تراثنا ـ العدد [ 25 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 25 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٤

١

الفهرس

*من معالم الحجّ والزيارة :

*غدير خم :

........................................ الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي ٧

*من الأحاديث الموضوعة (٥) :

*أحاديث تحريم النبيّ متعة النساء (رسالة في المتعتين).

............................................. السيّد عليّ الحسيني الميلاني ٤٢

*أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربية (١٦).

............................................. السيّد عبدالعزيز الطباطبائي ٧٤

٢

*دليل المخطوطات :

*فهرس مخطوطات المدرسة الباقرية ـ مشهد المقدّسة (٤).

.................................................. الدكتور محمود فاضل ٨٧

*الإمامة : تعريف بمصادر الإمامة في التراث الشيعي (٨).

.................................................... عبدالجبّار الرفاعي ١٠٣

*من ذخائر التراث :

*إنجاح المطالب (شرح المنظومة المحبيّة) للشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي.

............................... تحقيق : السيّد محمدرضا الحسيني الجلالي ١١٥

*من أنباء التراث...................................................... ٢٤٣

__________________

صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة كتاب مجمع البيان للشيخ الطبرسي ، بخطّ قطب الدين الكيدري بتاريخ سنة ٥٨٥ هـ ، ومقروءة على نصير الدين الطوسي ، والذي تقوم مؤسسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ لإحياء التراث بتحقيقه ، راجع العدد ١٥ ص ٢٣٤.

٣
٤

٥
٦

من معالم الحج والزيارة :

غدير خم

الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي

في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من هذه السنة الجارية ، وهي العاشرة والأربعمائة بعد الألف للهجرة الشريفة تطل علينا ذكرى يوم الغدير الأغر ، وقد مر عليها أربعة عشر قرنا

ولهذه المناسبة الكريمة ، ولأهمية يوم الغدير تاريخيا وعقائديا ، رأيت أن أكتب عن موقع (غدير خم) كمعلم من معالم الحج والزيارة التي كنت قد كتبت عن أكثر من واحد منها ، فقد ورد ـ كما سأشير ـ استحباب الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواقع في غدير خم ، والذي شيد على الموضع الذي وقف فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطب بالناس خطبته المعروفة ب (خطبة يوم الغدير) ، ونص فيها على ولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

وإضافة لما تقدم فإن موضع غدير خم من المواضع الإسلامية التي شهدت أكثر من موقف من مواقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي يمكننا تلخيصها بالتالي :

١ ـ وقوعه في طريق الهجرة النبوية.

٢ ـ وقوعه في طريق عودة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع.

__________________

* مقال كان قد كتب بمناسبة مرور ١٤ قرنا على واقعة غدير خم ، وننشره هنا لأهميته (تراثنا).

٧

٣ ـ وقوع بيعة الغدير فيه.

وكل واحد من هذه المواقف الثلاثة يشكل بعدا مهما في مسيرة التاريخ الإسلامي ، فالهجرة كانت البدء لانتشار الدعوة الإسلامية وانطلاقها خارج ربوع مكة ، ومن ثم إلى العالم كله.

وحجة الوداع والعودة منها إلى المدينة المنورة كانت ختم الرسالة حيث كمل الدين فتمت النعمة.

وبيعة الغدير هي التمهيد لعهد الإمامة والإمام حيث ينتهي عهد الرسالة والرسول.

ومن هنا اكتسب موضع (غدير خم) أهميته الجغرافية في التراث الإسلامي ومنزلته التكريمية كمعلمة خطيرة من معالم التاريخ الإسلامي.

واشتهر الموقع بحادثة الولاية للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أكثر من شهرته موقعا أو منزلا من معالم طريق الهجرة النبوية أو من طريق العودة من حجة الوداع.

وقد ذكر حادثة الولاية أو بيعة الغدير الكثير من المؤرخين ، وممن أفردها بتأليف خاص وموسوعي المرحوم الشيخ الأميني بكتابه الموسوم ب «الغدير في الكتاب والسنة والأدب» ، ومما استعرضه فيه رواة الحادثة والمؤرخين لها ، وقد بلغت رواية الحادثة ـ في عرضه ـ مستوى التواتر.

وقد أشار إلى الحادثة وتواتر روايتها غير واحد من علماء الحديث الثقات الأثبات.

منهم : الشيخ الإمام شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي المقرئ ، المتوفى سنة ٨١٣ ه ، في كتابه «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب» المطبوع بالمطبعة الميرية بمكة المحمية سنة ١٣٢٤ ه ، فقد جاء في الصفحة الثالثة منه ما نصه :

«أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي فيما شافهني به ، عن أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني ، أنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أنا أبو منصور

٨

القزاز ، أنا الإمام أبو بكر بن ثابت الحافظ ، أنا محمد بن عمر بن بكير ، أنا أبو عمر يحيى بن عمر الأخباري ، ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي ، ثنا الأشج ، حدثنا العلاء بن سالم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : سمعت عليا رضي‌الله‌عنه بالرحبة ينشد الناس من سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) ، فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ذلك.

هذا حديث حسن من هذا الوجه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو متواتر أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواه الجم الغفير.

ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعا عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وزيد بن أرقم والبراء ابن عازب وبريدة بن الخصيب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وحبشي بن جنادة وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وأسعد بن زرارة وخزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري وسهل بن حنيف وحذيفة بن اليمان وسمرة بن جندب وزيد بن ثابت وأنس بن مالك ، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.

وصح عن جماعة منهم ممن يحصل القطع بخبرهم.

وثبت أيضا أن هذا القول كان منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم ، وذلك في خطبة خطبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حقه ذلك اليوم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة إحدى عشرة لما رجع صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع».

وبعد هذه التقدمة سيكون الحديث عن هذا الموضع الشريف في حدود النقاط التالية :

ـ اسم الموقع.

ـ سبب التسمية.

٩

ـ تحديد الموقع جغرافيا.

ـ وصف الموقع تاريخيا.

ـ وصف مشهد النص بالولاية.

ـ الأعمال المندوب إليها شرعا في هذا الموقع.

ـ وصف الموقع الراهن.

ـ الطرق المؤدية إليه.

ـ صور وخرائط.

اسم الموقع :

١ ـ اشتهر الموضع باسم (غدير خم) ، ففي حديث السيرة لابن كثير ٤ / ٤٢٤ : «قال المطلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل : سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا بالجحفة بغدير خم فخرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خباء أو فسطاط ....».

وفي حديث زيد بن أرقم ، قال : «خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغدير خم تحت شجرات» (١).

وكذلك في حديثه الآخر ، قال : «لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ...» (٢).

وفي شعر نصيب :

وقالت بالغدير غدير خم :

أخي إلى متى هذا الركوب

ألم تر أنني ما دمت فينا

أنام ولا أنام إذا تغيب (٣)

__________________

(١) المراجعات : المراجعة ٥٤ ط ١٧ ص ٢١٥.

(٢) م. س : ص ٢١٧.

(٣) معجم ما استعجم ٢ / ٥١٠.

١٠

وفي قول الكميت الأسدي :

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان له الولاية لو أطيعا

وضبط لفظ «خم» في لسان العرب ـ طبعة دار صادر ـ بفتح الخاء ، ونقل عن ابن دريد أنه قال : «إنما هو خم ، بضم الخاء» (٤).

٢ ـ كما أنه يسمى ب «وادي خم» ، أخذا من واقع الموضع ، قال الحازمي : «خم : واد بين مكة والمدينة عند الجحفة ، به غدير ، عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة» (٥).

وقد ورد هذا الاسم في حديث السيرة لابن كثير ٤ / ٤٢٢ ونصه : «قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي عبيد ، عن ميمون أبي عبد الله ، قال : قال زيد بن أرقم ـ وأنا أسمع ـ : نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له : وادي خم ...».

وفي نص المراجعات ـ ص ٢١٧ ط ١٧ ـ : «وأخرج الإمام أحمد (٦) من حديث زيد بن أرقم : قال : نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بواد يقال له : وادي خم ، فأمر بالصلاة ، فصلاها بهجير ... إلى آخره».

٣ ـ وقد يطلق عليه «خم» اختصارا ، كما في كتاب «صفة جزيرة العرب» فقد قال مؤلفه الهمداني في ص ٢٥٩ ـ وهو يعدد بلدان (تهامة اليمن) ـ : «ومكة : أحوازها لقريش وخزاعة ، ومنها : مر الظهران ، والتنعيم ، والجعرانة ، وسرف ، وفخ ، والعصم ، وعسفان ، وقديد ـ وهو لخزاعة ـ ، والجحفة ، وخم ، إلى ما يتصل بذلك من بلد جهينة ومحال بني حرب».

__________________

(٤) أنظر : مادة : خمم ، من اللسان.

(٥) أنظر : معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ ، ومعجم معالم الحجاز ١ / ١٥٦.

(٦) عن : المسند ٤ / ٣٧٢.

١١

وكما في شعر معن بن أوس المزني :

عفا وخلا ممن عهدت به خم

وشاقك بالمسحاء من سرف رسم

وفي قول المجالد بن ذي مران الهمداني من قصيدة قالها لمعاوية بن أبي سفيان وقد رأى تمويهه وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان :

وله حرمة الولاء على الناس

بخم وكان ذا القول جهرا (٧)

٤ ـ وأطلق عليه في بعض الحديث اسم الجحفة من باب تسمية الجزء باسم الكل ، لأن خما جزء من وادي الجحفة الكبير ـ كما سيأتي ـ.

وقد جاء هذا في حديث عائشة بنت سعد الذي أخرجه النسائي في «الخصائص» ـ كما في المراجعات : ٢١٩ ـ ونصه : «عن عائشة بنت سعد ، قالت : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجحفة ...».

ورواه ابن كثير في السيرة ٤ / ٤٢٣ عن ابن جرير بسنده بالنص التالي : «عن عائشة بنت سعد ، سمعت أباها يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يوم الجحفة ، وأخذ بيد علي ...».

٥ ـ ويقال له : «الخرار» .. «قال السكوني : موضع الغدير غدير خم يقال له : الخرار» (٨).

ويلتقي هذا مع تعريف البكري في معجم ما استعجم ٢ / ٤٩٢ للخرار حيث قال : «قال الزبير : هو وادي الحجاز (٩) يصب على الجحفة».

٦ ـ ويختصر ناسنا اليوم الاسم فيطلقون عليه : «الغدير».

٧ ـ الغربة ، بضم الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة ، هكذا ضبطه البلادي في معجم معالم الحجاز ٣ / ١٥٩ ، وهو الاسم الراهن الذي يسميه به أبناء المنطقة

__________________

(٧) شعر همدان وأخبارها ، حسن عيسى أبو ياسين ، طبعة دار العلوم بالرياض ، ١٤٠٣ ه ، ص ٣٧٢.

(٨) معجم ما استعجم ٢ / ٥١٠.

(٩) هكذا بالأصل ، وصوابه : واد بالحجاز.

١٢

في أيامنا هذه ، قال البلادي : «ويعرف غدير خم اليوم باسم (الغربة) ، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من البلادية من حرب ، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على (٨) أكيال ، وواديهما واحد ، وهو وادي الخرار».

ويقيد لفظ «الغدير» بإضافته إلى (خم) تمييزا بينه وبين غدران أخرى ، قيدت ـ هي الأخرى ـ بالإضافة ، أمثال :

ـ غدير الأشطاط : موضع قرب عسفان.

ـ غدير البركة : بركة زبيدة.

ـ غدير البنات : في أسفل وادي خماس.

ـ غدير سلمان : في وادي الأغراف.

ـ غدير العروس : في وادي الأغراف أيضا (١٠).

وقد يطلق على غديرنا : «غدير الجحفة» ، كما في حديث زيد بن أرقم : «أقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ...» (١١).

سبب التسمية :

نستطيع أن نستخلص من مجموع التعريفات التي ذكرتها المعجمات العربية للغدير التعريف التالي :

الغدير : هو المنخفض الطبيعي من الأرض يجتمع فيه ماء المطر أو ماء السيل ، ولا يبقى إلى القيظ (١٢).

ويجمع على : غدر ـ بضم أوليه ـ ، وغدر ـ بضم أوله وسكون ثانيه ـ ، وأغدرة ، وغدران.

__________________

(١٠) أنظر : معجم معالم الحجاز ، ج ٦ ، مادة : غدير.

(١١) الغدير ١ / ٣٦ ، بيروت ، ط ٤.

(١٢) أنظر : لسان العرب وتاج العروس ومحيط المحيط والمعجم الوسيط ، مادة : غدر.

١٣

وعللوا تسمية المنخفض الذي يجتمع فيه الماء غديرا ب :

١ ـ أنه اسم مفعول لمغادرة السيل له ، أي أن السيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره ، بمعنى يتركه بمائه.

٢ ـ أنه اسم فاعل «من الغدر ، لأنه يخوف وراده فينضب عنهم ، ويغدر بأهله ، فينقطع عند شدة الحاجة إليه» (١٣).

وقواه الزبيدي في معجمه «تاج العروس» بقول الكميت :

ومن غدره نبز الأولون

بأن لقبوه الغدير الغديرا

وشرح معنى البيت : بأن الشاعر «أراد (أن) من غدره نبز الأولون الغدير بأن لقبوه الغدير ، فالغدير الأول مفعول نبز ، والثاني مفعول لقبوه».

وسبب التسمية الموقع بالغدير لأنه منخفض الوادي.

أما خم ، فنقل ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ عن الزمخشري أنه قال : «خم : اسم رجل صباغ ، أضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة».

ثم نقل عن صاحب «المشارق» أنه قال : «إن خما اسم غيضة هناك ، وبها غدير نسب إليها».

والتعليل نفسه نجده عند البكري في معجم ما استعجم ٢ / ٣٦٨ قال : «وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة ، يسرة عن الطريق ، وهذا الغدير تصب فيه عين وحوله شجر كثير ملتف ، وهو الغيضة التي تسمى خما».

تحديد الموقع جغرافيا :

نص غير واحد من اللغويين والجغرافيين والمؤرخين على أنه موقع غدير خم بين مكة والمدينة.

ففي لسان العرب ـ مادة : خم : «وخم : غدير معروف بين مكة والمدينة».

__________________

(١٣) تاج العروس ، مادة : غدر.

١٤

وفي النهاية ، لابن الأثير ـ مادة : خم : «غدير خم : موضع بين مكة والمدينة».

وفي معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ : «وقال الحازمي : خم : واد بين مكة والمدينة».

وفي المصدر نفسه : «قال الزمخشري : خم : اسم رجل صباغ ، أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة».

ويبدو أنه لا خلاف بينهم في أن موضع غدير خم بين مكة والمدينة ، وإنما وقع شئ قليل من الخلاف بينهم في تعيين مكانه بين مكة والمدينة ، فذهب الأكثر إلى أنه في (الجحفة) ، ويعنون بقولهم (في الجحفة) أو (بالجحفة) وادي الجحفة ـ كما سيأتي ـ.

من هؤلاء :

ابن منظور في لسان العرب ـ مادة : خمم ، قال : «وخم : غدير معروف بين مكة والمدينة ، بالجحفة ، وهو غدير خم».

والفيروز آبادي في القاموس المحيط ـ مادة : خم ، قال : «وغدير خم : موضع على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين».

والزمخشري في نصه المتقدم الذي نقله عنه الحموي في معجم البلدان ٢ / ٣٩٨ القائل فيه : «خم : اسم رجل صباغ ، أضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة».

وفي حديث السيرة لابن كثير ٤ / ٤٢٤ ـ المتقدم ـ : «قال المطلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا بالجحفة بغدير خم ...».

وكما قلت ، يريدون من (الجحفة) في هذا السياق : الوادي لا القرية التي هي الميقات ، وذلك بقرينة ما يأتي من ذكرهم تحديد المسافة بين غدير خم والجحفة ، الذي يعني أن غدير خم غير الجحفة (القرية) ، ولأن وادي الجحفة يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر فيكون الغدير جزءا منه ، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه.

وتفرد الحميري في الروض المعطار ـ ط ١٩٧٥ ص ١٥٦ ـ فحدد موضعه بين الجحفة وعسفان ، قال : «وبين الجحفة وعسفان غدير خم».

١٥

وهو ـ من غير ريب ـ وهم منه ، وبخاصة أنه حدد الموضع بأنه على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق ، حيث لا يوجد عند هذه المسافة بين الجحفة وعسفان موضع يعرف بهذا الاسم.

والظاهر أنه نقل العبارة التي تحدد المسافة بثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق من «معجم ما استعجم» ، ولم يلتفت إلى أن البكري يريد بيسرة الطريق الميسرة للقادم من المدينة إلى مكة ، وليس العكس ، فوقع في هذا التوهم.

قال البكري في معجمه ٢ / ٣٦٨ : «وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق» ، ـ وكما قلت ـ يريد بالميسرة جهة اليسار بالنسبة إلى القادم من المدينة إلى مكة بقرينة ما ذكره في بيان مراحل الطريق بين الحرمين ومسافاتها عند حديثه عن العقيق في ج ٣ ص ٩٥٤ ـ ٩٥٥ ، حيث بدأ بالمدينة ، قال : «والطريق إلى مكة من المدينة على العقيق : من المدينة إلى ذي الحليفة ...».

ونخلص من هذا إلى أن غدير خم يقع في وادي الجحفة على يسرة طريق الحاج من المدينة إلى مكة ، عند مبتدأ وادي الجحفة حيث منتهى وادي الخرار.

ومن هنا كان أن أسماه بعضهم بالخرار ـ كما تقدم ـ.

ولعل علة ما استظهره السمهودي في كتابه وفاء الوفا ٢ / ٢٩٨ ط ١ ، من أن الخرار بالجحفة هو ما أوضحته من أن غدير خم مبتدأ وادي الجحفة ، وعنده منتهى وادي الخرار.

ويؤيد هذا الذي ذكرته قول الزبير ـ الذي نقلته آنفا عن معجم ما استعجم ٢ / ٤٩٢ ـ من أن الخرار واد بالحجاز يصب على الجحفة.

وقد يشير إلى هذا قول الحموي في معجم البلدان ٢ / ٣٥٠ : «الخرار .... وهو موضع بالحجاز ، يقال : هو قرب الجحفة».

وعبارة عرام التالية تؤكد لنا أن الغدير من الجحفة ، قال ـ كما نقله عنه الحموي في معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ ـ : «ودون الجحفة على ميل غدير خم ، وواديه يصب في البحر» ، حيث يعني بواديه وادي الجحفة لأنه هو الذي يصب في البحر حيث ينتهي

١٦

عنده.

أما المسافة بين موضع غدير خم والجحفة (القرية = الميقات) فحددت ـ فيما لدي من مراجع ـ بالتالي :

ـ حددها البكري في معجم ما استعجم ٢ / ٣٦٨ بثلاثة أميال ، ونقل عن الزمخشري أن المسافة بينهما ميلان ناسبا ذلك إلى (القيل) إشعارا بضعفه.

وإلى القول بأن المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في معجمه ٤ / ١٨٨ قال : «وغدير خم بين مكة والمدينة ، بينه وبين الجحفة ميلان».

وقدر الفيروزآبادي المسافة بثلاثة أميال ، قال في القاموس ـ مادة : خم : «وغدير خم : موضع على ثلاثة أميال بالجحفة (١٤) بين الحرمين».

وقدرها بميل كل من نصر وعرام (١٥) ، ففي تاج العروس ـ مادة : خم : «وقال نصر : دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين».

وفي معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ : «وقال عرام : ودون الجحفة على ميل غدير خم».

وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة أمر طبيعي ، لأنه يأتي ـ عادة ـ من اختلاف الطريق التي تسلك ، وبخاصة أن وادي الجحفة يتسع بعد الغدير ، ويأخذ بالاتساع أكثر حتى قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتى البحر ، فربما سلك أحدهم حافة الجبال فتكون المسافة ميلا ، وقد يسلك أحدهم وسط الوادي فتكون المسافة ميلين ، ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال.

__________________

(١٤) بالجحفة ، هكذا في مصورة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر لعام ١٣٧١ ه = ١٩٥٢ م ، وصوابه : دون الجحفة.

(١٥) هما : عرام بن الأصبغ السلمي ، المتوفى نحو ٢٧٥ ه ، صاحب كتاب «أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه».

ونصر بن عبد الرحمن الإسكندري ، المتوفى ٥٦١ ه ، له : كتاب «الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها».

١٧

وصف الموضع تاريخيا :

احتفظ لنا التاريخ بصورة تكاد تكون كاملة المعالم متكاملة الأبعاد لموضع غدير خم ، فذكر أنه يضم المعالم التالية :

١ ـ العين :

ففي لسان العرب ـ مادة : خم : «قال ابن الأثير : هو موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك» (١٦).

وفي معجم ما استعجم ٢ / ٣٦٨ والروض المعطار : ١٥٦ : «وهذا الغدير تصب فيه عين».

وفي معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ : «وخم : موضع تصب فيه عين».

وتقع هذه العين في الشمال الغربي للموقع كما سيتضح لنا هذا من ذكر المعالم الأخرى.

٢ ـ الغدير :

وهو الذي تصب فيه العين المذكورة كما هو واضح من النصوص المنقولة المتقدمة.

٣ ـ الشجر :

ففي حديث الطبراني : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب بغدير خم تحت شجرات (١٧).

وفي حديث الحاكم : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع ،

__________________

(١٦) وانظر : النهاية ـ مادة : خم.

(١٧) المراجعات : المراجعة ٥٤.

١٨

ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن» (١٨).

وفي حديث الإمام أحمد : «وظلل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس» (١٩).

وفي حديثه الآخر : وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر» (٢٠).

والشجر المشار إليه هنا من نوع (السمر) ، واحد (سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم وفتح الراء المهملة ، وهو من شجر الطلح ، وهو شجر عظيم ، ولذا عبر عنه بالدوح كما في الأحاديث والأشعار التي مر شئ منها ، واحده دوحة ، وهي الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة.

وهو غير (الغيضة) الآتي ذكرها ، لأنه متفرق في الوادي هنا وهناك.

٤ ـ الغيضة :

وهي الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتف ، وتجمع على غياض وأغياض.

وموقعها حول الغدير ، كما ذكر البكري في معجم ما استعجم ٢ / ٣٦٨ ، قال : «وهذا الغدير تصب فيه عين ، وحوله شجر كثير ملتف ، وهي الغيضة».

ومر بنا أن صاحب المشارق ذكر «أن خما اسم غيضة هناك ، وبها غدير نسب إليها».

٥ ـ النبت البري :

ونقل ياقوت الحموي في معجمه البلداني ٢ / ٣٨٩ عن عرام أنه قال : «لا نبت فيه غير المرخ والثمام والأراك والعشر».

__________________

(١٨) م. ن.

(١٩) م. ن.

(٢٠) م. ن.

١٩

٦ ـ المسجد :

وذكروا أن فيه مسجدا شيد على المكان الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وصلى وخطب ونصب عليا للمسلمين خليفة ووليا.

وعينوا موقعه بين الغدير والعين ، قال البكري في معجمه ٢ / ٣٦٨ : «وبين الغدير والعين مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

وفي معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ أن صاحب المشارق قال : «وخم موضع تصب فيه عين ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ويبدو أن هذا المسجد قد تداعى ولم يبق منه في زمن الشهيد الأول ، المتوفى سنة ٧٨٦ ه ، إلا جدرانه ، كما أشار إلى هذا الشيخ صاحب الجواهر ـ في الجواهر ٢٠ / ٧٥ طبعة النجف ـ نقلا عن كتاب «الدروس في فقه الإمامية» للشهيد الأول ، قال : «وفي الدروس : والمسجد باق إلى الآن جدرانه ، والله العالم».

أما الآن فلم نجد له أثرا .. كما سأشير إلى هذا فيما يعقبه.

٧ ـ ونقل ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٣٨٩ عن الحازمي أن «هذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة».

يقال : وخم المكان وخامة إذا كان غير ملائم للسكنى فيه.

٨ ـ ومع وخامته ذكر عرام ـ فيما نقله ياقوت عنه ـ أن به أناسا من خزاعة وكنانة ، ولكنهم قليلون ، قال : «وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير».

وصف مشهد النص بالولاية :

وينسق على ما تقدم من وصف الموضع تاريخيا وصف حادثة الولاية بخطواتها المتسلسلة والمترتب بعضها على بعض لتكتمل أمام القارئ الكريم الصورة للحادثة التي أعطت هذا الموضع الشريف أهميته كمعلم مهم من معالم السيرة النبوية المقدسة ، وتتلخص بالتالي :

٢٠