أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

ومن تحت الثرى» (١).

وعن الوشا قال : سألت الإمام علي الرضا عليه‌السلام هل تبقى الأرض بغير الامام؟

قال عليه‌السلام : لا.

قلت : أنا نروي أنها لا تبقى إلّا أن بسخط الله عزّ وجلّ على العباد.

قال الإمام عليه‌السلام : «لا تبقى إذاً لساخت» (٢).

فقد دلّت الاخبار الكثيرة على أنّ الارض لو خليت من أحد منهم ظاهراً كان أو مستتراً أو غائباً لا نخسف بأهلها ، لأنّهم أركانها وقوامها ، وبوجودهم الشرف يحفظ الله عزّ وجلّ العباد من الانحراف والبلاد من الانخساف.

(وَأبْوَابَ الأِيمَانِ)

أنّهم عليهم‌السلام أبواب الايمان ، لأن الايمان والاحكام لا تعرف إلّا بهم ، ومن أراد أن يفهم معنى حدود الإيمان ، ويعلم ما هو إيمان الجوارح وما هو إيمان الجوانح يجب عليه أن يلتمسه من أبواب علومهم الفيّاضة كما أشار سيّد الرّسل صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك عندما قال : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٣).

هذا الإمامُ لَكُمْ بَعدِي يُسددُكُم

رُشداً وَيُوسعُكُم عِلْمَاً وَاَدَبَاً

إنِّي مَدِينَةُ عِلْمِ اللهِ وَهُو با

بُها فَمَنْ رَامَها فَليَقْصُدِ البابا (٤).

وورد في الكتاب الشريف «اُصول الكافي» عن أبي بصير عن الإمام

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٦.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨.

(٣) الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله : ج ٦ ، ص ٦١ ، ٨١ ، تذكرة الخواص : للسبط ابن الجوزي الحنفي ، ج ١ ، ص ٤٣ ، ينابيع المودة : للقندوزي الحنفي ، ص ٦٥ و ٢٧ ، كفاية الطالب : للكنجي الشافعي : ص ٢٢٠ و ٢٢١ ، وورد هذا الحديث الشريف في عشرات الكتب الشيعية والسنية ، فلتمسوها وتأملوا فيها دون تعصب ولا تعنت.

(٤) المقتطفات : لعيدروسي الاندلسي ، ج ٢ ، ص ١٤٠.

٤١

الصادق عليه‌السلام قال : «الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجلّ التي يأتي منها ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجلّ وبهم أحتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه» (١).

وأمّا كونهم أبواب الايمان بمعنى أنّه لا يستقر الايمان عند أحد إلّا بولايتهم ، والجزء الاخيرة علّة تامّة في حصول الايمان ، كما ورد في ذيل رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، قال :

«أمّا لو أن رجلاً قام ليلة وصام نهاره وتصدق بجميع امواله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالة منه إليه ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الايمان» (٢).

(وَأُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ)

أنّهم عليهم‌السلام أمناء الله عزّ وجلّ على عباده ، وسفراءه في بلاده ، لان الله عزّ وجلّ وبسبب أخلاصهم وصدقهم ، فوض حفظ الاحكام والتفسير وعلوم القرآن وشرح رموزه وأسراره إليهم عليهم‌السلام ـ وأودعهم المعارف الالهية والعلوم الرّبانية عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال :

«أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها ، فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً ، وجعل لكلّ شرح علماً وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن» (٣).

وورد عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«إني تاركُ فيكم الثّقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢٩٤ ، عن تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٥٩.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.

٤٢

عليّ الحوض» (١).

يعلم من هاتين الرّوايتين ، أن علوم القرآن الكريم عند الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام لانّهم الامناء على الاسرار الالهية ، فأئتمنهم الرّحمن على دينه من التغيير والتبديل والاندارس لعلمه تعالى أنّهم يحفظونه (٢).

(وَسُلالَةَ النَبِيِّينَ)

الأئمّة عليهم‌السلام من سلالة الانبياء العظام عليهم‌السلام وذراريهم ، والسلالة تقال للشيء ينفصل من شيء آخر ، والمراد من السلالة هنا الاولاد ، لان الأبناء جزء من الآباء.

فعلى هذا ، أن الأئمّة عليهم‌السلام أولاد الانبياء أمثال : النّبيّ نوح عليه‌السلام والنّبيّ أبراهيم عليه‌السلام والنّبيّ أسماعيل عليه‌السلام فكانوا يتناقلون من الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة ، ولم يتلوث آباءهم الاطهار عليهم‌السلام بالشرك أبداً. بل كانوا في جميع سلسلة مراتبهم من أهل التوحيد والايمان ، كما ورد هذا المعنى في فقرات زيارة الوارث : «أشهد أنّك كنتَ نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهليةُ بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها» (٣).

__________________

(١) فرائد السمطين : للحمويني الشافعي ، ج ٢ ، ص ١٤٣ ، عبقات الانوار : ج ١ ، ص ١٣١ ، وذكر هذا الحديث في عشرات المصادر والكتب الاسلامية من العامّة والخاصّة. ورواة الحديث بلغوا عشرات الاصحاب راجع كتاب الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله والمراجعات : للعلّامة شرف الدين رحمه الله.

(٢) قال الشّيخ الحسائي : لعدم ما ينافي فيهم ، لأنّهم معصومون مطهّرون من الرّجس فلا يظلمون بتضييع الامانة لشهوة أو تكبّر أو حسدٍ أو غير ذلك من الذّمائم النّفسانية ، ولا يجري عليهم السّهو والنّسيان وو ...

أقول : والعكس جائز في حقّ غيرهم من الذين تولوا اُمور المسلمين ظلماً وعتواً ... وكانت نتيجتها ما تقرؤها في التّاريخ وما نشاهدها اليوم من المصائب النّازلة على المسلمين ، أن أصبحت ثرواتهم ومقدراتهم بيد غيرهم وشعوبهم تئن تحت سياط الكفر الالحاد.

(٣) مفاتيح الجنان : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ص ٤٢٥.

٤٣

(وَصَفْوَةَ المُرْسَلِيْنَ)

بمعنى أنّهم عليهم‌السلام خلاصة الانبياء والرسل عليهم‌السلام ، بل أن مقامهم أفضل من مقام الانبياء والرسل عليهم‌السلام ما عدا جدّهم العظيم خاتم الانبياء والرسل محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «ما نبيء نبيّ قطّ إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على من سوانا» (١).

وروي العالم الجليل الشيخ الصدوق رحمه الله في رواية مفصلة عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم مني.

قال : علي عليه‌السلام فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، أن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضلني على جميع النّبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ، يا علي وللأئمّة من بعدك ، وأن الملائكة لخدّامنا وخدام محبينا ،

يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ،

يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنّة ولا النّار ، ولا السّماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه» (٢).

وسوف ننقل هذا الحديث مفصلاً مرّة ثانية في آخر الكتاب.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٨١ ، بصائر الدّرجات : ص ٥١.

روى الحموني في كتابه فرائد السمطين ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النّار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصّراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب» ورواه أيضاً القاضي عياض في كتاب الشفاء ، ج ٢ ، ص ٤١ ، والصفوري في نزهة المجالس : ج ٢ ، ص ١٥٠ ، وابن حجر في الصواعق : ٢٣ ط عبد اللطيف بمصر ، والشبراوي الشافعي في الإيحاف : ص ٤ ، واحقاق الحقّ : ج ٩ ، ص ٤٩٤ ـ ٤٩٧. وغيرهم.

(٢) علل الشّرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٥ و ٦.

٤٤

(وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ العَالَمِيْنَ)

إنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام هم الذّرية المنتخبة من قبل الله ربّ العالمين من خيرة وذريّة وعترة الانبياء عليهم‌السلام. وهم صفوة الخلق ، وخلاصة الوجود كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله اصطفى إسماعيل من ولد إبراهيم ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى هاشماً من قريش ، واصطفاني من هاشم» (١) الى آخر الحديث.

فالأئمّة الاطهار عليهم‌السلام هم عترة حبيب ربّ العالمين وكما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي مخلف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (٢).

(وَرَحْمَةِ اللهِ)

عطف ورد بعد السّلام ، إمّا بياناً وتفسيراً له بنفس اللفظ ، أو مغايراً له وأنّ السلام لرفع المكاره والبلايا ، والرحمة بمعنى جلب الفضائل الدّينية والدّنيوية.

(وَبَرَكَاتُهُ)

البركات الدّنيوية ، أو الاُخروية أو أعم منهما ، إذاً يكون معنى «السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» أنّه بعدت عنكم المكاره وقربت منكم الفضائل وبركات الدّنيا والآخرة.

* * *

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٣٢٣ ، آمالي الشّيخ رحمه الله ، ص ١٥٤ ، المجالس : للشّيخ المفيد رحمه الله : ص ١٢٦.

(٢) قد تمّ الاشارة الى مآخذ هذا الحديث الشّريف.

٤٥

(السّلامُ عَلَى أئمَّةِ الهُدَى)

المراد هو أنّ الهداية ملازمة ومتابعة لهم ولا تفصل عنهم فكأنهم ائمّة وقادة الحقّ والهداية. بل الحقّ والهداية يقتديان بهم أو يكون المراد ، أنّهم عليهم‌السلام قادة النّاس ، يهتدي بهم من أراد الهداية منهم وتبع سبيلهم ، وهلك من تخلف عنهم وأعرض عن طريقهم.

ورد في رواية الفضيل قال : سألت الامام الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١).

فقال عليه‌السلام : «كلّ إمام هاد للقرآن الذي هو فيهم» (٢).

وروى عبد الرحيم القصير عن الامام الباقر عليه‌السلام في قوله تبارك وتعالى :.

فقال عليه‌السلام : «رسول الله المنذر وعليّ الهادي ، أما والله ما ذهب منّا وما زالت فينا الى السّاعة» (٣).

فكانت فضائلهم في هداية النّاس تتناقل على ألسن أعدائهم أيضاً ، بل أذعنوا بها وصدقوها ، وفي كتب التاريخ أن الحسن البصري كتب الى الإمام الحسن عليه‌السلام : أمّا بعد فأنتم أهل بيت النّبوة ، وعدن الحكمة ، وأنّ الله جعلكم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة يلجىء إليكم الّاجىء ، ويعتصم بحبلكم الغالي ، من اقتدى بكم اهتدى ونجا ، ومن تخلّف عنكم هلك وغوى ، وإنّي كتبت إليك عند الحيرة

__________________

(١) الرّعد : ٧.

(٢) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١١ ، ص ٣٢٨ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩١ ، وتفسير نور الثقلين : لابن جمعة العروسي الحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١١ ، ص ٣٢٧ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٢ ، ومجمع البيان : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٦٠ ، وبهذا المعنى ورد في شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني ، ج ١ ، ص ٢٩٣ ، وتفسير الطبرسي : ج ١٣ ، ص ١٠٨ ، وتفسير الفخر الرازي : ج ٥ ، ص ٢٧١ ، وتفسير فتح القدير : للشوكاني ، ج ٣ ، ص ٧٠ ، الدّر المنثور : للسيوطي ، ج ٤ ، ص ٣٠٧ ، وغيرها من الكتب التفاسير والكتب الروائية من العامّة والخاصّة.

٤٦

واختلاف الاُمّة في القدر ، فتقضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به ، فكتب إليه الامام الحسن عليه‌السلام :

«أمّا بعد فإنّا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا إستبدلتم بنا غيرنا ، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (١) هذا لأوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم ، ولولا ما اُريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشيء ممّا نحن عليه ، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة ، حيث يقول الله عزّ وجلّ : (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢) فاتّبع ما كتبت إليك في القدر فإنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من الملكة ، ولكنّه المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإنّ ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مثبّطاً ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها ولا كلّفهم إيّاها جبراً ، بل تمكينه إيّاهم وإعذاره إليهم طرّقهم ومكّنهم فجعل لهم السبيل الى أخذ ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه ، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام» (٣).

البيان : إنّ مسألة القضاء والقدر من المسائل العويصة التي عجز العلماء

__________________

(١) البقرة : ٦١.

(٢) يونس : ٣٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠ ، ص ١٣٦ و ١٣٧ ، وذكر نحوه ابن شعبة في تحف العقول : ص ٢٣١ ، مع اختصار واختلاف في الالفاظ ، والعدد القوية لدفع المخاوف اليومية : للعلّامة الحلّي رحمه الله ، ص ٣٢.

٤٧

والحكماء عن حلّها وكشف حقيقتها ولذا أراد الحسن البصري أن يقدم الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام لها تفسيراً لكشف أسرار هذه المسألة.

وكتبوا في حالات الزّنديق ابن أبي العوجاء أنّه كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟

قال : إنّ صاحبي كان مخلطاً يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر فما أعلمه إعتقد مذهباً دام عليه (١).

(وَمَصَابِيْحِ الدُّجَى)

إنّهم عليهم‌السلام مصابيح الدّجى (٢) يهدون الخلق من ظلمات الشرك والكفر والضلالة والجهل الى نور الايمان والعلم والطاعة.

وروى سهل الهمداني عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة من سورة نور : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣).

__________________

(١) الكنى والالقاب : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠١.

(٢) المصابيح ، جمع مصباح وهو سراج الذي ينصبه الناس يستضيؤن به في سيرهم ليكشف لهم ما خفي عليهم في ظلمات الليل ، فإنّ الائمّة الاطهار عليهم‌السلام يكشفون بدعوتهم الى الله عزّ وجلّ ظلمات الجهل والضلال عن قلوب الناس وأفكارهم ، فمن اقتدا بهم واستضاء بنورهم اهتدا الى سبيل الخير والبركة.

والدُّجى ، جمع دُجية بضم أوله وسكون الجيم وهي الظلمة ، ويراد بها ظلمات العدم والشك والجهل.

(٣) النور : ٣٥.

٤٨

قال الإمام عليه‌السلام : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) فاطمة عليها‌السلام (فِيهَا مِصْبَاحٌ) الحسن عليه‌السلام (الْمِصْبَاحُ فِي الزُجَاجَةٍ) الحسين عليه‌السلام (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) فاطمة عليها‌السلام كوكب درّي بين نساء أهل الدّنيا (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ) ابراهيم (زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد العلم يتفجر بها (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) أمام منها بعد امام (يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) يهدي الله من يشاء للأئمّة عليهم‌السلام من يشاء (وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ) (١).

يقول المؤلف : المقصود من المصباح هنا هم الكناية عن هدايتهم وارشادهم للنّاس من ظلمة الجهل والكفر الى نور الايمان والعلم ، فعن بريد العجلي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٢). أنّه قال عليه‌السلام :

«رسول الله المنذر ولكل زمان من هاد يهديهم الى ما جاء به نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الهدات من بعده علي ثمّ الاوصياء واحداً بعد واحد» (٣).

(وَاعلامِ التُّقَى)

وهم سلام الله عليهم منار التّقى وأعلام الورع ، واعلم أن للتّقوى مراتب ثلاث :

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، وعنه تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٦٠٢ ، ح ١٦٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٤ ، ح ١.

(٢) الرعد : ٧.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٦٢ ، تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.

ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره : ج ١٣ ، ص ٧٢ دار المعرفة بيروت لبنان ، والطبرسي في تفسيره ، وقال : لمّا نزلت قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) وضع رسول ال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره وقال : أنا المنذر ، وأومأ الى منكب علي وقال : «أنت الهادي ن بك يا علي يهتدي المهتدون».

وقال الحميري في ذلك :

هما اخوان ذا هادٍ إلى ذا

وذا فينا لاُمّته نذير

أحمد منذر وأخوه هادٍ

دليل لا يضل ولا يحير.

المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٩.

٤٩

المرتبة الاولى : تقوى عوام الناس ، وهي عبارة عن اجتناب المحرمات.

المرتبة الثّانية : تقوى الخواص ، وهي الاجتناب عن المكروهات.

والمرتبة الثّالثة : تقوى خواص الخواص ، وهي اجتناب المباحات ، والاحتراز عن كل ما يمنع الإنسان عن ذكر الله ويشغله كما أشار الله تعالى الى ذلك في القرآن الكريم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ) (١).

والمراد في هذه الفقرة من الزّيارة من (أعلام التقى) هو أنّ الائمّة الأطهار عليهم‌السلام معروفون عند عامّة الناس بالتقوى والورع كالمنارة الذي لا تخفى على كل انسان.

وأمّا أنّ حدود التقوى والورع لا تعرف إلّا فيهم عليهم‌السلام ، ولا يصل أحد الى مقام التقوى إلّا بهم عليهم‌السلام ، وذلك لأ نّهم أتقى الاتقياء.

وخلاصة الكلام : إنّ كونهم أعلام التقوى ومنارة الهداية لان الناس بهم يهتدون ، ولولاهم عليهم‌السلام ، ما اهتدى أحد بل كانت البشرية في ضلال مبين.

عن الاسباط بن سالم قال : سأل الهيثم أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٢).

فقال عليه‌السلام : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النّجم ، والعلامات هم الأئمّة عليهم‌السلام» (٣).

وروي عن الفضيل بن يسار عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله نصب عليّاً عليه‌السلام علماّ بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاً ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة» (٤).

__________________

(١) المنافقون : ٩.

(٢) النّحل : ١٠١.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٥.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٣٧.

٥٠

(وَذَوِي النُّهِى)

ذوي جمع ذي بمعنى صاحب إلّا أنّه أكثر ما يستعمل في مقام الشرف والصناء ، والنُّهى بضم النون جمع نهيه ، العقل وسمّيت تهية لأنّها تنهى صاحبها عن القبائح ، يعني أنّهم عليهم‌السلام أصحاب العقل النّافذ ، ووجه التسمية هو أن العقل يردع الإنسان وينهاه عن الرذائل والقبائح.

(وَأولِي الحِجَى)

الحجى على وزن الى أيضاً بمعنى العقل والفطنة يعني أصحاب العقل والفطنة ، فلو أخذنا الحجة بمعنى العقل ، فيكون هو وما قبله مترادفين ، وقد استعملا في معنى واحد ، أو متباينين فيدل كل من لفظ على معنى غير ما يدل عليه الثّاني. وذلك لأن للعقل اطلاقات كثيرة ومعان عديدة.

ويمكن أن يراد من أحدها عقل المعاش ، ويراد من الاخر عقل المعاد أو أمثال ذلك ما فيصح المعنى على كلا التقديرين لأنّهم عليهم‌السلام أصحاب العقول الكاملة كجدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان عقل الكلّ روي في الكافي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، ولا بعث الله نبيّاً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل ، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما يضمر النّبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، والعقلاء هم أولو الألباب ، الذين قال الله تعالى : (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (١) (٢).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٩.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٢.

٥١

بيان ذلك : سبب أفضلية نوم العاقل وعدم جهاده من الجاهل وجهاده يرجع الى أنّ العاقل يرجح النوم وعدم الجهاد على الشهرة ، كي يرتاح جسده من تعب النهار وثقله ، وهذا المعنى يؤدي الى زيارة عزمه في عبادة ربّه ، وأداء فرائضه والقيام بالاعمال الصالحة ، وفضيلة الاعمال مرتبطة بالنّيات الزّاكية ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما الاعمالُ بالنّيات» (١).

وجمال العمل وروحه في نيل القرب من ربّ العالمين. ولا يحصل هذا المعنى للانسان إلّا بالمعرفة الكاملة بالله سبحانه ، وايمانه بأن ما وعده حقّ.

ولكن الجاهل غافل عن هذين المعنيين ، فقد يكون جهاد الجاهل وسهره لاجل جلب الشّهرة وكسب الثروة أو حصوله على إمرأة جميلة ، قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فمن كان هجرته الى الله ورسوله ، فهجرته الى الله ورسوله ، ومن كان هجرته الى دنيا يصيبها أو إمرأة ذات جمال ، فهجرته إليها» (٢).

(وَكَهْفِ الوَرى)

الكهف ، غار واسع في الجبل والمراد منه هنا الملجأ والمأوى وإن أئمّة الهدى عليهم‌السلام ملجأ ومأوى النّاس ، وقد ورد في بعض فقرات الادعية : «يا كهفي حين تعييني المذاهب» (٣).

بمعنى أنتم ملجاء ومأوى الناس في اُمورهم الدّنيوية والاخروية ، وورد في زيارة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كنتَ للمؤمنين كهفاً» (٤).

__________________

(١) وسائل الشّيعة : للفقيه المحدّث الشّيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٩٠ ، الهداية : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٠ ، ص ٢١٢ ، ح ٤٠.

(٢) صحيح البخاري : ج ١ ، ص ١٢.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٦ ، ص ٣٣٥ ، عن بلد الامين : الشّيخ الكفعمي رحمه الله ، ص ٣١٦.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٢ ، ص ٣٠٥ ، عن كمال الدين : الشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣١٨.

٥٢

والحاصل : أنّ كلّ شيء يلجأ إليهم حتى الحيوانات والوحوش عندما تصاب بالاضطراب ويشهد بذلك ما ورد في التاريخ من الحوادث الجارية لهم.

(وَوَرَثَةِ الأنْبِياءِ)

لأنهم عليهم‌السلام ورثوا علوم جميع الانبياء عليهم‌السلام وآثارهم وممّا ورثوا : التّابوت والالواح ، وعصا موسى عليه‌السلام ، وخاتم سليمان عليه‌السلام وعمامة هارون عليه‌السلام وقميص يوسف عليه‌السلام ، روى حريز عن زرارة والفضيل ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

«إنّ العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه‌السلام عالم هذه الاُمّة ، وأنّه لم يهلك منّا عالم قطّ إلّا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله» (١).

وعن ضريس الكناسي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إنّ داود ورث علم الانبياء ، وإن سليمان ورث داود ، وإنَّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث سليمان ، وإنا ورثنا محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى».

فقال أبو بصير : إنّ هذا لهو العلم.

فقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم ، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنّهار ، يوماً بيوم وساعة بساعة» (٢).

ووردت عنهم عليهم‌السلام روايات وأحاديث اخرى بانّ عندهم كتاب علي عليه‌السلام

__________________

قال العوفي :

علي خير الورى بعد النّبي ومن

في الشّرق الغرب مضروب المثل

علي صام وصلّى القبلتين وكم

في الجاهلية قوم ربّهم هبل

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٣.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٥.

٥٣

وصحيفة فاطمة عليها‌السلام ، والجفر ، والجامعة ، والتّابوت ، وعصا شعيب وموسى عليه‌السلام وسائر المواريث وودائع الانبياء عليهم‌السلام (١) وغيرها من الرّوايات أعرضنا عن ذكرها طلباً للايجاز ، فمن رغب في الوقوف عليها فعليه مراجعة الكتب المفصلة والمبسوطة.

(وَالمَثْلِ الأعْلَى)

ورد معنى المثل محركة بمعاني مختلفة مثل الحجّة أو الصّفة ، والحديث ، والشبيه وغيرها ، والجمع على مُثل بضم الفاء والعين ، ويمكن أن تقرأ بكلا الوجهين من الجمع والمفرد ، ولو أخذنا المثل بأي المعاني المذكور فالأئمّة عليهم‌السلام أهلها ومحلها ، لأنّه لو أخضناها بمعنى الحجّة ، فانّهم عليهم‌السلام حجج الله في الارض على عباد الله ، والله سبحانه يوم القيامة بهم عليهم‌السلام يحتج على مخلوقاته ، وإذا أخذناها بمعنى الحديث ، فصحيح أيضاً ، لأنّ صفاتهم وفضائلهم وأوصافهم تذكر في محافل الناس ، دائماً ، فهم عليهم‌السلام مظهر الآيات والاحاديث والعجائب.

وإذا أخذناها بمعنى الصفة ، فصحيح أيضاً ، لأنّهم عليهم‌السلام اتصفوا بالصفات الالهية ، بل أنهم صفات الله تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته جل وعلا.

وورد في تفسير الآية : (٢).

قال المعصوم عليه‌السلام : «نحن الأمثال العليا».

وقد يراد من المثل الاعلى ، ما المثل الذي ضربه الله عزّ وجلّ نوره في الآية الكريمة الواردة في سورة النّور ، وذكرنا فيما مضى أنّ الآية الكريمة نزلت في حقّهم

__________________

(١) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣٨ : باب «فيه ذكر الصّحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام».

(٢) النّمل : ٦٠.

٥٤

والمراد من (المشكاة) فاطمة عليها‌السلام ، (والمصباح) الإمام الحسن عليه‌السلام ، و (الزجاجة) الإمام الحسين عليه‌السلام ، ومن (النور) نور علي عليه‌السلام (١) والانوار المتعاقبة بعده اماماً بعد امام.

ولو قرأنا منفردة «المثل الأعلى» فانّه مثل لجميع أئمّة الهدى عليهم‌السلام أو أنّ نورهم عليهم‌السلام واحد ولا تعدد في أنورهم الطيبة (٢).

(وَالدّعوَةِ الحُسنَى)

والمراد إمّا أن يكون للمبالغة من باب «زيد عدل» يعني أنّهم عليهم‌السلام أهل الدعوة الحسنى والكلمة الطّيبة لأنّهم عليهم‌السلام يدعون النّاس الى الصّراط المستقيم وطريق النّجاة وسبيل الخيرات والحسنات ، وهم خير دعاة الى الله الواحد الاحد ، والدّعوة الحسنى من فضائلهم التي لا يشاركهم فيها أحد.

وأو يكون المراد أنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام أهل الدعاء والمناجات الشريفة ، كما كانت أكثر أوقاتهم تقضى في الدّعاء والذّكر والعبادة ، والمظهر الكامل لهذا المعنى الإمام سيّد السّاجدين عليه‌السلام ، وتعتبر الصّحيفة السّجادية وهي زبور آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رشحة من رشحات مناجاته ودعواته العالية.

__________________

(١) وقد ورد عن مالك بن انس ، عن ابن شهاب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ) أي : أبو جهل (وَلَا الْبَصِيرُ) يعني : أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَا الظُّلُمَاتُ) أي : أبو جهل (وَلَا النُّورُ) أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَا الظِّلُّ) يعني ظلّ أمير المؤمنين ... الى آخر الاحديث. الآية في سورة فاطر : ١٩ ـ ٢٠ ، المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٦.

وقال ابن رزيك :

هو النّور نور الله والنّور مشرق

علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أملاك السّماوات ذكره

نبيه فما أن يعتريه خمول.

مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٨٠ ـ ٨١.

(٢) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٤ الى ص ٣٢٥ ، باب ١٨ : «أنّهم أنوار الله عزّ وجلّ ...» واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله : ج ١ ، ص ١٩٤.

٥٥

وأو أنّ المراد بها أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا في مضان الاجابة في دعواتهم لله عزّ وجلّ ، ومن أراد أن يطلع على حسن الاجابة في دعواتهم في احيا الموتى ، وشفاء المرضى وسائر حوائج الخلق ، فليراجع الكتب المبسوطة ، وقد ورد مأثوراً عن الإمام الصّادق عليه‌السلام قال :

«ثلاثة لم يسأل الله عزّ وجلّ بمثلهم أن يقول : اللّهمّ فقّهني في الدّين ، وحببّني الى المسلمين ، واجعل لي لسان صدق في الآخرين» (١).

وقد يكون المراد من الدّعوة الحسنى أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم نتاج دعوات الانبياء عليهم‌السلام مثل إبراهيم عندما قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (٢).

والمراد من الذّرية في الآية الشّريفة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وورد في حديث عبد الله بن مسعود عن النّبي الاكرم قال : «أنا دعوة أبي إبراهيم» (٤).

وورد عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام أنه قال في تفسير الآية الشّريفة : (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٥) قال : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والأوصياء من بعده عليهم‌السلام» (٦).

(وَحُجَجِ اللهِ)

فان الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حجج الله عزّ وجلّ ، وبهم يحتج غداً على النّاس ،

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٩٥ ، ص ٣٥١ ، ح ٥ ، عن الامالي : الشّيخ الطّوسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٠٩.

(٢) ابراهيم : ٤٠.

(٣) راجع تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٥٤٩ ، في تفسير هذه الآية ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢١٢ الى ٢٢٨ ، باب ١٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٠.

(٥) يوسف : ١٠٨.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٥٢.

٥٦

ويتمَّ نعمته على عباده ، وفي اصول الكافي ، عن داود الرّقي ، عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام قال : «إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف» (١).

وعن الحسن بن علي الوشاء قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الحجّة لا تقوم لله عزّ وجلّ على خلقه إلّا بامام حتّى يعرف» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «ما زالت الأرض إلّا ولله فيها الحجّة ، يعرف الحلال والحرام ويدعو النّاس إلى سبيل الله» (٣).

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه‌السلام إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّته على عباده ، ولا تبقى الارض بغير إمام حجّة لله على عباده» (٤).

(عَلَى أهْلِ الدُنيَا)

يعني أن الأئمّة عليهم‌السلام حجج الله على أهل الدنيا ، مع ما ظهرت منهم عليهم‌السلام من المعاجز الباهرة والدّلائل الواضحة ، والعلامات البيّنة ، وتجلّت فيهم الاخلاق النفسانية السّامية ، والفضائل الملكوتية ، والاسرار الالهية ، ولو لقيهم العدو ورأى منهم هذه المشاهد والكمالات لأصبح لهم محبّاً ، أو لا أقل أنّه كان يقرّ بسمو مقاماتهم ومعاني صفاتهم : وكفى لله عزّ وجلّ في مقام الاحتجاج على العباد بهذه الحجج البيّنة.

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٧ ، باب (كتاب الحجّة).

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٢ ، ص ٨٨ ، عن أنس أنّه نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي ، فقال : «أنا وهذا حجّة الله على خلقه».

فتأمل أيّها الباحث عن الصّواب ، وعن الرّسالة المحمّدية الاصيلة ، فهل يعقل الاجتهاد في مخالفة حجّة الله على خلقه ، كما خالف فلان وفلان إمامهم وحجّة الله ، واعتبر اصحاب الاقلام المأجورة وخدام بلاط خلفاء الجور عملهم اجتهاداً منهم فأخطأ وافيؤجرون عليه.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٧ ، باب (كتاب الحجّة).

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب «أن الارض لا يخلو من حجّة».

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٩ ، باب «أن الارض لا يخلو من حجّة».

٥٧

(والآخِرَةِ)

وأي الأئمّة عليهم‌السلام حجج الله تعالى على أهل الآخرة في عالم البرزخ وعند السؤال أو في القيامة وعند المواقف المخيفة والشّدائد النازلة وغيرها من مراحلها ومواقفها لأنّهم عليهم‌السلام نعمة الله عزّ وجلّ وحجّته على الناس في المواقف ، وما أعظم بركاتهم والطافهم الطّاف بالنسبة الى محبّيهم في ذلك اليوم ، وما يحل بأعدائهم نتيجة لبغضهم وعدائهم وعدم معرفتهم لهم.

روى اصبغ بن نباته قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم ... ـ في جملة ما قال له ـ اُبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط (١) ، وعند الحوض (٢) ، وعند المقاسمة.

قال الحارث : وما المقاسمة؟

قال الامام عليه‌السلام : مقاسمة النار اُقسمها قسمة صحيحة ، أقول هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوّي فخذيه ... الى أن قال عليه‌السلام : أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت ـ يقولها ثلاثاً ـ فقام حارث يجرّ رداءه ويقول : ما اُبالي بعدها حتى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح ، وأنشدني أبو هاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمّنه هذا الخبر :

يا حارَ هَمدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي

مِنْ مُؤمنٍ أو مُنافقٍ قُبلا

__________________

(١) أخرج الحاكم عن علي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا جمع الله الاوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم ، ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب» وذكر هذا الحديث في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٢٩٢ ، والرياض : ج ٢ ، ص ١٧٢.

(٢) وبهذا أشار الحِميَري بقوله :

يذبّ عنه ابن أبي طالب

ذبّك جربى إبل تشرع

إذا دنوا منه لكي يشربوا

قبل لهم تبّاً لكم فارجعوا

وراكم فالتمسوا منهلاً

يرويكم أو مطعماً يشبع

هذا لمن والى بني أحمد

ولم يكن غيرهم يتبع

مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٦٣.

٥٨

يَعْرِفُنِي طَرفُهُ وأعرِفُهُ

بِعَينِهِ وَاسمهِ وَما عَمِلا

وأنْتَ عِنْدَ الصِّراطِ تَعرِفُنِي

فَلا تَخَفْ عَثْرَةً وَلا زَلَلا

أسقِيكَ مِنْ بارِدٍ عَلَى طَمَأ

تَخَالُهُ فِي الحَلاوَةِ عَسَلا

أقُولُ لِلنَّارِ حِينَ تُوقَفُ لِلعَرضِ

دَعِيهِ لا تَقْبَلي الرَّجُلا

دَعِيهِ لا تَقرَبِينِ إنَّ لَهُ

حَبلاً بِحَبلِ الوَصِي مُتَصِلا (١)

وعن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي سمعتك وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم.

قال عليه‌السلام : صدّقتك ، كلّهم والله في الجنّة.

قلت : جعلت فداك إنّ الذنوب كثيرة وكبائر.

فقال عليه‌السلام : أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النّبي المطاع أو وصيّ النّبي ، ولكنّي والله أتخوف عليكم في البرزخ :

قلت : وما البرزخ؟

قال عليه‌السلام : «القبر منذ حين موته الى يوم القيامة» (٢).

(والاُولى)

يراد بها الدّنيا ، ذكرت مرّة اخرى للتأكيد ، أو بعنوان تكرار لحفظ سجع وقافية الكلام ، أو يراد بها العلامات الأولى ، وهو عالم الذّر حيث أخرج الله جميع ذرّيه آدم عليه‌السلام من ظهره وصورة الذّر وأخذ منهم الميثاق والاقرار بربوبيته ، ونبوّة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمامة الائمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٧٨ و ١٧٩ ، المجالس : للشيخ المفيد رحمه الله ، ص ٤٢ و ٢٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢٦٧ ، روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦٦.

٥٩

أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ) (١).

عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذّر والاقرار له بالرّبوبية ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّبوة ...» (٢).

قال المحدّث الفيض الكاشاني رحمه الله في بيان هذه الرواية : إنّما أخذ الله المواثيق الثلاثة على النّاس أجمعين إلّا أنّهم أقرّوا بالرّبوبية جميعاً وأنكر النّبوة والولاية بقلبه من كان ينكره بعد خلقه في هذا العالم وإنّما خصّ أخذ ميثاق الولاية بالشيعة لاختصاص قبولهم بهم (٣).

(وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)

هذه الفقرة الشريفة معطوفة على الفقرة التي ورد فيها السلام ، والمعنى هنا كالمعنى هناك.

* * *

(السَّلامُ عَلَى مَحَالِ مَعْرِفَةِ اللهِ)

السّلام على الأئمّة عليهم‌السلام الذين هم أماكن معرفة الله ، والمراد من هذه الجملة إمّا أنّه لم يعرف الله عزّ وجلّ أحد كمعرفتهم عليهم‌السلام ، فانّهم عليهم‌السلام عرفوا الله تعالى حقّ معرفته ، ولا يُعرف الله تعالى إلّا بهم ، ويكفي في إثبات هذا المعنى ما ورد عنهم عليهم‌السلام

__________________

(١) الاعراف : ١٧٢.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٣ ، ح ٣٤٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٢٠ ، بصائر الدّرجات ، ص ٢٥.

(٣) الوافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٩٢.

٦٠