تراثنا ـ العدد [ 25 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 25 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

القاطع بعض غلمانه.

وإلى الوجهين الأخيرين أشار بقوله : (والسهو والتجوز المباح) في البيت التالي :

قال :

٣١ ـ والسهو والتجوز المباح

ثم بيانه فللإيضاح

أقول :

تعقيب المسند إليه بعطف البيان يكون لإيضاحه باسم مختص به ، نحو : (قدم صديقك خالد).

ولا يلزم كون الثاني أوضح ; لجواز أن يحصل الايضاح من اجتماعها.

وقد يكون ـ أيضا ـ للمدح ، كما ذكر صاحب الكشاف إن : (البيت الحرام) في قوله تعالى : (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) (٥٦) عطف بيان ، جئ به للمدح.

وقوله في البيت التالي : (باسم به يختص) من تتمة هذا البحث.

قال :

٣٢ ـ باسم به يختص ، والأبدال

يزيد تقريرا لما يقال

أقول :

إيراد البدل من المسند إليه يزيد تقريرا لما يقال ، أي للمسند إليه ، نحو : (جاء أخوك زيد) حصل التقرير بالتكرير.

قال :

٣٣ ـ والعطف تفصيل (٥٧) مع اقتراب

أو رد سامع إلى الصواب

__________________

(٥٦) الآية ٩٧ من سورة المائدة ٥.

(٥٧) في «خ» : تفسير.

١٨١

أقول :

عطف شئ على المسند إليه يكون :

لتفصيل المسند إليه ، مع اقتراب ، أي اختصار ، نحو (جاء زيد وعمرو) فإن فيه تفصيلا للفاعل من غير دلالة على تفصيل الفعل ، إذ «الواو» إنما هي للجمع المطلق ، من غير تعرض لتقدم أو تأخر أو معية.

وقوله : (مع اقتراب) ، احتراز عن نحو : (جاءني زيد وجاءني عمرو) فإن فيه تفصيلا مع أنه ليس من عطف المسند إليه ، بل هو من عطف الجملة.

ويكون لتفصيل المسند ، بأنه حصل من أحد المذكورين أولا ، ومن الآخر بعده متراخيا ، أو غير متراخ ، مع اقتراب أيضا ـ واحترز به عن نحو : (جاءني زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة) ـ نحو : (جاءني زيد فعمرو) لتفصيل المسند مع عدم التراخي ، و: (جاءني زيد ثم عمرو) لتفصيل المسند مع التراخي.

وقد يكون لرد السامع من الخطأ في الحكم إلى الصواب فيه ، نحو : (جاء زيد لا عمرو) لمن اعتقد أنهما جاءاك معا.

قال :

٣٤ ـ والفصل للتخصيص ، والتقديم

فلإهتمام يحصل (٥٨) التقسيم

٣٥ ـ كالأصل ، والتمكين والتفال

وقد يفيد الاختصاص إن ولي

٣٦ ـ نفيا وقد على خلاف الظاهر

يأتي ، كأولي والتفات دائر

أقول :

تعقيب المسند إليه بضمير الفصل لتخصيص المسند إليه بالمسند ، أي : لقصر

__________________

(٥٨) كذا في مطبوعة المتن ، لكن كان في النسخ «حاصل» بدل يحصل ، ولعل الأفضل : حصل.

١٨٢

المسند (٥٩) عليه ، نحو (زيد هو القائم) معناه : القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو ـ مثلا ـ.

وإلى هذا أشار بقوله : والفصل للتخصيص.

وتقديم المسند إليه على المسند لكون ذكره أهم ، والأهم يقدم ، وتلك الأهمية : إما أن تكون ناشئة عن كون تقديمه الأصل ; لأنه المحكوم عليه في حالة لا يكون شئ مقتضيا للعدول عنه ، فحينئذ يصير تقديمه أهم ، نحو (زيد قائم).

وإنما قلنا : لا يكون شئ مقتضيا للعدول عنه؟.

لأنه لو كان ـ كما في الجملة الفعلية ، فإن كون المسند هو العامل يقتضي العدول عن تقديم المسند إليه ـ لم يكن تقديمه أهم ، فلا يقدم.

أو تكون الأهمية ناشئة عن إرادة تمكين الخبر في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقا إلى الخبر ، ومعلوم أن حصول الشئ بعد الشوق ألذ وأوقع في النفس ، كقول أبي العلاء المعري :

والذي حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد (٦٠)

أو تكون الأهمية ناشئة من إرادة التفاؤل بما صدر به الكلام ، إذا كان المسند إليه مما يتأتى فيه ذلك ، نحو : سعد في دارك.

__________________

(٥٩) في «ق» : المسند إليه عليه.

(٦٠) قبله :

بأن أمر الإله واختلف الناس

فداع إلى الضلال وهاد

واسم الشاعر أحمد بن عبد الله التنوخي ، يرثي بالقصيدة بعض العلماء ومطلعها :

غير مجد في ملتي واعتقادي

نوح باك ولا ترنم شاد

أنظر : الوشاح ١ / ١٥٥ وجامع الشواهد ١ / ٢٩٧.

١٨٣

إلى غير ذلك من الاعتبارات.

وإلى ما ذكرنا مفصلا أشار الراجز مجملا بقوله : (والتقديم ـ أي : تقديم المسند إليه ـ فلإهتمام يحصل التقسيم) أي : يكون لاهتمام حاصل من التقسيم (٦١) بأن التقديم إما لأنه الأصل ولا مقتضي للعدول عنه ، أو لتمكين الخبر في ذهن السامع ، أو للتفاؤل ، أو لغير ذلك.

قوله : (وقد يفيد الاختصاص إن ولي نفيا) إشارة إلى أنه قد يفيد تقديم المسند إليه ـ بشرط أن يكون المسند إليه واقعا بعد حرف نفي ، والخبر جملة فعلية ـ لتخصيصه بالمسند (٦٢) ، أي : قصر المسند عليه ، نحو : (ما أنا قلت هذا) معناه : عدم قول هذا مقصور علي ، لا يتجاوز عني إلى غيري ، ولذا يلزم أن يكون غيره قائلا لهذا.

هذا كله إذا خرج الكلام على وفق مقتضى الظاهر من الحال.

وقد يخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر من الحال ، لاقتضاء الحال إياه ، وإليه أشار بقوله : (وقد على خلاف الظاهر يأتي ، كأولى والتفات دائر) يعني :

قد يأتي الكلام على خلاف مقتضى الظاهر من الحال ; لاقتضاء الحال إياه ، وذلك كالأولى ، والالتفات الدائر على ألسنة أرباب هذا الفن.

أما قوله : (كأولى) فإشارة إلى أنه قد يتلقى المخاطب بغير ما يترقب ; بسبب حمل كلامه على خلاف مراده ; تنبيها على أن ذلك الغير هو الأولى بالقصد والإرادة ; كقول القبعثرى للحجاج ـ وقد قال الحجاج له متوعدا إياه : (لأحملنك على الأدهم) أراد الحجاج القيد ـ : (مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب) فأبرز وعيد الحجاج في معرض الوعد ، وتلقاه بغير ما يترقب ; بأن حمل «الأدهم» في كلامه على الفرس الأدهم ـ أي : الذي غلب سواده حتى ذهب البياض فيه ـ وضم

__________________

(٦١) ما بين القوسين لم يرد في «خ» ولا «ق».

(٦٢) كذا في «ق» وفي غيره : المسند.

١٨٤

إليه «الأشهب» أي : الذي غلب بياضه حتى ذهب ما فيه من السواد ـ ، ومراد الحجاج إنما هو القيد ، فنبه على أن الحمل على الفرس هو الأولى بأن يقصده.

وقوله : (والتفات دائر) إشارة إلى ما يسميه علماء المعاني «التفاتا» وهو : التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة ، التي هي التكلم والخطاب والغيبة ، بعد (التعبير عن ذلك المعنى بطريق آخر منها ، بشرط أن يكون التعبير) (٦٣) الثاني على خلاف مقتضى الظاهر ، ويكون مقتضى ظاهر سوق الكلام أن يعبر بغير هذا الطريق

وذلك يكون في كل من التكلم والخطاب والغيبة ، أي كل منها ينقل إلى الآخرين (٦٤) فتصير الأقسام ستة ، حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين :

مثال الانتقال من التكلم إلى الخطاب : (ما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) (٦٥) مكان : أرجع.

وإلى الغيبة : (إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك) (٦٦) مكان : لنا.

ومن الخطاب إلى التكلم ، قول الشاعر :

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب (٦٧)

__________________

(٦٣) ما بين القوسين لم يرد في «ق».

(٦٤) كذا في «خ» وكان في «ش» و «ق» : كل منهما ينقل إلى الأخيرين.

(٦٥) الآية ٢٢ من سورة يس ٣٦.

(٦٦) الآية ٢ من سورة الكوثر ١٠٨.

(٦٧) كتب في هامش «ق» على كلمة «مشيب» قوله : أي زمان قرب الشيب وإقباله على الهجوم.

١٨٥

يكلفني ـ مكان : يكلفك ـ ليلى وقد شط وليها

وعادت عواد بيننا وخطوب (٦٨)

وإلى الغيبة : (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) (*) مكان : بكم.

ومن الغيبة إلى التكلم : (الله الذي أرسل الرياح ، فتثير سحابا ، فسقناه) (٦٩) مكان : ساقة.

وإلى الخطاب : (مالك يوم الدين إياك نعبد) (٧٠) مكان : إياه.

ووجه حسن الالتفات أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب ، كان أحسن تطرية لنشاط السامع ، وأكثر إيقاظا للإصغاء إلى ذلك الكلام.

الباب الثالث

أحوال المسند

قال :

٣٧ ـ لما مضى الترك مع القرينة

والذكر أن يفيدنا تعيينه

أقول :

ترك المسند مع القرينة الدالة عليه يكون لقصد الاحراز عن العبث ، __________________

(٦٨) هو لعلقمة الفحل بن عبدة التميمي ، يمدح بها الحارث بن جبلة ، وهو من المخضرمين.

أنظر القصيدة وأخبار الشاعر في الوشاح ١ / ١٩٠ ولاحظ جامع الشواهد ٢ / ٧٥.

(*) من الآية ٢٢ من سورة يونس ١٠.

(٦٩) الآية ٩ من سورة فاطر ٣٥.

(٧٠) الآية ٤ و ٥ من سورة الحمد ١.

١٨٦

والاختصار ، وغير ذلك من الاعتبارات التي سبق اعتبارها في المسند إليه.

وإنما قال في المسند إليه : «حذفه» وفي المسند : «تركه» رعاية للطيفة وهي : أن المسند إليه أقوى ركن في الكلام وأعظمه ، والاحتياج إليه فوق الاحتياج إلى المسند ، فحيث لم يذكر في الكلام لفظا فكأنه أتي به لفرط الاحتياج إليه ، ثم أسقط لغرض ، بخلاف المسند ; فإنه ليس بهذه المثابة في الاحتياج ، فيجوز أن يترك ولا يؤتى به لغرض ، وذلك نحو قول ضابئ بن الحارث البرجمي :

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيار بها لغريب (٧١)

فإن ياء المتكلم اسمه ، ولغريب خبره ، وقيار مسند إليه ، والمسند محذوف للاختصار والاحتراز عن العبث ، حيث تعين بالقرينة (٧٢) ، فذكره عبث.

وقوله : والذكر أن يفيدنا تعيينه ، يعني : أن ذكر المسند لأن يفيد الذكر تعيين المسند (٧٣) فعلا ، فيفيد التجدد ، أو اسما : فيفيد الثبوت ، كما أشار إليه فيما بعد.

قال :

٣٨ ـ وكونه فعلا فللتقيد

بالوقت مع إفادة التجدد

٣٩ ـ واسما فلانعدام ذا ومفردا

لأن نفس الحكم فيه قصدا

أقول :

كون المسند فعلا يكون لتقييده بالوقت ، أي : بأحد الأزمنة الثلاثة التي هي الماضي والمستقبل والحال ، على أخصر وجه ، بخلاف الاسم نحو : (زيد قائم أمس

__________________

(٧١) قاله الشاعر في السجن وقد حبسه عثمان بن عفان الأموي ، أنظر قصته في الوشاح ١ / ٢٠٣ ، ولاحظ جامع الشواهد ٢ / ٢٣٤.

(٧٢) كذا في «ق» وهو الصحيح ، وكان في «ش» و «خ» : بلا قرينة.

(٧٣) كلمة المسند وردت في «ش» فقط.

١٨٧

أو الآن أو غدا) فإنه يحتاج إلى انضمام قرينة ، وأما الفعل فأحد الأزمنة جزء مفهومه ، فهو بصيغته يدل عليه.

مع إفادة التجدد ، الذي من لوازم الزمان ، الذي هو جزء من مفهوم الفعل ، وتجدد الجزء وحدوثه يقتضي تجدد الكل وحدوثه ، وظاهر أن الزمان غير قار الذات لا تجتمع أجزاؤه (٧٤) بعضها مع بعض ، كقول طريف بن تميم :

أو كلما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إلي عريفهم يتوسم (٧٥)

أي : يتفرس الوجوه ويتأملها ، يحدث منه ذلك التوسم شيئا فشيئا ، ويصدر منه النظر لحظة فلحظة.

وكون (٧٦) المسند اسما فلانعدام ذا ، أي التقييد المذكور وإفادة التجدد ، بل لإفادة الثبوت والدوام ، لأغراض تتعلق بذلك ، كالمدح والذم وما أشبه ذلك مما يناسبه الدوام والثبات (٧٧) ، كقوله :

لا يألف الدرهم المضروب صرتنا

لكن يمر عليها وهو منطلق (٧٨)

يعني : إن الانطلاق ثابت له دائم ، من غير اعتبار تجدد.

وكون المسند مفردا لكون نفس الحكم فيه مقصودا من غير اعتبار تقوي

__________________

(٧٤) كذا في «ش» وكان في «ق» : أجزاؤها ، وفي «خ» : أجزاء.

(٧٥) كان الشاعر لا يتقنع لما يحضر أسواق الأدب في الجاهلية كسوق عكاظ ، فجاءه من يتفرس وجهه ، فقال ذلك. أنظر : الوشاح ١ / ٢١٧ وجامع الشواهد ١ / ٢٧٥.

(٧٦) كذا في «ق» وفي غيره : يكون.

(٧٧) في «خ» : الثبوت.

(٧٨) قائلة النضر أو جؤية ، وقد تمثل حاتم الطائي بأبياته هذه ، فانظر القصة في الوشاح ١ / ٢١٩ وجامع الشواهد ٢ / ٣٥٨.

١٨٨

الحكم (أو كون المسند سببيا (٧٩).

لأنه لو كان المراد تقوي الحكم) (٨٠) يؤتى فيه بالجملة الفعلية ، نحو : (زيد ضرب) حيث جعل (٨١) التقوي بتكرر الإسناد.

وإن كان المراد كونه سببيا يؤتى فيه بالجملة ، نحو : (زيد انطلق أبوه ، أو أبوه منطلق).

وإلى هذا أشار بقوله : (لأن نفس الحكم فيه قصدا).

قال :

٤٠ ـ والفعل بالمفعول إن تقيدا

ونحوه فليفيد أزيدا

أقول :

تقييد الفعل ونحوه ، من اسم الفاعل والمفعول وغير ذلك ، بمفعول مطلق ، أو به ، أو فيه ، أو له ، أو معه ، ونحوه : من الحال ، والتمييز ، والاستثناء ، فليفيد أزيد مما أفاده : بدون التقييد ، وذلك الازدياد يوجب الغرابة الموجبة لقوة فائدة الكلام.

وقوله : (ونحوه) إما بالرفع عطف (٨٢) على قوله : «والفعل» ، أو بالجر عطف (٨٣) على قوله : «بالمفعول».

وترك التقييد يكون لمانع من إفادة الأزيد ، كعدم العلم بالمقيدات ، أو عدم

__________________

(٧٩) علق في «خ» هنا بما نصه : والمراد بالمسند السببي جملة علقت على مبتدإ بضمير لا يكون ذلك الضمير في تلك الجملة مسندا إليه كالجملة التي وقعت مسندا في قولك : (زيد أبوه منطلق) منه سلمه الله تعالى.

(٨٠) ما بين القوسين لم يرد في «ش».

(٨١) في بعض النسخ : حصل.

(٨٢) و (٨٣) في «ق» : «عطفا» في الموضعين.

١٨٩

الاحتياج إليها أو خوف انقضاء الفرصة ، أو عدم إرادة أن يطلع السامع أو غيره من الحاضرين على زمان الفعل أو مكانه ، ويشير إليه بصدر البيت التالي :

قال :

٤١ ـ وتركه لمانع منه ، وإن

بالشرط لاعتبار ما يجئ من

٤٢ ـ أداته والجزم أصل في إذا

ـ لا إن ـ ولو ولا كذاك منع ذا

أقول :

تقييد الفعل بالشرط ، نحو : (أكرمك إن تكرمني ، وإن تكرمني أكرمك) يكون لاعتبارات وحالات تستفاد من التقييد بأدوات الشرط ، وقد فضل ذلك في النحو ، ولكن لا بد من النظر هنا في بعض مباحثها ، المتعلقة «بأن ، وإذا ، ولو» المهملة في علم النحو.

فنقول : «إن وإذا» مشتركان في أنهما للشرط في الاستقبال ، وعدم الجزم بلا وقوع الشرط فيهما ، لكن يفترقان بأن أصل «إن» عدم الجزم بوقوع الشرط في اعتقاد المتكلم ، وأصل «إذا» الجزم بوقوعه في اعتقاده.

و «لو» للشرط في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط ، فيلزم انتفاء الجزاء ، كما تقول : (لو جئتني لأكرمتك) ، معلقا الاكرام بالمجئ مع القطع بانتفائه ، فيلزم انتفاء الاكرام.

فقوله : «ولو» عطف على قوله : «إذا» يعني : إن الجزم أصل في «إذا ولو» إلا أن بينهما فرقا من جهة أن الأصل في «إذا» الجزم بالوقوع ، وفي «لو» بالامتناع.

وقوله : (ولا كذاك منع ذا) إشارة إلى ما ذكرنا من أنه لا فرق بين «إن وإذا» في أن عدم وقوع الشرط فيهما غير مقطوع.

وقوله : (والجزم أصل ...) إلى آخره ، إشارة إلى أنه قد يأتي على خلاف ذلك

١٩٠

لنكتة ، كإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل.

قال :

٤٣ ـ والوصف والتعريف والتأخير

وعكسه يعرف والتنكير

أقول :

نكتة التعريف والتأخير وعكسه ـ أي : التقديم ـ والتنكير ، تعرف مما ذكر في أحوال المسند إليه :

فتعريفه للإشارة إلى معين ، نحو : (زيد القائم).

وتنكيره لقصد الأفراد ، نحو : (زيد إنسان).

وتأخيره : لأنه الأصل ولا مقتضي للعدول عنه.

وتقديمه إذا كان أهم.

الباب الرابع

أحوال متعلقات الفعل

قال :

٤٤ ـ ثم مع المفعول حال الفعل

كحاله مع فاعل من أجل

٤٥ ـ تلبس ، لا كون ذاك قد جرى

وإن يرد إن لم يكن قد ذكرا

٤٦ ـ النفي مطلقا أو الأثبات له

فذاك مثل لازم في المنزلة

أقول :

وليعلم أن كثيرا من الاعتبارات السابقة يجري في متعلقات الفعل ، لكن عقد هذا الباب لتفصيل بعض من ذلك ، لاختصاصه بمزيد بحث عنه.

١٩١

ولا بد لذلك من تقديم مقدمة وهي ما أشار إليه بقوله : (ثم مع المفعول ...).

إلى آخره ، يعني : إن حال الفعل مع المفعول كحاله مع الفاعل ، من أجل أن الغرض من ذكره معه تلبس ، أي : إفادة تلبس الفعل بالفاعل (لا كون ذاك قد جرى) أي : لا كون الفعل واقعا مطلقا من غير اعتبار تعلقه بالفاعل أو المفعول ، أي : إفادة وقوعه في نفسه من غير إرادة أن يعلم ممن وقع أو على من وقع ، إذ لو أريد ذلك لقيل : (وقع الضرب ، أو وجد ، أو ثبت) من غير ذكر الفاعل أو المفعول ; لكونه عبثا.

ثم أشار بقوله : (وإن يرد ...) إلى آخره ، إلى أنه إذا لم يذكر المفعول به مع الفعل المسند إلى فاعله ، فالغرض :

إن كان إثبات الفعل للفاعل أو نفيه عنه ، من غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه ، نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم ، ولم يقدر له مفعول ، لأن المقدر كالمذكور في أن السامع يفهم منه أن الغرض الأخبار بوقوع الفعل عن الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه.

وإن كان الغرض تعلقه بمن وقع عليه ، لزم تقدير المفعول بحسب القرائن ، والحذف ـ حينئذ ـ يكون لنكتة.

وإلى القسم الأول أشار بقوله : (وإن يرد) يعني : إن أريد النفي والإثبات له ، أي للفاعل ، من غير اعتبار تعلقه بالمفعول ، فذاك الفعل مثل لازم ـ أي : فعل لازم ـ في المنزلة ، من غير تقدير المفعول له ، وذلك نحو قوله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (٨٤) والمعنى ـ والله أعلم ـ : لا يستوي

__________________

(٨٤) الآية ٩ من سورة الزمر ٣٩.

١٩٢

الذين وجد لهم حقيقة العلم والذين لم توجد لهم تلك الحقيقة.

وإلى القسم (٨٥) الثاني أشار بقوله في صدر البيت التالي أعني قوله : (من غير تقدير وإلا لزما) أي : إن لم يرد الإثبات والنفي بدون التعلق بالمفعول ، بل اعتبر تعلقه به ، لزم تقدير المفعول.

قال :

٤٧ ـ من غير تقدير وإلا لزما

والحذف للبيان فيما أبهما

٤٨ ـ أو لمجيئ الذكر أو لرد

توهم السامع غير القصد

٤٩ ـ أو هو للتعميم أو للفاصله

أو هو لاستهجانك المقابلة

أقول :

حذف المفعول يكون :

للبيان بعد الإبهام ، نحو : (لو شاء لهداكم أجمعين) (٨٦) والمعنى : لو شاء هدايتكم ، فإنه لما قيل : «لو شاء» علم السامع أن هناك شيئا علقت المشيئة عليه ، لكنه مبهم ، فإذا جئ بجواب الشرط صار مبينا ، فصار أوقع في النفس.

وقد يكون لمجئ الذكر ، أي ذكر المفعول بعده ، على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه ، لا على الضمير العائد إليه ، إظهارا لكمال العناية بوقوعه عليه ، حتى كأنه لا يرضى أن يوقعه على ضميره ، وإن كان كناية عنه ، كقوله :

قد طلبنا ، فلم نجد لك في السؤدد

والمجد والمكارم ، مثلا (٨٧)

__________________

(٨٥) كلمة القسم في ش فقط.

(٨٦) الآية ٩ من سورة النحل ١٦.

(٨٧) هو للبحتري أبي عبادة من قصيدة يمدح بها المعتز بالله أوردها في الوشاح ١ / ٢٨٦ وانظر : جامع الشواهد ٢ / ٢٧٨ مطلعها :

١٩٣

أي : قد طلبنا لك مثلا ، إذ لو ذكره لكان المناسب : فلم نجده ، فيفوت الغرض ، أعني : إيقاع عدم الوجدان على صريح لفظ (المثل).

وقد يكون لدفع توهم إرادة غير المراد ، ابتداء ، كقوله :

وكم ذدت عني من تحمل (٨٨) حادث

وسورة أيام حززن إلى العظم (٨٩)

أي قطعن اللحم إلى العظم ، فحذف المفعول ; إذ لو ذكر اللحم لربما توهم ـ قبل ذكر ما بعده ، أي : ما بعد اللحم ، أعني «إلى العظم» ـ أن القطع لم ينته (٩٠) إلى العظم ، وإنما كان في بعض اللحم.

وقد يكون للتعميم في المفعول ، مع الاختصار ، نحو قوله تعالى : (والله يدعو إلى دار السلام) (٩١) أي : جميع عباده ، وهذا التعميم ، وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم ، لكن يفوت الاختصار.

وقد يكون لرعاية الفاصلة ، نحو قوله : (والضحى ، والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى) (٩٢) أي : ما قلاك.



وقد يكون لاستهجان ذكره ، كقول عائشة : ما رأيت منه ـ أي : من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما رأى مني ، أي : العورة ، وإليه أشار بقوله (أو لاستهجانك المقابلة) أي : المقابلة بذكر مفعولي الفعلين أعني : رأيت ، ورأى.

__________________

إن سير الخليط حين استتلا

كان عونا للدمع لما استهلا

 (٨٨) في خ : تحامل.

(٨٩) هو للبحتري من قصيدة ، يمدح بها أبا الصقر إسماعيل بن بلبل الشيباني ، مطلعها :

أعن سفه يوم الأبيرق أم حلم

وقوف بربع أو بكاء على رسم

أوردها في الوشاح ١ / ٢٧٣ ، وانظر : جامع الشواهد ٣ / ١٥٨.

(٩٠) في ق لم يسر.

(٩١) الآية ٢٥ من سورة يونس ١٠.

(٩٢) الآية ٣ من سورة الضحى ٩٣.

١٩٤

قال :

٥٠ ـ وقدم المفعول أو شبيهه

ردا على من لم يصب تعيينه

أقول :

تقديم المفعول ونحوه ـ من الجار والمجرور ، والظرف ، والحال ، ونحو ذلك ـ على الفعل ، لرد الخطأ في التعيين ، كقولك : (زيدا عرفت) لمن اعتقد أنك عرفت إنسانا ، وأصاب في ذلك ، واعتقد أنه غير زيد ، وأخطأ فيه.

قال :

٥١ ـ وبعض معمول على بعض كما

إذا اهتمام أو لأصل علما

أقول :

تقديم بعض معمولات الفعل على بعض :

إما لأنه أهم ، نحو : (قتل الخارجي فلان) الأهم في تعلق القتل هو الخارجي المقتول ليتخلص الناس من شره.

أو لأن تقديمه الأصل ولا مقتضي للعدول عنه ، نحو : أعطيت زيدا درهما ، فإن المفعول الأول فيه أصله التقديم ; لما فيه من معنى الفاعلية ، وهو أنه عاط ، أي آخذ للعطاء.

الباب الخامس

باب القصر

قال :

٥٢ ـ القصر نوعان حقيقي وذا

ضربان والثاني إضافي كذا (٩٣)

__________________

(٩٣) كذا في المصرية ، وفي سائر النسخ : الإضافي.

١٩٥

٥٣ ـ كقصرك الوصف (٩٤) على الموصوف

وعكسه من نوعه المعروف

أقول :

القصر في اللغة : الحبس ، وفي الاصطلاح : تخصيص شئ بشئ (بطريق مخصوص.

وهو حقيقي وإضافي ، لأن تخصيص شئ بشئ) (٩٥) :

إما أن يكون بحسب الحقيقة ، بأن لا يتجاوزه إلى غيره أصلا ، وهو الحقيقي.

أو بحسب الإضافة إلى شئ آخر بأن لا يتجاوزه إلى ذلك الشئ وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شئ آخر في الجملة ، وهو [ال] إضافي.

وكل منهما نوعان :

قصر الموصوف على الصفة ، وهو أن لا يتجاوز الموصوف من تلك الصفة إلى صفة أخرى ، لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر.

وقصر الصفة على الموصوف ، وهو : أن لا تتجاوز الصفة عن ذلك الموصوف إلى موصوف آخر ، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر.

وقوله : (من نوعه المعروف) إشارة إلى قصر الموصوف على الصفة.

قال :

٥٤ ـ طرقه النفي والاستثنا هما

والعطف والتقديم ثم إنما

٥٥ ـ دلالة التقديم بالفحوى وما

عداه بالوضع وأيضا مثلما

٥٦ ـ القصر بين خبر ومبتدأ

يكون بين فاعل وما بدا

__________________

(٩٤) كذا في النسخ ، لكن في المصرية : فقصر صفة ، بدل (كقصرك الوصف).

(٩٥) ما بين القوسين ساقط من خ وق.

١٩٦

٥٧ ـ منه فمعلوم وقد ينزل

منزلة المجهول أو ذا يبدل

أقول :

طرقه : أي ، طرق القصر كثيرة ، والمذكور هنا أربعة :

أحدها : النفي والاستثناء ، كقولك : ما ضرب زيد إلا عمرا.

وثانيها : العطف ، كقولك : ضرب زيد لا عمرو.

ومنها : تقديم ما حقه التأخير ، نحو : (إياك نعبد) (٩٦).

ومنها : إنما ; كقولك : إنما ضرب زيد.

قوله : (دلالة التقديم بالفحوى وما سواه (٩٧) بالوضع) معناه : أن دلالة التقديم على القصر إنما تكون بالفحوى ، لا بالوضع ، وما سواه إنما يدل عليه بالوضع.

وأيضا : كما يكون القصر بين الفاعل وبين ما بدا منه (٩٨) أي : الفعل ، كذلك يكون بين المبتدأ والخبر ، نحو : ما زيد إلا قائم ، وزيد شاعر لا كاتب ، وغير ذلك.

واعلم أن أصل الحكم الذي استعمل فيه «ما وإلا» أن يكون حكما مما يجهله المخاطب وينكره ; بخلاف «إنما» فإن أصله أن يكون الحكم المستعمل هو فيه (حكما مما يعلمه المخاطب ولا ينكره.

فقوله : فمعلوم ، أي : إذا كان أداة القصر «إنما» فالحكم المستعمل هو فيه) (٩٩) يجب أن يكون من شأنه أن يكون معلوما ، على عكس «ما وإلا».

__________________

(٩٦) الآية ٥ من سورة الحمد ١.

(٩٧) كذا هنا ، وتقدم في المتن : وما عداه.

(٩٨) كذا الظاهر ، وكان في النسخ : ما بدا لفاعل منه.

(٩٩) ما بين القوسين ساقط من ش.

١٩٧

قوله : (وقد ينزل منزلة المجهول) يعني : قد ينزل الحكم المعلوم للمخاطب منزلة المجهول له ، فيستعمل له «ما وإلا» لاعتبار مناسب ، نحو : (وما محمد إلا رسول) (١٠٠) أي : مقصور على الرسالة ، لا يتعداها إلى التبرؤ من الهلاك ، فالمخاطبون ـ وهم الصحابة ـ كانوا عالمين بكونه (مقصورا على الرسالة) (١٠١) غير جامع بين الرسالة والتبرؤ عن الهلاك ، لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه أمرا عظيما ، نزل (١٠٢) استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه ، فاستعمل له النفي وإلا ، والاعتبار المناسب هو : الإشعار بعظم هذا الأمر في نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه عليه السلام.

قوله : (أو ذا يبدل) إشارة إلى أنه قد ينزل المجهول منزلة المعلوم ، فيستعمل له «إنما» لاعتبار مناسب ، وهو : ادعاء الظهور ، نحو قوله تعالى ـ حكاية عن اليهود ـ : (إنما نحن مصلحون) (١٠٣) ادعوا أن كونهم مصلحين أمر ظاهر من شأنه أن لا يجهله المخاطب.

__________________

(١٠٠) الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ٣.

(١٠١) ما بين القوسين من ق فقط.

(١٠٢) كذا في ق ، وفي ش : ينزل ، وفي خ لزم.

(١٠٣) الآية ١١ من سورة البقرة ٢.

١٩٨

الباب السادس

باب الإنشاء

قال :

٥٨ ـ ويقتضي الإنشا (١٠٤) إذا كان طلب

ما هو غير حاصل والمنتخب (١٠٥)

٥٩ ـ فيه التمني وله الموضوع

ليت وإن لم يكن (١٠٦) الوقوع

٦٠ ـ ولو وهل مثل لعل الداخلة

فيه والاستفهام والموضوع له

٦١ ـ هل همزة من ما وأي أينا

كم كيف أيان متى أم أنى

أقول :

الإنشاء قد يطلق على نفس الكلام الذي ليس لنسبته خارج يطابقه أو لا يطابقه ، وقد يقال على ما هو فعل المتكلم ، أعنى : إلقاء مثل هذا الكلام ، كما أن الأخبار كذلك.

والأظهر أن المراد ـ ههنا ـ هو الثاني ، بقرينة تقسيمه إلى الطلب وغير الطلب ، وتقسيم الطلب إلى التمني ، والاستفهام ، وغيرهما.

والمراد بها معانيها المصدرية ، بقرينة قوله : (وله الموضوع : ليت) لظهور أن «ليت» ـ مثلا : مستعمل لمعنى التمني ، لا لقولنا : (ليت زيدا قائم).

فالإنشاء :

إن لم يكن طلبا ، كأفعال المقاربة ، وأفعال المدح والذم ، وصيغ العقود ،

__________________

(١٠٤) كذا في النسخ وكان في المطبوعتين : يستدعي الإنشاء.

(١٠٥) كذا في المطبوعتين وكان في النسخ : ومنتخب.

(١٠٦) كذا في خ وق وكان في ش وطد : يمكن.

١٩٩

والقسم ، ورب ، ونحو ذلك ، فلا يبحث عنها ، لقلة المباحث (الانشائية) (١٠٦ م) المتعلقة بها ، ولأن ـ في الأصل ـ أكثرها أخبار نقلت إلى معنى الإنشاء.

وإذا كان طلبا ، يقتضي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، لامتناع طلب الحاصل ، فلو استعمل صيغ الطلب في مطلوب حاصل امتنع إجراؤها على معانيها الحقيقة ، ويتولد منها ـ بحسب القرائن ـ ما يناسب المقام.

وأنواع الطلب كثيرة ، والمنتخب منها ههنا :

التمني : والموضوع له «ليت» وإن لم يكن ـ أي : لم يوجد ـ الوقوع لما يتمنى به ، نحو : ليت الشباب يعود.

و «لو» و «هل» مثل «لعل» الداخلة في الطلب في كون كل منها داخلة في الإنشاء الطلبي ، مثل : (لو تأتيني فتحدثني) بالنصب ، (فإن النصب) (١٠٧) قرينة على أن «لو» ليست على أصلها ، إذ لا ينصب المضارع بعدها بإضمار «أن» ، وإنما تضمر بعد الأشياء الستة ، والمناسب ههنا هو التمني.

ومن المنتخب للانشاء الطلبي ـ أيضا ـ الاستفهام : واللفظ الموضوع له : هل وهمزة ، ومن ، وما ، وأي ، وأين ، وكم ، وكيف ، وأيان ، ومتى ، وأنى.

قال :

٦٢ ـ فهل بها يطلب تصديق وما

لا همزة تصور وهي هما

٦٣ ـ وقد للاستبطاء والتقرير

وغير ذا يكون والتحقير

أقول :

يطلب ب «هل» التصديق ، أي : انقياد الذهن وإذعانه بوقوع نسبة تامة

__________________

(١٠٦ م) كلمة الانشائية وردت في ق فقط.

(١٠٧) ما بين القوسين من ش فقط.

٢٠٠