أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

(إلّا عَرَّفَهُم)

أي عرفكم (١) في الكتب الالهية والصّحف السّماوية ، أو على ألسنة الانبياء والمرسلين وبالنّسبة إليهم بالوحي والالهام.

(جَلالَةَ أمْرِكُم وَعِظَمَ خَطَرِكُم)

خطر الرّجل «بالتّحريك» ، قدرة ومنزلته ، أشارة الى جلالة قدر الائمّة الهداة عليهم‌السلام وعلو مقامهم.

(وَكِبَرَ شأنِكُم)

بكسر الكاف وفتح الباء الموحدة في أمركم وحالكم على حقيقة ما أنتم عليه في حقّكم ، ولم يشرككم في ذلك شيء من خلق الله عزّ وجلّ.

(وَتَمَامَ نُوْرِكُم وَصِدْقَ مَقَاعِدِكُم)

أي أنكم نور مخلوق من نور الله ، وأنكم في دعواكم هذه صادقون في هذه المرتبة وأنّها حقّكم ، ولعل هذه الفقرة المباركة تشير الى قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (٢).

أو المراد من النّور حقائقهم وصفاتهم وأفعالهم وأعمالهم وكلّ ما لهم وإليهم ومنهم وعنهم وبهم ، وكلّ ذلك بطبيعة الحال تحتاج الى المدد الله عزّ وجلّ أبداً منه

__________________

(١) وأخرج القاضي عياض في كتابه الشفاء عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «معرفة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم براءة من النّار ، وحبّ آل محمّد جوار على الصراط ، ولاية لآل محمّد أمان من العذاب» وذكره ابن حجر في كتابه الصواعق : ص ١٣٩ ، والشّبراوي في الإتحاف : ص ١٥ ، والحضرمي في كتابه رشفة الصادي : ص ٤٥٩.

(٢) القمر : الآية الاخيرة.

٢٠١

دائماً في زيادة وتمام النور (١).

(وَثَبَاتَ مَقَامِكُم وَشَرَفَ مَحَلِّكُم)

أي في مقام استقامتكم في أمر الله تعالى وطاعته ومعرفته ، لأنّ أوّل هذه المقامات وأشرفها مقام النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أعرف الخلق بالله تعالى.

(وَمَنْزِلَتَكُم عَنْدَهُ وَكَرَامَتَكُم عَلَيْهِ وَخَاصَّتَكُم لَدَيْهِ وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُم مِنْهُ)

أي المكانة ورتبة ، فإنّ الله تعالى عرّف كلّ خلقه علو ورفعة مقامهم ومنزلهم وبذلك نطقت الكتب السماوية وألسنة أنبياء السلف عليهم‌السلام مع جميع الموجودات بمقامكم الشامخ ودرجاتكم الراقية ، وكلّ ذلك لكرامتهم عليه ، لانّهم عنده ليس لهم مثل ولا نظير ، (وخاصّكم به) لانّه الله عزّ وجلّ قد استخلصهم له في القدم من بين سائر الامم ، وقرب منزلتكم منه حتى قال من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني.

(بِأبي أنْتُم وَأمّي وَأهْلِي وَمَالِي وَأُسْرَتِي)

أي أفديكم بنفسي وأبي وأمّي واولادي وثروتي وقبيلتي وجميع أقاربي ، الاُسرة بالضم يقال من الرّجل بالرّهط الأدنون الاقربون.

(أُشْهِدُ اللهَ تَعَالَى وَأُشْهِدُكُم أنِّي مُؤمِنٌ بِكُم)

أي مؤمن بامامتكم ووجوب طاعتكم وفضلكم ، ولمّا أراد مخاطبتهم

__________________

(١) كما ورد عنهم : قال الامام الصادق عليه‌السلام : «لو لا نزداد لأنفذنا» اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٥٤.

٢٠٢

بالشهادة فداهم بأبيه واُمّه وأشهدهم كما هو المتعارف عند العرف ، وكما وردت في الاخبار الصحيحة أنّه قال : إنّي مؤمن بالأئمّة وليس لي شنان بالمخالفين أنّه ليس بمؤمن ، بل هو من أعدائنا فإنّ المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعداءه.

(وَبِمَا آمَنْتُم بِهِ)

أي بكلّ ما أمنتم به أنتم ولو بصورة مجملة دون أن يكون لي علمٌ تفصيلٌ بذلك.

(كَافِرٌ بِعَدُوِّكُم وَبِمَا كَفَرْتُم بِهِ)

وهذا بشكل مجمل أيضاً وإن لم أعرف تفصيله ، ففي هذه الفقرة الشريفة إشارة الى أن الايمان بهم عليهم‌السلام لا يتمُّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منهم (لعنهم الله) ولأنّ حبّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام لا يجتمع مع حبّ أعدائهم ، فان المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعداءه وبهذا المعنى أشار الله تعالى في قرآنه المجيد :

(لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ...) (١).

وقال تعالى أيضاً :

(فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) (٢).

(مُسْتَبْصِرَاً بِشَأنِكُم وَبِضَلالَةِ مَن خَالَفَكُم)

أي أطلب البصيرة بمعرفة أمركم وحالكم ، وفي هذه الفقرة المباركة إشارة الى

__________________

(١) المجادلة : ٢٢.

(٢) البقرة : ٢٥٦.

٢٠٣

الاعتراف بالعجز عن إدعاء البصيرة في معرفة مراتبهم العالية ، لأنَّ القوة البشرية لا تطيق الاحاطة بمعرفتها ومقاماتها الرّفيعة إذ هم أنوار الله جلّ جلاله ومظاهر صفاته ويمتنع الاحاطة بمعرفة كنه صفاته تعالى.

(مُوالٍ لَكُم وَلأولِيائِكُم مُبْغِضٌ لأعْدَائِكُم وَمَعَادٍ لَهُم سِلْمٌ لِمَن سَالَمَكُم وَحَرْبٌ لِمَن حَارَبَكُم)

إنّي منقاد ومطيع لمن إنقاد لكم ، ومصالح من صالحكم ، أو أنّي محبّ لمن أحبّكم ، ومبغض (١) لمن عاداكمم وتحارب لمن حاربتكم ، كما وردت ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

(مُحَقِّقٌ لِمَا حَقَّقْتُم مُبْطِلٌ لِمَا أبْطَلْتُم)

أي أعتقد أنّ ما إعتبرتموه حقّاً حقّ ، أو أسعى في بيان حقيقة ما حقّقتموه وأنكر كلّ ما اعتبرتموه باطلاً أو أسعى في إبطاله ، وهذا ثابت لهم بالادلة القاطعة والبراهين الجلية ، لأنّهم عليهم‌السلام معصومون عالمون مسدّون حكماء وذاكرون ومن تجمعت فيه هذه الصفات الباهرة والفضائل الزاهرة ثبت ان الحقّ ما حققوه والباطل ما أبطلوه ولا يشك في شيء من أقواله وأفعاله وأعماله.

__________________

(١) وقد ورد عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليلة عرج بي إلى السّماء ، رأيت على باب الجنّة مكتوباً : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، على مبغضيهم لعنة الله» رواه الخيب والخوارزمي فيم ناقبه : ص ٢٤٠.

(٢) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم». رواه جماعة من أعلام العامّة منهم ، الامام أحمد في مسنده عن أبي هريرة : ج ٢ ، ص ٤٤٢ ، وابن الكثير صاحب التفسير في البداية والنهاية : ج ٨ ، ص ٢٠٥ ، الترمذي في صحيحه : ج ١٢ ، ص ٢٤٨ ، ابن العساكر في تاريخه : ج ٤ ، ص ٢٠٧ ، ابن حجر في صواعقه : ص ١٥٨ وغيرهم.

وعن أبي بصير عن الامام الصّادق عليه‌السلام : ... الى أن قال : أتدري ما السّلم ، لتُ : لا أعلم ، قال عليه‌السلام : ولاية علي عليه‌السلام والائمّة الاوصياء من بعده ... وقال وخطوات الشّيطان والله ولاية فلان وفلان ...» يعني أعداءهم من الاولين والاخرين ، راجع تفسير العياشي في تفسير ذيل هذه الآية.

٢٠٤

(مُطِيْعٌ لَكُم)

في الجملة أو معترف بوجوب إطاعتكم وإن صدر منّي مخالفة لكم في بعض الأحيان.

(عَارِفٌ بِحَقِّكُم مُقِرٌ بِفَضْلِكُم)

الواجب عليَّ من معرفة إمامتكم معترفٌ بفضلكم وكمالاتكم ، وحقّهم أن نعتقد أنّهم أولياء الله على جميع خلقه وأوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه على اُمّته والقوّامون بدينه بعده وحفظة شريعته القائمون مقامه في كلّ شيء اقامه الله تعالى فيه لخلقه ما عدا النّبوة ، ومن لم يعرف حقّهم حتماً أطاع بما ينافي حقّهم ، بل اتبع غيرهم ، ولا شك أنّ غيرهم خطوات الشيطان ، أمّا العارف بحقهم فهو المقرّ بفضلهم لا بدّ بعد ذلك لا يساويهم بغيرهم.

(مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُم)

أي لا أردّ ما ورد عنكم إليَّ من أخباركم وأحاديثكم وإن لم يحتمله عقلي القاصر ، وأعلم أنّه حقّ وإن لم يصل إلهي فكري الفاتر الناقص ، ولم تسعه خزانة قلبي.

عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : أتى الحسين عليه‌السلام أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم.

فقال الإمام عليه‌السلام : إنّكم لا تحتمولنه ولا تطيقونه.

قالوا : بل نحتمل.

قال عليه‌السلام : إن كنتم صادقين فليتنح اثنان وأحدث واحداً فان احتمله حدثتكم.

٢٠٥

فنتحى اثنان وحدث عليه‌السلام واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلّمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئاً وانصرفوا (١).

وفي رواية اُخرى : فحدّثه بحديث فما فرغ الحسين عليه‌السلام من حديثه حتى ابيضّ رأس الرّجل ولحيته وأُنسي الحديث.

فقال ال حسين عليه‌السلام : «أدركته رحمة الله اُنسي الحديث» (٢).

(مُنْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُم مُعْتَرِفٌ بِكُم)

محتجب بذمتكم ، أي احتجب عن شرور الدّارين بالدّخول في حماكم وعهدكم ، لأنّكم قادة وأولياء الدّارين (بكم) أي بإمامتكم وولايتكم وفضلكم.

(مُؤمِنٌ بِإيَابِكُم)

أي معتقد برجوعكم الدّنيا لإعلاء كلمة الدّين والانتقام من الكافرين والمنافقين وقصم شوكة المعاندين قبل يوم القيامة والدّين.

(مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُم)

هذه الفقرة المباركة تفسير لما قبلها وهاتان الفقرتان تدلان على رجعة جميع الائمّة الهداة عليهم‌السلام وقد تظافرت الأخبار وتواترت الآثار وأجمعت الشّيعة الأبرار

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٧٨ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٤٧ وفيه : فلم يرد عليها جواباً.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٧٩ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨ : فحدثه الحسين وفيه : نسي الحديث ، وهذا لا يخفى على العارفين بحقيقة أمرهم وعظيم خطرهم وأنّ حديثهم صعب مستصعب ... كما مرّ

٢٠٦

على الرّجعة في الجملة ، وأنّهم يرجعون إلى الدّنيا في زمان الإمام المهدي «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» ويرجع جماعة من خلّص المؤمنين وأشقياء المخالفين ، ولكنّ أهل السنة والجماعة أنكروا ذلك علينا أشد إنكار وشنعوا بذلك علينا ، مع أن الايات القرانية الشريفة والأحاديث النبوية الشريفة ناطقة بذلك.

فقد ذكر الله تعالى رجعة عزير وأصحاب الكهف والملأ من بني إسرائيل قال تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) (١).

قيل أنّهم كانوا سبعين ألف بيت وكان يقع فيهم الطّاعون كلّ سنة فيخرج الأغنياء لقوّتهم ويبقى الفقراء لضعفهم ، فيقلّ الطاعون في الذين خرجوا ويكثر في الذين يقيمون ، فيقول المقيمون لو خرجنا لما أصابنا الطاعون ، ويقول الخارجون لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم ، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على ساحل بحر فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله موتوا ، فماتوا جميعاً فكنستهم المارة عن الطريق ، فبقوا بذلك ما شاء الله ثم مرّ بهم أرمينيا النّبي عليه‌السلام فقال : لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك ويلدوا عبادك ويعبدوك مع من عبدك. فأوحى الله إليه ، أفتحب أن أحييهم.

قال أرمينيا عليه‌السلام : «نعم ، فأحياهم الله له ، وبعثهم معه ، فهؤلاء ماتوا ورجعوا الى الدّنيا ثمّ ماتوا بآجالهم» (٢).

وقال تعالى أيضاً :

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ

__________________

(١) البقرة : ٢٤٣.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٢٤١ ، عن روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ١٩٨ ، وتفسير الصافي : ص ٢٤٩ ، تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٣٠.

٢٠٧

مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) (١).

وهو النّبي عزير عليه‌السلام حيث مات مئة عام ثمّ رجع إلى الدّنيا وعاش فيها إلى أن وافاه الأجل (٢).

وقال الله تعالى في قصّة أصحاب الكهف :

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (٣).

قصّتهم مشهورة أنّهم رجعوا إلى الدّنيا بعد أن لبثوا في الكهف (٣٠٩) سنوات (٤).

وذكر في قصة المختارين من قوم موسى عليه‌السلام :

(ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥).

وكانت هذه الحادثة لمّا سمعوا كلام الله لموسى ، وقالوا لموسى عليه‌السلام (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ...) وقالوا : (حَتَّىٰ نَرَى اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ...) (٦).

فماتوا فقال موسى عليه‌السلام : يا ربّ ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت إليهم ، فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدّنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء وولدوا الأولاد ثم ماتو بآجالهم (٧).

وقد تظافرت الرّوايات بأسانيد مختلفة من أهل السنة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

__________________

(١) البقرة : ٢٥٩.

(٢) راجع : بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، تفسير البرهان : ج ١ ، ص ٢٤٨ ، تفسير الصافي : ج ١ ، ص ٢٢٢ ، تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٢٦٩ ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٤٠.

(٣) الكهف : ٢٥.

(٤) راجع تفاسير العامّة والخاصّة ، فقد ورد في بعضها أن أمير المؤمنين عليه‌السلام يملك ثلاثمأة ويزداد تسعاً ، اُنظر الى تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٦ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٣ ، ص ٢٣٦.

(٥) البقرة : ٥٦.

(٦) البقرة : ٥٥.

(٧) تفسير الصّافي : ج ١ ، ص ١١٨ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٨١ ، في تفسير ذيل هذه الآية وتفاسير اُخرى.

٢٠٨

«لتكوننّ على سنن من مضى حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة حتى أنّهم لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه» (١) (٢).

فحسب هذا الحديث يجب أن يكون في هذه الاُمّة الرّجعة كما كان في الاُمم السالفة.

ووردت أحاديث أكثر عن طريق الخاصة من أئمَّة الشيعة الاثني عشرية عليهم السالم لا يسعنا ذكرها في هذه الوجيزة.

وقد ألّف علماء الامامية في هذا الباب كتباً مبسوطة ومشحونة بالأخبار والرّوايات فطلباً للتبرك والتيمن نشير هنا إلى حديثين فقط عن كتاب الاختصاص للشّيخ المفيد رحمه الله.

عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «أوّل من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدّنيا الحسين بن علي عليه‌السلام وإنّ الرّجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلّا من محض الايمان محضاً أو محض الشرك محضاً» (٣).

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً سيرجعان» (٤).

يكفي هذا المقدار في شرح هذه الفقرة المباركة ومن أراد مزيداً من التفصيل

__________________

(١) ورد هذا المعنى في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٨ ، ص ١٠ ، واكمال الدين : ص ٥٧٦ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك عن طرق العامّة في مسند أحمد : ج ٣ ، ص ٩٤ ، صحيح البخاري كتاب الانبياء : ج ٢ ، ص ١٧١ ، وكنز العمال : ج ١١ ، ص ١٣٣ ، المجمع الزوائد : ج ٧ ، ص ٣٦١ ، ووردت أحياناً بلفظ : ليأتين ، واُخرى ، لتركبن ، وثالثة ، لتتبعن ، وكذلك بلفظ النعل بالنعل : شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع وثالثة : حذو القذة بالقذة ، وكذلك : اُمم السابقة : واُخرى : بني اسرائيل ، راجع كتاب مائة وخمسون صحابي مختلق ، للسّيد مرتضى العسكري : ج ٢ ، ص ١٨.

(٢) وكذلك ورد الامام الصادق عليه‌السلام : «إنّ أوّل من يكرُّ الى الدنيا الحسين بن علي عليهما‌السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه ، فيقتلهم حذو القذّة بالقذّة ، ثمّ قال عليه‌السلام : (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٧٦ ، عن تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٨٢.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.

٢٠٩

والاطلاع فعليه أن يلتمس ذلك في الكتب المطولة للاصحاب «رضوان الله عليهم أجمعين».

(مُنْتَظَرٌ لأمْرَكُم)

أي غَلَبَتكم على الأعداء في زمن مولانا الإمام المهدي «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» أو منتظر لظهور إمامتكم ، بحيث أن إمامتكم وقدومكم مسلم وواضح لجميع أهل العالم.

واعلم أن انتظار الأمر وفرج آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحبّ الأعمال وأفضل الأعمال (١) والعبادة (٢) لله عزّ وجلّ كما ورد ذلك عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «إعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم» (٣).

وورد عن الإمام السجاد عليه‌السلام قال :

«... يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلِّ زمان ، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزّمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف ، اُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً ، والدّعاة الى دين الله عزّ وجلّ سرَّاً وجهراً» (٤).

وفي الرّسالة التي كتبها الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام مخاطباً فيها علي بن بابويه جاء فيها : «وعليك بالصّبر وإنتظار الفرج فان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أفضل أعمال

__________________

(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل أعمال أُمّتي إنتظار فرج الله عزّ وجلّ» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ١٣٣.

(٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أفضل عبادة المؤمن إنتظار فرج الله» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ١٣١.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، باب الكتمان.

(٤) كمال الدين واتمام النعمة : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، ح ٢ ، باب ٣١.

٢١٠

أمّتي إنتظار الفرج» (١).

(مُرْتَقِبٌ لِدَولَتِكُمْ)

أي أنتظر دولتكم الحقّة في الرّجعة ، وقد وردت أحاديث كثيرة ومتظافرة ومتواترة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام في موضوع الرّجعة تشير الى عودتهم الى دار الدنيا وظهور دولتهم والانتقام من أعدائهم ويرجع معهم جماعة من خلّص المؤمنين وجماعة من أعدائهم لا سيما قاتلي الحسين بن علي عليهم‌السلام (٢) وكما اشارت الاخبار أنّ أوّل من يرجع هو الامام الحسين عليه‌السلام (٣) ثمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ الائمّة عليهم‌السلام وينتقمون لفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن ظلمها وآذاها وغصب فدكها وكسر ضلعها وأسقط جنينها سلام الله تعالى عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى بنيها.

(آخِذٌ بِقَوْلِكُم عَامِلٌ بِأمْرِكُم)

في الجملة ، أو معناه أعتقد بأقوالكم وأوامركم ، وملتزم بالعمل ، لأنّ اعتقادي لما أثبتم ومعرفتي بما عرفتم وعلمي بما علمتم وقولي عن قولكم ، فحمدت الله تعالى بالثّناء والصلاة عليكم ، وإذا وقع منّي ما لا يطابق ما عنكم استغفرت الله ، والحاصل أنا رهن اشارتكم في كل أحوالي ان شاء الله تعالى.

(مُسْتَجِيرٌ بِكُم)

أي بولايتكم أو محبتكم أو بزيارتكم وأعمُّ من ذلك ، فاستجير بكم لتجيروني

__________________

(١) معادن الحكمة : ج ٢ ، ص ٢٦٤ ، ماقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٤٢٥ ـ ٤٢٩.

(٢) وقد مرّ الاشارة اليها في عنوان «مصدق برجعتكم».

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.

٢١١

من مكاره الدارين ، أمّا في الدنيا فمن الذنوب والاعداء ، وأمّا عند الموت والقبر من سوء الموقف ، وأمّا في الاخرة من هول المطلع والنّار.

(زَايِرٌ لَكُم عَائِذٌ بِكُم لآئِذٌ بِقُبُورِكُم)

أي راجياً بذلك الفوز بالثّواب والنجاة من العقاب ، ولأنّ من زارهم عليهم‌السلام بعد موتهم زاروه يوم القيامة وإن كان في النّار أخرجوه وتشفعوا له عند الله سبحانه (١).

(مُسْتَشْفَعٌ إلَى الله عَزّ وَجَلّ بِكٌ)

أي أجعلكم شفعائي إلى الله تعالى في قضاء حوائج الاخرة وغفران الذنوب والمعاصي التي صدرت منّي.

(وَمُتَقَرِّبُ بِكُم إلَيهِ وَمُقَدِّمُكُم أمَامَ طَلِبَتِي وَحَوَائِجِي وَإرَادَتِي فِي كُلِّ أحُوالِي وَأمُورِي)

أي أسال الله تعالى بحقّكم وأستشفع بكم إلى الله في طلب حوائجي كي تلبس أعمالي وحوائجي ثوب الحقيقة والواقع كما كانت الاُمم السالفة والانبياء يتوجهون ويتشفعون بهم ، أو المراد إنا نقدم صلواتنا قبل ذلك ليستجاب الدعاء ، لأنّ الأخبار والأحاديث الكثيرة المستفيضة الواردة عنهم أناطت استجابة دعواتنا الصلاة على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلي على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «من دعا ولم يذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفرف الدعاء على

__________________

(١) سبق الاشارة الى ذلك في مقدمة الكتاب.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٩١.

٢١٢

رأسه فاذا ذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع الدّعاء» (١).

وعن مرازم عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ رجلاً أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّي جعلت ثلث صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : خيراً.

فقال الرجل : يا رسول الله إنّي جعلت نصف صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : ذاك أفضل.

فقال الرجل : إنّي جعلت كل صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذن يكفيك الله عزّ وجلّ ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك.

فقال له الرجل : أصلحك الله كيف يجعل صلواته له.

فقال الإمام عليه‌السلام : «لا يسأل الله عزّ وجلّ إلّا بدأ بالصّلاة على محمّد وآله» (٢).

(مُؤمِنٌ بِسرِّكُم وَعَلانِيَتِكُم)

أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما أعلن منها ، أو مؤمن باعتقاداتكم السرّية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية ، أو المراد إنّي مؤمن حاضركم الظاهر وبغائبكم المستتر ، وهو الإمام المهدي «روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء».

(وَشَاهِدِكُم وَغَائِبِكُم)

شاهدكم الائمَّة أحد عشر عليهم‌السلام ، وغائبكم المهدي الموعود «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» فعلى هذا أن تكون إشارة إلى الاحتمال الثّالث في الفقرة الاولى ، فهذه الفقرة المباركة تفسير للفقرة الاولى.

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٩١.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٧١.

٢١٣

(وَأوّلِكُم وَآخِرِكُم)

والاوّل منهم هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخركم وهو الإمام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا كما يقول العامّة بامامة أوّلكم دون الأخير ، ولا كما يقول الواقفة الذين يعتقدون بعدّة منكم دون العدّة.

(وَمُفَوِضٌ فِي ذَلِك كُلُّهُ إلَيْكُم)

أي لا أعترض عليكم في شيء من اُموركم ، بل أعلم أنّ كلما تقولونه وتأتون به وتؤمرون ، فهو بأمره تعالى.

روي عن حريز قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما أقلّ بقاءكم أهل البيت ، وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم؟ فقال عليه‌السلام :

«إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته ، فإذا انقضى ما فيها ممّا اُمر به عرف أنّ أجله قد حضر فأتاه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى إليه نفسه (١) وأخبره بما له عند الله وإنّ الحسين عليه‌السلام قرأ صحيفته التي اُعطيها ، وفسّر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض فخرج للقتال وكانت تلك الاُمور التي بقيت أنّ الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها ومكثت تستعدُّ للقتال وتتأهّب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقظت مدّته وقتل عليه‌السلام ، فقالت الملائكة : يا ربّ أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته ، فانحدرنا وقد قبضته ، فأوحى الله إليهم : أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج (٢) فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنّكم قد خُصصتم بنصرته وبالبكاء عليه ، فبكت الملائكة تعزّياً وحزناً ما فاتهم من نصرته : فإذا خرج يكونون

__________________

(١) أي يخبره بموته.

(٢) إشارة الى رجعته عليه‌السلام في زمان القائم عليه‌السلام.

٢١٤

أنصاره» (١).

أو المراد من التفويض أسلم جميع اموري أو ديني إليكم كي تصلحوا خللها وفاسدها كما عرض عبد العظيم الحسني رحمه الله دينه على امام زمانه الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، وهذه الزيارة المباركة مأثور منه عليه‌السلام فعرض دينه والامام عليه‌السلام أيده (٢) ولذا ورد في فقرات من زيارته هذه المعنى «السّلام على من عرض دينه على إمام زمانه فصدّقه به» (٣).

عن حماد الرّازي قال : دخلت على الإمام الهادي عليه‌السلام في سامراء فسألته عن أشياء من حلالي وحرامي فأجابني فلمّا ودعته قال لي :

«يا حماد إذا اشكل شيء من اُمور دينك بناحيتك أي بلدة «الري» فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني وإقرأه منّي السلام» (٤).

وروي أنه دخل رجل على أبي الحسن الهادي عليه‌السلام من أهل الرّي ، فقال الإمام عليه‌السلام له : أين كنت؟

قال الرّجل : زرت الإمام الحسين عليه‌السلام.

قال الإمام الهادي عليه‌السلام : «أمّا إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي عليه‌السلام» (٥).

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦٩ ، ص ١ ، كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٧٩ ، الامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ٢٠٤.

(٣) مفاتيح الجنان : ص ٥٦٤.

(٤) منتقى الدّرر : للشّيخ محمّد المحمّدي الاشتهاردي ، ج ٣ ، ص ١٥٦ ، وسفينة البحار : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٢١ ، في باب حرف العين.

(٥) ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٢٢.

٢١٥

(وَمُسْلِّمٌ فِيهِ مَعَكُم)

أي في اُموري كلّها ومسلّمها لله تعالى فلا إعتراض على الله تعالى في عدم إستيلائكم وغيبتكم وغير ذلك ، بل اُسلّم لأمر الله تعالى وأرضى بقضائه معكم أي كما سلمتم أنتم لأمره ورضيتم بقضائه ، ولا يكمل ايمان المؤمن إلّا بالتسليم فيما علم وفيما لم يعلم.

(وَقَلْبِي لَكُمْ مُسْلِّمٌ)

أي منقاد مطيع مذعن لاُموركم وأفعالكم وأحوالكم لا يختلج ذلك شيء يخالفه ، بل لا يخطر ببالي مخالفتكم والاعتراض عليكم ، لأنّي أعلم يقيناً أنّ كلّ ما صدر منكم فهو لله تعالى ومن الله تعالى.

(وَرَأيِي لَكُم تَبَعٌ)

أي رأي تابع لرأيكم ولا رأي لي مع رأيكم ، كما أنّ من أعداءكم من يقول قال : علي ، وأقول أنا.

(وَنُصْرَتِي لَكُم مُعَدِّةٌ)

أي نصرتي بكم مهيأة ، فها أنا منتظر لخروجكم والجهاد في خدمتكم مع أعدائكم ، أو المراد نصرتي معدّة للبيان وتبليغ دينكم واعلاء كلمتكم باليد واللسان والقلب وبالبراهين والأدلة والخطابة والمواعظ بحسب الامكان.

(حَتَّى يُحْيِي اللهُ تعالى دينه بِكُم)

أي يحيي الله الدين بوجودكم الشريف بعد الاندراس والانطماس بتمكنكم

٢١٦

وظهوركم واستيلائكم وغلبتكم.

ورد عنهم عليهم‌السلام : «إذ خرج القائم يقوم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وسنّة جديدة ، وقضاء جديد» (١).

(ويَرُدَّكُم فِي أيَّامِهِ)

أي في أيّام ظهور دينه واستيلاء كلمته في أيّام الرّجعة ، وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى ما ورد في جملة من الاخبار في تفسير قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ) (٢).

أو أن المراد بها أيّام قيام القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف».

عن مثنى الحناط قال سمعت الإمام الباقر عليه‌السلام يقول : «أيّام الله ثلاثة يوم يقوم القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» ويوم الكرّة ، ويوم القيامة» (٣).

أو المراد من ردّهم في أيّامه أي ردّهم الى الدّنيا على ما هم عليه من ظهورهم يرفع الله تعالى الموانع عنهم ويذل أعداءهم الغاصبين لحقّهم ويمكينهم من مراتبهم التي خلقهم فيها وخلقها لهم فهم في أيّام الله تعالى ومنه قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (٤).

(وَيُظهِرَكُم لِعَدْلِهِ)

أي لإقامة عدله (٥) بين عباده وإظهاره في أيّام رجعتكم الى الدّنيا ، بعد ذهاب

__________________

(١) إثباة الهداة : للشّيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٨٣ ـ ٨٤ ، وقريب منه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ٣٥٢ فراجع.

وفي بعض الروايات أساس الدين حبّهم ، كما ورد في كتاب لسان الميزان لابن حجر العسقلاني : ج ٥ ، ص ٣٨٠ ، وفي حديث طويل بالاسناد عن جابر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لكلّ شيء أساس ، وأساس الدّين حبّنا أهل البيت» وورد أيضاً في كنز العمال : ج ٦ ، ص ٢١٨ ، والنبهاني في الشرف المؤبد : ص ١٧٨.

(٢) ابراهيم : ٥.

(٣) تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٥٢٦ ، الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٠٨ ، باب الثلاثة.

(٤) القصص : ٥.

(٥) كما قام به جدّهم أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا تولّى الامامة والخلافة ، وضرب بذلك أروع مثال في العدالة والامانة ، ورد

٢١٧

دولة الباطل وتمكنهم من إقامة العدل والحقّ والشرع ، وبذلك استقامت الامور لهم وبهم على كمال ما ينبغي ، وكلّ ذلك بعون الله عزّ وجلّ وإمداده لهم.

(وَيُمَكِّنَكُم فِي أرْضِهِ)

يمكنكم في أرضه بالسّلطنة الحقّة وأنتم مبسوطو اليد كما قال الله تعالى :

(وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ...) (١).

(فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ)

أي معكم بالقلب واللسان ، أو في الدّنيا والرّجعة ، أو في الدّنيا والآخرة ، أو كرّر لمجرد التأكيد.

(لا مَعَ عَدُوّكُم)

أي لا أكون مع عدوّكم والمخالفين لكم من الاوّلين والآخرين ، بل أنا عدوٌّ لهم

__________________

في الخطبة : ، حيث يقول عليه‌السلام : ولقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعاً ، وعاودني في وسقٍ من الشعيركم يقضمه جياعه ، وكاد يطوي ثالث أيّامه ، خامصاً ما استطاعه ، ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرّهم كأنّما اشمأزت وجوهم من قترهم ، فلمّا عاودني في قوله وكره أصغيت إليه سمعي فغره ، وظنني أبيعه ديني وأتّبع ما أسرّه ، أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسّها ولا يصبر ، ثمّ أدنيتها من جسمه فضّج من ألمه ، ضجيج دنفٍ يئن من سقمه ، وكاد يسبّني سفهاً من كظيمه ، ولحرقة في لظى أدنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل ، أنتن من أذى ، ولا أئنّ من لظى

نعم هذا سيّد الوصيين وإمام المتّقين الذي يجب على المسلمين أن يتبعه في عدالته وأمانته في بيت المال المسلمين دون غيره من الذين هضموا مال الله وأموال المسلمين هضم الابل نبتت الرّبيع حتى وصل الامر الى الشّجرة الملعونة في القرآن الكريم ، بني اُميّة ومن رضي بافعالهم وتبع سيرتهم وبرء ساحتهم من تلك الجرائم بقوله أنّهم اجتهدوا فأخطأوا.

(١) النّور : ٥٥.

٢١٨

كما أنتم عدوُّ لهم.

(آمَنْتُ بِكُم)

آمنت بكم قلباً ولساناً ، وفي عالم الذّر يوم دعانا الله عزّ وجلّ بالاقرار بولايتكم وفي هذا العالم.

(وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أوّلَكُمْ)

أي أتولى وأعتقد بآخركم وهو الإمام المهدي (١) «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» بنحو ما كنت أتولّى أوّلكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أو أتولى كلّ واحد منكم بنحو ما كنت أتولى به أوّلكم ، فإنّ كلّ واحدٍ منهم عليهم‌السلام آخر بالنّسبة الى سابقه.

(وَبَرَئتُ الى الله عزّ وجلّ مِن أعْدَائِكُم)

أي برئت من الضّالين والنّاصبين الجاحدين والمعاندين من أعدائكم.

(وَمِن الجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)

ومن كلّ معبود باطل وكافر ومتجاوز ، أو من الاصنام والسّحرة ، أو الكهنة والشّياطين ، وكلّ رأس ضلالة وكلّ ما عبد من دون الله تعالى أو من فلان وفلان ،

__________________

(١) وما ذهب اليه العامّة من أنّه يراد من القائم هو عيسى بن مريم عليهما‌السلام كما نقله ابن حجر في الصواعق ونقلوا عليه روايات وفسروا قوله تعالى : (إِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) وان ضمير به وموته يعودان الى عيسى عليه‌السلام وأنه المنتظر ولان الله تعالى يقول : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ) وقال تعالى : (بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ) أو المهدي العباسي من خلفاء بني العباس ، والحقّ كما دلّت الآيات والروايات المستفيضة وما ورد عن الفريقين واجماع أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم أنّ القائم هو الامام محمّد بن الحسن العسكري «عجل الله تعالى فرجه الشريف» وأن الله تعالى بدقرته وحكمته قد أطال عمره الشريف كما أطال عمر الخضر عليه‌السلام.

٢١٩

كما ورد في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام (١).

(وَالشَّيَاطِين)

سواء كانوا من شياطين الانس أو الجن ، أو المراد من الشياطين سائر خلفاء الجور والسلاطين (٢).

(وَحِزْبِهِم)

أي أتباعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وحملوا قومهم على رقاب الناس

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٥٤ الى ٣٩٠ ، وكنز الفوائد : ص ٢٧٧ ، فإنّ أئمّتنا الأبرار عليهم‌السلام أمرونا أن نبتعد عن كلّ وليجة دونهم واعتبروه طاغوتاً. فقال الامام الباقر عليه‌السلام ، «إيّاكم الولائج فإن كلّ وليجة دوننا فهي طاغوت أو قال ند». راجع تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٠. وبهذا المعنى عنه عليه‌السلام في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٥٩ ، ح ١٦ ، عن غيبة النعماني : ص ٦٤ ، كنز الفوائد : ٢٧٨.

وكذلك ورد عن بريدة العجلي ، قال : سألت أبا جعفر محمّداً الباقر عليه‌السلام عن قوله عزّ وجلّ : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) فكان جوابه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) ويقولون لأئمّة الضلال والدّعاة إلى النّار : هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلاً : (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)؟ يعني الإمامة والخلافة (فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ) قال : ونحن المحسودون على ما آتانا الله من الامامة دون خلقه (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) يقول : جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمّة ، فكيف يقرّون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد؟ (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) وذكره العلّامة الطّبرسي رحمه الله في تفسيره مجمع البيان ج ٢ ، ص ٦٤.

(٢) وهم بني أمية ومن سار على نهجهم من الاولين والآخرين الذين حملوا راية العداء لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم الشّجرة الملعونة في كتاب الله عزّ وجلّ : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) وقد ورد عن عائشة أنّها قالت لمروان : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدّك ـ أبي العاص بن اُميّة ـ : «إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن» الدّر المنثور : للسيوطي ، ج ٤ ، ص ١٩١ ، واليرة الحلبية : جج ، ص ٣٣٧ ، والآلوسي في تفسيرة : ج ١٥ ، ص ١١٧ ، والقرطبي في تفسيره : ج ١٠ ، ص ٢٨٦ ، وغيرهم.

وقال أبو ذر الغفاري : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا بلغت بنو أميّة أربعين ، اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نِحلاً ، وكتاب الله دغلاً» أخرجه الحاكم في المستدرك : ج ٤ ، ص ٤٧٩ طـ دار الفكر بيروت لبنان.

نعم هؤلاء الذين طردهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مدينته وآواهم بعده من كان مخالفاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في حياته من طردهم ، ثمّ تولى إمرة ظلماً وعدوناً بمؤامرة من عبد الرحمن بن عوف وغيره ، وكان عاقبة أمرهم أن حمل بني اُميّة وبني العاص وبني أبي معيط على رقاب الاُمّة فاتخذوا دين الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، ومال الله دولاً ، وخرج ابن عوف من الدنيا بأوزار المسلمين نادماً متأوهاً على ما جنت يداه في حق الاُمة.

٢٢٠