أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

الثّاني : من يؤول إليه مآلاً معنوياً روحانياً وهم أولاده الروحانيون من الأولياء الرّاسخين والعلماء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين للعلوم من مشكاة أنوار خاتم النّبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ريب أن النسبة الثانية آكد من الأولى وإذا أجتمعت النسبتان كان نوراً على نور كما في الأئمّة المشهورين من العترة الطاهرين وكما أن الصدقة حرام على أولاده الصوريين ، فكذلك تحرم الصّدقة المعنوية على الأولاد المعنويين أعنى تقليد الغير في العلوم الالهية والمعارف الربانية الاحكام الشّرعية (١) ، بل يجب على الاخرين أخذ المعارف الكلية منهم عليهم‌السلام.

النّبوة ـ في الاصل يعني الرفعة ، ولذا يقال للمرسل من قبل الله «النّبي» لأنه له مقامه أرفع وأنبل عن مقام سائر النَّاس بسبب تحمَّله أعباء الرسّالة الالهية الشّريفة الرّفيعة.

فعلى هذا ، النّبوة أو النّبي «واوي الاصل» من ني ـ ينبو ـ نباوة ـ ويقال الذي إرتفع من الارض وأخضر ، والمعنى الاصطلاحي للنّبي يطلق على من أخبر عن الله عزّ وجلّ بغير واسطة بشر ، ويكون أعم من أن يكون له شريعة مثل «نبيّ الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو ليس له شريعة مثل «النّبي يحيى عليه‌السلام» فأشتراكهما في وجه التسمية لأن كلاهما يخبران عن الله عزّ وجلّ ، فعليه يكون أصل معنى النّبوة من الانباء المهموز اللام فهو بمعنى الخبر.

وورد في الاخبار المنقولة عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، في الفرق بين النّبي والرّسول والامام ، أن لحسن بن العباس المعروفي كتب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرّسول والنّبي والإمام؟ قال : فكتب ـ الإمام عليه‌السلام ـ أو قال :

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة شبر رحمه الله ، ص ٤٠.

٢١

«الفرق بين الرّسول والنّبي والإمام ، أنّ الرّسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه بالوحي ، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام ، والنّبي ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام الذي يسمع الكلام ولا يرى الشّخص» (١).

(وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ)

يقال موضع الرسالة لمن كان مخزن علوم ومعارف جميع أنبياء الله وموضع أسرار رسل الله عليهم‌السلام. أو معناه القوم الذين جعفل الله عزّ وجلّ الرّسالة منهم ولكن المعنى الأوّل أظهر. لأنّه ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

«كنت إذا دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أختلى بي وأقام عني نساءه فلا يبقي عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عنّي فاطمة ولا أحداً من بنييّ» (٢).

يعني لم يقم عنّي فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

(وَمُخْتَلَفَ المَلائِكَةِ)

موضع تردد الملائكة ونزولهم وعروجهم ، أمّا لأكتساب العلوم الالهية والمعارف الرّبانية ، والاسرار الملكوتية من مقامهم السّامي وشأنهم العظيم ، لانّهم أعلم وأفضل من الملائكة ، كما يدل على هذا العقل والنقل. ورد في الحديث الشّريف

__________________

(١) أصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٦ ، الاختصاص : ص ٣٢٨. وراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٧٤ و ٧٥.

(٢) أصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٦٤ ، ح ١ باب : «اختلاف الحديث».

٢٢

عن طريق الشّيعة والسنّة عن جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«إنّ الله خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من نور ، فعصر ذلك النّور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبَّحنا فسبَّحوا وقدَّسنا فقدَّسوا وهلّلنا فهلّلوا ومجّدنا فمجّدوا فوحَّدنا فوحّدوا ثم خلق الله السماوات والارضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ولا تمجيداً فسبّحنا وسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ... وهكذا في البواقي ... فنحن الموحِّدون حيث لا موحِّد غيرنا ...» (١).

أو أنّ نزول وعروج الملائكة كان لأجل أنّ يتبركوا بهم ويتشرفوا بخدمتهم ، ويلتزموا بصحبتهم.

ووردت روايات كثيرة بهذا المعنى بنزول الملائكة في بيوتهم الشّريفة وبصورة دائمة ومستمرة ، وبسبب كثرة عروجهم ونزولهم لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتكيء على الوسادة ، ويتساقط شيء من زغبهم فيجمع الأئمّة عليهم‌السلام ذلك ويمسحون به على أعين أطفالهم ويعالجونهم من المرض ، كما عن أبي حمزة الثّمالي قال : ـ دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام فأحتبست في الدّار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده من وراء السّتر فناوله من كان في البيت ، فقلت : جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أيّ شيء هو؟

فقال الإمام عليه‌السلام : «فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا دخلونا ، نجعله سيحاً لأولادنا»

فقلت : فجعلت فداك وإنّهم ليأتونكم؟

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٣٤٣ ، عن جامع الاخبار : ص ٩.

٢٣

فقال الإمام عليه‌السلام : يا أبا حمزة إنّهم ليزاحمونا على تُكأتنا (١) (٢).

كان الملائكة ينقلون لهم أخبار السماء عن الله عزّ وجلّ ، ويحدثونهم ، ويطلعونهم بالعلوم الغيبية ، لان الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا محدّثين كما ورد ذلك في كثير من الرّوايات قالوا : نحن المحدثون (٣) يعني نحن من الذين ينزل علينا الملائكة من الله عزّ وجلّ بالاحاديث والعلوم الجديدة.

ويقال المحدَّث للذي يسمع صوت الملائكة ولا يراه.

(وَمَهْبِطَ الوَحْي)

محط نزول الوحي ، والمراد من الوحي إمَّا الالهام أو الإعلام أو الرّسالة ، فهم مهبط الوحي ، وإمّا باعتبار نزول الوحي على النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيوتهم ، فقد ورد في حديث صحيح عن يحيى بن عبد الله أبي الحسن صاحب الدّيلم (٤) قال : سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول وعنده أناس من أهل الكوفة :

«عجباً للنّاس إنّهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعملوا به ، وأهتدوا ويرون أنّ أهل بيته لم يأخذوا علمه ، ونحن أهل بيته وذرّيته في منازلنا نزل الوحي ، ومن عندنا خرج العلم إليهم ، أفيرون أنّهم علموا وأهتدوا وجهلنا نحن وضللنا ، إنّ هذا لمحال» (٥).

__________________

(١) تكأة بالضم كهمزة ما يعتمد عليه حين الجلوس.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٣٥٣ ، بصائر الدّرجات : ص ٢٦.

(٣) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٦٦ الى ٨٥ ، وكذلك أمالي ابن الشّيخ : ص ١٥٤ ، وبصائر الدّرجات : ص ٩٣ ، الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٨٠.

(٤) الظّاهر هو يحيى بن عبد الله بن الحسن كما في كتب الرّجال.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٨ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥٨ ، الامالي : للشّيخ المفيد رحمه الله : ص ٧١.

٢٤

وقد يراد من كونهم مهبط الوحي بسبب نزول الوحي عليهم وحديث الملائكة معهم في غير الامور والاحكام الشّرعية ، مثل الاُمور الغيبية من قبيل الارزاق والآجال والسعادة والشقاوة المتعلقة بالنفوس (لان الشريعة مختصات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حيث يتنزل الوحي على كل أمام في عصره بصورة الهام. أو أعم من الغيبيات والاحكام والامور الشرعية التي تتنزل في ليلة القدر ، وهذا المعنى لا يتنافى مع القول بأنّ الله تعالى أكمل الدّين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولّمه لوصية الكريم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو علّمه بدوره للأوصياء من بعده ـ لانّه على تقدير وقوع هذا الامر ، فانّ نزولهم بالشرائع والاحكام للتأكيد والتّبين.

وتدلّ على ذلك جملة من الاخبار ، منها ما ورد في الكتاب الشّريف «اصول الكافي» عن محمّد بن مسلم قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام فقال : إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص.

فقلت له عليه‌السلام : جعلت فداك ، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّه يعطي السّكينة والوقار حتى يعلم أنّه كلام ملك» (١).

والمأثور عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال :

«إنّ علمنا غابر ، ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع» ثمّ قال عليه‌السلام : «أما الغابر ممّا تقدم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النّكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النّقر في الأسماع فأمر الملك» (٢).

(وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ)

ومعدِن ـ بكسر الدّال ـ على وزن مجلس ، بمعنى محل ومكان ، والأئمّة عليهم‌السلام معدن

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٦٨.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٦٠ ، عن بصائر الدرجات : ص ٩٤.

٢٥

الرّحمة الالهية ، سواء كانت عامّة أو خاصّة تنزل على الموجودات والقوابل بسببهم وببركتهم ، حتى نزول الارزاق والامطار على الخلائق لأجلهم وتعظيماً لشأنهم كما ورد في الاخبار الشريفة ، ونحن سوف نشير إليها في فقرة «وبكم ينزل الغيث» ولعل كونهم معدن الرّحمة لأنّه لولاهم لساخت الارض بأهلها. كما ورد عن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتبقى الأرض بغير أمام؟

قال الإمام عليه‌السلام : «لو بقيت الأرض بغير الإمام لساخت» (١).

يمكن أن يراد بها أنّهم مظاهر رحمة الله ، إذ رحمتهم للخلق وشفقتهم على اُمّة جدّهم سيما محبيهم وشيعتهم قد بلغت الغاية ، وتجاوزت النهاية كما ورد في الحديث ما معناه : «إنّ أعمال الشّيعة تعرض عليهم : في كل يوم جمعة وعشيتها ، فما كان من حسنة أسرَّتهم وطلبوا من الله الزّيادة وما كان من سيئة أحزنتهم واستغفروا الله عزّ وجلّ لهم» (٢).

ويمكن أن يراد بها مقام شفاعتهم في يوم القيامة ويوم الفزع الاكبر حيث ، أنّ النّاس يستفيدون من شفاعتهم ومحبّتهم ، وفي الحديث عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : «والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم» (٣).

(وَخُزَّانَ العِلْمِ)

فعندهم خزائن العلوم الالهية (٤) وقد أحاطوا بأسرارها الرّبانية ومعارفها

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨.

(٢) وردت أحاديث كثير عنهم عليهم‌السلام بهذا المضمون اُنظر الى اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٣ الى ٣٥٣ ، وتفسير نور الثّقلين : لعلي بن جمعة العروسي الحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٦٣ الى ٢٦٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢١٤ ، عن تفسير عليّ بن ابراهيم القمي : ص ٤٤٧ و ٤٤٩ ، وقريب من هذا المعنى في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦٦.

(٤) وكذلك خزان الاسرار النّبوية ، كما ورد عن محمّد بن منذر قال : كان علي إذا قال شيئاً لم يشكّ فيه ، وذلك إنّا سمعنا

٢٦

الحقّة ، وكلّ ما ورد في الكتب السماوية من رموز حقائقها موجود عندهم ومخزون لديهم ، فصدورهم صدوق علم الله. وهم الرّاسخون في العلم ، العالمون بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ. وقد اُوتوا فصل الخطاب ، وقد روى أبو بصير عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «نحن الرّاسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله» (١).

وعن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه لرضا عليه‌السلام :

«أمّا بعد ـ فإنّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أمين الله في خلقه فلمّا قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّا أهل البيت ورثته ، فنحن أمناء الله في أرضه (٢) ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ، ومولد الاسلام (٣) ، وإنّا لنعرف الرّجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان ، وحقيقة النّفاق ، وإنَّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملّة الاسلام غيرنا وغيرهم ، نحن النّجباء (٤) ، النُّحاة (٥) ، ونحن أفراط الانبياء (٦) ونحن أبناء الأوصياء ، ونحن المخصوصون في كتاب الله عزّ وجلّ ونحن أولى الناس بكتاب الله ، ونحن أولى الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا) وقد وصّانا بما وصى به نوحاً

__________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «خازن سرّي بعدي علي» أمالي ابن بابويه : ص ٤٩١ ط النّجف.

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) أي على علومه وأحكامه ومعارفه.

(٣) لعل التّخصيص بهم لكونهم أشرف أو لكونهم في ذلك أهم وقد كان فيهم أولاد الحرام عادوا الأئمّة عليهم‌السلام ونصبوا لهم الحرب وقتلوهم أو مولد الاسلام أي يعلمون كلّ من يولد هل يموت على الاسلام أو على الكفر ، وقيل موضع تولده ومحل ظهوره.

(٤) النّجباء : جمع النّجيب وهو الفاضل الكريم السّخي.

(٥) النُّجاة : بضم النون جمع ناج كهداة وهادٍ.

(٦) ونحن أفراط الانبياء ، أي أولادهم أو مقدموهم في الورود على الحوض ودخول الجنّة أو هداتهم أو الهداة الذين أخبر الانبياء بهم. قال في النهاية : الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة.

وفي الحديث : «أنا فرطكم على الحوض» ومنه قيل للطفل : اللهم أجعله لنا فرطاً أي أجراً بتقدمنا حتى نرد عليه وفي القاموس : الفرط العلم المستقيم يهتدي به ، والجمع أفرط ، وأفراط.

٢٧

(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) يا محمّد (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ) فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا وأستودعنا علمهم ، نحن ورثة أولي العزم من الرّسل (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يا آل محمّد (وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وكونوا على جماعةٍ (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) من أشرك بولاية عليّ (مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من ولاية عليّ (إِنَّ اللَّـهَ) يا محمّد (يَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) (١) من يجيبك إلى ولاية عليّ عليه‌السلام» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام :

«والله إنّي أعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفي خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال الله عزّ وجلّ (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (٣) (٤).

وعنه عليه‌السلام : قال الله تعالى : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٥).

ففرج أبو عبد الله عليه‌السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال : «وعندنا والله علم الكتاب كلّه» (٦).

فائدة : عندما نتتبع الاخبار الشريفة ، ونتفحص الآثار الواردة عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام يظهر لنا مراتب علومهم العجيبة ، حيث لم يبخلوا بعلومهم على الناس سواء كانت علوم تكوينية أو علوم تشريعية ، ولكن العلماء العاملين الذين استطاعوا أن يستفيدوا من فيوضات بحار علومهم قد أصلحوا سريرتهم وطهروا

__________________

(١) الشّورى : ١٣.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٣) النّحل : ٨٩.

(٤) تفسير نور الثقلين للحويزي ، ج ٣ ، ص ٧٦ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٥) النّمل : ٤٠.

(٦) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٨٩ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

٢٨

نفوسهم ، وراقبوا أنفسهم ، وراعوا آداب التعليم والتعلم ، أمّا من لم يتمكن من تطهير نفسه من الرّذائل ، وقد غرق في المعاصي والاثام وابتلى في أمور الدنيا بالتّكبر ، ولم يغسل قلبه من الادران الظّلمات السّوداء ، فأستولت على صفحاته الاُمور الاعتبارية ، فقد انحرف عن الاسرار الالهية المخزونة في صدور الأئمّة عليهم‌السلام ، ورأيت في كلمات بعض الافاضل قال : من أراد أن يتعلم الحقائق من منبع الفيوضات الكاملة للعلماء وتكون له أرضية مستعدة لقبول ترشحات العلوم الحقيقية. فيجب عليه أن يراعي أموراً ثلاثة :

الاوّل : أن يُعلّم نفسه بالاجتناب عن الرّذائل ويظهّرها من الادران ، كما أن الفلّاح عندما يريد أن يزرع أيضاً ويلقي فيها بذراً يطهرها من الخبائث والآفات والنباتات الزّائدة ، لان الشيء الطّاهر ، والعلم النّافع لا يختار لنفسه مسكناً إلّا في أرض ومحل طاهرين ، وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب يعني أنّه اذا لم يطهر قلبه من الافات والمعاصي والصفات الرّذيلة لا يكون محلاً وموطناً للانوار الالهية ، ولا تشرق عليها شمس العلوم الحقّة ، ولا يكون صالحاً لالقاء بذر التوحيد والمعارف الرّبانية ، وهكذا اذا لم يطهر الإنسان زوايا قلبه من الكلاب والاهواء والنفس ووسواس الشّيطان فلا يكون محلاً لنزول الملائكة والالهامات الرّبانية.

الثّاني : يجب على المتعلم السعي الى ردع نفسه من الاشتغال بالامور الدّنيوية الفانية ، كي يتوفر له مجالاً أوسع في تحصيل العلوم الحقيقية ، قال الله تعالى : (مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١) كي يستطيع أن يشتغل بالامور الدّنيوية وباحدهما ، ويسعى بالاخر الى تحصيل العلوم الاخروية!!.

عندما تتشتت أفكار الانسان في تحصيل الزخارف الدّنيوية ، فينقسم همّه

__________________

(١) الاحزاب : ٤.

٢٩

كالجدول الذي يتفرق ماؤه في الجداول الاُخرى ، فتجذب الارض شيئاً من مائه ، ويجفّ قسم منه بسبب حرارة الجو ولا يبقى منه سوى شيء ضئيل غير نافع ، أمّا لو أجتمعت تلك المياه في جدول واحد ولم تتفرق فانها تصل إلى المزراع وترويها فتخضر وتثمر.

الثّالث : أن لا يتكبر المتعلم على معلمه ، بل يبقى دائماً خاضعاً له ولعلمه.

(وَمُنْتَهَى الحِلْمِ)

فإنهم عليهم‌السلام منتهى غاية الحلم ، بل كمال الصبر وكظم الغيظ ، أو أنّهم محل العقل الكامل ، والمعنى الاول أقرب ، لأن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام حازوا بهذه الصّفة أعلى مراتبها وأقصى درجاتها (١) ، إذا أردانا ذكر الاحداث المنقولة عنهم عليهم‌السلام في الصبر والحلم بالنسبة الى جهال هذه الامّة أو بالنسبة الى من بيوتهم من الحشم والخدم ، ومعاملتهم مع أعدائهم والمعاندين لخرج هذا المختصر عن طوره ، ولكن نكتفي بذكر عدّة روايات في هذا الباب ، فقد روي إنّ شامياً رآى الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام راكباً فجعل يلعنه والامام الحسن المجتبى عليه‌السلام لا يردّه ، فلمّا فرغ أقبل الامام فسلّم عليه‌السلام عليه وصبره وضحك بوجهه فقال :

«أيّها الشّيخ أضنك غريباً ولعلك شبهت ، فلو إستعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو أسترشدتنا أرشدناك ، ولو أستحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا الى وقت إرتحالك كان أعود عليك ، لانّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً

__________________

(١) أنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام منتهى طرفي الحلم في الاصول والفروع في الغيب والفروع في الشّهادة ، انظر الى الكتب التي تفسر معنى الحلم وتذكر تشعباتها المأة ، منها ، الرّشد وتشعباتها ، ومنها ، المداومة على الخير تشعباتها وو ...

٣٠

ومالاً كثيراً».

عندما لمس الشامي حلم الإمام عليه‌السلام ورأفته وصبره وأخلاقه وكرمه ندم ممّا صدر منه ، وأدرك الحق وعلو شأن الإمام عليه‌السلام.

وبكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ، وحول رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن إرتحل ، وصار معتقداً لمحبتهم (١).

وروي المرحوم الكليني في كتابه الشريف «الكافي» : أن الإمام الصادق عليه‌السلام بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد الله عليه‌السلام على أثره لما أبطأ فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروحه حتى إنتبه فلمّا إنتبه قال له الصادق عليه‌السلام : «يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنّهار ، لك الليل ولنا النّهار» (٢).

وعن معتب قال : كان الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في حائط له يصرم (٣) فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط فأتيته فأخذته وذهبت به إليه فقلت : جعلت فداك أني وجدت هذا وهذه الكارة.

فقال الإمام عليه‌السلام للغلام : فلان ، قال : لبيك ،

قال عليه‌السلام : أتجوع ،

قال : لا يا سيّدي.

قال الإمام عليه‌السلام : فتعرى.

قال العبد : لا يا سيّدي.

قال الإمام عليه‌السلام : فلأي شيء أخذت هذا؟

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٤٣ ، ص ٣٤٤ ، كشف الغمّة ، ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٢) روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٨٧ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٧ ، ص ٥٦ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشهوب ، ج ٢ ، ص ٣٩٥.

(٣) الصّرم : هو القطع البائن ، وصرم فلان النّخل والشّجر جزّه.

٣١

قال العبد : أشتهيت ذلك.

قال الإمام عليه‌السلام : «أذهب فهي لك ، وقال خلوا عنه» (١).

وغيرها من الرّوايات في هذا الباب.

(وَأُصُولَ الكَرَمِ)

أي جذور الكرم ، يقال «كريم» لمن يتخلق بصفة الكرم والجود ويكون أهلاً له ، أو يقال لمن كان جامعاً تتسجد جميع للخيرات والشرف والفضائل فيه ، وقد تجسّد كلا المعنيين في أئمّة الشيعة عليهم‌السلام في أعلى مراحل الكمال.

وقد ورد في كرم أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه جاءه أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين إنّي مأخوذ بثلاث علل ، علّة النفس وعلّة الفقر وعلّة الجهل ، فأجاب أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«يا أخا العرب علّة النفس تعرض على الطبيب ، وعلّة الجهل تعرض على العالم ، وعلّة الفقر تعرض على الكريم».

فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين أنت الكريم ، وأنت العالم ، وأنت الطّبيب.

فأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بأن يعطى من بيت المال ثلاثة آلاف درهم ، وقال : «تنفق ألفاً بعلّة النّفس وألفاً بعلّة الجهل ، وألفاً بعلّة الفقر» (٢).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٨ ، ص ١١٥ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠٨.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤١ ، ص ٤٣ ، عن جامع الاخبار : ص ١٥٨ و ١٥٩.

وكذلك من لطائف ما ورد في كرم مولانا الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، جاء في تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وعلي بن حرب الطائي ، ومجاهد ، وبأسانيدهم ، عن ابن عباس ، عن أبي هريرة ، وروى جماعة هم عاصم بن كليب ، عن أبيه ، اللّفظ له : عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلى رسول الله ، فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله إلى أزواجه : فقلن : ما عندنا إلّا الماء ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا الرجل الليلة؟ فقال علي : أنا يا رسول الله ، وأتى فاطمة وسألها : ما عندنا يا بنت رسول الله؟

فقالت : ما عندنا إلّا قوت الصّبية ، لكنّا نؤثر به ضيفنا.

٣٢

وورد في كرم الإمام الحسن عليه‌السلام ، أنّه سأله رجل ، فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار (١) ، وقال له : إئت بحمّال يحمل لك ، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه فقال عليه‌السلام : «هذا كرى الحمّال» (٢).

وورد أيضاً في كرم الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام أنّه جاءه أعرابي سائلاً فقال عليه‌السلام : أعطوه ما في الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها إلى الاعرابي.

فقال الاعرابي : يا مولاي ألّا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليه‌السلام :

نَحْنُ أُناسٌ نَوالُنا خَضْلُ

يَرتَعُ فِيهِ الرّجاءُ والأمَلُ

تَجُودُ قَبْلَ السُّؤالِ أنفُسُنا

خَوفَاً عَلَى ماءِ وَجهِ مِنْ يَسلُ

لَو عَلِمَ البَحْرُ فَضلَ نائِلِنا

لغَاضَ مِنْ بَعْدِ فَيضِهِ خَجَلُ (٣)

ونقل في كرم الإمام الحسين عليه‌السلام أنّه جاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة ، فقال عليه‌السلام :

«يا أخا الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة إنّي آت فيها ما سارك ان شاء الله».

__________________

فقال علي عليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية ، وأطفي المصباح ، وجعلا يمضغان بألسنتهما ، فلمّا فرغ من الاكل أتت فاطمة بسراج ، فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله.

فلمّا أصبح صلّى علي مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا سلّم من صلاته نظر إلى علي وبكى بكاءً شديداً ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمير المؤمنين لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة ، إقرأ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) أي : مجاعة (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) يعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وبذلك اشار الحميري رحمه الله قائلاً :

وآثر ضيفه لمّا أتاه

فظلّ وأهله يتلمّظونا

فسمّاه الإله بما أتاه

من الإيثار باسم المفلحينا.

 (١) مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ١٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه ا لله ، ج ٤٣ ، ص ٣٤١ ، نقلاً عن مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦.

٣٣

فكتب : يا أبا عبد الله إن لفلان عليّ خمسمائة دينار وقد الح بي فكلمه ينظرني الى ميسرة ، فلما قرأ الحسين عليه‌السلام الرقعة دخل الى منزله فاخرج صرّة فيها ألف دينار وقال عليه‌السلام :

«أمّا خمسمائة فاقض بها دينك وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلّا الى ثلاثة : الى ذي دين ، أو مروة ، أو حسب ، فأمّا ذو الدين فيصون دينه وأمّا ذو المروة فإنّه يستحي لمروته وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك» (١).

أمّا في غير هذه المواضع فالانسان يرجع خائباً فشلاً.

ونقل عن كرم الإمام زين العابدين عليه‌السلام : لما حضرت اسامة بن زيد الوفاة فجعل يبكي ، فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : «ما يبكيك».

قال اُسامة : يبكيني أنّ عليّ خمسة عشر ألف دينار ولم أترك لها وفاءً.

فقال الامام علي بن الحسين عليهما‌السلام : «لا تبك فهي عليّ ، وأنت منها بريء» فقضاها عنه (٢).

وهكذا كان لكلّ واحدٍ من الأئمّة عليهم‌السلام باعٌ كبير في الجود والكرم أكبر من أن يوصف ، فمن أراد المزيد من العلم والاطلاع ، فعليه مراجعة الكتب التاريخية المفصلة التي تذكر مناقبهم وفضائلهم عليهم‌السلام.

وقد يكون المراد من كونهم أصول الكرم هو أنّهم علل الكرم الالهي على سائر العباد حتى بالنّسبة ذلك الى الانبياء عليهم‌السلام أيضاً غير نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد في

__________________

(١) تحف العقول : للشّيخ ابن شعبة الحراني رحمه الله من اعلام القرن الرّابع ، ص ١٧٦.

(٢) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله : ج ٢ ، ص ١٤٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجسي ج ٤٦ ، ص ٥٦ ، تذكرة الخواص : ص ٢٩٨ ، مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦٣.

٣٤

عبارات الخبر المأثور عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام :

«وأسباطنا خلفاء اليقين ومصابيح الامم ومفاتيح الكرم فالكليم أُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصّاقورة (١) ذاق من حدائقنا الباكورة (٢) وشيعتنا الفئة النّاجية والفرقة الزاكية» (٣).

(وَقَادَةَ الأُمَمِ)

فانّهم عليهم‌السلام قادة الطّوائف والفرق المختلفة من العرب والعجم وغيرهم ، وإنّهم الوسيلة في دار الدّنيا لمعرفة الله تعالى وإطاعة أوامره سبحانه بأنوار هدايتهم ، وبشفاعتهم ينال المؤمن في يوم القيامة الدّرجات العالية في الجنّة ـ أو أنّهم قادة الأمم (٤) الماضية في الدّنيا والاخرة بالشفاعة الكبرى ، والوسيلة العظمى ، بل في الدنيا لأنّ الأنبياء عليهم‌السلام واُممهم قد اهتدوا بالتوسل بأنوارهم المقدّسة ، وبأشباحهم المعظمة فقد ورد في الرّوايات الشريفة :

«بعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله» (٥).

كما أنّ جميع الانبياء العظام عليهم‌السلام كانوا في أحلك الشدائد والمصائب يتوسلون بأسمائهم الشريفة ، وأنوارهم المقدّسة ، فيكشف الله عزّ وجلّ لاجل أسمائهم وأنوار الطيبة المهم من أمورهم.

__________________

(١) في النسخة : الصّاغورة.

(٢) الباكورة : أوّل ما يدرك من الفاكهة.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٦٥.

(٤) أنّهم عليهم‌السلام يقودون النّاس بدعائهم وتعريفهم وأمرهم وترغيبهم الى المعرفة والدين ، فمن استجاب لهم اهتدى الى الله عزّ وجلّ ونحبى ونال سعادة الدّارين ، ومن لم يستجب وتخلف عنهم هلك وكان للشطيان فيه نصيب الوافر ، بل الرادّ عليهم كالرادّ على الله عزّ وجلّ وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل صغيرة وكبيرة على حدّ الشرك بالله ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باب الله لا يؤتى إلّا منه وسبيله الذي أمن من سلكه ، وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده وجرى للأئمّة عليهم‌السلام من بعدهما ما جرى لهما.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤٤.

٣٥

(وأوْلِياءَ النِّعَمِ)

فإنهم عليهم‌السلام أصحاب النّعم الظاهرية والباطنية ، والدّنيوية والأخروية ، ولأنّه ببركاتهم تنزل السّماء أمطارها ، وتترشح النّعم الحقيقية مثل العلوم والكمالات والمعارف الحقة على الآخرين ، بل إنّهم النّعم الالهية العظيمة والآلاء الرّبانية الجسيمة على جميع النّاس.

عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليهم‌السلام ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدلوا عن وصيّه؟ لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ، ثمّ تلا هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ) (١) ثمّ قال عليه‌السلام :

«نحن النّعمة ا لتي أنعم اللهُ بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة» (٢).

وكذلك ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه سأل أبا حنفية عن قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٣).

فقال له : من النعيم عندك يا نعمان؟

قال أبو حنيفة : القوت من الطعام والماء البارد.

فقال الإمام عليه‌السلام : لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى سألك عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه.

قال أبو حنيفة : فما النّعيم جعلت فداك.

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن أهل ال بيت النّعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا أئتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف الله بين قلوبهم فجعلهم إخواناً بعد أن

__________________

(١) إبراهيم : ٣٤.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٧.

(٣) التكاثر : ٨.

٣٦

كانوا أعداءً وبنا هداهم الله للاسلام وهو النّعمة التي لا ينقطع والله سائلهم عن حق النّعيم الذي أنعم الله عليهم وهو النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته» (١).

(وَعَناصِرَ الأبْرَارِ)

فإنهم عليهم‌السلام أصول الاخيار والطيبين ـ أو لأنّهم أصل ومنبع كل خير وطيب من مكارم الاخلاق ، ومعالي الصّفات وأصول الكرم والسّخاء والوفاء والشجاعة (٢) والمتانة والزّهد (٣) والعبادة وغيرها.

أو لانّهم أصول الأبرار لانتساب الابرار إليهم ، واهتدائهم بأنوارهم الطيبة لأن النّاس تعلموا معنى الخير والاصلاح والطيب في مدرستهم المقدّسة.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦٦٣ ، ح ١٥ ، عن مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٣٤ ، ورواه العياشي في تفسيره أيضاً.

(٢) وقال دعبل الخزاعي في وصف شجاعة الامام الاوّل أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أبو تراب حيدرة

ذاك الإمام القسورة

مبيد كلّ الكفرة

ليس له مناضل

مبارز ما يهب

وضيغم ما يغلب

وصادق لا يكذب

وفارس محاول

سيف النّبي الصّادق

مبيد كلّ فاسق

بمهرهفٍ ذي بارق

أخلصه الصّياقل.

 (٣) كما كان الامام الاوّل أمير المؤمنين عليه‌السلام وسار على نهجه الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، فقد روى الامام أحمد بن حنبل في مسنده : ج ١ ، ص ٧٨ ، بسنده عن عبد الله بن زرير أنّه قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم الأضحى ، فقرّب إلينا حريرة فقلت : أصلحك الله لو قرّبت إلينا من هذا ال بط ـ يعني الوز ـ فإنّ الله عزّ وجلّ قد أكثر الخير.

فقال عليه‌السلام : يابن زرير إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يحل للخليفة من مال الله إلّا قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس»

والحريرة : دقيق يطبخ بابن أو دسم كما في المنجد.

أخي يا من تبحث عن رضا الله عزّ وجل ، وتبتغي التمسك بسنة النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترجو سعادة الدّارين ، فعليك أن تتأمّل في هذه الصور الجميلة من الزهد والامانة والحرص تجاه بيت المال ، في سيرة مولانا إمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ تتأمل في سيرة الأخرين ممن سبقه أو تأخر عنه ، كيف بذلوا مال الله ومال المسلمين لنزواتهم الفاسدة ، وأغراضهم الخبيثة ، ولمن حارب الله ورسوله.

انظر في ذلك الى كتاب الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله ، والمقتطفات بمجلديه ، والبيان الجلي في أفضلية مولى المؤمنين علي عليه‌السلام : للعلّامة ابن رويش ، ص ١١٨ ، فصل ما دلّ على أزهديته عليه‌السلام ممّن سواه.

٣٧

إذن فهم أصل وجذور الخير والطّيب في الصالحين والابرار ، أو أنّهم العلّة الغائية وسبب أصل خلقة العالم وخلقة الابرار ، لأنّه لولاهم ما كانت السماء ولا الارض ولا الشمس ولا القمر ولا الليل ولا النهار ، ولا خلق الله سبحانه الناس ولا الأخيار ، فهم أساس وحقيقة وعصارة الخلقة ووجود الأخيار ، وبهذا المعنى يدل الحديث المأثور : «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك» (١).

يعني يا محمّد لولاك لما خلقت السماء والأرض.

أو لأنّ الشيعة الاخيار الأبرار (٢) خلقوا من فاضل طينتهم (٣) وينتمون الى ولايتهم ويقرون بأمامتهم ، كما ورد في رواية صحيحة عن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام : «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا ، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» (٤).

(وَدَعَائِمَ الأخْيَارِ)

الدّعائم : جمع الدِّعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت ، ومعناه أن الأئمّة عليهم‌السلام موطن أعتماد ، وموضع أتكاء الاخيار والأبرار ، فعليهم العول والمعتمد في الاحكام الالهية والمعارف الربانية عليهم‌السلام. وهم مرجع الصلحاء والاخيار في أنتقاء الفضائل الخلقية والعملية ، وكل من أعتمد وأستند في علوم التفسير والاحكام والمعارف الاسلامية على غيرهم فأنه ضال ومنحرف.

__________________

(١) الخصائص الفاطمية ، نقلاً عن مستدرك السفينة : ج ٣ ، ص ٣٣٥ ، وج ٨ ص ٣٣٩.

(٢) أنّ شيعتهم كانوا أبراراً ، لأنّهم تولوا بهم وتبرؤا من أعدائهم ، وأحبّوا أئمتهم وأطاعوهم في طريقتهم وردّوا الأمر إليهم وسلّموا لهم فيما علموا وما لم يعلموا ، فبذلك كانوا أبراراً لأنّهم من أصل هدايتهم في الحقيقة.

(٣) ولقد ورد عن رضي الدين ابن طاووس رحمه الله انه قال : سمعت القائم عليه‌السلام بسر من رآى يدعوا من وراء الحائط وأنا أسمعه ولا أراه وهو يقول : «اللهمّ إنّ شيعتنا خُلقوا منّا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ، اللهمّ إغفر لهم الذّنوب ما فعلوا إتكالاً على حبّنا وولّنا يوم القيامة اُمورهم ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السّيئات إكراماً لنا ولا تقاصصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا وإن خفّت موازينهم فثقّلها بفاضلٍ حسناتنا».

(٤) وردت روايات كثيرة في باب الطينة والميثاق اُنظر بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٢٥ الى ص ٢٧٦ ، ومشكاة الانوار : ص ٨٤ ، المحاسن : للشيخ البرقي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٣٢ الى ص ١٤١.

٣٨

وورد في تفسير الآية الشّريفة : (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) (١). إن الانسان لابدّ أن يتأمل في الطعام الذي يتناوله من أين حصل عليه ، من حلال أم حرام ، طاهر أم نجس ، خبيث أو طيب؟

وجاء في رواية ، أن المراد من الطعام هو الطعام الرّوحي والمعنوي ، والعلوم النافعة والمعارف الحقّة التي يجب أخذها من أهلها ومن الذين أوتوا أسرارها (٢).

عن محمّد بن مسلم قال : سمعت الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام يقول : «كلُّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضالٌّ متحيّر والله شانيء لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنّنت إليها وأغترّت بها فباتت معها في مربضها ، فلمّا أن ساق الرّاعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجّت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها وأغترّت بها فصاح بها الرّاعي : إلحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك ، فهجّت ذعرة متحيّرة تائهة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها أو يردّها ، فبينا هي كذلك إذا أغتنم الذئب ضيعتها فأكلها.

وكذلك والله يا محمّد من أصبح من هذه الاُمّة لا أمام له من الله عزّ وجلّ ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق ، وأعلم يا محمّد أن الأئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد أشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا

__________________

(١) عبس : ٢٤.

(٢) اُنظر الى تفسير الصّافي : للعلّامة الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٨٧ في تفسير هذه الآية.

٣٩

يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد» (١).

(وَسَاسَةَ العِبَادِ)

إنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام هم أُمراء وملوك عباد الله عزّ وجلّ ، و «ساسة» جمع سايس وهو المدبّر لامر المسوس ، ويقال لمن يتولى أمور الرّعية ونهيها ، لأنّ أمر الامّة ونهيها موكولة إليهم فوجب طاعتهم والاقتداء بهم عليهم‌السلام.

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة : (وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) (٢)

قال الإمام عليه‌السلام : «الطّاعة المفروضة» (٣).

وجاء في رسالة الحقوق للامام السّجاد عليه‌السلام قال : «أمَّا حقّ سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه» (٤).

(وَأرْكَانَ البِلادِ)

الاركان جمع ركن وهو الجانب والبلاد جمع بلدة ، فالأئمّة الاطهار عليهم‌السلام أركان الوجود ، فببركة وجود الامام يستقر نظام العالم ، ولو رفع وجوده المقدّس لحظة عن وجه الارض لساخت الارض بأهلها كما ذكرنا ذلك في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وأيضاً يروي المفضل عن الإمام الصادق عليه‌السلام : في حديث طويل جاء فيه : «جعلهم أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجّته البالغة على من فوق الارض

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٤٨ ، بحار الانوار للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٦١.

(٤) تحف العقول : ص ١٨٧.

٤٠