أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

قال زرارة : ولا أعلم إلّا أنّه قال : ولعنه (١).

أمّا العامّة فهكذا نقلوا الحديث : «الوزغ ابن الوزغ والملعون بن الملعون» (٢).

(بِأبِي أنْتُم وَأمِي وَنَفْسِي وَأهْلِي وَمَالِي)

أي أفديكم بأبي وأمّي ونفسي وأهلي ومالي ، وهم رهط الانسان وأعزّ ما لديه.

(ذِكْرُكُم فِي الذّاكِرِين وأسْمَاءُكُم فِي الأسْمَاءِ وأجْسَادُكُم فِي الأجْسَادِ وَأرْوَاحُكُم فِي الأرْوَاحِ وَأنْفُسُكُم فِي النُّفُوسِ وآثَارُكُم فِي الآثَارِ وَقُبُورُكُم فِي القُبُورِ)

هذه الفقرات تحتمل معانٍ.

الاوّل : أن يكون المعنى أنّ ذكركم وإن كان في الظّاهر مذكوراً بين الذّاكرين أو يذكروكم بالسنتهم ويذكروا غيركم ، وتذكر أسماؤكم في أسمائهم بأن يقولوا ، محمّد وعلي وكذا البواقي إلّا أنّه لا نسبة بين ذكركم وذكر غيركم ، ولا بين أسمائكم واسماء غيركم ، وكذا البواقي بقرينة الفقرة الآتية في قوله بعد ذلك.

(فَمَا أحْلَى أسْمَاءُكُم وَأكْرَمُ أنْفُسَكُم وَأعْظَمُ شَأنَكُم وَأجَلُ خَطَرَكُم)

أي وإن كانت أسماؤكم وأنفسكم وأرواحكم تذكر ضمن سائر الاسماء

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣١ ، ص ٥٣٣ ، روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٢٣٨.

(٢) وقد ورد عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : كان لا يولد لأحد مولود ، إلّا أتي به إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا له ، فاُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون» أخرجه الحاكم في المستدرك : ج ٤ ، ص ٤٧٩. وتأمل في الروايات الواردة في هذا الباب في الإصابة : لابن حجر ، ج ١ ، ص ٣٤٥ ، وتاج العروس : للزبيدي ، ج ٦ ، ص ٣٥ ، والسيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٣٣٧ ، الانساب : للبلاذري ، ج ٥ ، ص ٢٧ ، والفائق : للزمخشري ، ج ٢ ، ص ٣٠٥.

٢٤١

والنّفوس والارواح ، إلّا أنّه ما أحلى أسماءكم من بين الاسماء وأعظم وأكرم نفوسكم وأرواحكم.

وعلى أي حال ، فحاصل المعنى أن ما يذكر ويسمى ويتكلم به تدور حوله الألسن فهو غير خارج من هذين الشّقين : إمّا خالق أو مخلوق ، وأسماؤكم وأنفسكم وأخلاقكم وأجسادكم وسائر أفعالكم وأحوالكم وأطواركم وإن كانت في ضمن المخلوقات وداخلة في جملتها ، إلّا أن لها كمال الامتياز والسّمو والعلو والرّفعة والقدر والمنزلة بحيث لا نسبة بينها وبين سائر الاسماء والنفوس والأرواح ، فهي مصداق المثل المعروف : اين الثرى من الثريا ، فهناك جملة من الاُمور المنسوبة إليهم وإلى غيرهم ، وهذا لا يقضي مساواتها ولا انطباقها كما قال من قال.

فإنْ تَفِقِ الأنام وأنْتَ مِنْهُم

فإنَّ المِسكَ بَعْضُ دَمُ الغَزَالِ

وهذا المعنى أحسن المعاني واوضحها.

الثّاني : أن يكون المعنى : إذا ذكر الله الذّاكرون بمدح أو ثناء فأنتم داخلون فيهم ، لأنكم سادات الذاكرين ، وكذا إذا ذكرت الاسماء الشريفة والأوصاف المنيعة والارواح الطّيبة والأجساد الطّاهرين والأنفس السّليمة والعقول المستقيمة ونحو ذلك ، فأسماؤكم وأرواحكم وأجسادكم ونفوسكم داخلة في هذا التّعريف ، لأنّكم سادة السّادة وقادة الهداة وأشرف الشّرفاء ، ويدل على هذا المعنى الاحاديث الواردة ومدلولها ، أن كلّ آية مدح وثناء تشتمل على فضيلة وكمال فإنّ المراد منها الائمَّة المعصومين عليهم‌السلام ، وكلّ آية قدح وعذاب تشتمل على الذّم والتّفريع فالمراد منها أعداء أهل البيت عليهم‌السلام (١).

المأثور عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَلَا تَسْتَوِي

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٤١ الى ٤٨ و ٣٨٦ الى ٣٠٤.

٢٤٢

الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (١) فقال الإمام عليه‌السلام : «نحن الحسنة ، وبنو اُميّة السيئة» (٢).

الثّالث : أن يكون المعنى أنّه ينبغي أن يكون ذكركم مذكوراً في ألسنة الذّاكرين وكذا أسماؤكم ، والباقي بمعنى أن من أراد أن يذكر أحداً بمدح فينبغي أن لا يذكر سواكم ، ومن أراد الثناء على الأسماء والأرواح والأجساد والنّفوس فليس له أن يتجاوزكم إلى غيركم قال من قال :

إلَيْكُمْ وَإلّا لا تُشَدُّ الرَّكائب

وَمِنْكُمْ وَإلّا لا تَصُحُّ المَواهِبُ

وَفِيْكُمْ وَإلّا فَالحَدِيثُ مُزَخْرَفٌ

وَعَنْكُمْ وَإلّا فَالمُحَدِّثُ كاذِبُ

الرّابع : أن يكون المعنى أن ذكركم واسماؤكم وأرواحكم وسائر ما ذكر بمنزلة المظروف ، وجميع ذلك من غيركم بمنزلة الظّرف ، فشرافة هذه الاشياء منكم كشرافة المظروف على الظرف وامتيازه ، ولا يخلو هذا المعنى من بعد.

الخامس : يحتمل أن يكون المعنى أن هذه المذكورات من غيركم بمنزله القشر ومنكم بمنزلة اللب ، لأنّ الله سحبانه اشتق أسماءكم من أسمائه القدّسة ، وأمَّا أسماء غيركم فهي من صنع أنفسهم أو يُنسبون الى عبّاد الاصنام والمشركين ، ولأن أسماءكم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، واسماء غيركم بهرام وعبد العزّى وآذر ميدخت وغيرها أخذت من اسماء عبّاد الاصنام أو عبّاد النّار.

وذكركم بتمام الجوارح والاعضاء ، والذّكر على ألسنتكم ممزوج بالذكر في قلوبكم ، وذكر غيركم في الظّاهر واللّسان فقط ، وأن أرواحكم وأبدانكم من العليين وما فوق ذلك ، وأبدان شيعتكم دون ارواحكم من العليين وما دون ذلك ،

__________________

(١) فصلت : ٣٤.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٤٧ ، عن كنز الفوائد : ص ٢٨٢.

وكما ورد عن الامام علي عليه‌السلام في حديث الى أن قال : «الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا» رواه الحموني في فرائد السمطين : ج ٢ ، ص ٢٢٩ ، القندوزي في ينابيع المودة : ص ٩٨ ، والثعلبي الشافعي في تفسيره ، كما في الاحقاق : ج ٩ ، ص ١٣٥ ، البدخشي في مفتاح النجا : ص ٦ ـ مخطوط ، وغيرهم.

٢٤٣

وأبدان وأرواح أعدائكم من السّجين وما دون ذلك.

وآثاركم تحوى على المطالب العالية والمعارف الالهية الجليلة ، وآثار غيركم إمّا سالبة بأنتفاء الموضوع أو عندما تحتوي على فائدة فهي مقتبسة من آثاركم. وهكذا قبوركم وبيتكم التي عظمها الله سبحانه وجللها وجعل استجابة الدّعاء فيها وجعلها ملجاءً ومأمناً لاهل الدّنيا وأمّا قبور غيركم فهي خالية من هذه الخصائص ، واذا وجد فهي من بركات قبوركم.

السّادس : أن يقرأ فقرات أسمائكم وأرواحكم الى آخره ... مجروراً ، معطوفاً على ضمير الخطاب المجرور في ذكركم ، فيكون المعنى هكذا : يذكركم الله في جنب الذّاكرين ، فيكون من قبيل الاضافة الى المفعول ، بمعنى : اذا ذكر النّاس الذّاكرين بالمدح والثّناء وجرت أسماؤهم على السنتهم وكذا أرواحهم واجسادهم ، ذكركم الله سبحانه وتعالى في جنبهم وذكر أسماءكم ومدحها وكذا أرواحكم وأجسادكم في جنب ذكرهم لها بعلو المرتبة والدّرجة عند الملأ الاعلى وأهل السّماء والأرض كما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ) (١).

أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربّه وهو العبد (٢).

والدّليل على ما ذكرنا الآيات والروايات الكثيرة المستفيضة الواردة في مباهات الله سبحانه وتعالى بملائكته في علو مقامهم وعبادتهم وأعمالهم وسائر شؤونهم ، لأنّهم من أخصّ المقرّبين الى الحضرة القدسية الالهية ، ويمكن ان تكون لها معاني اُخرى ، فان الله عزّ وجلّ أعرف وأعلم بحقائق كلام أوليائه واصفيائه عليهم‌السلام.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) راجع تفسير مجمع البيان : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٨٧ ، وتفسير التبيان : للشّيخ الطّائفة الطوسي رحمه الله ج ٨ ، ص ٢١٢ و ٢١٣ ، وتفسير الصافي للفيض الكاشاني رحمه الله : ج ٤ ، ص ١١٨ ، نقلاً عن تفسير القمي ، عن الامام الباقر عليه‌السلام يقول : «ذكر الله لأهل الصّلاة أكبر من ذكرهم إيّاه ألا ترى أنّه يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).

٢٤٤

(وَأوْفَى عَهْدَكُمْ وَأصْدَقَ وَعْدَكُمْ)

هذه الفقرة المباركة عطفاً على ما سبقها ، فيكون المعنى : كم أنتم أوفياء في عهدكم وميثاقكم ، وكم أنتم صادقون في كلامكم ، الفقرة الاولى : «وأوفى عهدكم» إشارى الى قوله تعالى :

(رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (١).

ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «فِينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... فأنا والله المنتظر ما بدلت تبديلاً» (٢).

وورد في كتب تفاسير الشّيعة والسّنة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمّة الاطهار عليهم‌السلام أن المراد من الذين و «منهم من قضى ...» ، عمّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمزة بن عبد المطلب ومن استشهد معه في غزوة احد (٣).

والفقرة الثانية «وأصدَقَ وَعدُكُم» أشارة الى الآية الشريفة في قوله تعالى : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٤).

وورد في تفسير هذه الآية أن الصّادقين هم الأئمّة عليهم‌السلام (٥).

وكذلك ورد عن الإمام الرّضا عليه‌السلام قال : «إنّا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول الله» (٦).

__________________

(١) الاحزاب : ٢٣.

(٢) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٤٩ ، وتفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٥٩.

(٣) انظر الى مجمع البيان : للشيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٤٩ ، وتفسير الكشاف : للزمخشري : ج ٣ ، ص ٥٣٢ ، وتفسير الجامع لاحكام القرآن : ج ١٤ ، ص ١٦٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٣٠.

(٤) التوبة : ١١٩.

(٥) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٣٠ ، باب ٣٦ ، نقلاً عن جابر بن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...) قال : مع آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفسير مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٨٠ ، وتفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٢٥٩ ، وتفاسير الشّيعة والسّنة.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٥ ، ص ٩٧.

٢٤٥

(كَلامُكُمْ نُورٌ)

أي علم وهداية من الله ، أو المراد منها أن لكلامكم امتياز على غيره كامتياز النّور على الظلمة ، فان كلامكم دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

أو المراد منها كلامكم نور وهداية لمن أراد الهداية ، لأن النّور هو الدّليل والبرهان الذي به تثبت حقائق الاشياء ، كما قيل أنّ القرآن الكريم نو لاثبات الحقائق التي جاء به النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكذلك من اقتدى بكلامهم اهتدى الى الله عزّ وجلّ وسلك طريقاً الى الجنّة ، ومن خالفهم ضلّ سعيه في الحياة الدنيا وسلك طريقاً الى النّار ، كما ورد أن الامام الحجّة مولانا صاحب الزّمان «عجل الله تعالى فرجه الشريف» نهى علي بن محمد بن علان عن الحج فخالف ومضى الى الحج فقتل (١).

وقال العلّامة شبر رحمه الله في كتابه الشّريف «الانوار اللامعة» : وما ترى في كثير من الرّوايات من عدم سلاسة الألفاظ وجزالة المعاني والتّكرار ونحو ذلك ، فإمّا لأنّه نقل بالمعنى أو لأنّهم يكلّمون النّاس على قدر عقولهم وأفهامهم (٢).

(وَأمْرُكُم رُشْدٌ)

المراد من أمركم رشد إمّا أن ولايتكم وامامتكم واضحة للجميع ، والمنكرون مع علمهم بدرجتكم ومقامكم أنكروكم ، أو أن المعنى هو أن عملكم هداية النّاس الى الصواب والحقيقة ، وعمل اعدائكم الدعوة الى الباطل فهو كالسراب قال الله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) (٣).

__________________

(١) شرح الجامعة الكبيرة : للشيخ الاحساني رحمه الله ، ص ٣٨٥.

(٢) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١٩٠.

(٣) النور : ٣٩.

٢٤٦

(وَوَصَيّتُكُمُ التَّقْوى)

كانت وصية الائمّة الهداة عليهم‌السلام في مواعظهم وخطبهم وكلماتهم للنّاس ومن يلوذ بهم التقوى ، وكذا كانت وصيّة كل واحد منهم الى حين الوفاة لأهل بيته وذرّيته أن تقوا الله سبحانه كما نلاحظ الاخبار الواردة (١).

(وَفِعْلُكُمُ الخَيْرُ)

أي فعل الخير منحصر بكم فلا يصدر منكم الشّر أبداً (٢).

(وَعادَتُكُمُ الإحْسَانُ)

أي عادتكم الإحسان أي الى البر والفاجر والصديق والعدو (٣).

(وَسَجِتَّتُكُمُ الكَرَمُ)

أي طبيعتكم الكرم والاحسان لأنّهم عليهم‌السلام أكرم الخلائق ، وقد أصبح الكرم لهم طبيعة وسجيّة ، يقول الفرزدق الشّاعر في مدح الامام السّجاد عليه‌السلام.

__________________

(١) لاحظوا وصاياهم في كتاب بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٥ الى ج ٥٣ ، وعلى سبيل المثال وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنائه وخصّ منه الامام الحسن والامام الحسين عليهما‌السلام : «اُوصيكما وجميع ولدي ... بتقوى الله ونظم امركم» نهج البلاغة ، رسائله عليه‌السلام ٤٧.

(٢) وفعل الشرّ من أعداءكم ولا يصدر منه الخير أبداً ، فهم وأعدائهم من أبرز مصاديق الحديث القدسي الوارد في قوله تعالى : «وأنا الله لا إله إلّا أنا خليقت الخير فطوبى لمن أجريته على يديه ، وأنا الله لا إله إلّا أنا خلقت الشّر فويل لمن أجريته على يديه» فأجرى الله تعالى الخير على يد الائمّة الهداة من آل محمّد عليهم‌السلام وأجرى الشّر على يد أعدائهم من بني اُمية والشّجرة الملعونة في القرآن الكريم ومعاوية وأبيه وإبنه يزيد ومروان وآل مروان وزياد وآل زياد ، ومن لعنهم النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطردهم من المدينة ومن آواهم وسلطهم على رقاب المسلمين.

(٣) إذا نظرت الى سيرتهم : لوجدت كم لهم من إحسان الى من أساء اليهم وآذاهم هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعفو عن أبي سفيان وأهل مكة مع إساءتهم إليه ومؤامرتتهم على قتله ، مع كل ذلك قال لهم اذهبوا أنتم الطلقاء ، وهذا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوصي بقاته أن يطعم من طعامه وأن يحسنوا معاملته ، وهكذا الامام الحسن والامام الحسين عليهما‌السلام وبقيت الائمّة عليهم‌السلام ، لأنّهم تخلقوا جميعاً بصفات الله عزّ وجلّ. راجع في ذلك كتب التّاريخية من العامّة والخاصّة.

٢٤٧

مُشْتَقَّةُ مِنْ رَسُولُ اللهِ نَبْعَتُهُ

طابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالشّيمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحسانِ فَانْقَشَعَتْ

عَنْها العِمَايَةُ وَالامْلاقُ وَالظُّلَمُ

كِلَتَا يَدَتْهِ غِيَاتُ عَمّ نَفْعُهُمَا

يَستَوَكفَانِ وَلا يَعْرُوهُمَا عَدَمُ

سَهْلُ قَالَ قَطُّ إلّا فِي تَشَهُدِهِ

لو لا التَّشَهُدُ كَانَتْ لاؤُمُ نَعَمُ (١)

يعني لو لم يكن قول «لا» واجباً في التشهد كان دائماً وأبداً يتفوه بنعم ، وهذه الجملة كناية عن كثرة عطاياه عليه‌السلام وكناية عن عدم خيبة السّائل من باب داره.

(وَشَأنُكُمُ الحّقّ والصّدْقُ والرّفْقُ)

أي الحقّ في المعارف والأحوال ، والصّدق في الأقوال والرّفق في المعاشرات والأفعال (٢).

(وَقَولُكُمُ حُكْمُ)

أي كلامكم قاطع ، أو يراد منها أن كلامكم حكمة لأنكم أهل الحكمة ، ومنكم تصدر الحكمة ، وأنّكم لم تتقولوا على الله عزّ وجلّ بعض الاقاويل ، وإنّما قولكم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى وعن الملك المحدِّث لكم ، لانّه يجري لهم ما يجري لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعهم روح القدس يسدّدهم (٣).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ١٢٤ ، عن المناقب : ج ٣ ، ص ٣٠٦ ، حلية الاولياء : ج ٣ ، ص ١٣٩ ، الاغاني : ج ١٤ ، ص ٧٥ وج ١٩ ، ص ٤٠ ، وورد في عشرات الكتب الشيعية والسنية.

(٢) وشأنهم الحقّ والصّدق والرّفق باعتبار ولايتهم وعبوديتهم وأحوالهم وأقوالهم وكلّ صفة ربانيّة وخلق إلهية آثارها ومظاهرها وشئونها ومصاديقها هم وحدهم لا يشاركهم فيها أحد من الناس ، لأنّهم سرّ الله عزّ وجلّ كما قالوا : أمرنا هذا سر مستور بالميثاق من هتكه أذله الله ... راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧١.

(٣) اُنظر الى اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب «الرّوح التي تسدد الله بها الائمّة عليهم‌السلام»

٢٤٨

(وَحَتْمٌ)

أي واجب الاتباع ، لأنّ الله سبحانه فرض طاعتكم وأوجبها على الخلق ، قال عزّ اسمه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (١).

والمراد منها ـ كما وردت في الاخبار وتناقلها المفسرون لهذه الآية ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام والائمّة الهداة من أولاده عليهم‌السلام (٢).

دلّت الادلة القطعية عقلاً نقلاً أنّهم عليهم‌السلام لا يقولون عن الله عزّ وجلّ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا على سبيل الحتم والقطع ، لانّهم عاينوا ذلك عياناً وعرفوه شهوداً.

(وَرَأيُكُمُ عِلْمٌ)

أراؤكم قائمة على الاُسس العلميّة والبرهانيّة ، بل رأيكم إلهي مأخوذ من الوحي ، وليس كأهل الرأي المعولون على الظنون والقياسات والاستحسانات والتّخمين وغيره (٣).

(وَحِلْمٌ)

أي عقلاني لا سفاهة فيه ، أو صادر عن عقل سليم ، يعني رأيكم رأي أولي

__________________

وكذلك ورد في بحار الانوار عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام يقول : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : «خلق أعظم من خلق جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مع الائمّة يوفّقهم ويسدّدهم ، وليس كلّ ما طلب وجد» ج ٢٥ ، ص ٦٧.

(١) النساء : الآية ٥٩.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٣ ، ص ٢٨٦ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣٧٢ ، أعلام ال ورى : ٣٧٥ ، وكذلك تفاسير الفريقين تجدون فيها ما يغنيكم عن البيان.

(٣) مرّ الاشارة أنّهم : ورثة الانبياء والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أنزل الله عزّ وجلّ من الكتب والصحف ، وأنهم لا يخطئون أبداً لانّهم معصومون ومسدّدون ، فيكون رأيهم علماً أي جازماً قاطعاً وثابتاً ومطابقاً للواقع تماماً.

٢٤٩

العلم وذوو العلوم والعقول (١).

(وَحَرْمٌ)

أي موافق للاحتياط ، أو مضبوط ومتقن بمعنى أنّكم في أموالكم محتاطين ومضبوطين ولا تقولون إلّا ما أخذتموه من الله عزّ وجلّ والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(إنْ ذُكِرَ الخَيْرُ كُنْتُمْ أوَّلَهُ)

لأن الابتداء بالخير سواءً كان بمعنى الاحسان أو مطلق الوجود كان لأجلكم ، كما سلف في شرح الفقرة المباركة «وبكم فتح الله» فأنتم منبع الخيرات والفضائل.

(وَأصْلُهُ)

وأصل الوجود الذي هو مبدأ الخيرات جميعاً ولولاكم لما خلقت الموجودات.

(وَفَرْعَهُ)

لان الله عزّ وجلّ بفضله ورأفته على العباده جعلكم الثّمرة الكاملة لشجرة الوجود ، يتزود الناس في الدنيا والاخرة من بركة وجودكم.

وبعبارة آخر : إن الهدف المنشود من غرس الشّجرة هو النّيل من ثمرتها الحقيقية ، فأنتم تلك الثّمرة ، أو أن الكمالات العالية والافعال المرضية فرع وجودكم الذي هو الاصل وانتم الأصل والفرع.

__________________

(١) ورد عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : «لا والله ما فوّض الله أمره أحد من خلقه إلّا رسول الله والائمّة «صلوات الله عليه وعليهم» قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ) وهي جارية في الاوصياء» اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٨ ، والآية في سورة النساء : ١٦.

٢٥٠

(وَمَأواهُ)

أي أنتم منازل الخير ، ولا يوجد إلّا عندكم ولا يصدر إلّا منكم.

(ومُنْتَهَاهُ)

لان كلّ خير وفضل يرجع بالآخرة إليكم ، لأنّكم سببه ، أو أن عالم الدّنيا القائم على الخير لا ينطوي إلّا بانتهاء خيركم من العالم ، كما مرّ الاشارة اليها في شرح الفقرة المباركة «وبكم يختم» ، أو أن الخيرات الكاملة النازلة من الله تعالى تنتهي إليكم وتنزل عليكم كما قال الباري عزّ وجلّ في سورة القدر :

(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) (١).

تنزّل الملائكة والرّوح على مولانا صاحب الزمان «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» في ليلة القدر بكلّ أمر ويخر من قبل ربّ العالمين ، كما ورد هذا المعنى في التفاسير عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام (٢).

(بِأبي أنْتُم وأمّي وَنَفْسِي كَيْفَ أصِفُ حُسْن ثَنَائكُمْ)

أي كيف أقدر على وصف حسنكم بأن يكون اضافة الحسن الى الثّناء ، من باب إضافة الصّفة إلى الموصوف ، فعليه تكون الجملة كيف أصف ثنائكم الحسن ، أو يكون المعنى كيف أصف حسن ثنائكم على الله وتمجيدكم وتقديسكم له.

(وأحْصِي جَمِيْلَ بَلائكُمْ)

المراد من هذه الفقرة المباركة إمّا أن الابتلاءات والامتحانات التي ابتلاكم وأمتحنكم الله عزّ وجلّ بها قد خرجتم منها مكرمين ، وأن الله عزّ وجلّ ابتلاكم

__________________

(١) القدر : ٤.

(٢) فراجع تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٦٣٨ ، اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٤٢ ، باب في شأن نزول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) تفاسير اُخرى.

٢٥١

بنعمه كي يمتحن شكركم وابتلاكم بشدائد المكروهات للنفس البشرية كي يمتحن صبركم ، وفي كلتا الحالتين استقمتم وخرجتم من الامتحان الالهي مكرمين ومعززين ، ولذا فإنّ إبتلإتكم جميلة لانّ من البلاء والامتحان ما هو جميل وحسن وهو الامتحان الذي يخرج العبد منه مكرماً مرضياً ، ومن الامتحان والبلاء ما هو قبيح وهو الذي يخرج العبد منه مهاناً غير مرضياً.

أو يراد منها نعمتكم التي أنعم الله عزّ وجلّ بها علينا ، لأنّ نعم الآخرة والدنيا ينزل علينا بوجوده الشريف ، وعلى هذا يكون معنى البلاء النعمة ، كما ورد في الحديث الشريف : «الحمد لله على ما أبلانا» (١).

(بِكُمْ أخْرَجَنا اللهُ مِنَ الذُّلِّ)

أي بسببكم وبسبب وجودكم أو إمامتكم وخلافتكم ـ والفقرات الاتية تشير الى بعض النعم الجميلة التي أنعم الله عزّ وجلّ علينا بهم سلام الله عليهم ـ «أخرجنا» أي من ذلِّ الكفر والجهل إلى عزِّ الاسلام والايمان والعلم والهداية ، أو من ذلّ العذاب الدّنيوي والاُخروي ، أو ا لخلاص من ذلّ النفس والمال والأهل ويتخلص من ذل التمسك بالباطل وحزبه بواسطة الايمان والاسلام ، ووصل الاسلام والايمان بواسطتكم إلينا.

__________________

(١) وروى ابن ماجة في كتابه سنن المصطفى : ج ٢ ، ص ٥١٧ ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلمّا رآهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغرورقت عيناه ، وتَغيّر لونه ، فقلت : ما نزال نرى في وجهك ما نكرهه.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وانّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً ، وحتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون وينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطاً كما ملأوها جوراً ، فمن أدرك ذلك منكم ، فليأتهم ولو حبواً على الثلج» الكنجي الشافعي في البيان في آخر الزمان : ص ٣١٤ ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ١٢ ، المناوي في كنوز الحقائق : ص ٣٥ ، ابن حجر في صواعقه : ص ٢٣٧ ، الزرندي في نظم درر السمطين : ص ٢٣٦ ، احقاق الحق : ج ٩ ، ص ٣٨٩ ، وغيرهم.

٢٥٢

أو يراد بها أن من أجل تعاليمكم العالية ضحّى النّاس بأنفسهم لأنّهم رجّحوا السيوف الصّارمة على الحياة في الذّل والفرار من العدو ، وكانت مدرستكم مدرسة الشّجعان والاباة والشهامة ، ومن تخرج من مدرستهم نزع عن نفسه ثوب الذلة وحصل على وسام الحرية لأنّهم عليهم‌السلام سادة الأباة والحميّة ، كما إشار الى هذا المعنى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عندما تطرق الى الاُباة الذين لم يقبلوا الظّلم والذّل وامتنعوا عن الرّضوخ فقال :

«سيّد أهل الأباء الذي علّم النّاس الحميّة والموت تحت ظلال السّيوف اختياراً له على الدّنية هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب الذي عرض عليه الامان وأصحابه فأنف من الذّل وقال : ألا وأن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذّلة وهيهات منّا الذّلة يأبى اللهُ ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حميّة ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (١).

(وَفَرَّجَ عَنَّا غَمْرَاتِ الكُرُوب)

أي بكم فرج الله عنّا شدائد الغصص وتراكم الهموم والاحزان ، ورفع عنّا مزدحمات الكفر والظلم والجهل والحيرة وعذاب الدنيا والآخرة ، أو المراد منها غمرات وسكرات الموت وهو إشارة الى الآية الشّريفة :

(وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٢).

__________________

(١) ابن أبي الحديد للمعتزلي : ج ٢ ، ص ٢٤٩ ، باب ٥١.

(٢) الانعام : ٩٣.

٢٥٣

وقلنا في شرح الفقرات آنفة الذّكر أن الائمّة عليهم‌السلام عند احتضار شيعتهم يأتون إليهم ويوصون قابض الارواح وملائكة العذاب بالرّفق بشيعتهم (١).

(وَأنْقَذَنَا مِنْ شَفَا جُرُفٍ الهَلكَاتِ وَمِنَ النَّارِ)

الشفا على وزن النوى ـ بالشين المعجمة والالف المقصورة ـ بمعنى الطرف والجانب ، والجرف ـ بضم الجيم الراء ـ الموضع الذي تجرفه السيول ، أي أكلت ما تحته ، والمراد من الهلكات هنا الكفر والظلال والفسق.

فعليه يكون المعنى : أنقذنا الله عزّ وجلّ بكم حين كنا مشرفين على المهالك من الكفر والضّلال والفسق فهدانا بكم وخلّصنا من تبعاتها ، (ومن النار) أي أن الخلاص من نار جهنم كان بمحبّتكم وولايتكم (٢).

(بِأبِي أنْتُم وأُمّي ونَفْسِي بِموالاتِكُم عَلَّمنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنَا)

أي بسبب محبتكم عليمنا الله أخباركم وآثاركم وأقوالكم وأفعالكم ومعالم ديننا ، وكلّ ما لم يخرج من التعاليم الدينية من بيوتكم ومن عندكم فهو باطل وعاطل ، لان الدين والكتاب نزلا في بيوتكم.

(وأصْلَحَ ما كَانَ فَسُدَ مِنْ دُنْيَانا)

فإن معرفة اُمور الدّين التي تتعلق بالمعاملات والمعاشرات والحكومات والحدود والدّيات التي بها ينتظم اُمور الخلق والمجتمع وأُمور المعاش ، فضلاً عن

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٤٥ الى ٢٠٨ ، باب ٨.

(٢) ورد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولايتي وولاية أهل بيتي أمان من النّار» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٨٨ ، عن الامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٨٤.

٢٥٤

المعاد والعقبى التي يكون نظر الدين الحقيقي إليها ، والدين واحكامه تحصل ، بمحبتهم وولايتهم.

(وَبِمُوالاتِكُم تَمَّتْ الكَلِمةُ)

أي كلمة التوحيد ، كما روي عن الإمام علي الرضا عليه‌السلام قال : «من قال لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها» (١).

يعني أنا شرط لكلمة التّوحيد ، أو المراد منها كلمة الايمان واشارة الى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢).

والكلمة سواءً كانت يراد بها التوحيد أو الاسلام لابدّ أن يكون معها الولاية والاخذ عنهم وتفويض الامر إليهم والتّسليم لهم والاعتقاد أن الاعمال لا تقبل إلّا بولايتهم كما قال الامام الرّضا عليه‌السلام بشروطها وولايتهم شروط كلمة التوحيد (٣).

(وَعَظُمَتْ النعمَةُ عَليْنَا)

إن الايمان والاعتقاد بولايتكم وامامتكم نعمة كبيرة وكرامة من الله عزّ وجلّ علينا ، وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى نصب النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّه بالخلافة دون فصل بعده ، وذلك في يوم غدير خم بأمر من الله عزّ وجلّ حينما نزلت الآية المباركة :

__________________

(١) عيون أخبار الرّضا : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٣٥ ، ينابيع المودة : ص ٣٦٤.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) وكذلك ورد عن الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم ، قال : قال الله عزّ وجلّ : «ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ١٣٦.

٢٥٥

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (١).

وقال تعالى أيضاً :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (أي بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام) وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (٢).

ووردت في الاخبار الكثيرة أن المراد من «النعمة» هي نعمة إمامة وولاية الائمّة الهداة عليهم‌السلام (٣).

وورد عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (٤).

فقال الإمام عليه‌السلام : «النّعمة الظّاهرة الامام الظّاهر والباطنة الامام الغائب» (٥).

وكذلك ورد في تفسير الآية الشريفة : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا) (٦).

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عبادة ...» (٧).

وفي كتاب الإحتجاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام قوله لأبي حنيفة في تفسير الآية

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠ ، ومجمع البيان في تفسير القرآن : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠٩ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٥٨٩ ، خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام هي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه‌السلام بعد ذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله حين تكلمت طائفة فقالوا : نحن موالي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى حجّة الوداع ثمّ صار الى غدير خم ، فأمر فاصلح له شبه المنبر ثمّ علاء وأخذ بعضدي حتّى رأى بياض إبطيه رافعاً صوته قائل في محفله : من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله ، وأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرّبّ جلّ ذكره.

(٤) لقمان : ٢٠.

(٥) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٤٨ ، عن الاكمال : ص ٢٠٩ ، والمناقب : ج ٣ ، ص ٣١٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٥٣.

(٦) ابراهيم : ٢٨.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٥١ ، تفسير القمي : لعلي بن ابراهيم رحمه الله ، ص ٣٦٣ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣١٧.

٢٥٦

الشريفة : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (١).

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن أهل البيت النّعيم الذي انعم الله بنا على العباد وبنا إئتلفوا بعد أن كانوا مختلفين» (٢).

(وَائتَلفَتٍ الفِرقَةُ)

أي بوجودكم الشريف تبدلت الفرقة الى الأئتلاف والإتحاد ، ولأنّ الله سبحانه بجدّكم العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع الاختلاف من قلوب النّاس ، وأوجد بقوّة الايمان بين القلوب التآلف والمحبّة بالاخص بين قلوب قبائل العرب حين كانت هذه القبائل تتنابذ لأتفه الاسباب سنين متمادية وعندئذ لا يرتدعون من ارتكاب أبشع الجرائم في حقّ الآخرين من القتل والتعذيب والنهب والغارات.

كما وقع ذلك بين قبيلتين الاوس والخزرج ونقلوا في حالات هاتين القبيلتين ، أنّ الاوس والخزرج كانا أخوين ولدا توأمين متلاصقين ففرقوا بينهما بالسيف ، ولذا بقي السيف بينهما سنين متمادية ، فأصلح الله عزّ وجلّ بينهما بنبيّه وألّف بين قلوبهم ورفع الشّقاق عن الاُمّة ، وكذلك الائمّة الاطهار عليهم‌السلام فكلّ واحد منهم كان له دور مهم في رفع الخلاف والشّقاق عن الاُمّة الاسلاميّة.

وكما أن أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليه‌السلام وحّد الاُمّة بسكوته عن حقّه خمسة وعشرون سنة كاملة حفاظاً على بيضة الاسلام (٣) ، أو صلح مولانا الإمام الحسن

__________________

(١) التّكاثر : ٨.

(٢) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٧ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٤٩ ، عن تفسير العياشي ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٦٦٥ ، عن الامالي : للشّيخ الطوسي رحمه الله.

(٣) أيّها الباحث العزيز : إذا أردت البحث عن الحقيقة لرأيت أنّ صفحات الكتب التّاريخية مليئة بهذا المعنى وأنّها تشير بصورة جليّة أنّ الامام أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليه‌السلام سكت عن حقّه الذي لا يعتريه الشك ولا الشّبهة حفاظاً على الاسلام العزيز وعدم ارتداد الناس الحديثوا العهد بالاسلام عن دينهم وأن لا يندرس معالمه سنين طويلة

٢٥٧

المجتبى عليه‌السلام مع معاوية عليه اللعنة والهاوية لنفس الهدف (١).

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام : «ان عليّاً عليه‌السلام لم يمنعه من أن يدعو الى نفسه إلّا انّهم يكونوا ضلالاً ويرجعون عن الاسلام أحبّ إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيرون كفّاراً كلّهم» (٢).

أو المراد منها أن الفرقة الحاصلة بالاراء الفاسدة والمذاهب الكاسدة فحصل الائتلاف والاتفاق بوجوب الرجوع اليكم وبأخذ معالم الدين منكم ، ورّد الاُمور إليكم ، ومتابعتكم في الاقوال والافعال وبذلك ظهر الاتحاد والائتلاف بيننا.

ويمكن أن تكون الفرقة بكسر الفاء ، فيكون المعنى أن الطائفة الحقّة ائتلفت بتعاليمكم العالية ، وعرفوا حقوق الاخوة وعملوا بها.

(وَبِمُوالاتِكُم تُقْبَلُ الطّاعَةُ المُفْتَرضَةُ)

أي أن بولايتكم تكون الطاعات الواجبة مقبولة ، لان الولاية شرط قبول الاعمال وأن طاعتهم وموالاتهم من اصول الدين ، ولا يقبل الفرع بدون الأصل كما ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

«كلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا امام له من الله عزّ

__________________

وكم له من شكوى تؤلم القلوب وتبكي العيون حتى قضى مظلوماً وقد جرعوه غصصاً وآلاماً. راجع نهج البلاغة وكتاب معالم المدرستين للعلّامة السيد مرتضى العسكري وكتاب المراجعات للعلّامة السّيد شرف الدّين العالمي رحمه الله وكتب الاستاذ التّيجاني وكتاب الشّريف الغدير للعلّامة الشّيخ الاميني رحمه الهل ، وبحار الانوار : ج ٥٢ الى ج ٣٢ ، الكامل في التاريخ وغيرها عشرات الكتب التاريخية من العامّة والخاصّة. ولا بأس هنا بنقل رواية تكشف لنا جانباً من هذه المسألة التاريخية التي طالما كانت موضع تساؤل : عن زرارة بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : ما منع أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدعو النّاس الى نفسه ويجرّد في عدوّه سيفه؟ فقال عليه‌السلام : «لخوف أن يؤتدّوا : فلا يشهدوا أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

(١) راجع كتاب صلح الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام للعلّامة السيد مرتضى العاملي.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٩ ، ص ٤١٨ ، ٤٩٦ ، علل الشرايع : للشّيخ الصدوق رحمه الله : ج ١ ، ص ١٤٦.

٢٥٨

وجلّ غير مقبول وهو ضالٌّ متحيّر والله شانيء لعمله» (١) الحديث.

وورد عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ) (٢). قال عليه‌السلام :

«يعني من اتّخذ دينه هواه بغير هدى من أئمّة الهدى» (٣).

(وَلَكُم المَوَدَّةُ الوَاجِبَةُ)

أي أنّ مودّتكم واجبة (٤) على النّاس وفي هذا اشارة الى قوله تعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (٥) (٦).

خطب الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام بعد ليلة من رحلة أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام شهيداً الى الله ، فقال : بعد الحمد والثناء ، والصّلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... أنا من أهل بيت إفترض الله حبّهم في كتابه فقال عزّ وجلّ : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.

(٢) القصص : ٥.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي ، ج ١٦ ، ص ٥٦ ، عن البصائر :

(٤) قال الشّيخ ابن عربي فيما ذكره ابن حجر في صواعقه : ص ٦٨.

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

وما طلب المبعوث أجراً على الهدي

بتبليغه إلّا المودّة في القربى

 (٥) الشورى : ٢٣. عندما نتفحص تفاسير العامّة والخاصّة في تفسير هذه الآية نجدها قد أجمعت أنّ هذه الآية نزلت في شأن الامام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وكذا الكتب الرّوائية والتّاريخية ولقد روى صاحب تفسير الكشاف الزمخشري وقال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسُئل من القربى يا رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة والحسن والحسين» ج ٤ ، ص ١٧٢.

وإليكم بعض المصادر العامّة التي ذكرت هذا المعنى ، الطبري في الذخائر : ص ٢٥ ، والزمخشري في تفسيره الكشّاف : ج ٢ ، ص ٣٣٩ ، والحموني في السمطين : ج ٢ ، ص ١٣ ، والتفتازاني في شرح المقاصد : ج ٢ ، ص ٢١٩ ، والسيوطي في الدّر المنثور : ج ٦ ، ص ٧ ، وابن حجر في الصواعق : ص ١٠١ ، والطبراني في المعجم الكبير : ص ١٣١ ، وغيرهم.

(٦) وروى الثّعلبي عن ابن عباس أنّه قال : لمّا نزلت : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ ...) قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة والحسن والحسين» رواه الطبراني في المعجم الكبير : ص ١٣١ ، والزمخشري في تفسيره : ج ٣ ، ص ٤٠٣ ط القاهرة ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ٢٥ ط مصر ، والتفتازاني الشافعي في شرح المقاصد : ج ٧ ، ص ٢ ، وغيره.

٢٥٩

فِي الْقُرْبَىٰ ...).

ثم قال سلام الله عليه : «فالحسنة مودتنا أهل البيت» (١).

وورد في تفسير الآية الشريفة : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا) (٢).

قال : «أنّها نزلت في علي عليه‌السلام» (٣).

ومعناه أن الله عزّ وجلّ جعل حب علي عليه‌السلام في قلوب المؤمنين ، لا يكون أحد مؤمناً إلّا اذا وجد في قلبه محبّة علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٤).

وقال الإمام الصّادق عليه‌السلام : «لا تستصغروا مودّتنا فإنّها من الباقيات الصّالحات» (٥).

(والدَّرجاتُ الرَّفِيْعَةُ)

أي في العلم والمحامد والاخلاق والفضائل النّفسانية في الدنيا ، وأمّا في الآخرة

__________________

(١) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤ ـ ٥ : منتقى الدّرر : للشيخ محمّد المحمدي الاشتهاردي : ج ١ ، ص ٣٩٤.

(٢) مريم : الآية ٩٦.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ١١٥ ، مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٥٢٢ ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٦٢.

(٤) تؤيد هذا الكلام ما ورد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» رواها الفريقين.

وفيما رواه ابن بطة في «الابانة» الامام أحمد في «الفضائل» وابن عقدة قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري : كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليّاً.

وقال الحميري في ذلك :

وجاء عن ابن عبد الله أنا

به كنّا نميز مؤمنينا

فنعرفهم بحبّهم عليّاً

وإنّ ذوي النفاق ليعرفونا

ببغضهم علي ألا فبعداً

لهم ماذا عليه ينقمونا

وممّا قالت الأنصار كانت

مقالة عارفين مجرّبينا

ببغضهم علي الهادي عرفنا

وحقّقنا نفاق منافقينا

مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ١٠ ط نجف وج ٣ ، ص ٢٠٧ ط ايران.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٧٥ ، الاختصاص : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٨٥.

٢٦٠