أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

وسلطوا جهالهم وأبناء الطّلقاء على الانصاري والمهاجرين واووا الطّرداء واللعناء على لسان رسول ربّ العالمين حتى تولى خلافة خلافة المسلمين أمثال : وأبو سفيان ومعاوية ويزيد الذين حقدوا على الاسلام والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الاطهار عليهم‌السلام والذين نفاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة حتى أواهم شيخ بني معيط (١).

(الظّالِمِينَ لَكُمْ الجَاجِدِيْنَ لِحَقِّكُمْ والمارِقِينَ مِنْ ولايَتِكُم وَالغَاصِبِينَ لارْثِكُمْ)

أي الذين أنكروا حقّكم وهو الإمامة وغصبوا إرثكم وهو الفيء ، وفدك ، والعوالي ، والخمس ، والانفال وصفو المال وغيرها ، والذين خرجوا عن الدين وحاربوا امامهم في صفين (٢).

__________________

(١) تتجسد حزب الشّيطان في أكمل معانيه في بني اُمية ومن حاماهم ونصرهم ومن آواهم وأيدهم وبذل عليهم من أموال المسلمين من الاولين والآخرين الى أن يقوم قائم آل محمّد فيقطع الله تعالى حينئذ دابر الكافرين والمنافقين.

وقد راى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان مقيلاً على حمار ومعاوية يقود به وابنه يزيد يسوق به ، قال : «لعن الله القائد والراكب والسائق». تاريخ الطبري : ج ١١ ، ص ٣٥٧.

وأخرج الامام أحمد في مسنده : ٤ ، ص ٤٢١ ، وأبو يعلي ، وابن مزاحم في كتاب صفين : ص ٢٤٦ طـ مصر ، من طريف أبي برزة اتلأسلمي ، والطبرسي من طريق ابن عباس : كنّا مع رسول الله في سفر ، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :

لا يزال حواري تلوح عظامه

زوي الحب عنه أن يجنّ فيقبرا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انظروا من هما؟ قال : فقالوا : معاوية وعمرو بن العاص ، فرفع رسول الله يديه ، فقال : «اللّهم اركسهما ركساً ، ودعّهما الى النّار دعّاً».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»

راجع : كتاب صفين : ص ٢٤٣ ـ ٢٤٨ طـ مصر ، تاريخ الطبري : ج ١١ ، ص ٣٥٧ ، وتاريخ الخطيب : ج ١٢ ، ص ١٨١ ، وكنوز الحقائق للمناوي : ص ١٠ ، وتهذيب التهذيب : لابن حجر : ج ٢ ، ص ٤٢٨.

(٢) انظر الى ما كتبه الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام للمأمون العباسي في رسالة طويلة جمع فيها كثيراً من الاصول والفروع وقال : «والبراءة من الذين ظلموا آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمّوا باخراجهم وسنوا ظلمهم وغيروا سنة نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونكثوا بيعة امامهم واخرجوا المرأة

٢٢١

(الشَّاكِّينَ فِيْكُمْ وَالمُنْحَرِفِيْنَ عَنْكُمْ)

أي الذين يشكّون في إمامتكم وأنكم حجج الله ، والمنحرفون العادلون عن إمامتكم من بعد ما تبين لهم الهدى إلى غيركم من أعداء الدين ومردة المنافقين.

(وَمِنْ كُلِّ وَلِيْجَةٍ دُونَكُم)

يعني كلّ من دخل في أمر الخلافة والإمامة معكم من غير حقّ له بها ، والوليجة (١) في اللغة يقال لكلّ داخل في أمرٍ ليس منه ، ويقال لمن يكون في جماعة وهو ليس منهم.

والمراد منه إنّي لا أعتقد بإمامة غيركم ، ولا أعتمد في اُمور الدّين وسائر الاُمور للآخرين ، وأبرأ من كلّ من اُدخل معكم في زمرتكم في أمر الخلافة والامامة من غير حقّ وفي نفس الوقت هو ليس منكم.

وهذه الفقرة المباركة إشارة الى أن المؤمنين في الآية الشّريفة وهم الائمّة

__________________

وحاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقتلوا الشيعة المتقين رحمة الله عليهم واجبة ، والبراءة ممن نفى الاخيار وشردهم وآواى الطرداء واللعنا وو ...» عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ١٢٧.

وورد عن أبي سعيد الخدري ، قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قلنا : يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مع علي بن أبي طالب». كفاية الطالب : للكنجي ، ص ٧٢ ، وابن كثير في تاريخه : ج ٧ ، ص ٣٠٥.

وانظر الى ما يقوله عبد الله بن بديل يوم صفين : «إنّ معاوية إدّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالاعراب والاحزاب ، وزيّن لهم الضلالة ، وزرع في قلوبهم الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجساً إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربّكم وبرهان مبين إلى ... أن قال : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله ، وقد قاتلتهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أنقى ولا أبرّ ، قوموا إلى عدوّ الله وعدوّكم رحمكم الله» الغدير للعلّامة الاميني رحمه الله ، ج ١٠ ، ص ١٦٣ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٩ ، كتاب صفين : ص ٢٦٣ ، الاستيعاب في ترجمة عبد الله بن بديل ، شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، جمهرة الخطب : ج ١ ، ص ١٧٦.

(١) وقال العلّامة الطبرسي رحمه الله ، والوليجة الدخيلة في القوم مَن ليس منهم ، والبطانة مثله وليجة الرجل من يختص بدخلة أمره دون الناس الواحد والجمع فيه سواء وكلّ شيء دخل في شيء ليس معه فهو وليجة. تفسير البيان : ج ٣ ، ص ١٢.

٢٢٢

الهداة عليهم‌السلام (١) لقوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (٢).

كما ورد في الاخبار (٣).

(وَمِنْ كُلّ مُطَاعٍ سِوَاكُم وَمِنْ الائِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلَى النَّارِ)

إشارة الى قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٤).

أي إلى الاعتقادات الباطلة والأعمال الكاسدة الموصلة إلى نار جهنم وعذاب محتّم ، لأنّ هؤلاء اتخذوا الههم أهواءهم ويحكمون بما يوافق أغراضهم وشهوات أنفسهم وعلى مقتضى حوائجهم (٥).

(فَثَبَّتَنِي اللهُ أبَدَاً مَا حَيَيْتُ عَلَى مُوَالاتِكُم وَمَحَقَّتِكُم وَدِينْكُم)

وهذه الفقرة جملة دعائية ، يعني ثبتني الله على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم مدّة حياتي (٦).

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٩٢.

(٢) التّوبة : ١٦.

(٣) فراجع كتاب اصول الكافي ، وتفسير القمي ، وكتاب الخصال ، وروضة الكافي ، وغيرها من الكتب والتفاسير العامّة والخاصّة ، وقد ورد عن أبي الجارود ، عن الامام الباقر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) يعني بالمؤمنين آل محمّد ، والوليجة البطانة ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٢٤٧.

(٤) القصص : ٤١.

(٥) قال الصادق عليه‌السلام : إنّ الامام في كتاب الله امامان قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) لا يأمر الناس يقدّمون أمر الله تبارك وتعالى وحكم الله قبل حكمهم ، وقال (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلا ما في كتاب الله عزّ وجلّ. اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢١ ، ص ٢١٦.

(٦) إنّ الشيطان ليأتي الرّجل من أولياء الائمّة : ليغويه ويضله عن الحقّ كما ورد في من لا يحضره الفقيه ، قال الامام الصادق عليه‌السلام : إنّ الشّيطان ليأتي الرّجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه ، فيأبى الله عزّ وجلّ له ذلك ، وذلك قول الله (يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).

٢٢٣

(وَوَفَقَنِي لِطَاعَتِكُم وَرَزَقَنِي شَفَاعَتَكُم)

أي يوفقني الله تعالى لطاعتكم في الدّنيا في الأقوال والأعمال ، ورزقني شفاعتكم في الاخرة ، وكما يوفقني لطاعتكم بحيث لا أعصيكم في شيء من أقوالكم ولا اخالف في شيء من أعمالكم.

(وَجَعَلَنِي مِنْ خِيارِ مَوالِكُم التّابِعِينَ لِما دَعَوتُم إلَيهِ)

الاخيار يعني الموالين المحبّين الذين ورد ذكرهم في الرّوايات بمعنى الابدال وهم النّقباء والنّجباء الذين بذلوا السّمع والطّاعة لساداتهم وأئمّتهم عليهم‌السلام أمثال ، سلمان المحمّدي ، وأبو ذر الغفاري ، ومقداد بن الاسود ، وعمّار بن ياسر ، ومالك الاشتر النّخعي ، وميثم التمّار ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وحجر بن عدي ، وو ... من أصحاب الائمّة الهداة عليهم‌السلام حيث لا يسع المجال في هذه الوجيزة أن نذكرهم.

وأنّ الاخيار من مواليهم قد يختلفون بحسب مراتبهم ودرجاتهم من حيث القرب والعلم والدراية وفي معرفة الامام وقاماته السّامية ، ولذا ورد : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله (١). لانّ سلمان رحمه الله كان له من المعرفة في مسائل الامامة ما لا يتحملها أبو ذر رحمه الله.

والتّابعين لما دعوتم إليه يا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت دعوتكم الى الله عزّ وجلّ ومعرفته ومعرفة أنبياءه وحججه وملائكته وكتبه ومعرفة الاوامر والنواهي ، ونحن الموالين والتّابعين نستجيب لكم ونبذل لكم السّمع والطّاعة في كل ما دعوتم إليه وفيه قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٩٠.

٢٢٤

يُحْيِيكُمْ ...) (١).

(وَجَعَلَنِي مِنَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُم وَيَسْلُكُ سَبِيْلَكُم)

أي يتبع آثاركم قولاً وفعلاً ويسلك طرقكم الذي تسلكوه ، أو المراد من السبيل في الظّاهر هو الدين من أحكام الاسلام والايمان في الدّنيا والآخرة ، وفي الباطن هو الامام وولايته وإتباعه في جميع ما جعله الله له في الامامة في الدّنيا والاخرة من المحبّة لهم ولأوليائهم والبغض لأعدائهم والتّابعين لهم.

(وَيَهْتَدِي بِهُديكُم وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُم)

الهداية بمعنى الارشاد والولاء الموصلة الى المطلوب الذي هو هدى الله ويحشر في فوجكم وزمرتكم يوم القيامة.

(وَيَكِرُّ فِي رَجْعَتِكُم)

أي جعلني الله من خواص شيعتكم حتى أكر وأرجع في رجعتكم.

(وَيُمْلكُ فِي دَوْلَتِكُم)

أي جعلني الله ممن يصير ملكاً في دولتكم فانّ خواصّ شيعتهم يصيرون ملوكاً في دولتهم (٢).

(وَيُشْرفُ فِي عَافِيَتِكُم)

__________________

(١) الانفال : ٢٤.

(٢) الخصال : للشيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٥٤١ ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : «إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة ، وجعل قلوبهم كزُبُر الحديد ، وجعل قوّة الرّجل منهم قوّة أربعين رجلاً ، ويكونون حكّام الارض وسنامها».

٢٢٥

أي في عصر دولتكم وأيّام ظهوركم وهي أيّام سلامتكم من الأعادي معززين مكرمين.

(وَيُمَكِّنُ فِي أيّامِكُم)

أي يجعل لي القدرة والتّمكين ، وذلك في أيّام ظهوركم بعد الغلبة والنصر.

(وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَدَاً بِرُؤيَتِكُم)

يفهم من هذه الفقرة المباركة أن ظهور أيّامهم ـ إن شاء الله ـ في غاية القرب كما أشار تعالى إلى نهاية قرب يوم القيامة فقال : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (١).

والحاصل : لا تحصل قرّة العين إلّا إذا استجيب للانسان الموالي جميع دعواته في حقّهم بأن يراهم في مقاماتهم السّاميّة التي أعطاهم الله في تحقق دولتهم الانتقام من أعدائهم ، فاذا كان كذلك حصل له كمال السّرور ونهاية الفرح وغاية قرّة العين لأنه إذا بقي من طلباته شيئاً كان عند رؤيتهم مغموماً ، اللّهم افتح لهم فتحاً يسيراً وفرج عنهم فرجاً عاجلاً قريباً حتى تقرّ أعينهم وأعين شيعتهم.

(بِابِي أنْتُم وَأمِّي وَنَفْسِي وَأهْلِي وَمَالِي)

أي أفديكم بأبي ...

(مَنْ أرَادَ اللهَ بَدَأَ بِكُم)

أي من لم يبدأ بكم ولم يتبع أقوالكم وعقائدكم فلم يرد الله تعالى ، بل أراد الشّيطان ، إذن لا يمكن الوصول إلى معارفه ومرضاته إلّا بأتباعكم وهدايتكم.

__________________

(١) المعارج : ٦ و ٧.

٢٢٦

(ومَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُم)

أي توحيد الله عزّ وجلّ في قبول أقوالكم أو أن حقيقة التّوحيد إنّما عرفت منكم ، إذن فمن لم يقبل علوم التوحيد منكم لم يعرف التّوحيد ، وكلّ من يقول بتوحيد الله تعالى يقبل منكم لأنّ البرهان كما يدل على التّوحيد يدل على وجوب نصب الخليفة المعصوم.

(وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُم)

لأنّكم وجه الله وسبيله وطريقه الذي يتوجه به وباب الله تعالى الذي منه يؤتى.

روي عن خيثمة قال : سألت أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١). قال الإماام عليه‌السلام :

«دينه وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، ولن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية».

قلت : وما الرّوية؟

قال الامام عليه‌السلام : «الحاجة فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب» (٢).

(مَوالِيَّ لا أُحْصِي ثَنَائَكُم)

__________________

(١) القصص : ٨٨.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ١٩٧ ، تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ١٤٦ ، التّوحيد : للشيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٤٠.

٢٢٧

كما أنه لا يمكن إحصاء الثّناء على الله عزّ وجلّ ، كذلك لا يمكن إحصاء الثّناء عليكم مواليَّ (١) لانّهم مظاهر أسماء الله وصفاته ولا يمكن لغيرهم معرفة كمالاتهم ، كما روي عن النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا عليّ ما عرف الله إلّا أنا وأنت وما عرفني إلّا الله وأنت وما عرفك إلّا الله وأنا» (٢).

وكذا الكلام في الجمل الآتية.

(وَلا أبْلُغُ مِنْ المَدْحِ كُنْهَكُم وَلا مِن الوَصْفِ قَدْرَكُم)

أي مهما أسعى في مدحكم (٣) لا أبلغ حقيقتكم ، ومهما أصفكم لا أقدر أن

__________________

(١) والائمّة الهداة عليهم‌السلام موالي البشرية جمعاء كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خم مخاطباً المسلمين في حقّ أوّلهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «من كنت مولاه فعلي مولاه ...» ثم أمر النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس بمبايعة علي عليه‌السلام بأمرة المؤمنين وأنه والائمّة من بعده هم موالي المؤمنين وكما أقرّ بذلك الخليفة الثاني وكان يقول : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

ورواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده : ج ٤ ، ص ٢٨١ ، والطبري في تفسيره : ج ٣ ، ص ٤٢٨ ، والحافظ ابن السمّان في الرياض النظرة : ج ٢ ، ص ١٦٩ ، والحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد : ج ٨ ، ص ٢٩٠ ، والشهرستاني في الملل والنحل : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، وغيرهم في عشرات المصادر الشيعية والسنية فراجع تهتدي ان شاء الله تعالى.

(٢) تأويل الآيات ص ١٤٥ وص ٢٢٧ ، وقريب منه بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٨٤ ، مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٢٦٧.

(٣) كيف اقوى أنا ومن في مقامي أن أمدحكم حقّ مدحكم والحال أن الله قرن طاعتكم بطاعته ، بل وصف في كتابه وأذهب عنكم الرّجس وطهركم تطهيراً وكما يصف أولكم وسيّدكم الامام الاوّل علي بن أبي طالب عليه‌السلام نفسه في جواب رسالة الى معاوية بن أبي سفيان ، لمّا فاخره ـ طبعاً ومن هوان الدّهر أن يفاخر معاوية الطَّليق ابن الطّليق ثمرة الشّجرة الملعونة في كتاب الله تعالى سيد الاوصياء وامام الاتقياء ـ بقوله : كان أبي سيداً في الجاهلية ـ نعم سيد الشرك والكفر الى أن مات ـ وصرت ملكاً في الاسلام ـ بمحاربة أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبغصب الخلافة من ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وقتلهم سيد الشّهداء الامام الحسين عليه‌السلام وبما سفكوا من دماء الاتقياء والمخلصين من الانصاري والمهاجرين ـ الى آخر كلامه ...

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام اكتب يا غلام :

محمّد النّبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشّهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وبنت محمّد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبا أحمد ولداي منها

فأيّكم له سهم كسهمي

٢٢٨

أصف فضيلة واحدة من فضائلكم كما هو حقّه وقد عجز العقلاء والعلماء والحكماء والبلغاء والشّعراء في هذا المقام.

روي عن الإمام الرّضا عليه‌السلام في وصف الإمام فقال : «الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت (١) العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشّعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضاشئله ، وأقرّت بالعجز والتّقصير ، وكيف يوصف بكلّه ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شيء من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأنّى؟ وهو بحيث النّجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين ... الحديث» (٢).

(وَأنْتُمْ نُورُ الأخْيَارِ)

__________________

فأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غداً بظلمي

رواه جمع من أعلام الاُمّة : العلّامة الاميني رحمه الله ، في الغدير : ج ٢ ، ص ٢٧ ، وسبط الجوزي الحنفي ، في تذكرة الخواص ص ٦٢ ، وابن أبي الحديد : في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، وأبو اسحاق الحموئي ، في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٤٢٧ ، وابن كثير الشافعي ، في البداية والنهاية : ج ٨ ، ص ٨ ، وابن الصباغ المالكي ، في الفصول المهمة : ص ٣٢ و ٣٣ ، وغيرهم ...

(١) خسئت : كلت.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٢٠ ـ ١٢٨ ، الكمال الدين : ص ٣٨٠ ـ ٣٨٣ ، معاني الاخبار : ص ٣٣ ـ ٣٤. الامالي : ص ٣٩٩ ، عيون أخبار الرّضا : ص ١٢٠ الى

٢٢٩

أي كيف اُحصي ثناءكم وأبلغ من المدح كنهكم ، وأصف قدركم ومنزلتكم والحال أنّكم نور الاخيار : يعني أنّكم معلمو وهادو الأخيار ، مع أنّه لا يمكن معرفة الأخيار من النّبيين والمرسلين والملائكة المقرّبين حقّ معرفتهم ، أنّى لهم معرفتكم وأنتم معلموهم سوى جدّكم الكريم سيّد المرسلين صلى لله عليه وآله وسلم ، أو المراد أنتم كالشمس من بينهم ، فكما أنّ البصر عاجز عن رؤية الشمس كذلك البصيرة عاجزة عن إدراك مراتب شمس كمال صفاتكم.

(وَهُداةُ الأبْرَارِ)

أي مشعل الصلحاء والأبرار ، وبكم يهتدى ، والهداية والبراءة فيهم (الابرار) نتيجة لهدايتكم وفي أثر علوم الحقّة والمعارف الالهية التي خصوصتم بها.

(وَحُجَجُ المَلِكِ الجَبَّار ، بِكُم فَتَح اللهُ)

أي أنتم حجج الملك الجبار الذي بكم خلق الوجود أو الخلافة أو جميع الخيرات والافاضات ، أو بكم خلق الله المخلوقات ، إذ لولاكم لما خُلقتْ سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا شمس مضيئة ولا قمر منير ولا الانسان ولا الحيوان ولا غير ذلك (١) ، كما ورد في روايات كثيرة ، ونقرأ ذلك في فقرات حديث الكساء :

__________________

(١) قال أبو محمّد طلحة بن عبد الله أبي العون الغساني يمدحهم :

يا آل أحمد لولاكم لما طلعت

شمس ولا ضحكت أرض من العشب

يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم

صبّا بوادره تبكي من الندب

يا آل أحمد أنتم خير من وخدت

به المطايا فأنتم منتهى الارب

أبوكم خير من يُدعى لحادثة

فيستجيب بكشف الخطب والكُرب

عدل القرآن وصي المصطفى وأبو الـ

سبطين أكرم به من والد وأب

بعل المطهرة الزّهراء والحسب الطـ

هر الذي ضمّه شفعاً الى النسب

المقتطفات : لابن رويش ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.

٢٣٠

«وعزتي وجلالي ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً مُنيراً ولا شمساً مُضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلّا لأجلكم ومحبّتكم» (١).

(وَبِكُمْ يَخْتِمُ)

أي أنّ دولتكم آخر الدّول ، أو المراد بدعائكم يرجع الله العالم إليه ، أو يكون المراد قبل يوم القيامة يرفع الله عزّ وجلّ وجود المعصوم من الارض كما وردت في الاخبار قال الإمام عليه‌السلام : «فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب» (٢).

أو معناها الدّولة في الآخرة أيضاً لكم.

(وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيثَ)

أي أنّ الله عزّ وجلّ وببركة وجودكم الشريف ينزل أمطار الرّحمة ، كما ورد ذلك في الاخبار ، أو بدعاءهم ورد عن الإمام السّجاد عليه‌السلام قال :

«بنا ينزل الغيث وتنشر الرّحمة وتخرج بركات الارض» (٣).

أو يكون المراد منها غيث العلم والمعارف الله سحبانه ينزلها على اراضي قلوب مستعدة روي عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«إنّ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً ، وكان

__________________

(١) آخر مفاتيح الجنان : حديث الكساء.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ١٩٧ ، تفسير نور الثّقلين : ج ٤ ، ص ١٤٦ ، التّوحيد للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ١٤٠.

(٣) اكمال الدّين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

٢٣١

منها طائفة طيبة فقبلت الماء فأنبتت الكلأ (١) والعشب (٢) الكثير ، وكان منها أجادب (٣) أمسكت الماء فنفع الله بها الناس وشربوا منها ، وسقوا ووزعوا ، وأصاب طائفة اُخرى إنّما هي قيعان (٤) لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، وتفقّه ما بعثني الله به ، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي اُرسلت به» (٥).

(وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلَى الأرضِ)

وذلك مع حصول أسبابه من أقوال الخلق وأفعالهم الموجبة لسقوط السموات وانشقاق الأرض في نسبة الولد والصاحبة لله عزّ وجلّ واتخاذ الالهة الباطلة وسائر الاقوال الفاسدة والاعمال الكاسدة ، كما قال تعالى :

(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا) (٦).

روي العالم الجليل الشّيخ الصّدوق رحمه الله في اكمال الدين بسنده عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال الإمام :

«نحن حجج الله في أرضه وخلفائه في عباده وأمنائه على سرّه ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك السّموات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة لا تخلو الأرض من

__________________

(١) الكلأ : نبات الارض مما ترعاه الانعام رطبة ويابسة.

(٢) العُشب : الضم ماالسكوت هو الملأ الرطب.

(٣) الاجادب : الاراضي التي لا نبت فيها.

(٤) بكسر القاف جمع القاع وهي أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاكام ، ويأتي جمعها أيضاً قبع وقبعة بكسر القاف فيهما وعلى أقواع وأقوع.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٤.

(٦) مريم : ٩٠ ـ ٩١.

٢٣٢

قائم منّا ظاهر أو خافٍ ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها ما يموج البحر بأهله» (١).

(إلّا بِإذْنِهِ)

أي عند قيام القيامة أو في كل وقت يريده الله تعالى وبأذن منه في فناء الاشياء.

(وَبِكُم يُنَفِّسُ الهَمَّ وَيَكْشِفُ الغَمَّ وَيَرْفَعُ الضُّرَّ)

كما فرّج الله سبحانه بهم الضّر والبلية عن آدم ونوح وأيوب ويعقوب عليهم‌السلام وقبل توبة آدم عليه‌السلام بهم.

عن الإمام السّجاد عليه‌السلام قال :

«نحن أئمّة المسلمين وجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالى المؤمنين ونحن امان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بأذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تموج بأهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرّحمة وتخرج بركان الارض ... الحديث» (٢).

(وَعِنْدَكُمْ مَا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ)

من الصّحف الالهية والكتب السّماوية والعلوم الرّبانية والاسرار الحقّانية (٣).

__________________

(١) كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٢.

(٢) كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٠٧.

(٣) ورد عن عبد الله بن سنان عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : أنّه سأله عن قول الله عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ) ما الزّبور وما الذّكر؟

٢٣٣

(وَإلَى جَدُّكُم بُعِثَ الرُوحُ الأمِين)

أي نزل جبرائيل الأمين عليه‌السلام ، وإن كانت الزّيارة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فعوض الى جدّكم قل : «والى أخيك بُعث الرّوحُ الأمينُ».

(آتَاكُمُ الله)

من العلوم الرّبانية ، والمعارف الحقّانية والاسرار الالهية والفضائل النّفسانية والاخلاق الملكوتية.

(مَا لَم يُؤتِ أحَدَاً مِن العَالَمِينَ)

أو المقدار الذي لم يؤت الاخرون من تلك المعاني إلّا جدكم سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يكن داخلاً في الخطاب فهيم.

روي عن الزّيارات وكان مكيناً عند الإمام الرضا عليه‌السلام قال : قلت للرّضا عليه‌السلام : اُدع الله لي ولأهل بيتي.

فقال عليه‌السلام : «أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض عليَّ في كل ّ يوم وليلة».

قال الزّيارات : فاستعظمت ذلك.

فقال الإمام عليه‌السلام : «أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (١).

وقال عليه‌السلام : وهو والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

__________________

قال عليه‌السلام : «الذّكر عند الله ، والزّبور الذي اُنزل على داود ، وكلّ كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم» اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٢٥ ح ٦ ، والآية الشّريفة في سورة الانبياء : ١٠٥.

(١) التوبة : ١٠٥.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ٢١٩.

٢٣٤

والمراد من المؤمنين أيضاً : الائمّة الاطهار عليهم‌السلام (١).

ومأثور عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام أنّه قال :

«إنّ إسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ، ثمّ تناول السّرير بيده ثمّ عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم» (٢).

وعن ابن جبل عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال : كنّا ببابه فخرج علينا أقوام شبه الزّط (٣) عليهم ازر واكيسة فسألنا أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : هؤلاء إخوانكم من الجن (٤).

وفي رواية اُخرى قال عليه‌السلام : «... يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم» (٥).

إذن ، يعتبر عرض الاعمال عليهم ، ومجيء الجن وسؤالهم عن الحلال والحرام والآفا الفضائل الاخرى من مختصاتهم عليهم‌السلام ، وما كان لغيره نصيب منها.

(طَأطَأ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُم (٦))

أي خضع وخفض جناحه كل شريف لشرفكم ومقامكم ، أي لأجله إذا لم

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٣٢٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٢٥ ، بصائر الدّرجات : ص ٥٧.

(٣) الزّط : بضم الزاء صنف من الهنود.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٤٧ ، ص ١٥٨ ، اصول الكافي : ج ١ ، ص ٣٩٥ ، ح ٢.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ، ح ٣.

(٦) في بعض نسخ الزيارة ورد «شرف لكم» بدلاً عن «لشرفكم».

٢٣٥

يصل إليه أحد.

(وَبَخَعَ كَلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطَاعَتِكُم)

(بخع) بالباء الموحدة والخاء المعجمة أي خضع ، والمعنى ، إنّ المتكبرين يقرّون بطاعتكم لله تعالى ويقرّون بتفردكم في العبودية الخالصة والطاعة الكاملة لله سبحانه.

(وَخَضَعَ كُلُّ جَبَارٍ لِفَضْلِكُم)

أي خضع كل سلطان متجبر لمقامكم الشّامخ وعلومكم الباهرة ، وما ذكره الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس معاوية ، واقرارهم بما ذكره الإمام عليه‌السلام (١). أو ما ذكره المأمون العباسي من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلسه وقد حضره جمع غفير من علماء المخالفين واذعانهم بها (٢).

أو ما ذكره الاعرابي من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بكلام بليغ وفصاحة فائقة ، فإغتم وليد وامتلئ قلبه غيضاً وهو يغص بريقة وقد تغير لونه ، فأغمي عليه يوماص وليلة أجمع (٣) ، وهذه صوراً حيّة من التّاريخ لمن أراد أن يتذكر أو يؤمن.

ورد ذكر آل أبي طالب عليهم‌السلام يوماً في مجلس الرّشيد قال هارون : بلغني أن العامّة (٤) يظنون فيّ بغض عليّ بن أبي طالب ، والله ما أحبّ أحداً حبّي له ، ولكن

__________________

(١) فراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٤ ، ص ٧٠ الى ٨٦ ، والاحتجاج : للشّيخ الطّبرسي رحمه الله ، ص ١٣٧ الى ١٤٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٩ ، ص ١٨٩ الى ٢٠٨ ، عيون أخبار الرضا : ج ٢ ، ص ٢٨٥ الى ٢٠٠.

(٣) بحار الانوار ج ٤٦ ، ص ٣٢١ الى ٣٢٣.

(٤) يعني سواد الناس.

٢٣٦

هؤلاء أشدّ النّاس بغضاً لنا ، وطعنا علينا ، وسعياً في فساد ملكنا بعد أخذنا بثأرهم ، ومساهمتنا إياهم ما حويناه ، حتى إنّهم لأميل إلى بني اُميّة منهم إلينا ، فأمّا ولده لصلبه منهم سادة الأهل ، والسّابقون الى الفضل ...» (١).

وكذلك مشهور أنّه لما دخل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام على هارون وتكريمه له غاية الاكرام ، حتى أجلسه على مسنده ، فسأله إبنه المأمون بعد خروج الإمام عليه‌السلام قائلاً : يا أمير المؤمنين من هذا الرّجل الذي قد عظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ...

قال هارون : هذا إمام الناس ، حجّة الله على خلقه وخليفته على عباده وهو موسى بن جعفر.

قلت : يا أبة لماذا لا تردَّ الحقّ الى نصابه.

قال هارون : فانّ الملك عقيم ، ووالله لو نازعتني هذا الامر لاخذت الذي فيه عيناك (٢).

(وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم)

أي بقدرة الله تعالى وخضوع الخلفاء الجبابرة لهم وتذلل الجمادات (٣)

__________________

(١) مراده من هؤلاء : الشيعة والموالين لاهل البيت عليهم‌السلام.

تاريخ الخلفاء : للسيوطي ، ص ٣٩٣ ، لا يشك البصير المتتبع في مراوغة هارون فيما يدعيه من حبّه لعلي وآل علي عليهم‌السلام مع سفك الدّماء خيرة ابناء هذا البيت الشريف ، ولكنّه فراراً من ذمّ الناس يتحجج بهذه الحجج الواهية وهذا ديدن سلاطين الجور على مرّ العصور ، وما ارتكبه خلفاء بني العباس قد ملئت صفحات التاريخ الاسلامي الموالي والمعادي لهم عليهم‌السلام.

(٢) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٨ ، ص ١٢٩ الى ١٣٣ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٨٨.

(٣) هناك شواهد كثيرة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام تذكر انقياد الموجودات اليهم واطاعتهم منهم كما حدث ذلك لامير المؤمنين عليه‌السلام في حياة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما ردّ الله الشّمس له ، ورد عن ابن عباس بطرق كثيرة : أنّه لم ترُدّ الشمس إلّا لسليمان وصي داود ، وليوشع وصيّ موسى ، ولعلي بن أبي طالب وصيّ محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.

٢٣٧

والنباتات والحيوانات بين أيديهم ، ورد ذلك في الكتب والاثار مشهورة والاخبار مسطورة.

ورد عن الإمام الحسن عليه‌السلام أنه قال : «فما مرّ ـ يعني البدن الطّاهر لأمير المؤمنين عليه‌السلام ـ بشيء على وجه الارض إلّا إنحنى له ساجداً ...» (١).

وكذلك ورد في خبر ما روي أن الرّشيد لما أراد قتل موسى الكاظم عليه‌السلام أرسل الى عماله في الأطراف ، فقال : التمسوا لي قوماً لا يعرفون الله استعين بهم في مهم لي ، فارسلوا إليه قوماً يقال لهم العبدة ، فلما قدموا عليه وكانوا خمسن رجلاً أنزلهم في بين من داره قريب من المطبخ ثم حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والحدم ثم استدعاهم وقال : من ربّكم.

فقالوا : ما نعرف ربّاً وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ثمّ قال للترجمان : قل لهم إن لي عدواً في هذه الحجرة فادخلوا إليه وقطعوه.

فدخلوا بأسلحتهم وخروا سجداً فجعل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام يمر يده على رؤوسهم وهم منكسون وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلما رأى الرّشيد ذلك غشي عليه وصاح بالتّرجمان اخرجهم فأخرجهم يمشون القهقري إجلالاً للامام موسى الكاظم عليه‌السلام ثمّ ركبوا خيولهم واخذوا الأموال ومضوا (٢).

__________________

وفي ذلك قال قدامة السعدي :

ردّ ال وصيّ لنا الشمس التي غربت

حتّى قضينا صلاة العصر في مهل

لا أنسه حين يدعوها فتتبعه

طوعاص بتلبية هاها على عجل

فتلك آيته فينا وحجّته

فهل له في جميع الناس من مثل

أقسمت لا أبتغي يوماً به بدلاً

وهل يكون لنور الله من بدل

حسبي أبو حسنٍ مولىً أدين به

ومن به دان رسل الله في الاوّل

انظر الى كتاب المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٤٢ ، ص ٢٤٥.

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٢ ، ص ٢٩٥.

(٢) جلاء العيون : للعلّامة محمّد باقر المجلسي رحمه الله ، ص ٢٤٢.

٢٣٨

(وَأشْرَقَتْ الأرْضُ بِنُورِكُم)

أي بنور وجودكم ، فانه لولاكم لما وجدت الارض وغيرها من الموجودات ، أو أشرقت قلوب أهل الأرض بنور هدايتكم ، وأفرد النّور دون أن يأتي به جمعاً ، لأنهم نور واحد ، أو اشارة الى قوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (١).

فانّهم نور الله تعالى كما سبق.

(وَفَازَ الفَائِزُونَ بِوِلايَتِكُم)

أي لسبب إعتقاد طائفة من النّاس بامامتكم ومحبّتكم ومتابعتكم ، أشارت هذه الفقرة المباركة الى أن حقيقة ولايتهم كنور الشمس يبصره جماعة من الّذين هموا في الاستضاءة به ، وحرم الاكثرية الذين هم كالخفافيش فلا يستطعيون أن يروا جمال حقيقهم وواليتهم ، لأن الخفاش محروم من نور الشّمس الوهّاج.

فعليه ، من آمن بولايتكم فقد فاز وظفر بمطلوبه ومحبوبه وهو محبّتكم في الدّنيا ، وشفاعتكم في الاخرة ومنه قوله تعالى : (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (٢) أي فقد نجى ممّا كان يخاف ويحذر.

(بِكُم يُسْلَكُ إلَى الرِّضْوَانِ)

أي بهدايتكم ومتابعتكم فيما أمرتم وفيما نهيتم ، يسلك الموالين لكم طريق رضا الله تعالى الذي هو أعظم الدرجات كما قال تعالى : (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ) (٣).

__________________

(١) الزمر : ٦٩.

(٢) آل عمران : ١٨٥.

(٣) التوبة : ٧٢.

٢٣٩

(وَعَلَى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُم غَضَبُ الرَّحْمَنِ)

أي أنكر أمامتكم وخلافتكم ووجوب طاعتكم غضب الرحمن الذي هو أعظم أنواع العذاب (١) قال المرحوم الفيض الكاشاني في كتابه الشريف «الوافي» في باب جحود بني اُمية وكفرها ، عن الكافي بسند متصل عن عبد الله بن طلحة فقال : سألت أبا عبد الله عن الوزغ.

قال عليه‌السلام : «هو الرجس ، مسخ ، فإذا قتله فاغتسل ـ يعني شكراً ـ وقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدّثه فإذا هو الوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي عبد الله للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ؟

قال الرجل : لا أعلم ما يقول.

قال عليه‌السلام : فإنّه يقول : لئن ذكرت عثمان لأسبّنّ عليّاً ، وقال : إنّه ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً ، وقال عليه‌السلام : إنّ عبد الملك لمّا نزل به الموت مسخ وزغاً فكان عنده ولده ولم يدروا كيف يصنعون ، وذهب ثم فقدوه ، فأجمعوا على أن أخذوا جذعاً فصنعوا كهيئة رجل ففعلوا ذلك ، وألبسوا الجذع ، ثمّ كفّنوه في الاكفان ، لم يطلع عليه أحدٌ من الناس إلّا ولده وأنا» (٢).

وعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول : «لمّا ولد مروان عرضوا به لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو هل ، فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له ، فلمّا قربته منه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أخرجوا عني الوزغ ابن الوزغ».

__________________

(١) عن جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي لو أن اُمّتي صاموا حتى صاروا كالاوتار وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك لاكبهم الله على مناخرهم في النار».

وروى مثله جمع من الاعلام منهم : لسان الميزان : لابن حجر العسقلاني ، ج ٦ ، ص ٢٤٣ ، ميزان الاعتدال : العلّامة الذهبي ، ج ٢ ، ص ٢٨١ ، نزهة المجالس : للصفوري ، ج ٢ ، ص ٢٢٢. وغيره أعرضنا عن ذكرها خوفاً من الاطالة.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢٣٥.

٢٤٠