالغة ، وذلك لكمال تلك الصفة في ذلك الأمر ، حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة إلى حيث يصح أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة ، نحو قولهم : (لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة (١٨٧).
ومنها : «الجد» (وهو : الهزل (١٨٨) الذي يراد به الجد) (١٨٩) كقوله :
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا |
|
فقل عد(١٩٠) عن ذا ، كيف أكلك للضب (١٩١) |
ومنها «الطباق» وهو : الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة ، وهو ضربان :
__________________
(١٨٥) ما بين القوسين ساقط من «ق».
(١٨٦) لمحمد بن إبراهيم الأسدي وقيل لجارية بن الحجاج ، أنظر ، الوشاح ٣ / ٢ ـ ١٣٣ وجامع الشواهد ٢ / ٢٩٤.
(١٨٧) السطران الأخيران مشوشان في نسخة «ش».
(١٨٨) كذا ، وكان في «ش» : الذل.
(١٨٩) ما بين القوسين ساقط من «خ» و «ق».
(١٩٠) كذا في «ش» وفي «خ» و «ق» : على «وعد» فعل من التعدي ، أي تجاوز عن ذا.
(١٩١) لأبي نؤاس الحسن بن هاني يفتخر بقحطان ويهجو بني تميم وأسد ، أنظر بقية الأبيات في الوشاح ٣ / ١٢٥ ولاحظ : جامع الشواهد ١ / ٩٣.
وطباق الإيجاب ، نحو : (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) (١٩٢).
وطباق السلب ، وهو : أن يجمع بين فعلي مصدر واحد ، أحدهما مثبت والآخر منفي ، نحو : (ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) (١٩٣).
ومنها : «التأكيد» أي تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو ضربان :
أحدهما : أن يستثني من صفة ذم منفية عن الشئ ، صفة مدح لذلك الشئ بتقدير دخولها فيها ، كقوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول عن قراع الكتائب (١٩٤) |
والثاني : أن يثبت لشئ صفة مدح ، ويذكر عقيب إثبات صفة المدح لذلك الشئ أداة (١٩٥) الاستثناء ، بعدها صفة مدح أخرى لذلك الشئ ، نحو : (أنا أفصح العرب ، بيد أني من قريش).
قال :
٩٤ ـ والعكس والرجوع ، والايهام |
|
واللف والنشر والاستخدام |
أقول :
من المحسنات المعنوية : العكس ، وهو : أن تقدم في الكلام جزءا ، ثم تعكس فتقدم ما أخرت وتؤخر ما قدمت ، نحو : عادات السادات ، سادات العادات.
__________________
(١٩٢) الآية ١٨ من سورة الكهف ١٨.
(١٩٣) الآية ٦ و ٧ من سورة الروم ٣٠.
(١٩٤) للنابغة الذبياني زياد بن معاوية في مدح عمرو الأعرج ، أنظر باقي الأبيات في الوشاح ٣ / ١١١ ، ولاحظ : جامع الشواهد ٣ / ١٩٩.
(١٩٥) كذا الظاهر ، وفي النسخ : إرادة.
ومنها : «الرجوع» وهو : العود إلى الكلام السابق بنقضه وإبطاله ، لنكتة ، كقوله :
قف بالديار التي لم يعفها القدم |
|
بلى ، وغيرها الأرواح والديم (١٩٦) |
والنكتة : إظهار التحير.
ومنها : «الايهام» وهو : أن يطلق لفظ له معنيان ، قريب وبعيد ، ويراد البعيد اعتمادا على قرينة خفية ، نحو قوله تعالى : (والسماء بنيناها بأيد) (١٩٧) أراد بـ (الأيد) معناها البعيد وهو القدرة.
ومنها : «اللف والنشر» وهو : ذكر متعدد ، ثم ذكر ما لكل واحد من آحاد هذا المتعدد من غير تعيين ، ثقة بأن السامع يرده إليه ، نحو : (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) (١٩٨).
ومنها «الاستخدام» وهو : أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما ، ثم يراد بضميره الآخر ، كقوله :
إذا نزل السماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا (١٩٩) |
أراد (بالسماء) الغيث ، وبضميره في (رعيناه) النبت.
أو يراد بأحد ضميرين أحد المعنيين ، ويراد بالضمير الآخر معناه الآخر ،
__________________
(١٩٦) لزهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان ، أنظر : الوشاح ٣ / ٣٨ وجامع الشواهد ٢ / ٢٩١.
(١٩٧) الآية ٤٧ من سورة الذاريات ٥١.
(١٩٨) الآية ٧٣ من سورة القصص ٢٨.
(١٩٩) هو لجرير بن عطية التميمي ، وقيل لغيره ، أنظر : الوشاح ٣ / ٤٤. وجامع الشواهد ١ / ٩٩.
كقوله :
فسقى الغضا والساكنيه وإن هم |
|
شبوه بين جوانحي وضلوعي (٢٠٠) |
أراد بأحد الضميرين ، وهو المجرور في (الساكنيه) : المكان الذي فيه شجرة الغضا ، وبالآخر ، وهو المنصوب في (شبوه) النار الحاصلة من شجرة الغضا.
قال :
٩٥ ـ والسوق والتوجيه والتوفيق |
|
والبحث والتعليل والتعليق |
أقول :
ومن المحسنات المعنوية : السوق ، أي : سوق المعلوم مساق غيره ، لنكتة ، كالتوبيخ ، كقولها :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف (٢٠١) |
ومنها : «التوجيه» ويسمى «محتمل الضدين» وهو : إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين ، كالمدح والذم ، كقول من قال لأعور : (ليت عينيه سواء) يحتمل صحة العين العوراء : فيكون دعاءا له ، والعكس : فيكون دعاءا عليه.
ومنها : «التوفيق» وهو : جمع أمرين فصاعدا ، متباينين لا بالتضاد ، نحو : (الشمس والقمر بحسبان) (٢٠٢).
ومنها : «البحث» والأظهر أن مراده به استيفاء أقسام الشئ الذي يطلق
__________________
(٢٠٠) هو للبحتري ، أنظر : جامع الشواهد ٢ / ١٦٩.
(٢٠١) هو من قول بنت طريف الخارجية واسمها ليلى أو فارعة وقيل غير ذلك شاعرة تجيد الرثاء ، أنظر الوشاح ٣ / ١٢٦ وجامع الشواهد ١ / ٢٨٣.
(٢٠٢) الآية ٥ من سورة الرحمن ٥٥.
عليه «التقسيم» كقوله تعالى : (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكرانا إناثا ، ويجعل من يشاء عقيما) (٢٠٣)
فإن الإنسان إما أن لا يكون له ولد ، أو يكون له ولد ذكر ، أو أنثى ، أو ذكر وأنثى ، وقد استوفى في الآية جميع الأقسام.
ومنها : «التعليل» المعروف بينهم ب «حسن التعليل» وهو : أن يدعي لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقي ، كقوله :
لم تحك نائلك السحاب وإنما |
|
حمت به فيصيبها الرخصاء (٢٠٤) |
ومنها : «التعليق» وهو تأكيد الحكم بما يشعر بالعلية ، نحو (العالم مستحق للإكرام) أي : من حيث أنه عالم.
__________________
(٢٠٣) الآية ٥٠ من سورة الشورى ٤٢.
(٢٠٤) للمتنبي ، أنظر : الوشاح ٣ / ٩٤ وجامع الشواهد ٢ / ٣٩٣.
خاتمة الفن الثالث
في السرقات الشعرية
وما يتصل بها مثل : الاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحل ، والتلميح (٢٠٥).
قال :
٩٦ ـ السرقات ظاهر فالنسخ |
|
يذم لا أن استطيب (٢٠٦) المسخ |
٩٧ ـ والسلخ مثله ، وغير ظاهر |
|
كوضع معنى في محل آخر |
أقول :
«السرقة» اتفاق قائل مع قائل آخر سابق عليه فيما جاز أن يدعى فيه السبق والزيادة بين القائلين.
فاتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم ـ كالوصف بالشجاعة والسخاء ـ لا يسمى سرقة ، وإن كان في وجه الدلالة كالتشبيه والمجاز والكناية ، وكذكر هيئة تدل على الصفة ، لاختصاصها بمن هي له ، كوصف الجواد بالتهلل عند ورود السائلين ، ووصف البخيل بالعبوس مع سعة ذات اليد ـ فإن اشترك الناس في معرفته لا يسمى سرقة.
(وإن لم يشترك ، فكان مما جاز فيه دعوى التفاضل ، فالاتفاق فيه مع سابق يسمى سرقة) (٢٠٧).
__________________
(٢٠٥) هذا السطر مذكور في «ش» قبل العنوان.
(٢٠٦) كذا في نسخنا ـ متنا وشرحا ـ وكان في المطبوعة بمصر : (أستطيع).
(٢٠٧) ما بين القوسين ساقط من «ق» وهو مشوش في «خ».
والسرقة ظاهر ، وغير ظاهر :
أما الظاهر ، فهو : أن يؤخذ المعنى كله مع اللفظ كله أو بعضه ، أو وحده : فإن أخذ مع اللفظ : كله ، من غير تغيير لنظمه (٢٠٨) فهو مذموم ، ويسمى «نسخا» ، وإليه أشار بقوله : (فالنسخ يذم).
وإن كان أخذ اللفظ كله مع تغيير النظم ، أو أخذ بعض اللفظ لا كله ، يسمى «مسخا» ، وهو إن كان أبلغ ، بواسطة حسن السبك أو غيره ، فممدوح ، وإلا فلا ، وإليه أشار بقوله : (إن استطيب (٢٠٩) المسخ).
وإن أخذ المعنى وحده ، يسمى «سلخا» وهو مثل المسخ ، أي : إن كان أبلغ من الأول فممدوح ، وإلا فلا.
مثال الأول : ما يحكى عن ابن زبير أنه فعل بقول معن بن أوس :
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته |
|
على طرف الهجران إن كان يعقل |
ويركب حد السيف من أن تضيمه |
|
إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل (٢١٠) |
فقد حكي أن عبد الله بن زبير دخل على معاوية فأنشده هذين البيتين ، فقال له معاوية : لقد شعرت بعدي يا أبا بكر! ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن ابن أوس المزني ، فأنشده قصيدته التي أولها :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل |
|
على أينا تغدو المنية أول (٢١١) |
حتى أتمها ، وفيها هذان البيتان ، فأقبل معاوية على عبد الله ، فقال :
__________________
(٢٠٨) كذا في «ش» وكان في «خ» : نظمه ، وفي «ق» : لنظم.
(٢٠٩) كذا وفي متن المصرية (أستطيع) كما أشرنا.
(٢١٠) ابن الزبير هو عبد الله بن الزبير ، ومعن من الشعراء المجيدين من المخضرمين ، أنظر أخباره في الوشاح ٣ / ١٩٢.
(٢١١) أنظر الشعر وما بعده في جامع الشواهد ٢ / ٣٧٥ ، ولاحظ : الوشاح ٣ / ١٩٢.
ألم تخبرني أنهما لك؟!.
فقال : اللفظ والمعنى له ، وبعد : فهو أخي من الرضاعة وأنا أحق بشعره.
ومثال المسخ الممدوح ، قول بشار :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته |
|
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج (٢١٢) |
أي : الشجاع القتال الحريص على القتل.
وقول سلم :
من راقب الناس مات هما |
|
وفاز باللذة الجسور (٢١٣) |
أي : الشديد الجرأة.
فبيت سلم أجود سبكا ، وأخصر لفظا.
ومثال السلخ : قول أبي تمام :
هو الصنع إن تعجل فخير وإن ترث |
|
فللريث في بعض المواضع أنفع (٢١٤) |
وقول أبي الطيب :
ومن الخير بطوء سيبك عني |
|
أسرع السحب في المسير الجهام (٢١٥) |
أي : السحاب الذي لا ماء فيه.
__________________
(٢١٢) هو لبشار بن برد ، أنظر : جامع الشواهد ٣ / ٤١ والوشاح ٣ / ١٩٩.
(٢١٣) هو لسلم الخاسر ، سمي خاسرا لأنه باع قرآنا واشترى بثمنه طنبورا.
أنظر : الوشاح ٣ / ٢٠٠ وجامع الشواهد ٣ / ٤١.
(٢١٤) لأبي تمام الطائي ، أنظر : جامع الشواهد ٣ / ٣٠٥.
(٢١٥) للمتنبي أبي الطيب من قصيدة يمدح بها الخراساني ، أنظر : الوشاح ٣ / ٢٠٧.
وأما غير الظاهر :
فمنه : أن ينقل المعنى إلى محل آخر ، كقول البحتري :
سلبوا ـ أي : ثيابهم ـ وأشرقت الدماء عليهم |
|
محمرة فكأنهم لم يسلبوا (٢١٦) |
لأن الدماء المشرقة كانت بمنزلة ثيابهم.
وقول أبي الطيب :
يبس النجيع عليه ـ أي : على السيف ـ وهو مجرد |
|
عن غمده فكأنما هو مغمد (٢١٧) |
لأن الدم اليابس بمنزلة الغمد له.
فنقل المعنى من القتل والجرح (إلى السيف) (٢١٨).
وإليه أشار بقوله : (كوضع معنى في محل آخر).
ومنه : أن يتشابه معنى البيت الأول ، ومعنى البيت الثاني ، كقول جرير :
فلا يمنعك من إرب لحالهم |
|
سواء ذو العمامة والخمار (٢١٩) |
يعني : إن الرجال منهم والنساء سواء في الضعف.
وقول أبي الطيب :
ومن في كفه منهم قناة |
|
كمن في كفه منهم خضاب (٢٢٠) |
__________________
(٢١٦) من قصيدة يمدح بها إسحاق بن إبراهيم ، أنظر الوشاح ٣ / ٢١٥ وجامع الشواهد ٢ / ٥٣.
(٢١٧) من قصيدة يمدح بها شجاع بن محمد الطائي ، أنظر : الوشاح ٣ / ٢١٦ وجامع الشواهد ٢ / ٥٤.
(٢١٨) ما بين القوسين من «ق» فقط.
(٢١٩) أنظر : جامع الشواهد ٢ / ٣١١ والوشاح ٣ / ٢١٥.
(٢٢٠) أنظر : جامع الشواهد ٢ / ٣١١ والوشاح ٣ / ٢١٥.
وإليه أشار بقوله في صدر البيت التالي : (أو يتشابهان).
ومنه : أن يكون المعنى الثاني أشمل من المعنى الأول ، كقول جرير :
إذا غضبت عليك بنو تميم |
|
وجدت الناس كلهم غضابا (٢٢١) |
لأنهم يقومون مقام كل الناس.
وقول أبي نؤاس :
ليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد (٢٢٢) |
فإنه يشمل الناس وغيرهم ، فهو أشمل من معنى بيت جرير ، وإليه أشار بقوله ـ في صدر البيت التالي ـ : (أو ذا أشمل).
قال :
٩٨ ـ أو يتشابهان أو ذا أشمل |
|
ومنه قلب واقتباس ينقل |
أقول : ومن غير الظاهر : «القلب» وهو : أن يكون معنى الثاني نقيض معنى الأول ، كقول الشاعر :
أجد الملامة في هواك لذيذة |
|
حبا لذكرك فليلمني اللوم (٢٢٣) |
وقول الآخر :
أأحبه وأحب فيه ملامة |
|
إن الملامة فيه من أعدائه (٢٢٤) |
__________________
(٢٢١) يخاطب امرأة ، أنظر : باقي الأبيات من القصيدة في الوشاح ٣ / ٢١٦ ، ولاحظ : جامع الشواهد ١ / ٧٦.
(٢٢٢) من أبيات كتبها للرشيد ، أنظر الوشاح ٣ / ٢١٧ وجامع الشواهد ١ / ٧٧.
(٢٢٣) الشاعر هو أبو الشيص محمد بن رزين أبو جعفر ، عم دعبل بن علي الخزاعي ، أنظر أخباره وشعره في الوشاح ٣ / ٢١٧ وجامع الشواهد ١ / ٣٢.
(٢٢٤) للمتنبي أبي الطيب قاله يمدح سيف الدولة الحمداني ، أنظر : الوشاح ٣ / ٢٢٠ وجامع الشواهد ١ / ٣٢.
وما يصدر من عدو المحبوب يكون مبغوضا ، وهذا نقيض معنى البيت الأول بهذا الاعتبار ، وإن كان إياه باعتبار آخر.
ومنه : «الاقتباس» وهو : أن يضمن الكلام ـ نظما أو نثرا ـ شيئا من القرآن أو الحديث ، على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه منه ، كما يقال ـ في أثناء الكلام ـ : قال الله تعالى كذا ، وقال النبي صلىاللهعليهوآله كذا ، ونحو ذلك ، فإنه لا يكون اقتباسا ، كقوله :
إن كنت أزمعت على هجرنا |
|
من غير ما جرم فصبر جميل |
وإن تبدلت بنا غيرنا |
|
فحسبنا الله ونعم الوكيل (٢٢٥) |
قال :
٩٩ ـ ومنه تضمين وتلميح وحل |
|
ومنه عقد والتأنق إن تسل (٢٢٦) |
١٠٠ ـ براعة استهلال انتقال |
|
حسن اختتام وانتهى المقال (٢٢٧) |
أقول :
ومن غير الظاهر : «التضمين» وهو : أن يضمن الشعر شيئا من شعر الغير ، بيتا كان أو ما فوقه ، أو مصراعا أو ما دونه ، مع التنبيه على أنه من شعر الغير ، إن لم يكن ذلك مشهورا ، كقوله :
على أني سأنشد عند بيعي |
|
أضاعوني وأي فتى أضاعوا (٢٢٨) |
__________________
(٢٢٥) لأبي القاسم الكاتبي ، أنظر : جامع الشواهد ١ / ٣٣٦ والوشاح ٣ / ٢٢٥.
(٢٢٦) علق في «خ» بقوله : يقال : سل سيفه من غمده ، أي : أخرجه ، منه سلمه الله تعالى وحفظه.
(٢٢٧) في المصرية :
براعة استهلال وانتقال |
|
حسن الختام منتهى المقال. |
(٢٢٨) هو للحريري صاحب المقامات ضمن صدر بيت العرجي عبد الله بن عمرو ، أنظر : جامع الشواهد ٢ / ٩٣ والوشاح ٣ / ٢٣٦ و ٢٤٠.
والمصراع الثاني للعرجي ، وتمامه : ليوم كريهة وسداد ثغر.
ومنه : «التلميح» وهو : أن يشير في فحوى (٢٢٩) الكلام إلى قصة أو شعر أو مثل ، من غير ذكره ، كقوله :
فوالله ما أدري أأحلام نائم |
|
ألمت بنا أم كان في الركب يوشع (٢٣٠) |
(وصف الشاعر لحوقه بالأحبة المرتحلين ، وطلوع شمس وجه الحبيب من جانب العشاء (٢٣١) في ظلمة الليل ، ثم استعظم ذلك واستغربه وتجاهله. تحيرا ، وقال : أهذا حلم أراه في النوم ، أم كان فيما بين الركب يوشع عليهالسلام) (٢٣٢) فرد الشمس؟! فأشار إلى قصة يوشع عليهالسلام على ما روي من أنه قاتل الجبارين ، في يوم الجمعة ، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت ، فلا يحل له قتالهم فيه ، فدعا الله ، فرد الشمس ، حتى فرغ من قتالهم.
ومنه : «الحل» فهو : أن ينثر نظم (٢٣٣) وإنما يكون مقبولا إذا كان سبكه لا يتقاصر عن سبك النظم ، كقول بعض : (فإنه لما أقبحت (٢٣٤) فعلاته ، وحنظلت
__________________
(٢٢٩) في «ق» : محتوى.
(٢٣٠) لأبي تمام الطائي من قصيدة يمدح بها أبا سعيد الثغري ، أنظرها في الوشاح ٣ / ٢٥١.
وإلى هنا ينتهي أصل نسخة «ق» وقد أكملها مالكها عماد المحققين من نسخة أخرى كما أشرنا في التقديم.
(٢٣١) في «خ» : الغشاء.
(٢٣٢) ما بين القوسين لم يورده مكمل نسخة «ق».
(٢٣٣) كذا في النسخ ، والأنسب : ينثر نظما ، فلاحظ.
(٢٣٤) في «ش» : قبحت.
نخلاته ، لم يزل سوء الظن يقتاده ، ويصدق توهمه الذي يعتاده) حل قول أبي الطيب :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه |
|
وصدق ما يعتاده من توهم (٢٣٥) |
ومنه : «العقد» وهو : أن ينظم النثر على طريق الاقتباس ، كقوله :
ما بال من أوله نطفة |
|
وجيفة آخره يفخر (٢٣٦) |
عقد قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «ما لابن آدم والفخر (٢٣٧)؟! وإنما أوله نطفة ، وآخره جيفة».
واعلم أن بعضهم عد الاقتباس والتضمين والتلميح (٢٣٨) والحل والعقد ، مما يتصل بالسرقات الشعرية ، والراجز عدها منها ، مع الإشارة إلى الاعتبار الأول في قوله : (السرقات الشعرية وما يتصل بها) تصحيحا لكلا الاعتبارين.
قوله : (والتانق إن تسل) أي : إن تخرج من بين الآنق وغير الآنق ، والآنق : الأحسن ، وتتبعه.
والمراد بالآنق الأحسن : أن يكون أعذب لفظا ، وأحسن سبكا ، ويصح معنى ، وينبغي ذلك في ثلاثة مواضع :
الأول : الابتداء ، لأنه أول ما يقرع السمع ، فإن كان آنقا أقبل السامع عليه ، وإلا فلا.
ومن التأنق في الابتداء : «براعة الاستهلال» المشار إليه بقول الراجز وهو : كون الابتداء مناسبا للمقصود ، كقول أبي محمد الخازن :
__________________
(٢٣٥) من قميدة يمدح بها كافورا الأخشيدي ، أنظر : جامع الشواهد ١ / ٧٢ ـ ٧٣ والوشاح ٣ / ٢٤٨
(٢٣٦) لأبي العتاهية إسماعيل بن القاسم ، أنظر : جامع الشواهد ٣ / ٨ والوشاح ٣ / ٢٤٧.
(٢٣٧) في «ش» : يفخر.
(٢٣٨) كلمة «التلميح» وردت في «ق» فقط ، ولم يرد فيها : «العقد».
بشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا |
|
وكوكب المجد في أفق العلى صعدا (٢٣٩) |
في مطلع قصيدة يهنئ بها الصاحب بولد بنت (٢٤٠).
والثاني «التخلص» والمراد به (الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود المشار إليه بقول الراجز) (٢٤١) : (انتقال) أي : الانتقال من الابتداء ، فإن تأنق فيه ، وروعيت المناسبة ، أقبل السامع إلى إصغاء ما بعده ، وإلا فلا ، كقوله :
يقول في قومس قومي وقد أخذت |
|
منا السرى وخطى المهرية القود |
أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا |
|
فقلت : كلا ، ولكن مطلع الجود (٢٤٢) |
والثالث : «الاختتام» المشار إليه بقول الراجز : (حسن اختتام) لأنه آخر ما يعيه (٢٤٣) السمع ، ويرتسم في النفس ، فإن كان حسنا تلقاه السمع ، واستلذه ، وجبر ما وقع فيما سبقه من التقصير ، وإلا كان الأمر على العكس ، حتى ربما أنساه المحاسن الموردة فيما سبق ، كقوله :
وإني جدير ـ إذ بلغتك ـ بالمنى |
|
وأنت بما أملت منك جدير |
فإن تولني منك الجميل فأهله |
|
وإلا فإني عاذر وشكور (٢٤٤) |
__________________
(٢٣٩) الخازن أحد شعراء الصاحب بن عباد الوزير يهنئه في هذا الشعر بميلاد سبطه أبي الحسن عباد ، أنظر الشعر في الوشاح ، كذا لك ترجمة الشاعر في ٣ / ١ ـ ٢٤٢ وجامع الشواهد ١ / ٣٠٤.
(٢٤٠) في «ش» : لابنته.
(٢٤١) ما بين القوسين في «ق» فقط.
(٢٤٢) هما لأبي تمام ، في قصة ذكرها في الوشاح ٣ / ٢٦٧. أنظر : جامع الشواهد ٣ / ٣٧٣.
(٢٤٣) كذا الظاهر ، وفي «ش» يعنيه ، وفي «خ» و «ق» : يعيد.
(٢٤٤) من قصيدة لأبي نؤاس يمدح بها صاحب الخراج بمصر. أنظرها في الوشاح ٣ / ٢٧١ وجامع الشواهد ٣ / ١١٨.
وانتهى المقال ، والحمد لله على كل حال.
قد فرغ من تأليف «إنجاح المطالب في الفوز بالمآرب» أقل عباد الله وأذل خلق الله محمد بن رضا القمي ، بلغهما الله إلى آمالهما (٢٤٥).
يوم السبت ، التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك ، سنة ألف وأربع وسبعين مضين من الهجرة النبوية ، في مشهد ثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه التحية والثناء ، وعلى الله التوكل ومنه الاستعانة في كل الأمور (٢٤٦).
__________________
(٢٤٥) في «خ» إلى مالهما.
(٢٤٦) وقد وفقني الله لإتمام تحقيقه في مشهد الإمام الرضا عليهالسلام ، في شهر رمضان المبارك من سنة ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة المقدسة.
والحمد لله أو لا وآخرا
|
وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي |