إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٨

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

بسم الله الرحمن الرحيم

تتمة الباب الثالث (١)

(الذي عقدناه للاشارة الى بعض علومه عليه‌السلام)

كونه عليه‌السلام واضعا لعلم النحو

وقد تعرّض له جماعة من أعلام القوم ننقل كلمات جملة منهم مع رعاية ترتيب يقع كلام كلّ واحد منهم تلو ما يناسبه في مضمونه.

فمنهم العلامة أبو البركات الأنباري في «لمع الأدلة في اصول النحو» (ص ٩٧) قال :

أوّل من وضع قواعد أصوله ، ونبّه على فروعه وفصوله ذلك الحبر العظيم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

ومنهم العلامة المذكور في «نزهة الالباء» (ص ٣ ط القاهرة) قال : اعلم أيّدك الله بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق ، أنّ أوّل من وضع علم العربيّة وأسّس قواعده ، وحدّ حدوده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأخذ عنه

__________________

(١) وهو الباب الثالث من أبواب المقصد الثالث (الذي عقدناه في علم مولانا أمير المؤمنين على عليه‌السلام).

١

أبو الأسود الدّئلي. (١)

ومنهم العلامة الشيباني القفطي في «انباه الرواة على أنباء النحاة» (ج ١ ص ٤ ط القاهرة) قال :

الجمهور من أهل الرواية على أنّ أوّل من وضع النحو أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ومنهم العلامة النحو والأدب أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النهاوندي البغدادي المتوفى سنة ٣٣٧ في «الإيضاح في علل النحو» (ص ٤٢

__________________

(١) قال العلامة المذكور عند ذكره لذلك.

وكان أبو الأسود ممن صحب أمير المؤمنين على بن أبي طالب وكان من المشهورين بصحبته ومحبته ومحبة أهل بيته وفي ذلك يقول :

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليا

فقلت لهم فكيف يكون تركي

من الأشياء ما يحصى عليا

أحب محمدا حبا شديدا

وعباسا وحمزة والوصيا

فان يك حبهم رشدا أصبه

وفيهم اسوة ان كان غيا

فكم رشدا أصبت وحزت مجدا

تقاصر دونه هام الثريا

وكان ينزل البصرة في بنى قشير وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته عليا وأهل بيته فإذا ذكر رجمهم له قالوا : ان الله تعالى يرجمك فيقول لهم : تكذبون لو رجمنى الله أصابنى ولكنكم ترجمون فلا تصيبون.

وروى أن سبب وضع على (ع) لهذا العلم أنه سمع أعرابيا يقرأ : لا يأكله الا الخاطئين فوضع النحو.

وقال في (ص ٩)

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره أخذ أبو الأسود الدئلي النحو عن على بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

٢

ط مكتبة دار العروبة بالقاهرة) قال :

وقد روى لنا أن أوّل من قال ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، أعنى قوله : الكلام اسم وفعل وحرف.

وفي (ص ٨٩)

ويقال : انه (اى أبا الأسود الدّئلى) أوّل من سطر كتاب الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فسئل عن ذلك فقال : أخذته من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

ومنهم العلامة ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ٣١٢ ط القاهرة) قال :

أبو الأسود الّذي نسب اليه علم النحو ويقال إنّه أول من تكلّم فيه وإنما أخذه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ومنهم العلامة الدينوري في «الشعر والشعراء» (ص ٢٨٠ ط السقاء بالقاهرة) قال :

في ترجمة أبي الأسود الدّئلي : إنّه يعدّ في نحويّين لأنّه أوّل من عمل في النحو بعد عليّ بن أبي طالب إلخ.

ومنهم علامة الأدب أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري الأهوازي في «المصون» (ص ١١٨ طبع الكويت) قال :

أول من تكلّم في النحو أبو الأسود ، وقال : إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أمره بذلك.

ومنهم العلامة الشيخ عبد الحي بن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (ج ١ ص ٧٦ طبع القاهرة) قال :

أبو الأسود الدّئلي الّذي أسّس النحو بإشارة عليّ إليه.

ومنهم العلامة أحمد القلقشندي في «صبح الأعشى» (ج ١ ص ٣٥٠ ط القاهرة) قال :

أبو الأسود الدّئلي واضع علم النّحو بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(وفي ص ٤٢٠ ، الطبع المذكور)

٣

أول من وضع النّحو أبو الأسود الدّئلي بأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، وهو أوّل من نقّط المصاحف النّقط الأوّل على الاعراب ـ.

ومنهم العلامة السمعاني في «الأنساب» (ص ١١١٣) قال :

وقيل : إنّما سمّي هذا العلم بهذا الاسم ، لأنّ العرب لمّا اختلطوا بالعجم ولد لهم الأولاد من عجميّات فسد لسانهم ، وصاروا يلحنون في الكلام ، فقال عليّ لأبي الأسود الدّئليّ : قد فسد لسان المولّدين فاجمع في علم الاعراب شيئا.

ومنهم العلامة الشهير بابن النديم البغدادي في «الفهرست» (ص ٦٥ ط الاستقامة بالقاهرة) قال :

نقل عن أكثر العلماء أنّ النّحو أخذ عن أبي الأسود الدّئلي وأنّه أخذ عن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام. ثمّ قال :

قال أبو جعفر بن رستم الطبري : إنّما سمّي النّحو نحوا ، لأنّ أبا الأسود الدّئلي قال لعليّ عليه‌السلام وقد ألقى عليه شيئا من اصول النّحو.

قال أبو الأسود : واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع فسمّي ذلك نحوا.

وقد اختلف النّاس في سبب الّذي دعى أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو عبيدة : أخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب أبو الأسود وكان لا يخرج شيئا أخذه عن عليّ كرمّ الله وجهه إلى أحد ، حتّى بعث إليه زياد أن اعمل شيئا ، يكون للنّاس إماما ، ويعرف به كتاب الله ، الحديث.

ومنهم العلامة عبد الله بن سعد اليافعي في «مرآة الجنان» (ج ١ ص ٢٠٣ ط حيدرآباد) قال :

إنّما سمّي النّحو نحوا لأنّ أبا الأسود المذكور قال : استأذنت عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أن أضع نحو ما وضع فسمّي لذلك نحوا والله أعلم.

٤

ومنهم العلامة الكنفرانى الاسلامبولى في «الموفى» (ص ٤ ط مجمع العلمي العربي بسوريا) قال :

وكان مجلّي الحلبة في هذا المضمار أبو الأسود الدّئلي الكناني أخذ أعلام التابعين بإرشاد من الإمام عليّ رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة النسابة السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي في «تاج العروس» (ج ١ ص ١٠ ط القاهرة) في مادة «المولد» قال :

نقل السّيوطي في «الزهر» عن أبي الطيّب عبد الواحد بن عليّ اللّغوي ، في كتابه «مراتب النحويّين» ما حاصله : إنّ أوّل من رسم للنّاس النّحو واللّغة أبو الأسود الدّئلي وكان أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وكان من أعلم النّاس بكلام العرب.

ومنهم العلامة النحوي اللغوي أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله الزبيدي الإشبيلي المتوفى سنة (٣٧٩) في كتابه «طبقات النحاة» (ص ١٣ ط القاهرة) قال :

وقال أبو العباس محمّد بن يزيد : سئل أبو الأسود الدّئلي عمّن فتح له الطريق إلى الوضع في النّحو وأرشده إليه فقال : تلقيته من عليّ بن أبي طالب رحمه‌الله ، وفي حديث آخر قال : القي إلىّ عليّ أصولا احتذيت عليها.

ومنهم الحافظ السيوطي في «الوسائل» (ص ١٢٠ ط القاهرة) قال :

أخرج أبو الفرج في الأغاني ، من طريق جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال : قيل لأبي الأسود : من أين لك هذا العلم ، يعنون النحو ، قال : أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب ـ.

ومنهم العلامة البستوى الحنفي في «محاضرة الأوائل» (ص ٦٩ طبع الآستانة) قال:

٥

فقيل له (أي أبي الأسود الدّئلي) : من أين لك هذا العلم؟ أي النّحو ، فقال : أخذت حدوده عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، أوائل السيوطي.

ومنهم العلامة اليافعي في «مرآة الجنان» (ج ١ ص ٢٠٣ ط حيدرآباد الدكن) قال :

وقيل لأبي الأسود : من أين لك هذا العلم؟ يعنون النّحو ، قال : تلقّنت حدوده من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

ومنهم الحافظ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي المتوفى سنة ٣٢٢ في «الزينة في الكلمات الإسلامية العربية» (ص ٧١ ط دار الكتاب العربي بمصر):

قال عبد الله بن إبراهيم بن مهدي المقري المصري المعروف بالعمري : حدّثنا الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : جاء أعرابيّ إلى عليّ عليه‌السلام فقال :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، كيف تقرأ هذه الحروف ـ (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) ـ كلّنا والله يخطو. قال : فتبسّم أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : يا أعرابي (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) ، قال : صدقت والله يا أمير المؤمنين ما كان الله ليظلم عباده. ثم التفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أبي الأسود الدّئلي ، فقال : إنّ الأعاجم قد دخلت في الدّين كافّة ، فاصنع للنّاس شيئا يستدلّون به على صلاح ألسنتهم. ورسّم له الرّفع والنصب والخفض. وقد روي في هذه القصة أخبار غير هذه.

ومنهم العلامة أبو البركات الأنباري في «نزهة الالباء» (ص ٣ ط القاهرة) قال :

وحكى أبو حاتم السجستاني ولد أبو الأسود الدّئلي في الجاهليّة وأخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، إلى أن قال : والصحيح أنّ أوّل من وضع النحو عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، لأن الروايات كلّها تستند إلى أبي الأسود ، وأبو الأسود يسند إلى عليّ فإنّه روى عن أبي الأسود أنّه سئل فقيل له : من أين لك هذا النحو؟

٦

فقال : لفقّت حدوده من عليّ بن أبي طالب.

ومنهم العلامة الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج ٣ ص ٩٤ ط مصر) قال : وقد أمره (اي أبا الأسود) عليّ رضي‌الله‌عنه بوضع النّحو فلمّا أراه أبو الأسود ما وضع قال : ما أحسن هذا النحو الّذي نحوت ، ومن ثمّ سمّي النّحو نحوا.

ومنهم العلامة المعاصر الحاج ميرزا عبد الله الزنجاني في «تاريخ القرآن» (ص ٦٥ ط القاهرة) :

وكان أبو الأسود الدئلي قد تعلّم اصول النّحو من عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام واشتهر هو بعد ذلك بعلم العربيّة.

سبب تأسيسه عليه‌السلام لعلم النحو

وقد ذكر في كلمات القوم لذلك وجوه :

(الاول والثاني)

ما تقدّم في تضاعيف ما نقلناه عن القوم قبيل هذا

(الثالث)

ما ذكره جماعة من أعلام القوم :

منهم العلامة أبو العباس محمد بن يزيد الشهير بالمبرد في «كتاب الفاضل» (ص ٥ ط دار الكتب بمصر) قال :

وذكر أن السبب الّذي بني له أبواب النحو وعليه اصّلت أصوله إنّ ابنة أبي الأسود الدّئلي قالت : يا أبت ما أشدّ الحرّ قال : الحصباء بالرّمضاء ، قالت :

٧

إنّما تعجبت من شدّته ،. قال : أوقد لحن النّاس ، فأخبر بذلك عليّا رحمة الله عليه فأعطاه اصولا بني منها ، وعمل بعده عليها ، فأخذه عن أبي الأسود عنبسة بن معدان المهري الّذي يقال له عنبسة الفيل.

ومنهم علامة الأدب الشيخ أبو الفتح نصر الله بن محمد بن الأثير الشافعي في «المثل السائر» (ص ٥ طبع القاهرة) : قال :

وأول من تكلّم في النّحو أبو الأسود الدّئلي ، وسبب ذلك أنّه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له : أبت ما أشدّ الحرّ متعجبة ورفعت أشدّ فظنّها مستفهمة فقال : شهرنا حرّ فقالت : يا أبت إنّما أخبرتك ولم أسألك فأتى عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال : يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحلّ فقال له : وما ذاك؟ فأخبره خبر ابنته ، فقال : هلمّ صحيفة ثمّ أملى عليه : الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعني ، ثمّ رسم له رسوما فنقلها النحويون في كتبهم.

ومنهم العلامة الشيخ محمد جمال الدين في «شرح العيون» (المطبوع بهامش الغيث المسجم ج ٢ ص ٣٦) قال :

أوّل من وضع علم النّحو أبو الأسود الدّئلي ، وسبب وضعه لذلك أنّه دخل على ابنته بالبصرة ، فقالت له : يا أبت ما أشدّ الحرّ فقال : شهر آذار ، فقالت : يا أبت إنّما أخبرتك ولم أسألك ، وكان مرادها التّعجب ، فأتى أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فقال : يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب لمّا خالطت الأعاجم ، ويوشك أن تضمحلّ ، وأخبره خبر ابنته ، فأمره فاشترى صحفا فأملى عليه : الكلام كلّه لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعني ، ثمّ قال له : انح هذا النّحو فسمّي النّحو ، ثمّ رسّم رسوم النّحو كلّها.

٨

ان سلسلة طبقات النحويين تنتهي اليهعليه‌السلام

ذكره القوم :

منهم العلامة القفطي في «انباه الرواة على أنباء النحاة» (ج ١ ص ٦ طبع القاهرة) قال :

وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح ، أنّ أوّل من وضع النّحو عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وأخذ عنه أبو الأسود الدّئلي ، وأخذ عن أبي الأسود الدّئلي نصر بن عاصم البصري ، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلاء البصري ، وأخذ عن أبي عمرو الخليل بن أحمد ، وأخذ عن الخليل سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (١) وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمّد المازني الشيباني وأبو عمرو الجرمي وأخذ عن المازني والجرمي أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد ، وأخذ عن المبرّد أبو إسحاق الزّجاج وأبو بكر بن السرّاج ، وأخذ عن ابن السرّاج أبو عليّ الحسن بن عبد الغفار الفارسي ، وأخذ عن الفارسي أبو الحسن عليّ بن عيسى الرّبعي ، وأخذ عن الربعي أبو نصر القاسم بن مباشر الواسطيّ ، وأخذ عن ابن المباشر طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري ، وأخذ أيضا عن الزّجاج أبو جعفر النحاس أحمد بن إسماعيل المصري ، وأخذ عن النحاس أبو بكر الأدفويّ (٢) وأخذ عن الأدفويّ أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الحوفيّ وأخذ عن الحوفيّ طاهر بن أحمد بن بابشاذ النّحوي وأخذ عن ابن بابشاذ أبو عبد الله محمّد بن بركات النّحويّ المصرىّ ، وأخذ عن ابن بركات وعن غيره أبو محمّد بن بريّ ، وأخذ عن ابن بري جماعة من علماء أهل مصر

__________________

(١) بضم القاف ثم فتح ، النون وسكون الباء الموحدة كذا ضبطه في تاج العروس (ج ٣ ص ٥٠٨)

(٢) هو محمد بن على الادفوى ترجمته مذكورة في الإنباه برقم (٦٨٤) فراجع.

٩

وجماعة من القادمين عليه من المغرب وغيرها ، وتصدّر في موضعه بجامع عمرو بن العاص تلميذه الشيخ أبو الحسين النّحويّ المصريّ المنبوز بخرء الفيل. ومات في حدود سنة عشرين وستّمائة ـ.

بعض ما ألقاه عليه‌السلام الى أبى الأسود

من اصول النحو

وننقل شطرا من ذلك عن كتب القوم :

فمنهم العلامة ابن أبى الحديد في «شرح النهج» (ج ١ ص ٦ ط القاهرة) قال :

ومن العلوم علم النحو والعربيّة ، وقد علم النّاس كافّة أنّه هو الّذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدّئلي جوامعه وأصوله ، من جملتها : الكلام كلّه ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف ، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرّفع والنّصب والجرّ والجزم ، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لأنّ القوّة البشريّة لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط ـ.

ومنهم العلامة الشيباني في «انباه الرواة» (ج ١ ص ٤ ط القاهرة) قال : قال : أبو الأسود الدّئلي رحمه‌الله : دخلت على أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فرأيته مطرقا مفكرا ، فقلت : فيم (١) تفكّر يا أمير المؤمنين؟ فقال : سمعت ببلدكم لحنا ، فأردت أن أصنع كتابا في اصول العربيّة ، فقلت له : إن فعلت هذا أبقيت فينا (٢) هذه اللّغة العربيّة ، ثمّ أتيته بعد أيّام ، فألقى إلىّ صحيفة فيها :

__________________

(١) في الأصل فيما تفكر

(٢) في رواية ياقوت عن الزجاج ، ان فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة(معجم الأدباء ج ١٤ ص ٤٩).

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام كلّه اسم ، وفعل ، وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل

ثم قال : تتّبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم أنّ الأشياء (١) ثلاثة : ظاهر ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر وإنّما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.

فجمعت أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النّصب ، فذكرت منها : إنّ ، وأنّ ، وليت ، ولعلّ ، وكأنّ ، ولم أذكر لكنّ ، فقال : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها. فقال : بلى هي منها ، فزدها فيها. (٢)

ومنهم العلامة أبو البركات الأنباري في «نزهة الالباء» (ص ٣ ط القاهرة) قال :

روى أبو الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال : إنّي تأمّلت كلام العرب فوجدته

__________________

(١) كذا في «معجم الأدباء» (ج ١٤ ص ٤٩) وفي «نزهة الالباء» ان الأسماء وهو أوفق.

(٢) ثم قال : هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو. وقد تعرض الزجاجي أبو القاسم الى شرح هذا الفصل من كلام على كرم الله وجهه ورأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الوراقين جزء فيه أبواب من النحو يجمعون على أنها مقدمة على بن أبي طالب الذي أخذها عنه أبو الأسود الدئلي.

وروى أيضا عن أبى الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام فأخرج لي رقعة فيها «الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى». قال : فقلت : ما دعاك الى هذا؟ قال : رأيت فسادا في كلام بعض أهلى ، فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطاء. فأخذ أبو الأسود النحو عن على عليه‌السلام. إلخ.

١١

قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الأعاجم ، فأردت أن أصنع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه ثمّ ألقى إليّ الرقعة وفيها مكتوب : الكلام كلّه اسم وفعل وحرف ، فالاسم ، ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبا به والحرف ما أفاد معنى. وقال لي : انح هذا النحو ، وأضف اليه ما وقع إليك واعلم يا أبا الأسود إنّ الأسماء ثلاثة ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر وإنّما يتفاضل النّاس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر وأراد بذلك الاسم المبهم قال : ثمّ وضحت بابي العطف والنّعت ثمّ بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إنّ وأخواتها ما خلا لكنّ فلمّا عرضتها على عليّ عليه‌السلام أمرني بضمّ لكنّ إليها ، وكنت كلّما وضعت بابا من أبواب النحو ، عرضته عليه رضي‌الله‌عنه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية ، قال : ما أحسن هذا النحو الّذى قد نحوت فلذلك سمّي نحوا.

ومنهم العلامة اليافعي في «مرآة الجنان» (ج ١ ص ٢٠٣ ط حيدرآباد) قال : وهو (اي أبو الأسود) أوّل من وضع النّحو ، وفي سبب ذلك اختلاف كثير ، قيل : إنّ عليّا رضي‌الله‌عنه وضع له الكلام كلّه ثلاثة اسم وفعل وحرف ، ثمّ دفعه إليه.

ومنهم العلامة ابن كثير الدمشقي في «البداية والنهاية» (ج ٨ ص ٣١٢ ط القاهرة) قال :

قال ابن خلّكان وغيره : كان أوّل من ألقى إليه علم النّحو عليّ بن أبي طالب وذكر له أنّ الكلام اسم وفعل وحرف ثمّ إنّ أبا الأسود نحى نحوه وفرّع على قوله ، وسلك طريقه ، فسمّي هذا العلم : النّحو ، لذلك.

ومنهم العلامة ابن التيمية الحنبلي الحراني في «منهاج السنة» (ج ٤ ص ١٤٢ ط القاهرة) قال :

روى أنه قال لأبي الأسود الدّئلي : الكلام اسم وفعل وحرف وقال : انح هذا النحو.

١٢

ومنهم العلامة الزبيدي في كتابه «تاج العروس» (ج ١٠ ص ٣٦٠ ط القاهرة) في مادّة (نحا).

قال بعد أن ذكر وجوها لتسمية النّحو : وقيل : لقول عليّ رضي الله تعالى عنه بعد ما علّم أبا الأسود الاسم والفعل وأبوابا من العربيّة : انح علي هذا النحو.

ومنهم الحافظ السيوطي في «تاريخ الخلفاء» (ص ١٨١ ط السعادة بمصر) قال:

وقال أبو القاسم الزّجاجي في أماليه : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن رستم الطبريّ حدّثنا أبو حاتم السجستاني حدّثني يعقوب بن إسحاق الحضرميّ حدّثنا سعيد بن سلم الباهليّ حدّثنا أبي عن جديّ عن أبي الأسود الدئلي أو قال : عن جدّي أبي الأسود عن أبيه ، فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن «إنباه الرواة» إلّا أنّه ذكر بدل قوله أبقيت : أحييتنا وبقيت فينا ـ وبدل قوله الكلام كله : الكلمة.

ومنهم الحافظ المذكور في «الوسائل» (ص ١١٩ ط القاهرة)

روى الحديث فيه أيضا بعين ما تقدّم عن «إنباه الرواة» إلّا أنّه ذكر بدل قوله أبقيت فينا أحييتنا وبقيت فينا.

ومنهم العلامة السكترى البغوي في «محاضرة الأوائل» (ص ٦٩ ط الآستانة) روى الحديث بعين ما تقدّم عن «الوسائل».

ومنهم العلامة البدخشي في «مفتاح النجا» (ص ٧٧ مخطوط)

روى الحديث نقلا عن السّيوطي في «تاريخه» بعين ما تقدّم عنه بلا واسطة لكنّه لم يبدل كغيره من الكتب قوله : الكلام كله بقوله : الكلمة.

ومنهم العلامة السيد مسعود بن حسن بن أبى بكر الشافعي في «الرحيم الرحمن» (ص ٨٨ ط القاهرة)

روى الحديث نقلا عن «تاريخ الخلفاء» بعين ما تقدّم عنه بلا واسطة.

١٣

ومنهم العلامة برهان الدين محمد بن ابراهيم بن يحيى بن على الأنصاري الكتبي في «غرر الخصائص الواضحة» (ص ١٥٧ طبع الشرفية بمصر) قال :

فأما النّحو فإنّ عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه هو الّذي ابتكره واخترعه وقالوا في أصل وضعه له : إنّ أبا الأسود الدّئلي كان ليلة على سطح بيته وعنده بنت له ، فرأت السّماء ونجومها وحسن تلألؤ أنوارها مع وجود الظّلمة ، فقالت : يا أبت ، ما أحسن السماء بضمّ النّون ، فقال : أي بنية نجومها وظنّ أنّها أرادت أيّ شيء أحسن منها فقالت : يا أبت إنّما أردت التعجب من حسنها ، فقال : قولي ما أحسن السماء فلمّا أصبح غدا على عليّ رضي‌الله‌عنه ، وقال : يا أمير المؤمنين حدث في أولادنا ما لم نعرفه وأخبره بالقصة فقال : هذا بمخالطة العجم ثمّ أمره فاشترى صحفا واملى عليه بعد ايّام : اقسام الكلام ثلاثة : اسم وفعل وحرف جاء لمعني وجملة من باب التّعجب ، وقال انح نحو هذا فكان ذلك اوّل ما الّف في النّحو ، ثمّ قال : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا ابا الأسود إنّ الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر قال : فجمعت منها أشياء وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النّصب فذكرت منها إنّ وأنّ وليت ولعلّ وكأنّ ولم أذكر لكنّ فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها ، قال : بل هي منها فزدتها فيها ـ.

ومنهم العلامة المير حسين بن معين الدين الميبدى اليزدي في «شرح «ديوان أمير المؤمنين» (ص ١٨٣ مخطوط) قال :

روى انّ أبا الأسود الدّئلي سمع من يقرأ : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بالجرّ فذكره لعليّ فقال : بمخالطة العجم ، أقسام الكلام ثلاث : اسم ، وفعل ، وحرف ، والاسم ما أنبأ عن المسمّي ، والفعل ما أنبأ عن حركه المسمّى ، والحرف ما أوجد معنى في غيره ، والفاعل مرفوع وما سواه فرع عليه ، والمفعول منصوب وما سواه فرع عليه ، والمضاف إليه مجرور وما سواه فرع عليه ، يا أبا الأسود انح هذا النّحو.

١٤

ومنهم العلامة ابو الطيب عبد الواحد بن على اللغوي الحلبي المتوفى سنة ٣٥١ في «مراتب النحويين» (ص ٨ طبع القاهرة) قال :

وكان أبو الأسود أخذ ذلك (اي علم النحو) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنّه سمع لحنا فقال لأبي الأسود : اجعل للنّاس حروفا وأشار له إلى الرّفع والنّصب والجرّ وكان أبو الأسود ضنينا بما أخذه من ذلك عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأخبرنا محمّد بن يحيى ، قال : أخبرنا محمّد بن يزيد عن الخليل قال لم يزل أبو الأسود ضنينا بما اخذه عن عليّ عليه‌السلام.

ومنهم علامة النحو القاضي ابو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي الشيرازي المتوفى سنة ٤٦٨ في «اخبار النحويين» (ص ١١ ط مكتبة مصطفى الحلبي بمصر)

قال أبو عبيدة معمّر بن المثنّى : أخذ أبو الأسود عن علىّ بن أبي طالب عليه‌السلام العربية ، فكان لا يخرج شيئا ممّا اخذه عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إلى احد ، حتّى بعث إليه زيادا عمل شيئا تكون فيه إماما (ينتفع النّاس به) وتعرب به كتاب الله فاستعفاه من ذلك حتّى سمع ابو الأسود قارئا يقرأ : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) فقال : ما ظننت ان امر الناس صار إليّ فرجع إلى زياد فقال : انا افعل ما امر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول فأتى بكاتب من عبد القيس ، فلم يرضه ، فأتى بآخر (قال العباس احسبه منهم) فقال ابو الأسود : إذا رأيتنى قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، فان ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف فان اتبعت شيئا من ذلك غنّة ، فاجعل مكان النقطة نقطتين ، فهذا نقط ابى الأسود. ومنهم علامة النحو واللغة والحديث أبو الفتح عثمان بن جنى المتوفى سنة ٣٩٢ في «الخصائص» (ج ٢ ص ٨)

وروى من حديث عليّ رضي‌الله‌عنه مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، حتى قال الأعرابي : برئت من رسول الله ،

١٥

فأنكر ذلك عليّ عليه‌السلام ، ورسم لأبي الأسود من عمل النّحو ما رسمه : ما لا يجهل موضعه.(١)

علمه عليه‌السلام بالفصاحة

وقد اشتهرت فصاحته في الآفاق يعرفه كلّ مخالف ومؤالف حتّى قيل : إنّ كلامه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق وناهيك في ذلك المراجعة إلى خطبه عليه‌السلام وكلماته ، وقد جمعنا ممّا أورده القوم من ذلك في كتبهم قدرا كثيرا نستدركه على ما جمعه في نهج البلاغة في مجلّد مستقلّ من ملحقات الاحقاق إن شاء الله تعالى ولا نذكر هاهنا إلا أنموذجا مما ذكره القوم في فصاحته.

قال العلامة الشهير بابن أبى الحديد في «شرح النهج» (ج ١ ص ٨ ط القاهرة) وأما الفصاحة فهو عليه‌السلام إمام الفصحاء وسيّد البلغاء ، وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ، قال عبد الحميد ابن يحيى : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثمّ فاضت ، وقال ابن نباتة : حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سبعة «سعة ظ» وكثرة حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب ، ولمّا قال محقن بن أبي محقن لمعاوية : جئتك من عند أعيى النّاس قال له : ويحك كيف يكون أعيى الناس فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ويكفي هذا الكتاب الّذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يجاري في الفصاحة ولا يباري في البلاغة ، وحسبك انّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر ممّا دوّن له ، وكفاك في هذا الباب ما يقوله ابو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتّبيين وفي غيره من كتبه ـ.

__________________

(١) وفي القرطبي أن الأعرابي قال : او قد برئ الله من رسوله! فان يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. «ما لا يجهل موضعه» بدل من قوله : «ما رسمه».

١٦

وقال في (ج ٢ ص ٩٩ ط القاهرة) :

قال أبو عثمان : فكان جعفر يسميّه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنّه عليه‌السلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين إلّا من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لأنّ فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها ، أمّا المفردات فأن تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا معقدة ، وألفاظه عليه‌السلام كلّها كذلك ، فأمّا المركّبات فحسن المعنى ، وسرعة وصوله إلى الأفهام ، واشتماله على الصفات الّتي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض ، وتلك الصفات هي الصناعة الّتي سماها المتأخّرون البديع من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم وردّ آخر الكلام على صدره ، والترصيع ، والتّسهيم والتّوشيح ، والمماثلة ، والاستعارة ، ولطافة استعمال المجاز ، والموازنة ، والتكافؤ والتسميط ، والمشاكلة ، ولا شبهة انّ هذه الصّفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه ، مبثوثة متفرّقة في فرش كلامه عليه‌السلام ، وليس يوجد هذان الأمر ان في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها وأفكر فيها وأعمل رويته في رصفها ونثرها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ؛ وإن كان اقتضبها ابتداء وفاضت على لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير رويّة ولا اعتمال فأعجب وأعجب ، وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء تنقطع أنفاسهم على اثره ويحقّ ما قال معاوية لمحقن الضبي لمّا قال له : جئتك من عند أعيى النّاس :

يا ابن اللخناء ألعليّ تقول هذا؟ وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره. واعلم أنّ تكلف الاستدلال على أنّ الشمس مضيئة يتعب وصاحبه منسوب إلى السّفه وليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريّا بأشدّ سفها ممّن رام الاستدلال بالأدلّة النظريّة عليها.

١٧

علمه عليه‌السلام بالجفر والاعداد والاسم الأعظم

ونحن نورد بعض ما ذكره القوم في ذلك

منها ما ذكره العلامة القندوزى في «ينابيع المودة» (ص ٤١٤ ط اسلامبول قال :

عليّ أوّل من وضع مربّع في مائة في الإسلام وقد صنف الجفر الجامع في أسرار الحروف وفيه ما جرى للأوّلين وما يجرى للآخرين وفيه اسم الله الأعظم (١) وتاج آدم وخاتم سليمان وحجاب آصف عليهم‌السلام ، وكانت الأئمة الرّاسخون من أولاده رضي‌الله‌عنهم يعرفون أسرار هذا الكتاب الربّاني واللباب النوراني وهو ألف وسبعمائة مصدر المعروف بالجفر الجامع والنور اللّامع وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر. ثمّ الامام الحسين رضي‌الله‌عنه ورث علم الحروف من أبيه كرّم الله وجهه ، ثمّ الامام زين العابدين ورث من أبيه رضي‌الله‌عنهما ، ثمّ الامام محمّد الباقر ورث من أبيه رضي‌الله‌عنهما. ثمّ الامام جعفر الصادق ورث من أبيه رضي‌الله‌عنهما وهو الذي غاص في أعماق أغواره واستخرج درره من أصداف أسراره وحلّ معاقد رموزه وفكّ طلاسم كنوزه وصنف الخافية في علم الجفر وجعل في خافيته الباب الكبير ابتث وفي الباب الصغير أبجد إلى قرشت ونقل أنّه يتكلم بغوامض الأسرار والعلوم الحقيقية وهو ابن سبع سنين (٢).

__________________

(١) وقال في (ص ٤٠٢ ، الطبع المذكور) وكان الاسم الأعظم مكتوبا على عصا موسى عليه‌السلام وسيف على كرم الله وجهه.

(٢) قال علامة التاريخ الشيخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات الحنفي المصري المتوفى سنة ٨٠٤ في «تاريخه» (ج ٨ ص ٣٤ طبع بيروت) في ترجمة الشيخ محمد بن الحسن الاخميمى الدمشقي المتوفى سنة ٦٨٤ :

انه كان متضلعا في علم الجفر والحروف وانه رأى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فأراه دائرة الحروف وعلمه الجفر والمستحصلة في المنام.

١٨

ومنها ما ذكره العلامة الأمر تسرى في «أرجح المطالب» (ص ١٦٢ ط لاهور) قال :

علم الجفر والحساب كان لعليّ عليه‌السلام وبالجملة ما من علم إلا ولعليّ عليه‌السلام له بناء وهو مصدر العلوم كلها.

ومنها ما ذكره العلامة الشيخ محمد بن طلحة الحلبي الشافعي في «الدر المنظم» (على ما في ينابيع المودة ص ٤٠٣ ط اسلامبول)

ذكر فيه :

جفر الامام علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وهو ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف بالجفر الجامع والنور اللّامع وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر عند الصوفية ، وقيل : مفتاح اللوح والقلم ، وقيل : سرّ القضاء والقدر ، وقيل : مفتاح علم اللدني ، وهما كتابان جليلان أحدهما ذكر الامام عليّ كرم الله وجهه على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة على ما سيأتي فانّه المسمى بخطبة البيان ، والآخر أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها وأمره بتدوينه فكتبه الامام عليّ رضي‌الله‌عنه حروفا مفرقة على طريقه سفر آدم عليه‌السلام في جفر يعني في رق قد صنع من جلد البعير واشتهر بين النّاس بالجفر الجامع والنور اللامع ، وقيل الجفر والجامعة وفيه ما جرى للأوّلين وما يجرى للآخرين ، والامام جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه قد جعل في خافية الباب الكبيرات ث إلى آخرها والباب الصغير أبجد إلى قرشت.

ونقل عنه في (ص ٤١٠ ، الطبع المذكور) ما هذه عبارته :

وقد تكلّم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في هذا السّر المصون واللؤلؤ المكنون على شأن الماضي والمستقبل ، وهو ألف وسبعمائة مصدر ، وهو محتو على ثمانية وعشرين صورة بعدد منازل القمر ، وقد ذكر أرباب الحقائق أنّ صورة من هذه الصّور احتوت على سبعين ملكا ، فجمعنا أعداد هذه الملوك فوجدناها

١٩

ألفا وتسعمائة وستّين ملكا ، وفيه أيضا سبعة أشكال بعدد الكواكب السيّارة ، قد ذكر الإمام علىّ فيها شأن أربعة عشر ملكا من بني أميّة ، أو لهم معاوية ، وآخرهم مروان بن محمّد وخلص لهم الأمر (٨٣) سنة كاملة وهي ألف شهر ، ثمّ فيه اثنا عشر شكلا بعدد حقائق البروج قد ذكر فيها أسرار خلفاء العباسيّة ، أوّلهم أبو العباس السفاح واسمه عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس رضي‌الله‌عنهم ، وقد بويع له في ربيع الأوّل في عام (١٣٢) من الهجرة ، وكانت خلافته أربع سنين وعشرة أشهر كخلافة الامام عليّ كرّم الله وجهه ، وآخرهم الامام المستكفي بالله وصفا لهم الزمان خمسمائة وتسعة وستّون سنة وكلهم تسعة وثلاثون خليفة ، وهذا الامام المهدى يبايعه أهل الله في شوال ، وقد ذكر فيه أرباب أسرار الملاحم والفتن من ابتداء ظهور المهدي إلى انقراض العالم ، وقد ورث هذا الكتاب النوراني واللباب الصمداني الامام المهدي وهو ورثه من أبيه الحسن العسكري ، وهو ورثه من أبيه علي النقي ، وهو ورثه من أبيه محمّد التقي ، وهو ورثه من أبيه عليّ الرّضا ، وهو ورثه من أبيه موسى الكاظم ، وهو ورثه من أبيه جعفر الصّادق ، وهو ورثه من أبيه محمّد الباقر ، وهو ورثه من أبيه زين العابدين ، وهو ورثه من أبيه الحسين ، وهو ورثه من أبيه الامام عليّرضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ومنها ما ذكره علامة علم الحروف في زمانه الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن على بن أحمد في «درة المعارف» (على ما في ينابيع المودة ص ٣٩٨ ط اسلامبول) قال :

وأمّا آدم عليه الصلاة والسلام أوّل من تكلّم في الحروف ، ثمّ ذكر علم الأنبياء بالحروف ، وتوارث بعضهم من بعض إلى أن انتهى إلى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : ثمّ إن عليّا كرّم الله وجهه ورث علم أسرار الحروف من سيّدنا ومولانا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإليه الاشارة

بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وهو أوّل من وضع وفق مائة في مائة في الإسلام ثمّ الامامان الحسن والحسين ورثا علم أسرار الحروف

٢٠