أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

السيّد محمّد الوحيدي

أنوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:

السيّد محمّد الوحيدي


المحقق: الشيخ هاشم الصالحي
المترجم: الشيخ هاشم الصالحي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: انتشارات محمّد الوفائي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6013-03-1
الصفحات: ٣٠٠

الطواغيت وذهاب ملكهم اسرع من سلك منظوم إنقطع فتبدو وما كان ذلك الذي أصابهم لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها فلا تذهبن بك المذاهب فيهم» (١).

يعني أنّ الحكمة كانت فيما اصابهم تنحصر فقط في نيل الكرامات الالهية (٢).

(وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضَى)

أي صدقتم جميع الانبياء الذين ارسلهم الله عزّ وجلّ قبل نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى جميع الانبياء السلف عليهم‌السلام واحوالاتهم وايمانهم بشرائعهم وتصديقهم ، بالصّورة التي أخبر الله عزّ وجلّ عنها مفصلاً ، وبهذا المعنى تشير هذه الآية الشّريفة :

(وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (٣).

(فالرَّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ)

أي الذي يعرض عنكم خارج عن دين الله وعن طريقة وشريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منحرف بالرغم من ظهور كل هذه الاوصاف وبروز كل هذه الاحوال منكم.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥٠ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٥٥.

(٢) وروى سفيان بن عيينة ، عن الزّهري ، عن أنس بن مالك في قوله تعالى (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ) قال : نزل في علي ، كان أوّل من أخلص وجهه لله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي مؤمن مطيع (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) أي قول : لا إله إلّا الله (وَإِلَى اللَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) والله ما مات علي بن أبي طالب إلّا عليها.

الآية الكريمة في سورة لقمان : ٢٢ ، وراجع مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٧٦ ، المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٠.

(٣) البقرة : ٣٨٥.

١٦١

(وَاللازِمُ لَكُمْ لاحِقُ)

الذين لم ينفصلوا عنكم ، واعتقدوا بإمامتكم وثبتوا على حبّكم ، وأخذوا بأقوالكم ، واتَّبعوا أعمالكم ، فهم لاحقون بكم في الدنيا والاخرة ، أن أن المراد أنّهم يصلون الى الدّرجات العالية والمقامات الرّاقية.

(وَالمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ زَاهِقٌ)

والمقصّرون في حقّ امامتكم والمنكرون لها ، أو المراد المقصّرون في تصديق رتبتكم العالية أو في متابعتكم ، أو المراد جميع ذلك ومضمحل عن الحقّ اذا تجاوز عن الحقيقة ، ويقال لمن ضل عن الهدف أو أخطأه ، كيف يمكن اطفاء مصباح الهداية الالهية التي أضاء الله عزّ وجلّ بيد قدرته؟ وكيف يمكن استصغار عظمة قوم أراد الله بهم الرّفعة والعلو ، بل يسعى من نوى ذلك الهلاك نفسه وهلاكها.

(وَالحَقُّ مَعَكُمْ)

كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ يدور معه حيثما دار» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم أدر الحقّ معه حيثما دار» (٢).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ص ٢٩ ، وورد هذا المعنى في أكثر كتب الفريقين من الخاصّة والعامّة ، فتأمل أيّها الباحث عن الحقيقة في هذا الحديث الشريف وما بعده ، كي تهتدي الى طريق الصواب وتختار ما اختاره الله عزّ وجلّ ورسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لك ، وما فيه صلاح دنياك واُخراك.

وكما ورد أنّه سلّم محمّد بن أبي بكر على عائشة يوم الجمل فلم تكلّمه ، فقال : أسألك بالله لا إله إلّا هو ، سمعتك تقولين : الزم علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنّي سمعت رسول الله يقول : الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ لا يفترقان أو لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، قالت : بلى سمعت ذلك منه. مناقب آل أبي طالب : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

أقول هلا تمسكت أمّ المؤمنين بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تقتل أبناءها ، ولم تحارب الحقّ يوم الجمل.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ص ٣٨.

١٦٢

(وَفِيْكُمْ)

يعني الحق في إتّباعكم واقوالكم.

(وَمِنْكُمْ)

فإنّ كلّ كلام لم يخرج منهم فهو باطل ، وكلّ ما صدر منهم فهو الحقّ ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الصادق عليه‌السلام :

«أمّا أنّه ليس عند أحد من النّاس حقّ ولا صواب إلّا شيء أخذوه منّا أهل البيت ، ولا أحد من النّاس يقضي بحق وعدل وصواب إلّا مفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّله وسببه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإذا اشتبهت عليهم الاُمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا ، والصّواب من قبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

عن أبي مريم قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام لسلمة بن كميل والحكم بن عتيبة : «شرقا وغربا لن تجدا علماً صحيحاً إلّا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت» (٢).

وفي رواية أخرى :

«فليشرق الحكم وليغرب ، أمّا والله لا يصيب العلم إلا من أهل البيت نزل عليهم جبرئيل» (٣).

(وَإلَيكُمْ)

أي كلّ حقّ في أيدي النّاس فمرجعه إليكم لأنّه منكم أخذ ، أو أنكم الباعث

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٤ ، الامالي : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٩٦.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٢ ، لانّهم : معدن علم الله وخزّانه وما عند النّاس من صحيح علمٍ ، منهم إقتبسوه وما لم يقتبس منهم فهو الباطل.

(٣) نفس المصدر.

١٦٣

على وصوله الى الخلق وكلمات الحكمة التي توجد في كلام المخالفين كالحسن البصري ومن يحذو حذوه كلّها مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسائر الأئمّة الهدى عليهم‌السلام كما لا يخفى على الماهر البصير والمتتبع الخبير.

(وَأنْتُمْ أهْلُهُ)

فأنتم أهل لذلك الحقّ والصواب ، لأنّ جميع علوم الانبياء عليهم‌السلام والاوصياء انتهت الى نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنه إنتهت الى أهل بيت العصمة والطهارة بأجمعها.

(وَمَعْدِنَهُ)

كما تقدم الاشارة إليه.

(وَمِيرَاثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ)

اي ما تركه الانبياء عليهم‌السلام من ميراث فهو عندكم كألواح موسى وعصاه وحجره ، وصحف ابراهيم وموسى ، وسلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر مواريث الانبياء عليهم‌السلام أمثالها ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إنّ سليمان ورث داود ، وإنّ محمّداً ورث سليمان ، وإنّا ورثنا محمّداً ، وإنّ عندنا علم التّوراة والانجيل والزّبور ، وتبيان ما في الألواح ...» (١).

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة بعد عتمة (٢) وهو يقول همهمة همهمة (٣) ، وليلة مظلمة ، خرج عليكم الإمام ، عليه

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٨٧.

(٢) العتمة محركة الثلث الاول من الليل بعد غيبوبة الشفق.

١٦٤

قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان ، وعصا موسى عليهم‌السلام (٤).

وفي رواية اُخرى ، عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال :

«إنّ القائم «عجل الله تعالى فرجه الشريف» إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى منادي : ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ، فلا ينزل منزلاً؟ إلّا انبعث عين منه ، حتى ينزلوا النّجف من ظهر الكوفة» (٥).

ووردت أخبار كثيرة أن عند الائمّة الهدى عليهم‌السلام درع ولامة ومقفر وسيف وسائر سلاح وامتعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

وعشرات الاحاديث اُخرى اعرضنا عن ذكرها رجاء للاختصار.

(وإيابُ الخَلْقِ إلَيكُمْ)

فرجوع النّاس إليكم في الدّنيا لاُمور دينهم ودنياهم ولأخذ معالم دينهم وأحكام شرائعهم ، واصلاح معادهم ومعاشهم أو في الاخرة لأجل الحساب والشّفاعة في يوم الجزاء.

أو أن المراد منها ، أن النّاس يرجعون الى أقوالكم في نيل المقامات العلمية واستنباط الاحكام الدّينية ، ويلتجؤون الى حرمكم الشّريف ومراقدكم الطّاهرة عند الشّدائد والابتلاء.

__________________

(٣) الهمهمة : الكلام الخفي.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣١.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣١.

(٦) نفس المصدر : اُنظر باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومتاعه : ص ٢٣٢ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٠١ الى ٢٢٢ ، الارشاد : الشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٥٧ و ٢٥٨ ، الاحتجاج : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ص ٢٠٢ و ٢٠٣.

١٦٥

(وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ)

تشير هذه الفقرة المباركة الى كلام الله العظيم حيث يقول عزّ من قائل : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) (١).

يعني أنّ حساب الخلائق والناس في الشفاعة وانتظار الرحمة مفوّض الى أولياء الله تعالى ، كما يشعر به صيغة الجمع ، ولا استبعاد ولا شك في ذلك ، لان الله عزّ وجلّ وكّل بالعذاب والحساب والكتاب جمعاً من الملائكة ، والائمّة الهدى عليهم‌السلام أفضل من الملائكة.

عن سماعة قال : كنت قاعداً مع أبي الحسن الاوّل عليه‌السلام (٢) والنّاس في الطّواف في جوف الليل فقال لي عليه‌السلام :

«يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عزّ وجلّ حتمنا على الله عزّ وجلّ في تركه لنا ، فأجابنا الى ذلك ، وما كان بينهم وبين النّاس استوهبناه منهم فأجوبوا الى ذلك وعوضهم الله عزّ وجلّ» (٣).

وعن قبيصة عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم).

قال عليه‌السلام : فينا.

قال قبيصة : قلت : إنّما اسألك عن التفسير.

قال الإمام عليه‌السلام : «نعم يا قبيصة إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا إلينا فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله ، وما كان فيما بينهم

__________________

(١) الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) المقصود من أبي الحسن الاوّل الامام موسى الكاظم عليه‌السلام.

(٣) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٦٨ ، عن روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ١٦٢ ، ح ١٦٧.

١٦٦

وبين النّاس من المظالم أداه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم حتّى يدخلوا الجنة بغير حساب» (١).

وعن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين لفصل الخطاب ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا أمير المؤمنين عليه‌السلام فيكسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب ، ويكسى عليّ عليه‌السلام مثلها ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب النّاس ، فنحن والله نُدخل أهل الجنّة الجنّة ونُدخل أهل النّار النّار» (٢).

(وَفَصْلُ الخِطَابِ عِنْدَكُمْ)

فعندكم الخطاب الفاصل والكلام القاطع بين الحقّ والباطل ، أو عندكم الخطاب والكلام المفصول الواضح الدّلالة على المقصود.

ورد عن الإمام الرّضا عليه‌السلام في فصل الخطاب أن المراد منه معرفة اللغات ومعرفة الألسنة ، لانّهم يعرفون جميع اللغات والالسنة كما تقدم (٣).

(وَآياتُ اللهِ لَدَيكُمْ)

إمّا أن يكون المراد منها معرفة آيات الله عزّ وجلّ عندكم ، فأنهم أهل الذكر العالمون بتنزيله وتأويله ومحكمه ومتشابهه كما تقدم أو المعجزات التي أعطيت

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٢٧٢ ، عن تفسير فرات الكوفي : ص ٢٠٧ ، والآيتان ٢٥ و ٢٦ من سورة الغاشية.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي ، ج ٥ ، ص ٥٦٨ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٣١٦ ، عن المناقب رفعه الى جابر الجعفي رحمه الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ارشاد القلوب : للديلمي : ص ٢٥٦.

(٣) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٠ ، باب ١٤.

١٦٧

جميع الانبياء عليهم‌السلام لديكم ، أو أن مطلق براهين الله وآياته مخزونة لديكم.

عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول في هذه الآية : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (١) فأومى بيده الى صدره» (٢).

وفي رواية اُخرى ، قال عليه‌السلام : هم الائمّة (٣).

وعن أبي حمزة الثّمالي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

(وَعَزَائِمُهُ فِيْكُمْ)

وهي أنّ العزم والجد والاجتهاد والاهتمام في التّبليغ والصّبر على المكاره ، وإظهار الحقّ فيكم وردت ، وعليكم وجبت ، أو المراد منها أن الواجبات اللازمة التي لا يرخص في تركها عباد الله سبحانه ، إنما هي واجبة من واجبات حقّكم كوجوب متابعتكم والاعتقاد بامامتكم وجلالتكم وعصمتكم حيث لا يعذر النّاس في ترك واحدةٍ منها ، أو يراد منها العزائم التي أقسم الله سبحانه بها في القرآن كالشّمس والقمر والضحى والليل والتين والزّيتون والبلد الامين ونحوها إنما هي فيكم ، وأنتم المقصودون بها ، أو السّور العزائم أو سائر الأديان في المدح نزلت فيكم ، أو المعنى أنتم الآخذون بالعزائم دون الرخص (يعني لم ترتكبوا المحرمات والمكروهات) أو المعنى أن قبول الواجبات من الناس مشروط بمتابعتكم ومولاتكم ، وغيرها من الاحتمالات لا تسعها هذه الوجيزة.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٩.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٣) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ، بحار الانوار : للعلّامة الجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٠ ، باب ١٤.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢١٨ ، بصائر الدرجات : ص ٥٠.

١٦٨

(وَنُورُهُ وَبُرْهانُهُ عِنْدَكُمْ)

من العلوم الالهية ، والمعارف الرّبانية ، والهدايات السّبحانية ومن الدّلائل الظّاهرة والمعجزات الباهرة ، كلّ ذلك عندكم ، لأنّكم مظاهر آيات الله ومواضع أسراره وعلومه الرّبانية ، كما تقدمت الاشارة إليها.

(وَأمْرُهُ إلَيكُمْ)

وأمر الله سبحانه بالامامة أو أظهار العلوم (اليكم) يعني أن اختيار اظهار العلوم ونشر الحق وكتمانه إليكم ، كما ورد في جملة من الاخبار قال عليه‌السلام :

«أنّ الله فرض عليكم السّؤال ولم يفرض علينا الجواب» (١).

عن الوشاء قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٢).

فقال عليه‌السلام : «نحن أهل الذّكر ونحن المسؤولون».

قلت : فأنتم المسؤولون ونحن السّائلون.

قال عليه‌السلام : نعم.

قلت : حقّ عليكم أن تجيبونا.

قال عليه‌السلام : لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله تبارك وتعالى : (هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (٣) (٤).

والاخبار بهذا المضمون كثيرة.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٧٦ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١١.

(٢) النحل : ٣٤.

(٣) سور ص : ٣٩.

(٤) وردت هذه الرواية بهذه الصورة في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٧٧ ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٠.

١٦٩

يقول صاحب الانوار اللامعة في ذيل هذا الحديث : «وكان السر في ذلك أن بعض السائلين قد يكون منكراً لفضلهم وراداً لقولهم ، فقد يكون ترك الجواب أولى من الجواب ، وقد يكون الجواب على وجه التّقية متعيناً وبعضهم قد يكون مقراً بفضلهم ولكن في ترك جوابه ومصلحة يعرفها الإماام دون غيره ، فيجوز لهم ترك الجواب تحصيلاً لتلك المصلحة كما ورد في سؤالهم عن تعيين ليلة القدر والاسم الاعظم والقضاء والقدر وغيرها من المسائل التي امتنعوا عن الاجابه عليها لمصلحة كان فيه» (١).

(مَنْ وَلاكُمْ فَقَدْ وَالى اللهَ وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهِ وَمَنْ أحَبَّكُمْ فَقَدْ أحَبَّ اللهَ وَمَنْ أبْغَضَكُمُ فَقَدْ أبْغَضَ اللهَ وَمَنْ اعتَصَمَ بِكُمُ فَقَدْ إعْتَصَمَ بِاللهِ)

السر في هذا المطلب هو أن الله تعالى هو الآمر بمولاتهم ومحبتهم (٢) والاعتصام بهم ، والناهي عن معاداتهم وبغضهم ، فالموالي الحقيقي لهم موالٍ لله تعالى وهكذا.

وأيضاً يمكن أن يكون سر المطلب هو أنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا متخلقين بأخلاق الله ومتصفين بصفاته ، فكل ما ثبت للحقّ تعالى من الاشياء المذكورة ونحوها ثبت لهم ، كما قال الله تعالى في كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٣).

اذاً في هذه الآية الشريفة جعل الله البيعة لرسوله بمنزلة البيعة له سبحانه.

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١٣٩.

(٢) يمتحن العباد غداً بحبهم ، كما يقول ابن حماد :

يا أهل بيت النّبي حبّكم

تجارة الفوز للاُولى اتّجروا

يا أهل بيت النّبي حبّكم

يبلي به ربُّنا ويختبر

(٣) الفتح : ١٠.

١٧٠

وقال عزّ اسمه أيضاً : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

فقد إعتبر الله سبحانه في هذه الآية الظلم الى أولياءه بمنزلة الظلم له ، وصيغة الجمع تشعر هذا المعنى أيضاً.

وقال عزّ اسمه أيضاً : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (٢).

جعل غضب أوليائه بمثابة غضبه لأن الغضب لا يتصور في ذاته الأقدس.

وقال تعالى في الحديث القدسي : «من أهان لِي ولياً فقد بارزني بالمحاربة» (٣).

وقال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رآني فقد رأى الحق» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي حربك حربي وحربي حرب الله» (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وحرب علي حرب الله» (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (٧).

__________________

(١) البقرة : ٥٧.

(٢) الزخرف : ٥٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٨٣ ، وج ٦٧ ، ص ٦٥ ، وج ٧٠ ، ص ١٦.

(٤) ورد في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦١ ، ١٧٦ ، «من رآني في منامه فقد رآني» ورد في ص ٢١١ ، «من رآني فقد رآني فان الشيطان لا يتشبه بي» وكذلك : «من رآني نائماً رآني يقظاناً» ووردت هذه الرواية في كتب العامّة والخاصّة ، وبمختلف الالفاظ.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٣٤٨ ، عن كفاية الاثر : ٢٥.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وقد خيّم خيمة وفيها علي وفاطمة والحسن والحسين : سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، ولا يحبّهم إلّا سعيد الجدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلّا شقي الجدّ رديء المولد» المقتطفات : للعلّامة عيد روس بن أحمد الشقاف العلوي الحسيني الاندونيسي المعروف بابن رويش ، ج ١ ، ص ٢٩٢.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ٩٥ ، ح ١١ ، عن الامالي : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ٥٥.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٣ ، ص ١٩٨ ، العوالم : ج ٦ ، ص ٥٥ ، وويلٌ لمن سنّ ظلمها واذاها من الاولين والاخرين. وهي القائلة عندما دخلت عليها اُمّ سلمة فقالت لها : كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟

قالت عليها‌السلام : «أصبحت بين كمدٍ وكربٍ ، فقد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظلم الوصي ، وهتك والله حجبه ، أصبحت إمامته مقتصّةً على

١٧١

وعن حمزة بن يزيع عن أبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ).

إنّ الله عزّ وجلّ لا يأسف ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضاء الله وسخطهم سخط الله لانّه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس إن ذلك يصل الى الله كما خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال : «من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال الله تعالى : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ) (١).

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢).

وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرّضا والغضب وغيرها من الاشياء ممّا يشاكل ذلك ... الحديث» (٣).

يعني أنّ الرضا والغضب والاهانة والايذاء والبيعة وسائر الاشياء من هذا

__________________

غير ما شرع في التّنزيل ، وسنّها في التّأويل ، ولكنّها أحقاد بدريّة ، وتراث اُحديّة ، كانت عليها قلوب النّفاق مكتمنة لإمكان الوشاة ، فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الاثار من مخيلة الشّقاق ، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها ، وليس على ما وعد الله من حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين ، واُحرزوا عائدهم غرور الدّنيا بعد انتصار ، ممّن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشّهادات».

يا تُرى لمن تقصد سيدة النساء عليها‌السلام بكلامها هذا ، ولماذا بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فقدان أباها بين كمد وكرب؟ وأين كان المسلمون من مواساتها في حزنها على أبيها ، ومن هم الذين ظلموا الوصي؟ ومن هم الذين هتكوا حجب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهجموا على بيت الوحي والرّسالة ، ولماذا أصبحت الامامة مقتصة على غير ما شرع الله في التّنزيل ، وسنّها النّبي في التأويل؟ وماذا فعلت الاحقاد البدرية الاُحديّة؟ ومن كان وراء هذه الاحقاد؟ ومن تقصد عليها‌السلام من قلوب النّفاق والشّقاق؟ وما هو وتر الايمان؟ والى من وعد الله حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين؟ ومن الذي فتك بآبائهم في مواطن الكروب؟ وغيرها من التّساؤلات الكثيرة في هذا الكلام الذي يقرح القلب حزناً على سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، مع علمنا أنّها معصومة وطاهرة ومطهّرة وصادقة بالتنزيل والكتاب المبين ، ولا تنطق إلّا الحقّ والصّدق وما علمها أبوها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن الكتاب والحكمة وأسرار النّبوّة والامامة ، فتأمل يا أخي المسلم الباحث عن الحقيقة.

(١) النساء : ٨.

(٢) الفتح : ١٠.

(٣) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٠ ـ ٢١.

١٧٢

القبيل ، نسبتها الى أولياء الله عين نسبتها الى ذات الله الأقدس ، ففي رضاهم رضا الله وفي غضبهم غضب الله تعالى.

وعن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم ولكن خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) (٢). يعني الأئمّة منّا» (٣).

يعني المقصود من (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في الآية الشريفة الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام.

(أنْتُمْ السَّبِيلُ الأعْظَمُ)

اي جادة الهداية ، من سلكه نجا من المهالك والمخاوف ، ومن تخلف أو انحرف عنها ضل عن الصراط المستقيم.

(وَالصِّرَاطُ الأقْوَمُ)

يعني أنتم الصراط المستقيم والقويم في الدّنيا كما تقدم ، وطريق متابعتهم في العقائد والمعارف والافعال والاحوال والاقوال أقوم الطّرق وأمتنها وأحكمها في إيصال السّالك الى مراده.

(وَشُهَدَاءُ دَارِ الفَنَاءِ)

أي شهداء الله على خلقه في دار الدنيا كما اسلفنا في تفسير قوله تعالى : (فَاكْتُبْنَا

__________________

(١) البقرة : ٥٧.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٦٤٦.

١٧٣

مَعَ الشَّاهِدِينَ) (١).

ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) قال : «نحن هم ، نشهد للرّسل على اُممها» (٢).

وقال بعضهم إن المراد من الشّهداء أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد من الأمّة هم الأئمّة عليهم‌السلام (٣) في الآية الشريفة : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٤).

ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «إن الله تعالى إيانا عنى بقوله : (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه ...» (٥).

(وشُفَعاءُ دَارِ البَقَاءِ)

يعني يوم القيامة. وهذه الفقرة المباركة أشارة الى الآية الشّريفة : (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) (٦).

كما ان هذا المعنى مأثور عن الإمام الرضا عليه‌السلام وعن الامامين الهمامين الصادقين الباقر والصادق قالا عليهما‌السلام :

«والله لنشفعن والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى تقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ

__________________

(١) آل عمران : ٥٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٦ ، من مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، مجمع البيان : ج ١ ، ص ٤٤٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٦.

(٤) البقرة : ١٤٣.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٤ ، ومجمع البيان : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٤.

(٦) الانبياء : ٣٨.

١٧٤

الْمُؤْمِنِينَ ...) (١) (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام في قول الله تعالى : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) فقال : «الشّافعون الأئمّة ، والصديق من المؤمنين» (٣).

والمأثور عن هذا الإمام العظيم عليه‌السلام أنّه قال : «للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفاعة في امَّته ، ولنا شفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا شفاعة من أهل بيتهم» (٤).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنّة إلّا دخلوا أجمعين الجنّة».

قالوا : وكيف ذلك؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع فيهم فيشفع حتى يبقى الخادم فيقول : يا ربّ خويدمتي قد كانت تقيني الحرّ والقرّ (٥) فيشفع فيها» (٦).

الروايات بهذا المضمون كثيرة ، بل أن المنكر للشفاعة مرتد خارج عن الدين.

وقال صادق آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا ، المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشّفاعة» (٧).

واختلفوا في معنى الشفاعة وكيفيتها : قال العلّامة الحلّي رحمه الله في شرحه التجريد : اتفق العلماء على ثبوت الشّفاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى : (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا

__________________

(١) الشعراء : ١٠٠ و ١٠١.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٧ ، المحاسن : ج ١ ، ص ١٨٤.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٢ عن المحاسن : ج ١ ، ص ١٨٤.

(٤) نفس المصدر : بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٢ ، المحاسن : ج ١ ، ١٨٤.

ورد عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شفاعتي لأمّتي إلى من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي» رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج ٢ ، ص ١٤٦ طـ القاهرة ، والسيوطي في الجامع الصغير : ج ٢ ، ص ١٨٠ ، القندوزي في ينابيع المودة : ص ١٨٥ ، إحقاق الحقّ : ج ٩ ، ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، وغيرهم.

(٥) القرَّ : البرد.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٥٦.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة الجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٦ ، عن الامالي : للشيخ الصدوق رحمه الله : ص ١٧٧.

١٧٥

مَّحْمُودًا) (١) (٢).

وكذلك اختلفوا في معناها فقالت الوعيدية والمعتزلة : إنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب ، بمعنى أنّ الشفاعة ثابتة في حقّ أهل الجنّة لرفع درجاتهم وذهبت التفضلية إلى : أنّ الشفاعة للفساق من هذه الاُمّة في اسقاط عقوبتهم ثمّ قالوا : وهو الحق (٣).

وقال الشّيخ الجليل الصدوق رحمه الله : المؤمن هو الذي تسرّه حسنته وتسؤوه سيئته لقول النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ...» (٤).

ومتى ساءته ندم عليها ، والندم توبة ، والتّائب مستحق للشفاعة والغفران ، ومن لم تسؤه سيئته فليس بمؤمن ، وإذا لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة لأن الله غير مرتضٍ لدينه (٥).

يقول المؤلف : هذا الموضوع اشارة الى الآية الشّريفة السّابقة الذّكر : (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) حيث قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله لدينه» (٦).

ونظراً الى ما اسلفناه ، نعلم أن الشّفاعة واردة في أهل الذّنوب والخطايا من الاُمّة الذين ارتضى الله عزّ وجلّ دينهم ، فبالشفاعة تتساقط عنهم الذّنوب ، وينجون من نار جهنم.

__________________

(١) الاسراء : ١١٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦١.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة الملجلسي رحمه الله ، ج ٩ ، ص ٦٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٦ ، ح ٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٤ ، عن عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٧٨.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٤.

١٧٦

وهذا المعنى من الشفاعة موافق مع مقام الامتنان من الله عزّ وجلّ على رسله وأوليائه ، فيمنحهم منصب الشفاعة منَّةً عليهم وهكذا يكون الكشف عن علو مقام وعظمة مراتب أولياء الدّين بما أثبت لهم من الشفاعة ، رزقنا الله شفاعتهم في الاخرة.

(وَالرَّحْمَةُ المَوصُولَةُ)

اي المتصلة بالرحمة الالهية الغير المنقطعة ، لأنّ كلّ إمام منهم متصل بالامام الذي قبله وكلّ منهم رحمة للعالمين كجدّهم خاتم النّبيين وسيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك فسّر قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١).

ورد في بعض الرّوايات أنّ المراد من الاتصال هو : اتصال الائمّة الاطهار عليهم‌السلام ، إمام بعد إمام (٢).

(وَالآيَةُ المَخْزُونَةُ)

أي هم علامات وآيات قدرة الله تعالى في الارض ، ولكن معرفة ذلك كما يليق وينبغي مخزونة ومستورة إلّا عن خواصّ أوليائهم الذين كانوا موضع أسرارهم وودائع حكمهم أمثال : كميل بن زياد ، وسلمان المحمّدي ، وجابر الجعفي (رضوان الله عليهم جميعا) وغيرهم وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى أنّ الآيات هم الائمّة الهداة عليهم‌السلام (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما لله تعالى آية أكبر منّي ولا لله من نباء أعظم منّي» (٤).

__________________

(١) القصص : ٥١.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ١٣٢ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤١٥ ، ح ١٨.

(٣) اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

١٧٧

وفسروا بالآية الشّريفة : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (١) أنّه أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

(وَالأمَانَةُ المَحْفُوظَةُ)

إمَّا أن يكون المراد منها أن الله عزّ وجلّ حفظهم حتى يحفظوا دينه ويصونوا شريعته ، أو المراد أن حفظ الأمانة ، وهم الائمّة عليهم‌السلام واجبة على العالمين ولو بذلوا الأنفس والاموال في حراستها وحفظها ، لانّ قوام العالم والناس بها ونظام اُمور دينهم ودنياهم بها ، أو المراد نفس الائمّة أقوالهم محفوظة من الاندارس والاضمحلال وتبقى مصونة في جميع الازمنة ومقبولة عند جميع الاُمم ، ومقدرة ومحترمة كالشيء المطبوع حديثاً ، أو المراد أنّهم أصحاب الامانة المحفوظة بتقدير «ذو» وبهذا المعنى أنّ ولايتهم في (الامانة المحفوظة) المعروضة على السموات والارض في الآية الشريفة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٣) ففسروا الامانة بولايتهم (٤) ، أو المراد أن أمانة كل امام من لاحق محفوظة عند الامام السابق يؤديها إليه عند وفاته ، والمراد من الامانة بهذا المعنى الكتب والعلم والسلاح وسائر مواريث الانبياء عليهم‌السلام.

وروي عن أحمد بن عمر قال : سألت الرّضا عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) (٥) قال : «هم الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن

__________________

(١) النبأ : ١ و ٢.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٣) الاحزاب : ٧٢.

(٤) راجع تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٣١١ ـ ٣١٤ ، في تفسير ذيل هذه الآية الشّريفة.

(٥) النساء : ٦٢.

١٧٨

يؤدي الامام الأمانة الى من بعده ولا يخط بها غيره ولا يزوّيها عنه» (١).

وفي رواية اُخرى عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : «إيّانا عنى ، أن يؤدي الأوّل إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح ...» (٢).

أو المراد ما عندهم من ودايع وامانات النّاس تحفظ عندهم كما هو حقّه ، وأنّهم في حفظها وأدائها نالوا الدرجة العالية عن أبي حمزة الثمالي عن الإماام علي بن الحسين السّجاد عليه‌السلام قال : سمعته يقول لشيعته :

«عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمّداً أبالحقِّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي عليهما‌السلام ائتمنني على السيف الذي قتله له لأدَّيته إليه» (٣).

أو المراد منها أن الائمّة الهداة عليهم‌السلام في حفظ حدود العبادات وطاعة الله عزّ وجلّ في مثل الصلاة وغيره من الزيادة والنقيصة والشك والاثبات وملاحظة الاخلاص ومراتب الخشوع والخضوع يؤدونها ، لان الامانة فسرّت بالطاعة والعبادة في الآية الشّريفة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) وورد في رواية صحيحة :

«أن علياً عليه‌السلام اذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ...» (٤).

والاخبار في باب خضوع الأئمّة عليهم‌السلام وخضوعهم في طاعة الله والصلاة والوضوء وصلت الى ذروتها وتواترت والكتب الاسلامية مستفيضة من العمّة الخاصّة.

(وَالبَابُ المُبْتَلَى بِهِ النّاسُ)

لانّ الله عزّ وجلّ امتحن الناس بولايتهم ومتابعتهم ومن دخل باب ولايتهم

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٥ ، ص ١١٤ ، الامالي للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ١٤٨.

(٤) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣١٣ ، عن كتاب عوالي اللئالي.

١٧٩

ومتابعتهم نجى ومن تخلف هلك ، كما قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مثل أهل بيتي مثل باب حطّة من دخله نجى ومن لم يدخله هلك» (١). وبهذا اشارت الآية الشّريفة :

(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) (٢).

وهذا الأمر بالإستغفار هو أمر الله تعالى بني اسرائيل بالدّخول من ذلك الباب وبنطقهم هذا الكلام امتحنهم ، فمن دخلها نجى ، ومن لم يدخلها وقال بدل الحطّة حنطة هلك.

وبهذا المعنى تشير الآية الشّريفة : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (٣).

يعني الذين قالوا بدل الحطّة ـ التي تأتي بمعني الاستغفار ـ حنطة.

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «نحن باب حطّتكم» (٤).

ويمكن أن يكون اشارة الى كلام النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» (٥).

ومن جملة اللطائف الواردة في هذا الموضوع : هو أنّ أعرابياً دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فابتدأ بالسّلام على الامام علي عليه‌السلام ثمّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضحك منه الحضّار واعترضوا عليه ذلك وأنّه لماذا لم تسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٠٤ ، بشارة المصطفى : ص ٤٧ ، الامالي : لابن الشّيخ ، ص ٣٧ ، وورد بالفاظ اُخرى في ينابيع المودة : ج ١ ، ص ١٧ ، والحلبي في سيرته : ج ٣ ، ص ١١ ، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، لنور الله الحسيني : ج ٩ ، ص ٣٨٥ ، ٣٨٦.

(٢) البقرة : ٥٨.

(٣) البقرة : ٥٨.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٤٥ ، عن تفسير البرهان : ج ١ ، ص ١٠٤ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٢٦ ، وج ٢٣ ، ص ١٢٢.

(٥) اُسد الغابة : ج ٤ ، ص ٢٢ ، كفاية الطّالب : ص ٢٢٠ ، المناقب : للخوارزمي ، ص ٤٠ ، وينابيع المودة : للقندوزي الحنفي ، ص ٦٥ و ٧٢.

١٨٠