مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤
* وحذفه ، مع تقدير لفظه : وإعرابها بدونه ، أيضا.
* وحذفه ، وعدم تقديره مطلقا : وإعرابها مع التنوين.
* وحذفه ، وتقدير معناه : وبناؤها على الضم.
والأرجوزة في النظم ، بمنزلة الرسالة في النثر.
قال : مقدمة (١٠).
أقول :
أي هذه مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة وما يتصل بهما ، مأخوذة من «مقدمة الجيش» للجماعة المقدمة منها من (قدم) بمعنى (تقدم).
قال :
٥ ـ فصاحة المفرد في سلامته |
|
من نفرة فيه ومن غرابته |
٦ ـ وكونه مخالف (١١) القياس |
|
ثم الفصيح من كلام الناس |
٧ ـ ما كان من تنافر سليما |
|
ولم يكن تأليفه سقيما |
٨ ـ وهو من التعقيد أيضا خال |
|
وإن يكن مطابقا للحال |
٩ ـ فهو البليغ والذي يؤلفه |
|
وبالفصيح من يعبر نصفه |
أقول :
الفصاحة ـ في الأصل ـ تنبئ عن الإبانة والظهور ، يقال فصح الأعجمي
__________________
(١٠) علق في «خ» و «ق» هنا بما يلي : بكسر الدال ، وفتحها ـ بتقدير كونها من قدم المتعدي ـ ضعيف ، منه سلمه الله.
(١١) في «ش» : «خلافة» بدل : مخالف.
وأفصح : إذا انطلق لسانه وخلصت لغته من اللكنة ، وجادت ، فلم يلحن ، وأفصح به : أي صرح به.
يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم ، يقال : كلمة فصيحة ، وكلام فصيح ، وكاتب فصيح ; في النثر ، وقصيدة فصيحة ، وشاعر فصيح ; في النظم.
والبلاغة : تنبئ عن الوصول والانتهاء ، يوصف بها الكلام والمتكلم ، دون المفرد ، يقال : كلام بليغ ، ومتكلم بليغ ، ولم يسمع : كلمة بليغة.
ولما كانت الفصاحة في الاصطلاح عبارة عن كون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلامهم ، كثير الاستعمال على ألسنة العرب الموثوق بعربيتهم ، والبلاغة عبارة عن كون الكلام على وفق مقتضى الحال ، وكان كل منهما صفة للكلام والمتكلم بمعنى ، والفصاحة صفة للمفرد بمعنى ، مع اشتراك المفرد والكلام والمتكلم في معنى مطلق الفصاحة ، والكلام والمتكلم في معنى مطلق البلاغة ، أفرد (١٢) لكل منها تعريفا يدل على امتيازه عن الآخر.
فقوله : «فصاحة المفرد ـ إلى قوله : وكونه مخالف القياس» بيان لمعنى فصاحة المفرد.
يعني : فصاحة المفرد عبارة عن سلامته من نفرة فيه ـ أي : من تنافر الحروف ـ ومن الغرابة ، ومن كونه مخالف القياس اللغوي المستنبط من استقراء اللغة ، حتى لو وجد في الكلمة شئ من هذه الثلاثة لا تكون فصيحة.
والتنافر : وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان ، وعسر النطق بها ، مثل ما في «الهعخع» بالخاء المعجمة ، في قول أعرابي سئل عن ناقته؟ : (تركتها ترعى
__________________
(١٢) جواب لما وما عطف عليها في قوله : «لما كانت الفصاحة في الاصطلاح عبارة ...» إلى آخره.
الهعخع).
والغرابة : كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال ، ك (تكأكأتم) و (افرنقعوا) في قول عيسى بن عمر النحوي ، حين سقط من الحمار ، واجتمع الناس عليه : (ما لكم تكأكأتم علي تكأكأتم على ذي جنة ، فافرنقعوا عني) أي : اجتمعتم ، تنحوا.
كذا ذكره الجوهري في الصحاح.
والمخالفة : كون الكلمة على خلاف القانون المستنبط من تتبع لغة العرب ، أعني مفردات ألفاظهم الموضوعة ، أو ما هو في حكمها كوجوب الإعلال في نحو (قام) والادغام في نحو (مد).
والكلمة المشتملة على مخالفة القياس نحو (الاجلال) بفك الادغام في قوله :
الحمد لله العلي الاجلال |
|
... (١٣) |
والقياس (الأجل) بالإدغام.
وقوله : «ثم الفصيح ـ إلى قوله : ـ وهو من التعقيد أيضا خال» ، إشارة إلى تعريف الكلام الفصيح.
يعني : الكلام الفصيح ما كان سالما من تنافر الكلمات ، ولم يكن تأليفه سقيما ـ أي ضعيغا ـ وكان خاليا من التعقيد اللفظي والمعنوي.
والتنافر : أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان ، كقوله :
__________________
(١٣) من أرجوزة لأبي النجم العجلي الفضل بن قدامة المتوفى ١٣٠ من رجاز الإسلام.
وبعد الشاهد :
الواسع الفضل الوهوب المجزل |
|
أعطى فلم يبخل ولم يبخل |
أنظر : جامع الشواهد ١ / ١٨٥ والوشاح ١ / ٢٧ ـ ٢٩.
... |
|
وليس قرب قبر حرب قبر (١٤) |
وضعف التأليف : أن يكون تأليف أجزاء الكلام على خلاف القانون النحوي المشتهر بين معظم أصحابه ، حتى يمتنع عند الجمهور ، كالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى ، نحو : «ضرب غلامه زيدا».
والتعقيد اللفظي : أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد منه ، لخلل واقع في الترتيب ، بأن لا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني ، بسبب تقديم أو تأخير أو حذف أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المراد ، وإن كان جاريا على القوانين ، كقول الفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك :
وما مثله في الناس إلا مملكا |
|
أبو أمه حي أبوه يقاربه (١٥) |
أي : ليس مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا ـ أعطي الملك والمال ـ أبو أمه أبوه ، يعنى هشاما.
والتعقيد المعنوي : أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد ، لخلل واقع في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة ، إلى الثاني المقصود ، وذلك يكون لإيراد (١٦) اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة ، مع خفاء
__________________
(١٤) عجز بيت ، وصدره :
وقبر حرب بمكان قفر |
|
وليس ... |
وهو ينسب إلى الجن ، قاله في رثاء رجل يسمى حربا ، أنظر جامع الشواهد ٣ / ١٦٢.
(١٥) من قصيدة للفرزدق أبي فراس ، همام بن غالب التميمي متوفي سنة ١١٠ أو بعدها ، يمدح بها إبراهيم بن هشام المخزومي خال الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي.
أنظر : جامع الشواهد ٣ / ٢٥٥ والوشاح ١ / ٣٨.
(١٦) كذا في «ق» وكان في «خ» : الايراد. وفي «ش» : إيراد.
القرائن الدالة على المقصود ، كقول عباس بن الأحنف :
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا |
|
وتسكب عيناي الدموع لتجمدا (١٧) |
أي : لتسر.
جعل جمود العين كناية عن السرور ، والذهن لا ينتقل منه إليه ، بل ينتقل (١٨) إلى بخلها بالدموع حال (١٩) إرادة البكاء.
وقوله : «وإن يكن ـ إلى قوله : ـ فهو البليغ» ، إشارة إلى تعريف الكلام البليغ.
يعني : إن الكلام البليغ هو الكلام الفصيح مع كونه مطابقا لمقتضى الحال.
والمراد بالحال : الأمر الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص ، وذلك الوجه المخصوص هو (مقتفى الحال) مثلا : كون المخاطب منكرا للحكم حال تقتضي تأكيد الكلام ، والتأكيد مقتضاها.
ومعنى مطابقته له : أن الحال إن اقتضى (٢٠) التأكيد كان الكلام مؤكدا ، وإن اقتضى الإطلاق كان عاريا عن التأكيد ، وهكذا.
قوله : «والذي يؤلفه» ، إشارة إلى تعريف المتكلم البليغ.
يعني : إن الكلام الفصيح المطابق لمقتضى الحال كلام بليغ ، ومن له ملكة التكلم به متكلم بليغ.
وقوله : «وبالفصيح من يعبر نصفه» إشارة إلى معنى المتكلم الفصيح.
__________________
(١٧) العباس بن الأحنف بن الأسود من بني حذيفة ، عاصر الرشيد ، وقيل : توفي بعده ، أنظر جامع الشواهد ٢ / ٤٢ والوشاح ١ / ٤٢.
(١٨) ينتقل ، ورد في «خ» فقط.
(١٩) في «ق» حين.
(٢٠) في «ش» : «اقتضت» في الموضعين.
يعني : من يعبر عن المعنى بالكلام (٢١) الفصيح نصفه ـ نحن ، أيضا ـ بالفصيح.
ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن «الفصيح» قد يطلق على «البليغ».
قال :
١٠ ـ والصدق أن يطابق الواقع ما |
|
نقول والكذب خلافه اعلما (٢٢) |
أقول :
صدق الخبر مطابقة حكمه للواقع ـ أي الخارج الذي يكون لنسبة الكلام الخبري ـ وكذبه عدم مطابقته للواقع.
وقال النظام : صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر ، ولو كان ذلك الاعتقاد خطأ ، (وكذبه عدم مطابقته لاعتقاد المخبر ، ولو كان خطأ) (٢٣).
وقال الجاحظ : صدق الخبر مطابقته للواقع ، مع الاعتقاد بأنه مطابق ، وكذبه عدم مطابقته ، مع الاعتقاد بأنه غير مطابق ، فاعلم.
__________________
(٢١) علق في «خ» و «ق» هنا بما نصه : المراد بالكلام معناه : اللغوي أي ما يتكلم به ، حتى يدخل المتكلم بالكلمة الفصيحة في التعريف ، ولا يرد به شئ ، والظاهر عدم جواز إطلاق الفصيح إلا على من له ملكة التكلم ، فلا حاجة إلى التعميم ، منه سلمه الله تعالى.
(٢٢) علق في «خ» و «ق» هنا بما نصه : ويحتمل أن يكون إشارة إلى كذب مذهبي النظام والجاحظ ، منه سلمه الله تعالى.
وفي المطبوعة المصرية و «طد» جاء الشطر الثاني هكذا : يقوله والكذب أن ذا يعدما.
(٢٣) ما بين القوسين لم يرد في «ش».
الفن الأول
علم المعاني
قال :
١١ ـ وعربي اللفظ ذو أحوال |
|
يأتي بها مطابقا للحال |
١٢ ـ عرفانها علم هو المعاني |
|
منحصر الأبواب في ثمان |
أقول :
للفظ العربي أحوال ، كالتأكيد ، والتجريد ، والحذف ، والذكر ، والتقديم ، والتأخير ، وغير ذلك ، هي مقتضى الحال ، معرفتها هو علم المعاني.
فهو : علم يعرف به أحوال اللفظ العربي ، التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال.
واحترزنا بالقيد الأخير عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة ، كالإدغام ، والرفع ، والنصب ، وما أشبه ذلك ، مما لا بد منه في تأدية أصل المعنى.
وينحصر المقصود من علم المعاني في ثمانية أبواب :
الأول : أحوال الإسناد الخبري.
الثاني : أحوال المسند إليه.
الثالث : أحوال المسند.
الرابع : أحوال متعلقات الفعل.
الخامس : القصر.
السادس : الإنشاء.
السابع : الفصل والوصل.
الثامن : الإيجاز والاطناب والمساواة.
الباب الأول
أحوال الإسناد الخبري
قال :
١٣ ـ إن قصد المخبر نفس الحكم |
|
فسم ذا فائدة ، وسم |
١٤ ـ إن قصد الإعلام بالعلم به |
|
لازمها ، وللمقام انتبه |
١٥ ـ إن ابتدائيا فلا يؤكد |
|
أو طلبيا فهو فيه يحمد |
١٦ ـ وواجب بحسب الإنكار |
|
ويحسن التبديل بالأغيار |
أقول :
لا شك أن من بصدد الإخبار ، إما أن يكون قصده بخبره إفادة المخاطب (٢٤) الحكم ، كقوله. (زيد قائم) لمن لا يعرف أنه قائم.
أو إفادة أنه ـ أي من بصدد الإخبار ـ عالم بالحكم ، كقولك : (حفظت التوراة) لمن حفظها ، والمراد إفادة أنك عالم بأنه حفظها.
ويسمى الحكم الذي قصد بالخبر إفادته ، في الصورة الأولى : (فائدة الخبر) وإليه أشار بقوله : (فسم ذا فائدة).
__________________
(٢٤) أضيفت هنا كلمة «إما» ثانية في «خ» و «ق» دون «ش» ويظهر أنها غير ضرورية لحصول مفادها بكلمة «إما» في السابق.
ويسمى كون المخبر عالما به ، الذي قصد إفادته بالخبر ، في الصورة الثانية : (لازم فائدة الخبر) لأن الأول يمتنع بدونه ، وهو بدون الأول لا يمتنع ، كما هو حكم اللازم الأعم.
وإليه أشار بقوله : (وسم إن قصد الأعلام بالعلم به * لازمها).
قوله : (وللمقام انتبه).
الحال والمقام متقاربا المفهوم ، والتغاير بينهما اعتباري ، فإن الأمر الداعي مقام باعتبار توهم كونه محلا لورود الكلام على خصوصية ما ، وحال باعتبار توهم كونه زمانا له.
وأيضا : المقام يعتبر إضافته إلى المقتضى ـ اسم المفعول ـ فيقال : مقام التأكيد ، والاطلاق ، والحذف ، والإثبات.
والحال إلى المقتضي ـ اسم الفاعل ـ فيقال : حال الإنكار ، وحال خلو الذهن.
ومقامات الكلام متفاوتة ، ولذا قال : (وللمقام انتبه) ، فإن المخاطب الملقى إليه الكلام :
إما أن يكون خالي الذهن من الحكم ونقيضه ، والكلام الملقى إليه يسمى «ابتدائيا» ولا يؤكد أصلا ، وإليه أشار بقوله : (إن ابتدائيا فلا يؤكد).
أو يكون معتقدا بنقيضه ومنكرا للحكم ، فالكلام الملقى إليه يسمى «إنكاريا» ويؤكد بحسب الإنكار ، وإليه أشار بقوله : (وواجب بحسب الإنكار).
أو لا يكون معتقدا للحكم ولا لنقيضه ، بل شاكا فيه ، ويسمى الكلام الملقى إليه «طلبيا» ويؤكد استحسانا لا وجوبا ، وإليه أشار بقوله : (أو طلبيا فهو فيه يحمد).
قوله : (ويحسن التبديل بالأغيار) أي : يحسن تبديل مخاطب بغيره ، مثلا
إذا كان المخاطب منكرا ، يصح تبديله بخالي الذهن ، وتنزيله منزلته ، إذا كان معه شئ من الدلائل والشواهد إن تأمله ارتدع عن الإنكار ، كما تقول لمنكر الإسلام : «الإسلام حق» من غير تأكيد ، لما معه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لكنه لا يتأملها ليرتدع عن الإنكار.
قال :
١٧ ـ والفعل أو معناه من أسنده |
|
لما له في ظاهر ذا عنده |
١٨ ـ حقيقة عقلية ، وإن إلى |
|
غير ملابس مجاز أولا |
أقول :
الإسناد مطلقا ـ سواء كان خبريا أو غير خبري ـ منه حقيقة عقلية ، ومنه مجاز عقلي.
والحقيقة العقلية : إسناد الفعل أو معناه ، من المصدر ، واسم الفاعل ، والمفعول ، والصفة المشبهة ، واسم التفضيل ، والظرف.
واحترز به عما لا يكون المسند فيه فعلا أو معناه ، كقولنا : (الحيوان جسم) فإنه ليس حقيقة عقلية ولا مجازا عقليا عند بعضهم ، ومنهم الراجز.
إلى (٢٥) شئ الفعل أو معناه له (٢٦) عند المتكلم ـ أي بحسب اعتقاده ـ في الظاهر من حاله وكلامه.
كقول المؤمن : (أنبت الله البقل) وقول الجاهل : (أنبت الربيع البقل).
وإلى ذلك أشار بقوله : (والفعل أو معناه من أسنده لما له في ظاهر ذا
__________________
(٢٥) الجار متعلق بقوله «إسناد الفعل ...» في تعريف الحقيقة العقلية.
(٢٦) «له» هنا وردت في «خ» فقط.
عنده حقيقة عقلية).
والمجاز العقلي : هو إسناد الفعل أو معناه إلى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم ، ملابس لما هو له في الجملة ، بتأول ونصب قرينة من حاله على أنه غير ما هو له ، نحو قول المؤمن : (أنبت الربيع البقل).
وأشار إليه بقوله : (وإن إلى غير ملابس مجاز أولا) يعني : إن أسند إلى غير ما هو له بتأول ملابس لما هو له فهو مجاز عقلي.
الباب الثاني
أحوال المسند إليه
أي الأمور العارضة له باعتبار أنه مسند إليه ، كحذفه ، وذكره ، وغير ذلك.
قال :
١٩ ـ الحذف للصون وللإنكار |
|
والاحتراز أو للاختبار |
أقول :
من الأمور العارضة للمسند إليه أنه قد يحذف ، ولا يجوز ذلك إلا إذا صلح له المقام باعتبار القرينة وقد بين في النحو ، ودعا إليه داع ، والمراد هنا بيان الداعي.
وقد يكون الداعي إليه إرادة صون المسند إليه عن اللسان ، تعظيما له. أو صون لسانك عنه ، إهانة له.
وقد يكون إرادة تيسر الإنكار عند الحاجة إليه ، كقولك : (فاجر ، فاسق) إذا علم بالقرينة أن المراد زيد ، ليتأتى أن تقول : ما أردت زيدا ، بل غيره.
وقد يكون سبب الحذف كون ذكره عبثا يحترز بالحذف عنه ، إذا تعين بالقرينة
نحو :
قال لي : كيف أنت؟ قلت : عليل ... (٢٧) للاحتراز عن العبث بذكره.
وقد يكون الداعي إلى الحذف إرادة اختبار تنبه السامع ، هل يتنبه بالقرينة أم لا؟
أو اختبار مقدار تنبهه ، هل يتنبه بالقرائن الخفية أم لا؟
قال :
٢٠ ـ والذكر للأصل وللتنويه |
|
والبسط والضعف وللتنبيه (٢٨) |
أقول :
أما ذكر المسند إليه :
فلأنه الأصل ، ولا مقتضي للعدول عنه.
أو للتنويه والتهويل ، إذا كان اسمه يدل على العظمة ، نحو (الأمير قال كذا).
أو بسط الكلام ، حيث يكون إصغاء المخاطب مطلوبا للمتكلم لعظمته وشرفه ، نحو قوله تعالى : (هي عصاي) (٢٩).
أو الاحتياط ، لضعف التعويل على القرينة.
أو التنبيه على غباوة السامع ، وأنه لا يتنبه للشئ بالقرينة.
__________________
(٢٧) لم يسم قائله ، وذيله : سهر دائم وحزن طويل. أنظر جامع الشواهد ٢ / ٢٦٥.
(٢٨) جاء هذا البيت في المطبوعتين هكذا :
والذكر للتعظيم والإهانه |
|
والبسط والتنبيه والقرينة |
(٢٩) من الآية ١٨ من سورة طه ٢٠ ، وتمام الآية : أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى.
قال :
٢١ ـ وإن بإضمار يكن معرفا |
|
فللمقامات الثلاثة اعرفا (*) |
٢٢ ـ والأصل في الخطاب للمعين |
|
والترك فيه للعلوم البين |
أقول :
أما تعريف المسند إليه بالإضمار :
فلأن المقام للتكلم أو الخطاب أو الغيبة ، بدون اسم الظاهر ، لتقدم ذكره ، أو غير ذلك ، نحو : أنا قمت ، (أنت قمت) (٣٠) ، وزيد هو قائم.
وأصل الخطاب أن يكون لمعين ، واحدا كان أو كثيرا ; لأن وضع المعارف (٣١) للمعين.
وقد يترك الخطاب متناولا لغير المعين أيضا ، فيفيد العموم البين.
قال :
٢٣ ـ وعلمية فللإحضار |
|
أو (٣٢) قصد تعظيم أو احتقار |
أقول :
علمية المسند إليه ـ أي إيراده علما ـ تكون :
لإحضاره في ذهن السامع باسم مختص به ، ولا يصلح لهذا سوى العلم من
__________________
* كذا الصواب ، وقد كان في النسخ : فللمقامات الثلاث فاعرفا.
(٣٠) ما بين القوسين ورد في «ش» فقط.
(٣١) في «ق» : وضع الخطاب.
(٣٢) كذا في المصرية ، لكن في النسخ «و» بدل : أو.
المعارف ، نحو : (الله أحد) (٣٣).
وقد يكون لقصد تعظيم المسند إليه ، إذا دل العلم عليه ، كما في الألقاب المادحة ، نحو (علي ركب).
وقد يكون لقصد احتقار المسند إليه ، إذا دل العلم عليه ، كما في الألقاب الذامة ، نحو (معاوية هرب).
وقد يكون لغير ذلك ، نحو الاستلذاذ بذكر اسمه ، أو التبرك به ، أو التفاؤل به ، أو التطير به ، إلى غير ذلك من الاعتبارات المناسبة للمقام.
قال :
٢٤ ـ وصلة للجهل والتعظيم |
|
للشأن والايماء والتفخيم |
أقول :
إيراد المسند إليه موصولا يكون :
لعدم علم المتكلم أو المخاطب أو كليهما بالأحوال المختصة به سوى الصلة.
فالأول نحو : الذي كان معنا أمس رجل فاضل.
والثاني نحو : الذين في بلاد المشرق لا أعرفهم.
والثالث نحو : الذين في بلاد الشرق لا نعرفهم.
ويكون لتعظيم شأن الخبر ، نحو قول الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعز وأطول (٣٤) |
أورد المسند إليه ـ وهو اسم إن ـ موصولا ، تعظيما لشأن الخبر ، وهو (بنى) بأنه فعل من رفع السماء ، وهذا بخلاف ما لو قال : إن الله ، أو الرحمن ، أو غير ذلك ...
__________________
(٣٣) من الآية ١ من سورة التوحيد ١١٢ ، وتمامها : قل هو الله أحد.
(٣٤) من قصيدة يفخر بها على جرير ، أنظر : جامع الشواهد ١ / ٢٥١ والوشاح ١ / ١١٢.
ولتعظيم شأن غير الخبر ، نحو قوله تعالى : (الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين) (٣٥).
أورد (الذين كذبوا ...) موصولا ـ وهو المسند إليه ـ لتعظيم شعيب ، وهو غير الخبر ، وهذا بخلاف ما لو قال : إن القوم الفلاني ....
وقد يكون للايماء إلى جنس الخبر المبني عليه [نحو قوله تعالى] : (إن الذين يستكبرون عن عبادتي ، سيدخلون جهنم داخرين) (٣٦).
أورد المسند إليه ـ وهو الذين يستكبرون ـ موصولا ، للايماء إلى أن الخبر المبني عليه من جنس العقاب ، فإذا ذكر ـ تجد ذلك الايماء ـ الخبر ـ وهو (سيدخلون جهنم) ـ كان أوقع وأمكن في النفس.
وقد يكون للتفخيم والتهويل ، نحو : (فغشيهم من اليم ما غشيهم) (٣٧).
فإن في هذا الإبهام من التفخيم ما لا يخفى.
وقد يكون لغير ما ذكر من الاعتبارات.
قال :
٢٥ ـ وبإشارة (٣٨) لذي فهم بطي |
|
في القرب والبعد أو التوسط |
أقول :
تعريف المسند إليه بإيراده اسم إشارة يكون لمخاطب ذي فهم بطئ ، حقيقة ، أو ادعاء بأنه لا يدرك غير المحسوس.
__________________
(٣٥) الآية ٩٢ من سورة الأعراف ٧.
(٣٦) الآية ٦٠ من سورة غافر ٤٠.
(٣٧) الآية ٧٨ من سورة طه ٢٠.
(٣٨) كذا في المطبوعتين و «ش» وفي سائر النسخ : وبالإشارة.
سواء كان اسم الإشارة موضوعا للقريب ، نحو «ذا» أو البعيد نحو «ذلك» أو التوسط نحو «ذاك زيد».
وقد يكون لغير ذلك من الاعتبارات ، كتحقير المسند إليه بالقرب ، نحو (أهذا الذي يذكر آلهتكم) (٣٩).
أو تعظيمه بالبعد ، نحو (آلم * ذلك الكتاب) (٤٠).
قال :
٢٦ ـ وأل لعهد أو (٤١) حقيقة وقد |
|
يفيد الاستغراق أو ما انفرد (٤٢) |
أقول :
«أل» التعريف يكون للعهد الخارجي ، وللحقيقة ، وقد يفيد الاستغراق ، أو ما انفرد ـ أي صار فردا من الحقيقة غير معين ـ وهو المسمى ب «العهد الذهني» عند المحققين.
فإذا أريد الإشارة إلى أمر معين معهود في خارج الذهن بسبب قرينة ، عرف المسند إليه تعريف العهد الخارجي ، نحو (ليس الذكر كالأنثى) (٤٣) و (جاء القاضي) إذا لم يكن في البلد إلا واحد معين.
وإذا أريد الإشارة إلى نفس الحقيقة ، من دون اعتبار الفرد ، عرف تعريف الحقيقة ، نحو : (الرجل خير من المرأة).
وإذا أريد شمول أفراد يتناولها اللفظ لغة ، عرف تعريف الاستغراق الحقيقي
__________________
(٣٩) الآية ٣٦ من سورة الأنبياء ٢١.
(٤٠) الآية ١ و ٢ من سورة البقرة ٢.
(٤١) كذا في المصرية ، وكان في النسخ «و» بدل : أو.
(٤٢) كذا في النسخ ، والوزن يقتضي فصل همزة (انفرد) ولعلها : لما انفرد.
(٤٣) الآية ٣٦ من سورة آل عمران ٣.
نحو (إن الإنسان لفي خسر) (٤٤).
أو أفراد يتناولها عرفا ، نحو : (جمع الأمير الصاغة) أي صاغة بلده ، سمي بالاستغراق العرفي.
وإذا أريد فرد من الحقيقة غير معين في الخارج والذهن ، نحو قوله تعالى : (أخاف أن يأكله الذئب) (٤٥) فهو تعريف العهد الذهني ، المشار إليه بقوله «أو ما انفرد» (٤٦).
قال :
٢٧ ـ وبإضافة فلاختصار |
|
أو قصد (٤٧) تعظيم أو احتقار (٤٨) |
أقول :
قد يعرف المسند إليه بإضافته إلى إحدى المعارف : لقصد الاختصار ، نحو قول جعفر بن علبة الحارثي :
__________________
(٤٤) الآية ٢ من سورة العصر ١٠٣.
(٤٥) الآية ١٣ من سورة يوسف ١٢.
(٤٦) علق في «خ» ما نصه : أي ما يفيد ما انفرد ، أي ما صار من فرد الحقيقة ، بانضمام القرينة المفيدة أن الحقيقة مرادة لا من حيث هي ، بل من حيث الوجود ، ولكن لا في ضمن جميع الأفراد ، بل بعضها ، منه سلمه الله تعالى.
(٤٧) كذا في المصرية ، وكان في النسخ : «وقصد».
(٤٨) جاء الشطر الثاني في المطبوعتين هكذا :
... |
|
نعم وللذم أو احتقار |
هواي مع الركب اليمانين مصعد |
|
جنيب وجثماني بمكة موثق (٤٩) |
والمسند إليه ـ هواي ـ أي : مهوي ، أورده مضافا ، لأنه اختصر من «الذي أهواه» وما يؤدي مؤداه.
وقد تكون الإضافة لتعظيم شأن المضاف المسند إليه ، نحو : (عبد الخليفة ركب).
أو شأن المضاف إليه المسند إليه نحو : (عبدي حضر) تعظيما للمتكلم بأن له عبدا ـ وهو المضاف إليه المسند إليه ـ.
أو شأن غير هما ، نحو : (عبد السلطان عندي) (تعظيما للمتكلم بأن عبد السلطان عنده) (٥٠) وهو غير المسند إليه ، وغير المضاف إليه المسند إليه.
وقد تكون الإضافة لقصد احتقار المسند إليه ، نحو : (ولد الحجام حاضر).
أو المضاف إليه المسند إليه ، نحو : (ضارب زيد حاضر).
أو غيرهما ، نحو : (ولد الحجام يجالس زيدا).
قال :
٢٨ ـ وإن منكرا فللتحقير |
|
والضد والإفراد والتكثير |
أقول :
إن كان المسند إليه منكرا ، فتنكيره لقصد تحقير ، أو ضد التحقير ـ وهو التعظيم ـ يعني : إنه بلغ في انحطاط الشأن أو ارتفاعه إلى حد لا يمكن أن يعرف ،
__________________
(٤٩) من قصيدة قالها الشاعر وهو في الحبس ، والشاعر من مخضرمي الدولتين العباسية والأموية ، أنظر أخباره في الوشاح ١ / ١٣٠ وجامع الشواهد ٣ / ٣٠٦.
(٥٠) ما بين القوسين لم يرد في «خ» و «ق».
نحو قول ابن أبي السمط :
له حاجب في كل أمر يشينه |
|
وليس له عن طالب العرف حاجب (٥١) |
تنكير (حاجب) الأول للتعظيم ، أي : حاجب عظيم ، والثاني للتحقير ، أي : مانع حقير فكيف بالعظيم؟!
ويكون التنكير للإفراد ، أي : القصد إلى فرد غير معين مما يشمله اسم الجنس ، نحو قوله تعالى : (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) (٥٢).
وللتكثير ، نحو قولهم : (إن له لإبلا).
وللتقليل ، نحو قوله تعالى : (رضوان من الله أكبر) (٥٣) ، وإليه أشار بقوله :
ـ (وضده) أي : ضد التكثير ـ وهو التقليل ـ في صدر البيت التالي.
قال :
٢٩ ـ وضده ، والوصف للتبيين |
|
والمدح والتخصيص والتعيين |
أقول :
إيراد الوصف للمسند إليه :
(قد يكون للتبيين والكشف ، نحو : الجسم الطويل العريض العميق ، يحتاج إلى فراغ يشغله) (٥٤).
__________________
(٥١) من أبيات لابن أبي السمط ، وقيل : إن اسمه مروان بن أبي حفصة وقيل : إنه لأبي الطحان حنظلة ابن الشرقي ، فلاحظ الوشاح ١ / ١٣٣ وجامع الشواهد ٢ / ٤٢٣.
(٥٢) الآية ٢٠ من سورة يس ٣٦.
(٥٣) الآية ٧٢ من سورة التوبة ٩.
(٥٤) ما بين القوسين لم يرد في «خ».
وقد يكون للمدح.
وقد يكون للتخصيص ، وهو ـ في عرف هذا الفن ـ عبارة عن : تقليل الاشتراك في النكرات ، ورفع الاحتمال في المعارف.
وفي عرف النحاة يخص بالأول ، ويسمون الثاني «توضيحا».
والراجز لما جرى ـ هنا ـ على اصطلاح النحاة سمى المعنى الثاني «تعيينا».
مثال التخصيص (رجل عالم جاء).
و (زيد العالم قال) مثال للتعيين إن لم يتعين قبل الوصف ، وإلا ، فمثال المدح.
وقد يكون لغير ذلك من الاعتبارات ، كالذم والترحم ، وغير ذلك.
قال :
٣٠ ـ وكونه مؤكدا فيشمل (٥٥) |
|
لدفع وهم كونه لا يشمل |
أقول :
تأكيد المسند إليه يكون :
لدفع توهم عدم الشمول ، نحو : (جاءني القوم كلهم أو أجمعون) لئلا يتوهم أن بعضهم لم يجئ ، إلا أنك لم تعتد بهم ، أو جعلت الفعل الواقع عن البعض كالواقع عن الكل ، بناء على أنهم في حكم شخص واحد ، كما يقال : (بنو تميم قتلوا زيدا) وإنما قتله واحد منهم.
وقد يكون لدفع توهم السهو ، نحو : (جاء زيد زيد) ، لئلا يتوهم أن الجائي عمرو ، وإنما ذكر زيد على سبيل السهو.
وقد يكون لدفع توهم التجوز ، أي : التكلم بالمجاز ، نحو : قطع اللص الأمير الأمير ، أو نفسه ، أو عينه ، لئلا يتوهم أن إسناد القطع إلى الأمير مجاز ، وإنما
__________________
(٥٥) في المطبوعة : فيحصل.