أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

أولاً.

فقال الاعرابي : لقد سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وقد عملت كما أوصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويمكن أن يكون إشارة الى كلام الله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (١).

(مَنْ آتاكُمْ فَقَدْ نَجَى وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ فَقَدْ هَلَكَ)

أي أنّ طريق النّجاة منحصر فيكم (٢) ، ولا باب رحمة سوى باب رحمتكم ، لان الرّحمة من الله وأنتم أبواب رحمته.

(إلى اللهِ تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ)

تدعون الناس الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتدلّونهم الى المعارف الحقّة والبراهين النورانية.

(وَبِهِ تُؤمِنُونَ)

تؤمنون بالله تعالى إيماناً حقيقاً خالياً من شوائب الشّرك الجلي والخفي ، ولا تعبدون غيره في كل الحالات والازمان قولاً وعملاً ، وقلباً ولساناً.

(وَلَهُ تُسْلِّمُونَ)

تسلمون أموركم إليه لا لغيره ، وفي الاعمال تفوضون إليه.

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

(٢) وقد روى العلّامة ابن قتيبة الدينوري في كتابيه : عيون الأخبار : ج ١ ، ص ٢١١ ط مصر دار الكتب ، والمعارف : ص ٨٦ ، ط مصر ، عن حنش بن المغيرة : جئت وأبو ذر آخذ بحلقة الكعبة ، وهو يقول : أنا أبو ذر من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعت رسول الله يقول : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا».

١٨١

(وَبِأمْرِهِ تَعْمَلُونَ)

لا بارادتكم بل لا أمر إلّا أمره ولا إرادة إلّا إرادته تعالى.

(وَإلى سَبِيلِهِ تَرْشُدُونَ)

ترشدون الخلق الى سبيله القويم وصراطه المستقيم كما الارشاد والهداية.

(وَبِقَولِهِ تَحْكُمُونَ)

تحكمون بقول الله سبحانه لا بآراءكم وبالاستحسانات والقياسات التي تمسك بها العامّة وأئمّتهم ، بل تحكمون عن طريق الالهام أو قول الملك والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير القرآن الكريم وبيان الاحكام الشّرعية في مقام القضاء والحكم وتبيّنونه وفقاً لما جاءكم.

(سَعُدَ وَاللهِ مِنْ وَالاكُمْ)

اي أحبّكم وتمسك بكم ، سعد في الدّارين ، في الدنيا بواسطة علومكم ومعارفكم وفي الاخرة بالمقام المحمود وشفاعتكم.

(وَهَلَكَ مَنْ عَدَاكُمْ)

أي من نصب لكم العداوة بسبب خلوده في نار جهنم وبعيداً عن النعم الالهية في نشأة الآخرة.

(وَخَابَ مَنْ جَحَدَكُم)

أي خسر وهلك من أنكر مقامكم الرّفيع ولم يؤمن بإمامتكم (١).

__________________

(١) إذا امعن الانسان الخبير في صفحات التأريخ الاسلامي امعاناً جيداً وجرد نفسه عن التعصب المذهبي لوقف على

١٨٢

(وَضَلَّ مَنْ فَارَقَكُمْ)

وترك متابعتكم والتمسك بحبل ولايتكم ، في هذه ال فقرة المباركة من الزّيارة اشارة الى حديث النّبوي الشّريف قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» (١).

(وَفَازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ)

يفوز بخير الدّنيا والآخرة من تمسك بكم وتربى في مدرستكم (٢).

(وَأمِنَ مَنْ لَجأ إلَيكُمْ)

أي من التجأ إليكم وجد نفسه في أمن وأمان ، سواءً كان ذلك في الدّنيا أو في الاخرة ، أمّا في الدنيا من التجيء في حياته الى قبورهم الشّريفة تخلّص من كثير من

__________________

علّة جحد الجاحد لامامتهم وولايتهم عليهم‌السلام واليك هذا المثال : ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، عن أبي جعفر الإسكافي ورواية الأعمش : أنّه لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء مسجد الكوفة. فلمّا رأى كثرة من إستقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً ، وقال : يا أهل العراق ، أتزعمون أنّي أكذب على الله وعلى رسوله ، وأحرق نفسي بالنّار؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير الى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً ، فعليه لعنه الله والملائكة والناس وأجمعين ، وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها ، فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولّا إمارة المدينة.

علق صاحب المقتطفات العلّامة ابن رويش على هذا الكلام في ج ١ ، ص ٣٧٣ ، قائلاً : فيالها من رواية! لقد أعطت المعتبر اللبيب درساً لمعرفة المبدأ الذي كان عليه أبو هريرة ، ... الى أن قال : ولعلّ من له أدنى إلمام بالتاريخ لا يخفى عليه شخصيّته ونفسانيّته أن الوقيعة في العترة النّبوة الطّاهرة أحبّ مأدبه اليه ، وأشهى طعام له ، كما أخبرنا عن ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١ ، ص ٣٧٠ ، وغيره من علماء التاريخ.

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ، ص ١٧ و ٢٦ ، المناقب : للخوارزمي الحنفي : ص ٢٢٣ : ذخائر العقبى : ص ١٦ ، محمّد وعلي وحديث الثقلين للعسكري : ص ١ ـ ١٢٧ ، ينابيع المودة : ص ٤١ ، الغدير للأميني رحمه الله : ج ١ ، ص ٢٤ ، كنز العمال : ج ١ ، ص ١٦٨ ، ح ٩٥٨.

(٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنّة ، وأغصانها في الدّنيا ، فمن تمسّك بنا اتّخذ الى ربّه سبيلاً» ذخائر العقبى : ص ١٦.

١٨٣

الشّدائد والمحن وتفتح له أبواب الفيوضات الالهية والسعادة ، وأمّا في الممات من شملته السّعادة أن يدفن الى جوارهم وفي تربتهم كان في مأمن من عذاب القبر ومحاسبة نكير ومنكر ، كما وردت هذه الخواص في تربة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في النّجف الاشرف ، فورد هذا المعنى في الرّوايات الصّحيحة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، وكما ورد :

«إنّ لله حرماً وهو مكّة وإنّ للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرماً وهو المدينة وان لأمير المؤمنين عليه‌السلام حرماً وهو الكوفة وان لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها إمرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة» (١).

ومأثور عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «أن أهل قم مغفور لهم» (٢).

وكذلك وردت أخبار كثيرة عن حضور الأئمَّة عليهم‌السلام عند المحتضرين تدل على التجاء الموتى إليهم ، وقولهم لملك الموت إرفق به إنّه من شيعتنا (٣).

وأمّا في الآخرة ، فالناس يلجؤون إليهم ليفوزوا بالشفاعة كما تقدم ان شفاعة للعصاة والمذنبين في المحشر بعهدتهم ، فالناس من هول وفزع يوم الحشر يلتجئون إليهم فيأمنون تحت ظل عنايتهم وتوجهاتهم الخاصة من المهالك والمخاوف.

(وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقُكُمْ)

سلم من الهلاك والعذاب من صدقكم في أمر الامامة وولاية (٤) وغيرها من

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٤٦.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٤٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٦٢ ، تفسير فرات ابن ابراهيم : ص ٢١٠.

(٤) فإن لم يكن سلماً كان من الذين قال الله تعالى في حقهم : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) ـ الاية الكريمة في سورة الصّافات : ٢٤ ـ فيسألون عن ولاية علي وأهل البيت عليهم‌السلام ، كما رواه الواحدي في تفسيره أسباب النزول ، وابن الجوزي في تذكرته : ص ١٠ ، وقال المجاهد : وقفوهم إنهم مسؤولون أي عن حبّ علي عليه‌السلام وعدّه ابن حجر في الآيات

١٨٤

خصائصكم ومعاجزكم.

(وَهُدَي مَنْ اعْتَصَمَ بِكُم)

هدى الى طريق النجاة من إعتصم بكم كما قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا) (١).

ويراد من حبل الله المتين هم الائمّة الهداة عليهم‌السلام كما ورد ذلك في الاخبار (٢).

(مَنْ إتَّبَعَكُم فَالجَنَّةُ مَأوَاهُ وَمَنْ خَالَفَكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ)

من آمن بإمامتكم فله الجنّة ، ومن خالف إمامتكم فالنّار مثواه (٣).

(وَمَن جَحَدَكُم كَافِرٌ)

أي من أنكر إمامتكم وجحد بها فهو خارج عن الدّين وهو في زمرة الكفرة ،

__________________

النازلة في أهل البيت عليهم‌السلام ، راجع الصواعق : ص ٨٩ ، ومناقب آل أبي طالب : ج ٢ ، ص ٤ ، وتفسير روح المعاني : ج ٢٣ ، ص ٨٠ وغيرهم.

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) راجع تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي ، ج ٣ ، ص ٣٧٨ ، عن تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٩٤ ، عن الامام الباقر عليه‌السلام : «آل محمّد هم حبل الله الذي أمر الله بالاعتصام به» فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٨٥.

(٣) ورد عن جميل بن الدّراج عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في الجنّة ثلاث درجات ، وفي النّار ثلاث دركات ، فأعلى درجات الجنّة لمن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه ويده ، وفي الدّرجة الثّانية من أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه ، وفي الدّرجة الثالثة من أحبّنا بقلبه.

وفي أسفل الدّرك من النّار من أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده ، وفي الدّرك الثّانية من أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ، وفي الدّرك الثّالثة من النّار من أبغضنا بقلبه» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٩٣ ، عن المحاسن ، ص ١٥٣.

وورد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو أنّ عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام ، حتى يكون كالشن البالي ولقي الله مبغضاً لآل محمّد ، أكبّه الله على منخريه في نار جهنّم» رواه الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد : ج ٣ ، ص ١٢٢ ط ـ السعادة بمصر ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ص ١٧٨ ، الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧١ ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ١٨ ، والقندوزي في ينابيع المودة : ص ٩٢. وغيرهم.

١٨٥

فلا يحقّ له أن يدعي الايمان والاسلام ، بل نفهم من بعض الرّوايات أن الجاحد للائمّة وأمامتهم أسوء من الجاحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانكار نبوّته.

عن ضريس قال : تمارى النّاس عند أبي جعفر الإمام الباقر عليه‌السلام فقال بعضهم : حرب عليّ عليه‌السلام شرّ (١) من حرب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل. فسمعهم الإمام الباقر عليه‌السلام فقال : ما تقولون؟

فقالوا : أصلحك الله تمادينا في حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي حرب عليّ عليه‌السلام فقال بعضنا : حرب عليّ عليه‌السلام شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال بعضنا ، حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّ من حرب عليّ عليه‌السلام.

فقال الإمام عليه‌السلام : «لا بل حرب علي عليه‌السلام شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

فقلت له : جعلت فداك أحرب عليّ شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال الإمام عليه‌السلام : «نعم وسأخبرك عن ذلك ، إنّ حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقروا بالاسلام وإنّ حرب علي عليه‌السلام أقروا بالاسلام ثمّ جحدوه» (٢).

يقول المؤلف : الجحود في اللغة يقال للانكار المرافق للعلم ، بمعنى أن يعرف الإنسان شيئاً حق المعرفة ويجحده وينكره ، فهذه الفقرة الشّريفة ظاهرة في الذين يخالفون ويجحدون الائمّة الهداة عليهم‌السلام ، وأمّا مع معرفتهم الكاملة بأحقّيتهم فإنّهم حينئذ يكونوا كفاراً.

وهنكا روايات جمّة في هذا الباب تدل على كفر من خالفهم فجمعها يحتاج الى كتاب مفردٍ والجمع بينها وبين ما علم من أقوالهم عليهم‌السلام من عاشرتهم ومواكلتهم ومجالستهم ومخالطتهم يقتضي الحكم بكفرهم وخلودهم في النار في الآخرة وجريان حكم الإسلام عليهم في الدّنيا رأفة ورحمةً بالطائفة المحقّة لعدم امكان

__________________

(١) أي محاربوه عليه‌السلام.

(٢) روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٢٥٢.

١٨٦

الاجتناب عنهم.

وأيضاً تشير هذه الفقرة الى حال المستضعفين واستثنائهم عن هذا الحكم ، حيث ابتعدوا عنهم وأنكروا إمامتهم دون أن ينصبوا لهم العداوة أو تكون عداوتهم ناشئة عن اللجاجة والعناد. فإنّ أمرهم الى الله عزّ وجلّ إن شاء عذبهم وان شاء عفا عنهم كما هو مأثور عن ائمّة الهدى (١).

(وَمَنْ حَارَبَكُم مُشْرِكٌ)

مشرك بالله تعالى ، وقد قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي حربك حربي» (٢) ومن حاربه فقد حارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن حاربه فقد حارب الله تعالى ، ويجري لأخرهم ما يجري لأولهم (٣). لانّهم نور واحد وهم مشتركون في مقام الامامة والطاعة.

(وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُم)

أي ردّ شيئاً من أقوالكم وأخباركم وأفعالكم (٤).

__________________

(١) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٠٠ ، باب «المستضعف» تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٥٣٧.

(٢) المناقب : للخوارزمي ، ص ٧٦ ، وورد بهذا المعنى أحاديث مستفيضة من العامّة والخاصّة وفي بعضها قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً لاهل البيت عليهم‌السلام : «إنّي حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» رواه جماعة من أعلام القوم عن أبي هريرة.

(٣) السّرائر : ص ٤٧١ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٩.

(٤) كما ردّ القوم كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الغدير وكلام فاطمة عليها‌السلام في مسألة فدك وشهادة علي عليه‌السلام عِدْلَ القرآن والحسن والحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيدي شباب أهل الجنّة وشهادة اُمّ أيمن التي شهد لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّها امرأة من أهل الجنّة ، عندما شهدوا بأنّ فدك لفاطمة عليها‌السلام لم ترث ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كان ملكها في أيّام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله وهبها إياها عليها‌السلام في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ورد عن أبي سعيد قال : لم نزلت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وأعطاها فدك. الدّر المنثور : ج ٢ ، ص ١٣٠ ، إذن غصبوا ملكها وما وهبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها.

١٨٧

(فِي أسْفَل دَرَكٍ مِنَ الجَحِيْم)

فهو في أسوء مكان من نار جهنم ، ولأن جهنم سبع طبقات ، والطّبقة السّابعة مقعد من رد على أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ورد في حديث عن الإمام جعفر الصّادق عليه‌السلام : فيه ذكر مقاعد العلماء في الدّرك الاسفل من الجحيم ـ قال :

١ ـ إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فهو في الدّرك الاوّل من النّار.

٢ ـ ومن العلماء من إذا وُعظ أنف ، وَعّظ عنّف فذاك في الدّرك الثّاني من النّار.

٣ ـ ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة ولا يرى له في المساكين ، فذاك في الدّرك الثّالث من النّار.

٤ ـ ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه شيء من قوله أو قصّر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدّرك الرّابع من النّار.

٥ ـ ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه ، فذاك في الدّرك الخامس من النّار.

٦ ـ ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ولعله لا يصيب حرفاً

__________________

وقال ابن رويش في المقتطفات : ج ١ ، ص ٣٢١ :

وإن قيل : لِمَ كان ابن عباس وأبو سعيد وغيرهما من الصحابة لم يشهدوا أو تقاعدوا عن الشهادة؟

يقال : لأنّهم علموا وعرفوا ورأوا بأعينهم أنّ شهادة هؤلاء قد ردّت ورفضت ، فأي شهادة يا ترى تقبل ولا ترد بعد ما ردّ القوم شهادتهم.

أقول : علاوة على ذلك الظّروف السّياسية التي لعبت دوراً مهماً في قمع الصّحابة المخلصين لآل الرسول وابعادهم عن الميادين السياسية ، ومع ذلك لو فرضنا أن فدك كان إرث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن أين قالوا أن الزّهراء عليها‌السلام لا ترث ، وقد ردّت الزهراء عليها‌السلام هذا الادعاء بنفسها وقالت لابي بكر : «يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً».

فلذلك هجرت فاطمة عليها‌السلام أبا بكر بعدما احتجت عليه بحجج دامغة ، راجع شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ج ٣ ، ص ٧٨ ، وكتاب بلاغات النساء : ص ٢٤ ، وغيرهما من مؤرخي الأمّة الذين جاءوا بذكر أخبار السقيفة وفدك

١٨٨

واحداً والله لا يحب المتكلفين ، فذاك في الدّرك السّادس من النّار.

٧ ـ ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلاً فذاك في الدّرك السّابع من النّار (١).

يقول العلّامة المجلسي رحمه الله في معنى هذه الجملة : أي يطلب العلم ويبذله ليعدّه الناس من أهل المروءة والعقل».

(أشْهَدُ أنَّ هَذَا سَابِقٌ لَكُم فِيْمَا مَضَى)

يعني وجوب متابعتكم أو كل واحد من المذكروات ، وسار وجار لكم فيمن مضى وتقدم منكم ، يعني هذا الفرض والطّاعة ووجوب المتابعة وسائر الفضائل المذكورة على للأئمَّة كان جارياً لكم.

(وَجَارٌ لَكُمْ فِيمَا بَقِي)

اي جار لكم فيمن بقي منكم ، وهو مولانا الإمام صاحب الزّمان «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ويستعمل لفظ «ما» في اولي العقول كثيراً ، واذا استعمل «ما» هنا في اولي العقول يكون المعنى ، إن هذه المعاني كانت ثابتة في حقكم وجارية فيكم فيما مضى من الأزمنة السّالفة أو الكتب المتقدمة وجارٍ لكم فيما بقي منها ، كما يستفاد ذلك من الاحاديث الكثيرة.

(وأشْهَدُ أنّ أرْوَاحَكُمْ ونُورَكُمْ وطِينَتِكُمْ واحِدَةٌ)

فان أرواحهم مخلوفة من أعلا عليين وأبدانهم من عليين وعلومهم وكمالاتهم واحدة لانّها مأخوذة من الوحي وعالم الغيب ، روى مرازم عن الامام

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣١٠ ، عن الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٥٢.

١٨٩

الصّادق عليه‌السلام قال :

قال الله تعالى : «يا محمّد إنّي خلقتك وعليّاً نوراً ـ يعني روحاً ـ بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري ، فلم تزل تهلّلني وتمجّدني ، ثمّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة ، فكانت تمجّدني وتقدّسني وتهلّلني ، ثمّ قسّمتها ثنتين ، وقسّمت الثّنتين ثنتين ، فصارت أربعة : محمّد واحد ، وعلي واحد ، والحسن والحسين ثنتان ، ثمّ خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن ، ثمّ مسحنا بيمينه (١) فأفضى نوره فينا» (٢).

توضيح ذلك : أن المراد من «بعد» في هذا الحديث ليس معنى التراخي في الزمان ، بل تراخي في الرّتبة ، ومراد من «امتداد النور» اتساع النّور.

عن أبي يحيى الواسطي عن بعض الاصحاب عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «خلقنا من عليّين ، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شيعتنا من عليين ، وخلق أجسادهم من دون ذلك ، فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم نحن إلينا» (٣).

وقال المرحوم الفيض الكاشاني رحمه الله في ذيل هذا الحديث : «لعل المراد من علّيين هو عالم الملكوت ، والمراد بما فوقه هو عالم الجبروت ، والمراد من دون ذلك هو عالم المادة والشّهادة ، والمراد من التّعليل بكلمة (من أجل ...) أن أصل أجساد الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وأرواح شيعتهم واحد ، يعني من علّيين والميل والحنان إليهم يعود الى هذه الجهة» (٤).

__________________

(١) مسح الله باليمين كناية عن جعلهم ذا اليُمن والبركة.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨ و ١٩ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٤٠.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٢ ، عن بصائر الدرجات : ص ٧٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٨٩.

(٤) فراجع للوافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٣ ، ص باب الطّينة.

١٩٠

(طابَتْ طَهُرَتْ)

أي تلك الارواح ، طهرت تلك الأبدان.

(بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)

يعن أنّهم عليهم‌السلام من طينة واحدة مخلوقة من نور عظمته تعالى كما قال الله تعالى ذكره (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (١).

وروي في التّفاسير يراد من هذه الآية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

(خَلَقَكُمْ اللهُ أنْوارَاً فَجَعَلَكُمْ بِعَرشِهِ مُحْدِقيْنَ)

والمراد بالعرش إمّا الملك وعلم الله عزّ وجلّ حيث أنّهم عليهم‌السلام مستفيضون أو وهم مستنهوضون من علمه تعالى وقدرته ، أو المراد به الجسم المحيط بالسّموات والارض ، فانّ الله إمتحن ملائكته بحمله وجعله وسيلة الى تعبدهم كما جعل بيته في الارض وسيلة عبادة العباد وابتلائهم ، وكان الائمَّة الاطهار عليهم‌السلام أشباحاً أو أجساداً مثالية يطوفون بعرشه أو هم الآن كذلك.

وقد وردت اخبار كثيرة أن الله تعالى خلق أنوارهم وهم بعرشه محدقون وطائفون (٣).

__________________

(١) آل عمران : ٣٤.

(٢) راجع تفسير الثّقلين : ج ١ ، ص ٣٢٨ ، في تفسير هذه الآية ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٦٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٨٧ و ٨٨ ، باب ٣٢ ، تفسير القمي : ص ٥٦٠ و ٥٦١ ، وكنز الفوائد : للشّيخ محمّد بن علي الكراجكي ، ص ٢٦١.

ما رواه جماعة من الحفاظ ، عن أبي موسى الاشعري ، قال سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في قبّة تحت العرش» الحموني في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٤٩ ، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان : ج ٢ ، ص ٩٤ ، الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧٤ ، وغيرهم ، وقريب منه عن عمر بن الخطاب ، انظر الى احقاق الحق : ج ٩ ، ص ١٩٦.

١٩١

(حتّى مَنَّ عَلَينا بِكُمْ)

بأن جعلكم أئمّتنا وسادتنا وقادتنا في الدّنيا والاخرة.

(فَجَعَلَكُمْ فِي بِيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيْها إسْمُهُ)

والمراد بالبيوت التي (أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ) إمّا البيوت المعنوية التي هي بيوت العلم والحكمة والمراد من الذّكر حينئذٍ هو استفاضتهم عليهم‌السلام من تلك الانوار ، أي أنوار العلم والحكمة أو البيوت الصورية التي هي بيوت الانبياء عليهم‌السلام وبيوت النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بيوت الائمّة الهداة عليهم‌السلام في حياتهم ومشاهدهم بعد مماتهم.

والمراد من الذّكر استفاضة هذه الانوار منهم يعني أنوار العلم والحكمة وسائر الكمالات.

ورد في حديث أنّه عندما قرأ الرّسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بيوت الانبياء.

فقال أبو بكر : يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم أفضلها (١).

الفضيلة التي تجري لأوّلهم تجري لآخرهم (٢).

(وَجَعَل صَلَوَاتُنَا عَلَيْكُم وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِن وِلايَتِكُم طَيِّبَاً لِخَلْقِنَا)

إشارة الى ما استفاض في الرّوايات من أنّ ولايتهم وحبّهم عليهم‌السلام علّامة على

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٢٥ ، عن كنز جامع الفوائد : للشّيخ محمّد بن علي الكراجكي ، ص ١٨٥.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، باب «أنّه جرى لهم من الفضل والطّاعة مثل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهم في الفضل سواء».

١٩٢

طيب الولادة (١) ، وعداوتهم عليهم‌السلام علامة على خبث الولادة.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذو الشّرف وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء كلّ مدنس مطرد» (٢).

وورد في رواية علوية عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبيه الامام الباقر عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى عليّ عليه‌السلام فقال : جعلني الله فداك إنّي لاحبّكم أهل البيت ، قال : وكان فيه لين ، قال : فأثني عليه عدّه.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كذبت ما يحبّنا مخنث ولا ديّوث ولا ولد زنا ولا من حملت به أمّه في حيضها».

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : فذهب الرّجل فلمّا كان يوم صفين قتل مع معاوية (٣).

(وَطَهَارَةً لأنْفُسِنَا)

لان نفوسنا وأرواحنا بولايتهم ومحبّتهم عليهم‌السلام تبتعد عن الرذائل وتتحلى بالفضائل والكمالات المعنوية.

__________________

(١) وورد عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : من أصبح يجد برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على بادي النّعم ، قيل : وما بادي النعم ، قال عليه‌السلام :

طيب المولد. علل الشّرايع : ج ١ ، ص ١٤١.

ودرّه من قال :

حبّ النبي محمّد ووصيّه

ينبيك عن أصلي وطيب المولد

من طاب مولده وصحّ ولاده

صحّت ولايته لآل محمّد

وكذلك ورد عن أبي الزّبير المكي قال : رأيت جابراً ـ يعني جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله ـ متوكياً على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم وهو يقول : «عليٌّ خير البشر فمن أبى فقد كفر يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حبّ علي فمن أبى فنظروا في شأن اُمّه». علل الشّرايع : ج ١ ، ص ١٤٢.

(٢) السّرائر : ص ٤٧١ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٩.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٨ ، عن قرب الاسناد : ص ٢٦ ، ح ٨٥.

١٩٣

(وَتِزْكِيَةً لَنَا)

بابتعادها عن الاعتقادات الفاسدة والمذاهب الباطلة والكاسدة.

(وَكُفَّارَةً لِذُنُوبِنَا)

كفارة للكبائر والصغائر من الذنوب ، ومن الاحاديث المعروفة المسلمة حديث الوارد عن معاذ عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«حبُّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة وبغض عليّ سيئة لا تنفع معها حسنة» (١).

وما أجمل ما أشار الشاعر الى حبّه صلوات الله عليه.

عَليٌّ حُبُّهُ جُنَّةٌ

قَسِيمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ

وَصِيُّ المُصْطَفَى حَقّاً

إمامُ الإنْسِ وَالجَنَّةِ

وقال أبو الحسن بن جبير :

اُحبُّ النّبي المُصطفى وابن عمّهِ

عليّاً وسِبطيهِ وفاطمة الزّهراء

هُم أهل بيتٍ اُذهب الرّجس عنهم

وطلعهم اُفق الهدى أنجماً زهرا

موالاتهم فرض على كلِّ مُسلم

وحُبُّهم أسنى الذّخائر للاُخرى

وما أنا للصحب الكرام بمبغضٍ

فإنّي أرى البغضاء في حقّهم كفراً (٢)

(فَكُنّا عِنْدَهُ مُسْلِمِين بِفَضْلِكُم)

أي كُنّا في علمه تعالى مسلمين بالتسليم الحقيقي بفضلكم على العالمين ، وفي بعض النسخ ورد «مسمّين» بدلاً عن «مسلّمين» وهو الأظهر والاولى يعني نحن

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٣٠٤.

(٢) المقطفات : ج ٢ ، ص ٤٧٣ ، عن نور الابصار : ص ١٣ ، الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣١١.

١٩٤

كتب الله تعالى أسماءنا في اللوح المحفوظ في زمرة شيعتكم والمقرّين بولايتكم ، ففي هذه الصورة تشير الفقرة الشّريفة الى رواية وردت عنهم عليهم‌السلام :

«أنّ عندهم كتاباً فيه أسماء شيعتهم واسماء آبائهم وبلدانهم» (١).

عن عبد الله بن عامر بن سعد بن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه‌السلام وأقرأنيه رسالة الى بعض اصحابه :

«إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق ، وان شيعتنا مكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم ...» (٢).

(وَمَعْرُوفِيْنَ بِتَصْدِيْقَنَا إيَّاكُم)

تصديقنا لامامتكم وفضليتكم (٣) وفرض طاعتكم في السموات وكتب الانبياء عليهم‌السلام وبين النّاس حتى عرفنا بالرّافضة (٤) ، أو معروفين عند الاُمم الماضية بذلك ، أو في كتبهم فإنّها نزلت من السّماء بوصف محبّيهم ووصف أعدائهم ، والمعروفين عند أهل السماء من الملائكة المستغفرين لشيعتهم ومحبّيهم ولا يحصي عدد استغفارهم إلّا الله سبحانه وتعالى.

دخل سماعة بن مهران على الصّادق عليه‌السلام فقال له : يا سماعة من شر الناس؟

__________________

(١) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١١٧ الى ١٣٢ ، بصائر الدرجات : ص ٥٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١١٨ ـ ١٢٣ ، عيون اخبار الرضا : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣٤٣ ، وبصائر الدرجات : ص ٤٧.

(٣) أيها الموالي هذه فضيلة لنا في الواقع يجب أن نشكر الله تعالى عليها ونتحدث بها ، ولا نخاف في ذلك لومة لائم ولا أراجيف المتهورين الذين انسلخوا عن الحقّ ودخلوا في مداخل أعدائهم ، إمّا طلباً للشهرة أو حبّاً للدنيا أو الرئاسة ، وإرضاءً للاخرين ، فإنّ لأئمّتنا علينا حقّاً لا تحصى ولا تعدُّ.

إنّ كان حبّي خمسة

زكت به فرائضي

وبغض من عاداهم

رفضا فإنّي رافضي

ينابيع المودة : ص ٤ ط ، اسلامبول نقلاً عن الثّعلبي في تفسيره عقيب ذكر حديث الخمسة أهل الكساء.

١٩٥

قال سماعة : نحن يا بن رسول الهل.

قال فغضب يعني ـ الامام ـ حتى احمرت وجنتاه ، ثمّ استوى جالساً وكان متكئاً فقال : يا سماعة من شرّ الناس عند الناس.

فقلت : والله ما كذبتك يا بن رسول الله ، نحن أشرّ الناس عند الناس لأنّهم يسمونا كفاراً ورافضة ، فنظر الي ثم قال عليه‌السلام :

«كيف إذا سيق بكم الى الجنّة ، وسيق بهم الى النّار ، فينظرون إليكم فيقولون : (مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ) (١).

يا سماعة بن مهران ، أنّه من أساء منكم إساءةً ، مشينا الى الله يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه ، فنشفّع ، والله لا يدخل النّار منكم عشرة رجال ، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال ، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال ، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد ، فتنافسوا في الدّرجات ، والكمدوا عدوكم بالرّوع» (٢).

واعلم أن جملة «وجعل ... صلواتنا عليكم» الى آخر الفقرة الشريفة يحتمل أن تكون خبرية وأن تكون إنشائية دُعائية وأيما كانت فهي معطوفة على إذان ، وعطف الجمل الانشائية على الخبرية جائز سيما اذا كان بصورتها كما في قوله تعالى : (حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٣).

(فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أشْرَفَ مَحلِّ المُكرَّمِينُ)

«فبلغ» جملة دعائية ، وهي أنّ الله يوصلكم الى أفضل مراتب الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام ، وأعلى منازلهم ودرجاتهم وهي درجات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيلزم منه

__________________

(١) ص : ٦٢.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٤٦٨ ، عن الامالي : للشّيخ الطوسي رحمه الله.

(٣) آل عمران : ١٧٣.

١٩٦

أفضليتهم على الانبياء ، كما فسّروا الآية الشّريفة : (وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ...) بأنه لا تزال الشيعة قديماً وحديثاً يستدلون بها على أفضلية الامام علي عليه‌السلام على جميع الانبياء لانّه نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

(وَأعْلا مَنَازلِ المُقَرَّبِيْنَ)

وأعلى مراتبهم عند الله عزّ وجلّ.

(وَأرْفَعَ دَرَجَاتِ المُرْسَلِينَ)

وهي درجات نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيلزم من هذه الجملة أفضليتهم عليهم‌السلام على الانبياء عليهم‌السلام كما يدل عليه قوله تعالى : (وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ) (٢).

وأنّ علي عليه‌السلام بمنزلة نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقدم تفسير هذه الآية آنفاً.

نقل الشيخ الجليل الصّدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي».

قال علي عليه‌السلام : فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرائيل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضلني على جميع النّبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ...» (٣).

__________________

(١) انظر الى المناظرة التي جرت بين حجاج بن يوسف الثقفي السفّاك مع إمرأة شجاعة إسمها «حرّة» من أحفاد حليمة السعدية مرضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ١٣٦ ، وفضائل ابن شاذان : ص ١٢٢.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٣٣٥ ، اكمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ١٤٧ ، عيون اخبار الرّضا : ص ١٤٤ ، علل الشرائع : ص ٥.

١٩٧

ونفهم من بعض الاحاديث الواردة أفضلية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام على انبياء اولو العزم.

وورد عن عبد الله بن وليد السّمان قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : أي شيء تقول الشّيعة في موسى وعيسى وأمير المؤمنين عليه‌السلام.

قلت : يزعمون أن موسى وعيسى أفضل من أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الإمام عليه‌السلام : «أيزعمون أن أمير المؤمنين علم ما علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قلت : نعم ولكن لا يقدمون على اولي العزم من الرسل أحداً.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فخاصهم بكتاب الله».

قلت : في أي موضوع منه.

قال عليه‌السلام : قال الله تعالى لموسى : (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ) (١).

وقال الله لعيسى : (لِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٢).

وقال تبارك وتعالى لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) (٣). وقال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (٤) (٥).

وورد في حديث نبوي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أراد أن ينظر الى آدم في علمه والى نوح في عبادته والى إبراهيم في خلّته والى موسى في هيبته والى عيسى في زهده والى يحيى في ورعه فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنّ فيه سبعين خصلة من خصال

__________________

(١) الاعراف : ١٤٥.

(٢) الزخرف : ٦٣.

(٣) النساء : ٤١.

(٤) النحل : ٨٩.

(٥) كامل الزيارات : ص ، ومثله في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٤ ـ ١٩٨ ، عن بصائر الدّرجات : ص ٦٣ ، والخرائج والجرائح : ص ٢٤٨.

١٩٨

الانبياء» (١).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال :

«إن الله خلق اولي العزم من الرّسل وفضلهم بالعلم وأورثنا علمهم وفضلنا عليهم في علمهم وعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يعلموا وعلمنا علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمهم» (٢).

وغير ذلك من الاخبار ، والفقرات الآتية مسوقة لذلك وهي قوله :.

لا يلحقه حسن فكلّها دونكم مقاماً ومرتبةً ، ولا يفوقه متفوّق بين النّاس بأنبياء اُولي العزم عليهم‌السلام الذين تفوّقوا على سائر الانبياء واستثناء النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضليتهما صلوات الله عليهما على سائر الائمّة عليهم‌السلام وكذلك على سائر انبياء اولي العزم مستثنيان بالادلة المستفيضة من الآيات والاخبار التي تدل على أشرفية خاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع الموجودات وافضلية الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعده على جميع الانبياء حتى اولي العزم عليه‌السلام وسائر الائمّة الهداة عليهم‌السلام أجمعين ، فهذا المختصر لا يسمح لنا أن نخوض أكثر من هذا في هذا الموضوع.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٣٥ ، باب ٧٣ ، «أنّ فيه خصال الانبياء ...». وأخرجه بهذا المعنى الامام أحمد كما في الغدير : ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، والخوارزمي في المناقب : ص ٤٩ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ٢٣٦ ، والحافظ الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب : ص ٤٥ ، والطبري في كتابه الرياض النظرة : ج ٢ ، ص ٢١٨ ، والقاضي عضد الدين الأيجي الشافعي في كتابه المواقف : ج ٣ ، ص ٢٧٦ ، والتفتازاني الشافعي في كتابه شرح المقاصد : ج ٢ ، ص ٩٩ ، الصفوري في كتابه نزهة المجالس : ج ٢ ، ص ٢٤٠ ، وغيرهم.

والى ذلك أشار المفجع أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله الكاتب النحوي المصري المشهور بأشعاره ومؤلفاته القيّمة ، المذكور اسمه في أعلام الأئمّة ، قائلاً ، كما في الغدير : ج ٣ ، ص ٣٥٣ :

أيّها اللأيمي بحبّي عليّاً

قم ذميماً إلى الجحيم خزيّا

أبخير الأنام عرضت لا زلت

مذوداً عن الهُدى مزوِيًا

أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً

وفطيماً وراضعاً وغذيًا

كان في علمه كآدم إذ عُـ

ـلّم شرح الأسماء والمكنيّا

وكنوح نجا من الهلك من سـ

ـير في الفلك إذ علا الجوديّا

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٧ ، ص ١٤٥ ، بصائر الدرّجات : ص ٦٢.

١٩٩

(حَيثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ ولا يَفُوقُهُ فَائِقٌ وَلا يَسْبِقُهُ سَابِقٌ)

وذلك في فضيلة من الفضائل ، لأنّهم بلغوا أعلى مراتب القرب عند الله عزّ وجلّ ، فلا يدانيهم فيها لا نبي مرسل ولا ملك مقرّبٌ ، والاخبار مستفيضة بذلك.

(وَلا يَطْمَعُ فِي إدْرَاكِهِ طَامِعٌ)

أي لا يطمع طامع من الانبياء أو الاوصياء أو الملائكة عليهم‌السلام في الوصول الى ذلك المقام وادراك المقام الذي وصلتموه ، لأنّهم يعلمون أنّها موهبة خاصّة من الله تبارك وتعالى لكم ولا يمكن الوصول إليها بالسعي والاجتهاد واكتساب الفضائل ، فهاتان الفقرتان أيضاً استثنيا النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام بالادلة أيضاً.

(حَتَّى لا يَبْقَى)

أي حتى لا يبق أحد في عالم الارواح ولا في عالم الاجساد.

(مَلِكٌ مُقَرَبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا صَدِّيْقٌ وَلا شَهِيْدٌ وَلا عَالِمٌ وَلا جَاهِلٌ وَلا دَنيٌّ فَاضلٌ وَلا مُؤْمِنٌ صَالِحٌ وَلا فَاهِرٌ طَالِحٌ وَلا جَبَّارٌ عَنِيْدٌ وَلا شَيْطَانٌ مَريدٌ وَلا خَلَقٌ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَهِيْد)

والمراد من «الخلق الشّهيد» هم الإئمّة عليهم‌السلام (١).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٧٤ ، عن معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ١١٥ ، واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٠.

٢٠٠