أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

(وَالمُخْلَصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ)

لو قرأنا المخلصين بكسر اللام وفتحها فهي تدل على أنّهم قد اختارهم الله واصطفاهم لتوحيده ، وكان الأئمّة عليهم‌السلام بهذا المعنى ، لانّهم عرفوا الله عزّ وجلّ بأعلى مراتب التوحيد ، ولم يرق أحد في معرفة الله وصفاته وافعاله ما رقى ائمتنا الاطهار عليهم‌السلام إلّا جدّهم الأعظم سيّد المرسلين وخاتم النّبيّين محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والاخلاص عبادة من تنزه النّية من الشوائب والاغراض الدنيوية بل الاخروية وتجريدها ، وبأن لا يقصد بالأعمال إلّا رضا الله رب العالمين ، ولذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجارة ، وإنّ قوما عبدوا الله رهبة ، فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً ، فتلك عبادة الاحرار» (١).

أشارة واضحة الى مقامات العبودية :

تارة : تكون العبودية تكون خوفاً من العقاب ، ونار جهنم ، كما أن العبيد يخافون من سيّدهم في عدم القيام بالاعمال الملقاة على عاتقهم ، ولذا اعتبر الإمام علي عليه‌السلام هذه الطائفة من العبادة عبادة العبيد.

وأخرى : تكون العبودية تكون طمعاً في نيل الملذّات والوصول الى الحياة الابدية والسّعادة وأن يمرح ويسرح في الجنان كما يشأ ويستفيد من ملذاتها فاعتبر الإمام عليه‌السلام عبادة هؤلاء عبادة التجار.

والثّالثة : طائفة لا تعبد الله خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنّته ، بل يرى أحدهم نفس العبادة فيها من الفيوضات الالهية أكثر من تلك المعاني ، أي يرى الله سبحانه

__________________

(١) نهج البلاغة : الحكمة (٣٣٧) ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٨.

٨١

وتعالى أهلاً للعبادة والتجليل والتهليل والتسبيح ، فتعتبر عبادة هؤلاء ، من النّاس عبادة الاحرار.

ولم يصل أي هذه المرتبة من العبادة إلّا القلة القليلة من عباد الله سبحانه ، ويعتبر ائمّة الشيعة في أعلى مراتبها وأسمى مقاماتها إخلاصاً وسعياً وشوقاً.

وورد في حقيقة الاخلاص ، أن الاخلاص عبارة عن ان تقول ربّي الله ثمّ تستقيم في قولك كما أمرت ، وتعمل الصالحات لله سبحانه دون أن تبتغي من الآخرين ان يمدحوك عليها.

ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (١).

قال عليه‌السلام : لا يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً وانّما الاجابة خشية الله ، والنيّة الصّادقة ، ثم قال عليه‌السلام :

الإبقاء على العمل حتى يخلص شد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله عزّ وجلّ والنّية أفضل من العمل ألا وأنّ النّية هي العمل ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ) (٢) يعني نيّته (٣).

وطريق كسب الاخلاص يحصل في كسر الاهواء الحظوظ النفسانية ، وقطع الطمع عن أهل الدنيا وزخارفها ، والاستعداد للآخرة ، وأن لا يرى الدنيا شيئاً بالنسبة ما أعدّه الله عزّ وجلّ لعباده في النشاة الاخرى ، والزام النفس على تحصيل الاخرة بصورة لا يجد في قلبه سوى حبّ الله عزّ وجلّ ورضاه.

وكم من أعمال يُتعب الإنسان نفسه لها ويظن أنّها كانت لله عزّ وجلّ وخالصاً

__________________

(١) الملك : ٢ ، هود : ٧.

(٢) الاسراء : ٨٤.

(٣) تفسير الصّافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٠٠ ، وتفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١٩ ، ص ٣٥٥.

٨٢

لوجهه ، وبسبب غروره وعجبه تذهب هباء منثوراً.

وعلّة ذلك يرجع الى عدم معرفته لآفات العمل وغفلته بمراصد الشيطان ومكائده ، وعندما يرى في الاخرة أن هذا الاعمال الحسنة قد تبدلت الى سيئات ينتبه من نومه وعندئذ لا تنفع النّدامة كما يقول الله تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (١).

لقد ساوى القرآن الكريم هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا مع الذين لم يقدموا لانفسهم فيها شيئاً.

والاخلاص في العمل علاوة على آثاره ونتائجه الحسنة في الاخرة ، لا يخلو من الثمار في الدنيا بل له فوائد كثيرة وورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما أخلص عبد لله عزّ وجلّ أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (٢).

وفي مختصر الاحياء للشّيخ شرف الدّين يذكر في باب الاخلاص ويقول : إذا أخلص الانسان عمله فسوف تظهر آثار ذلك عليه وعلى أبنائه الى يوم القيامة ، كما ورد أنّه عندما نزل آدم عليه‌السلام الى الارض جاءت جميع الحيوانات والوحوش لزيارته والسلام عليه ، فأخذ آدم عليه‌السلام بالدعاء لكلّ طائفة منها بحسب حالها حتى جاءت طائفة من الغزلان فدعى لها ومسح بيده المباركة على ظهرها ، فلهذا صار المسك في بطن الغزال من بركة يد آدم عليه‌السلام ، فلمّا رجعت هذه الطائفة من الغزلان الى قومهم ، سألت الغزلان من أين لكن هذه الرّائحة العطرة ، فقلن : نحن ذهبنا لزيارة آدم صفوة الله فمسح على ظهرنا فظهرت آثار البركة فينا ، فجاءت بقية الغزلان الى آدم عليه‌السلام لأجل الحصول على هذه البركة فمسح عليهم ، ولكنه لم يحدث شيئاً إطلاقاً فقالوا : نحن ذهبنا الى آدم عليه‌السلام وسلّمنا عليه ومسح علينا ولكن لم يظهر أثر ذلك فينا.

__________________

(١) الكهف : ١٠٤.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٢٤٢ ، عيون أخبار الرضا : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٩.

٨٣

فقلن : أنّ عملكم لم يكن لله ولكن كان لغرض الاهواء النفسية ولتحصيل فأرة المسك ، ولكن اخوانكم من أوّل ذهبوا باخلاص لزيارة آدم عليه‌السلام فبذلك جعلت هذه البركة فيهم وسوف تبقى في أعقابهم الى يوم القيامة.

(والمُظْهَرِينَ لأمْرِ اللهِ ونَهْيِهِ)

يكفي في اثبات هذا المعنى لأئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ما تركوا من تراث عظيم ، من نهج البلاغة لامير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق وما يتضمنه هذا الكتاب الشريف من بيان فلسفة التوحيد والمعارف الحقّة ، والاحكام الالهية ، والمواعظة المؤثرة التي لا تجدها في غيره سوى القرآن الكريم.

والصحيفة السّجادية للامام زين العابدين عليه‌السلام الإمام الرابع من ائمّة الشيعة ، التي تحتوي على العلوم الحقة والمناجات العالية والادعية العملية ، وبسبب علو مرتبة هذا الكتاب سمي بزبور آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وما وصلت إلينا من الاحاديث الكثير الغنية بالمفاهيم الاسلامية التي وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة فأقدم علماؤنا ومحدثينا من المتقدمين من اصحابهم الى جمعها في اربعمأة كتاب سمّيت باسم «الاصول الاربعمأة» واحد رواة أحاديثهم أبان بن تغلب الذي روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام ثلاثين الف حديثاً (١) وجابر الجعفي رحمه الله الذي روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام تسعين الف حديثاً (٢).

وهذا معنى كونهم عليهم‌السلام مظهرين لامر الله سبحانه ونهيه.

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٧.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١.

٨٤

(وَعِبادَةِ المُكْرَمِينَ)

فانّ الله سبحانه وتعالى كرّمهم بالعصمة والطهارة والعلوم الحقة والمعارف الكاملة وفضلهم على الآخرين فقال عزّ اسمه : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (١).

بمعنى أنّه طهرهم عليهم‌السلام من الشرك والنّفاق ، وجعلهم معدن الطهارة والفضائل.

ولما اضاف الله سبحانه عبودية عبده إليه لكي يخصّه لنفسه ويظهر شرفه وفضائله كما قال عزّ وجلّ : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) (٢).

وقال سبحانه : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (٣).

فأشار سبحانه بهذه الايات الشّريفة الى أعلى مراتب القرب والعلو وأكمل مظاهر العبودية تتجسد في أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ولعل سبب تكريمهم عليهم‌السلام بأنهم انصفوا بمكارم الاخلاف فقد روي عن الامام الصّادق عليه‌السلام أنه قال :

«إن الله تبارك وتعالى خصّ رسوله بمكارم الاخلاق ، فامتحنوا أنفسكم فإنّ كانت فيكم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وارغبوا إليه في الزيادة منها ، فذكرها عشرة : اليقين ، والقناعة ، والصبر ، والشّكر ، والرّضا ، وحسن الخلق ، والسّخاء ، والغيرة ، والشّجاعة ، والمروة» (٤).

وفي بعض الروايات اضاف عليها «أداء الامانة».

ولا شك أن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا في مكارم الاخلاق نوادر عصرهم ، فان الله عزّ وجلّ منَّ بهم علينا ووفقنا أن نتبع مكارم أخلاقهم.

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣.

(٢) الحجر : ٤٢.

(٣) ص : ٧٢.

(٤) الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، باب العشرة : ص ٤٣١ ، ح ١٢.

٨٥

(الّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بَالقَولِ)

ما نطق أئمّتنا الاطهار عليهم‌السلام بشيء إلّا واخذوه من الله عزّ وجلّ ومأخذ كلامهم كلامه جل شأنه لان كلامهم كلام الله عزّ وجلّ كما وصف الله سبحانه النّبي الكريم قال عزّ اسمه : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (١).

والأئمّة عليهم‌السلام أوصياء وخلفاء الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل ما ثبت له صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت لهم أيضاً عليهم‌السلام سوى مقام النّبوة ، ودلت على هذا المعنى اخبار كثيرة ومتواترة (٢).

(وَهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ)

التزامهم عليهم‌السلام بأمره سبحانه في الاقوال والافعال والاحوال يختص بهم عليهم‌السلام دون الناس ، لأنّ تقدم الظّرف (وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) يفيد الاختصاص ، وكيف لا ، وأنى يتعجب المتعجبون من هذا الكلام وقد وصف الله سبحانه بهذا القول ملائكته وقال سبحانه : (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣).

وقد ثبت عقلاً ونقلاً تقدم الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وافضليتهم على الملائكة ووردت في هذا المقام روايات أشرنا إليها آنفاً.

(ورحمة الله وبركاته)

* * *

__________________

(١) النّجم : ٣ الى ٤.

(٢) فراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٥٢ الى ٤٦٤ ، باب ١٢ : «أنّه جرى لهم عليهم‌السلام من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّهم في الفضل سواء».

(٣) الانبياء : ٢٦ الى ٢٧.

٨٦

(السَّلامُ عَلَى الأئمَّةِ الدُّعَاةِ)

الائمّة جمع امام ، والامام هو الذي يُقتدى به (١) ، يعني السّلام على قادة النّاس الائمّة الدّعاة عليهم‌السلام الذين يهدون الناس الى الله سبحانه ويسوقونهم نحو طاعته وعبادته ـ كما مرّ الاشارة إليها.

(والقَادَةِ)

لانّهم عليهم‌السلام يقودون شيعتهم في الدنيا الى النجاة وفي الاخرة الى الجنة ، بل الى أعلى درجاتها.

روي محمّد الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا وشيعتنا آخذون بحجزتنا».

فقلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟

فقال عليه‌السلام : «الله أعظم من أن يوصف بحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمّد آخذون بأمر نبيّنا ، وشيعتنا آخذون بأمرنا» (٢).

يقول المؤلف : الاخذ بالحجزة كناية عن التمسك بالسبب ، فجعله الناس في الدنيا سبب تقربهم الى الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء عليهم‌السلام ، وهذا السبب هو

__________________

(١) يطلق الامام تارة على الذي يهدي الانسان إلى الله عزّ وجلّ واُخرى على الذي يهدي الانسان الى الشّيطان أو الى طريق جهنّم لأنّهم إمّا أئمّة الايمان وإمّا أئمّة الكفر ، كما يعبر عنهم القرآن الكريم ، اذاً الانسان مخير في انتخابه لاحدهما فالعاقل البصير لا يختار إلّا الذي يهديه الى الله والى الجنّة دون أن يتعصب الى ما كان مذهبه ومذهب أبيه وعشيرته أو أهل بلده ، بل يختار ما فيه رضى الله عزّ وجلّ ورضى رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد ورد في كتب التفاسير أن المراد من أئمّة الكفر في الآية الشريفة : (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) أبو سفيان بن حرب والد معاوية ، والاية في سورة التّوبة : ١٢ ، وراجع في معنى الآية الشريفة الى تفسير الطبري ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢ ، وتفسير ابن جزي ، ج ٢ ، ص ١٨ ، وتفسير السيوطي ، وتفسير الخازن ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، وتفسير الآلوسي : ج ١٠ ، ص ٥٩ ، وتاريخ ابن العساكر : ج ٦ ، ص ٢٩٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤ ، ح ١ ، التّوحيد : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٦٥.

٨٧

عبارة عن الطاعة والمتابعة الأوامرهم ، وتتحول هذه الاسباب الحسنة يوم القيامة الى أنوار فيضيء وينجو بها الانسان من الشّدائد والمهالك يوم القيامة ويهديه نحو الجنّة وأعلى العليين.

(الهُداةِ)

يهدون النّاس الى دين الحقّ.

روي عن بريد العجلي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١). فقال الإمام عليه‌السلام :

«رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر ، ولكلّ زمانٍ منا هادٍ يهديهم الى ما جاء به نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ الهداة من بعده عليّ ثمّ الاوصياء واحداً بعد واحد» (٢).

(والسَّادَةِ)

السّادة جمع السّيد يقال لرئيس القوم وكبيرهم المطاع في عشيرته وقومه وكان مورد تجليل واحترام ولو كان غير هاشمي أو علوي.

فاذا كان منهم فقد إجتمع له أشرف الرّئاسة والهاشميّة والعلوية ، بل يكون نوراً على نور.

وقد تطلق كلمة السّيد ويراد بها المالك ، والكريم ، والحليم والذي يتعب نفسه لراحة النّاس ، ووجه المناسبة فيها واضحة ، في الحديث النبوي الشريف : قال : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» (٣).

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) تفسير نور الثلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٣ ، وورد بهذا المعنى في الكافي ، ومعاني الاخبار ، والدر المنثور ، والثعلبي في تفسيره : وابن شهر آشوب في المناقب ، وشواهد التنزيل وغيرها.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٢٢٥ ، عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ،

٨٨

بمعنى أن هذه النعمة الالهية العظمى وصلت إليّ من قبل ربّي عزّ إسمه وليس من عندي ولا نلته بقوتي حتى افتخر بها.

وورد في حديث آخر في فضيلة الحسنين عليهما‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة» (١).

لأنّ أبناء الجنّة جميعاً شبان لا كهل فيهم كما زعم بعضهم.

وروى مالك بن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نحن سبعة سادات أهل الجنّة : أنا وعلي أخي ، وعمي حمزة ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي» (٢).

(الوُلاةِ)

الولاة جمع الوالي بمعنى الأمير ، والذي يتولى تدبير اُمور الآخرين ، فهو احق بهم واولى من الاخرين فيقال لهم وليٌّ ، لانّ الأئمّة الهداة عليهم‌السلام اولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أشار الى ذلك الله سبحانه في قرآنه المجيد.

(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (٣).

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال : «نزلت في الامرة ... الخ» (٤).

الامارة بهذا المعنى أن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أحق وأولى بالنّاس من أنفسهم ، مثلاً لو احتاج الرّسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الى غلام أحد من المؤمنين وهو مورد حاجته أيضاً ، فالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بأخذه وبهذا المعنى ورد حديث يقول : «النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اولى بكل مؤمن

__________________

ص ٢٠٢ ، وبهذا المعنى عن الامالي : لابن الشّيخ : ص ١٧٠.

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٥ ، ص ١٣٣.

(٢) رواه الحافظ البغدادي في تاريخه : ج ٩ ، ص ٤٣٤ ، والطبري في ذخائره : ص ٨٩ ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، ص ٢٧٦ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨١ ، والسيوطي في الحاوي للفتاوي : ج ٢ ، ص ٥٧ ، وابن حجر في صواعقه : ص ٢٣٢ ، غيرهم.

(٣) الاحزاب : ٦.

(٤) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٣٩.

٨٩

من نفسه ، وكذا عليّ عليه‌السلام من بعده.

وقيل له : ما معنى ذلك.

فقال عليه‌السلام : قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ترك دَيناً أو ضياعاً فعليَّ ومن ترك مالاً فلورثته إن الرجل ليست له على نفسه ولا ية إن لم يكن له مال وليس له على عياله أمر ولا نهي اذا لم يجر عليهم النفقة (١) والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ومن بعدها عزمهم هذا فمن هناك صاروا اولى بهم من أنفسهم» (٢).

يعني أن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء عليهم‌السلام من بعده لهم الولاية المطلقة سواء كان ذا ياسر أو اعسار ، فاذا أعسر الرجل فعلى النّبي والاوصياء صلوات الله عليهم ان يدفعوا نفقة عياله ، فعليه أنّهم عليهم‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ويقول الله سبحانه :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (٣).

نزلت هذه الآية الشّريفة في شأن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقد أجمع على ذلك جميع فرق المسلمين من العامّة والخاصّة. ذلك عندما سأله سائل وهو راكع فأشار سلام الله عليه باصبعه الى السّائل فنزع السّائل الخاتم من يده عليه‌السلام. هذا ما نقله الثّعلبي في تفسيره (٤).

وقال الشّيخ أبو علي : وردت هذه الرواية مفصلة ثمّ قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ

__________________

(١) فاذا امتنع عن نفقتهم أو كان معسراً تسقط ولايته عنهم.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤٠.

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه اله ، ج ٣ ، ص ٣ ، وكشف الغمة : ج ٩١ ، وكلاهما عن الثعلبي في تفسيره في رواية عن أبي ذر الغفاري رحمه الله ، بل رواه عن عنّه طرق فمنها ما رفعه الى عبابة بن ربعي ، وعبد الله بن الحسن انظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٩٥.

٩٠

فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري».

قال أبو ذر رحمه الله : فما إستتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه حتى نزل جبرئيل من عند الله عزّ وجلّ فقال عليه‌السلام : يا محمّد إقرأ ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (١).

وقال أبو علي أيضاً : قال الزمخشري في الكشّاف والعلّامة جار الله في ذيل هذه الآية الشريفة : فإن قلتَ : كيف صحّ أن يكون لعلي رضي الله عنه واللفظة جماعة؟

قلتُ : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً (الامام علي عليه‌السلام) ، ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، على أنّ سجية المؤمنين يجب أن يكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والاحسان وتفقد الفقراء ... (٢)

ثمّ قال أبو علي : وقع لفظ الجمع عن الواحد للتعظيم في اللغة أمر مشهور ومعروف ، إذاً لا يحتاج الى هذا الاستدلال.

يقول المؤلف : هذه الآية الشّريفة فيها دلالة واضحة على صحة امامة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام بلا فصل بعد النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورد أيضاً لما نزلت الآية الشريفة :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٣ ، عن تفسير الثعلبي ، واجمعت الاُمّة أنّ هذه الآية نزلت في علي عليه‌السلام لمّا تصدّق بخاتمه وهو راكع ، ولا خلاف بين المفسرين في ذلك ذكره والزمخشري ، ج ٢ ، ص ٥٤٣ ، الطبري ، ج ٦ ، ص ١٦٥ ، الواحدي في تفسيره أسباب النزول ، ص ١٤٨ ، الرازي في تفسيره الكبير ، ج ٣ ، ص ٤٣١ ، والخازن تفسيره ، ج ١ ، ص ٩٦ ، والسيوطي ، في جمع جوامه ، ج ٦ ، ص ٣٩١ ، والآلوسي ، في تفسيره روح المعاني : ج ٢ ، ص ٣٢٩ والبيظاوي ، ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ج ٢ ، ص ١٥٦ ، وعشرات التفاسير والكتب ال تاريخية الاُخرى ومن رواة أمثال عبد الله بن عباس ، وأبي ذر الغفاري ، وغالب بن عبد الله ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والاعمش ، وقيس بن الربيع ، اضافة الى ما ورد عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام.

(٢) تفسير الكشّاف : للزمخشري ، ج ١ ، ص ٦٤٩.

٩١

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) اجتمع نفر من اصحاب رسول الله في مسجد المدينة ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولوا في هذه الآية ، فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وان آمنا فان هذا ذلٌّ حين يسلط علينا ابن أبي طالب.

فقالوا : قد علمنا أنّ محمّداً صادق فيما يقول ، ولكن نتولاه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا.

قال الرّاوي : فنزلت هذه الآية : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا). يعني يعرفون ولاية علي عليه‌السلام (وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) بالولاية (١).

وقال خزيمة بن ثابت في ذلك :

فديتُ عليّاً إمام الورى

سراج البريّة مأوى التقى

وصيّ الرسول وزوج البتول

إمام البرية شمس الضحى

تصدّق خاتمه راكعاً

فأحسِن بفعل إمام الورى

ففضّله الله ربّ العباد

وأنزل في شأنه هل أتى (٢)

وأنشد حسان بن ثابت :

عليٌّ أمير المؤمنين أخو الهدى

وأفضل ذي نعل ومَن كان حافياً

وأوّل من أدّى الزّكاة بكفّه

وأوّل مَن صلّى ومن صام طاوياً

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

إليه ولم يبخل ولم يك جافياً

فدسّ إليه خاتماً وهو راكعٌ

وما زال أوّاها إلى الخير داعياً

فبشّر جبريل النّبي محمّداً

بذاك وجاء الوحي في حافياً (٣)

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٧٢ و ٧٣ ، ح ١٦٧ ، عن اصول الكافي : ج ١ ، ص ٤٢٧ ، ح ٧٧.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة الامجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٩١.

(٣) نفس المصدر.

٩٢

وروي أيضاً عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق قال كان خاتم علي عليه‌السلام الذي تصدّق به وهو راكع حلقة فضّة فيها مثقال ، عليها منقوش : «الملك لله» (١).

اللّهمّ اُرزق جميع المسلمين ولاية ومحبّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(والذَّادَةِ)

الذادة جمع ذائد من ذود ، بمعنى المنع والدّفع كما أنّ الله عزّ وجلّ أشار في حكايته عن بنات شعيب عليه‌السلام وقال : (وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) (٢).

اي تمنعان غنمهما من السقي حتى يتفرق النّاس ووجه المناسبة : أنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام يدفعون الباطل والانحراف من النفوذ والتغلغل في دين الله عزّ وجلّ ويمنعون الأُمّة من الهلاك والظلال.

(الحُمَاةِ)

الحماة جمع حام بمعنى الذي يحمي الإنسان من الاخرين لأنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام يحمون شيعتهم من الاراء الفاسدة والمذاهب الكاسدة والبليات المهلكة. فخلاص الشيعة ونجاتهم من هذا البلايا بسبب حفظهم وحمايتهم وهدايتهم وشفاعتهم وحمايتهم ووساطتهم عليهم‌السلام وهذا مختص بمن تمسك بحبلهم من الشيعة والمحبين.

يقول المؤلف : دفاع الائمّة عن مواليهم والتابعين لهم في الدنيا ويوم الجزاء

__________________

ومدح حسان بن ثابت مولانا الامام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في شعره أيضاً وقال :

من ذا بخاتمه تصدّق راكعاً

وأسرّها في نفسه اسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان في القرآن سمّي مؤمناً

في تسع آيات تلين غزازا

ذكره ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص : ص ١٠ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ص ١٢٣.

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ٢٠٣.

(٢) القصص : ٢٣.

٩٣

أمر ينحصر بهم اي لا يشاركهم أحد في الدفاع عن الاخرين حيّاً وميّتاً سوى ربيعة بن مكدم الكناني المعروف بحامي الظعن واصبح يضرب به المثل عند العرب ، أنّه الوحيد عند العرب حام ظعينته حيّاً وميّتاً ولذا حكي : أنّه لقي نبيشة ابن السلمي من بني سليم مع جماعته وقد خرج غازياً ، فأراد إحتواء ظعن بني كنانة فمانعه بطعنه نبيشة في عضده ، فقال يخاطب اُمّه :

شُدي على العصبِ اُمّ سبّار

فقد رزئت فارساً كدينار

فأجابته :

أنا بني ربيعة بن مالك

مرزّأٌ أخبارنا كذلك

من بين مقتول وبين هالك

فاستسقاها ، فقالت : اذهب فقاتل القوم فإن الماء لا يفوتك فكَّر على القوم فكشفهم ، وقال للظعن (العائلة) : إنّي لمائت وسأحميكن ميّتاً كما حميتكن حيّاً فالنجباء كذلك فوقف بإزاء القوم على فرسه متكئاً على رمحه ونزف دمه فقضى والقوم محجمون عن الاقدام عليه ، فلمّا طال وقوفه رموا فرسه فقمص فخر لوجهه وطلبوا الظعن فلم يلحقوهن (١).

وبهذا أشار السيّد جعفر الحلي رحمه الله في قصيدة له مدح بها مولانا ابا الفضل العباس بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام.

بَطَلٌ تَوَرثَ مِنْ أبِيهِ شَجاعَةً

فِيها اُنُوفُ بَني الضَّلالةِ تُرْغَمُ

حامِي الظّعِينة أيْنَ مِنْهُ رَبِيعةُ

أم أينَ مِنْ عُليا أبِيهِ مكدَّمُ (٢)

وعندما يكون أبو الفضل العباس عليه‌السلام من هذا البيت بهذه الدّرجة من الحماية والدّفاع عن مخدرات الرّسالة ، فكيف بأكابر هذه البيت الشريف من أئمّة الهدى عليهم‌السلام في الدنيا والاخرة.

__________________

(١) المستصقى في أمثال العرب : ج ١ ، ص ٨٨ و ٨٩.

(٢) سحر بابل وشجع البابل : ديوان السّيد جعفر الحلّي رحمه الله ، ص ٤٣١.

٩٤

(وَأهْلِ الذِّكْرِ)

كان الذكر ديدنهم عليهم‌السلام والذّكر إمّا عبارة عن القرآن الكريم حيث يقول : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) (١).

وقال أيضاً : (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) (٢).

ولعل ووجه تسمية القرآن الكريم بالذكر لانّه مذكر للنّاس بمهام الامور اي يذكرهم بأمر الاخرة والدين.

أو أنّ يكون المراد من الذكر نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو المراد من الذكر الكتب السماوية والانبياء عليهم‌السلام ، كما ذهب إليه المفسرون في تفسير هذه الآية الشريفة (٣).

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (٤).

وقيل المراد من الذكر إمّا التوراة أو جميع الكتب السالفة ، وعلى الاحتمالات الثلاثة يعتبر أئمّة الهدى عليهم‌السلام أهل الذكر ، روي عن عبد الرحمن بن كثير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الآية الشّريفة ، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٥).

قال الإمام عليه‌السلام : «أهل الذّكر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن المسئولون» (٦).

وروي الإمام الباقر عليه‌السلام عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير ههذ الآية : «الذكر أنا ، والائمّة عليهم‌السلام أهل الذّكر» (٧).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن قوله عزّ

__________________

(١) الزخرف : ٤٤.

(٢) ص : ٨.

(٣) المراد من هذه الآية الشريفة قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه.

(٤) الانبياء : ١٠٥.

(٥) النحل : ٤٥.

(٦) تفسير نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٥٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٠.

(٧) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٥٢.

٩٥

وجلّ : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ) (١).

ما الزبور وما الذكر؟

قال الإمام عليه‌السلام : «الذّكر عند الله ، الزبور الذي أنزل على داود ، وكل كتاب نزل من هو عند أهل العلم ونحن هم» (٢).

ولعل المراد من الذكر اللوح المحفوظ ولهذا قال الإمام عليه‌السلام : «الذكر عند الله ...» وقال الله تعالى : (وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (٣) وهو اللّوح المحفوظ.

(وَأُولِي الأمْرِ)

فانّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام اصحابُ أمر الإمامة والخلافة ، بمعنى أمر الله تعالى بطاعتهم في هذه الآية الشريفة :

(أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٤).

عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكر لأبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام قولنا في الاوصياء أنّ طاعتهم مفترضة ، فقال الإمام عليه‌السلام :

«نعم ، هم الذين قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).

وهم الذين قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (٥) (٦).

__________________

(١) الانبياء : ١٠٥.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٣٦ ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٦٤.

(٣) الرعد : ٣٩.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) المائدة : ٥٥.

(٦) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٧ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٠ و ٣٠١ ، الاختصاص : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٧٧.

٩٦

وما يجلب الانتباه في الآية الاخيرة هو ، أن هذه الآية نزلت في شأن الإمام عليه‌السلام عندما تصدق وهو راكع ، ونسبته الى سائر الائمّة عليهم‌السلام أمّا بالواسطة بمعنى عندما ينجز شخص من جماعة فإنّه تجوز نسبته الى الآخرين أيضاً ، أو أن هذا العمل قد صدر من كل واحد منهم. كما ورد هذا المعنى في بعض الروايات.

عن أبي الصّباح الكنانيّ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«نحن قوم فرض الله عزّ وجلّ طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولن صفوا العمال ، ونحن الرّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال الله في كتابه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ) (١) (٢).

البيان : الانفال ، الغنائم وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الارض بل فتحت صلحاً ، ومثل رؤوس الجيال وبطون الاودية ، والآجام وما هو مجرى ذلك.

والصّفو : من الغنيمة ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة أو خالص قيمة الشيء هي مختصّة بالرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام.

(وَبَقِيّةِ اللهِ)

فانّهم عليهم‌السلام بقايا الخلفاء والحجج الإلهية في الارض من الانبياء والاوصياء الماضين عليهم‌السلام كما ورد في روايات صحيحة أنّه لما يظهر الإمام القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» في مكّة المعظمة يسند ظهره على الكعبة ويقول :

«أنا بَقِيَّةُ اللهِ ، وَبَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُم» (٣).

__________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٦ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢١٩ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٤٥ ، تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٤٧.

(٣) كما ورد في تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٣٩٢ ، وتفسير الصافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٦٨ ، وكلاهما عن كمال الدين.

٩٧

ولعل هذا الكلام أشار الى الآية الكريمة في قوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (١).

واحياناً ورد بمعنى الرّحمة ، أي هم رحمة الله تعالى التي منَّ بها على عباده ، ولاجل ذلك ورد الحديث الذي ورد في وصفهم : «أنتم بقيّة الله في عباده».

ويحتمل أن يكون المعنى : الذين بوجودهم الشريف أبقى الله تعالى نعمه على عباد ورحمهم.

اذاً ، بهذه الصّورة يمكن حملها على المبالغة لقوله تعالى : (أُولُو بَقِيَّةٍ) (٢)

وقال بعضهم : أن المراد فيه «اُولو» تميز وطاعة ، بمعنى اصحاب الفهم والادراك والطاعة وغيرها.

(وَخِيَرَتِهِ)

أنّ الله عزّ وجلّ اختارهم لنفسه ، لأنّ الله عزّ وجلّ انتخبهم من بين الموجودات لمنصب الإمامة والوصية ، ولا يحق للنّاس أن يختاروا من أنفسهم أحداً لمنصب النّبوة والإمامة ، لانّه يجب أن يكون الإمام معصوماً وطيب الاصل والمنبت (٣) ، ولم يكن متلبساً بالظّلم والاجحاف ، ولا مطيعاً لهواه وأمياله وحتى يتمكن من الثبات والصمود في حفظ الدين والكتاب الكريم وان لا يطرأ عليه إعوجاج ، ولا يدرك هذا الامر سوى علام الغيوب وإلّا كان كمن ترك الاغنام

__________________

(١) هود : ٨٦.

(٢) هود : ١١٦.

(٣) لانّهم الشجرة الطيبة كما أسارة إليها النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله معبراً : «شجرة أنا أصلها ، وعلي فرعها والحسن والحسين ورقها ، فهل يخرج من الطيب إلّا الطيب ، وأنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

وفي لفظ الحاكم في المستدرك : ج ٣ ، ص ١٦٠ ، «أنا شجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنّة عدن ، وسائر ذلك في الجنّة».

٩٨

لهوى لذئب وفوض رئاسة العامة الى غير اهله علاوة على منافاته مع العدالة الالهية وبهذا المعنى تشير الآية الشريفة :

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١).

وجاء في الكافي في الحديث الذي يصف الإمام عن الإمام الصّادق عليه‌السلام فقال :

«فلم يزال الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه‌السلام من عقب كل إمام ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى لهم لخلقه ويرتضيهم ، كلّ ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقب إماماً ، علماً بيّناً ، وهادياً نيّراً ، وإماماً قيّماً ، وحجّة عالماً ، أئمّة من الله ، يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه ...» (٢).

(وَحِزْبِهِ)

يعني حزب الله (٣) وجماعته وجنده وأنصاره على دينه ، فيُقرأ بالكسر والسكون ، بمعنى الطائفة والجماعة والجيش ، لانّ أئمّة الاخيار عليهم‌السلام كانوا دائماً من بين الناس من حزب الله وجنود الرحمان ، بل هم قادة حزب الله من الواقع ، ولقد وصف الله سبحانه حزبه في قرآنه المجيد بقوله :

(أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٤).

__________________

(١) القصص : ٦٨.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٣.

(٣) ان الائمّة الاطهار عليهم‌السلام هم حقيقة جند الله وحزبه ، لأنّهم أخلصوا الله عزّ وجلّ في الطاعة والعبودية ، فأصبحوا له جنداً خلصاً ، فمن آمن بهم وصدقهم نجى وكان في حزب الله ومن كفر بهم وكذبهم كان في حزب الشيطان ، بل جعل الله الثّواب في محبّتهم وولايتهم ، لأنّهم حجّة الله وخلفائه في أرضه وسمائه.

(٤) المجادلة : ٢٢.

٩٩

(وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ)

أنّهم عليهم‌السلام مخازن علم الله عزّ وجلّ وهذه الجملة كناية عن كونهم عليهم‌السلام مخازن العلوم الالهية ، ومستودع الاسرار الرّبانية ، كما أشرنا إليه آنفاً من قبيل هذا الحديث المروي : «الانصار كرشي وعيبتي» (١).

ودلّت الاخبار المستفيضة عن العامّة الخاصّة أن العلم منهم لانّهم خزّانة علم الله تعالى وصدر إليهم لانّهم معدنه ومحلّه ، وفيهم مستقر ومنهم تعلّم من تعلّم ومن أخذ منهم بجدّ واخلاص سعُد في الدارين ومن أخذ منهم وأراد أن يتقدم عليهم هلك في الدّارين ، بل وأهلك معه كثيراً من الناس ، كالذين درسوا في مدرسة الامام الباقر والامام الصادق عليهما‌السلام ، ثمّ انقلبوا عليهما ابتغاءً لحطام الدنيا وزخارفها ، فكانت عاقبة أمرهم أن باعوا أنفسهم ودينهم للسلاطين والطغاة وأخذوا يلعسون بلاط حكام الجور ويحاربون من أوصى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزلت في حقّهم عشرات الآيات وشهد به الكتاب (٢).

(وحجّتِهِ)

فانّ الله عزّ وجلّ بهم يحتج على العباد ، احتج بهم عليهم‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نصارى نجران فنزلت الآية الكريمة في حقّهم : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢١ ، ص ١٦٠.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خازن علمي» شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ج ٢ ، ص ٤٤٨ ، الجامع الصغير وجمع الجوامع كلاهما للسيوطي كما في تربيته : ج ٦ ، ص ١٥٣ ، ومصباح الظّلام : ج ٢ ، ص ٥٦ ، وشرح العزيزي : ج ٢ ، ص ٤١٧ ، وحاشية شرح العزيزي للحفني : ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٢) إنّ ما ذكره المؤلف الجليل دام ظلّه له شواهد كثيرة في تاريخنا الاسلامي التمسه من كتب الشيعة والسنة وتجدها مستفيضة كما ذكر زاد الله تعالى في عمره.

١٠٠